لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (التلخيص باستخدام خوارزمية التجزئة)

الجمل في الحضارة المصرية القديمة
من المرجح جدا أن الجمل المستأنس قد تم إدخاله إلى وادي النيل بعد أن انتشر من موطنه الأصلي في جنوب شبه الجزيرة العربية عبر مضيق باب المندب ثم عبر أرض الصومال والنوبة وصولا إلى صعيد مصر وذلك قبل عصر الأسرات المبكر.
وتعتبر صورة الجمل من الهيئات الحيوانية النادرة في الفن المصري القديم،
وقد ظهرت تلك الهيئة على فترات متباعدة في الفنون المصرية سواء في النقوش والرسوم الصخرية أو على هيئة دمى وتماثيل صغيرة.
وما زال تأريخ بعض هذه الأعمال الفنية محل خلاف بين الباحثين،
في ظل غياب صورة الجمل في النقوش المصورة على جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة،
بالإضافة إلى تأخر ظهور اسم الجمل في النصوص المصرية.
وقد حاولنا هنا تتبع صورة الجمل في الفنون المصرية على مر العصور كما يلي:
لم تظهر صورة الجمل ضمن الهيئات الحيوانية المصورة في الرسوم الصخرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم الأعلى وهو بداية ظهور النقوش والرسوم الصخرية في مصر،
وذلك على الرغم من وجود عظام الجمل في مصرفي بعض المواقع الأثرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم والوسيط بمنطقة بير طرفاوي على بعد حوالي BT-14.
فقد كشفت الحفائر في الموقع ٣٥٠ كم من نهر النيل بصحراء مصر الغربية،
على كميات ضخمة من العظام الحيوانية،
كان منها عظام الجمل،
والتي أُرخت بواسطة كربون ١٤ المشع بحولي٤٣٠٠ ق.
م. كما لم تظهر صورة الجمل في فنون العصر الحجري الحديث والنحاسي والجدير بالذكر وجود حفريات للجمل من عصر البلايستوسين إلى الشرق من مصر في الجزيرة العربية وبلاد الشام ضمن النقوش والرسوم الصخرية.
عصر ما قبل الأسرات: (3100 – 4000 ق.
ظهرت هيئة الجمل كعمل فني تشكيلي لأول مرة في مصر خلال عصر ما قبل الأسرات فيما هو معروف حتى الآ ن حيث كشفت حفائر جامعة القاهرة في المعادى على قطعة من الصلصال المحروق من المحتمل أنها تمثل رأس جمل غير مكتملة وبها آثار للون أحمر ربما يمثل لجام الجمل،
وهذه الرأس محفوظة في متحف جامعة القاهرة.
(لوحة ١) وذلك خلال موسم 1930- 1931 قامت جامعة القاهرة بأعمال التنقيب في موقع من العصر الحجري الحديث في المعادي وقد كشفت عن رأس خزفي لجمل ظهرت عليه علامات التآكل وقت اكتشافه،
يمثل جمل به آثار ألوان حمراء على بيضاء ومحفوظ حاليا بمتحف كلية الآثار جامعة القاهرة.
كما توجد بمجموعة "والتر آرت جاليري" رأس تمثال لجمل من العاج غير معروف مكان اكتشافه ويبلغ طول الرأس ٤,
٧ سم،
، وتؤرخ بأواخر عصر ما قبل الأسرات (لوحة ٢) ،
وهي مكسورة عند العنق.
ونلاحظ أن العينين مجوفتان مما يٌحتمل معه تطعيمهما بمادة أخرى.
ويوجد في متحف برلين لوحة حجرية سوداء اللون (رقم ٢٢٦٩٧ ) ،
مكان اكتشافها غير معروف،
ومؤرخة بعصر ما قبل الأسرات،
تمثل جملا باركًا،
شُكلت أرجله مثنية أسفل منه.
ويظهر من ملامح الوجه أن الفم عبارة عن خط محزوز،
والعينان مجوفتان،
ربما أنهما كانتا مطعمتين بمادة مختلفة،
كما نلاحظ أن الظهر محدب والذيل قصير.
وقد عُثر في المقبرة رقم 58C4 في أبو صير الملق على إناء من الحجر الجيري الأصفر مشكل على هيئة جمل بارك،
يبلغ ارتفاعه 6.
4 وطوله ١٠ سم (لوحة ٣) وهي حاليا في متحف برلين رقم 185.
93،
ويؤرخ هذا الإناء بأواخر عصر ما قبل الأسرات (نقادة الثالثة تقريبًا) .
ونلاحظ فوهة الإناء واسعة ومربعة الشكل تقريبا،
وتعلو ظهر الجمل،
ويوجد أسفل حافة الإناء أربعة ثقوب ربما للتعليق.
وتبرز رقبة ورأس الجمل من الإناء.
وقد ُنحتت تفاصيل الرأس بالنقش البارز وكذ لك تفاصيل السيقان وانثناءتها أسفل الجسم على النحو المعتاد.
ومن المحتمل أن هذه القطعة تمثل جمل يحمل على ظهره حمولة.
وبصفة عامة لم يُعثر على مثل هذه الهيئة الحيوانية ضمن ما عُثر عليه من أواني بعد ذلك إلا فيما ندر.
ويتضح من هذه النماذج المؤرخة بعصر ما قبل الأسرات أن هيئة الجمل كانت معروفة على الأقل لدى بعض سكان موقعي المعادي وأبو صير الملق،
في ظل عدم معرفة مكان اكتشاف رأس مجموعة "والتر آر ت جالير ي" ولوحة متحف برلين.
وعلى الرغم من أن ملامح هذه القطع الفنية ليست بالوضوح الكافي الذي يؤكد على أنها تصور الجمل،
إلا أن تأريخ بعض صور الجمل في النقوش والرسوم الصخرية في بعض وديان الصحراء الشرقية مثل وادي الريان ووادي أبو واصل بعصر ما قبل الأسرات ،
يرجح معرفة المصريين للجمل خلال ذلك العصر.
وحتى لو لم يكن الجمل مستأنسًا في تلك المواقع المصرية فمن المحتمل أن هذه القطع قد جاءت نتيجة تأثيرات حضارية من مناطق بادية الشام وشمال غرب الجزيرة العربية.
وقد يؤكد ذلك نتائج الحفائر والبحوث الأثرية الحديثة في موقع المعادي والتي أثبتت قيام حضارة المعادي خلال النصف الأول من عصر ما قبل الأسرات بدور الوسيط التجاري بين حضارات مصر السفلى وما وراءها من مناطق جنوب بلاد الشام وشمال غرب الجزيرة العربية من ناحية،
وحضارات مصر العليا في صعيد مصر من ناحية أخرى.
وإذا صح ذلك الفرض،
فالسؤال الذي يطرح نفسه هل كان الجمل مستأنسًا في هذه المناطق،
واستخدم في نقل البضائع التجارية منذ ذلك العصر؟ وهذا السؤال يصعب الإجابة عليه على وجه اليقين في الوقت الحالي بسبب وجود خلاف بين الباحثين حول العصر الذي إستؤنس فيه الجمل في مناطق الشرق الأدنى والجزيرة العربية.
وربما تكشف الحفائر الأثرية الحالية في أكثر من موقع في شمال غرب الجزيرة وبادية الشام عن أدلة أثرية أكثر يقينًا حول هذا الموضوع.
عصر الأسرات المبكر: (3100 – 2686 ق.
يُعرف هذا العصر أيضًا بعصر بداية الأسرات أو العصر العتيق ويشمل الأسرتين الأولى والثانية،
وكان ظهور الجمل في فنون العصر المبكر محدودًا بقطعتين في حدود معلوماتنا حتى الآن.
القطعة الأولى وجدها بتري في معبد أبيدوس،
وهي عبارة عن رأس جمل مشكلة من الفخار،
ُتؤرخ بعصر الأسرة الأولى،
طولها ١٢ سم،
وارتفاعها ٦سم،
ومحفوظة في متحف كلية الجامعة بلند ن(لوحة ٤).
وتتميز هذه الرأس بوضوح ملامحها نوعًا ما،
والتي تم تشكيل الفم والأنف والعينين بطريقة التحزيز.
