خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
المولود في قولة كافالا الآن شمالي اليونان، صغيرا في الحملة العثمانية التي أرسلتها تركيا لإخراج الفرنسيين من البلاد، فلو كان على ذكاء عادي لانتهى أمره بما انتهى إليه معظم ولكنه لمح من خلال الأفق ما تتمخض عنه الأمة المصرية من وما تشعر به من سخط على فماشاها في ميولها وسايرها في آمالها، ورسم لنفسه خطة الوصول الى عرش مصر عن طريق إرادة الشعب، وهي فكرة مبتكرة بالقياس إلى ذلك العصر تدل على ذكاء محمد علي ودهائه وبعد نظره نزلت الحملة الفرنسية على مصر بقيادة الجنرال بونابرت في أول يوليو سنة 1798 قاصدة حسب الظاهر الاقتصاص من المماليك لاعتدائهم المتكرر على التجار الفرنسيين. أما الغرض الحقيقي من إرسال هذه الحملة، فهو إتخاذ القطر المصري قاعدة للتوسع ومقاومة نفوذهم الاستعماري، المتوسط بحيرة فرنسية. فاتفقت الحكومتان الإنجليزية والعثمانية على وجوب إخراج إذ جاء مع فرقة جندها حاكم قولة وتولى قيادتها ابنه علي أغا، اشتركت هذه الفرقة في محاربة الفرنسيين، اضطر قائدها علي أغا إلى مغادرة مصر فخلفه محمد علي في قيادة الفرقة ورقى إلى رتبة بكباشي استمر النزاع مع الفرنسيين إلى يونيو سنة 1801 حيث أبرم معهم اتفاق يقضي مصر الى الدولة العثمانية، فعينت خسرو باشا واليا عليها، وعدد رجالها ما بين ثلاثة وأربعة آلاف، وعندما تطلع محمد علي لتولي سلطان مصر كان أمامه عدوان يهدف إلى التخلص منهما وهما المماليك حكام البلد الأقدمين، وكانت هذه الحكومة تعمل على أن تكون لها الكلمة العليا في البلاد ثم كانت أمامه عقبة أخرى وهي سلطة الجند الارناؤوط وغيرهم من أخلاط السلطنة العثمانية، فاستطاع محمد علي بدهائة وصبره وذكائه أن وأن يشق لنفسه طريق النجاح والوصول إلى الغاية التي كان في مصر حينئذ أحد وزراء الدولة العثمانية المدعو أحمد باشا قاصدا الى المدينة المنورة التي عين واليا عليها فأراد الإنكشارية إجلاسه على كرسي ولاية مصر، أن محمد علي لم يوافقهم على ذلك. وبالاتفاق مع المماليك طردوا أحمد باشا من ثم بطش الألبانيون بالإنكشارية بإيعاز من محمد علي، الرجال المنتمين الى حكومة الأستانة الذين يخشى محمد علي شرهم سوى خسرو باشا فهاجمه محمد علي وعثمان بك البرديسي وهكذا لم يبق لمحمد علي خصم ظاهر من رجال الأستانة، لأن مناظره محمد بك الألفي كان قد ذهب إلى انجلترا طامعا في الاستقلال بالحكم في مصر بمساعدة انجلترا. وصلت الدولة العثمانية أخبار الحوادث المصرية، فراعها اتحاد المماليك والألبانيين، فوجهت علي باشا الجزائري واليا على مصر، الألبان علي باشا وهو في طريقه من الاسكندرية إلى القاهرة وفتكوا بجنوده، أسيرا إلى القاهرة ثم أرسلوه إلى سوريا لكنهم قتلوه في الطريق. وفي أوائل سنة 1804 عاد محمد بك الألفي من انجلترا، ولما كان وجوده في مصر يهدد محمد علي وعثمان بك البرديسي على السواء، اتفقا على مقاومته فاعترضه رجالهما في النيل ونهبوا الأموال والتحف التي جاء بها، أما هو فبادر إلى النزول إلى البر ونجا بنفسه واختبأ عند العرب. وقد كان محمد علي له نصيب كبير في تدبير جميع الحوادث التي سلف ذكرها، أنه مع هذا كان بعيدا عن كل مسئولية تجاه الشعب والجند. فكان اذا تأخر دفع مرتبات الجند وقعت المسئولية على من يتولى ادارة البلاد وثارت الجنود عليه لا على قائد واذا فرضت الأموال على الأهلين واستثقلوا وطأتها نقموا على الحكام الذين أما محمد علي فكان في تلك الأحوال يشارك الجند والشعب في التوجع لما ويظهر الاهتمام بتحصيل حقوقهم وتخفيف كروبهم، وهذه أهم النتائج التي يبغي الحصول عليها قبلما يرشح لمنصب الولاية، على الجند والشعب يتوقف تثبيت قدمه في البلاد. واتفق أن مرتبات الجنود كانت متأخرة فثار الألبانيون على عثمان بك البرديسي ففرض على أهل القاهرة ضرائب فادحة ليتمكن من دفع مرتبات عطفا شديدا على الأهلين ووعدهم بالمساعدة لرفع هذه الظلم عنهم، وكان المماليك قد أخذوا يشعرون أن محمد علي يكن لهم العداء، حينئذ في غنى عنهم بل صار إضعافهم خيرا له، فبدأت المشادة بين الفريقين. الثورة في القاهرة على المماليك باتفاق الأهالي والألبانيين، محمد علي نفسه إلى ميدان القتال، وألجأ جميع أمرائهم إلى الفرار فعندئذ أصبح محمد علي صاحب العقد والحل في القاهرة لأن زمام الجند إثبات إخلاصه للدولة العثمانية حتى لا تناوئه متى أن أوان ترشيحه للولاية. وكان لا يزال موجودا في القطر المصري اثنان من الباشوات العثمانيين، خسرو باشا والثاني أحمد خورشيد باشا حاكم الاسكندرية. فدعا محمد علي علماء البلد وأعيانها الى اجتماع أظهر لهم في أثنائه وجوب المبادرة إلى تعيين وال على البلد، واقترح إخراج خسرو باشا من معتقله وتقليده منصب الولاية، بيد أن القادة الألبانيين اعترضوا على هذا التعيين وطلبوا من محمد علي إخراج فأذعن الى طلبهم وأعاد خسرو باشا الى الآستانة. الألبانيين كانوا رجال محمد علي الذين عليهم جل اعتماده ولديهم تودع أسراره، يعقل والحالة هذه أنه كان يجهل شعور زعمائهم نحو خشرو باشا عندما اقترح رده الى بل يستشف من عمله التواطؤ مع الزعماء الألبانيين على اتخاذ ترشيح خسروا باشا لمنصب الولاية واخراجه من معتقله، فيقرب محمد علي خطوة جديدة من الولاية بدون أن يكون في مظهره ما والمشهور أن خسرو باشا كان يعتقد سوء النية في محمد علي، العداء بعد عودته الى الآستانة وتوليه المناصب العالية فيها. عظيم في النزاع الذي وقع بعد ذلك بين السلطان محمود ومحمد علي. لم يبق فيه من كبار العثمانيين من يصلح تعيينه واليا سوى فاتفق العلماء والأعيان وزعماء الجند على تعيينه واليا وتعيين محمد علي ووافق الباب العالي على ذلك في سنة 1804 ، لقى أسلافه من الصعوبات في الحصول على الأموال، بعدم اخلاص محمد علي، وشدة عطفه على الأهلين زاده رفعة في عيون الجميع، ووطد مكانته في البلد خصوصا لدى العلماء فرأى الوالي أنه لابد له من قوة من رجال الدولة العثمانية تقف بجانبه وتعزز مقامه، والا أضحى بين يدي محمد علي كريشة في مهب الريح، ففاوض رجال الدولة في ذلك، بينما كان محمد علي بعيدا عن القاهرة مشتغلا بمحاربة المماليك، آلاف مقاتل من طائفة الدالاتية، غير أن وجودهم في القاهرة لم يزد موقفه إلا ضعفا لأنهم عمدوا الى السلب والنهب وارتكاب شتى المنكرات والمحرمات، أن محمد علي لما بلغه قدوم الدالاتية الى القاهرة عاد إليها، وأخذ يدس الدسائس على وبما أنه تأخر في دفع مرتبات الجنود كان من القواعد طرده في ذلك الزمن، فثار الألبانيون عليه مطالبين بدفع مرتباتهم، فوجد خورشيد باشا نفسه في موقف حرج عما كان عليه قبل قدوم الدالاتية بناء على فيما لو بقى في مصر، للسفر، غير أن الجند والشعب الساخط على الوالي رجوا منه أن يبقى في مصر لاقتناعهم بأنهم لن يجدوا حاكما أرأف من محمد علي بحالتهم أو أقدر منه على انالتهم حقوقهم أو أكثر كفاءة لتولى الحكم، خورشيد باشا من منصب الولاية، فأجيب ملتمسهم، وتلقى محمد علي مرسوما سلطانيا بذلك في يوليه سنة 1805. لمقاومته، طالبين من الباب العالي إسقاطه، بزعامة صديقهم محمد بك الألفي الذي ذكرنا قبلا علاقته بإنجلترا، فأرسل الباب العالي القبطان والجند يؤيدانه، ورأى الشقاق سائدا على المماليك، عزل محمد علي وإعادة حكم المماليك، وبناء على ذلك وعلى ما عرضه المصريون إلى صدر مرسوم جديد بتثبيت محمد علي في منصبه، نوفمبر سنة 1806. وقد كان لمساعي قنصل فرنسا في الاسكندرية لدى القبطان باشا عظيم على هذا التثبيت. وبعد ارتقاء محمد علي إلى منصب الولاية، حيث كان هو الدافع وغيره العامل، وهو صاحب التدبير وعلى غيره تحمل المسئولية. الخارج والداخل. لكن نفوسهم ما برح تحدثهم باسترجاع سلطتهم وسابق مجدهم متى سنحت الفرصة. حملة فريزر الإنجليزية على مصر 1807 والمقاومة المصرية: كانت مصالح الانجليز في الهند آخذة في النمو، نظرهم، الأحمر، وهذا الذي كان قد دفعهم قبلا الى مقاومة حملة بونابرت على مصر وسوريا واجتذاب