لخّصلي

من بين كل أشكال التجمع البشري التي عرفها الإنسان تبرز الدولة باعتبارها الصيغة الأكثر تطورا، أو التي تم اعتمادها رسميا لدى الشعوب ، ويبرز حضور الدولة في مؤسساتها وفي سلطاتها، في قوتها الإلزامية وفي الحريات التي تتيحها للافراد، لكن الدولة مع ذلك تحمل جملة من المفارقات. فهي بقدر ما تسعى إلى ضمان النظام، بقدر ما تمثل الوسيلة الأمثل للهيمنة، وبقدر ما تعتبر في نفس
الوقت جهازا قمعيا بامتياز. من هنا يجب أن نتساءل ما الذي يترتب من اعتمادها
للعنف؟ وما انعكاسات عدم ارتكازها عليه ؟
تؤكد الاطروحة التي تتضمنها القولة على أن الدولة يجب ان تتحذ موقفا وسطا بين القوة والضعف، فإذا كانت قوية فإنها ستمارس كل أشكال العنف والظلم
والاستبداد على مواطنيها وتحرمهم من التمتع بحقوقهم وحرياتهم كاملة، أما إذا كانت ضعيفة فستؤول حتما إلى الانهيار ن إذ لن تبقى للقانون المكانة الأسمى الواجب احترامها
فتفقد بذلك دورها الأساسي باعتبارها المؤسسة الضامنة لأمن الأفراد أو أنها ستصبح محلا لأطماع كل دولة قوية. يستطيع بالكاد الخروج منها. وقوية ، أي انها من القوة، وهي بذلك مصدر الحركة
والعمل ومنها تنبثق قوة الروح، وقوة الفكر. أما كونها ضعيفة ، فإنها
تحيل على عدم القدرة على مواجهة التحديات. ومن خلال تفكيك هذه المفاهيم يتضح أن هناك تكامل فيما بينها، على الرغم من كون المفهومين الأخيرين
لأنه سواء كانت الدولة ضعيفة أم قوية ، فإن النتيجة واحدة، وهي تضرر مواطنيها وليثبت صاحب القولة موقفه توسل ببنية حجاجية اشتملت على اليتين أساسيتين تتمثلان في الافتراض والاستنتاج، حيث قام
بإدراج افتراضين ثم أشار إلى نتيجتيهما السلبيتين داعيا القارئ إلى قبول موقف الوسط الذي يتبناه هو. إلا أن ممارسة هذه السلطة تتم في إطار القانون ودون اعتماد العنف ، لأنه يمس أو يطال بقيمة الإنسان في هذا السياق تجد ابن خلدون يؤكد
لذا يجب أن يكون
السلطان صالحان، وأن يتجنب كل ما من شأنه أن يلحق بهم السوء والضرر على هذا النحو تكون العلاقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق ولاعتدال في التعامل. قهر السلطان رعيته، فإنه يؤدي بهم إلى إفساد اخلاقهم، بحيث سيعاملونه بالكذب والمكر، أما إذا كان رفيقا بهم فإنهم يطمئنون إليه ويصيرون له عونا أوقات
الحروب والمحن. نجد الفيلسوفة الفرنسية جاكلين روس تدعو إلى اقامة دولة الحق والقانون التي تعمل على تقليص العنف في السياسة، أي دولة تمارس سلطة مطلقة عن طريق التشبث بالقانون واحترام الحريات العامة
والفردية، وبالتالي فهذا هو المبدأ الأساسي الذي يقضي باحترام الشخص وصيانة كرامته الإنسانية، بمعنى دولة تتبنى المصلحة العامة لا الخاصة، وتضمن للفرد السلم وتجنب الظلم والاستبداد، وتحرص على فصل السلط لضمان انتظام سياسي متوازن. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل يستطيع القانون وحده تسيير الدولة والمحافظة على بقائها؟ وهل في حالة تطاول أحد الأفراد على القانون، يمكن لهذا
الأخير ردعه بنفسه ؟
وهو الأمر الذي أكد ودافع عنه ميكيافيلي بحيث دعا إلى ضرورة استعمال الأمير لطريقتين معا من أجل ترسيخ سلطته السياسية، بحيث تتمثل الأولى في القوانين التي ينبغي أن يستعملها الملك بحكمة ومكر ودهاء . في حين تتجلى الثانية في الاعتماد على القوة والبطش، أسدا قويا لكي يرهب الذئاب أن يكون تعليا ماكرا لكي لا يسقط في الفخاخ من ثم فالغاية عند ميكيافيلي تبرر الوسيلة. ومادام الناس ليسوا أخيارا في واقع الأمر، وإنما عليه أن يمتلك القدرة الكافية على التمويه والخداع، وسيجد من الناس من ينخدع بسهولة. يتضح إذن من خلال ذلك، أن العنف سياسيا ليس دائما سلبيا،