والقطعة الثانية اكتشفها كويبل في معبد هيراكنبوليس (الكوم الأحمر)،
وهي عبارة عن رأس جمل من الفخار مؤرخة أيضًا بعصر الأسرة الأولى،
ومحفوظة في المتحف الأشمولي بأكسفورد ( ( E3266 (لوحة ٥) .
وعلى الرغم من عدم وضوح ملامحها،
إلا أن استطالة الوجه وشكل الفم وفتحة الأنف تدل على أنها تصور جمل.
كما عثر (موللر) في منطقة أبو صير الملق داخل مقبرة من الأسرة الأولى على إناء مرهم من الحجر الجيري على شكل الجمل الراقد،
وموجود الآن في متحف برلين.
وهنا يعتقد (زونر) أنه يمثل الجمل الذي يحمل حمولة ،
على الرغم من أن ( جلانفيل وفرانكفورت) تشككا في كونه من صنع مصري،
في حين أن (سميث) يؤكد أن محاولات التدجين الأولى للجمل لا تقبل الشك في فترة ما قبل الأسرات.
وقد عثر زكي سعد على عظام رقبة جمل وبعض ضلوعه في المقبرة رقم 5 -H720 بحلوان ،
وترجع إلى عصر الأسرة الأولى.
وقد دفعت هذه الشواهد الأثرية كلا من Emeryو Childe،
إلى الاعتقاد بأن الجمل كان من بين الحيوانات التي استأنست في مصر خلال عصر بداية الأسرات.
فإذا صح أن كل من رأس أبيدوس وهيراكونبوليس تمثل جمل،
فهي تدل على استخدامه في نقل البضائع والتجارة على الأقل في المناطق الصحراوية والمسافات الكبيرة،
أو على الأقل معرفة المصريين له عن طرق احتكاكهم وتعاملهم مع جيرانهم في مناطق بادية الشام وشمال شبه الجزيرة العربية .
وقد أكد (واليس بدج) " أن الجمل كان معروفا لدى المصريين القدماء في عصر ما قبل الأسرات ،
وقد تم العثور على أشكال خزفية للجمل في نقادة ،
كما اتفق ( تشايلد وإمري) على مكانية إدراج الجمل ضمن الحيوانات التي كان يربيها المصريون القدماء خلال الأسرة الأولى والثانية.
هذا وقد وجد (وينكلر) في الصحراء الشرقية بالقرب من وادي أبو واصل على نقوش صخرية تم تنفيذها بالنقر والرسم،
وكانت المنفذة بالنقر تشبه – من حيث الأسلوب والزمن – الفنون الصخرية الحيوانية الأخرى من عصور ما قبل التاريخ،
في حين كانت الأشكال المرسومة أحدث زمنيا .
عصر الدولة القديمة: (2687 – 2190 ق.
تشمل الفترة الممتدة من بداية الأسرة الثالثة وحتى نهاية الأسرة السادسة،
وقد ظهرت هيئة الجمل في النقوش الصخرية في النوبة السفلى خلال عصر الدولة القديمة .
كما يوجد نقش صخري بالقرب من أسوان،
يصور رجل يقتاد جمل بحبل،
ومن أمامه نقش هيراطيقي مؤرخ بعصر الأسرة السادسة (لوحة ٦) .
هذا وُتؤرخ صورة الرجل والجمل بنفس العصر بناء على تشابه أسلوب نحت الصور مع النص الهيراطيقي.
وُتعد هذه الصورة هي أقدم الصور الواضحة والمؤكدة والمؤرخة للجمل في الفنون المصرية القديمة.
وفيها يظهر الجمل في حالة حركة،
حيث يرفع رأسه لأعلى ويتطلع إلى الأمام بوجهه الغير واضح التفاصيل باستثناء خطين يشيران إلى الأذنين،
كما يقدم الساقين البعيدتين خطوة واسعة نحو الأمام.
وقد وفق الفنان في تصوير هيئة الجمل أكثر من الهيئة الآدمية.
والجدير بالذكر أنه عثر أثناء الحفائر التي أُجريت في موقع أم الصوان شمال الفيوم في بدايات القرن العشرين،
على حبل أو خيط مفتول،
طوله حوالي ٣ أقدام و ٦ بوصات.
وقد أثبتت التحاليل المعملية الدقيقة بمتحف التاريخ الطبيعي أنه من وبر الجمال .
وقد أُرخ هذا الحبل بناء على الفخار الموجود معه بعصر الأسرة الثالثة أو بداية الأسرة الرابعة .
وتأتي أهمية هذا الأثر من كونه لا يدل فقط على وجود الجمل،
وإنما يؤكد أيضًا على استئناسه سواء كان ذلك في صحراء مصر أو في المناطق المجاورة في شمالها الشرقي أو في أقصى الجنوب بالنوبة وما وراءها.
عصر الدولة الوسطى: (2000 – 1650 ق.
وقد وُجد ضمن ودائع أساس المعبد المصري في ميناء جبيل بلبنان على تمثال لجمل منحوت من الحجر،
طوله حوالي ٤٢ سم،
يمثل جملا باركًا،
به ثقب في الظهر،
وُنحت حول الفم حبل ملفوف (لوحة ٧).
وهو يُعد فريدًا في هيئته التي تصور الجمل يلتفت برأسه نحو الجانب.
واعتبر مونتييه أن هذه القطعة مصرية الصنع،
حيث عثر عليها بين آثار مصرية ُتؤرخ بالفترة الممتدة من 2000 إلى 1500 ق.
كما عُثر أثناء المسح الجيولوجي في الفيوم على جمجمة جمل بجوار فخار مؤرخ بالفترة الممتدة من ٢٠٠٠ إلى 1400 ق.
م. ،
أي أنها من نفس العصر الذي يعود إليه تمثال الجمل من جبيل.
عصر الدولة الحديثة: ( 1569 – 1076 ق.
يعتبر عصر الدولة الحديثة في مصر هو عصر الانفتاح على العالم الخارجي،
ويشمل هذا العصر الأسرات من الثامنة عشر وحتى نهاية الأسرة العشرين حيث امتد النفوذ المصري ليشمل مناطق واسعة من بلاد الشام،
وتوطدت صلات مصر وتأثيرها المتبادل مع مناطق الجزيرة العربية،
والتي نالت جانبًا من اهتمام المصريين للحصول من مناطقها الجنوبية الغربية (اليمن) على مستلزمات معابدهم من البخور واللبان بطريق مباشر دون الاعتماد على الوسطاء وتجنب نفقاتها الباهظة.
وربما انعكس ذلك الاتصال المباشر على ظهور الجمل بشكل واضح في بعض أعمال الفنون التشكيلية صغيرة الحجم خلال عصر الدولة الحديثة.
وقد ذُكر أنه كان يوجد في متحف اللوفر تمثال صغير لجمل يقال أنه من عصر العمارنة (الأسرة 18) ولكنه لم يُنشر .
كما عُثر على تمثال لجمل في الميدامود مؤرخ بالقرنين الخامس عشر والرابع عشر ق.
وفي إحدى المقابر بجبانة ريفة بأسيوط والتي ترجع إلى عصر الأسرة التاسعة عشر،
عثر على تمثال من الفخار لجمل يحمل فوق ظهره إناءين (لوحة ٨) ،
مما يدل على استخدام الجمل ربما في نقل البضائع.
ونلاحظ أنه يوجد كسر عند الرقبة،
والجزء السفلي من الأرجل مفقودة.
ومن معبد أوزيريس في أبيدوس عُثر على تمثال لجمل محفوظ في المتحف المصري بالقاهرة (CG3830)،
والتمثال مشكل من الفخار المزجج،
لونه أزرق مائل إلى الأخضر.
(لوحة9) والتمثال مشكل يدويًا،
ويصور الجمل باركًا ورأسه المرفوعه لأعلى ذات ملامح واضحة،
حيث ترتفع الأذنان لأعلى،
وتتطلع العينان للأمام،
والفم مفتوح.
وفوق مقدمة ظهر الجمل يجلس رجل يمد يديه للأمام وكأنه يمسك اللجام،
كما نلحظ وجود ثقب في يديه.
وعلى الرغم من عدم وضوح ملامح رأس الرجل،
إلا أن هيئته أقرب ما تكون إلى هيئة الأسيويين.
ويحمل الجمل على جانبي ظهره خمسة أواني،
منها أربعة ذات مقابض موزعة على الجانبين،
