خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة
المبحث الأول: حماية الصحافة في القانون الدولي ومفهوم النزاعات المسلحة وسنعرض بيان الافعال غير المشروعة التي يتعرض لها الصحفي، المطلب الأول: الحماية القانونية للصحفي في ضوء الاتفاقيات والمعايير الدولية. أولى القانون الدولي اهتماماً خاصاً بمهنة الصحافة سواء أكانت مدنية أم صحفية، وهو يهدف إلى ضمان الحماية الكاملة للصحفيين وتمكينهم من أداء واجباتهم دون ترهيب أو إكراه. وجاء التعريف الفقهي للصحفي بأنه الشخص الذي يقوم بالبحث عن المعلومات وتفسيرها واستخدامها لعرضها على وسائل الإعلام، إذ يتعرص الصحفيون العاملون في القوات المسلحة نفس المخاطر والتحديات التي يواجهها أفراد القوات المسلحة ويمكن اتخاذ تدابير خاصة لحماية الصحفيين في مناطق النزاع، ولكن لا يزال يتعين على الصحفيين العسكريين اتخاذ الاحتياطات الكافية وأن يكونوا على دراية بالبيئة الخطرة التي يعملون فيها في حالات النزاع المسلح، تحدد اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و 1907 القواعد الواجب مراعاتها في النزاعات المسلحة، وتشير اتفاقية جنيف لعام 1921 في المادة 81 منها مصطلح ”المراسل الصحفي“ دون تعريف محدد له ، ب- الصحفيون الذين يرافقون القوات المسلحة في تنفيذ مهامها العسكرية: ويتمركز هؤلاء الصحفيون في الوحدات العسكرية وهم ملزمون باتباع الوحدة التي تم تعيينهم فيها وفقاً لوثيقة التجنيد، ج- الصحفيون المستقلون: يُصنف الصحفيون المستقلون الذين يعملون كمراسلين مدنيين لوكالات الأنباء ويغطون الحروب والنزاعات المسلحة بشكل مستقل ودون أي انتماءات كمدنيين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وهذا يتماشى مع أحكام البروتوكول الإضافي الأول المتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية الذي دخل حيز النفاذ عام 1978 والبروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية لسنة 1977، بغض النظر عما إذا كانوا يعملون كصحفيين أو يعيشون في منطقة معترف بها كمنطقة نشاط عسكري. وهذا يعني أنه لا يجوز لأطراف الحرب إساءة معاملة أسرى الحرب أو قتلهم، باعتبار القانون الدولي الانساني يتضمن قواعد مكتوبة وقواعد عرفية تطورت وتوسعت عند تدوينها، وتنص المادة 34 من الفصل العاشر من قواعد القانون الدولي العرفي الصادرة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2005 على ضرورة احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مناطق النزاع المسلح، ويدعو الدول الأعضاء إلى اعتماد تدابير تشريعية توفر بيئة مواتية تضمن استقلالية وسلامة عمل الصحفيين، وكذلك إعلان جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية الوصول إلى المعلومات لعام 2002 على أن الحق في الوصول إلى المعلومات هو أحد الحقوق الأساسية التي تكفلها حرية الرأي والتعبير، ونص تقرير الأمم المتحدة الخاص بشأن حرية الرأي والتعبير لعام 1993 على أن حرية التعبير تشمل الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة وفرض التزامًا إيجابيًا على الدولة بضمان الوصول إلى المعلومات، و يصنف نظام روما الأساسي لعام 1998 انتهاكات حقوق الإنسان ضد الصحفيين على أنها جرائم حرب يمكن مقاضاة مرتكبيها أمام المحاكم الجنائية ويؤكد على حماية الصحفيين طالما أنهم لا يشاركون في الأعمال العدائية، وقرار مجلس الأمن رقم 2222 لعام 2015 الذي يؤكد حماية الصحفيين في مناطق النزاع المسلح ويشدد على التزام المجلس بحقوقهم وحمايتهم، وذلك لأن محددات هذه الحريات وضوابطها يتم السعي إلى ضمان احترامها بما لا يسمح بتأويل النصوص أو التشكيك في دلالاتها؛ إلا أنَّ قوات الاحتلال الاسرائيلي لم تتوانى عن انتهاك هذه القوانين باستمرار من خلال استمرارها في الاعتداء على الفرق والمؤسسات الصحفية في كل مناسبة وفي كل منعطف تاريخي، وإنَّ الدول التي من المفترض أن تدافع عن القانون ومبادئه وتعزز الديمقراطية والعدالة تغض الطرف عن تطبيق هذه المبادئ والقوانين عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، المطلب الثاني: مفهوم النزاعات المسلحة ومدى انطباقها على الحالة الفلسطينية في قطاع غزة حروب التحرر الوطني في حالات محددة مثل الجهود المبذولة لتحقيق الاستقلال أو التحرر من الاستعمار أو السيطرة الأجنبية، على النقيض فالنزاعات المسلحة غير الدولية: هي نزاعات تقع داخل إقليم دولة واحدة بين القوات المسلحة، تعتمد القواعد المنطبقة على نزاع معين على طبيعة النزاع - سواء كان نزاعاً دولياً أو غير دولي، وتستند هذه النقطة النظرية إلى حقيقة أن إسرائيل تسيطر على حدود غزة ومجالها الجوي، وتوفر لها معظم احتياجاتها الأساسية مثل الكهرباء والماء والغاز وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الضرورية للحياة، فإن اندلاع الصراع بين حركة حماس وإسرائيل يؤدي بالضرورة إلى تفعيل قوانين الحرب في هذا السياق بشكل شامل، ولا بُدَّ أن يشمل القانون الدولي الإنساني أيضاً القوانين التي تحكم الاحتلال عندما لا تكون لدولة ما سيادة على إقليم ما وتحتله دون موافقتها، وتنص هذه القوانين على أن الدولة المحتلة لم تكتسب السيادة على الأراضي المحتلة وتفرض التزامًا على دولة الاحتلال بمعاملة السكان معاملة إنسانية وتوفير الغذاء والرعاية الطبية. ومن الجدير بالذكر أنَّ القاعدة العامة هي أن المعاهدات لا تكون ملزمة إلا للأطراف المتعاقدة وأن الاتفاقات الدولية لا يمكن أن تفرض التزامات أو حقوقاً دون موافقة الأطراف غير المتعاقدة، وإسرائيل طرف في هذه الاتفاقية وقد لوحظ أن سلوك إسرائيل يظهر أحياناً عدم التزامها بتطبيق هذه الاتفاقية والقواعد والمبادئ التي تحكم الاحتلال العسكري للأراضي المحتلة. والدليل على انطباق اتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية هو قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الصادر في 30 أيار/مايو 2004؛ فقد أكدت المحكمة في هذا القرار أن العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي في رفح تخضع لأحكام اتفاقية لاهاي رقم 4 لعام 1907 واتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، المبحث الثاني: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين وآليات المساءلة الدولية يتناول هذا المبحث مطلبين أساسيين، وهما: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينين، المطلب الأول: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين لَعِب وسائل الإعلام الفلسطينية دوراً مهماً في إطار الجهود المبذولة لمقاومة الاحتلال وتستند هذه الجهود إلى دورها الوطني في توعية الشعب الفلسطيني والحفاظ على مستوى الوعي والحساسية العامة تجاه جهود الإعلام الصهيوني، وتشمل الجهود الفلسطينية العالمية أيضًا