لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (16%)

com

ملخص: بين الموارد المائية بمختلف أشكالها وأحجامها، وبين الاستقرار ونشأة التجمعات العمرانية، واستخلاص ما يمكن أن تجود به خدمة لإشكاليتنا البحثية ؛ ولقد فرضت طبيعة الموضوع من جهة، وسياسة عسكرية متنافرة قلما اتسمت بالهدنة، وتنوع أنماط العيش كما تشير مجموعة من المصادر التاريخية الى الدور الكبير الذي لعبه مجال نون لمطة في عهد المرابطين. ساهمت في خلق نمط سياسي، واد جعفر، وإدولݣان وادوعفان وغيرهم من القبائل التي لازالت بقاياها في المنطقة. كما كان مصدر توتر وحروب وصراعات بين مكونات القبيلة من جهة والقبائل المجاور من جهة اخرى. ومدينة نول إحدى مدن الإسلام، فإن عينا "تالݣماط"، وفي هذا الاطار سنحاول ان نركز على عين تجنانت بواحة تغمرت نظرا لتوفرنا على بعض الوثائق التي ستساعدنا على فهم وتحليل العلاقة بين الموارد المائية ; وبعض التوترات التي نشبت بسبب الماء. تختزل عين تجنانت بواحة تغمرت مخزون مائي ظل يسقي مساحات مهمة من الأراضي لقرون عديدة قبل أن يعرف في السنوات الأخيرة نقصا مهولا في كمية المياه النابعة من هذه العين، أهمية الماء ودوره في تنظيم العلاقات بين الإنسان والمجال فالسد التحويلي الأول لازال محافظا على معالمه القديمة' (الصورة رقم 1)؛ سواء مياه العين او مياه الأمطار. مما جعل السكان بمساعدة المصالح الخارجية لبعض القطاعات بتعويضها ببناية جدار اسمنتي (الصورة 2)ساهم ولو بشكل قليل من الرفع من قوة التحمل. وهذا العرف في المنطقة غالبا ما يلجأون إليه في كل التقسيمات سواء بين القبائل، حيث تقتسم مياه العين بين ثلاثة قبائل هم: أيت مسعود، شكل رقم 2 : واحات قبائل تغمرت بينما تبلغ مدة السطلة بالنهار نفس العدد من الدقائق وتطول المدة وتقصر حسب طول النهار او قصره كذلك. ايت حماد وايت بكو. والراجح أن هذا التقسيم مبني على مؤشرات دقيقة متفق عليها كالاعتبارات الديموغرافية ونسب المساحة المسقية من المشارات داخل المجال الواحي بالإضافة للقدرات العسكرية والاقتصادية لكل قبيلة، إن العمل البيبليوغرافي و الإشارات التاريخية المرتبطة بالموضوع بالإضافة الى المعطيات الميدانية التي سمحت لنا بعض المقابلات بِتَقَصِّيها تشير إلى وجود حقبتين أو أكثر لمسألة قسمة مياه عين تجاننت
فالحصص القديمة يبدو بأنها متوارثة، ومن خلال ذلك نستطيع أن نحدد التاريخ التقريبي لآخر تقسيم لحصص مياه هذه العين. يحيلنا على التاريخ التقريبي الذي عاش فيه هؤلاء، فهم أجداد لعائلات من قبيلة ايت مسعود معروفة الآن؛ ربما يكون قد أبقى على نظام السقي كما هو بشكله البدائي، ربما تكون كل هذه العوامل والمتغيرات السوسيومجالية قد حتمت على قبائل أيت بلّا الوافدة والجيران الأمازيغ إعادة التقسيم وفق خريطة جديدة يتم بموجبها تقسيم المياه على أساس توزيع بعض الحصص القديمة بين الملاك الجدد، التقنيات والأعراف المنظمة للسقي بعين تجنانت : الية حقيقية لتدبير الخلافات والتوترات الداخلية إن الماء بقدر ما شكّل عامل استقرار، يجب تدبيره بشكل يراعي حقوق المستفيدين ( 2003Lamrani, وهذا يؤسس لمجلس أيت أربعين كإطار تنظيمي، السواقي وحدات لضمان الحكامة المائية وتدبير الخلافات : سواء تعلّق الأمر بعمليات استصلاح السواقي أو مراقبة العيون المائية وتنقيتها حتى مجرى العين، اجماعة: تتألّف من أعيان القبائل الثلاث وتقتصر مهمتها في تحديد المستفيدين والاتفاق على عرف نظام السقي وتعيين مجلس أيت أربعين الخاص بالساقية. أمين الساقية: يتولّى الاحتفاظ ب"السطلة" الأصلية الكبيرة، وقد سميت الحصة المقسمة على أربع مستفيدين بنوبة "أم لربيع" وتتخذ النوبات أسماء العائلات والأفراد الذين ساهموا في استخراج العين ويمكن إضافة نوبات تم التصدق بها على المسجد وبعض المرابطين وأخرى للفرسان المدافعين عن الحمى . نظام ضبط الامن المائي والاستغلال المعقلن لتدبير المياه: من أجل الحفاظ على سيرورة الانظمة المائية كعامل أساسي للحياة بهذه الواحات الشبه صحراوية؛ وتسن "اجماعة" هذه الأعراف وتعين مقدمي وأعضاء مؤسسة أيت اربعين لتنفيذ هذه القرارات وإعمالها بقوة السلاح دون هوادة. في هذا الاطار نورد نموذجا من الوثائق التي تتضمن اعراف الساقية الشكل رقم 3 : نموذج لوثائق أعراف الساقية من طرف ملازمي مساجد هذه القبائل، ومن نماذج الاعراف المنظمة للسواقي نورد هذه الاعراف المستقاة من ديوان قبيلة أيت مسعود : الشكل رقم 4 : نموذج للاتفاقات المائية بين القبائل وكانت تسن له قوانين خاصة بإسم : "أيت اربعين تجنانت" كما هو مبين في الوثيقةرقم (4) التي هي عبارة عن اتفاقية عامة بين أيت بكو وايت مسعود لتسيير مياه العين ومنع الفتنة عند مفترق السواقي "تسقاست" ومنع حصر الماء، ويعتبر هذان البندان أساسيان في كل الاتفاقيات البينية للقبائل المتجاورة والمشتركة في مياه العين. فالماء له احكامه وله مقتضياته واتفاقياته. كما تواتر عن بعض اهل المغرب قولهم : اذا رأيت قوما يتخاصمون وقد علا بينهم الكلام، حيث كانت الثروات المائية بواد وارݣنون بتغمرت حاضرة بشكل كبير كنماذج من صور وأساليب ومناوشات وحروب التي اعتمدت فيها مصادر المياه سلاحا وأداة في استراتيجية القتال وفي التوترات التي تسببت في حروب أهلية لفترات كثيرة ومتفاوتة. او دفعه الى تغيير او تعديل استراتيجيته او خطته، وبقدر ما كانت قبائل أيت بلّا متحدة تجاه الاعتداءات الخارجية؛ شكل رقم 5 : تحكيم سلطاني لإيقاف التوترات بين القبائل


