لخّصلي

ل تعرف ما ھو الفرق بین الح ّب الأول والخیل الأولى؟
لا يوجد فرق. الخیل الأولى والح ّب الأول وجھان لعملة واحدة بالنسبة
لي.
أح ُّب الخیل منذ الصغر. تربی ُت في بیت كان والدي يجول بحصانه الصقلاوي في أرجاء دبي، ويقوده من غیر زمام. تربی ُت في بیت كان أخي الأكبر مكتوم له حصان يستطیع أن يمتطیه بالركض خلفه؛ فإذا حاول غیره ركوبه انتفض وأسقطه أرضاً. لم يكن حصان مكتوم يرضى بغیر
مكتوم، رحمه الله.
كیف لا أح ُّب الخیل وأمي كانت تستطیع ركو َب الخیل دون سرج؟ وما زل ُت وأنا صغیر أذكر أخي حمدان الذي كان يمتلك حصاناً، يقال له من سرعته "الكروان".
نشأ ُت في بیئة تح ُّب الخیل. نشأ ُت في بیئة كانت تتناقل الكثیر من المأثورات، يحكیھا لنا الآباء ونحن صغار عند اجتماعنا باللیل حول النار في اللیالي الباردة. جاء في إحداھا بأن الله تعالى ل ّما أراد أن يخلق الفرس قال لريح الجنوب: إني خال ٌق منك خلقاً، أجعله عزاً لأولیائي، ومذل ًة لأعدائي، وحم ًى لأھل طاعتي، فقالت: افعل ما تشاء، فقبض من الريح قبض ًة فخلق فرساً، فقال: سمیتك فرساً، وجعلتك عربیاً، الخیر معقود
بناصیتك.. والغنى معك حیث كنت.. وجعلتك تطیر بلا جناحین..
نعم، كنا نتوارث ھذا الأثر، فأح ُّس بعظمة الخیل حین أراھا. كانت النساء عندنافيالبیوتيتناقلنبأنالج ّنأوالأرواحالشريرةلاتتجرّأعلىدخول خیمة توجد فیھا خی ٌل عربی ٌة أصیلة. ھذه بیئتي التي نشأت فیھا، فكیف
لا أ ح ُّب ا ل خ ی ل !
تعلّمتُ من خيلي أنه عندما تحب ُّ شيئاً واصل فيه حتى النهاية. عندما تريد إنجازاً أعطِه كل َّك، لا تُعطِه بعضك، إلا إذا كنتَ تريدُ نصفَ إنجاز، أو نصف انتصار!

