لخّصلي

تاريخ أوروبا الحديث والمعاصر محور من المحاور الرئيسية في دراسة تاريخ عالمنا هذا . وقد سبق أن أخرج أحد مؤلفي هذا الكتاب بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور عبد الحميد البطريق « التاريخ الأوروبي الحديث » الذي غطى الفترة الواقعة بين عصر النهضة الأوروبية ابتداء من القرن الخامس عشر حتى مؤتمر فيينا في 1815. واستكمالا لهذا الجهد أعدت هذه الدراسة التاريخ أوروبا المعاصر حتى نشوب الحرب العالمية الثانية . وقد ركزنا على الموضوعات الرئيسية التي أثرت على تاريخ أوروبا المعاصر وتطوره ، ابتداء من الثورة الفرنسية والحروب النابليونية ، والأزمات الكبرى التي تعرضت لها أوروبا خلال الفترة الواقعة بين مؤتمر فيينا وثورات 1848 ، وهي فترة كانت فيها القوميات الأوروبية تبحث عن مخرج لها للوصول إلى أمانيها القومية ، وبينما أحرزت اليونان وبلجيكا استقلالآ قومية فشلت كافة الحركات الثورية التحررية الأوروبية الأخرى . ولكنها كانت مقدمة لعهد جديد ، أصبحت فيه فرنسا نابليونية مرة أخرى بعد سقوط أسرة أورليان ، وأصبحت الحركات التحررية القومية أقدر على رؤية الطريق الذي يوصلها إلى الوحدة والاستقلال . فبيدمونت استغلت حرب القرم لتظهر على سطح السياسات الأوروبية العليا ولتكسب تحالفا مع نابليون الثالث تحرز بواسطته الشطر الكبير من وحدتها . أما بروسيا فشقت طريقها بالقوة ضد الدنمرك والنمسا وفرنسا ليتغير وجه أوروبا تغيرا جوهريا في خلال الخمسينات والستينات من القرن التاسع عشر : - 1- ظهر العملاق الألماني بجوار فرنسا . 2 - ظهرت ايطاليا الموحدة المتطلعة لأن تصبح دولة كبرى . 3 - أصبحت النمسا - ولو نظريا - على قدم المساواة مع تابعتها السابقة ( المجر ) لتعرف باسم الدولة الثنائية ( النمسا والمجر ) منذ 1867 ، وإن احتفظ الإمبراطور النمساوي بلقبه . هذه الأوضاع جعلت التوازن الدولي غير واضح المعالم ، وكانت الأزمات الدولية التي ظهرت في أعقاب الحرب البروسية - الفرنسية كفيلة بأن تظهر معالم جديدة للتوازن الدولي . ففرنسا تبحث عن حليف يساعدها ضد العملاق الألماني ، وألمانيا تعمل على منع فرنسا من العثور على هذا الحليف . وكان بسمارك يسعى إلى إرضاء كل من النمسا وروسيا حتى لا تتحالف أي منهما مع فرنسا ، ولكن كان ذلك أمرا غير ممكن على مدى الأيام ، فانحاز إلى النمسا ، فكان طبيعيا أن تتحالف فرنسا مع روسيا . وكانت هذه الأوضاع تجعل كفة دولتي الوسط ألمانيا والنمسا هي الثقيلة ، حتى أدى توالي الصدام بين ألمانيا وبريطانيا إلى انحياز هذه الأخيرة إلى جانب فرنسا وروسيا بعد أن يئست حكومة لندن من کسب ألمانيا إلى جانبها . ومنذ عقد الوفاق البريطاني الفرنسي في 1904 ثم الوفاق البريطاني - الروسي في 1907 أصبحت كفة دول الوفاق هي العليا ۔ وأصبحت أوروبا بعد ذلك منحدرة نحو الحرب ، ولكن قبل أن تقع تعرضت لسلسلة من الأزمات الدولية كانت تدفعها إلى حافة الحرب . كانت الغالبية العظمى من هذه الأزمات تقع في البلقان ، وفعلا كانت الشرارة الأولى التي أدت إلى الحرب من البلقان ولكي تكون الظروف التي أدت إلى هذه الحرب وتطوراتها السياسية والعسكرية واضحة ، تعرضنا للقوى المؤثرة على أوروبا قبيل تلك الحرب العالمية ، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية التي تعرضنا لتاريخها بالتفصيل في كتاب خاص للمؤلفين بعنوان تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية الحديث » إذ عقدنا دراسة تفصيلية لدور الولايات المتحدة في تلك الحرب . وحيث إن مؤتمر الصلح ونتائجه غيرت جوهريا من خريطة أوروبا فقد عنينا بدراسة لهذا المؤتمر وللشخصيات التي هيمنت عليه وفرضت الاتجاهات فيه سواء إزاء الدول المهزومة أو الدول التي شاركت في الحرب إلى جانب الحلفاء . وتعرضنا كذلك للنتائج الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت عن هذه الحرب . وكان التطور الكبير الذي أصاب أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى هو نمو نظرية الدولة الشمولية مختلف صور هذه الدولة - فهناك الدولة الشمولية السوفييتية . - والدولة الإيطالية الفاشستية . ۔ والدولة الألمانية النازية . فتعرضنا بنوع من التفصيل لكل واحدة من هذه النظم التي وضعت أوروبا على أبواب تطورات رئيسية جديدة كان أهمها : - الأزمة الايطالية - الحبشية . .الحرب الأهلية الاسبانية . وهذه الأزمات لا تدفع أوروبا إلى الإقتتال بصورة موسعة ، ولكن توسع ألمانيا النازية على يد هتلر كان هو الذي يؤدي إلى إمتشاق الحسام . حقيقة كان هتلر يسعى إلى تحقيق الوحدة الألمانية بأن تستعيد ألمانيا الأراضي والسكان الألمان الذين وضعوا غدرة تحت حكم الفرنسيين والبولنديين والتشيكيين والدنمركيين وغيرهم ، ولكن الوحدة الألمانية تعني ظهور العملاق الألماني مرة أخرى بجوار فرنسا وبشكل يهدد الإمبراطورية الإستعمارية التوسعية البريطانية ، ولهذا لم تلبث محاولات هتلر التوحيد ألمانيا أن أدت إلى الحرب العالمية الثانية التي تحالفت خلالها الدكتاتوريات الثلاث : ألمانيا وايطاليا واليابان . وحيث إن دراسة أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها تحتاج إلى معالجة خاصة ، فقد اقتصرنا في هذه الدراسة على تاريخ أوروبا المعاصر من الثورة الفرنسية حتى نشوب الحرب العالميةالثانيه .