محمد بك الالفي أحد زعماء المماليك إلى جانبهم، مساعيهم كما أسلفنا. ونظرا لاشتباك انجلترا في حرب مع الدولة العثمانية وشدة شكيمة محمد علي لاسيما أنه كان إلى عزله. لكن جرت المقادير ضد التدابير، فإن عثمان بك البرديسي توفى في أواخر سنة فسادت الفوضى شئون ولم يدرك الانجليز مبلغ الضعف الذي أصاب حلفاءهم وظنوا أنهم ما برحوا يستطيعون الاعتماد على معاونيهم، فوجهوا الى مصر حملة مؤلفة من نحو خمسة آلاف جندي يقودها الجنرال فريزر، شهر مارس سنة 1807 ، ثم حاول احتلال رشيد أولا ، وبين المماليك، وفي كلتا المرتين أخفق إخفاقا تاما، الحملتين قتلا وتشريدا، أما المماليك فلزموا السكينة ولم يمدوا لمساعدة الانجليز يدا وأخيرا دارت المفاوضة بين محمد علي وان تتجلى الجنود الانجليزية عن الاسكندرية فغادروها في شهر سبتمبر سنة 1807. ونال في القطر المصري، وعظمت هيبته في النفوس، واتخذ محمد علي على الخطر الذي وشحن الاسكندرية بالمقاتلة، وتولى الدفاع عن الثغور المصرية بنفسه، وقد كان قبل ذلك يقوم بالدفاع عنها قائد البحرية العثمانية (القبطان باشا) وهكذا استقل بادارة مصر وبالدفاع عنها في الداخل والخارج. البلاد سنة 1807 ثاروا في القاهرة وعاثوا في أسواقها فسادا، واستعمل محمد علي الحكمة في إخماد ثورتهم. واعتزم من ذلك الحين أن يتخلص من الجيش القديم ويحل ولكنه لم يمض في تحقيق برنامجه إلا حوالي وما ذلك إلا لما آنسه من الخطر إذا هو نفذ مشروعه قبل ذلك فمثل هذه الأناة والحكمة وسعة الحيلة لا تصدر إلا عن الساسة ذوي الرءوس وبهذه الصفات نجح في تأسيس الجيش المصري النظامي، وكيف أنه عندما بدأ في دور فأسس المدرسة الحربية الأولى لتخريج الضباط أي في أقاصي الوجه القبلي، لكي يبدأ مشروعه بعيدا عن الدسائس تمكن محمد علي أن يبني في مصر دولة عصرية على النسق الأوروبي، ومنهم بصفة خاصة السان الذين أمضوا في مصر بضع سنوات في الثلاثينات من القرن وكانوا يدعون إلى إقامة مجتمع نموذجي على أساس الصناعة المعتمدة وكانت أهم دعائم دولة محمد علي العصرية: سياسته التعليمية ويزودها بكل التقنيات العصرية، وإقتصاد مزدهر يدعمها وهذا التعليم العصري إمامها المفكر والأديب رفاعة رافع الطهطاوي، الحياة الفكرية والتعليمية في مصر. ويلاحظ على تلك البعثات التعليمية أنها لم تكن قاصرة فقط على الأتراك أو أبناء الطبقة العليا ومنهم بل شملت عددا من المصريين أيضا، ممن سيصبح لهم دورا كبيرا في مستقبل الحياة العلمية والفكرية في مصر. عمد محمد علي إلى تجنيد الفلاحين المصريين وانتدب لتنظيم الجيش ضابطا فرنساويا قديرا وهو الكولونيل ساف Seve المعروف باسم سليمان باشا الفرنساوي، ومع اصلاحاته هذه نمت الصناعة في البلاد، واستعان على القيام بكل ذلك برجال الفنون والصنائع الأوروبيين، وكان أكثرهم من العلمية الى أوروبا، على النحو الذي سنراه. قويا رفع علم مصر فوق ظهر البحار، ضاربة أطنابها؛ وأنشأ المدارس والمعاهد حيث كانت الجهالة فاشية؛ وشق الترع وأقام الجسور حيث كانت مياه النيل تذهب وأقام المصانع والمباني العامة، تفعله العزيمة الحديدية. ومن إصلاحات محمد علي المشهورة وانشاء قوة منظمة من الشرطة، فهو من الوجهة السياسية كان يرمي إلى إنشاء دولة مصرية مستقلة، عظيمة السلطان منيعة الجانب، وهي غاية تعد المثل الأعلى للقومية المصرية، ولقد طوروس شمالا إلى أقاصي السودان جنوبا، كريت وقسما من الأناضول، فقد بقيت النيل السياسية والقومية. وغني عن البيان أن تحقيق هذا المشروع العظيم ليس من الهنات الهيئات، ينهض به رجل عادي، أي خطأ يبدر منه كان يكفي لاحباط المشروع في خطواته الأولى، أو هدمه من أساسه بعد تمامه، ولكن محمد علي أحاط مشروعه بالحر وبعد النظر والحكمة، على بعد نظره في السياسة، إذ رأى أنه سيؤدي الى تدخل الدول الغربية في شئون مصر، وجعلها هدفا للدسائس الاستعمارية مما يفضي الى ضياع استقلالها، "اذا أنا فتحت قناة السويس فسأنشئ بوسفورا ثانيا، والبوسفور سيؤدي إلى ضياع السلطنة العثمانية، وبفتح قناة السويس تستهدف مصر للاطماع أكثر مما هي الآن، حروب محمد على ضد الوهابيين بالجزيرة العربية: كان العثمانيون ذلك قد انتشرت الدعوة الوهابية في الجزيرة العربية، يغزوا بلاد الحجاز، العثماني الذي بات سلطانه مهددا في بلاد الحرمين الشريفين، ولم يستطع الجنود فانتدبت الحكومة العثمانية محمد علي لمقابلتهم، بالدفاع عن الكعبة والمدينة، أما حقيقة الحال فهي أنها كانت في حاجة إلى من يرد عن كما أنها كانت أمل ان المصادمة بين محمد علي والوهابيين، تلقيه في ورطة عظيمة ربما قضت عليه وعلى الوهابيين معا. المهمة الشريفة زاد مكانته رفعة في عيون المسلمين في جميع الأقطار. فأخذ في تجهيز الجنود وإعداد وسائل النقل الى الحجاز بحرا. فكانت هذه أول حركة صناعية كبرى قام بها إذ جمع لها المواد والصناع من جميع أنحاء القطر المصري، وأنشأ المصانع في بولاق، ركبت فكان ما أنشأه بضع عشرة سفينة. مذبحة المماليك: رأى من الحكمة أن يطهر البلاد من ثم قرب كبارهم منه، وعول على نكبتهم، وهو اليوم الذي عينه لعقد لواء الحملة الحجازية في قلعة الجبل لولده طوسون باشا فدعا إلى الحفلة كبار رجال حكومته وأمراء المماليك، وبعد انتهاء الحفلة ركب المماليك خيولهم وهموا بالخروج فوجدوا باب القعلة موصدا في وجوههم، من الرصاص وأجهزوا على من بقى حيا بالسيوف، حفلة القلعة، فكان في ذلك اليوم القضاء الأخير على قوة المماليك في مصر، بدأت الحرب على الوهابيين في سنة 1811 ، وانتهت في سنة 1818. الأولى طوسون باشا من سنة 1811 الى 1815 ، لكن عاد فاستولى على مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، والطائف بعد متاعب وأخطار جمة، ليشرف على الأعمال الحربية فمكث هناك الى شهر يونيه سنة 1815. فقهر الوهابيين في الدرعية بالرياض، على مدنهم، ومنها أرسل إلى الآستانة حيث قتله السلطان العثماني ومثل به على أثر وصوله. محمد على قوض دعائم الدولة السعودية الأولى، إلا أنه كان بالإعجاب والتكريم . وظهرت في أثناء هذه الحرب كفاءة إبراهيم باشا وصفاته العسكرية الممتازة، وبها ابتدأت شهرته التي طبقت الآفاق في ما تلاها من الحروب ومكافأة له على انتصاراته الباهرة أنعم عليه السلطان بولاية جدة. ازدادت سلطته رسوخا في القطر المصري، لأن محاربة عدو باسل مدة سبع سنين في بلاد مقفرة أهلكت عددا كبيرا من الضباط والجنود المشاغبين، أصابت الجيش قضت على خيلاء بعض كبار ضباطه، الثقة بهم، فاغتنم محمد علي هذه الفرصة لتمكين قبضته لضباطهم، الضابط من جهة الى أخرى انتقلت جنوده معه، كأنما هم مماليكه ولا علاقة لهم مباشرة النهضة المصرية زمن محمد علي باشا: لما استطاع محمد علي القضاء علي المماليك ربط القاهرة بالأقاليم ووضع سياسة تصنيعية زراعية موسعة. وكان جهاز الإدارة أيام محمد علي يهتم أولا بالسخرة وتحصيل الأموال الأميرية لأن الرسائل في سبيل ترقية الصناعة، فكان أهما زراعة القطن الأمريكي والنيلة، واستيلائه على أكثر الزراعية التي وضعها تحت مراقبة رجال الحكومة في المديريات، لكنه أنزل الضنك بعدد عديد من الملاك، والعمال باغتصابه الأملاك وزاد على هذه المظالم استعمال منتهى الشدة في تحصيل الأموال الأميرية وفرض ضريبة جديدة وهي الفردة أو ضريبة الرؤوس، وكانت تجبي من رجال البلاد على اختلاف مذاهبهم. إقامة القناطر الخيرية وسمع بالاعتراضات التي أبديت على المشروع من جهة العقبات والمصاعب التي تحول دون نجاحه كان جوابه: إن هذا صراع بيني وبين النهر العظيم فهذا الجواب يدلك على مبلغ شعوره بقوة إرادته، لكن رغم هذه المظالم، الأوروبيين، والمعجبين به من الأوروبيين، أحاديثه الممزوجة بالظرف والفكاهة. امتیازات وسائل النقل. فكانوا يمتلكون مراكب النقل الجماعي في النيل والترع يما فيها وكان يطلق عليهم الأغوات المعاتيق. وأصبحوا يشكلون مجتمع العبيد والأسلحة. ومنهم من كانوا حكام الأقاليم. يتقاضون معاشات من الدولة أو يحصلون علي أموال من أطيان