تقديم رؤية فلسطين من وجهة نظر الشعب الفلسطيني ومواجهة الروايات والأكاذيب الصهيونية التي تسعى إلى تشويه الحقائق والتاريخ؛ حيث شهد في الآونة الأخيرة أعمال عنف من قبل القوات الإسرائيلية ضد الصحفيين الذين يقومون بمهامهم ويستحقون الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد فاق عدد القتلى من الصحفيين في قطاع غزة عدد قتلى حرب فيتنام خلال العشرين عاماً الماضية، واستناداً للدراسة التي أعدها الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، بعنوان " محاكمة قادة إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين بغزة - العقبات والحلول"، يواجه الصحفيون في قطاع غزة ظروفاً صعبة بسبب الجوع والحصار العسكري الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي و هذه الظروف بالضرورة تجعل من الصعب على الصحفيين الوفاء بالتزامهم بالتغطية بحرية وفقًا للقانون الدولي، ويقع على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العمل على رفع الحصار العسكري عن قطاع غزة وتهيئة الظروف المواتية لعمل الصحفيين هناك وضمان حمايتهم وسلامتهم في ممارسة مهنتهم، بما في ذلك وكالة رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية والعديد من القنوات الإخبارية العربية والمحلية. ولا بُدَّ أن يحصل الصحفيون على الرعاية الطبية والحماية أثناء ممارسة مهنتهم و على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف هذه الإجراءات القمعية والمتصاعدة ضد الصحافة وضمان حرية الصحافة وسلامة الصحفيين في الأراضي المحتلة. وأنَّ الحرب في قطاع غزة كانت أكثر الصراعات دموية منذ أن بدأ الاتحاد الدولي للصحفيين في نشر تقريره السنوي عن قتل الصحفيين في عام 1990. سجلت منظمات حقوق الإنسان الدولية مؤشرات مقلقة للانتهاكات الجسيمة لحرية الصحافة: فقد قُتل 143 صحفيًا فلسطينيًا على يد الاحتلال الإسرائيلي، مما أدى إلى استشهاد أو إصابة العديد من العائلات وتدمير أكثر من 100 وسيلة إعلامية. فإن الاعتداء عليهم يُعتبر اعتداءً على المدنيين فالمادة 59 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 تؤكد على أن الصحفي بصفته مدنيًا لا يجوز أن يكون هدفًا عسكريًا مباشرًا، خاصةً عندما يكون مكلفًا بمهام مهنية خطرة تجعله عرضة للاعتداءات الموجهة، مما يطرح تساؤلات حول فعالية هذه الحماية القانونية وضرورة تعزيزها على أرض الواقع، بالإضافة إلى التزام الدولة التي ينتمي إليها المعتدي بتقديم التعويض المناسب، المطلب الثاني: آليات المساءلة الدولية لدولة الاحتلال عن الانتهاكات الصحفية– تقييم الفاعلية- أ- محكمة الجنايات الدولية: هناك محاولات عدة دول للمساءلة القانونية عن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي(، لا يزال هناك شك في قدرة المحكمة الجنائية الدولية على المضي قُدماً في هذه القضايا بشكل حاسم؛ هذه المسألة تُظهر التحديات المستمرة في تطبيق القانون الدولي بشكل عادل وفعال، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتهاكات ترتكبها دول ذات نفوذ سياسي واقتصادي كبير، ويبقى تجاوز هذه العقبات السياسية أحد أكبر التحديات أمام تحقيق المساءلة الدولية الفعالة، ولقد برزت بشكل جيد التحديات التي تواجه تفعيل آليات المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين على مر العقود، ب- الملاحقة عبر الآليات الجنائية الوطنية: ويبدو أن هذا الخيار أكثر فعالية اليوم بسبب سهولة تنفيذه وحقيقة أنه لا يتطلب تعقيد الإجراءات والبروتوكولات العديدة التي تتسم بها المحاكم الدولية. وقد شهدت السنوات القليلة الماضية قضايا في أوروبا تمت فيها محاكمة عدد من الأفراد المتهمين بالتورط في جرائم حرب في سوريا، وقد أصدرت محكمة ألمانية حكمًا بالسجن المؤبد على رجل أدين بالانتماء إلى منظمة ميليشيا تابعة لنظام الأسد في سوريا، وتجدر الإشارة إلى أن المحاكم الدولية الخاصة المذكورة أعلاه أُنشئت ضمن هياكل الأمم المتحدة. د- لجان التحقيق أو تقصي الحقائق الدولية تُعتبر لجان الحقيقة آلية مهمة للمساءلة وخطوة ضرورية نحو محاكمة مجرمي الحرب. ويمكن استخدام نتائج وتوصيات لجان الحقيقة لتقديم المعلومات والأدلة والشهود في ساحة العدالة الدولية. ويمكن أن يطلب مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو الأمين العام للأمم المتحدة أو مجلس حقوق الإنسان أو مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إنشاء لجنة دولية لتقصي الحقائق. وسبق أن أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في النزاع في غزة عام 2014، وغالباً ما يكون إنشاء مثل هذه اللجان منفصلاً عن الآليات القضائية المحتملة. وتوفّر لجان الحقيقة سجلًا تاريخيًا مستقلًا ومفصّلًا يمكن أن يشكّل أساسًا لعمليات قضائية دولية لاحقة، ومن خلال توفير أساس السجلات والتحقيقات للمحاكم الدولية، بشكل كبير من جهود المنظمات غير الحكومية (منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني) التي وثقت الانتهاكات وجمعت الشهادات أثناء النزاع، وقد قامت هذه المنظمات بمهام هامة مثل توثيق الانتهاكات وجمع الشهادات من الضحايا والشهود والعمل على حماية هؤلاء الشهود، وبذلك زودت هذه المنظمات لجنة التحقيق الدولية بالوثائق وقاعدة الأدلة اللازمة لعملها؛ وينطبق اختصاص محكمة العدل الدولية إذا ثبت أن الجرائم المرتكبة في فلسطين تشكل جريمة إبادة جماعية، ويمكن القيام بذلك من خلال الاستناد إلى المادة 9 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي صادقت عليها إسرائيل دون تحفظ، يتعين على الدول الأخرى التي صادقت على الاتفاقية ولم تتحفظ على المادة 9 أن تتخذ إجراءً؛ وهذا إجراء قضائي دولي يتم فقط بين الأطراف الدولية وليس على المستوى الوطني، وأيضا دور الامم المتحدة في صون السلم والأمن الدوليين؛ ويشمل ذلك قرار الجمعية العامة الصادر عام 1950 "جامعة السلام"، من المهم اللجوء المتكرر إلى مجلس الأمن والجمعية العامة لإنفاذ هذه القواعد والإجراءات، وإنما أيضًا من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الدولية التي تشارك فيها إسرائيل، تواجه الجهود المبذولة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين تحديات كبيرة وغير مسبوقة مقارنةً بالمحاكمات الأخرى من هذا النوع؛
المبحث الأول: حماية الصحافة في القانون الدولي ومفهوم النزاعات المسلحة
وسنعرض بيان الافعال غير المشروعة التي يتعرض لها الصحفي، وجوهر الحماية القانونية الدولية للصحفيين أثناء النزاعات المسلحة، وهذا ما سنتناولهُ في المطلب الأول، أما في المطلب الثاني فسنتحدث عن ماهية النزاعات المسلحة ومدى انطباقها على الحالة الفلسطينية.
المطلب الأول: الحماية القانونية للصحفي في ضوء الاتفاقيات والمعايير الدولية.