والإناء الخامس فوق السنام،
وهو إناء طويل على شكل زهرة.
ونجد أن الأواني مزخرفة بخطوط رأسية.
وتدل ملامح ووضعية التمثال على أنه يصور الجمل وكأنه يتهيأ للوقوف.
وقد اختلفت الآراء حول تأريخ هذا التمثال فيما بين نهاية عصر الرعامسة أي أواخر الألف الثاني ق.
م.،
وحتى العصر البطلمي.
وإن كان الرأي الأرجح أنه يعود إلى النصف الأول من الألف الأول ق.
م.،
حيث أن تشكيله يدويًا وليس مصبوبًا في قالب كما هي العادة في العصر البطلمي،
كما وجدت أدلة أثرية قوية وواضحة على استخدام سكان الجزيرة العربية للجمل في تجارة القوافل خلال تلك الفترة.
وفي أقصى جنوب مصر،
اكتشف بتري نقوش صخرية بالقرب من جبل السلسلة،
صورت مجموعة من الجمال،
والتي أرخها بالفترة الممتدة من 1320-1567 ق.
م .
ويدل وجود صور للجمل في جنوب مصر في مناطق النوبة السفلى والعليا على احتمال استخدامه في أعمال التجارة وتبادل السلع مع المناطق الجنوبية.
كما تدل التماثيل الصغيرة المؤرخة بعصر الدولة الحديثة على استخدام الجمل في نقل البضائع إلى مصر،
أو أنه تأثير خارجي وافد من شمال غرب الجزيرة العربية أو بادية الشام على أقل تقدير.
لكن اكتشاف بتري الأكثر أهمية كان أثناء التنقيب في الرفعة في مقبرة من الأسرة 19 بالمقبرة الشمالية ،
حيث عثر على تمثال صغير لجمل يحمل جرتين من الماء،
ولم يكن هناك ما يدل على اعادة استخدام المقبرة لاحقا،
ونمط شكل التمثال من الفخار ذو الأصابع الخشنة من الأسرة 19 ويختلف تماما عن أي من الأشكال الرومانية المصبوبة،
وجرة الماء من نوع الأسرة 18 إلى 19 وليست من الشكل المستخدم في العصر اليوناني أو الروماني،
ونظرا للأسلوب المميز للتمثال وطريقة صنعه وعدم وجود أية دلائل لإعادة استخدام المقبرة مرة أخرى فقد أكد (بتري) أنه من وقت مبكر من عصر الرعامسة (الأسرتان 19 – 20)،
وكان من الشائع استخدام الجمل لحمل الأغراض ،
كما عثر (فرايهير فون بيسينج) في بنها على صورة مزججة لجمل يحمل جرة مياه مطلية يرجع أيضا لعصر الرعامسة.
وهكذا يمكن القول أنه بحلول عام 1300 ق.
م. على الأقل كانت الجمال معروفة نسبيا كحيوانات حمل منزلية في مصر القديمة.
العصر المتأخر: (1075 – 332 ق.
ويشمل العصر المتأخر الأسرات الحادية والعشرين إلى الأسرة الثلاثين،
ويتميز ذلك العصر بأن استخدام الجمل لم يعد مقصورًا فقط على نقل المنتجات والسلع التجارية،
وإنما اسُتخدم أيضًا في مساعدة وتجهيز الجيوش في منطقة الشرق الأدنى القديم.
فقد ذكرت النصوص أن القبائل العربية قد زودت الملك الآشوري "أسرحدون" بالجمال لمساعدة جيشه على اجتياز الصحراء أثناء غزوه لمصر حوالي عام ٦٧١ ق.
م. كما ذكر هيرودوت أن الملك الفارسي قمبيز أمر بحمل قرب الماء المصنوعة من جلد الجمال على ظهورها لتزويد قواته أثناء عبوره المناطق الصحراوية في حملته على مصر حوالي عام ٥٢٥ ق.
ويبدو أن الجمل كان مألوفًا في مصر خلال العصر المتأخر،
حيث أصبحت صورته أكثر وضوحًا عن تلك التي تعود إلى عصر الدولة الحديثة،
وذلك على الرغم من ندرتها ،
ظهرت صورة الجمل على كسرة من قاعدة طبق من الفخار المزجج والمؤرخ بالعصر المتأخر والمحفوظ بالمتحف البريطاني (65553 BM.
C)،
فعلى أحد جانبي الكسرة أفريز من الحيوانات الصحراوية،
حيث لم يظهر الجمل بمفردة،
وإنما صور ضمن مجموعة من الحيوانات البرية التي شملت بالإضافة إلى الجمل الظبي والغزال والوعل واللبؤ ة والنعامة.
وعلى الجانب الآخر من كسرة الفخار المزجج صورة المعبود بس،
وهذه الصور منفذه بأسلوب النقش الغائر.
كما نُقشت صورة جمل على قطعة من الحجر من أحد التلال الأثرية بمركز منوف ويصور النقش مجموعة من الحيوانات حول زهرة متفتحة في الوسط،
ويحيط بالحيوانات إطار على هيئة إكليل من الزخارف النباتية.
والحيوانات المصورة هي الفيل والحمار والظبي والغزال بالإضافة إلى الجمل (لوحة ١٠) ،
ونلاحظ أن الجمل كغيره من الحيوانات مصور في وضع حركة بتقديم الساقين البعيدتين عن المشاهد،
والوجه بدون تفاصيل باستثناء إشارة بسيطة للأذن،
والذيل قصير،
غير أن ارتفاع السنام لا يتناسب مع الواقع.
كما نلاحظ أن صورة الجمل تتقدم على الحمار،
ومما سبق يتضح أن هيئة الجمل أصبحت معتادة في مصر خلال العصر المتأ خر،
حيث صور ضمن مجموعات من الحيوانات الأخرى،
كما عُثر على جمجمة جمل أثناء المسح الجيولوجي في شمال بحيرة الفيوم في عام ١٩٣٤ م.
وهذه الجمجمة محفوظة في المتحف الجيولوجي بالقاهرة.
وقد أكدت التحاليل الكربونية على أن الجمل المستأنس قد عُرف في مصر في أوائل الألف الأول ق.
م. على أقل تقدير .
وتأكد ذلك من خلال التحاليل الكربونية التي أُجريت على بقايا عظمية لجمل من قصر أبريم الواقعة إلى الجنوب من أسوان بحوالي ١٤٠ كم حيث أعطت تأريخًا يعود إلى بدايات الألف الأول ق.
وعندما دخل ا لاسكندر الأكبر مصر عام ٣٣2 ق.
م، يبدو أنه استخدم الجمال في رحلته الشهيرة إلى واحة سيوه لزيارة معبد آمون.
وازداد استخدام الجمال في عصر البطالمة في مصر على الرغم من ازدهار طرق التجارة البحرية،
فقد قام الملك بطلميوس فيلادفيوس ( 285 - 247 ق.
م) بتمهيد الطرق التجارية عبر الصحراء الشرقية،
والتي تربط بين قفط وموانى البحر الأحمر،
واستخدم الجمل لنقل البضائع على هذه الطرق الصحراوية.
ولم يقتصر استخدام الجمل بمصر في عصر البطالمة على الطرق البرية التي تربط بين وادي النيل والبحر الأحمر فقط،
وإنما اسُتخدم أيضًا في نقل البضائع ولاسيما البخور والمواد العطرية عبر الطريق البري الذي يصل بين مصر وشمال غرب الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام،
حيث عين البطالمة في غزة (التي أطلق عليها إسترابون رأس طريق البخور) موظفًا حمل لقب المشرف على إدارة البخور.
ولعل ذلك يفسر العثور على كميات كبيرة من عظام الجمال المؤرخة بالعصر الهلينستي في موقع تل جمة في جنوب غزة بفلسطين،
مما يدل على ازدهار تجارة القوافل التجارية،
حيث يوجد هذا الموقع على الطريق البري بين مصر وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام.
ولم يقتصر استخدام الجمل في العصر الروماني في النقل بالطرق الصحراوية فقط،
وإنما أيضًا في داخل مناطق وادي النيل.