النص الأصلي

الموارد المائية بواحة تيغمرت : التوترات وتدبير الامن المائي


اوراغ مبارك : استاذ باحث، فريق انبحث "تدبير الموارد، التنمية وانجيوماتيا –كلية الاداب والعلوم الانسانية جامعة ابن زهر أكادير [email protected]

الشريف مولاي الحسين خوجاني : باحث في التراث، عضو مرصد الجنوب للدراسات والأبحاث والتنمية المستدامة . [email protected]


ملخص:
تسعى هذه الورقة البحثية الى تعميق النقاش حول دور الموارد المائية في التوترات بين قبائل المجالات الواحية و آليات تدبير هذا الصراع، فالموارد المائية كانت دائما حاضرة في كل تفاصيل الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية لهذه المجتمعات ، وتتوفر واحة تغمرت بالجنوب المغربي على مخزون مائي هام ظل يسقي مساحات مهمة من الأراضي لقرون عديدة، كما كان مصدر توتر وحروب وصراعات بين مكونات القبيلة من جهة والقبائل المجاورة من جهة اخرى. من أجل الحفاظ على سيرورة الانظمة المائية كعامل أساسي للحياة بهذه الواحات الشبه صحراوية؛ ومن أجل تثبيت مقاربات الامن المائي؛ اعتمد سكان واحة تغمرت منذ القدم على أنظمة عرفية زجرية غاية في الدقة والصرامة ، ساهمت هذه الانظمة في الحفاظ على الامن المائي.
الكلمات المفتاحية : الموارد المائية، الامن المائي، التوترات، انظمة السقي التقليدي.


تقديم :


تشكل الارتباط، عبر التاريخ البشري، بين الموارد المائية بمختلف أشكالها وأحجامها، وبين الاستقرار ونشأة التجمعات العمرانية، فتنمو هذه التجمعات ويضطرد ازدهارها تبعا لغنى تلك الموارد واستمرار عطاءاتها، أو تتوقف عن النمو وتتراجع إلى أن تختفي إذا ما جفت مواردها وكفت عن العطاء، وقد كانت نشأة وازدهار الحضارات الإنسانية بمحاذاة المنابع المائية الكبرى وارتبط تطورها بمدى تحكمها وتدبيرها للمياه. فالموارد المائية كانت دائما حاضرة في كل تفاصيل الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية لهذه المجتمعات ( لبنى الزبير،2013) ، وساهمت بشكل كبير في نسج تفاصيل العلاقات العمودية بين الساكنة والمجال، وأفقية فيما بين التجمعات التي استوطنت المجال من جهة وبينها وبين السلطة الحاكمة من جهة أخرى. كما كان الماء كعنصر طبيعي يشكل مظهرا من مظاهر الامتداد القبلي ، بحيث اعتبرت الأودية معالم طبيعية للحدود السياسية لقبائلهم.
ومثلما كان الماء مصدر حياة للبشر فانه يعتبر ايضا عنصرا مثيرا للكثير من الصراعات والتوترات في المجال، مما يجعله أداة محفزة لكل الافكار والإبداعات التنظيمية التي أنتجت أعرافا واتفاقات غاية في العدالة والدقة من أجل توفير الامن المائي المطلق لهذه المجتمعات.
وفي هذا السياق فإن دراسة هذا الموضوع في مجال واحة تغمرت تعتبر تحديا حقيقيا، لكونه يقتضي دراسة مجهرية صعبة في ظل العوز ألوثائقي وندرة الإشارات التاريخية المرتبطة بالموضوع، وللمساهمة في تعميق النقاش حول دور الموارد المائية في التوترات بين قبائل المجالات الواحية و آليات تدبير هذا الصراع، حاولنا التنقيب عن جميع الوثائق والمصادر، واستخلاص ما يمكن أن تجود به خدمة لإشكاليتنا البحثية ؛ ولقد فرضت طبيعة الموضوع من جهة، وشح المادة المصدرية من جهة ثانية، الاستعانة بمختلف الشواهد الممكنة، عبر توسيع دائرة البحث، وذلك بتقديم المعطيات الميدانية التي سمحت لنا بعض المقابلات بِتَقَصِّيها ؛ والانفتاح على مختلف المتون المصدرية من كتب التاريخ والنوازل والمناقب والدراسات الأركيولوجية، كما تم الاستناد إلى الروايات الشفوية المتداولة حول عنصر الماء في علاقته بالمجال وبعض الوثائق التاريخية التي تتحدث عن مجموعة من الإجراءات والاتفاقيات التي من شأنها تعزيز القدرة على مواجهة الأزمات والتعافي من آثارها وتحقيق الأمن المائي.في سعي حثيث لاقتفاء أثر الماء وتجلياته في الصراعات والتوترات بين مكونات المجال.