أولى القانون الدولي اهتماماً خاصاً بمهنة الصحافة سواء أكانت مدنية أم صحفية، وذلك من خلال سلسلة من القوانين واللوائح التي تحمي المهنة، ويأخذ القانون الدولي في الاعتبار التحديات والمخاطر التي قد يواجهها الصحفيون، بما في ذلك إمكانية استهدافهم أو تعرضهم للضغوط من أجل كشف الحقيقة وحماية مصالح من هم في السلطة، وقد استخدم القانون الدولي مصطلح "الحماية في حالات النزاع" لتغطية جميع أشكال النزاع، سواء بين الدول أو الجهات الفاعلة من غير الدول، وهو يهدف إلى ضمان الحماية الكاملة للصحفيين وتمكينهم من أداء واجباتهم دون ترهيب أو إكراه. وجاء التعريف الفقهي للصحفي بأنه الشخص الذي يقوم بالبحث عن المعلومات وتفسيرها واستخدامها لعرضها على وسائل الإعلام، بما في ذلك الصحف والإذاعة والتلفزيون، ويشمل هذا التعريف الصحفيين العاملين في مختلف الصحف ووكالات الأنباء والإذاعة والتلفزيون، وجميع الأفراد العاملين في هذا القطاع الإعلامي الكبير، إذ يتعرص الصحفيون العاملون في القوات المسلحة نفس المخاطر والتحديات التي يواجهها أفراد القوات المسلحة ويمكن اتخاذ تدابير خاصة لحماية الصحفيين في مناطق النزاع، ولكن لا يزال يتعين على الصحفيين العسكريين اتخاذ الاحتياطات الكافية وأن يكونوا على دراية بالبيئة الخطرة التي يعملون فيها في حالات النزاع المسلح، وتوضيحاً لمدلول الحماية الدولية للصحفيين لا بدَّ من توضيح ما يلي:-
أ- مفهوم الصحفي في القانون الدولي الانساني: لا تتضمن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الصحفيين تعريفا دقيقا للصحفي ومع ذلك، يمكن استخدام القواعد والاتفاقيات ذات الصلة لتعريف الصحفيين في سياق النزاع المسلح، ففيما يتعلق بالقوانين والاتفاقيات المتعلقة بالحرب، تحدد اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و 1907 القواعد الواجب مراعاتها في النزاعات المسلحة، وتشمل هاتان الاتفاقيتان المادة 13 التي تنص على حق الصحفيين في مرافقة القوات المصرح لها، وتشير اتفاقية جنيف لعام 1921 في المادة 81 منها مصطلح ”المراسل الصحفي“ دون تعريف محدد له ، ولكنها لا تقدم تعريفا محددا للمصطلح، وتنص المادة 4 من اتفاقية جنيف الثالثة على حماية الصحفيين المرافقين للقوات المسلحة، ولكنها لا تجعلهم صراحة جزء من القوات المسلحة، و في المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لم يتم توضيح مفهوم الصحفي بشكل صريح.
ب- الصحفيون الذين يرافقون القوات المسلحة في تنفيذ مهامها العسكرية: ويتمركز هؤلاء الصحفيون في الوحدات العسكرية وهم ملزمون باتباع الوحدة التي تم تعيينهم فيها وفقاً لوثيقة التجنيد، وتلزم هذه الوثيقة الصحفيين بالامتثال للتعليمات واللوائح العسكرية السارية وتوفر لهم الحماية ومع ذلك، هناك حالة من عدم اليقين بشأن وضع الصحفيين الملحقين بالقوات المسلحة، ويعتبر الصحفيون الذين يخدمون في القوات المسلحة جزءاً من الجيش وبالتالي يتمتعون بنفس المعاملة والحماية القانونية التي يتمتع بها أسرى الحرب، ومن المهم احترام حقوق الصحفيين الذين يقومون بالعمل الإعلامي في النزاعات المسلحة ومعاملتهم بمرونة.
وفي هذا الصدد، تكفل المبادئ التوجيهية الإعلامية لوزارة الدفاع البريطانية وضع أسرى الحرب للصحفيين الملحقين بالقوات المسلحة، وتنص المادة 79 من البروتوكول الأول لعام 1977 الفقرة الثانية منه على أنه "دون المساس بحق المراسلين الحربيين الملحقين بالقوات المسلحة في التمتع بالوضع المنصوص عليه في المادة 4 من اتفاقية جنيف الثالثة" ، وبموجب المادتين 17 و18 من اتفاقية جنيف الثالثة، فإن نص وروح القانون الدولي الإنساني واضحان، فالصحفي الذي يكون عضوًا في قوة عسكرية ويرافقها يعتبر قانونًا عضوًا في تلك المنظمة العسكرية، بغض النظر عما إذا كان يعتبر نفسه أو تعتبر نفسها كذلك، وتلخيصاً لما سبق، المراسلون العسكريون هم مدنيون يرافقون القوات المسلحة لكنهم ليسوا من أفراد القوات المسلحة، ويمكن تعريف المراسل العسكري أو المراسل الحربي بأنه "صحفي أو صحفي إذاعي يغطي الأخبار العسكرية لصالح صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون معين، أو مندوب مرسل إلى منطقة حرب في مهمة خاصة في زمن الحرب"، ينطبق مصطلح المراسل العسكري أو الحربي على جميع الصحفيين المحترفين الذين يعملون في منطقة عمليات تحت سلطة وحماية القوات المسلحة. وبالتالي، فإن مصطلح المراسل العسكري أو الحربي ينطبق على جميع الصحفيين المحترفين الذين يعملون في منطقة عمليات تحت سلطة وحماية القوات المسلحة ومهمتهم نقل ما يحدث في ساحة المعركة إلى وسائل الإعلام.
ج- الصحفيون المستقلون: يُصنف الصحفيون المستقلون الذين يعملون كمراسلين مدنيين لوكالات الأنباء ويغطون الحروب والنزاعات المسلحة بشكل مستقل ودون أي انتماءات كمدنيين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وبالتالي فهم ليسوا أفراداً في القوات المسلحة ويتمتعون بحرية الحركة والحماية أثناء النزاعات المسلحة، وهذا يتماشى مع أحكام البروتوكول الإضافي الأول المتعلق بحماية ضحايا النزاعات الدولية الذي دخل حيز النفاذ عام 1978 والبروتوكول الإضافي الثاني المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية لسنة 1977، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1738 لعام 2006، وبموجب المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول، يُمنح الأشخاص العاملون في مجال الصحافة في مناطق النزاع المسلح حماية خاصة، وطالما أنهم لا يمارسون أنشطة عدائية، فإنهم يُعتبرون مدنيين يتمتعون بالحماية بموجب هذا الحكم، وبموجب هذا البروتوكول، يجب أن يحملوا بطاقة هوية تحدد مسارهم أو مجموعتهم، بغض النظر عما إذا كانوا يعملون كصحفيين أو يعيشون في منطقة معترف بها كمنطقة نشاط عسكري.