ونتيجة لما سبق ازداد ظهور الجمل في الفنون المصرية في العصر اليوناني والروماني،
حيث وُجدت بعض التماثيل التي تصور الجمل بحمولته أو بدون حمولة ومنها تمثال بالمتحف البريطاني (رقم 37628 ) يصور جمل يحمل على ظهره حمولة مكونه من ست أواني ثلاثة على كل جانب.
ونلاحظ أن الفنان قد وفق في تشكيل الملامح الرئيسية للجمل (لوحة 11) ،
وعلى الرغم من فقدان الجزء الأسفل من الأرجل،
بالإضافة إلى تشكيل كل ساقين ملتصقين مع بعضهما البعض،
صور الجمل وكأنه في حالة حركة،
وذلك من خلال امتداد الساقين الأماميتين نحو الأمام والخلفيتين إلى الخلف،
وارتفاع الرقبة وتطلع الوجه ولاسيما العينين نحو الأمام.
كما يوجد تمثال آخر بإحدى المجموعات الخاصة(Fouquet) يمثل جمل يشبه في طريقة تشكيله بالتمثال السابق،
وإن كانت ملامح وجهه أكثر وضوحًا و يتطلع للأمام.
ووفق الفنان في تشكيل العنق بانحناءته الطبيعية الجميلة،
في حين أن حركة الأرجل غير واضحة،
فالساقين الأماميتين كتلة واحدة وكذلك الخلفيتين،
وحمولته عبارة عن سلتين ممتلئتين بالعنب على جانبي ظهره (لوحة 12).
وعُثرعلى تمثال من الفخار في منف ومحفوظ في متحف كلية الجامعة بلندن(UC 48026) يصور جمل واقف،
رقبته مستقيمة،
وتتطلع رأسه لأعلى ويحمل ستة أواني ،
ثلاثة على كل جانب،
ويوجد تمثال لجمل من الفخار المشكل من الطمي ،
عُثر عليه في منف ومؤرخ بالعصر الروماني ،
ومحفوظ في متحف كلية الجامعة بلندن ( 48033( UC (لوحة ١٤ ) .
وهو يمثل جمل واقف،
ويوجد ثقب يخترق الرقبة،
والأقدام مجوفة،
ويميل لون السطح إلى الأبيض،
وهناك خطوط ملونة باللون الأحمر الغامق والأسود تمتد من الرقبة إلى السنام،
وتصل ما بين الساق الأمامية والخلفية.
كمايوجد في مخزن المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية تمثال صغير من الفخار الأحمر لجمل عثر عليه في الفيوم،
ويؤرخ بالعصر الروماني رقم ( (P 10778 (لوحة١٥) .
وعلى الرغم من أنه غير مكتمل بسبب فقدان جزء من مؤخرته والساقين الخلفيتين والجزء السفلي من الساقين الأماميتين،
إلا أنه يُعد عملا مميزًا لوضوح ملامحه،
ولاسيما ما يتعلق بمحاولة تشكيل العناصر التشريحية للعنق وأعلى الساق الأمامية.
ويزين العنق زخرفة دائرية بارزة ربما ترمز إلى عقال البعير،
كما قد تدل الخطوط الدائرية المحزوزة حول الرقبة إلى ثنيات عنق الجمل.
كما ظهرت هيئة الجمل ضمن نقوش ذلك العصر،
فعلى جانب مقعد تمثال أحد الأفراد من عهد تيبريوس،
نقش يصور جمل يسير سيرًا طبيعيًا حيث يقدم الساقين البعيدتين خطوه للأمام.
وقد عُثر على هذا التمثال في مدينة هابو،
وهو محفوظ في المتحف المصري بالقاهرة (1191CG ).
ويوجد على موقع متحف كلية الجامعة بلندن أيضًا قطعة من الجص عليها صورة جمل مصور في حالة حركة،
حيث يقدم الساقان البعيدتان خطوة للأمام (لوحة 16) ،
وقد وفق الفنان في تشكيل العناصر التشريحية للجمل ولاسيما الجزء العلوي من الساقين القريبتين من المشاهد.
ويمكن القول بأن هذه الهيئة ُتعد من أوضح صور الجمل التي وصلت إلينا من مصر من العصور التاريخية القديمة.
كان من الممكن أن يلقي اكتشاف تماثيل للجمال التي تعود للأسرة الأولى وبداية الحضارة المصرية القديمة مزيدا من الأضواء على تاريخ الجمل في مصر القديمة،
لو كان قد حظى بمزيد من الاهتمام.
ويجب أن نتذكر أن البقايا النباتية والحيوانية،
منذ وقت ليس ببعيد،
لم تكن تحتل مرتبة عالية من الاهتمام بين علماء الآثار،
وبالتالي لا أحد يمكن أن يعرف كميات عظام الإبل والحيوانات الأخرى التي تم التخلص منها من قبل المنقبين قبل أن يتم دراستها بشكل صحيح،
أو تلك التي قد اندثرت وتحطمت.
لعبت الإبل دورًا كبيرًا في التاريخ الحضاري لمصر القديمة،
وقد اختلفت آراء الباحثين حول تحديد الفترة التي اسُتؤنس الجمل خلاله.
فهناك من يعود بذلك لتاريخ مبكر وهو الألف الرابع ق.
م. وذلك بناء على الأدلة الأثرية في مصر ووادي الرافدين.
ويرى فريق آخر أن استئناس الجمل حدث في أواخر الألف الثالث وبدايات الألف الثاني ق.
م. وهناك من يرى أن ذلك حدث في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ق.
م .
وعمومًا فقد دلت الشواهد الأثرية على معرفة المصريين القدماء بالجمل منذ عصر ما قبل الأسرات،
وليس معنى ذلك أنه كان معتادًا في وادي النيل في مصر،
ولكن على الأقل كان مستخدمًا في عبور المناطق الصحراوية،
وفي الأقطار المجاورة لمصر سواء في جنوبها أو شمالها الشرقي،
في حين يبدو أن الحمار كان وسيلة النقل الأساسية داخل الوادي كما هو واضح على جدران مقابر الأفراد منذ عصر الدولة القديمة.
وأصبح الجمل مألوفًا على الأقل في أواخر العصر المتأخر مع استخدام الغزاة من الآشوريين والفرس له في اجتياز الصحراء بتجهيزاتهم العسكرية.
واسُتخدم على نطاق واسع في العصر اليوناني والروماني مع ازدهار التجارة في العالم القديم،
فأصبح الجمل الحيوان الرئيسي لنقل البضائع والسفر عبر الصحراوات الشاسعة في مناطق الجزيرة العربية والشرق الأدنى.
ونتيجة لذلك شاع تمثيل الجمل في الفنون المختلفة في هذه المناطق ومنها مصر بطبيعة الحال.
١ - رأس جمل من الفخار من المعادي- عصر ما قبل الأسرات
٢ - رأس جمل من العاج- مجموعة والتر آرت جاليري
٣- إناء على هيئة الجمل من أبو صير الملق
٤- رأس جمل من الفخار من معبد أبيدوس- متحف كلية الجامعة بلندن
٥ - رأس جمل من الفخار من معبد هيراكنبوليس- المتحف الأشمولي
٦- رجل يقود جمل على صخرة بالقرب من أسوان
٧- تمثال جمل من الحجر من المعبد المصري في أبيدوس
٨- تمثال جمل من الفخار من ريفا
٩- تمثال جمل من الفخار المزجج بالمتحف المصريCG 3830
١٠- الجمل مع مجموعة حيوانات على قرص حجري
١١ - جمل يحمل ستة أواني بالمتحف البريطاني- العصر الروماني
١٢ - جمل يحمل سلتي عنب بمجموعة Fouquetمن العصر الروماني
١٣ - جمل من الفخار بمتحف كلية الجامعة بلندنUC 48026
14- جمل من الفخار بمتحف كلية الجامعة بلندن UC 48033
15- جمل من الفخار بالمتحف اليوناني الروماني P.
١٦ - هيئة جمل يسير على قطعة من الجص بمتحف كلية الجامعة بلندن
17- قنينة بمتحف كلية الجامعة بلندن UC 19516
مناظر لنقوش صخرية للجمل