مجال الدراسة :
تعتبر واحة تغمرت جزءا من مجال نون لمطة الذي لعب دورا كبيرا في تاريخ الجهة الجنوبية هذه المحطة التي شهدت منذ فجرتاريخها بنية اجتماعية معقدة، ومؤشرات اقتصادية متفاوتة، وسياسة عسكرية متنافرة قلما اتسمت بالهدنة، فموقعها الجغرافي بين كتل الاطلس والسهول الاطلنتية جعل منها مكانا للاستقرار البشري وأيضا مكانا للتلاقي و تمازج الاجناس والثقافات ;وتنوع أنماط العيش كما تشير مجموعة من المصادر التاريخية الى الدور الكبير الذي لعبه مجال نون لمطة في عهد المرابطين.
على مستوى الموقع الجغرافي لنون لمطة بصفة عامة ومجال تغمرت بشكل خاص على ممر طبوغرافي مهم مما جعله ممرا اجباريا يربط بين سوس شمالا والأعماق الصحراوية جنوبا، وبفعل هذا الموقع الاستراتيجي كان هذا المجال ملتقى لتجارة القوافل عبر الصحراء.


الشكل رقم 1 : الموفع الجغرافي لواحة تغمرت


تميز مجال واحة تغمرت بخصائص سوسيومجالية انتقالية ما بين ايت بلّا ووادي نون، ساهمت في خلق نمط سياسي، اقتصادي واجتماعي خاص ومتفرد بين ثنائية الواحة والبادية؛ والذي ستظهر بوادر تأثيراته في بلورة أحداث تاريخية مهمة بالمنطقة خلال القرون الأخيرة. وقد أفرزت بنية المكون البشري لمجتمع واحة تغمرت بين الصنهاجي والمعقلي، والذي تحددت معالمه عبر سيرورته التاريخية في إطار ظاهرة الاستيعاب القبلي خلال مرحلة تكوين تنظيم قبائل أيت بلّا بمجالها الجغرافي الواسع، وقد كان هذا التنظيم نموذجا للتعايش بأدوار ريادية بين تراتبية قبائل حسان المحاربة، والزوايا المسالمة والمحميون. وهناك تضارب إفادات ومعطيات الروايات الشفوية والكتابات التاريخية حول جملة من القضايا التاريخية والظواهر الاجتماعيةلهذا المجال، كتواجد الامير أبو حسون السملالي بالمنطقة، وتوافذ قبائل أيت بلّا وسيطرتهم المطلقة على المجال من فاصك وتݣانت شرقا إلى سهل تغاط غربا، ومن تييرت شمالا إلى جبال تيسة جنوبا، وتواجد بقايا من قبائل أمازيغية كانت تعمر المنطقة وتسيطر على المجال، كالمرابطين اللمطيين والسملاليين وادبوزيا، واد جعفر، وإدولݣان وادوعفان وغيرهم من القبائل التي لازالت بقاياها في المنطقة.
ويتوفر المجال الواحي المذكور على مخزون مائي هام ظل يسقي مساحات مهمة من الأراضي لقرون عديدة، كما كان مصدر توتر وحروب وصراعات بين مكونات القبيلة من جهة والقبائل المجاور من جهة اخرى.
وقد حفلت كتب الرحالة الاوائل ببعض الاشارات حول غنى هذا المجال بثروات مائية كبيرة، كالبكري والحميري، وتم ذكر نول لمطة في الكثير من هذه الكتب، التي اتفق جل مؤلفيها على وجود المدينة القديمة بجانب نهر جار، ونورد هنا ماقاله الحميري عنها : "نول لمطة من بلاد السوس الأقصى بالمغرب، بينها وبين وادي السوس الأقصى ثلاث مراحل، ومنها إلى البحر ثلاثة أيام، وبينها وبين سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة وفيها جزولة ولمطة. ومدينة نول إحدى مدن الإسلام، وهي مدينة كبيرة في أول الصحراء على نهر كبير يصب في البحر المحيط" (إحسان عباس ،1980).
كانت عيون تارمݣيست، وخروبة، وبوݣجوف وغيرها من العيون التي جفت تماما تلعب أدورا مهمة في تنظيم العلاقات داخل هذا المجال الواحي ؛ فإن عينا "تالݣماط"، و "تجنانت" لا تزالان تجريان وتحافظان ولو بنسبة قليلة على سيرورة الحياة النباتية والزراعية في الواحة. وفي هذا الاطار سنحاول ان نركز على عين تجنانت بواحة تغمرت نظرا لتوفرنا على بعض الوثائق التي ستساعدنا على فهم وتحليل العلاقة بين الموارد المائية ;وبعض التوترات التي نشبت بسبب الماء.


تاريخ الاستغلال الاول لعين تجنانت بتغمرت
تختزل عين تجنانت بواحة تغمرت مخزون مائي ظل يسقي مساحات مهمة من الأراضي لقرون عديدة قبل أن يعرف في السنوات الأخيرة نقصا مهولا في كمية المياه النابعة من هذه العين، وتختزل في تاريخها ونظامها السقوي وموروثها الاجتماعي؛ الكثير من الدلالات الحسية والمادية؛ لما تتوفر عليه من موروث ثقافي مادي ولا مادي.
تبين طريقة بناء السد التحويلي لعين تجنانت على واد وارݣنون وهندسته ، أهمية الماء ودوره في تنظيم العلاقات بين الإنسان والمجال فالسد التحويلي الأول لازال محافظا على معالمه القديمة' (الصورة رقم 1)؛ ويوجد على مسافة امتار تحت السد الاسمنتي الحديث الذي بني بعد الاستقلال، وقد بني السد الاول بطريقة مائلة تضمن انسياب مياه العين بشكل سلس دون أن يكون هناك ضغط من المياه على وسط السد؛ سواء مياه العين او مياه الأمطار.
الصورة رقم 1 : هندسة السد التحريفي "الاكوك"