والقانون الدولي الإنساني باعتباره مجموعة من القواعد التي تنظيم العلاقات بين المتحاربين، وهناك مجموعة من الخصائص التي تميز القانون الدولي الإنساني، وتشمل: القانون الدولي الإنساني هو فرع من القانون الدولي العام المستمد من القانون الدولي العرفي والاتفاقيات الدولية، و يهدف القانون الدولي الإنساني إلى منع الحرب وتقييد استخدام الأسلحة القاتلة، مثل الأسلحة النووية والكيميائية،التي تسبب معاناة لا داعي لها قبل وقوع نزاع عسكري. ولا تخضع قواعد القانون الدولي الإنساني لمبدأ المعاملة بالمثل، وهذا يعني أنه لا يجوز لأطراف الحرب إساءة معاملة أسرى الحرب أو قتلهم، حتى لو قام خصومهم بذلك، باعتبار القانون الدولي الانساني يتضمن قواعد مكتوبة وقواعد عرفية تطورت وتوسعت عند تدوينها، وفيما يلي أهم الأحكام والقوانين المتعلقة بحماية الصحفيين:-
تنص المادة 79 من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف لعام 1949 على وجوب احترام الصحفيين ومعاملتهم معاملة المدنيين، شريطة ألا يرتكبوا أعمالاً تتنافى مع صفتهم المدنية، وتنص المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على أن تتمتع جميع الأعيان المدنية بالحماية العامة وتحدد شروط وأحكام هذه الحماية. وتحدد المادة 52 من البروتوكول نفسه الشروط التي تحدد شكل الأهداف العسكرية؛ وبناءً على ذلك، فإن الأعيان التي لا تتوافق مع أحكام المادة 52 تعتبر أعياناً مدنية ولا يوجد مبرر لاستهدافها، وتنص المادة 34 من الفصل العاشر من قواعد القانون الدولي العرفي الصادرة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عام 2005 على ضرورة احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مناطق النزاع المسلح، وتكفل المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حرية الرأي والتعبير، وتلزم الدول بحماية الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام في حالات النزاع المسلح، ويقع على أطراف النزاع التزام بمنع جميع أشكال العنف، ويدعو الدول الأعضاء إلى اعتماد تدابير تشريعية توفر بيئة مواتية تضمن استقلالية وسلامة عمل الصحفيين، والمادة 2 من إعلان اليونسكو بشأن وسائل الإعلام لعام 1978، التي تعترف بحرية وسائل الإعلام كجزء من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وكذلك إعلان جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية الوصول إلى المعلومات لعام 2002 على أن الحق في الوصول إلى المعلومات هو أحد الحقوق الأساسية التي تكفلها حرية الرأي والتعبير، ونص تقرير الأمم المتحدة الخاص بشأن حرية الرأي والتعبير لعام 1993 على أن حرية التعبير تشمل الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الدولة وفرض التزامًا إيجابيًا على الدولة بضمان الوصول إلى المعلومات، و يصنف نظام روما الأساسي لعام 1998 انتهاكات حقوق الإنسان ضد الصحفيين على أنها جرائم حرب يمكن مقاضاة مرتكبيها أمام المحاكم الجنائية ويؤكد على حماية الصحفيين طالما أنهم لا يشاركون في الأعمال العدائية، وفي عام 2010 رأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الصحافة تحتاج إلى حماية خاصة لكي تؤدي دورها الأساسي، و يدعو قرار مجلس الأمن 1738 لعام 2006 إلى حماية الصحفيين في النزاعات الدولية وملاحقة منتهكي الاتفاقيات الدولية. ويدين القرار الاعتداءات على الصحفيين ويدعو إلى وضع حد لأعمال العنف هذه، ويؤكد القرار على أن الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام هم مدنيون ويجب حمايتهم في مناطق النزاع المسلح، وقرار مجلس الأمن رقم 2222 لعام 2015 الذي يؤكد حماية الصحفيين في مناطق النزاع المسلح ويشدد على التزام المجلس بحقوقهم وحمايتهم، ويقع على عاتق الدول تنفيذ ما جاء بالقرار.
يُنظر إلى الصحفيين والإعلاميين على أنهم جزء لا يتجزأ من الحق في الحرية، وذلك لأن محددات هذه الحريات وضوابطها يتم السعي إلى ضمان احترامها بما لا يسمح بتأويل النصوص أو التشكيك في دلالاتها؛ إلا أنَّ قوات الاحتلال الاسرائيلي لم تتوانى عن انتهاك هذه القوانين باستمرار من خلال استمرارها في الاعتداء على الفرق والمؤسسات الصحفية في كل مناسبة وفي كل منعطف تاريخي، وأخص بالذكر حربهِ الاخيرة الغوغاء على قطاع غزة، وإنَّ الدول التي من المفترض أن تدافع عن القانون ومبادئه وتعزز الديمقراطية والعدالة تغض الطرف عن تطبيق هذه المبادئ والقوانين عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، مثل هذا السلوك يشجع الاحتلال على مواصلة جرائمه وانتهاكاته دون عواقب، وفيما يلي ذلك، تشكل مبادئ حماية الصحفيين جزءًا من القانون الدولي الإنساني، وهو نوع من قواعد الحرب التي تهدف إلى تنظيم معاملة الأفراد في النزاعات المسلحة، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، جرحى أو في الخدمة الفعلية، ولذلك فهو يحمي كل فئة على نحو مختلف، وجاءت هذهِ الحماية القانونية للصحفين على النحو الآتي:-
أولاً، فيما يتعلق بالاعتداءات على الصحفيين، فإن المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف مهمة لأنها تنص صراحة على حماية الصحفيين في المناطق المتأثرة بالنزاعات المسلحة الدولية، وتنص هذه المادة على أن الصحفيين الذين يقومون بمهام خطيرة في مثل هذه المناطق، سواء كانوا مراسلين مستقلين أو مراسلين حربيين، يجب اعتبارهم مدنيين بموجب المادة (50) الفقرة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول؛ ولذلك فإن الهجمات ضدهم محظورة تماماً بموجب القانون الدولي الإنساني، إلا في حالات المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية، ولا يحتوي البروتوكول الإضافي الثاني على أحكام محددة لحماية الصحفيين في النزاعات المسلحة غير الدولية، لكنهم يتمتعون بالحماية بوصفهم مدنيين بموجب المادة 13 من البروتوكول بالإضافة إلى الحد الأدنى من الضمانات المنصوص عليها في المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، وتؤكد دراسة القانون العرفي التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الممارسة الدولية تعترف باحترام وحماية الصحفيين العاملين في النزاعات المسلحة، وكقاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، تنطبق الحماية المتكافئة للصحفيين في النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية، وفقاً للقاعدة 34 من هذه الدراسة، وبموجب هذه القاعدة الأخيرة، لا يؤثر التصديق أو عدم التصديق على البروتوكول الإضافي على حماية الصحفيين، إن دور الصحفيين في نقل المعلومات وتوثيق الأحداث أمر حيوي للشفافية وكشف الحقيقة، وتنص المادة 85 (3) (هـ) من البروتوكول الإضافي الأول على أن الهجمات ضد المدنيين-بمن فيهم الصحفيون- هي جرائم حرب، وأن المسؤولين عن هذه الهجمات يجب أن يخضعوا للمساءلة ولذلك يجب على الدول والأطراف المتحاربة الامتثال للقانون الدولي والمبادئ الدولية لضمان حماية وسلامة الصحفيين العاملين في مناطق النزاع المسلح.
