لخّصلي

علم الأنثروبولوجيا، المُشتق من كلمتين يونانيتين تعنيان "الإنسان" و"العلم"، هو دراسة شاملة للإنسان وإنجازاته المادية والفكرية. يُبرر الاحتفاظ باسمه الأصلي (أنثروبولوجيا) بالتفرّد الذي يميزه عن علوم أخرى تدرس الإنسان كعلم الاجتماع، والتاريخ، وعلم النفس، والبيولوجيا البشرية. يتّسم هذا العلم بنظرة شمولية، حيث يدرس الإنسان ككائن فيزيائي وحضاري، مستعيناً بعلوم التشريح المقارن، والبيولوجيا البشرية، وعلم آثار ما قبل التاريخ. تُعرّف الأنثروبولوجيا بأنها دراسة الإنسان ككائن اجتماعي ضمن مجتمعه، بثقافته، ومظاهره الفكرية، وآثاره الحضارية، مُنتجة فروعاً متخصصة. يُحدد بعض الباحثين الأنثروبولوجيا بأنها دراسة الخصائص البيولوجية والثقافية للنوع البشري عبر الزمن والأماكن، مع تحليل الصفات البيولوجية والثقافية المترابطة. وتُعنى بدراسة النظم الاجتماعية والتكنولوجية، والإدراك العقلي، والابتكارات، والمعتقدات، ووسائل الاتصال. ويرى بعض الباحثين الأمريكيين أن الأنثروبولوجيا تُعنى بدراسة الإنسان من الناحيتين العضوية والثقافية، مستخدمين مصطلح "الأنثروبولوجيا الثقافية" للدراسات الاجتماعية والثقافية، بما في ذلك دراسات الإنسان القديم (علم الآثار). يختلف هذا المفهوم عن نظرائه في أوروبا، حيث يتباين استخدامه حسب البلد والثقافة. ففي فرنسا، يُستخدم المصطلح ليعني دراسة التاريخ الطبيعي للإنسان، بينما في بريطانيا يُستخدم مصطلح "الأنثروبولوجيا الاجتماعية" لدراسة السلوك الاجتماعي. أما في ألمانيا، فيُستخدم مصطلح "أنثروبولوجيا" للدراسة الطبيعية للإنسان و"أنثولوجيا" لعلم الشعوب. وفي الاتحاد السوفييتي السابق، انتشر مصطلح "أنثوجرافيا"، مع التركيز على دراسة المجتمعات البدائية. وفي العالم العربي، يتباين الاستخدام بين "الأنثروبولوجيا الاجتماعية" و"الأنثروبولوجيا الثقافية". يُقترح بعض الباحثين المصريين استخدام مصطلح "أنثولوجيا" للدلالة على دراسة الحضارة بعناصرها المادية والمعنوية. ويُعرّفها الدكتور شاكر سليم بأنها دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً، مُحدّداً ثلاث تخصصات رئيسية: الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، مع التركيز على المنظور الشامل المتكامل للحياة الإنسانية في الماضي والحاضر والمستقبل، وربط الجوانب المادية والمعنوية في حياة الأفراد والمجتمعات، مع دراسة العلاقات الاجتماعية وتأثيرها على البناء الاجتماعي.