وقد استخدمت في بنائه مجموعة من ركامات الاحجار الطبيعية والاحجار الكلسية المذابة بحرارة النيران لتكون بمثابة الاسمنت المسلح لسد كل الثغرات بين الاحجار الطبيعية وتبليط الجهة الموالية للماء بهذه المادة التي تصمد وتقاوم عوامل الطبيعة كالفيضانات وعوامل التعرية لقرون عديدة. الا ان هذه الركامات لم تقاوم المجاري المائية العنيفة فتم جرفها في مناسبات عدة؛ مما جعل السكان بمساعدة المصالح الخارجية لبعض القطاعات بتعويضها ببناية جدار اسمنتي (الصورة 2)ساهم ولو بشكل قليل من الرفع من قوة التحمل.
ويخضع نظام السقي بعين تجنانت لنظام في غاية الدقة، يعرف "بالتخميس" ويقصد بالتخميس أن يحدد عدد الحصص المائية "النوبات" ويقسم على خمسة أخماس فيعطى لكل قبيلة نصيبها حسب حجم الأراضي "الساݣية" المسقية بمياه العين، وهذا العرف في المنطقة غالبا ما يلجأون إليه في كل التقسيمات سواء بين القبائل، أو داخل القبيلة نفسها بين الفروع، وهذا النظام العرفي ينم عن تدبير منتظم للمياه المتوفرة، حيث تقتسم مياه العين بين ثلاثة قبائل هم: أيت مسعود، أيت احماد، أيت بكو . .


شكل رقم 2 : واحات قبائل تغمرت


ويبلغ عدد الحصص المائية 90 "نوبة" مقسمة على 45 يوما أي حصتان لكل يوم؛ حصة بالليل وحصة بالنهار، وتسمى الحصة الأولى بتاسدرت. وتبدأ الحصة الليلية من آذان المغرب ثم تنتهي مع آذان الفجر، بينما تبدأ حصة النهار بأذان الفجر ثم تنتهي مع آذان المغرب.
وتضم الحصة الواحدة 60 "سطلة" بالليل وكذلك 60 "سطلة" في حصة النهار، وتبلغ مدة السطلة بالليل حوالي 7 الى 12 دقيقة حسب طول الليل او قصره ، بينما تبلغ مدة السطلة بالنهار نفس العدد من الدقائق وتطول المدة وتقصر حسب طول النهار او قصره كذلك. وتتوزع الحصص المائية بهذه العين بتقسيمها الحالي على خمسة أخماس بالتدرج على ثلاث قبائل ايت مسعود، ايت حماد وايت بكو.
الشكل رقم 3 : نسبة حصص مياه العين بين القبائل


المصدر بحث ميداني 2021
يتضح من خلال الشكل رقم (1) ان حصص الماء مقسمة تقسيما غير متكافيء بين القبائل الثلاث حيث تستحوذ قبيلة أيت مسعود على ثلاثة أخماس، أي ما يعادل 60% من حصص مياه العين، ويبلغ عدد الحصص المخصصة لهم حوالي 53 حصة ونصف، اما قبيلة أيت احماد فنصيبها خمس ونصف اي ما يعادل 33% ويبلغ عدد الحصص المخصصة لهم 30 حصة ونصف في حين قبيلة أيت بكو لم تستفد إلا من نصف خمس أي ما يعادل 7%، ويبلغ عدد الحصص المخصصة لهم حوالي 6 حصص ونصف.
والراجح أن هذا التقسيم مبني على مؤشرات دقيقة متفق عليها كالاعتبارات الديموغرافية ونسب المساحة المسقية من المشارات داخل المجال الواحي بالإضافة للقدرات العسكرية والاقتصادية لكل قبيلة، ويؤكد ذلك وثائق البيع القديمة التي التي استطعنا الوصول اليها في اطار البحث الميداني، والتي تنص على شراء قبائل أيت بلّا للكثير من الاراضي من حفدة علي بودميعة السملالي.
إن العمل البيبليوغرافي و الإشارات التاريخية المرتبطة بالموضوع بالإضافة الى المعطيات الميدانية التي سمحت لنا بعض المقابلات بِتَقَصِّيها تشير إلى وجود حقبتين أو أكثر لمسألة قسمة مياه عين تجاننت

فالحصص القديمة يبدو بأنها متوارثة، ولا زالت تحافظ على نفس التسميات الامازيغية، بينما تبدو التسميات العربية الدخيلة بادية للعيان، ومن خلال ذلك نستطيع أن نحدد التاريخ التقريبي لآخر تقسيم لحصص مياه هذه العين.
إن وجود أسماء مثل "الصبار" و "خرباش" و "حمو اعلي" الموجودون ضمن الحصص المائية لهذه العين؛ يحيلنا على التاريخ التقريبي الذي عاش فيه هؤلاء، فهم أجداد لعائلات من قبيلة ايت مسعود معروفة الآن؛ وقد عاشوا في القرن الثامن عشر، وهكذا نعتقد بأن آخر تجديد لقسمة الحصص المائية لعين تجنانت قد تم في اواسط القرن الثامن عشر. وربما يكون هذا التجديد قد اقتصر على إضافة حصص جديدة بأسماء الوافدين والملّاك الجدد للأراضي ، فتوسعت منظومة حصص السقي بتوسع مساحات الاراضي المسقية.
حسب المعطيات التي حصلنا عليها لم يدكر إسم علي بودميعة ضمن حصص نظام السقي، رغم تواجده بالمنطقة في بدايات القرن السابع عشر؛ بينما نجد بعض أسماء أحفاده وورثته، مما يعتقد بأنه عندما استولى على المنطقة وبنى قصره الذي تحيط به أراضي ساقية تجنانت؛ ربما يكون قد أبقى على نظام السقي كما هو بشكله البدائي، ولم يستغرق مدة تتيح له تغيير هذا النظام بكامله، وربما يكون قد استولى على منابع هذه العين بالكامل وترك نظام السقي كما هو بجميع طقوسه وأسمائه وحيثياته طبقا لما تقوله بعض الروايات الشفوية.
لكن الغور السكاني الذي تركه علي بودميعة في المنطقة، تبدو معالمه واضحة في التقسيم الحالي بين قبائل أيت بلّا ؛ وهذا يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه لم يطل به المقام في المنطقة بعد أن جاء هاربا إليها من السلطان العلوي بعد هزيمته في معركة إليغ. ثم عودته لتازروالت، ودخول العرب المعاقلة لواحة تغمرت، وشراؤهم للكثير من الأراضي من السملاليين، ربما تكون كل هذه العوامل والمتغيرات السوسيومجالية قد حتمت على قبائل أيت بلّا الوافدة والجيران الأمازيغ إعادة التقسيم وفق خريطة جديدة يتم بموجبها تقسيم المياه على أساس توزيع بعض الحصص القديمة بين الملاك الجدد، دون تغيير تسمياتها، ثم إضافة حصص أخرى تغطي المساحات الجديدة المزروعة، وتلبي الحاجيات الغذائية لهذا الغور السكاني الجديد.