الإلتزام. وكانوا يعيشون عيشة مرفهة وسط أغلبية محدودة أو معدومة الدخل. فلقد أصدر مرسوما لأحد حكام مشايخها ويرسلون للومان (السجن). وليكن معلوما لكم ولهم أن مالي لا يضيع منه شيء بل أخذه من عيونهم . وكان التجار الأجانب ولاسيما اليونانيين والشوام واليهود يحتكرون المحاصيل ويمارسون التجارة بمصر. وكانوا يشاركون الفلاحين في مواشيهم. هذه الصفقات وضمان الفلاحين. وكانت عقود المشاركة بين التجار والفلاحين توثق في المحاكم الشرعية. حقوقهم لدي الفلاحين. لهذا كان التجار يضمنون الصيارفة عند تعيينهم لدي السلطات. ولا سيما في المناطق التي كانوا يتعاملون فيها مع الفلاحين . وكان الفلاحون يسددون ديونهم للحصول علي حق هذا الإمتياز لمدة عام، وبهذا كانت الدولة تحتكر التجارة بشرائها المحاصيل من الفلاجين أو بإعطاء الإمتيازات للتجار . والإسكندرية بها أو توريدها للجيش المصري لهذا كان الفلاحون سجناء قراهم لا السخرة في مشروعات محمد علي أو من الضرائب المجحفة او من الجهادية. وكان من لأنهم كانوا غير قادرين علي تسديد مديونية الحكومة. ورغم وعود محمد علي إلا أن الآلاف فروا للقري المجاورة او لاذوا لدي العربان البدو وهذا ما جعل محمد علي يصدر مرسوما جاء فيه : هـ 1835 - م. وإلا أعدموا بعدها بالصلب كل علي باب داره أو دواره. سنة 1845 أصدر ديوان المالية لائحة الأنفار المتسحبين هددت فيها مشايخ البلاد بالقري لتهاونهم وأمرت جهات الضبطية بضبطهم ومن يتقاعس عن ضبطهم سيعاقب وكانت السياسة العامة لحكومة محمد علي تطبيق سياسة الإحتكار وكان علي التي تحددها الحكومة . ليكيل القمح. وكانت تنقل هذه المحاصيل لمينائي الاسكندرية وبولاق بالقاهرة. تحملها من الشون للموردات بالنيل لتحملها المراكب لبولاق حيث كانت تنقل لمخازن البائعين) بقدر حاجاتهم. من العدس والفريك والوقود والسمن والزيوت الجند ، والأقاليم التي تزرعها. أسعار شراء المحاصيل التي كان ملتزما بها الفلاحون . وكان التجار ملتزمين أيضا بأسعار بيعها. وأرسل لحكام الأقاليم أمرا جاء فيه: "من الآن فصاعدا من تجاسر علي زيادة الله". وكان الغلال خارج الإمبراطورية. وهنا شهد الجبرتي لمحمد علي بقوة العزم والشهامة، فقال عنه بمناسبة اصلاحه سد أبي قير: "فأرسل إليه المباشرين والقومة والرجال والفعلة والنجارين والبنائين والمسامير والات الحديد والاحجار والمؤن والأخشاب العظيمة والسهوم والبراطيم حتى تتمه وكان له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الأزمان، وهي شهادة لها قيمتها من مؤرخ عرف عنه بأحكامه الشديدة على محمد علي. تبني محمد علي السياسة التصنيعية، حيث أقام مصانع النسيج ومعاصر إحتكرها وقضي علي هذه الصناعات الصغيرة ضمن سياسة الإحتكار وقتها. وأصبح لكن الحكومة كانت تشتري غزل الكتان من الأهالي. وكانت هذه المصانع الجديدة يتولي إدارتها يهود وأقباط وأرمن. ثم لجأ محمد علي لكن كانت المنسوجات تباع في وكالاته. وكان المصريون يعملون بالسخرة في هذه المصانع. عليهم الشرطة ويعيدونهم للمصانع ثانية. كما كن يهربن أيضا. التعليم في عهد محمد علي: مدرسة الطب : انشأ محمد على أول مدرسة عالية للطب في مصر سنة ١٨٢٧ في أبي زعبل على مقربة من المستشفى العسكرى هناك ، وتولى ادارة المدرسة والمستشفى الدكتور كلوت بك ، فاختار لها نخبة من الاطباء الاوربيين ومعظمهم من الفرنسيين . وفي سنة ۱۸۳۷ تم نقل مدرسة الطب إلى قصر العيني لتكون في داخل العاصمة ، بالقلعة ، وهى بذلك أول مدرسة عالية انشئت في عصر محمد على . التعليم فيها بالمجان ، كما كانت الحكومة تؤدى رواتب شهرية لتلاميذها . وفي باديء الامر كان الاساتذة من الاجانب ، وفى سنة ١٨٣٤ انشا محمد على مدرسة أخرى للهندسة في بولاق ، وافق محمد على على اقتراح رفاعة رافع الطهطاوى (۲) • بانشاء واختير عليها مدرسة الالسن . وكان عدد التلاميذ فى العام الأول خمسين تلميذا ثم ازدادت الاعداد في السنوات التالية . ويعتبر بعض المؤرخين ان هذه المدرسة هي بمثابة أكاديمية لنسر فقد كانت تدرس فيها اللغات الاجنبية وخاصة الفرنسية هذا بالاضافة للآداب العربية والتاريخ والجغرافيا كما نشأ الباشا العديد من المدارس التجهيزية ( الثانوية ) ، أكثر من انشاء المكاتب الابتدائية فى الاقاليم ، حتى بلغ عدد هذه المكاتب في عام ١٨٣٦ سبعة وستين مكتبا هذا عدا الكتاتيب القديمة (1) وجه محمد علي باشا همته الى ايفاد البعثات المدرسية الى أوروبا ليتم الشبان المصريون دراستهم في معاهدها العلمية، عبقرية محمد علي باشا، بمصر ليتلقي فيها المصريون العلوم التي تنهض بالمجتمع المصري، إلى مصر معارف أوروبا وخبرة علمائها ومهندسيها ورجال الحرب والصنائع والفنون وأراد أن تضارع مصر اوروبا في مضمار التقدم العلمي والاجتماعي، ارسال البعثات تكوين فئة من المصريين المثقفين لا يقلون عن أرقى طبقة مهذبة في وأراد من جهة أخرى أن تجد مصر من خريجي هذه البعثات كفايتها من المعلمين والقواد والضباط لجيشها وبحريتها، الناحية. تعجبنا من ففي ذلك العصر لم يفكر حاكم شرقي ولا حكومة وهذه تركيا وسلطانها كان يملك من الحول والسلطة أكثر مما يملك محمد علي، الاوروبية، فيه بمختلف الحروب والمشاريع والخارجية والداخلية يدل حقيقة على عبقرية نادرة وهمة عالية. لذا ابتدأ محمد علي في إرسال الطلبة المصريين إلى أوروبا حوالي سنة 1813 وما بعدها، وأولى بلاد اتجه إليه فكره إيطاليا، فأوفد إلى ليفورن وميلانو وفلورنسا وروما واستمر في إرسال البعثات حتى وصلت إلى تسع بعثات من عام 1813 وحتى عام 1947 تسع بعثات في كافة التخصصات العلمية والعسكرية. الحقيقة أن الاصل في تلك البعثات وأسبابها ترجع كما ذكر استانتا ونظمها التعليمية والاقتصادية وفنونها الحربية والبحرية ، واستدعى منها والمهندسين المصانعه ، ومن ثم اضطر محمد على الى الاعتماد على الاوربيين الذين أصابوا في ذلك الوقت قصب السبق في التطور الصناعي . الا ن محمد اهل البلاد من المصريين والاتراك بمعزل عن الاشتراك في انهاض بلادهم كانوا له أعوانا ومساعدين يقلدهم ادارة المصانع والمدارس والدواوين ويجلسهم مجالس التعليم ، ويطلب منهم ترجمة الكتب النافعة ، وبعبارة وقد بلغ عدد الطلبة جميعا الذين أوفدهم محمد على الى اوروبا من سنة 1813 1813 إلى سنة 1825 و 291 في البعثات الكبرى ابتداء من سنة 1826، فيكون مجموعهم الكلي 310 تلميذا، في ذلك العصر، وعظيم في نتائجه لان هذه البعثات كان لها اوفر قسط في نهضة مصر الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والحربية والسياسية. من ذلك 30000 جنيها قيمة ما أنفق على الرسالات الاولى و 273360 على البعثات الكبرى التي ارسلت من سنة 1826 إلى سنة 1847 ، والي سنة 4 مرة وتولى في حالة ١٣١١ البرية مطبعة صاحب السعادة ، أو المطيعة الاميرية في بولاق أول مطبعة انشئت في عهد الوالى العظيم ، ولكنها بدأت عملها سنة ۱۸۲۲ وكان الغرض من انشائها هو طبع الكتب المدرسية والعسكرية ومع مضى الوقت ازداد عدد المطابع في مصر وصارت وبالنسبة للصحافة ، فقد أصدر الباشا أمره بانشاء الصحيفة
محمد علي والتحدي
جاء محمد علي، المولود في قولة كافالا الآن شمالي اليونان، إلى مصر ضابطا
صغيرا في الحملة العثمانية التي أرسلتها تركيا لإخراج الفرنسيين من البلاد، وشهد
انتهاء عهد الحملة الفرنسية، فلو كان على ذكاء عادي لانتهى أمره بما انتهى إليه معظم
ضباط الجيش التركي، ولكنه لمح من خلال الأفق ما تتمخض عنه الأمة المصرية من
نزوع الى الحرية، وما يجيش في صدرها من أمال كبار، وما تشعر به من سخط على
نظام الحكم القديم، فماشاها في ميولها وسايرها في آمالها، ورسم لنفسه خطة الوصول
الى عرش مصر عن طريق إرادة الشعب، وهي فكرة مبتكرة بالقياس إلى ذلك العصر
تدل على ذكاء محمد علي ودهائه وبعد نظره
نزلت الحملة الفرنسية على مصر بقيادة الجنرال بونابرت في أول يوليو سنة 1798
قاصدة حسب الظاهر الاقتصاص من المماليك لاعتدائهم المتكرر على التجار الفرنسيين.