ثانيا، الحماية في سياق الاعتقال والاحتجاز، اذ ينبغي معاملة الصحفيين على اختلاف أنواعهم كمدنيين، بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان احتجازهم، وعندما يتم احتجازهم من قبل سلطات بلدهم، ينبغي تطبيق القانون الوطني والدولي لحقوق الإنسان، أما الصحفيون الذين ليسوا من رعايا دولة محاربة، فتحميهم قوانين السلام، بما في ذلك قوانين العلاقات الدبلوماسية الممكنة بين البلدين وقواعد حقوق الإنسان، أما الصحفيون الذين تحتجزهم السلطات الذين هم من رعايا دولة محاربة أخرى فيتمتعون بالحماية في المقام الأول بالضمانات الأساسية المنصوص عليها في المادة 75 من البروتوكول الإضافي الأول، بما في ذلك حظر تهديد الحياة والصحة والسلامة البدنية أو الصحة العقلية، وانتهاك الكرامة الشخصية، وأخذ الرهائن، والعقاب الجماعي، والترهيب، والحرمان من الحق في محاكمة عادلة وإنسانية. ويتمتع الصحفيون في النزاعات المسلحة غير الدولية بحماية وضمانات قانونية بموجب المادة 3 المشتركة، وهي نفس الضمانات الدنيا الواردة في البروتوكول الإضافي الثاني الذي ينص على حماية الصحفيين في النزاعات المسلحة، ومع ذلك، فإن انتهاكات حقوق الصحفيين المحتجزين تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني ويجب محاسبة المسؤولين عنها، وتنظم المسائل المتعلقة بحماية الصحفيين في النزاعات المسلحة غير الدولية وفقاً لمبادئ القانون الدولي وتستخدمها المحاكم لضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الصحفيين، فضلًا على ذلك، تعتبر المادة 79 (3) من البروتوكول الإضافي الأول تدبيراً احترازياً إضافياً فيما يتعلق بالاعتقال، وتنص على حمل وثائق الهوية، وهذا لا يضفي أي وضع خاص كـ"صحفي" ولا يعتبر ضرورياً، بل يعكس فقط حقيقة أن الصحفيين مخولون بمرافقة القوات المسلحة، وفي حالة المراسلين الحربيين، فإن بطاقة الهوية إلزامية بموجب اتفاقية جنيف الثالثة ويجب حملها في جميع الأوقات.
ثالثا، مع زيادة تواجد الصحفيين المستقلين والمراسلين الحربيين في مناطق النزاع واقترابهم من الخطوط الأمامية، أصبحت التغطية الصحفية للحرب أكثر خطورة من أي وقت مضى، ويواجه الصحفيون تهديدات متزايدة لسلامتهم، وينبغي التمييز بين التهديدات التقليدية المرتبطة بالأعمال العسكرية والهجمات التي تستهدف الصحفيين في العديد من النزاعات، وتتطلب هذه التحديات اهتمامًا خاصًا بحماية حقوق الصحفيين وضمان سلامتهم خلال أداء واجباتهم في البيئات الخطرة، وبصفة عامة، يعتبر الصحفيون المستقلون والمعتمدون في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية من المدنيين في حال تعرضهم للهجوم، وفي حالة الاعتقال، يتم التمييز بين المراسلين الحربيين والصحفيين المستقلين وفقًا للقانون الدُّوَليّ. فبينما يتمتع الصحفيون المستقلون بالحماية بموجب البروتوكول الإضافي الأول والقواعد العامة واتفاقية جنيف الرابعة، فإن الصحفيين العسكريين معترف بهم كمرافقين للقوات المسلحة ويتمتعون بالحماية بصفة أسرى حرب، وغالبًا ما يكون الصحفيون العسكريون أقرب إلى خط المواجهة في حين أنَّ الصحفيون المستقلون أقل تهديدًا مباشرًا لأن إمكانية وصولهم محدودة، ويحظى الصحفيون على اختلاف أنواعهم بالحماية بموجب القانون، ولكن تختلف الآراء حول مدى كفاية الحماية القائمة واحترامها وتنفيذها بشكل كامل.
المطلب الثاني: مفهوم النزاعات المسلحة ومدى انطباقها على الحالة الفلسطينية في قطاع غزة
يحدث النزاع المسلح الدولي عندما تستخدم دولة أو أكثر القوة ضد دولة أخرى، في مثل هذه النزاعات، تنطبق القواعد الدولية في مجموعة متنوعة من السيناريوهات، النزاعات المسلحة بين دولة أو أكثر ومنظمة دولية (مثل قوات الأمم المتحدة)،حروب التحرر الوطني في حالات محددة مثل الجهود المبذولة لتحقيق الاستقلال أو التحرر من الاستعمار أو السيطرة الأجنبية، الدفاع عن النفس في حالة وقوع هجوم مسلح ضد دولة ما، على النقيض فالنزاعات المسلحة غير الدولية: هي نزاعات تقع داخل إقليم دولة واحدة بين القوات المسلحة، تعتمد القواعد المنطبقة على نزاع معين على طبيعة النزاع - سواء كان نزاعاً دولياً أو غير دولي، ففي النزاعات المسلحة الدولية، تنطبق مجموعة واسعة من القواعد، بما في ذلك القواعد المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول. أما بالنسبة للنزاعات المسلحة غير الدولية، فتنطبق القواعد المحدودة المنصوص عليها في المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الثاني، يعتبر معظم المراقبين الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة، أن غزة تعتبر تحت الاحتلال الإسرائيلي في الواقع، وتستند هذه النقطة النظرية إلى حقيقة أن إسرائيل تسيطر على حدود غزة ومجالها الجوي، وتوفر لها معظم احتياجاتها الأساسية مثل الكهرباء والماء والغاز وغيرها من الاحتياجات الإنسانية الضرورية للحياة، ونتيجة لذلك؛ فإن اندلاع الصراع بين حركة حماس وإسرائيل يؤدي بالضرورة إلى تفعيل قوانين الحرب في هذا السياق بشكل شامل، ولا بُدَّ أن يشمل القانون الدولي الإنساني أيضاً القوانين التي تحكم الاحتلال عندما لا تكون لدولة ما سيادة على إقليم ما وتحتله دون موافقتها، مثل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتنص هذه القوانين على أن الدولة المحتلة لم تكتسب السيادة على الأراضي المحتلة وتفرض التزامًا على دولة الاحتلال بمعاملة السكان معاملة إنسانية وتوفير الغذاء والرعاية الطبية. يعتبر الاحتلال حالة حرب أو نزاع دولي مسلح ينطبق عليها القانون الدولي الإنساني ، ويهدف إلى تنظيم حالة الاحتلال الحربي مع التأكيد على الفرق الجوهري بين الاحتلال والضم النهائي، وتحدد حقوق السكان الخاضعين للاحتلال والتزامات قوات الاحتلال، والمعاملة المتحضرة للسكان، وتنظم السلطة العسكرية وسلطة قوات الاحتلال في إدارة الأراضي المحتلة، وتنظم العلاقات بين قوات الاحتلال والسكان والدولة ذات السيادة والجهات الفاعلة الأخرى، ومن الجدير بالذكر أنَّ القاعدة العامة هي أن المعاهدات لا تكون ملزمة إلا للأطراف المتعاقدة وأن الاتفاقات الدولية لا يمكن أن تفرض التزامات أو حقوقاً دون موافقة الأطراف غير المتعاقدة، وقواعد القانون الإنساني الدولي وقواعد قانون الاحتلال العسكري هي قواعد قانونية مدونة وهي جزء من سلسلة من الاتفاقات الدولية، وبالتالي فإن أحكامها تكتسب قيمة قانونية ملزمة لجميع الدول المشاركة في تلك الاتفاقات، ولاتفاقية جنيف الرابعة قيمة قانونية ملزمة لجميع الدول، بغض النظر عما إذا كانت أطرافاً في الاتفاقية أم لا؛ ولذلك فإن إسرائيل ملزمة بتطبيق هذه الاتفاقية في الأراضي التي تحتلها، وهي اتفاقية تقنن قواعد الممارسة الدولية العرفية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، وإسرائيل طرف في هذه الاتفاقية وقد لوحظ أن سلوك إسرائيل يظهر أحياناً عدم التزامها بتطبيق هذه الاتفاقية والقواعد والمبادئ التي تحكم الاحتلال العسكري للأراضي المحتلة. ومع ذلك، يجب الإقرار بأن الالتزام بالقانون الدولي والتقيد بالاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية جنيف الرابعة يعد ركيزة أساسية من ركائز القانون الدولي. والدليل على انطباق اتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية هو قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الصادر في 30 أيار/مايو 2004؛ فقد أكدت المحكمة في هذا القرار أن العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي في رفح تخضع لأحكام اتفاقية لاهاي رقم 4 لعام 1907 واتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب لعام 1949، وبذلك يتم الاعتراف بصلاحية وفعالية اتفاقيات جنيف بالتطبيق على هذه السياق.