التقنيات والأعراف المنظمة للسقي بعين تجنانت : الية حقيقية لتدبير الخلافات والتوترات الداخلية
إن الماء بقدر ما شكّل عامل استقرار، كان أيضا وراء العديد من التوترات والصراعات المجالية بين مختلف القبائل المتجاورة في المنطقة، خصوصا عندما تشتد الحاجة إليه. غير أنّ المستعملين له استطاعوا تجاوز الخلافات بفضل اقتناعهم واعترافهم بأنّ الماء حق مشترك، يجب تدبيره بشكل يراعي حقوق المستفيدين ( 2003Lamrani, ) وحسب الرواية الشفهية لتاريخ هذه العين بواحة تغمرت، فإنها كانت تخضع في تقسيم حصصها للتجديد المضطرد حسب المستجدات المجالية وتداخل الملاك الجدد وتوسيع الاراضي إلى غير ذلك من الحيثيات والأعراف الطبيعية والبشرية التي كانت تخضع لها هذه العين.
ولعل اعتماد هذه القبائل الثلاث لمؤسسة "اجماعة" في انتداب مجلس أيت اربعين خاص بالساقية ، يتم الاتفاق أولا على أعضائه ثم توثيق القوانين والاعراف الخاصة بهذا المجلس، فتعطى له الصلاحية الكاملة في إدارة مياه العين وتقسيم مياهها وفق الاتفاقيات المائية والمجالية بين هذه القبائل، وهذا يؤسس لمجلس أيت أربعين كإطار تنظيمي، لوثيقة العرف لضبط عدالة الماء ومجالات السقي على أساس الاستجابة لحاجيات القبائل المتجاورة وخصوصياتها، لانطلاقه من مبدأ فقهي أصولي يعتبر العرف قانونا صارما لسد الذريعة ومنع التجاوزات كما اشار الى ذلك مجموعة من الفقهاء وبالخصوص الونشريسي في كتابه المعيار الذي أبدع في تنظيم استخدام الماء المباح من خلال النوازل الفقهية التي أوردها، والحلول التي قدّمها للمشاكل التي قد تحدث نتيجة الخلافات والنزاع على الماء وتدبيره .
ويعتبر الفقه المالكي في المغرب هو أساس كل اجتهاد لتحكيم المنفعة الجماعية المشتركة على المصلحة الفردية، وقياس لضبط التوازنات بين القبائل المستقرة سواء منها حسان المحاربة و الزاويا المسالمة والمحميون وغيرهم من الطبقات الاخرى داخل هذا الغور السكاني المتنوع.


السواقي وحدات لضمان الحكامة المائية وتدبير الخلافات :
كانت تقنيات السقي التقليدي وأنظمة توزيع الحصص المائية بالمنطقة تتنوع بين الخطارة والساقية في العيون الجارية و الناعورة وفي الآبار وخزانات مياه الأمطار.وإن كانت بعض أنظمة السقي قد اختفت تماما ولم يبق إلا آثارها في المنطقة ؛ فإنّ نظام الساقية لازال محافظا على نظامه القديم بتراثه وأسمائه ومصطلحاته، وقد نظم الأهالي عملية السقي تنظيما دقيقا، واشترك فيها أطراف مختلفة تسعى إلى تطبيق العرف الخاص بالسقي وتتم عمليات تنظيم ومراقبة السقي هاته في مكان محدد يعرف ب"تسقّاست" أومفترق السواقي في جلسات خاصة، تعرف بمجالس أهل الماء أو أهل السطلة، وخلالها يتم تدارس المستجدات اليومية لنظام السقي، سواء تعلّق الأمر بعمليات استصلاح السواقي أو مراقبة العيون المائية وتنقيتها حتى مجرى العين، ويشترك في التسيير أطراف متعددة مثل:
اجماعة: تتألّف من أعيان القبائل الثلاث وتقتصر مهمتها في تحديد المستفيدين والاتفاق على عرف نظام السقي وتعيين مجلس أيت أربعين الخاص بالساقية.
أمين الساقية: يتولّى الاحتفاظ ب"السطلة" الأصلية الكبيرة، ويحتفظ بسجل خاص بعدد النوبات.
السرّات: تقوم "اجماعة" بتعيين مجموعة من الفلاحين يؤدون مهمة "السرّات" وهو موزع الماء ؛ وتنحصر مهمّة كل واحد في توزيع الماء لمدّة نصف يوم. و يحتاج نظام السقي هذا إلى مراقبة مستمرة ليلا ونهارا بأوقات البرد والحر، وتحدد أجرة السرّات فيما يفضل له من بواقي الساعات بعد تقسيم الحصص المائية حسب طول مدة الليل والنهار لستين "سطلة" والباقي من الساعات يذهب للسرّات كأجرة أو تعويض له عن خدماته في توزيع الحصص المائية .
السطلة: هي عبارة عن إناء مقعر مصنوع من النحاس أسفله فتحة دقيقة يوضع داخل إناء كبير مملوء بالماء فيتسرب الماء إلى داخل "تناست" عبر الفتحة ويعتبر اتساع الفتحة وحجم الإناء المقياس الذي تقاس به المدة الزمنية اللازمة لضبط حجم الجريان أثناء توزيع المياه.
وقد عرف المختار السوسي في كتابه المعسول ب "تناست" / أو "الطاسة" بقوله:"والطاسة إناء صغير مصنوع صنعا خاصا من النحاس، فيثقب ثقبا صغيرا فتجعل في سطل ماء، فيتسرب الماء من الثقب أسفلها شيئا فشيئا حتّى تمتلئ فتغطس في ماء السطل، فهي الطاسة الواحدة...وقد رسم في وسط الطاسة داخلا: النصف والربع بخطوط مستديرة محبوكة الصنع.


