لخّصلي

قامت بريطانيا وفرنسا، بعد الحرب العالمية الثانية، بخلق بؤر توتر في المنطقة العربية لمنع وحدة الشعوب العربية، عبر سياسات تقسيمية. فمثلاً، منحت فرنسا لبنان استقلاله عن سوريا، مُغذيةً بذلك الانقسام. كما عملت الدول الغربية على تأسيس جامعة الدول العربية، كمشروع وحدوي ظاهر، لكنه كان هدفه الحقيقي تهدئة الخواطر العربية والحفاظ على التجزئة تحت ستار التضامن. صُمّم ميثاق الجامعة على أساس احترام حدود الدول القائمة، مما منع أي وحدة بينها. سعت هاتان الدولتان، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، لعرقلة أي مشروع وحدوي عربي، مثل منع استقلال السودان ومصر معاً، وخلق نزاع حلايب، لمنع وحدة وادي النيل. كما دعمت فرنسا خلافات المغرب مع الجزائر بشأن الصحراء الغربية، وشرطت على جيبوتي عدم الاتحاد مع الصومال. كذلك، عملت فرنسا على تنصيب رئيس معارض للوحدة في سوريا. حاول الأمير عبد الله تنفيذ مشروع سوريا الكبرى، لكنه قوبل بالرفض كونه يُعتبر مشروعًا استعماريًا صهيونيًا. تلاعبت بريطانيا بدعمها أو معارضتها لمشروع سوريا الكبرى حسب مصالحها ومصالح الصهاينة. كما سعت لإفشال مشروع الوحدة بين سوريا والعراق، عبر إبراز الفوارق بينهما، وحاولت خلق محور أردني-عراقي-تركي للضغط على سوريا وتقسيم العالم العربي لمحاور متنازعة، إلا أن هذه المخططات فشلت.

تركّت بريطانيا وفرنسا بؤر توتر في المنطقة العربية،تعمل على تغذيتها، من أجل التدخل في المنطقة وقتما تشاء،و حتى تضمن تشتت العرب وعدم إلتحامهم وحدتهم، ففرنسا مثلاً قامت بإعطاء القضية الأربعة السورية إلى لبنان كنوع من التفرقة، وكما فصلت لبنان عن سوريا، ومنحتّهم الإستقلال على أنهما دولتين منفصلتين.

تخافت الدول الغربية من المشاريع الوحدوية التي كانت تنادي بها الشعوب العربية،ولذلك خلقت مشروعاً وحدوياً ألا وهو جامعة الدول العربية، و قد عملت هذه الدول جاهدة للوقوف في وجه أية محاولة وحدوية تضعف دور هذه الجامعة،التي كان الهدف الأساسي من تأسيسها هو تهدئة الخواطر العربية،و أسلوباً خادعاً ليثبت التجزئة خلف شعار التضامن من العرب،كما كانت بريطانيا دائماً توجه جامعة الدول العربية لخدمة مصالحها أو إقصاء الزعامة المصرية التي تنامت.

و الجدير بالذكر أن بريطانيا قد وضعت ميثاق جامعة الدول العربية،على أساس إعتراف كل دولة باـستقلال الأخرى،ضمن حدودها الراهنة،حتى لا تقام أي وحدة بين هذه الدول، و بالفعل إستندت الحكومة اللبنانية على بند إحترام إستقلال الدول بحدودها،حتى لا تواقف على مشروع سورية الكبرى.

بعد الحرب العالميه الثانية ظهرت القومية العربية بمفهومها الجديد،فشكلت قوة أساسية وفاعلة ومؤثرة في الحياة السياسية،و لهذا عملت كل من بريطانيا و فرنسا حتى الو.م.أ على عرقلة كل مشروع وحدوي عربي،و ذلك بدفع هذه الدول إلى الإستقلال القطري معزولة عن الأقطار الأخرى،و يتجلى ذلك في منع بريطانيا لكل من مصر و السودان الإستقلال،و خلق بؤرة توتر بين البلدين،و المتمثلة في مثلث حلايب،لضمان عدم قيام وحدة وادي النيل بينهما، ما يزال هذا الصراع قائماً إلى غاية اليوم.

ولم يكن مثلث حلايب بؤرة التوتر الوحيدة في الوطن العربي الذي خلقها الإستعمار،ففي المغرب مثلاً،و بعد تعديل الدستور الذي أقر بأن نظام الحكم الملكي دستوري،سارع إلى إقتسآم الصحراء الغربية مع موريتانيا،الأمر الذي خلق صراع بين سكان الصحراء،و المغرب متمسكاً بموقفه فأصبحت هذه القضية نقطة خلاف بينه و بين الجزائر(التي تساند إستقلال الصحراء الغربية).