المبحث الثاني: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين وآليات المساءلة الدولية
يتناول هذا المبحث مطلبين أساسيين، وهما: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينين، فعالية المساءلة الدولية.
المطلب الأول: صور الانتهاكات الاسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين
لَعِب وسائل الإعلام الفلسطينية دوراً مهماً في إطار الجهود المبذولة لمقاومة الاحتلال وتستند هذه الجهود إلى دورها الوطني في توعية الشعب الفلسطيني والحفاظ على مستوى الوعي والحساسية العامة تجاه جهود الإعلام الصهيوني، وتشمل الجهود الفلسطينية العالمية أيضًا تقديم رؤية فلسطين من وجهة نظر الشعب الفلسطيني ومواجهة الروايات والأكاذيب الصهيونية التي تسعى إلى تشويه الحقائق والتاريخ؛ وعليه تعرضت المؤسسات الإعلامية الفلسطينية لاعتداءات إسرائيلية مختلفة، والاعتداءات الاسرائيلية جاءت على أشكال مختلفة ومنها: القتل، التهديد بالقتل، استهداف عائلات الصحفيين، تدمير المكاتب الاعلامية وأدوات نقل الصورة والحقيقة، والمنع من التغطية، استهداف عائلات الصحفيين والعديد من الجرائم الأخرى وفيما يلي توضيح لذلك:
لقد كان قطاع غزة في الآونة الأخيرة محط أنظار العالم فيما يتعلق بحرية الصحافة، حيث شهد في الآونة الأخيرة أعمال عنف من قبل القوات الإسرائيلية ضد الصحفيين الذين يقومون بمهامهم ويستحقون الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد تم تدمير حرية الصحافة في قطاع غزة بطرق مشابهة لما حدث من تدمير للبنية التحتية؛ فوفقًا للمكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني، فقد قُتل 140 صحفيًا وأصيب 70 آخرين.
إنَّ استهداف الصحفيين هو جزء من استراتيجية الحرب المنظمة التي ينتهجها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، ولا شك أن إسرائيل وراعيتها العسكرية، الولايات المتحدة، تتقاسمان المسؤولية عن كافة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الصحفيين والإعلاميين، وقد فاق عدد القتلى من الصحفيين في قطاع غزة عدد قتلى حرب فيتنام خلال العشرين عاماً الماضية، وفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للصحفيين، واستناداً للدراسة التي أعدها الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، بعنوان " محاكمة قادة إسرائيل عن جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين بغزة - العقبات والحلول"، يواجه الصحفيون في قطاع غزة ظروفاً صعبة بسبب الجوع والحصار العسكري الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي و هذه الظروف بالضرورة تجعل من الصعب على الصحفيين الوفاء بالتزامهم بالتغطية بحرية وفقًا للقانون الدولي، ويعيش العديد من الصحفيين في غزة في ظل نفس الظروف المروعة من التجويع والحصار العسكري التي يعيشها الفلسطينيون، كحاجة بعض الصحفيين إلى تناول علف الحيوانات لتجنب المجاعة.
ويقع على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان العمل على رفع الحصار العسكري عن قطاع غزة وتهيئة الظروف المواتية لعمل الصحفيين هناك وضمان حمايتهم وسلامتهم في ممارسة مهنتهم، وقد منعت قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين المصابين من الوصول إلى المستشفيات بعد الهجوم؛ فسيارات الإسعاف التي حاولت إنقاذهم تعرضت لإطلاق النار، ونتيجةً لكل ذلك؛ ووثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين قصف ما لا يقل عن 73 مكتباً إخبارياً في قطاع غزة، بما في ذلك وكالة رويترز ووكالة الأنباء الفرنسية والعديد من القنوات الإخبارية العربية والمحلية. كما تم تدمير العديد من المكاتب الإعلامية في الضفة الغربية. ونتيجة لهذه الأفعال، لم يتمكن الصحفيون من الوفاء بالتزاماتهم في نقل الأخبار وتقديم المعلومات، وتدل هذه الإجراءات على تدمير حرية الصحافة في قطاع غزة من قبل قوات الاحتلال، ولا بُدَّ أن يحصل الصحفيون على الرعاية الطبية والحماية أثناء ممارسة مهنتهم و على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف هذه الإجراءات القمعية والمتصاعدة ضد الصحافة وضمان حرية الصحافة وسلامة الصحفيين في الأراضي المحتلة.
إلى جانب كل ذلك، لم تكتفِ اسرائيل باستهدافهم وعائلاتهم.. بل تحرض عالميا ضد صحفيين غزة، وبالإضافة إلى جرائم العنف المباشرة ضد الصحفيين وعائلاتهم من قبل قوات الاحتلال، فإن إسرائيل وبعض المنظمات الداعمة لها تمارس تحريضاً خطيراً وغير مسبوق على الصحفيين الفلسطينين وتصف نقابة الصحفيين الفلسطينيين هذا التحريض بأنه "دعوة لاستهداف الصحفيين وقتلهم"، إذ كان قد نشر موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية ووسائل الإعلام الإسرائيلية أسماء وصور صحفيين فلسطينيين، من بينهم صحفيون يعملون في وكالات أنباء دولية، استناداً إلى تقرير لمنظمة معروفة بانحيازها ضد إسرائيل وتاريخ الهجوم الذي شنته حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قال الدكتور رامي عبده (رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان): إنَّ قوات الاحتلال تتستر على الجرائم التي ترتكبها بحق الصحفيين في قطاع غزة وتقتل عائلاتهم في منازلهم، وأشار إلى أن إسرائيل أطلقت حملة مضادة لنشر الأكاذيب على مدار الساعة واعتماد سياسة التشهير والتضليل؛ ويعكس هذا النهج محاولة للتهرب من المسؤولية وشرعنة جرائم العنف ضد الصحفيين والمواطنين ولذلك يجب توثيق هذه الجرائم والتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان حماية وحقوق الصحفيين وعائلاتهم، لذلك يجب على المجتمع الدولي إجبار إسرائيل على الامتثال للقانون الدولي لحقوق الإنسان وضمان حق الصحفيين في العمل بحرية وأمان.