النوبات أو "اتنوب" /ج النوبة:
النوبة بمعنى السقي بالتناوب والتوالي والنوبة مقدار جريان الماء وسط الحقول لمدة ليلة كاملة من أذان صلاة المغرب حتى أذان صلاة الفجر، أو نهار كامل من أذان صلاة الفجر حتى أذان صلاة المغرب، لذلك تختلف هذه العين في نظام حصصها المائية عن الكثير من العيون في المنطقة بكون الحصص تنقسم إلى حصص ليلية وحصص نهارية وليست يوما كاملا ليلة ونهارا، وتنقسم النوبة إلى وحدات صغرى وهي: نصف النوبة، ربع النوبة ، سدس النوبة، ثمن النوبة.
وقد سميت الحصة المقسمة على أربع مستفيدين بنوبة "أم لربيع" وتتخذ النوبات أسماء العائلات والأفراد الذين ساهموا في استخراج العين ويمكن إضافة نوبات تم التصدق بها على المسجد وبعض المرابطين وأخرى للفرسان المدافعين عن الحمى .


نظام ضبط الامن المائي والاستغلال المعقلن لتدبير المياه:
من أجل الحفاظ على سيرورة الانظمة المائية كعامل أساسي للحياة بهذه الواحات الشبه صحراوية؛ ومن أجل تثبيت مقاربات الامن المائي؛ اعتمد سكان واحة تغمرت منذ القدم أنظمة عرفية زجرية غاية في الدقة والصرامة، منها الأعراف المتعلقة بالسواقي وتثبيت أنظمتها كما سبق ذكرها وهي أعراف تخضع لاتفاقات تنظيمية بين القبائل المستفيدة من مياه العين؛ ومنها المتعلقة بنظام "الساݣية" وهي عبارة عن قوانين داخلية لكل قبيلة على حدة تحافظ على الملك العام وتحمي الاغراس والنباتات من السرقة ومن إطلاق الحيوانات الداجنة في حقول الغير، والمحافظة على جودة المياه، وتسن "اجماعة" هذه الأعراف وتعين مقدمي وأعضاء مؤسسة أيت اربعين لتنفيذ هذه القرارات وإعمالها بقوة السلاح دون هوادة.
تشهد اغلب الوثائق التاريخية التي اطلعنا عليها في إطار هذا البحث على ان الدورة السقوية بواحة تغمرت تمتاز بنوع من التشابك والتعقد، نتيجة لتراكم مجموعة من الاسباب التي غالبا ما أدت إلى نشوب صراعات وتوترات استلزمت وضع قوانين عرفية لتنزيل الحكامة الجيدة لتدبير الموارد المائية والتقليص من التوترات بين مستغلي الماء في الواحة ؛ في هذا الاطار نورد نموذجا من الوثائق التي تتضمن اعراف الساقية


الشكل رقم 3 : نموذج لوثائق أعراف الساقية


المصدر: الشريف مولاي الخوجاني، بحث ميداني 2021
انطلاقا من تحليل وتخريج هذه الوثيقة ووثائق اخرى تصب في نفس السياق يمكن التأكيد على ان اغلب هذه الوثائق تم خطها في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، من طرف ملازمي مساجد هذه القبائل، كمحمد بن لحسن التزروالتي ملازم المسجد العتيق بأيت مسعود بتغمرت كما ان المثقال كعملة محددة في الوثائق تؤكد ان كتابتها كانت منذ قرون عدة.
إن الموارد المائية بواحة تغمرت كانت مصدرا للعديد من التوترات والخلافات مما نتج عنه إنقسامات كثيرة بين افراد القبيلة الواحدة ؛ ولقد حددت اغلب هذه الوثائق قوانين تنظم العلاقات بين مستغلي هذه المجالات من جهة وتنظم علافة الانسان بالموارد المائية من جهة اخرى. ومن نماذج الاعراف المنظمة للسواقي نورد هذه الاعراف المستقاة من ديوان قبيلة أيت مسعود :
1- من حصر الماء يعطي عشرة مثاقيل لايت اربعين ومن انكر يعطي عشرة يمينا في مصحاف (مصحف) وعشى أيت اربعين .
2- ‏من كسر الماء خمسة وعشرون مثقالا والضيافة وإن أنكر خمسة و عشرون يمينا في ثلاثة أيام .
3- من سرق في جنان (حقل) خمسة وعشرون مثقالا والضيافة ومن اتهم فجنان خمسة وعشرون يمينا في ثلاثة أيام .
4- من حشّ (حصد البرسيم أو غير ذلك) في تغولة (حقل) بلا مشورة مولاها (صاحبها) خمسة وعشرون مثقالا والضيافة.
5- للغنم وجهان : للراس ان اكل النبات والفصة .؟ أربعة أواق والفرس أربعة أواق والجمل مثقال ،إن اكل بلح النخيل و أربعة أواق ان أكل النبات.
6- من قطع اݣلوس ( عصا جريد النخل) غيره خمسة و عشرون مثقالا والضيافة ومن أكل شيئا من نبات في أرضنا خمسة وعشرون مثقالا والضيافة وان نكر خمسة وعشرون يمينا في ثلاثة أيام .
في اطار التقصي الميداني حصلنا على وثائق اخرى تبين الاهمية المثلى لعنصر الماء وتنظيم استغلاله بين القبائل المكونة للمجال درءا للتوترات والنزاعات، فالأمن المائي كان حاضرا وبشكل قوي في جميع الممارسات اليومية وفي جميع الاجتماعات واللقاءات بين القبائل كما توضح الوثيقة اسفله (رقم 4 )
الشكل رقم 4 : نموذج للاتفاقات المائية بين القبائل