أما الغرض الحقيقي من إرسال هذه الحملة، فهو إتخاذ القطر المصري قاعدة للتوسع
ومزاحمة الإنجليز في آسيا وأفريقيا، ومقاومة نفوذهم الاستعماري، وجعل البحر
المتوسط بحيرة فرنسية. فاتفقت الحكومتان الإنجليزية والعثمانية على وجوب إخراج
الفرنسيين من مصر، وجهزت كل منهما حملة لهذا الغرض، وكان محمد علي أحد
رجال الحملة العثمانية، إذ جاء مع فرقة جندها حاكم قولة وتولى قيادتها ابنه علي أغا،
وكان محمد علي وكيلا لذلك القائد، فوصلوا مصر في يوليو سنة 1799، وبعدما
اشتركت هذه الفرقة في محاربة الفرنسيين، اضطر قائدها علي أغا إلى مغادرة مصر
والعودة الى وطنه، فخلفه محمد علي في قيادة الفرقة ورقى إلى رتبة بكباشي
استمر النزاع مع الفرنسيين إلى يونيو سنة 1801 حيث أبرم معهم اتفاق يقضي
بجلائهم عن مصر، فانسحبوا منها في شهر سبتمبر من تلك السنة، وعادت السلطة على
مصر الى الدولة العثمانية، فعينت خسرو باشا واليا عليها، فتقرب محمد علي اليه وتولى
قيادة فرقة الألبانيين، وعدد رجالها ما بين ثلاثة وأربعة آلاف، وكانت رتبته حينئذ
تضاهي رتبة لواء في أيامنا هذه.
وعندما تطلع محمد علي لتولي سلطان مصر كان أمامه عدوان يهدف إلى التخلص
منهما وهما المماليك حكام البلد الأقدمين، وسلطة الوالي التركي الذي كان يمثل
حكومة الاستانة، وكانت هذه الحكومة تعمل على أن تكون لها الكلمة العليا في البلاد
بعد أن احتلتها بجيوشها، ثم كانت أمامه عقبة أخرى وهي سلطة الجند الارناؤوط
وغيرهم من أخلاط السلطنة العثمانية، فاستطاع محمد علي بدهائة وصبره وذكائه أن
يضرب كل سلطة بالأخرى، وأن يشق لنفسه طريق النجاح والوصول إلى الغاية التي
يطمح اليها.
كان في مصر حينئذ أحد وزراء الدولة العثمانية المدعو أحمد باشا قاصدا الى المدينة
المنورة التي عين واليا عليها فأراد الإنكشارية إجلاسه على كرسي ولاية مصر، غير
أن محمد علي لم يوافقهم على ذلك. وبالاتفاق مع المماليك طردوا أحمد باشا من
القاهرة، ثم بطش الألبانيون بالإنكشارية بإيعاز من محمد علي، ولم يبق في مصر من
الرجال المنتمين الى حكومة الأستانة الذين يخشى محمد علي شرهم سوى خسرو باشا
الوالي السابق الذي كان مقيما في دمياط، فهاجمه محمد علي وعثمان بك البرديسي
برجالهما وأحضراه الى القاهرة.
وهكذا لم يبق لمحمد علي خصم ظاهر من رجال الأستانة، كما أن عثمان بك
البرديسي صارت إليه السلطة العليا بين المماليك، لأن مناظره محمد بك الألفي كان قد
ذهب إلى انجلترا طامعا في الاستقلال بالحكم في مصر بمساعدة انجلترا.
وصلت الدولة العثمانية أخبار الحوادث المصرية، فراعها اتحاد المماليك والألبانيين،
فوجهت علي باشا الجزائري واليا على مصر، ودعمته بألف جندي، واعترض الجنود
الألبان علي باشا وهو في طريقه من الاسكندرية إلى القاهرة وفتكوا بجنوده، وقادوه
أسيرا إلى القاهرة ثم أرسلوه إلى سوريا لكنهم قتلوه في الطريق.
وفي أوائل سنة 1804 عاد محمد بك الألفي من انجلترا، حاملا الكثير من التحف
والأموال، وصعد نحو القاهرة في النيل. ولما كان وجوده في مصر يهدد محمد علي
وعثمان بك البرديسي على السواء، اتفقا على مقاومته فاعترضه رجالهما في النيل
ونهبوا الأموال والتحف التي جاء بها، أما هو فبادر إلى النزول إلى البر ونجا بنفسه
واختبأ عند العرب.
وقد كان محمد علي له نصيب كبير في تدبير جميع الحوادث التي سلف ذكرها، غير
أنه مع هذا كان بعيدا عن كل مسئولية تجاه الشعب والجند. فكان اذا تأخر دفع مرتبات
الجند وقعت المسئولية على من يتولى ادارة البلاد وثارت الجنود عليه لا على قائد
الجند، واذا فرضت الأموال على الأهلين واستثقلوا وطأتها نقموا على الحكام الذين
فرضوها. أما محمد علي فكان في تلك الأحوال يشارك الجند والشعب في التوجع لما
أصابهم، ويظهر الاهتمام بتحصيل حقوقهم وتخفيف كروبهم، فأصبح صديق الجند
والشعب. وهذه أهم النتائج التي يبغي الحصول عليها قبلما يرشح لمنصب الولاية، لأن
على الجند والشعب يتوقف تثبيت قدمه في البلاد.
واتفق أن مرتبات الجنود كانت متأخرة فثار الألبانيون على عثمان بك البرديسي
وطالبوه بدفعها، ففرض على أهل القاهرة ضرائب فادحة ليتمكن من دفع مرتبات
الجنود، فأغضب ذلك الأهالي، ونزعوا الى الثورة، فتدخل محمد علي في الأمر، وأظهر
عطفا شديدا على الأهلين ووعدهم بالمساعدة لرفع هذه الظلم عنهم، فعادوا إلى السكون.
وكان المماليك قد أخذوا يشعرون أن محمد علي يكن لهم العداء، والحقيقة أنه كان
حينئذ في غنى عنهم بل صار إضعافهم خيرا له، فبدأت المشادة بين الفريقين. وتجددت
الثورة في القاهرة على المماليك باتفاق الأهالي والألبانيين، وحدث قتال عنيف وبرز
محمد علي نفسه إلى ميدان القتال، فتغلب على المماليك، وألجأ جميع أمرائهم إلى الفرار
من القاهرة. فعندئذ أصبح محمد علي صاحب العقد والحل في القاهرة لأن زمام الجند
والشعب كان في يده، غير أنه لم يتسرع في طلب الولاية لنفسه، ولعله حاول هذه المرة
إثبات إخلاصه للدولة العثمانية حتى لا تناوئه متى أن أوان ترشيحه للولاية.
وكان لا يزال موجودا في القطر المصري اثنان من الباشوات العثمانيين، أحدهما
خسرو باشا والثاني أحمد خورشيد باشا حاكم الاسكندرية. فدعا محمد علي علماء البلد
وأعيانها الى اجتماع أظهر لهم في أثنائه وجوب المبادرة إلى تعيين وال على البلد،
واقترح إخراج خسرو باشا من معتقله وتقليده منصب الولاية، فوافق العلماء والأعيان
على ذلك.
بيد أن القادة الألبانيين اعترضوا على هذا التعيين وطلبوا من محمد علي إخراج
خسرو باشا من البلاد، فأذعن الى طلبهم وأعاد خسرو باشا الى الآستانة. ولا يخفى أن
الألبانيين كانوا رجال محمد علي الذين عليهم جل اعتماده ولديهم تودع أسراره، فلا
يعقل والحالة هذه أنه كان يجهل شعور زعمائهم نحو خشرو باشا عندما اقترح رده الى
منصب الولاية، بل يستشف من عمله التواطؤ مع الزعماء الألبانيين على اتخاذ ترشيح
خسروا باشا لمنصب الولاية واخراجه من معتقله، كان وسيلة لاخراجه من القطر
المصري، فيقرب محمد علي خطوة جديدة من الولاية بدون أن يكون في مظهره ما
يغضب الباب العالي.
والمشهور أن خسرو باشا كان يعتقد سوء النية في محمد علي، فأظهر نحوه أشد
العداء بعد عودته الى الآستانة وتوليه المناصب العالية فيها. وكان للعداء بينهما شأن
عظيم في النزاع الذي وقع بعد ذلك بين السلطان محمود ومحمد علي. فبعد إخراج
خسرو باشا من مصر، لم يبق فيه من كبار العثمانيين من يصلح تعيينه واليا سوى
خورشيد باشا، فاتفق العلماء والأعيان وزعماء الجند على تعيينه واليا وتعيين محمد علي
قائم مقام له. ووافق الباب العالي على ذلك في سنة 1804 ، أما خورشيد باشا فلقى ما
لقى أسلافه من الصعوبات في الحصول على الأموال، وفي دفع مرتبات الجنود، فقرض
الأموال الطائلة على أهل القاهرة، وابتز كثيرا منها من بعض الأفراد وخصوصا من
المنتسبين الى المماليك، فشمل الاستياء منه جميع الطبقات. وكان في الوقت عينه يشعر
بعدم اخلاص محمد علي، وبشدة وطأته، وظن أنه يتخلص منه باشغاله بمحاربة
المماليك، غير ان انتصارات محمد علي في تلك المحاربة، وشدة عطفه على الأهلين
والجند، زاده رفعة في عيون الجميع، ووطد مكانته في البلد خصوصا لدى العلماء
والأعيان.
فرأى الوالي أنه لابد له من قوة من رجال الدولة العثمانية تقف بجانبه وتعزز مقامه،
والا أضحى بين يدي محمد علي كريشة في مهب الريح، ففاوض رجال الدولة في ذلك،
بينما كان محمد علي بعيدا عن القاهرة مشتغلا بمحاربة المماليك، فوجهوا إليه ثلاثة
آلاف مقاتل من طائفة الدالاتية، غير أن وجودهم في القاهرة لم يزد موقفه إلا ضعفا
وارتباكا، لأنهم عمدوا الى السلب والنهب وارتكاب شتى المنكرات والمحرمات، فزاد
سخط الأهالي على خورشيد باشا، لأنه لم يشأ أو لم يستطع كف أذى الجند عنهم. كما
أن محمد علي لما بلغه قدوم الدالاتية الى القاهرة عاد إليها، وأخذ يدس الدسائس على
الوالي ويستميل عنه حتى رجاله الدلاتية. وبما أنه تأخر في دفع مرتبات الجنود كان من
القواعد طرده في ذلك الزمن، فثار الألبانيون عليه مطالبين بدفع مرتباتهم، فوقف
الدالاتية على الحياد، فوجد خورشيد باشا نفسه في موقف حرج عما كان عليه قبل قدوم
الدالاتية
وفي أثناء ذلك ورد مرسوم من الآستانة بتولية محمد علي باشا على جدة، بناء على
مخابرات سابقة بين الباب العالي وخورشيد باشا درءا للخطر الذي خشي وقوعه عليهما
فيما لو بقى في مصر، فأظهر محمد علي استعداده لتنفيذ مرسوم الأستانة، وأخذ يتأهب
للسفر، غير أن الجند والشعب الساخط على الوالي رجوا منه أن يبقى في مصر
لاقتناعهم بأنهم لن يجدوا حاكما أرأف من محمد علي بحالتهم أو أقدر منه على انالتهم
حقوقهم أو أكثر كفاءة لتولى الحكم، فاتفق زعماء الجند والعلماء والأعيان على إسقاط
خورشيد باشا من منصب الولاية، وانتخاب محمد علي بدلا منه. وكتبوا الى الآستانة في
ذلك، فأجيب ملتمسهم، وتلقى محمد علي مرسوما سلطانيا بذلك في يوليه سنة 1805.