حلف بھا ر ُّب العزّة في القرآن الكريم فقال "والعاديات ضبحا"، وقال عنھا رسوله المعصوم بأن "الخیل معقود في نواصیھا الخیر إلى يوم القیامة"؛ ولا يكرمھا إلا كريم.
كیف لا أحب ُّھا بعد كل ھذا!
يقولون إنني الیوم من أكبر ُم ّلاك الخیول في العالم. لكن لا يعرف الكثیرون أنه في طفولتي عندما كانت أمي تبحث عني لیلاً في فراشي ولا تجدني، تعرف أنني أكون نائماً عند فرسي في الإسطبل. أح ُّب فرسي وأح ُّب قربھا، تفھمني وأفھمھا، وإذا غب ُت سألت عني، وإذا كن ُت
معھا كلّمتني وكلّمتھا. حب الرمك يجري بشرايیني آحبھا وآحب طاريھا
َِّْْ ِْ
أ ْقسم بھا الرحمن ف كتابه سبحانه إبعلمه ِمسويھا َْ َّْْ ْ ْ َِّْ
ا ل ع ا د ي ا ْت ا لإ س ْم ل ل ُّس و ر ْه َح ل َ ْف ب ھ ا و ھ ذ ا ِم َغ ِل ّ ی ھ ا وفي الغاشی ْه آي ْه لم ْن َف َّك ْر والھی ْن مذكو َر ْه بتالیھا
وماينحلف إلا َّ ترى بغالي ھو لي ذكرھا وھو ِمسمیھا َُْ َُِّ
إظھورھا ِع ْز وش َر ْف تال ْد وبطونھا َك ْن ْز إل ِمحبّ ِیھا
و ل ي م ا ي َع ر ْف ا ل خ ی ْل ي ظ ِل م ھ ا و أ ھ ْل ا ل َج َھ ْل ل ِ ص ق و ْر ت ش و ي ھ ا والموريا ْت ال ِلّي حوافرھا تجد ْح شرا ْر ال َّنا ْر تَ ْوريھا
ق ض ی ْت ع م ر ي ف ي ِم َو َّد ت ھ ا أ ح ب ھ ا و لا أ ق َد ر أ َخ ِل ّ ی ھ ا ِّ ْ
يا َك ْمم ْن َصحراوم ْنغاب ْهقطَ ْعتھاوآناأ َج ِّديھا
ويا َك ْم بأفكاري أحاورھا ول ُو نِخ ِت ِل ْف أر َج ْع وأراضیھا إ ْت َعرفِني وإت َعر ْف أسلوبي والخی ْل تِ ْف َھ ْم ِط ْب ْع راعیھا
فیھا الذكا وال ِعر ْف وال ِفطن ْه إبلا كلا ْم أف َھ ْم وأحاكیھا
وإ ْن ِغبت عنھا دورت عني ريح ْة ثیابي بس تكفیھا َْ ََََِِّّْ َْ
ھي ِمث ْل شعري و ِم ْث ْل تَفكیري ِحر ْه ولا شي يساويھا َّ ٍّ
عطیتھالي َمْرم ْنعمريوالليبق َىم ْنالعمْر بَ ْعطیھا
نعم أعطیتھا ما م َّر من عمري، وسأعطیھا ما تب ّقى منه دون تر ُّدد.
أحب ُّ فرسي وأحب ُّ قربها، تفهمني وأفهمها، وإذا غبتُ سألت عني، وإذا كنتُ معها كلّمتني وكلّمتها
علاقتي مع الخیل بدأت في مساء أحد الأيام الجمیلة. كن ُت عائداً مع أبي منالصحراء.توقفنالصلاةالمغرب.بعدالصلاة،قالليأبي:أريدأنأن ِظّم سباقاً للخیل في دبي. السباق سیكون مفتوحاً لجمیع القبائل، وأريدك أن تشارك فیه. كن ُت في العاشرة من عمري تقريباً، ولكن الجملة التي قالھا أبي جعلتني أشعر بأنني في العشرين أو الثلاثین. كلمات أبي بعثت ف ّي طاق ًة كبیرة، وأشعرتني بمسؤولیة عظیمة، لأن السباق سیكون بمثابة احتفالیة كبرى سیشھدھا الجمیع، ويتنافس فیھا الجمیع. كان أبي يمتلك مجموع ًة من الخیول. قال لي: اختر إحداھا
ودربھا استعداداً للسباق. ِّ
بطبیعة الحال، كان دوري الثالث في اختیار الفرس، لأن ترتیبي الثالث بین إخوتي؛ يختار أخي مكتوم، ثم حمدان، ثم أختار أنا الحصان الثالث. الأخ الأكبر دائماً يبقى احترامه مقدماً في جمیع الأحوال. ترب َّینا على ذلك منذ الصغر. وأنا شخصیاً حتى الیوم، لا أق ِّدر أي إنسان لا يحترم من ھو
أكبر منه في أسرته.
انتبھ ُت إلى مھر ٍة جمیلة عند أبي، ولكنھا كانت مصابة، لم يجرّبھا أحد قطّ كفرس سباق. راقب ُتھا بعناية، فتی ّقن ُت أنھا تستطیع المشاركة في السباقات. كان اسمھا " ُسودا )أم َحلَج(".

كان العرب عندما يف ّضلون حصاناً على سواه يضعون قرطاً من الذھب في أذنه. وھناك من يضع قلائد من الذھب والف ّضة حول عنق الخیل تماماً كما تفعل المرأة الجمیلة.
كان قرط " ُسودا" قد علق بشي ٍء ما في وق ٍت سابق فتمزّق طرف أذنھا الیمنى من الأعلى، وأصبحت ھذه العلامة ملازم ًة لھا، ومن ھنا جاء اسمھا: " ُسودا أم َحلَ ْج )=أم َحلَق(".
بدأ ُت على الفور الاستعدادات الأولى لتدريب " ُسودا )أم َحلَج("؛ والبداية كانت بعلاجھا.
كانت أمي الشیخة لطیفة من أعرف الناس بالعلاج بالأعشاب، ومن أعرفھم بالخیول أيضاً. طلب ُت منھا على عجل تف ُّحص المھرة، وأنا كلي قلق من إصابتھا. فحصتھا أمي بكل عناية. لاحظ ُت منذ البداية تفاعل المھرة مع أمي عندما بدأت تعاين قوائمھا ومفاصلھا، وتحاول تحديد سببإصابتھا.كانتالمھرةتعرفبأنأميموجودةلعلاجھا.بدأ ُتأعرف
ذكاء الخیل، وأعرف أيضاً كم ھي حساسة ورقیقة ووفیة