اولا :مفهوم علم الانثروبولوجيا
تتكون كلمه الانتروبولوجيا من مقطعين يونانيين الاول انثروبوس ومعناه الانسان والثاني لوجوس وهو يعني العلم او العقل او الكلمه ووفقا لذلك فان كلمه الانثروبولوجيا تعني علم الانسان ويرجع السبب وراء الابقاء على تسميه هذا العلم بلغته الاصليه انثروبولوجيا دون ترجمتها علم الانسان الى اهتمام البعض من العلوم الاخرى بدراسه الانسان مثل علم الاجتماع والتاريخ وعلم النفس والبيولوجيا الانسانيه وغيرها من علوم تدرس الانسان (الجوهري ،1990)
ومن حيث موضوع العلم فانه يتضح من خلال استعراض الدراسات الانثروبولوجيا في ماضيها وحاضرها انا الانثروبولوجيين قد اخذوا بالتعريف اللفظي لعلمهم ومن ثم فان موضوع هذا العلم قد تضمن بالفعل دراسه الانسان ومنجزاته سواء كانت ماديه او فكريه اي الدراسه الشامله للانسان ولهذا فانه يمكن القول ان الانفروبولوجيا تمثل اكثر العلوم التي تهتم بدراسه الانسان واعماله شمولا على الاطلاق حيث تجمع في علم واحد بين نظريتي كلا من العلوم البيولوجيه والعلوم الاجتماعيه فتركز مشكلاتها من ناحيه على الانسان كعضو في المملكه الحيوانيه وعلى سلوك الانسان كعضوا في المجتمع من الناحيه الاخرى (الجوهري،1993،ص 21)
وتضح من تناول بعض التعريفات مدى ادراك ما يتميز به علم الانثروبولوجيا من طابع شمولي حيث عرفت الانثروبولوجيا بانها علم الانسان من حيث هو كائن فيزيقي او انها علم الانسان في افعاله وسلوكه او تعريفها ببعض الاسماء ذات الصيغ الحضاريه وثقافيه حيث تعرف بانها علم الحضارات والمجتمعات البشريه او علم الجماعات البشريه في انتاجها ووفقا لهذه المقومات المختلفه يستخدم مصطلح الانثروبولوجيا في دراسه الانسان سواء من حيث كونه كائنا فيزيقيا حاليا او كائنا حضاريا منقرضا ولهذا فان الانثروبولوجيا تستعين بعلوم التشريح المقارن والبيولوجيا الانسانيه وبعلم اثار ما قبل التاريخ ومع تعدد تعريفات ومجالات الانثروبولوجيا الى انه يمكن القول ان ذلك العين لا يدرس الانسان ككائم منعزل وانما يدرسه ككائن اجتماعي يعيش في مجتمع ويكون له ثقافته وله مظاهر فكريه واثار حضاريه ولقد صدرت عن الانثروبولوجيا بعد الفروع والعلوم المتخصصه والتي تدخل بدورها في صلب الدراسات الانثروبولوجية العامه كما هذه الافرع بالجوانب والخصائص المختلفه للانسان (اسماعيل،1980،ص 130)
سبق يمكن القول ايضا ان الانثروبولوجيا علمي يقوم على مفاهيم وتفسيرات اوليه ومحدده للانيه الانسانيه بشكل عام (مونتاغيو،1998،ص 328)
وقبل العرض لافرا الانثروبولوجيا العامه كما تناولتها بعض الكتابات فانه يمكن القول ان هذه الافرع وترك الخصائص قد اوضح لها احد الانثروبولوجيين الامريكيين بقوله انه ربما تكون افضل طريقه لتعريف الانثروبولوجيا هي ان نقدم للقارئ فكره عم يقوم به ويفعله الانثروبولوجيين وفي ذلك كتبت الباحثه الانثروبولوجيه الامريكيه مارجريت ميد (1901-197) تقول نحن نصف الخصائص الانسانيه،البيولوجيه،وثقافيه للنوع البشري،عبر الازمان وفي سائر الاماكن ونحلل الصفات البيولوجيه والثقافيه المحليه كانساق مترابطه ومتغيره وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطوره كما نهتم بوصفه وتحليل نظم الاجتماعيه والتكنولوجيه ونعني ايضا ببحث الادراك العقلي للانسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته وبصفه عامه فنحن الانثروبولوجيون نسعه للربط وتفسير نتائج دراساتنا في اطار النظريات التطور او مفهوم الوحده النفسيه المشتركه بين البشر ان التخصصات الانثروبولوجيه الذي قد تتضارب مع بعضها هي في ذاتها مبعث الحركه وتطور في هذا العلم الجديد والذي على الرغم من مرور ما يقرب من 120 عاما تقريبا على نشاته الرسميه فهو ما يزال يصنع تاريخه كما ان هذه التخصصات الانثروبولوجيه هي التي تثير الانتباه وتعمل على الابداع والتجديد كما انه تقدر الاشاره الى ان الجزء عندها باس به من عمل الانثروبولوجيون يوجه نحو القضايا العمليه في مجالات الصحه والاداره والتنميه الاقتصاديه ومجالات الحياه الاخرى (فهيم،1986،ص 14)
ويمكن القول ان ذلك النص يعبر عن تصور الانثروبولوجيين الامريكيين الاهم فروع مجالات الانثروبولوجيا حيث تعني الانثروبولوجيا في نظرهم ذلك العلم الذي يهتم بدراسه الانسان من الناحيتين العضويه والثقافيه معا حيث يستخدمون مصطلح الانثروبولوجيا الثقافيه للاشاره الى مختلف التخصصات التي تهتم بتناول النواحي الاجتماعيه والثقافيه لحياه الانسان بما في ذلك الدراسات التي تتعلق بحياه الانسان القديم او حضارات ما قبل التاريخ والتي يشير اليها بعلم الاركيولوجيا وان كان ذلك هو معنى الانثروبولوجيا ومجالات دراستها في الولايات المتحده فان الوضع في اوروبا يختلف من بلد لاخر و ذلك لاختلاف الخلفيات الثقافيه بين هذه الدول ففي فرنسا يذكر جان بوارييه انا مصطلح الانثروبولوجيا ظهر اولا في كتابات علماء الطبيعه لتعني دراسه التاريخ الطبيعي للانسان اما عالم الطبيعه الالماني جوهان بلومينباخ وذلك كما يرى جان بوارييه ايضا هو اول من ادخل كلمه الانثروبولوجيا في منهج تدريس التاريخ الطبيعي بالمقررات الجامعيه كما استخدم ذلك المصطلح في الطبعه الثالثه من كتابه الذي صدر في عام 1795 والذي حمل عنوان عن التنوعات الطبيعيه الجوهريه بين البشر كذلك يمكن القول ان ما يصنفه الانفروبولوجيون تحت عباره الانثروبولوجيا الثقافيه يصطلح الفرنسيون على تسميته بالانثيوجرافيا او الانثولوجيا في بعض الاحيان اما الانجليز فقد اختاروا تسميه مختلفه لها وهي الانثروبولوجيا الاجتماعيه حيث اعتبروها علما مستقلا بذاته وقد عرفها ادوارد ايفانز بريتشارد بانها ذلك العلم الذي يدرس السلوك الاجتماعي الذي يتخذ في العاده شكل نظم الاجتماعيه كالعائله ونذكر قرابه وتنظيم السياسي والاجراءات القانونيه والعبادات الدينيه وغيرها كما تدرس العلاقه بين هذه النظم سواء في المجتمعات المعاصره او في المجتمعات التاريخيه يمكن معها القيام يمثل هذه الدراسات وفي المانيا في ان كلمه الانثروبولوجيا تستخدم الاشاره الى الدراسه الطبيعيه للانسان بينما تستخدم كلمه انثولوجيا لتشير الى علم الشعوب الى ان الاتجاهات تتعدد في المدارس الالمانيه الثنولوجيه حيث ان هناك اهتمام مثلا بالنواحي النظريه الفلسفيه كما ان هناك اهتمام بالنواحي الماديه في الثقافات الانسانيه كما ظهر مؤخرا اتجاه جديد في الدراسات الميدانيه اما في الاتحاد السوفيتي ومعه معظم بلاد شرق اوروبا ينتشر مصطلح الانثوجرافيا ومن اهم مجالاتها دراسه التنظيم الاجتماعي للمجتمعات البدائيه وخاصه ما يتعلق منها بالتحولات التي تحدث في تلك المجتمعات عند تحويلها الى