وما كاد محمد علي يفرغ من مناهضة الباشوات العثمانيين حتى برز الإنجليز
لمقاومته، طالبين من الباب العالي إسقاطه، وتسليم إدارة البلاد للمماليك، بزعامة
صديقهم محمد بك الألفي الذي ذكرنا قبلا علاقته بإنجلترا، فأرسل الباب العالي القبطان
باشا بأسطوله الى مصر لتنحية محمد علي باشا عن كرسي الحكم، غير أنه وجد الشعب
والجند يؤيدانه، ورأى الشقاق سائدا على المماليك، كما أنه أطلع على غرض إنجلترا من
عزل محمد علي وإعادة حكم المماليك، وبناء على ذلك وعلى ما عرضه المصريون إلى
الباب العالي بواسطة إبراهيم باشا بن محمد علي الذي أوفدوه الى الآستانة، صدر
مرسوم جديد بتثبيت محمد علي في منصبه، فوصل هذا المرسوم الى مصر في 7
نوفمبر سنة 1806. وقد كان لمساعي قنصل فرنسا في الاسكندرية لدى القبطان باشا
ولسفير فرنسا في الآستانة وللمال والهدايا التي بعث بها محمد علي إلى الآستانة تأثير
عظيم على هذا التثبيت.
وبعد ارتقاء محمد علي إلى منصب الولاية، انقضى دور العمل من وراء الستار،
حيث كان هو الدافع وغيره العامل، وهو صاحب التدبير وعلى غيره تحمل المسئولية.
انقضى ذلك الدور وانحصر في تصريف الأمور وحل المشاكل، ومقاومة الخصوم في
الخارج والداخل. فالمماليك ضعفت قوتهم ولانت ملامسهم نوعا ما، لكن نفوسهم ما برح
تحدثهم باسترجاع سلطتهم وسابق مجدهم متى سنحت الفرصة.
حملة فريزر الإنجليزية على مصر 1807 والمقاومة المصرية:
كانت مصالح الانجليز في الهند آخذة في النمو، وبنموها ازدادت مصر أهمية في
نظرهم، لتسهيل وسائل النقل بين انجلترا والهند بطريق البحر المتوسط ومصر والبحر
الأحمر، بدلا من الطريق البحرية الطويلة حول رأس الرجاء الصالح. وهذا الذي كان قد
دفعهم قبلا الى مقاومة حملة بونابرت على مصر وسوريا واجتذاب محمد بك الالفي أحد
زعماء المماليك إلى جانبهم، وبذلك جهد عظيم لتسليمه مقاليد الحكم في البلاد المصرية
لقاء امتيازات ينالونها منه، غير أن تفرق كلمة المماليك، وحزم محمد علي، أحبط
مساعيهم كما أسلفنا.
ونظرا لاشتباك انجلترا في حرب مع الدولة العثمانية وشدة شكيمة محمد علي
وحرصه على إبعاد كل تدخل أجنبي عنه، لم يأمل الإنجليز الاتفاق معه، لاسيما أنه كان
شديد الميل الى الفرنسيين اللذين ناصروه حينما كان الانجليز يدفعون الدولة العثمانية
إلى عزله. فلذلك عزم هؤلاء على استخدام قوتهم وقوة المماليك لنزع البلاد من يد
الدولة العثمانية، وتنحية محمد علي عن الولاية، وتسليم زمام الأمور للمماليك.
لكن جرت المقادير ضد التدابير، فإن عثمان بك البرديسي توفى في أواخر سنة
1806 وزميله محمد بك الألفي توفى في أوائل سنة 1807 ، فسادت الفوضى شئون
المماليك لفقد زعيميهم الكبيرين، ولم يدرك الانجليز مبلغ الضعف الذي أصاب حلفاءهم
وظنوا أنهم ما برحوا يستطيعون الاعتماد على معاونيهم، فوجهوا الى مصر حملة مؤلفة
من نحو خمسة آلاف جندي يقودها الجنرال فريزر، فوصل الى الاسكندرية واحتلها في
شهر مارس سنة 1807 ، ثم حاول احتلال رشيد أولا ، وثانيا ليفتح طريق المواصلة بينه
وبين المماليك، وفي كلتا المرتين أخفق إخفاقا تاما، إذ أمعن الجنود العثمانيون في
الحملتين قتلا وتشريدا، وأخذوا عددا كبيرا من الأسرى نقلوا الى القاهرة. أما المماليك
فلزموا السكينة ولم يمدوا لمساعدة الانجليز يدا وأخيرا دارت المفاوضة بين محمد علي
والانجليز وانتهت بالاتفاق على أن يخلي محمد علي سبيل الأسرى، وان تتجلى الجنود
الانجليزية عن الاسكندرية فغادروها في شهر سبتمبر سنة 1807.
فكان للانتصار الذي أحرزه محمد علي صدى عظيما في مختلف أنحاء البلاد، ونال
ارتياح الباب العالي وتأييده. واغتنم المماليك هذه الفرصة للقرب منه، فتوكدت سيادته
في القطر المصري، وعظمت هيبته في النفوس، واتخذ محمد علي على الخطر الذي
كان يهدد البلاد من الخارج حجة لتحصين الثغور، وشحن الاسكندرية بالمقاتلة، وتولى
الدفاع عن الثغور المصرية بنفسه، وقد كان قبل ذلك يقوم بالدفاع عنها قائد البحرية
العثمانية (القبطان باشا) وهكذا استقل بادارة مصر وبالدفاع عنها في الداخل والخارج.
جدير بالذكر أنه حين عادت الجند من الاسكندرية بعد جلاء الحملة الانجليزية عن
البلاد سنة 1807 ثاروا في القاهرة وعاثوا في أسواقها فسادا، واستعمل محمد علي
الحكمة في إخماد ثورتهم. واعتزم من ذلك الحين أن يتخلص من الجيش القديم ويحل
محله جيشا حديثا قوامه النظام والطاعة، ولكنه لم يمض في تحقيق برنامجه إلا حوالي
سنة 1819 - 1820 ، وما ذلك إلا لما آنسه من الخطر إذا هو نفذ مشروعه قبل ذلك
الحين، فمثل هذه الأناة والحكمة وسعة الحيلة لا تصدر إلا عن الساسة ذوي الرءوس
الكبيرة، وبهذه الصفات نجح في تأسيس الجيش المصري النظامي، فتأمل كيف انتظر
أكثر من اثنتي عشرة سنة قبل أن يبدأ في إنفاذ فكرته، وكيف أنه عندما بدأ في دور
التنفيذ كان شديد الاحتياط بعيد النظر، فأسس المدرسة الحربية الأولى لتخريج الضباط
النظاميين في أسوان، أي في أقاصي الوجه القبلي، لكي يبدأ مشروعه بعيدا عن الدسائس
والفتن التي كانت القاهرة مسرحا لها.
تمكن محمد علي أن يبني في مصر دولة عصرية على النسق الأوروبي، واستعان
في مشروعاته الإقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين، ومنهم بصفة خاصة السان
سيمونيون الفرنسيون، الذين أمضوا في مصر بضع سنوات في الثلاثينات من القرن
التاسع عشر، وكانوا يدعون إلى إقامة مجتمع نموذجي على أساس الصناعة المعتمدة
على العلم الحديث. وكانت أهم دعائم دولة محمد علي العصرية: سياسته التعليمية
والتثقيفية الحديثة.
فقد آمن محمد علي بأنه لن يستطيع أن ينشئ قوة عسكرية على الطراز الأوروبي
المتقدم، ويزودها بكل التقنيات العصرية، وأن يقيم إدارة فعالة، وإقتصاد مزدهر يدعمها
ويحميها، إلا بإيجاد تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي. وهذا التعليم العصري
يجب أن يقتبس من أوروبا. وبالفعل فإنه طفق منذ 1809 بإرسال بعثات تعليمية إلى
مدن إيطالية مثل ميلانو ، و فلورنسا، و روما، لدراسة العلوم العسكرية، وطرق بناء
السفن، والطباعة. وأتبعها ببعثات لفرنسا، كان أشهرها بعثة 1826 التي تميز فيها
إمامها المفكر والأديب رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دوره الكبير في مسيرة
الحياة الفكرية والتعليمية في مصر.
وقد بلغت هذه البعثات التعليمة تسع بعثات كان آخرها عام 1847م. ويلاحظ على
تلك البعثات التعليمية أنها لم تكن قاصرة فقط على الأتراك أو أبناء الطبقة العليا ومنهم
أولاده، بل شملت عددا من المصريين أيضا، ممن سيصبح لهم دورا كبيرا في مستقبل
الحياة العلمية والفكرية في مصر.
عمد محمد علي إلى تجنيد الفلاحين المصريين وانتدب لتنظيم الجيش ضابطا
فرنساويا قديرا وهو الكولونيل ساف Seve المعروف باسم سليمان باشا الفرنساوي،
وأنشأ المدارس الحربية وبنى الأسطول. ومع اصلاحاته هذه نمت الصناعة في البلاد،
واستعان على القيام بكل ذلك برجال الفنون والصنائع الأوروبيين، وكان أكثرهم من
الفرنسيين لحسن علاقاته السياسية بهم وإقبالهم على بلاده واهتم أيضا بنشر المعارف
في البلاد وتحسين الأحوال الصحية، فأنشأ المدارس والمستشفيات، وأرسل البعثات
العلمية الى أوروبا، واستقدم منها أرباب الاختصاص، على النحو الذي سنراه.