النص الأصلي

الجمل في الحضارة المصرية القديمة
أ.د. سمير أديب*
من المرجح جدا أن الجمل المستأنس قد تم إدخاله إلى وادي النيل بعد أن انتشر من موطنه الأصلي في جنوب شبه الجزيرة العربية عبر مضيق باب المندب ثم عبر أرض الصومال والنوبة وصولا إلى صعيد مصر وذلك قبل عصر الأسرات المبكر.

وتعتبر صورة الجمل من الهيئات الحيوانية النادرة في الفن المصري القديم، وقد ظهرت تلك الهيئة على فترات متباعدة في الفنون المصرية سواء في النقوش والرسوم الصخرية أو على هيئة دمى وتماثيل صغيرة. وما زال تأريخ بعض هذه الأعمال الفنية محل خلاف بين الباحثين، في ظل غياب صورة الجمل في النقوش المصورة على جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة، بالإضافة إلى تأخر ظهور اسم الجمل في النصوص المصرية.
وقد حاولنا هنا تتبع صورة الجمل في الفنون المصرية على مر العصور كما يلي:
العصور الحجرية:
لم تظهر صورة الجمل ضمن الهيئات الحيوانية المصورة في الرسوم الصخرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم الأعلى وهو بداية ظهور النقوش والرسوم الصخرية في مصر، وذلك على الرغم من وجود عظام الجمل في مصرفي بعض المواقع الأثرية المؤرخة بالعصر الحجري القديم والوسيط بمنطقة بير طرفاوي على بعد حوالي BT-14. فقد كشفت الحفائر في الموقع ٣٥٠ كم من نهر النيل بصحراء مصر الغربية، على كميات ضخمة من العظام الحيوانية، كان منها عظام الجمل، والتي أُرخت بواسطة كربون ١٤ المشع بحولي٤٣٠٠ ق.م. كما لم تظهر صورة الجمل في فنون العصر الحجري الحديث والنحاسي والجدير بالذكر وجود حفريات للجمل من عصر البلايستوسين إلى الشرق من مصر في الجزيرة العربية وبلاد الشام ضمن النقوش والرسوم الصخرية.
عصر ما قبل الأسرات: (3100 – 4000 ق.م.)
ظهرت هيئة الجمل كعمل فني تشكيلي لأول مرة في مصر خلال عصر ما قبل الأسرات فيما هو معروف حتى الآ ن حيث كشفت حفائر جامعة القاهرة في المعادى على قطعة من الصلصال المحروق من المحتمل أنها تمثل رأس جمل غير مكتملة وبها آثار للون أحمر ربما يمثل لجام الجمل، وهذه الرأس محفوظة في متحف جامعة القاهرة. (لوحة ١) وذلك خلال موسم 1930- 1931 قامت جامعة القاهرة بأعمال التنقيب في موقع من العصر الحجري الحديث في المعادي وقد كشفت عن رأس خزفي لجمل ظهرت عليه علامات التآكل وقت اكتشافه، يمثل جمل به آثار ألوان حمراء على بيضاء ومحفوظ حاليا بمتحف كلية الآثار جامعة القاهرة.

كما توجد بمجموعة "والتر آرت جاليري" رأس تمثال لجمل من العاج غير معروف مكان اكتشافه ويبلغ طول الرأس ٤,٧ سم، ، وتؤرخ بأواخر عصر ما قبل الأسرات (لوحة ٢) ، وهي مكسورة عند العنق. ونلاحظ أن العينين مجوفتان مما يٌحتمل معه تطعيمهما بمادة أخرى.
ويوجد في متحف برلين لوحة حجرية سوداء اللون (رقم ٢٢٦٩٧ ) ، مكان اكتشافها غير معروف، ومؤرخة بعصر ما قبل الأسرات، تمثل جملا باركًا، شُكلت أرجله مثنية أسفل منه. ويظهر من ملامح الوجه أن الفم عبارة عن خط محزوز، والعينان مجوفتان، ربما أنهما كانتا مطعمتين بمادة مختلفة، كما نلاحظ أن الظهر محدب والذيل قصير.
وقد عُثر في المقبرة رقم 58C4 في أبو صير الملق على إناء من الحجر الجيري الأصفر مشكل على هيئة جمل بارك، يبلغ ارتفاعه 6.4 وطوله ١٠ سم (لوحة ٣) وهي حاليا في متحف برلين رقم 185.93،ويؤرخ هذا الإناء بأواخر عصر ما قبل الأسرات (نقادة الثالثة تقريبًا) .
ونلاحظ فوهة الإناء واسعة ومربعة الشكل تقريبا، وتعلو ظهر الجمل، ويوجد أسفل حافة الإناء أربعة ثقوب ربما للتعليق. وتبرز رقبة ورأس الجمل من الإناء. وقد ُنحتت تفاصيل الرأس بالنقش البارز وكذ لك تفاصيل السيقان وانثناءتها أسفل الجسم على النحو المعتاد. ومن المحتمل أن هذه القطعة تمثل جمل يحمل على ظهره حمولة. وبصفة عامة لم يُعثر على مثل هذه الهيئة الحيوانية ضمن ما عُثر عليه من أواني بعد ذلك إلا فيما ندر.