يتضح من خلال هذه الوثيقة بأن التدبير الامني للماء كان ينظم عبر اتفاقات بينية للقبائل المستفيدة من مياه العين، وكانت تسن له قوانين خاصة بإسم : "أيت اربعين تجنانت" كما هو مبين في الوثيقةرقم (4) التي هي عبارة عن اتفاقية عامة بين أيت بكو وايت مسعود لتسيير مياه العين ومنع الفتنة عند مفترق السواقي "تسقاست" ومنع حصر الماء، ويعتبر هذان البندان أساسيان في كل الاتفاقيات البينية للقبائل المتجاورة والمشتركة في مياه العين. فالماء له احكامه وله مقتضياته واتفاقياته.


الماء عنصر فاعل في الصراعات المجالية بواحة تغمرت
كما تواتر عن بعض اهل المغرب قولهم : اذا رأيت قوما يتخاصمون وقد علا بينهم الكلام، فأعلم انهم في امر الماء وقد كان هذا فعلا واقع حال قبائل مجال واحة تغمرت، حيث كانت الثروات المائية بواد وارݣنون بتغمرت حاضرة بشكل كبير كنماذج من صور وأساليب ومناوشات وحروب التي اعتمدت فيها مصادر المياه سلاحا وأداة في استراتيجية القتال وفي التوترات التي تسببت في حروب أهلية لفترات كثيرة ومتفاوتة. في هذه المجالات الصحراوية وشبه الصحراوية والمجالات الواحية كواحة تغمرت التي تتميز بقساوة الظروف الطبيعية وقلة التساقطات، كان للقرب من الموارد المائية ووقوعها على جنبات شريان مائي مهم كواد واد وركنون دور مهم في تنشيط حركتها الاقتصادية والإستراتيجية وذلك بالاعتماد على الماء كوسيلة للتحصين والدفاع. كما كانت العيون والموارد المائية بالمجال المدروس تستخدم كورقة ضغط او ابتزاز او وسيلة عسكرية لتعطيل حركة الخصم او تأخيرها، او دفعه الى تغيير او تعديل استراتيجيته او خطته، وتمثل الوثيقة اسفله (الشكل رقم 5) مثالا بارزا لحضور الماء كعنصر فاعل في الصراعات المجالية بواحة تغمرت وأهميته الوجودية للمجتمعات القبلية التي كانت تشكل الركائز الاساسية للف الشرقي لاتحادية تكنة، وبقدر ما كانت قبائل أيت بلّا متحدة تجاه الاعتداءات الخارجية؛ فإنها عاشت الكثير من التوترات المجالية التي كان الماء أحد محاورها الاساسية.ومعلوم ان استغلال عنصر الماء في الخطط القتالية قديمة، اعتمدت كلما كانت الظروف ملائمة لذلك.


شكل رقم 5 : تحكيم سلطاني لإيقاف التوترات بين القبائل


المصدر: بحث ميداني 2021
هذه الوثيقة هي عبارة عن رسالة تحكيم سلطانية موجهة من طرف السلطان مولاي عبد العزيز لقائد قبيلة أزوافيط آنذاك يخبره فيها بأنه قد أُحيط علما بما لحق بقبيلة أزوافيط من الضرر الناتج عن الحصار الذي ضربته قبيلة ايت مسعود على الموارد المائية بالواحة بعد حبسهم مياه العين المارة من ترابهم حتى جفت أراضيهم ويبست زراعتهم ومات نخيلهم وأغراسهم، حيث استغلت قبيلة ايت مسعود قربهم من الينابيع المارة بأرضهم كوسيلة للدفاع وورقة ضغط في المفاوضات والتكتيكات العسكرية لتعطيل حركة الخصم او تأخيرها او دفعه الى مراجعة أو تغيير استراتيجيته والقبول بشروطهم المطروحة، وتقول الرواية الشفهية بأن مرور ساقية أزوافيط من تراب أيت مسعود استدعى توقيع اتفاقية تقتضي سقي بعض الحقول المسعودية من الميزان حتى الدار البيضاء( نسبة الى منزل بلون ابيض) قرب ديار اهل بزيد، ومن مقتضيات هذه الاتفاقية، أن تسقى هذه المساحة المذكورة على مسافة كيلومترين طولا وأربعون ذراعا جنوبا في اتجاه واد وارݣنون، وأربعون ذراعا شمالا من الجهة المعاكسة.