وتتبين قوة عزيمته من أنه أنشأ من العدم جيشا ضخما على أحدث نظام، وأسطولا
قويا رفع علم مصر فوق ظهر البحار، وأوجد حكومة منتظمة حيث كانت الفوضى
ضاربة أطنابها؛ وأنشأ المدارس والمعاهد حيث كانت الجهالة فاشية؛ والمستشفيات حيث
كانت الامراض تفتك بالأهلين، وشق الترع وأقام الجسور حيث كانت مياه النيل تذهب
هدرا دون أن تنتفع منها الاراضي، وأقام المصانع والمباني العامة، كل ذلك يدل على ما
تفعله العزيمة الحديدية.
ومن إصلاحات محمد علي المشهورة وانشاء قوة منظمة من الشرطة، وإقرار الأمن
في جميع انحاء البلاد حتى ضاهت مصر في ذلك البلدان الأوروبية الراقية.
فهو من الوجهة السياسية كان يرمي إلى إنشاء دولة مصرية مستقلة، قوية البأس
عظيمة السلطان منيعة الجانب، وهي غاية تعد المثل الأعلى للقومية المصرية، ولقد
حقق فعلا تلك الغاية وجعل من مصر دولة فتية مستقلة تمتد حدودها من جبال
طوروس شمالا إلى أقاصي السودان جنوبا، وتشمل مصر وسورية وبلاد العرب وجزيرة
كريت وقسما من الأناضول، ولئن تراجعت حدود مصر طبقا لمعاهدة لندن، فقد بقيت
حدودها الأصلية سليمة حيث شملت استقلال مصر والسودان وحققت وحدة وادي
النيل السياسية والقومية.
وغني عن البيان أن تحقيق هذا المشروع العظيم ليس من الهنات الهيئات، ولا
ينهض به رجل عادي، بل يحتاج الى سياسي كبير من أعظم الرجال همة ودهاء، فإن
أي خطأ يبدر منه كان يكفي لاحباط المشروع في خطواته الأولى، أو هدمه من أساسه
بعد تمامه، ولكن محمد علي أحاط مشروعه بالحر وبعد النظر والحكمة، ويكفيك برهانا
على بعد نظره في السياسة، أنه لما عرض عليه مشروع حفر قناة السويس أعرض عنه
رغم الحاح بعض الماليين والسياسييين الفرنسيين، إذ رأى أنه سيؤدي الى تدخل الدول
الغربية في شئون مصر، واتجاه الاطماع إليها، وجعلها هدفا للدسائس الاستعمارية مما
يفضي الى ضياع استقلالها، ومما يؤثر عنه أنه قال في هذا الصدد:
"اذا أنا فتحت قناة السويس فسأنشئ بوسفورا ثانيا، والبوسفور سيؤدي إلى ضياع
السلطنة العثمانية، وبفتح قناة السويس تستهدف مصر للاطماع أكثر مما هي الآن،
ويحيق الخطر بالعمل الذي قمت به وبخلفائي من بعدي."
حروب محمد على ضد الوهابيين بالجزيرة العربية:
رغم ارتياح الاستانة لانتصار محمد علي باشا على الانجليز، كان العثمانيون
ينظرون بعين الحذر والخواف إلى نمو قوته وانتشار صيته وسطوته. وكانت في أثناء
ذلك قد انتشرت الدعوة الوهابية في الجزيرة العربية، ثم تحول أصحابها الى جيش،
يغزوا بلاد الحجاز، فاستولى على مكة المكرمة والمدينة المنورة، فارتاع لذلك السلطان
العثماني الذي بات سلطانه مهددا في بلاد الحرمين الشريفين، ولم يستطع الجنود
العثمانيون صدهم، بل امتدت نفوذهم الى العراق وسوريا.
فانتدبت الحكومة العثمانية محمد علي لمقابلتهم، وهي تقصد بذلك تشريفه ظاهريا
بالدفاع عن الكعبة والمدينة، أما حقيقة الحال فهي أنها كانت في حاجة إلى من يرد عن
ولاياتها غارات الوهابيين، كما أنها كانت أمل ان المصادمة بين محمد علي والوهابيين،
تلقيه في ورطة عظيمة ربما قضت عليه وعلى الوهابيين معا. على أن انتدابه لهذه
المهمة الشريفة زاد مكانته رفعة في عيون المسلمين في جميع الأقطار.
فأخذ في تجهيز الجنود وإعداد وسائل النقل الى الحجاز بحرا. فكانت هذه أول حركة
صناعية كبرى قام بها إذ جمع لها المواد والصناع من جميع أنحاء القطر المصري،
وأنشأ المصانع في بولاق، حيث جهزت السفن أجزاء، ونقلت كذلك إلى السويس حيث
ركبت فكان ما أنشأه بضع عشرة سفينة.
مذبحة المماليك:
ولما اقترب أوان تسيير الحملة الحجازية، رأى من الحكمة أن يطهر البلاد من
المماليك الذين كان قد قاتلهم قتالا شديدا في الأعوام الماضية حتى خضد شوكتهم، وظن
أن لن تقوم لهم قائمة بعدها، ثم قرب كبارهم منه، وأقطعهم الاقطاعات، لكن لما شرع
في إعداد الحملة على الوهابيين أخذوا يكيدون له ويتآمرون عليه، فعلم بمؤامراتهم لكن
تجاهلها.
وعول على نكبتهم، واختار لذلك أول مارس 1811 ، وهو اليوم الذي عينه لعقد
لواء الحملة الحجازية في قلعة الجبل لولده طوسون باشا فدعا إلى الحفلة كبار رجال
حكومته وأمراء المماليك، وبعد انتهاء الحفلة ركب المماليك خيولهم وهموا بالخروج
فوجدوا باب القعلة موصدا في وجوههم، وكان الجنود قد أحدقوا بهم وأمطروهم وابلا
من الرصاص وأجهزوا على من بقى حيا بالسيوف، فلم ينج منهم أحد من الذين شهدوا
حفلة القلعة، فكان في ذلك اليوم القضاء الأخير على قوة المماليك في مصر، ولم يبق في
البلاد من العناصر التي اعتادت الكيد للولاة وإقلاق راحة العباد سوى طوائف من الجند.
بدأت الحرب على الوهابيين في سنة 1811 ، وانتهت في سنة 1818. قاد حملتها
الأولى طوسون باشا من سنة 1811 الى 1815 ، وأصيبت جنوده في بادئ الأمر
بانكسار شنيع، لكن عاد فاستولى على مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة، والطائف
بعد متاعب وأخطار جمة، ثم ذهب محمد علي بنفسه الى الحجاز في أغسطس 1813
ليشرف على الأعمال الحربية فمكث هناك الى شهر يونيه سنة 1815.
ثم تولى قيادة الحملة العسكرية ضد الوهابيين ابراهيم باشا من أواخر سنة 1816
الى أن انتهت في أواخر سنة 1814 ، فقهر الوهابيين في الدرعية بالرياض، واستولى
على مدنهم، وأجبر زعيمهم عبد الله بن سعود على التسليم والذهاب إلى مصر، ومنها
أرسل إلى الآستانة حيث قتله السلطان العثماني ومثل به على أثر وصوله. ورغم أن
محمد على قوض دعائم الدولة السعودية الأولى، لحساب السلطان العثماني، إلا أنه كان
للقضاء على الوهابيين فرح عظيم في العالم الاسلامي اقترن به ذكر محمد علي
بالإعجاب والتكريم . وظهرت في أثناء هذه الحرب كفاءة إبراهيم باشا وصفاته العسكرية
الممتازة، وبها ابتدأت شهرته التي طبقت الآفاق في ما تلاها من الحروب ومكافأة له
على انتصاراته الباهرة أنعم عليه السلطان بولاية جدة.
وعدا الشهرة الواسعة التي نالها محمد علي في البلدان الأجنبية لتغلبه على الوهابيين،
ازدادت سلطته رسوخا في القطر المصري، وخصوصا على رجال الجيش، لأن محاربة
عدو باسل مدة سبع سنين في بلاد مقفرة أهلكت عددا كبيرا من الضباط والجنود
المشاغبين، إما قتلا في المحاربة أو موتا بالأمراض، كما أن الانكسارات الأولى التي
أصابت الجيش قضت على خيلاء بعض كبار ضباطه، بل أذلتهم ونزعت من الجنود
الثقة بهم، فاغتنم محمد علي هذه الفرصة لتمكين قبضته لضباطهم، فكان اذا انتقل
الضابط من جهة الى أخرى انتقلت جنوده معه، كأنما هم مماليكه ولا علاقة لهم مباشرة
بالقيادة العامة.
النهضة المصرية زمن محمد علي باشا:
لما استطاع محمد علي القضاء علي المماليك ربط القاهرة بالأقاليم ووضع سياسة
تصنيعية زراعية موسعة. وضبط المعاملات المالية والتجارية والادارية والزراعية لأول مرة في تاريخ مصر.
وكان جهاز الإدارة أيام محمد علي يهتم أولا بالسخرة وتحصيل الأموال الأميرية
وتعقب المتهربين من الضرائب وإلحاق العقاب الرادع بهم. وكانت الأعمال المالية
يتولاها الأرمن والصيارفة كانوا من الأقباط والكتبة من الترك. لأن الرسائل
كانت بالتركية.
الزراعة والاحتكار :
وجه محمد علي اهتماما عظيما الى الاصلاح الاقتصادي، لأن جميع مشاريعه لا
قوام لها إلا بالمال، فنشط الزراعة والتجارة فدرت عليه الخيرات، وبذل الجهد المستطاع
في سبيل ترقية الصناعة، لكنها لم تكن رابحة.
أما أعماله الزراعية، فكان أهما زراعة القطن الأمريكي والنيلة، واستيلائه على أكثر
الأراضي المصرية لحسابه بطرق جائرة، وتسخيره العمال لأجل القيام بمشاريعه
الزراعية التي وضعها تحت مراقبة رجال الحكومة في المديريات، فنجحت أعماله
وكثرت أرباحه، لكنه أنزل الضنك بعدد عديد من الملاك، والعمال باغتصابه الأملاك
وتسخير الرجال. وزاد على هذه المظالم استعمال منتهى الشدة في تحصيل الأموال
الأميرية وفرض ضريبة جديدة وهي الفردة أو ضريبة الرؤوس، وكانت تجبي من
رجال البلاد على اختلاف مذاهبهم.