ويتضح من هذه النماذج المؤرخة بعصر ما قبل الأسرات أن هيئة الجمل كانت معروفة على الأقل لدى بعض سكان موقعي المعادي وأبو صير الملق، في ظل عدم معرفة مكان اكتشاف رأس مجموعة "والتر آر ت جالير ي" ولوحة متحف برلين. وعلى الرغم من أن ملامح هذه القطع الفنية ليست بالوضوح الكافي الذي يؤكد على أنها تصور الجمل، إلا أن تأريخ بعض صور الجمل في النقوش والرسوم الصخرية في بعض وديان الصحراء الشرقية مثل وادي الريان ووادي أبو واصل بعصر ما قبل الأسرات ، يرجح معرفة المصريين للجمل خلال ذلك العصر. وحتى لو لم يكن الجمل مستأنسًا في تلك المواقع المصرية فمن المحتمل أن هذه القطع قد جاءت نتيجة تأثيرات حضارية من مناطق بادية الشام وشمال غرب الجزيرة العربية. وقد يؤكد ذلك نتائج الحفائر والبحوث الأثرية الحديثة في موقع المعادي والتي أثبتت قيام حضارة المعادي خلال النصف الأول من عصر ما قبل الأسرات بدور الوسيط التجاري بين حضارات مصر السفلى وما وراءها من مناطق جنوب بلاد الشام وشمال غرب الجزيرة العربية من ناحية، وحضارات مصر العليا في صعيد مصر من ناحية أخرى.
وإذا صح ذلك الفرض، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل كان الجمل مستأنسًا في هذه المناطق، واستخدم في نقل البضائع التجارية منذ ذلك العصر؟ وهذا السؤال يصعب الإجابة عليه على وجه اليقين في الوقت الحالي بسبب وجود خلاف بين الباحثين حول العصر الذي إستؤنس فيه الجمل في مناطق الشرق الأدنى والجزيرة العربية. وربما تكشف الحفائر الأثرية الحالية في أكثر من موقع في شمال غرب الجزيرة وبادية الشام عن أدلة أثرية أكثر يقينًا حول هذا الموضوع.
عصر الأسرات المبكر: (3100 – 2686 ق.م.)
يُعرف هذا العصر أيضًا بعصر بداية الأسرات أو العصر العتيق ويشمل الأسرتين الأولى والثانية، وكان ظهور الجمل في فنون العصر المبكر محدودًا بقطعتين في حدود معلوماتنا حتى الآن. القطعة الأولى وجدها بتري في معبد أبيدوس، وهي عبارة عن رأس جمل مشكلة من الفخار، ُتؤرخ بعصر الأسرة الأولى، طولها ١٢ سم، وارتفاعها ٦سم، ومحفوظة في متحف كلية الجامعة بلند ن(لوحة ٤).
وتتميز هذه الرأس بوضوح ملامحها نوعًا ما، والتي تم تشكيل الفم والأنف والعينين بطريقة التحزيز. والقطعة الثانية اكتشفها كويبل في معبد هيراكنبوليس (الكوم الأحمر)، وهي عبارة عن رأس جمل من الفخار مؤرخة أيضًا بعصر الأسرة الأولى، ومحفوظة في المتحف الأشمولي بأكسفورد ( ( E3266 (لوحة ٥) . وعلى الرغم من عدم وضوح ملامحها، إلا أن استطالة الوجه وشكل الفم وفتحة الأنف تدل على أنها تصور جمل.
كما عثر (موللر) في منطقة أبو صير الملق داخل مقبرة من الأسرة الأولى على إناء مرهم من الحجر الجيري على شكل الجمل الراقد، وموجود الآن في متحف برلين. وهنا يعتقد (زونر) أنه يمثل الجمل الذي يحمل حمولة ، على الرغم من أن ( جلانفيل وفرانكفورت) تشككا في كونه من صنع مصري، في حين أن (سميث) يؤكد أن محاولات التدجين الأولى للجمل لا تقبل الشك في فترة ما قبل الأسرات.
وقد عثر زكي سعد على عظام رقبة جمل وبعض ضلوعه في المقبرة رقم 5 -H720 بحلوان ، وترجع إلى عصر الأسرة الأولى. وقد دفعت هذه الشواهد الأثرية كلا من Emeryو Childe، إلى الاعتقاد بأن الجمل كان من بين الحيوانات التي استأنست في مصر خلال عصر بداية الأسرات. فإذا صح أن كل من رأس أبيدوس وهيراكونبوليس تمثل جمل، فهي تدل على استخدامه في نقل البضائع والتجارة على الأقل في المناطق الصحراوية والمسافات الكبيرة، أو على الأقل معرفة المصريين له عن طرق احتكاكهم وتعاملهم مع جيرانهم في مناطق بادية الشام وشمال شبه الجزيرة العربية .
وقد أكد (واليس بدج) " أن الجمل كان معروفا لدى المصريين القدماء في عصر ما قبل الأسرات ، وقد تم العثور على أشكال خزفية للجمل في نقادة ، كما اتفق ( تشايلد وإمري) على مكانية إدراج الجمل ضمن الحيوانات التي كان يربيها المصريون القدماء خلال الأسرة الأولى والثانية.
هذا وقد وجد (وينكلر) في الصحراء الشرقية بالقرب من وادي أبو واصل على نقوش صخرية تم تنفيذها بالنقر والرسم، وكانت المنفذة بالنقر تشبه – من حيث الأسلوب والزمن – الفنون الصخرية الحيوانية الأخرى من عصور ما قبل التاريخ، في حين كانت الأشكال المرسومة أحدث زمنيا .
عصر الدولة القديمة: (2687 – 2190 ق.م.)
تشمل الفترة الممتدة من بداية الأسرة الثالثة وحتى نهاية الأسرة السادسة، وقد ظهرت هيئة الجمل في النقوش الصخرية في النوبة السفلى خلال عصر الدولة القديمة . كما يوجد نقش صخري بالقرب من أسوان، يصور رجل يقتاد جمل بحبل، ومن أمامه نقش هيراطيقي مؤرخ بعصر الأسرة السادسة (لوحة ٦) . هذا وُتؤرخ صورة الرجل والجمل بنفس العصر بناء على تشابه أسلوب نحت الصور مع النص الهيراطيقي. وُتعد هذه الصورة هي أقدم الصور الواضحة والمؤكدة والمؤرخة للجمل في الفنون المصرية القديمة. وفيها يظهر الجمل في حالة حركة، حيث يرفع رأسه لأعلى ويتطلع إلى الأمام بوجهه الغير واضح التفاصيل باستثناء خطين يشيران إلى الأذنين، كما يقدم الساقين البعيدتين خطوة واسعة نحو الأمام. وقد وفق الفنان في تصوير هيئة الجمل أكثر من الهيئة الآدمية.
والجدير بالذكر أنه عثر أثناء الحفائر التي أُجريت في موقع أم الصوان شمال الفيوم في بدايات القرن العشرين، على حبل أو خيط مفتول، طوله حوالي ٣ أقدام و ٦ بوصات. وقد أثبتت التحاليل المعملية الدقيقة بمتحف التاريخ الطبيعي أنه من وبر الجمال . وقد أُرخ هذا الحبل بناء على الفخار الموجود معه بعصر الأسرة الثالثة أو بداية الأسرة الرابعة . وتأتي أهمية هذا الأثر من كونه لا يدل فقط على وجود الجمل، وإنما يؤكد أيضًا على استئناسه سواء كان ذلك في صحراء مصر أو في المناطق المجاورة في شمالها الشرقي أو في أقصى الجنوب بالنوبة وما وراءها.
عصر الدولة الوسطى: (2000 – 1650 ق.م. )
وقد وُجد ضمن ودائع أساس المعبد المصري في ميناء جبيل بلبنان على تمثال لجمل منحوت من الحجر، طوله حوالي ٤٢ سم، يمثل جملا باركًا، به ثقب في الظهر، وُنحت حول الفم حبل ملفوف (لوحة ٧). وهو يُعد فريدًا في هيئته التي تصور الجمل يلتفت برأسه نحو الجانب. واعتبر مونتييه أن هذه القطعة مصرية الصنع، حيث عثر عليها بين آثار مصرية ُتؤرخ بالفترة الممتدة من 2000 إلى 1500 ق.م.
كما عُثر أثناء المسح الجيولوجي في الفيوم على جمجمة جمل بجوار فخار مؤرخ بالفترة الممتدة من ٢٠٠٠ إلى 1400 ق.م. ، أي أنها من نفس العصر الذي يعود إليه تمثال الجمل من جبيل.
عصر الدولة الحديثة: ( 1569 – 1076 ق.م. )
يعتبر عصر الدولة الحديثة في مصر هو عصر الانفتاح على العالم الخارجي، ويشمل هذا العصر الأسرات من الثامنة عشر وحتى نهاية الأسرة العشرين حيث امتد النفوذ المصري ليشمل مناطق واسعة من بلاد الشام، وتوطدت صلات مصر وتأثيرها المتبادل مع مناطق الجزيرة العربية، والتي نالت جانبًا من اهتمام المصريين للحصول من مناطقها الجنوبية الغربية (اليمن) على مستلزمات معابدهم من البخور واللبان بطريق مباشر دون الاعتماد على الوسطاء وتجنب نفقاتها الباهظة. وربما انعكس ذلك الاتصال المباشر على ظهور الجمل بشكل واضح في بعض أعمال الفنون التشكيلية صغيرة الحجم خلال عصر الدولة الحديثة.
وقد ذُكر أنه كان يوجد في متحف اللوفر تمثال صغير لجمل يقال أنه من عصر العمارنة (الأسرة 18) ولكنه لم يُنشر . كما عُثر على تمثال لجمل في الميدامود مؤرخ بالقرنين الخامس عشر والرابع عشر ق.م.
وفي إحدى المقابر بجبانة ريفة بأسيوط والتي ترجع إلى عصر الأسرة التاسعة عشر، عثر على تمثال من الفخار لجمل يحمل فوق ظهره إناءين (لوحة ٨) ، مما يدل على استخدام الجمل ربما في نقل البضائع. ونلاحظ أنه يوجد كسر عند الرقبة، والجزء السفلي من الأرجل مفقودة.
ومن معبد أوزيريس في أبيدوس عُثر على تمثال لجمل محفوظ في المتحف المصري بالقاهرة (CG3830)، والتمثال مشكل من الفخار المزجج، لونه أزرق مائل إلى الأخضر. (لوحة9) والتمثال مشكل يدويًا، ويصور الجمل باركًا ورأسه المرفوعه لأعلى ذات ملامح واضحة، حيث ترتفع الأذنان لأعلى، وتتطلع العينان للأمام، والفم مفتوح. وفوق مقدمة ظهر الجمل يجلس رجل يمد يديه للأمام وكأنه يمسك اللجام، كما نلحظ وجود ثقب في يديه. وعلى الرغم من عدم وضوح ملامح رأس الرجل، إلا أن هيئته أقرب ما تكون إلى هيئة الأسيويين. ويحمل الجمل على جانبي ظهره خمسة أواني، منها أربعة ذات مقابض موزعة على الجانبين، والإناء الخامس فوق السنام، وهو إناء طويل على شكل زهرة. ونجد أن الأواني مزخرفة بخطوط رأسية. وتدل ملامح ووضعية التمثال على أنه يصور الجمل وكأنه يتهيأ للوقوف.
وقد اختلفت الآراء حول تأريخ هذا التمثال فيما بين نهاية عصر الرعامسة أي أواخر الألف الثاني ق.م.، وحتى العصر البطلمي. وإن كان الرأي الأرجح أنه يعود إلى النصف الأول من الألف الأول ق.م.، حيث أن تشكيله يدويًا وليس مصبوبًا في قالب كما هي العادة في العصر البطلمي، كما وجدت أدلة أثرية قوية وواضحة على استخدام سكان الجزيرة العربية للجمل في تجارة القوافل خلال تلك الفترة.