خاتمة :

إن دراسة إشكالية تدبير الموارد المائية في علاقاتها بالمجتمعات بمنطقة وادنون وبكل تفاصيل الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية لهذه المجتمعات، يجد ما يبرره وما يثير قضاياه الجوهرية في مجمل تاريخ الجنوب المغربي؛ خاصة فيما يتعلق بالحفاظ على سيرورة الانظمة المائية كعامل أساسي للحياة بهذه المجالات الشبه صحراوية.
إن التدبير المعقلن للمياه في أنظمتها التقليدية كان يدار بمنتهى الدقة والعدالة، سواء من ناحية أنظمة السقي التقليدي أو من ناحية التدبير الأمني للماء عبر اتفاقات شاملة بين القبائل المتجاورة والمتشاركة في مياه العيون، بحيث أن الماء كانت له أحكامه المقدسة، ومقتضياته واتفاقياته عبر بنود تمنع الفتنة عند مفترق السواقي وتمنع حصر الماء مهما كانت الظروف الحربية والأمنية بين هذه القبائل، وهذا يدعو إلى تعميق البحث في كيفية مساهمة هذه الانظمة التقليدية والأحكام العرفية الزجرية في الحفاظ على الأمن المائي لهذه المجتمعات وعلى تدبير الندرة . فالانسان الواحي كان واعيا بأهمية عنصر الماء في ضبط المجال وتأطيرعلاقة الانسان بالمجال من خلال القوانين والأنظمة الزجرية في بعض الاحيان والاتفاقيات السلمية في اوقات اخرى.


المصادر والمراجع :
المصادر :
أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي، المحقق: محمد حجي، (1981-1401) المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب "الجزء الثامن،الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية - ودار الغرب الإسلامي
العمري ابن فضل الله، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، باريس، المطبعة الشرقية، 1927
مارمول كربخال، إفريقيا، ترجمة محمد حجي محمد زنيبر محمد الأخضر أحمد التوفيق أحمد بنجلون، الرباط، دار المعرفة، 1988-1989.200
إحسان عباس "أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميرى (المتوفى: 900هـ)"الروض المعطار في خبر الأقطار" مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت - طبع على مطابع دار السراج الطبعة: الثانية، 1980 م عدد الأجزاء: (1 ص : 584 )
المراجع
احمد استيتو،1999، "الماء والحرب في تاريخ المغرب : اية علاقة" ضمن 'الماء في تاريخ المغرب' منشورات كلية الاداب والعلوم الانسانية سلسلة ندوات ومناظرات رقم 11، 232 صفحة .
أحمد مزيان، استغلال الماء في الواحات فجيج (فكيك)، ندوة الماء في تاريخ المغرب، الدارالبيضاء، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية عين الشق، 1999م
أحمد مزيان، تدبير الماء عند سكان الواحات الصحراوية، مجلة دعوة الحق، ع 392، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الرباط، مطبعة الأمنية، 2009. بن حمادة سعيد، أثر البنية القبلية في تدبير النزاعات على الماء بالمغرب والأندلس "المحددات والتجليات"، هيسبريس تمودا، ع 44
رابح الغراوي : "الماء وأثره في استرتيجية الحروب نماذج من تاريخ الاسلام" ضمن ندوة الماء عنصر الحياة في الطبيعة والثقافة، كلية الاداب الجديدة، ايام 23-22 اكتوبر 1991
لوبنى زبير،2016، الماء والحرب بالمغرب زمن السعديين (1069-916 هـ / 1659-1510م) - دار الأمان، الرباط، 268 صفحة
مصطفى نعيمي ، 1988، الصحراء من خلال يلاد تكنة : تاريخ العلاقات التجارية والسياسية.منشورات عكاظ. 190 صفحة


Mehdan, Mohamed (2006). L’organisation sociale autour de l’eau dans l’oasis de Toudgha, Thèse de doctorat en sociologie (Dir. Rahma Bourqia) ,Université Hassan II, faculté des lettres et sciences humaines
Lamrani Hassan et al; 2003; Projet développement des communautés à travers la réhabilitation des khettaras dans les régions semi-aride de l'ُEst-Sud-Est. O.R.M.V.T.E et JICA
Ouhajou lekbir, (1996), Espace hydraulique et société au Maroc, cas des systèmes d’irrigation dans la vallée du Draa. Agadir : Université Ibn Zohr, publications de la faculté des lettres et des sciences humaines, série : thèses et mémoires, n°7.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

د.رقية العلواني...

د.رقية العلواني → جميع الحلقات حلقة ٩ من ١٢ تدبر سورة هود: الحلقة التاسعة قصة ثمود بسم الله الرحمن...

ها فاطمة الزهرا...

ها فاطمة الزهراء 💎، هادي خلاصة شاملة ومرتبة من الأول للآخر، بلا جداول، بطريقة قصة وكأننا عايشين كل ي...

أنه رداً على ما...

أنه رداً على ما ورد في تسبيب الحكم، فأن للأمانة الحق في فرض الفروقات على الرسوم اشغال الوحدات السكني...

إن مساءلة موضوع...

إن مساءلة موضوع القيم السلبية في الاشهارات التلفزيونية يكتسي اهمية بالغة لكونه يسائل احد اهم عناصر ا...

Cats are intell...

Cats are intelligent creatures capable of living in various environments.Hot or cold weather is easi...

تُعد ملفات التر...

تُعد ملفات التردد اللاسلكي (RF coils) مكونات حيوية في التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، وتلعب دوراً ...

إن الشعر بشكل ع...

إن الشعر بشكل عام له أسلوبه الخاص في استخدام اللغة خلال التعبير الأدبي، إلا أنه في شعر ابن الفارض له...

تضمن كل من المر...

تضمن كل من المراحل الفرعية الثلاث في مرحلة ما قبل الولادة مخاطر جسمية معينة، وفي الوقت الذي لا تؤثر ...

في حالة إثبات ا...

في حالة إثبات المتدخل أن وقوع الضرر كان نتيجة كحادث مفاجئ أو قوة قاهر حسب نص المادة 127 من القانون ا...

Le fuselage est...

Le fuselage est, avec la voilure, l'empennage et le train d'atterrissage, un constituant de la cellu...

تفاقمت أزمة الم...

تفاقمت أزمة المياه العالمية نتيجة للارتفاع الهائل في عدد السكان وانتشار التلوث البيئي يؤدي تلوث المي...

Terms of Servic...

Terms of Service Last Modified: 01 August 2024 Thank you for choosing Meitu. Important: Before you u...