كما وقال الاتحاد الدولي للصحفيين، في بيان نشره على موقعه الإلكتروني، إنه رصد الانتهاكات والاعتداءات ضد الصحفيين في عام 2023، وأنَّ الحرب في قطاع غزة كانت أكثر الصراعات دموية منذ أن بدأ الاتحاد الدولي للصحفيين في نشر تقريره السنوي عن قتل الصحفيين في عام 1990.
وإجمالاً لِما سبق، تواصل السلطة القائمة بالاحتلال قتل الصحفيين في قطاع غزة وفرض قيوداً مستمرة عليهم بشكل مستمر، بما في ذلك استهدافهم بالقذائف الصاروخية والاعتقالات ومداهمة أماكن عملهم، وتشكل هذه الممارسات تهديداً خطيراً لحرية الصحافة وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات؛ فمنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، سجلت منظمات حقوق الإنسان الدولية مؤشرات مقلقة للانتهاكات الجسيمة لحرية الصحافة: فقد قُتل 143 صحفيًا فلسطينيًا على يد الاحتلال الإسرائيلي، في حين أصيب واعتقل العشرات غيرهم، كما وأُصيب العديد من الصحفيين بجروح خطيرة برصاص الاحتلال الإسرائيلي وصواريخه، بما في ذلك فقدان جزء من أطرافهم، وكجزء من سياسة إسرائيل الممنهجة في استهداف الصحفيين قام الكيان باعتقال العديد من الصحفيين؛ وفي هذا انتهاك للقانون الدولي والصكوك الإنسانية التي تحمي حقوق الصحفيين في مناطق النزاع، أضف على ذلك استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي عائلات الصحفيين ومنازلهم، مما أدى إلى استشهاد أو إصابة العديد من العائلات وتدمير أكثر من 100 وسيلة إعلامية.
على الرغم من أن الحماية القانونية الدولية للصحفيين مكرسة في اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الإضافية، إلا أن الواقع يشير إلى استمرار انتهاكات متزايدة ضدهم من جانب الاحتلال، إذ تنص هذه الاتفاقيات على منح الوضع المدني للصحفيين؛ مما يوفر لهم نفس الحماية الممنوحة للمدنيين عمومًا. وبالتالي، فإن الاعتداء عليهم يُعتبر اعتداءً على المدنيين فالمادة 59 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 تؤكد على أن الصحفي بصفته مدنيًا لا يجوز أن يكون هدفًا عسكريًا مباشرًا، وأنه يجب احترام ممتلكاته وتجنب الاعتداء عليها، خاصةً عندما يكون مكلفًا بمهام مهنية خطرة تجعله عرضة للاعتداءات الموجهة، وبالرغم من هذه الأحكام القانونية، يبدو أن الواقع لا يزال يشهد تزايدًا في الانتهاكات ضد الصحفيين ومؤسسات الإعلام، مما يطرح تساؤلات حول فعالية هذه الحماية القانونية وضرورة تعزيزها على أرض الواقع، تتضح الحماية القانونية المقررة للصحفيين في الفقرة (5) من المادة (85) من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، والتي اعتبرت هذه المادة أن التعرض للصحفيين ومقراتهم يُعد جرائم حرب، وبالتالي يقع الجزاء على الفرد المعتدي، بالإضافة إلى التزام الدولة التي ينتمي إليها المعتدي بتقديم التعويض المناسب، وذلك في ضوء واقع الانتهاكات المتزايدة ضد الصحفيين.
المطلب الثاني: آليات المساءلة الدولية لدولة الاحتلال عن الانتهاكات الصحفية– تقييم الفاعلية-
أ- محكمة الجنايات الدولية: هناك محاولات عدة دول للمساءلة القانونية عن انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي(،الشكوى التي قدمتها دول جنوب أفريقيا، وبوليفيا، وبنغلاديش، وجيبوتي، وجزر القمر إلى محكمة الجنايات الدولية) بما في ذلك الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين، وعلى الرغم من هذه الجهود، لا يزال هناك شك في قدرة المحكمة الجنائية الدولية على المضي قُدماً في هذه القضايا بشكل حاسم؛ نظرًا لالتزامات الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، بحماية إسرائيل من المساءلة الجنائية الدولية،هذه المسألة تُظهر التحديات المستمرة في تطبيق القانون الدولي بشكل عادل وفعال، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتهاكات ترتكبها دول ذات نفوذ سياسي واقتصادي كبير، ويبقى تجاوز هذه العقبات السياسية أحد أكبر التحديات أمام تحقيق المساءلة الدولية الفعالة، ولقد برزت بشكل جيد التحديات التي تواجه تفعيل آليات المحكمة الجنائية الدولية في محاسبة قادة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائم الحرب المرتكبة بحق الفلسطينيين على مر العقود، وجاءت بعض التحديات كما يلي:
أولاً، تتميز آليات عمل المحكمة الجنائية الدولية بالتعقيد، مما يحد من فعاليتها في الممارسة العملية؛ فالمحكمة ترتكز على مبدأ التكامل، بمعنى أنها لا تتدخل إلا في حال عجز أو عدم رغبة الدول المعنية في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والإبادة الجماعية والعدوان.
ثانياً، قد ترى المحكمة الجنائية الدولية أن النظام القضائي الإسرائيلي قادر على المحاسبة الذاتية، مما يشكل عائقاً أمام تدخلها، هذا بالإضافة إلى أن عدم انضمام إسرائيل لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يمثل تحدياً آخر، على الرغم من إمكانية تجاوزه في حال إثبات ارتكاب الجرائم على أراضي دولة عضو، وهي في هذه الحالة فلسطين.
ب- الملاحقة عبر الآليات الجنائية الوطنية:
تعتبر المحاكم الوطنية ذات الاختصاص الجنائي الدولي مدخلاً مهماً لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وتعترف معظم الأنظمة القانونية الأوروبية بهذا الاختصاص، ويبدو أن هذا الخيار أكثر فعالية اليوم بسبب سهولة تنفيذه وحقيقة أنه لا يتطلب تعقيد الإجراءات والبروتوكولات العديدة التي تتسم بها المحاكم الدولية. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الخيار يقع تحت مظلة القانون الوطني، وقد شهدت السنوات القليلة الماضية قضايا في أوروبا تمت فيها محاكمة عدد من الأفراد المتهمين بالتورط في جرائم حرب في سوريا، وقد أصدرت محكمة ألمانية حكمًا بالسجن المؤبد على رجل أدين بالانتماء إلى منظمة ميليشيا تابعة لنظام الأسد في سوريا، وعلى مدار سنوات، أصدرت العديد من الدول الأوروبية مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين متهمين بارتكاب جرائم حرب، مما يجعل من الصعب عليهم زيارة إسرائيل.
على سبيل المثال، في عام 2009، اضطرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني إلى إلغاء زيارة كانت مقررة إلى لندن بعد أن أصدر قاضٍ بريطاني مذكرة اعتقال بحقها لدورها المزعوم في جرائم الحرب التي ارتكبت في غزة خلال حرب 2008، ولكن تم اعتقالها مرة أخرى في عام 2016، وتدخلت الحكومة البريطانية لمنع اعتقالها، وفي عام 2006، أُجبرت على العودة إلى إسرائيل بعد أن أمضت عدة ساعات على متن طائرة في مطار هيثرو خوفًا من أن يعتقلها جنرال إسرائيلي، وأصدرت دول أوروبية أخرى، مثل بلجيكا وإسبانيا، مذكرات اعتقال مماثلة بحق مجرمي حرب إسرائيليين مشتبه بهم؛ ولكن في كل حالة لعبت السياسة دورًا رئيسيًا في تبرئتهم.