وفي أقصى جنوب مصر، اكتشف بتري نقوش صخرية بالقرب من جبل السلسلة، صورت مجموعة من الجمال، والتي أرخها بالفترة الممتدة من 1320-1567 ق.م . ويدل وجود صور للجمل في جنوب مصر في مناطق النوبة السفلى والعليا على احتمال استخدامه في أعمال التجارة وتبادل السلع مع المناطق الجنوبية. كما تدل التماثيل الصغيرة المؤرخة بعصر الدولة الحديثة على استخدام الجمل في نقل البضائع إلى مصر، أو أنه تأثير خارجي وافد من شمال غرب الجزيرة العربية أو بادية الشام على أقل تقدير.
لكن اكتشاف بتري الأكثر أهمية كان أثناء التنقيب في الرفعة في مقبرة من الأسرة 19 بالمقبرة الشمالية ، حيث عثر على تمثال صغير لجمل يحمل جرتين من الماء، ولم يكن هناك ما يدل على اعادة استخدام المقبرة لاحقا، ونمط شكل التمثال من الفخار ذو الأصابع الخشنة من الأسرة 19 ويختلف تماما عن أي من الأشكال الرومانية المصبوبة، وجرة الماء من نوع الأسرة 18 إلى 19 وليست من الشكل المستخدم في العصر اليوناني أو الروماني، ونظرا للأسلوب المميز للتمثال وطريقة صنعه وعدم وجود أية دلائل لإعادة استخدام المقبرة مرة أخرى فقد أكد (بتري) أنه من وقت مبكر من عصر الرعامسة (الأسرتان 19 – 20)، وكان من الشائع استخدام الجمل لحمل الأغراض ، كما عثر (فرايهير فون بيسينج) في بنها على صورة مزججة لجمل يحمل جرة مياه مطلية يرجع أيضا لعصر الرعامسة. وهكذا يمكن القول أنه بحلول عام 1300 ق.م. على الأقل كانت الجمال معروفة نسبيا كحيوانات حمل منزلية في مصر القديمة.
العصر المتأخر: (1075 – 332 ق.م. )
ويشمل العصر المتأخر الأسرات الحادية والعشرين إلى الأسرة الثلاثين، ويتميز ذلك العصر بأن استخدام الجمل لم يعد مقصورًا فقط على نقل المنتجات والسلع التجارية، وإنما اسُتخدم أيضًا في مساعدة وتجهيز الجيوش في منطقة الشرق الأدنى القديم. فقد ذكرت النصوص أن القبائل العربية قد زودت الملك الآشوري "أسرحدون" بالجمال لمساعدة جيشه على اجتياز الصحراء أثناء غزوه لمصر حوالي عام ٦٧١ ق.م. كما ذكر هيرودوت أن الملك الفارسي قمبيز أمر بحمل قرب الماء المصنوعة من جلد الجمال على ظهورها لتزويد قواته أثناء عبوره المناطق الصحراوية في حملته على مصر حوالي عام ٥٢٥ ق.م.
ويبدو أن الجمل كان مألوفًا في مصر خلال العصر المتأخر، حيث أصبحت صورته أكثر وضوحًا عن تلك التي تعود إلى عصر الدولة الحديثة، وذلك على الرغم من ندرتها ، ومن نماذجها ما يلي:
ظهرت صورة الجمل على كسرة من قاعدة طبق من الفخار المزجج والمؤرخ بالعصر المتأخر والمحفوظ بالمتحف البريطاني (65553 BM.C)، فعلى أحد جانبي الكسرة أفريز من الحيوانات الصحراوية، حيث لم يظهر الجمل بمفردة، وإنما صور ضمن مجموعة من الحيوانات البرية التي شملت بالإضافة إلى الجمل الظبي والغزال والوعل واللبؤ ة والنعامة. وعلى الجانب الآخر من كسرة الفخار المزجج صورة المعبود بس، وهذه الصور منفذه بأسلوب النقش الغائر.
كما نُقشت صورة جمل على قطعة من الحجر من أحد التلال الأثرية بمركز منوف ويصور النقش مجموعة من الحيوانات حول زهرة متفتحة في الوسط، ويحيط بالحيوانات إطار على هيئة إكليل من الزخارف النباتية. والحيوانات المصورة هي الفيل والحمار والظبي والغزال بالإضافة إلى الجمل (لوحة ١٠) ، ونلاحظ أن الجمل كغيره من الحيوانات مصور في وضع حركة بتقديم الساقين البعيدتين عن المشاهد، والوجه بدون تفاصيل باستثناء إشارة بسيطة للأذن، والذيل قصير، غير أن ارتفاع السنام لا يتناسب مع الواقع. كما نلاحظ أن صورة الجمل تتقدم على الحمار، فهل قصد الفنان التعبير بذلك عن ازدياد أهمية الجمل بحث أصبح وسيلة النقل البرية الأساسية في هذا العصر؟
ومما سبق يتضح أن هيئة الجمل أصبحت معتادة في مصر خلال العصر المتأ خر، حيث صور ضمن مجموعات من الحيوانات الأخرى، كما عُثر على جمجمة جمل أثناء المسح الجيولوجي في شمال بحيرة الفيوم في عام ١٩٣٤ م. وهذه الجمجمة محفوظة في المتحف الجيولوجي بالقاهرة. وقد أكدت التحاليل الكربونية على أن الجمل المستأنس قد عُرف في مصر في أوائل الألف الأول ق.م. على أقل تقدير . وتأكد ذلك من خلال التحاليل الكربونية التي أُجريت على بقايا عظمية لجمل من قصر أبريم الواقعة إلى الجنوب من أسوان بحوالي ١٤٠ كم حيث أعطت تأريخًا يعود إلى بدايات الألف الأول ق.م.
العصر اليوناني والروماني:
وعندما دخل ا لاسكندر الأكبر مصر عام ٣٣2 ق.م، يبدو أنه استخدم الجمال في رحلته الشهيرة إلى واحة سيوه لزيارة معبد آمون. وازداد استخدام الجمال في عصر البطالمة في مصر على الرغم من ازدهار طرق التجارة البحرية، فقد قام الملك بطلميوس فيلادفيوس ( 285 - 247 ق.م) بتمهيد الطرق التجارية عبر الصحراء الشرقية، والتي تربط بين قفط وموانى البحر الأحمر، واستخدم الجمل لنقل البضائع على هذه الطرق الصحراوية.
ولم يقتصر استخدام الجمل بمصر في عصر البطالمة على الطرق البرية التي تربط بين وادي النيل والبحر الأحمر فقط، وإنما اسُتخدم أيضًا في نقل البضائع ولاسيما البخور والمواد العطرية عبر الطريق البري الذي يصل بين مصر وشمال غرب الجزيرة العربية وجنوب بلاد الشام، حيث عين البطالمة في غزة (التي أطلق عليها إسترابون رأس طريق البخور) موظفًا حمل لقب المشرف على إدارة البخور. ولعل ذلك يفسر العثور على كميات كبيرة من عظام الجمال المؤرخة بالعصر الهلينستي في موقع تل جمة في جنوب غزة بفلسطين، مما يدل على ازدهار تجارة القوافل التجارية، حيث يوجد هذا الموقع على الطريق البري بين مصر وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام. ولم يقتصر استخدام الجمل في العصر الروماني في النقل بالطرق الصحراوية فقط، وإنما أيضًا في داخل مناطق وادي النيل.
ونتيجة لما سبق ازداد ظهور الجمل في الفنون المصرية في العصر اليوناني والروماني، حيث وُجدت بعض التماثيل التي تصور الجمل بحمولته أو بدون حمولة ومنها تمثال بالمتحف البريطاني (رقم 37628 ) يصور جمل يحمل على ظهره حمولة مكونه من ست أواني ثلاثة على كل جانب. ونلاحظ أن الفنان قد وفق في تشكيل الملامح الرئيسية للجمل (لوحة 11) ، وعلى الرغم من فقدان الجزء الأسفل من الأرجل، بالإضافة إلى تشكيل كل ساقين ملتصقين مع بعضهما البعض، صور الجمل وكأنه في حالة حركة، وذلك من خلال امتداد الساقين الأماميتين نحو الأمام والخلفيتين إلى الخلف، وارتفاع الرقبة وتطلع الوجه ولاسيما العينين نحو الأمام.
كما يوجد تمثال آخر بإحدى المجموعات الخاصة(Fouquet) يمثل جمل يشبه في طريقة تشكيله بالتمثال السابق، وإن كانت ملامح وجهه أكثر وضوحًا و يتطلع للأمام. ووفق الفنان في تشكيل العنق بانحناءته الطبيعية الجميلة، في حين أن حركة الأرجل غير واضحة، فالساقين الأماميتين كتلة واحدة وكذلك الخلفيتين، وحمولته عبارة عن سلتين ممتلئتين بالعنب على جانبي ظهره (لوحة 12).
وعُثرعلى تمثال من الفخار في منف ومحفوظ في متحف كلية الجامعة بلندن(UC 48026) يصور جمل واقف، رقبته مستقيمة، وتتطلع رأسه لأعلى ويحمل ستة أواني ، ثلاثة على كل جانب، ويوجد آثار لون أحمر على العنق(لوحة ١٣)
ويوجد تمثال لجمل من الفخار المشكل من الطمي ، عُثر عليه في منف ومؤرخ بالعصر الروماني ، ومحفوظ في متحف كلية الجامعة بلندن ( 48033( UC (لوحة ١٤ ) . وهو يمثل جمل واقف، ويوجد ثقب يخترق الرقبة، والأقدام مجوفة، ويميل لون السطح إلى الأبيض، وهناك خطوط ملونة باللون الأحمر الغامق والأسود تمتد من الرقبة إلى السنام، وتصل ما بين الساق الأمامية والخلفية.
كمايوجد في مخزن المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية تمثال صغير من الفخار الأحمر لجمل عثر عليه في الفيوم، ويؤرخ بالعصر الروماني رقم ( (P 10778 (لوحة١٥) . وعلى الرغم من أنه غير مكتمل بسبب فقدان جزء من مؤخرته والساقين الخلفيتين والجزء السفلي من الساقين الأماميتين، إلا أنه يُعد عملا مميزًا لوضوح ملامحه، ولاسيما ما يتعلق بمحاولة تشكيل العناصر التشريحية للعنق وأعلى الساق الأمامية. ويزين العنق زخرفة دائرية بارزة ربما ترمز إلى عقال البعير، كما قد تدل الخطوط الدائرية المحزوزة حول الرقبة إلى ثنيات عنق الجمل.
كما ظهرت هيئة الجمل ضمن نقوش ذلك العصر، فعلى جانب مقعد تمثال أحد الأفراد من عهد تيبريوس، نقش يصور جمل يسير سيرًا طبيعيًا حيث يقدم الساقين البعيدتين خطوه للأمام. وقد عُثر على هذا التمثال في مدينة هابو، وهو محفوظ في المتحف المصري بالقاهرة (1191CG ).
ويوجد على موقع متحف كلية الجامعة بلندن أيضًا قطعة من الجص عليها صورة جمل مصور في حالة حركة، حيث يقدم الساقان البعيدتان خطوة للأمام (لوحة 16) ، وقد وفق الفنان في تشكيل العناصر التشريحية للجمل ولاسيما الجزء العلوي من الساقين القريبتين من المشاهد. ويمكن القول بأن هذه الهيئة ُتعد من أوضح صور الجمل التي وصلت إلينا من مصر من العصور التاريخية القديمة.