دول جديده وما يترتب عليه من ظهور بروز للطبقات الاجتماعيه كما يهتم الانفوجرافيون الذين كانوا ينتمون للاتحاد السوفيتي السابق بدراسه المشاكل المتصله بالجامعات العرقيه والمشاعر القوميه للاقليات كما يهتمون بدراسه تطور المجتمعات الانسانيه في اطار النظريه المركسيه ونتائج الثوره البلشفيه التي حدثت في عام 1917 وكما تنوعت مسميات الانثروبولوجيا في اوروبا فانها قد تعددت وتنوعت في العالم العربي ففي مصر نجد ان البعض ياخذ بالتسميه الانجليزيه اي الانثروبولوجيا الاجتماعيه ذلك في الوقت الذي يسميها البعض الاخر بالانثروبولوجيا الثقافيه وذلك وفقا للاتجاه الامريكي اما مصطلح الانثروبولوجيا الحضاريه فهو غير شائع بشكل واضح في المجتمع المصري ويتتبع التعريفات المختلفه العلماء الانثروبولوجيا والانثولوجيا المصريين يتضح مدى التعدد والاختلاف في تلك التعريفات حيث يطالب الدكتور محمد رياض بالاخذ بمصطلح الانثيولوجيا وذلك بدلا من استخدام اي من المصطلحات المزدوجه وترتبط الانثيولوجيا لديه بدراسه الحضاره لدى الشعوب والمجتمعات المختلفه وهو يرى انه من الممكن الاتفاق على المضمون وهو دراسه الحضاره بعناصرها الماديه والمعنويه وغير الماديه في ارتباط واضح بالتفاعلات الداخليه للحضاره والتفاعلات الخارجيه مع الحضارات الاخرى المجاوره وغير المجاوره وحتى نصل الى صوره ومعنى واضح ومبسط للانثروبولوجيا ومجالات دراساتها فانه يجدر بنا الاخذ بالتعرف الذي وصفها الدكتور شاكر سليم في قاموس الانثروبولوجيا والذي صدر في عام 1981 حيث عرف الانثروبولوجيا بانها علم دراسه الانسان طبيعيا واجتماعيا وحضاريا ويتضح من ذلك التعرف انه قد يحسم لنا مشكله التعدد فروع الانثروبولوجيا فيحدد في ثلاثه تخصصات رئيسيه فقط وهي الانثروبولوجيا الاجتماعيه والانثروبولوجيا الثقافيه كما ان هذا التعريف يتميز بانه يشير ضمنا الى خاصيه مميزه للانثروبولوجيا وهي النظره الشموليه حيث انه اذا كانت هناك علوم اخرى كثيره طبيعيه كانت ام انسانيه تدرس الانسان من جانب او اخر الى ان الانثروبولوجيا تشكل في نهايه الامر منهجا يسعى الى تجميع المعرفه بالانسان من كافه الجوانب وذلك بهدف تقديمه متكامل ومترابط عن الانسان وحياته ونتاجه الحضاري في الماضي والحاضر ومن ثم يكون لديه القدره ايضا على استقراء انماط الحياه المستقبليه حيث انا الانثروبولوجيا بالاضافه الى اهتمامها بكافه المجتمعات كجزء من منظرها الشمولي فان الانثروبولوجيون عند دراستهم لاسلوب حياه مجتمع معين يسعون الى ربط الجانبين المعنوي والمادي لما يدور في الحياه اليوميه للناس وابراز الكيفيه التي ينظم بها الافراد والجامعات وسائل معيشتهم والمحافظه على بقائهم لهذا فان الانثروبولوجيا لا تفحص نظاما او نشاطا معينا الا في اطار ترابطه وصلاته بلنظم الاخرى كما يمكن القول ايضا ان الانثروبولوجيا لا تهتم بدراسه الانسان الا من خلال ترابطه مع بقيه اعضاء المجتمع عن طريق العلاقات الاجتماعيه المقرره تلك العلاقات التي تشكل في مجموعها البناء الاجتماعي للمجتمع اي ان الانثروبولوجيا الاجتماعيه لا تهتم فقط بدراسه النظام الاجتماعي وعلاقته بالنظم الاخرى بل تهتم ايضا بدراسه الدوله الذي يؤديه الفرد في المجتمع وعلاقه هذا الدور بباقي ادوار اعضاء المجتمع بوجه عام (عبد الغني،1990،ص 36)