وقد ذكر عنه الكونت بنديتي قنصل فرنسا العام في مصر وقتئذ أنه لما شرع في
إقامة القناطر الخيرية وسمع بالاعتراضات التي أبديت على المشروع من جهة العقبات
والمصاعب التي تحول دون نجاحه كان جوابه: إن هذا صراع بيني وبين النهر العظيم
لكني سأخرج فائزا من هذا الصراع، فهذا الجواب يدلك على مبلغ شعوره بقوة إرادته،
ولولا تلك الارادة لما اعتزم أن يقهر النيل ويتحكم في جريانه بواسطة مشروعه الكبير.
لكن رغم هذه المظالم، فان إصلاحاته الجمة وتسامحه الديني جعله محترما في عيون
الأوروبيين، فتوطدت العلاقات بين البلدان الأوروبية ومصر، وكثر عدد مريديه
والمعجبين به من الأوروبيين، نظرا لما كان يبديه من البشاشة في استقبالهم والحذق في
أحاديثه الممزوجة بالظرف والفكاهة.
وكان حكام الاقاليم وأعوانهم يحتكرون حق التزام الاطيان الزراعية وحقوق
امتیازات وسائل النقل. فكانوا يمتلكون مراكب النقل الجماعي في النيل والترع يما فيها
المعديات. وكان حكام الأقاليم يعيشون في قصور منيفة ولديهم الخدم والحشم والعبيد.
وكانوا يتلقون الرشاوي لتعيين المشايخ في البنادر والقري . وكان العبيد الرقيق في
قصورهم يعاملون برأفة ورقة. وكانوا يحررونهم من الرق. ومنهم من أمتلك الأبعاديات
وتولي مناصب عليا بالدولة. وكان يطلق عليهم الأغوات المعاتيق. وكانوا بلا عائلات
ينتسبون إليها. فكانوا يسمون محمد أغا أو عبد الله أغا. وأصبحوا يشكلون مجتمع
الصفوة الأرستقراطية. ويشاركون فيه الأتراك. وفي قصورهم وبيوتهم كانوا يقتنون
العبيد والأسلحة. ومنهم من كانوا حكام الأقاليم. وكانوا مع الأعيان المصريين والعمد
يتقاسمون معهم المنافع المتبادلة ومعظمهم كانوا بلا عمل وكثيرون منهم كانوا
يتقاضون معاشات من الدولة أو يحصلون علي أموال من أطيان الإلتزام. وكانوا
يعيشون عيشة مرفهة وسط أغلبية محدودة أو معدومة الدخل.
كان محمد علي ينظر لمصر علي أنها أبعديته . فلقد أصدر مرسوما لأحد حكام
الأقليم جاء فيه : البلاد الحاصل فيها تأخير في دفع ماعليها من البقايا او الاموال يضبط
مشايخها ويرسلون للومان (السجن). والتنبيه علي النظار بذلك . وليكن معلوما لكم ولهم
أن مالي لا يضيع منه شيء بل أخذه من عيونهم . وكان التجار الأجانب
ولاسيما اليونانيين والشوام واليهود يحتكرون المحاصيل ويمارسون التجارة بمصر.
وكانوا يشاركون الفلاحين في مواشيهم. وكان مشايخ الناحية يعاونونهم علي عقد مثل
هذه الصفقات وضمان الفلاحين. وكانت عقود المشاركة بين التجار والفلاحين توثق في
المحاكم الشرعية. وكان الصيارفة في كل ناحية يعملون لحساب هؤلاء التجار لتأمين
حقوقهم لدي الفلاحين.
لهذا كان التجار يضمنون الصيارفة عند تعيينهم لدي السلطات. ولا سيما في
المناطق التي كانوا يتعاملون فيها مع الفلاحين . وكان التجار يقرضون الفلاحين الأموال
قبل جني المحاصيل مقابل احتكارهم لشراء محاصيلهم. وكان الفلاحون يسددون ديونهم
من هذه المحاصيل. وكان التجار ليس لهم حق ممارسة التجارة إلا بإذن من الحكومة
للحصول علي حق هذا الإمتياز لمدة عام، يسدد عنه الأموال التي تقدرها السلطات
وتدفع مقدما.
وبهذا كانت الدولة تحتكر التجارة بشرائها المحاصيل من الفلاجين أو بإعطاء
الإمتيازات للتجار . وكان مشايخ أي ناحبة متعهدين بتوريد الغلال
والحبوب كالسمن والزيوت والعسل والزبد لشون الحكومة لتصديرها أو إمداد القاهرة
والإسكندرية بها أو توريدها للجيش المصري لهذا كان الفلاحون سجناء قراهم لا
يغادرونها أو يسافرون إلا بإذن كتابي من الحكومة . وكان الفلاحون يهربون من
السخرة في مشروعات محمد علي أو من الضرائب المجحفة او من الجهادية. وكان من
بين الفارين المشايخ بالقري. لأنهم كانوا غير قادرين علي تسديد مديونية الحكومة.
ورغم وعود محمد علي إلا أن الآلاف فروا للقري المجاورة او لاذوا لدي العربان البدو
أو بالمدن الكبري. وهذا ما جعل محمد علي يصدر مرسوما جاء فيه :
بأن علي المتسحبين الفارين أو المتسربين العودة لقراهم في شهر رمضان 1251
هـ 1835 - م. وإلا أعدموا بعدها بالصلب كل علي باب داره أو دواره. وفي
سنة 1845 أصدر ديوان المالية لائحة الأنفار المتسحبين هددت فيها مشايخ البلاد
بالقري لتهاونهم وأمرت جهات الضبطية بضبطهم ومن يتقاعس عن ضبطهم سيعاقب
عقابا جسيما.
وكانت السياسة العامة لحكومة محمد علي تطبيق سياسة الإحتكار وكان علي
الفلاحين تقديم محاصيلهم ومصنوعاتهم بالكامل لشون الحكومة بكل ناحية وبالأسعار
التي تحددها الحكومة . وكل شونه كان لها ناظر وصراف و قباني ليزن القطن وكيال
ليكيل القمح.
وكانت تنقل هذه المحاصيل لمينائي الاسكندرية وبولاق بالقاهرة. وكانت الجمال
تحملها من الشون للموردات بالنيل لتحملها المراكب لبولاق حيث كانت تنقل لمخازن
الجهادية أو للإسكندرية لتصديرها للخارج . وكان يترك جزء منها للتجار والمتسببين
(البائعين) بقدر حاجاتهم. وكانت نظارة الجهادية
حصتها
من العدس والفريك والوقود والسمن والزيوت الجند ، وكانت توضع بالمخازن.
تحدد
وكان ضمن سياسة محمد علي لاحتكار الزراعة تحديد نوع زراعة المحاصيل
والأقاليم التي تزرعها. وكان قد جلب زراعة القطن والسمسم. وكان محمد علي يحدد
أسعار شراء المحاصيل التي كان ملتزما بها الفلاحون . وكان التجار ملتزمين أيضا
بأسعار بيعها. ومن كان يخالف التسعيرة يسجن مؤبد أو يعدم.
وأرسل لحكام الأقاليم أمرا جاء فيه: "من الآن فصاعدا من تجاسر علي زيادة
الأسعار عليكم حالا تربطوه وترسلوه لنا لأجل مجازاته بالإعدام لعدم تعطيل أسباب عباد
الله".
وكان محمد علي يتلاعب في الغلال وكان يصدرها لأوربا لتحقيق دخلا أعلي. وكان
يخفض كمياتها في مصر والأستانة رغم الحظر الذي فرضه عليه السلطان بعدم خروج
الغلال خارج الإمبراطورية. وهنا شهد الجبرتي لمحمد علي بقوة العزم والشهامة، فقال
عنه بمناسبة اصلاحه سد أبي قير:
"فأرسل إليه المباشرين والقومة والرجال والفعلة والنجارين والبنائين والمسامير
والات الحديد والاحجار والمؤن والأخشاب العظيمة والسهوم والبراطيم حتى تتمه وكان
له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الأزمان، ولو وفقه الله من العدالة على ما فيه
من العزم والسياسة والشهامة والتدبير والمطاولة لكان أعجوبة زمانه وفريد أقرانه".
وهي شهادة لها قيمتها من مؤرخ عرف عنه بأحكامه الشديدة على محمد علي.
الصناعة:
تبني محمد علي السياسة التصنيعية، حيث أقام مصانع النسيج ومعاصر
الزيوت ومصانع الحصير. وكانت هذه الصناعة منتشرة في القري إلا أن محمد علي
إحتكرها وقضي علي هذه الصناعات الصغيرة ضمن سياسة الإحتكار وقتها. وأصبح
العمال يعملون في مصانع الباشا. لكن الحكومة كانت تشتري غزل الكتان من الأهالي.
وكانت هذه المصانع الجديدة يتولي إدارتها يهود وأقباط وأرمن. ثم لجأ محمد علي
لإعطاء حق إمتياز إدارة هذه المصانع للشوام. لكن كانت المنسوجات تباع في وكالاته.
وكان المصريون يعملون بالسخرة في هذه المصانع. لذا كانوا يفرون وتقبض
عليهم الشرطة ويعيدونهم للمصانع ثانية. وكانوا يحجزونهم في سجون داخل المصانع
حتي لا يفروا. وكانت أجورهم متدنية للغاية وتخصم منها الضرائب. وكانت تجند الفتيات
ليعملن في هذه المصانع، كما كن يهربن أيضا.
التعليم في عهد محمد علي:
مدرسة الطب :
انشأ محمد على أول مدرسة عالية للطب في مصر سنة ١٨٢٧ في أبي زعبل على مقربة من المستشفى العسكرى هناك ، حتى يمكن تدريب الطلاب بهذا المستشفى . واختارت الدولة في بادىء الامر مائة من طلاب الازهر للتعليم بهذه المدرسة ، وتولى ادارة المدرسة والمستشفى الدكتور كلوت بك ، فاختار لها نخبة من الاطباء الاوربيين ومعظمهم من الفرنسيين . ولما
وفي سنة ۱۸۳۷ تم نقل مدرسة الطب إلى قصر العيني لتكون في داخل العاصمة ، وحتى تؤدى هى والمستشفى الملحق بها الخدمات للمواطنيين كما الحقت بمدرسة الطب مدرسة خاصة للصيدلة حتى تتعاون المدرستان في تحقيق الخدمات الطبية للمجتمع المصري
مدرسة الهندسة ببولاق : أنشئت أول مدرسة للهندسه سنه ۱۸۱۹
بالقلعة ، وهى بذلك أول مدرسة عالية انشئت في عصر محمد على . وكان
التعليم فيها بالمجان ، كما كانت الحكومة تؤدى رواتب شهرية لتلاميذها .
