لخّصلي

قدم العشاء مبكراً، إذ كان علينا أن نذهب في الساعة الثامنة لمقابلة الشيخ شخبوط . ذاك طقس على كل أجنبي يفد من مدينة أو مخيم قبلي في الخليج أن يخضع له لكي ينقل إلى الشيخ آخر الأخبار. والشيخ بصفته حامياً لشعبه يجب أن يكون مطلعاً على ما يجري في بلاده. ومن جهة ثانية ألم يكن

الكبير، جـ

أنها صنعت

التماثيل و

وجود غيـ

هو من التمس هذا اللقاء أولاً؟

معرفة صـ

بلغنا قصر الحصن ساعة الغسق. كانت آخر أنوار المغرب تصبغ بألوان الباستيل أسوار الحصن المسننة. الحراس الذين كانوا على علم بحضورنا سمحوا لي بالدخول مصدرين أوامر لآخرين باستقبالي على عتبة قاعة الاجتماع.

مياه المط

ليست أس

القطعة 1

وجدنا إن

ما إن رآني الشيخ شخبوط حتى نهض لاستقبالي وأمطرني بوابل من الأسئلة على الفور. كما كنت أظن، كان على اطلاع بحفرياتي في البحرين. علم بها من مقال كنت كتبه في صحيفة بريطانية، وما رغبته في قدومي إلا لأنه يتوقع مني أن أقدم له جواباً شافياً عن تساؤله الأساسي: من هم أسلافه

القدماء؟

فهمت كان يعرف جزيرة أم النار معرفة ممتازة. وأعتقد أني أنه اكتشف الأكمات قبل وقت طويل من اكتشاف تيم لها. أخبرني أنهم وجدوا في المكان أيام الشيخ زايد الكبير، جده، تماثيل من حجر لحيوانات معبودة، لا شك في أنها صنعت قبل الإسلام. وبعد ظهور الإسلام حطمت هذه التماثيل ورميت في البحر. لكن، أضاف، من غير المستبعد وجود غيرها وعليها نقوش. وفي هذه الحالة قد نتمكن من معرفة صانعيها. أعلمني أيضاً أن في الجزيرة خزاناً لتجميع مياه المطر أنشأه زايد الكبير. أوضحت له أن النقوش الكتابية ليست أساسية. يكفي أن تكون قادراً على تحديد تاريخ صنع القطعة الأثرية حتى تعرف أصلها. على سبيل المثال، إذا وجدنا إناء، أو جرة، على أرض أم النار فبوسعنا أن نعرف ما

إذا كانت القطعة صنعت في العراق أيام إبراهيم أو لا. اتخذ شخبوط وضعية المفكر قبل أن يرد: «إذن، ليس من المستحيل أن تجد أشياء ترقى إلى زمن مدينة أور مسقط

رأس النبي إبراهيم».

استغرقت محادثتنا وقتاً طويلاً. ثم نهض الشيخ وأمكنني أن أتأمل بإعجاب الخنجر الذهبي الرائع المشدود إلى وسطه. استأنف كلامه وهو يذرع الغرفة. «أتشوق لمعرفة من هم

الناس الذين عاشوا هنا قبل الإسلام وهل كانوا عرباً؟».

قبل أن نفترق، رغب إلي أن أبقيه على اطلاع وأخبره بما

نحتاج إليه أياً يكن معرباً عن سروره بمساعدتنا .

في اليوم التالي ذهبنا أنا وتيم، وزوجتانا، إلى أم النار.

في أثناء تفحصنا الأكمات وبعض حطام الأواني تبين لنا بجلاء أن هذا المكان عرف حضوراً بشرياً قبل الإسلام بحوالي ألفي سنة على وجه التأكيد. لكن معرفة المزيد تقتضي مجيء بعثة تنقيب عن الآثار كاملة العدد والعدة. قدرت أن مثل هذه البعثة تكلف حوالي ألفي جنيه استرليني. وعندما عرضت الأمر على شخبوط في اليوم التالي كان رد فعله مباشراً «المبلغ بتصرفكم»! اعترف بأنها كانت مفاجأة سارة. تواعدنا على بدء الأشغال في الشتاء القادم. وفي الأسابيع القليلة التالية تابعنا أبحاثنا أنا وتيم. وفيما كنا نكد تحت الشمس كانت زوجتى فيك و سوزان تمضيان معظم أوقاتهما . عند الشيخة مريم زوجة

الحاكم.

مما ذكرته لي فيبك عن عائلة مضيفنا يمكنني التأكيد أنها . كانت بعيدة كل البعد عن الفكرة النمطية السائدة في الغرب عن الحريم والدسائس. لا شيء من ذلك إطلاقاً. وجدت فيك عائلة شخبوط وأخواته في منتهى اللطافة، بشوشات، ومتطلعات لمعرفة أوجه الحياة في الدانمرك مسقط رأس زوجتي. كانت فيبك من الجرأة أن أبدت استغرابها لبقائهن محجبات حتى داخل الحصن، قدمت الشيخة مريم لفيبك

برقعاً لتكون محتشمة في بيتها هي أيضاً. لم يكن ذلك حجاباً بل هو برقع مصنوع من القماش الخاص يغطي الجبهة، والأنف والفم. والأصل في ارتداء البرقع أنه كان يستخدم لوقاية الوجه من شمس الصحراء ورمالها.

عدت إلى أبوظبي في خريف العام 1960، وبدأت

الحفريات. نقبنا عن سنّ أكمات كانت عبارة عن مقبرة تعود إلى ما قبل الإسلام من حيث حجمها والعناية ببنائها كانت فوق المستوى المتوسط وهذا في حدّ ذاته مدعاة للدهشة في جزيرة بلا ماء تبعد حوالي مائة كيلومتر عن أقرب موقع معروف. وشيئاً فشيئاً بات من الواضح أننا كنا أمام آثار وجود إنساني يعود إلى الألف الثالث قبل عصرنا. لعلها أرض «مجان»

الأسطورية».