في جيبوتي و بعد مقاومة عنيفة للاستعمار الفرنسي،منحتهم الإستقلال عام 1977،شرط أن لا تتحد جيبوني مع الصومال،الذي دعم المقاومة و أذرعها، و نفس الشيء قامت به بريطانيا، التي اشترطت على الكويت أن لا تتحد مع العراق بعد أن تمنحها الإستقلال.

سعت فرنسا جاهدة -بعد خروجها من المغرب العربي-إلى تغذية الخلافات بين الجزائر من جهة و جاراتها المغرب الأقصى و تونس على الحدود،و شجعتها على مطالبة الجزائر بمناطق حدودية لتوسيع رقعتها الجغر افية،بضم المدن الجزائرية الحدودية التي تحتوي على البترول،نتج عن هذه النزاعات،أهمها حرب الرمال التي كانت بين الجزائر و المغرب الأقصى.

و خطوة أولى لضرب الوحدة العربية عملت فرنسا خاصة، قبيل خروجها من سوريا على تنصيب رئيساً لها،يكون من أشد المعارضين للوحدة، و بالفعل نجد شكري القوتل في رناسيات الحكم في سوريا،و كان من أشد المعارضين لوحدة سوريا و العراق(مشروع الهاشميين بصفة عامة).
حاول الأمير عبد الله إعادة بعث مشروع سوريا الكبرى، وتنفيذه على أمر الواقع بشتى الطرق، ولكن مشروعه قوبل بالرفض، لأن المعارضة السورية واللبنانية اعتبرته مشروع استعماري، وأنه وبمجرد ما تقبله سوف تبقى تابعة لبريطانيا، بل ورفضه أيضا العراقيون وحتى سكان شرق الأردن، الذين قاموا بمظاهرات لأن هذا المشروع قد أعطى الحق للصهاينة في تأسيس كيانهم في فلسطين.

كانت بريطانيا تتلاعب فيما يخص الوحدة العربية، فمرة تساند مشروع سوريا الكبرى، ومرة تخالفه، وهذا وفقا لمصالحها ومصالح الصهاينة. مشروع سوريا الكبرى يعتبر مشروعا صهيونيا، فهذا المشروع كان بدعم بريطاني صهيوني. بعد وفاة الملك عبد الله الهاشمي، أثيرت مسألة التوحيد العراق والأردن على أن ينظم إليهما سوريا لاحقا، ولكن البريطانيين كانوا يعارضون هذا الاتحاد، ولكنهم لا يصرحون بذلك علنا، إذ كانوا في كل مرة يضعون العوائق العربية سببا لرفضهم لمشروع الوحدة، وبعد سنة 1952 أصبحت سياسة بريطانية مجردة كل التجرد من أي مشروع وحدوي.

عرضت الدول الكبرى مشروع وحدوي بين سوريا والعراق، وعملت كل ما في وسعها لإفشاله، فالأوساط البريطانية أخذت تروج أن هناك فوارق بين الأوضاع في سوريا والعراق، لا بل قالت بوجود فوارق بين الشعب الواحد بين البلدين، العراقيون يتمصفون بالجفاف والخشونة والتعنت، ولكنهم أكثر نشاطا وحزما من السوريين الذين هم أكثر ثقافة ودماثة.

وكمحاولة من بريطانيا للسيطرة على سوريا والعراق، عملت على خلق محور جديد في المنطقة يضم الأردن والعراق وتركيا، وجعل أراضي هذه الدول الثلاث منطقة نفوذ عسكري وسياسي، وكان هدفها من خلق هذا المحور الضغط على سوريا، وإظهار الجامعة الدول العربية بمظهر الأماني القومية للشعب العربي في كل أقطاره، وشق المجموعة العربية إلى محاور متنازعة، وقد قامت بإجراءات عملية لتحقيق أهدافها، تمثلت في حملة شديدة شنتها الصحف التركية على سوريا، والإيحاء بوجود حشود أردنية على حدود سوريا، إلا أن هذه المخططات باءت بالفشل بسبب عدم استطاعة الحكومة العراقية خلق رأي عام عراقي يقبل بمعاهدة جديدة مع بريطانيا، وقبل كذلك بالضغوط الموجهة ضد سوريا.