وفي باديء الامر كان الاساتذة من الاجانب ، ولكن مع الوقت بدأ الاساتذة
المصريون العائدون من الخارج في المساهمة في التدريس
وفى سنة ١٨٣٤ انشا محمد على مدرسة أخرى للهندسة في بولاق ،
وكانت هذه المدرسة العالية من أجل وأنفع المدارس التي أنشأها والى مصر
العظيم .
مدرسة الألسن :
وافق محمد على على اقتراح رفاعة رافع الطهطاوى (۲) • بانشاء
مدرسة الالسن ، وتم انشاؤها بالفعل في سنة ١٨٣٦ ، واختير
لها سراى الالفى بالازبكية وعرفت في أول الأمر بمدرسة الترجمة ثم أطلق
عليها مدرسة الالسن . وفى سنة ۱۸۳۷ أصبح رفاعه هو ناظر هذه المدرسة
وكان عدد التلاميذ فى العام الأول خمسين تلميذا ثم ازدادت الاعداد في
السنوات التالية .
ويعتبر بعض المؤرخين ان هذه المدرسة هي بمثابة أكاديمية لنسر
الثقافة في مصر ، فقد كانت تدرس فيها اللغات الاجنبية وخاصة الفرنسية
والايطالية والانجليزية والفارسية والتركية ، هذا بالاضافة للآداب العربية
والتاريخ والجغرافيا
كما نشأ الباشا العديد من المدارس التجهيزية ( الثانوية ) ، كما
أكثر من انشاء المكاتب الابتدائية فى الاقاليم ، حتى بلغ عدد هذه المكاتب في
عام ١٨٣٦ سبعة وستين مكتبا هذا عدا الكتاتيب القديمة (1)
البعثات التعليمية إلى أوروبا:
وجه محمد علي باشا همته الى ايفاد البعثات المدرسية الى أوروبا ليتم الشبان
المصريون دراستهم في معاهدها العلمية، وهذه الفكرة تدل على ناحية من نواحي
عبقرية محمد علي باشا، فهو لم يكن يكتف بأن يؤسس المدارس والمعاهد العلمية
بمصر ليتلقي فيها المصريون العلوم التي تنهض بالمجتمع المصري، بل اعتزم أن ينقل
إلى مصر معارف أوروبا وخبرة علمائها ومهندسيها ورجال الحرب والصنائع والفنون
فيها، وأراد أن تضارع مصر اوروبا في مضمار التقدم العلمي والاجتماعي، فقصد من
ارسال البعثات تكوين فئة من المصريين المثقفين لا يقلون عن أرقى طبقة مهذبة في
أوروبا.
وأراد من جهة أخرى أن تجد مصر من خريجي هذه البعثات كفايتها من المعلمين
في مدارسها العالية، والقواد والضباط لجيشها وبحريتها، ومهندسيها والقائمين على
شؤون العمران فيها وإدارة حكومتها لكي لا تكون مع الزمن عالة على أوروبا من هذه
الناحية.
وعند التأمل في العصر الذي نشأت فيه فكرة الابتعاث عند محمد علي، تعجبنا من
عبقريته التي انبتت هذا المشروع، ففي ذلك العصر لم يفكر حاكم شرقي ولا حكومة
شرقية في إيفاد مثل هذه البعثات، وهذه تركيا وسلطانها كان يملك من الحول والسلطة
أكثر مما يملك محمد علي، لم تفكر حينذاك أصلا في إيفاد البعثات المدرسية إلى المعاهد
الاوروبية، فصدور هذه الفكرة في ذلك العصر وفي الوقت الذي كان محمد علي مشغولا
فيه بمختلف الحروب والمشاريع والخارجية والداخلية يدل حقيقة على عبقرية نادرة
وهمة عالية.
لذا ابتدأ محمد علي في إرسال الطلبة المصريين إلى أوروبا حوالي سنة 1813 وما
بعدها، وأولى بلاد اتجه إليه فكره إيطاليا، فأوفد إلى ليفورن وميلانو وفلورنسا وروما
وغيرها من المدن الايطالية طائفة من الطلبة لدرس الفنون العسكرية وبناء السفن
وتعلم الهندسة وغير ذلك من الفنون. واستمر في إرسال البعثات حتى وصلت إلى تسع
بعثات من عام 1813 وحتى عام 1947 تسع بعثات في كافة التخصصات العلمية
والعسكرية.
البعثات :
الحقيقة أن الاصل في تلك البعثات وأسبابها ترجع كما ذكر استانتا
الدكتور أحمد عزت عبد الكريم الى أن محمد على أخذ عن أوربا علومها ،
ونظمها التعليمية والاقتصادية وفنونها الحربية والبحرية ، واستدعى منها
المدرسين والنظار لمدارسه والضباط والمدرسين لجيشه وأسطوله والصناع
والمهندسين المصانعه ، ومن ثم اضطر محمد على الى الاعتماد على الاوربيين
الذين أصابوا في ذلك الوقت قصب السبق في التطور الصناعي . الا ن محمد
على كان يرى أنه من الحكمة عدم استمرار الاعتماد على الاجانب وابقاء
اهل البلاد من المصريين والاتراك بمعزل عن الاشتراك في انهاض بلادهم
فبدأ يرسل الى أوربا نفرا من التلاميذ الاتراك والمصريين ليأخذوا مباشرة من
علوم الغرب وفنونه ويحققوا لغاته وتجاربه ، حتى اذا عادوا الى مصر
كانوا له أعوانا ومساعدين يقلدهم ادارة المصانع والمدارس والدواوين
ويجلسهم مجالس التعليم ، ويطلب منهم ترجمة الكتب النافعة ، وبعبارة
أخرى يطلب منهم أن يكونوا - كما أصبح كثير منهم فعلا قادة النهضة
الحديثة في البلاد (۲)
وقد بلغ عدد الطلبة جميعا الذين أوفدهم محمد على الى اوروبا من سنة 1813
إلى سنة 1847 – 319 طالبا منهم 28 في البعثات الثلاث الأولى ابتداء من سنة
1813 إلى سنة 1825 و 291 في البعثات الكبرى ابتداء من سنة 1826، فيكون
مجموعهم الكلي 310 تلميذا، وهو عدد عظيم إذا قيس بدرجة التعليم الذي بلغتها مصر
في ذلك العصر، وعظيم في نتائجه لان هذه البعثات كان لها اوفر قسط في نهضة مصر
الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والحربية والسياسية.
وقد دلت الاحصاءات على أن نفقات تلك البعثات بلغت 303360 من الجنيهات. من
ذلك 30000 جنيها قيمة ما أنفق على الرسالات الاولى و 273360 على البعثات الكبرى
التي ارسلت من سنة 1826 إلى سنة 1847 ، بما في ذلك نفقة الامراء انجال محمد علي
باشا واحفاده ممن التحقوا بالبعثة الخامسة، وهو مبلغ ضئيل بالنسبة للخيرات التي
نالتها مصر على أيدي خريجي تلك البعثات بعد عودتهم.
صورة المرحوم مل مرارة لانتا
والي سنة 4 مرة
وتولى في حالة ١٣١١ البرية
المطابع والصحافة :
كانت ، مطبعة صاحب السعادة ، أو المطيعة الاميرية في بولاق أول
مطبعة انشئت في عهد الوالى العظيم ، وقد تأسست سنة ۱۸۲۰ . ولكنها
بدأت عملها سنة ۱۸۲۲ وكان الغرض من انشائها هو طبع الكتب
المدرسية والعسكرية ومع مضى الوقت ازداد عدد المطابع في مصر وصارت
تنشر بالاضافة الى الكتب المدرسية كتبا في الآداب والفنون .
وبالنسبة للصحافة ، فقد أصدر الباشا أمره بانشاء الصحيفة
الرسمية ( الوقائع المصرية ) باللغتين العربية والتركية في 3 ديسمبر سنة
. وكان الغرض من انشائها كما جاء في العدد الأول هو نشر أوامر
۱۸۲۸
وتعليمات ديوان الخديوى وكذلك اخبار ( الامبراطورية ) المصرية
و اعتبارا من سنة ١٨٤٢ تقرر أن يعهد إلى رفاعة رافع الطهطاوى
بترجمة بعض ما يرد في الصحف الاجنبية علاوة على الأوامر الحكومية
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
As Logistics Officer at World Link International's Al Hudaydah branch, I managed all aspects of logi...
يساعد التواصل الاجتماعي في البقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة في أي وقت وأي مكان. كما يوفر وصولًا...
لا يوجد كتابة واحدة أصليَّة (بخطِّ الكاتب نفسه) لأيِّ من كتب العهد الجديد، فإنَّنا نعتمد على نسخٍ من...
نظرية الصور سل بعملية أو أجناس سمة في هذه تها ستكون هذه الحالة شتركة أو نائية ، أو النسبة إلى الثنائ...
ظل ابو عبد الرحمن يحدق في هذا الخندق ويرن في عقله هذا السؤال ولما لا لما لا أسرق؟، وبدأت تزداد الأفك...
لمكافحة الإسراف، يجب أن نبدأ بتغيير سلوكنا ووعيّنا حول قيمة النعم. أول خطوة هي التخطيط المالي، مما ي...
ا عوﺮﺸﳌا ﺪﻳﺪﲢ ﻢﺘﻳ نأ ﺪﻌﺑ ﺎﻬﺋاﺮﺟا ﺐﺟﻮﺘﺴﻳ ﱵﻟا تﺎﺳارﺪﻟا لوأ ﻲﻫ ﺔﻴﻨﻔﻟا ﺔﺳارﺪﻟا وأ . ﺪﻌﺗ ﺔﻴﻣﻮﻤﻌﻟا ﻊﻳرﺎﺸ...
ثانيا : الأوديسا ونجد أنها سميت بالأوديسا نسبة إلى بطلها أوديسيوس وانها مثل الإلياذة تتكون من اثنى ع...
The poet looked at ascottis girl reaping and singing alone in the field either stop here to listen o...
مقدمة تعتبر الثقافة ذالك الكل المتكامل من الافكار والمعتقدات والعادات التي تنظم وتضبط الحياة اليومي...
Over time, this would shift the characteristics of a group of organisms This supports what modern b...
منذ انتهاء الحرب الأخيرة في ناغورني قره باغ وتعزيز مكانة أذربيجان كلاعب إقليمي بدعم تركي مباشر، يمكن...