ج- محكمة دولية خاصة
وبعد الحرب العالمية الثانية، مهدت محاكم نورمبرغ الطريق لمثل هذه المساءلة الدولية. وقد نجحت المحاكم الدولية الخاصة مثل محكمة يوغوسلافيا السابقة (1993)، ومحكمة رواندا (1994)، ومحكمة كمبوديا (2003)، ومحكمة لبنان (2005) في محاكمة جرائم الحرب والإبادة الجماعية. وتجدر الإشارة إلى أن المحاكم الدولية الخاصة المذكورة أعلاه أُنشئت ضمن هياكل الأمم المتحدة. فقد أنشئت ثلاث منها بموجب قرار من مجلس الأمن الدولي، بينما أنشئت محكمة كمبوديا بموجب اتفاق بين كمبوديا والجمعية العامة للأمم المتحدة. ولم يتحقق توافق دولي في الآراء بشأن إنشاء المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على فعاليتها. كما أن إنشاء هاتين المحكمتين يخضع لاختصاص مجلس الأمن، وقد يعرقل حق النقض الأمريكي هذه الجهود.
د- لجان التحقيق أو تقصي الحقائق الدولية
تُعتبر لجان الحقيقة آلية مهمة للمساءلة وخطوة ضرورية نحو محاكمة مجرمي الحرب. ويمكن استخدام نتائج وتوصيات لجان الحقيقة لتقديم المعلومات والأدلة والشهود في ساحة العدالة الدولية. وتكمن أهمية مثل هذه اللجنة في الآليات اللازمة لإنشائها والسرعة التي يمكن بها إنشاؤها. ويمكن أن يطلب مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو الأمين العام للأمم المتحدة أو مجلس حقوق الإنسان أو مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إنشاء لجنة دولية لتقصي الحقائق. كما يمكن إنشاء لجان تقصي الحقائق في أطر دولية أخرى غير الأمم المتحدة، وسبق أن أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف لجنة الأمم المتحدة المستقلة للتحقيق في النزاع في غزة عام 2014، وهذا مثال على لجنة دولية لتقصي الحقائق أنشئت من خلال هيئة تابعة للأمم المتحدة، وغالباً ما يكون إنشاء مثل هذه اللجان منفصلاً عن الآليات القضائية المحتملة. ومع ذلك، تكتسي نتائجها وتوصياتها أهمية خاصة في هذا السياق، وتوفّر لجان الحقيقة سجلًا تاريخيًا مستقلًا ومفصّلًا يمكن أن يشكّل أساسًا لعمليات قضائية دولية لاحقة، ومن خلال توفير أساس السجلات والتحقيقات للمحاكم الدولية، تساهم لجنة الحقيقة في تعزيز المساءلة وتقديم الجناة إلى العدالة، وقد استفادت لجان التحقيق الدولية التي غالباً ما يتم إنشاؤها في أعقاب النزاعات المسلحة، بشكل كبير من جهود المنظمات غير الحكومية (منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني) التي وثقت الانتهاكات وجمعت الشهادات أثناء النزاع، وقد قامت هذه المنظمات بمهام هامة مثل توثيق الانتهاكات وجمع الشهادات من الضحايا والشهود والعمل على حماية هؤلاء الشهود، وبذلك زودت هذه المنظمات لجنة التحقيق الدولية بالوثائق وقاعدة الأدلة اللازمة لعملها؛
ويُعد توثيق الانتهاكات وجمع الشهادات خطوة مهمة وضرورية نحو مقاضاة المسؤولين عن انتهاكات كتلك التي ارتكبتها إسرائيل في هذه القضية، وتضطلع منظمات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية بنشاط بهذه المهام الهامة.
تشمل طرق مقاضاة الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين، في بعض الحالات، اللجوء إلى محكمة العدل الدولية؛ وينطبق اختصاص محكمة العدل الدولية إذا ثبت أن الجرائم المرتكبة في فلسطين تشكل جريمة إبادة جماعية، ويمكن القيام بذلك من خلال الاستناد إلى المادة 9 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي صادقت عليها إسرائيل دون تحفظ، ومن أجل الشروع في هذا الإجراء القضائي الدولي، يتعين على الدول الأخرى التي صادقت على الاتفاقية ولم تتحفظ على المادة 9 أن تتخذ إجراءً؛ وهذا إجراء قضائي دولي يتم فقط بين الأطراف الدولية وليس على المستوى الوطني، وأيضا دور الامم المتحدة في صون السلم والأمن الدوليين؛ ويشمل ذلك قرار الجمعية العامة الصادر عام 1950 "جامعة السلام"، الذي يأذن للأمم المتحدة بالتدخل إذا فشل مجلس الأمن في أداء دوره، وفي أوقات النزاع المسلح والعدوان، من المهم اللجوء المتكرر إلى مجلس الأمن والجمعية العامة لإنفاذ هذه القواعد والإجراءات، مع إمكانية مقاضاة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ليس فقط على المستوى الجنائي، وإنما أيضًا من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الدولية التي تشارك فيها إسرائيل، ولا تكمن أهمية هذا النهج في مساءلة إسرائيل فحسب، بل في التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني وتشجيع الأطراف الدولية على إنهاء تعاونها مع الاحتلال.
تواجه الجهود المبذولة لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين تحديات كبيرة وغير مسبوقة مقارنةً بالمحاكمات الأخرى من هذا النوع؛ ويرجع ذلك إلى استمرار الغرب في حماية إسرائيل، الأمر الذي ساعد الجناة تاريخيًا على الإفلات من العقاب، وتشكل هذه الحماية الدولية الخاصة الممنوحة لإسرائيل عقبة رئيسية أمام الجهود الرامية إلى محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين.
تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص
يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية
يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة
نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها
يتفق الباحثون بشكل عام على أن تنمية مهارات إدارة المعرفة تتطلب التفاعل المشترك بين الأفراد واستخدام ...
بما أن الفلسفة والعلم حقلان معرفيان مختلفان، ولكل منهما خصائص تختلف عن الآخر، فقد برزت الدعوة الى ا...
1-بذلت أنا والأم جهود لا تقدر بثمن لتلبية احتياجات أبنائنا الاثنين عبدالله واليازية وبالإضافة إلى ت...
With such sadness occupying her thoughts,Erika, a poor single mother of two, struggles to sleep at n...
1. طوير برامج متكاملة: ينبغي تصميم وتصميم برامج تأهيل متكاملة تشمل التعليم والتدريب المهني والفنون، ...
تُعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أهم الدول في العالم العربي والإسلامي، حيث تحتل موقعًا جغراف...
This study explores university students' experiences and perceptions of using artificial intelligenc...
1 تجارب تهدف الى اكتشاف الظواهر الجديدة 2 تجارب التحقق تهدف لاثبات او دحض الفرضيات وتقدير دقتها 3 ال...
علق رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، على صورته المتداولة والتي أثارت الجدل برفقة نظيره الإثيوبي آبي...
تعاني المدرسة من مجموعة واسعة من المخاطر التي تهدد سلامة الطلاب والطاقم التعليمي وتعوق العملية التعل...
يهدف إلى دراسة الأديان كظاهرة اجتماعية وثقافية وتاريخية، دون الانحياز إلى أي دين أو تبني وجهة نظر مع...
تعريف الرعاية التلطيفية وفقا للمجلس الوطني للصحة والرفاهية ، يتم تعريف الرعاية التلطيفية على النح...