الخلاصة
كان من الممكن أن يلقي اكتشاف تماثيل للجمال التي تعود للأسرة الأولى وبداية الحضارة المصرية القديمة مزيدا من الأضواء على تاريخ الجمل في مصر القديمة، لو كان قد حظى بمزيد من الاهتمام. ويجب أن نتذكر أن البقايا النباتية والحيوانية، منذ وقت ليس ببعيد، لم تكن تحتل مرتبة عالية من الاهتمام بين علماء الآثار، وبالتالي لا أحد يمكن أن يعرف كميات عظام الإبل والحيوانات الأخرى التي تم التخلص منها من قبل المنقبين قبل أن يتم دراستها بشكل صحيح، أو تلك التي قد اندثرت وتحطمت.
لعبت الإبل دورًا كبيرًا في التاريخ الحضاري لمصر القديمة، وقد اختلفت آراء الباحثين حول تحديد الفترة التي اسُتؤنس الجمل خلاله. فهناك من يعود بذلك لتاريخ مبكر وهو الألف الرابع ق.م. وذلك بناء على الأدلة الأثرية في مصر ووادي الرافدين. ويرى فريق آخر أن استئناس الجمل حدث في أواخر الألف الثالث وبدايات الألف الثاني ق.م. وهناك من يرى أن ذلك حدث في القرنين الثاني عشر والثالث عشر ق.م .
وعمومًا فقد دلت الشواهد الأثرية على معرفة المصريين القدماء بالجمل منذ عصر ما قبل الأسرات، وليس معنى ذلك أنه كان معتادًا في وادي النيل في مصر، ولكن على الأقل كان مستخدمًا في عبور المناطق الصحراوية، وفي الأقطار المجاورة لمصر سواء في جنوبها أو شمالها الشرقي، في حين يبدو أن الحمار كان وسيلة النقل الأساسية داخل الوادي كما هو واضح على جدران مقابر الأفراد منذ عصر الدولة القديمة.
وأصبح الجمل مألوفًا على الأقل في أواخر العصر المتأخر مع استخدام الغزاة من الآشوريين والفرس له في اجتياز الصحراء بتجهيزاتهم العسكرية. واسُتخدم على نطاق واسع في العصر اليوناني والروماني مع ازدهار التجارة في العالم القديم، فأصبح الجمل الحيوان الرئيسي لنقل البضائع والسفر عبر الصحراوات الشاسعة في مناطق الجزيرة العربية والشرق الأدنى. ونتيجة لذلك شاع تمثيل الجمل في الفنون المختلفة في هذه المناطق ومنها مصر بطبيعة الحال.


اللوحات


١ - رأس جمل من الفخار من المعادي- عصر ما قبل الأسرات


٢ - رأس جمل من العاج- مجموعة والتر آرت جاليري


٣- إناء على هيئة الجمل من أبو صير الملق


٤- رأس جمل من الفخار من معبد أبيدوس- متحف كلية الجامعة بلندن


٥ - رأس جمل من الفخار من معبد هيراكنبوليس- المتحف الأشمولي


٦- رجل يقود جمل على صخرة بالقرب من أسوان


٧- تمثال جمل من الحجر من المعبد المصري في أبيدوس


٨- تمثال جمل من الفخار من ريفا


٩- تمثال جمل من الفخار المزجج بالمتحف المصريCG 3830


١٠- الجمل مع مجموعة حيوانات على قرص حجري


١١ - جمل يحمل ستة أواني بالمتحف البريطاني- العصر الروماني


١٢ - جمل يحمل سلتي عنب بمجموعة Fouquetمن العصر الروماني


١٣ - جمل من الفخار بمتحف كلية الجامعة بلندنUC 48026


14- جمل من الفخار بمتحف كلية الجامعة بلندن UC 48033


15- جمل من الفخار بالمتحف اليوناني الروماني P. 10778


١٦ - هيئة جمل يسير على قطعة من الجص بمتحف كلية الجامعة بلندن


17- قنينة بمتحف كلية الجامعة بلندن UC 19516


مناظر لنقوش صخرية للجمل


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

يتميز الاقتصاد ...

يتميز الاقتصاد الفلسطيني بخصوصية عالية بالرغم من كونه اقتصاد صغير الحجم فهو يعاني من تشوهات واختلالا...

تسعى صناعة الرع...

تسعى صناعة الرعاية الصحية باستمرار إلى إيجاد حلول مبتكرة لتحسين نتائج المرضى والكفاءة التشغيلية. من ...

وبرى محللون أن ...

وبرى محللون أن عملية التغير والانفكاك داخل الدول هذه يحتمل أن تحدث في بلدان تقع في جنوب شرقي آسيا وا...

أداة تقييم الثق...

أداة تقييم الثقافة التنظيمية OCAI صمم الأداة Cameron &Quinn (1999) أداة لتقييم الثقافة التنظيمية T...

يُعد التعليم إح...

يُعد التعليم إحدى الوسائل المهمة التي يسعى إليها المجتمع لتحقيق الأمن الفكري فلا يمكن لأي أمة أن تنه...

‎الانتماء الدين...

‎الانتماء الديني واحد من أقدم الانتماءات في حياة الإنسان؛ لأنه مرتبط بطبيعته وتركيبته العقلية والنفس...

شهد العالم ثورة...

شهد العالم ثورة صناعية كبيرة في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي كانت العامل الرئي...

تتمكن القيادة ا...

تتمكن القيادة المدرسية من تحسين وتطوير الجوانب الرئيسة في عمل المدرسة وبفضل المحافظة على الأداء الجي...

online question...

online questionnaire among working and non-working Egyptian females.Fifty-three percent of the parti...

הטענה הראשונה ש...

הטענה הראשונה שלי היא כי בתי ספר ייחודיים מציעים הזדמנויות חינוכיות משופרות. בניגוד לבתי הספר הסטנדר...

Je me souviens ...

Je me souviens d'un jour à l'école au Nous avons organisé une kermesse c'était un évènement très att...

ال في ضوء مطلع ...

ال في ضوء مطلع بوا إلى ملاحقة الملك بنكه او سانم به بر انتصافت. طة قام الانكبار REFRACTOMETRIC MET...