Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (45%)

(Using the AI)

للدفاع عن الديمقراطية، يجب إعادة تركيز الحياة الاجتماعية والثقافية على المظالم الشخصية، ليجد الأفراد دورهم الإنتاجي بدلًا من مجرد الاستهلاك. الأخلاق هنا ضرورية كأداة للدفاع عن هذه المظالم، بعكس الكنائس التي غالبًا ما تدعم قوى تهدد حرية المظالم الشخصية. الأخلاق تستدعي الجدل، لأنها لا تُغيّر المجتمع من أساسها، بل تساهم في إعادة بناء المجال العام بين العالم التجاري والموروث الثقافي. كفاح الفرد ضد السلطة الطائفية ومنطق المناهج التجارية يجعل من موضوع الحرية والديمقراطية أمرًا لا ينفصلان. الحرية الإيجابية ليست نتيجة للتعبئة السياسية فقط، ولا نستطيع الاعتماد على تحول مجتمعي شامل، لأنه قد يؤدي إلى سلطة استبدادية. لكن الحرية لا يمكن أن تكون سلبية فقط، ويجب على الأفراد، من خلال المشاركة في قرارات ديمقراطية، أن يدمجوا موروثهم مع بيئتهم، لتحقيق تطلعاتهم الخاصة مع معنى شمولي. الديمقراطية ليست غاية بحد ذاتها، بل شرط لإنشاء عالم من فاعلين مختلفين، يصوغون معاً حديث الإنسانية. الديمقراطية التي لا تخدم الأفراد تنحدر إلى آليات مؤسساتية تُستخدم من قبل الأقوياء. هذا يتعارض مع أفكار مثل راولز الذي يرى أن مصلحة كل فرد مضمونة من خلال مجتمع منصف، حيث تتكامل حرية الفرد ومساواة الجميع. لكن هذا التصور القانوني يستبعد العلاقات الاجتماعية، في حين أن "المظالم" وعلاقتها بالسيطرة الاجتماعية أهم. الديمقراطية تعارض الاستغلال، وتستخدم سلطة التحرير الجماعي والشخصي، مختلفة عن السعي وراء المصلحة الشخصية فقط. النموذج البريطاني مثلاً، كان قادراً على تحقيق التوازن بين العدالة والمساواة. أما النموذج التحرري، فقد يقع في أخطاء النموذج التكنولوجي، مالم يسعى لإصلاحات قانونية، كما فعلت الحركة العمالية الأوروبية. الفعل الديمقراطي هو إشراك المؤسسات في حركات التحرير. القانون لا يقيم الديمقراطية، بل الديمقراطية هي التي تقيم دولة القانون. تهديد آخر للديمقراطية هو المجتمع الجماهيري الذي يرى في النظام السياسي بيروقراطية، ويريد الحد من دور الدولة لخدمة الأسواق. تلك الليبرالية الضيقة قد تعتبر نفسها ديمقراطية، لكنها تُهدد الديمقراطية بالتسامح المفرط. المجتمع الجماهيري قد يؤدي إلى تشظي المجتمع إلى طوائف، وهذا يتطلب إعادة اكتشاف علاقات اجتماعية خلف الاستهلاك. وسائل الإعلام غالباً ما تكون غامضة، بينما يجب أن تكون علاقة بين البشر وقيمهم. يجب تجاوز التعارض بين ثقافة عالية وشعبية، ليصبح التركيز على منطق الاستهلاك ومنطق إنتاج المواقف. هناك تعارض بين منطق الاستهلاك ومنطق الإنتاج، لكن هناك أيضًا تكامل. الدولة هنا تلعب دورًا في حماية المشاهدين من السلطة المكثفة. لا ديمقراطية دون كفاح ضد سلطة ما، ومجتمع الاستهلاك، رغم جوانبه الإيجابية، يُهمل الجوانب الاجتماعية والسياسية. الديمقراطية ليست معارضة للمجتمع الجماهيري، بل هي جهد للارتقاء من الاستهلاك الفردي إلى اختيارات اجتماعية، لتحويل المستهلك إلى مواطن فاعل.


Original text

الديمقراطية والعدالة:


علينا من أجل الدفاع عن الديمقراطية، أن نعيد تركيز حياتنا الاجتماعية والثقافية حول المظالم الشخصية، فنعثر مرة أخرى على دورنا الخلاق والمنتج، لا نستهلك إلا. ومن هنا تأتي الأهمية المتزايدة للأخلاق، كصيغة معلمة للدعوة للمظالم، في حين أن الكنائس، وهي مدافعة عن التقاليد الدينية، تقف بشكل عام في صف القوى التي تشن المعركة، ومن شأن هذه المعركة أن تدمر حرية المظالم الشخصية، أيا كان المنتصر فيها. فالأخلاق، في الواقع الأمر، تستدعي الجدل، لأنه إلى أن مبدأ مرجعيتها في تعريف الخير ليس مبدأ تغيير المجتمع. فتساهم في هذا الأساس في إعادة بناء المجال العام بين العالم التقني أو التجاري وبين الموروث الثقافي، وعندما يتحكم في حياة المظالم، كفاحه المزدوج، ضد الأجهزة سلطة طائفية وضد منطق المناهج التقنية والتجارية، يغدو موضوع المأمور وموضوع الديمقراطية غير قابلين للانفصال.
ليست الحرية الايجابية نتيجة للتعبئة السياسية واستلام الحكم. فلم يعد بوسعنا أن نعقد آمالنا على تحويل اجمالي للمجتمع، لأننا نعرف حق المعرفة أنه سيفتح الباب أمام سلطة مطلقة بل استبدادية من شأنها ابتلاع المجتمع . لكن لا يسع الحرية أن تكون سلبية فقط ؛ وهي لا تملك القوة لأن تدافع عن نفسها بنفسها علماً أنه ما من شيء ممكن من دونها . وينبغي أن يبادر إلى تحريكها أفراد يصنعون، عن طريق مجادلات و اتخاذ قرارات ديمقراطية، مجالاً يستطيع فيه، كل فرد أو كل مجموعة، أن يمزج موروثه الداخلي مع بيئته التقنية ليجعل من ذلك تطلعاً خصوصياً ومحملاً بمعنى شمولي في آن معاً. وليست الديمقراطية هدفاً قائماً بذاته . إنها الشرط القانوني الضروري لانشاء العالم على يد فاعلين خصوصيين، مختلفين بعضهم عن البعض الآخر، غير أنهم يصيغون معاً حديث الإنسانية الذي لم يكتمل قط ولم يتوحد البتة . أما والديمقراطية لاتعي دورها في خدمة الرعايا الشخصيين فإنها تنحدر إلى درك آليات مؤسساتية يسهل وضعها في خدمة من هم أشد قدرة وخدمة الأجهزة والمجموعات التي قامت بتكديس موارد كثيرة لتفرض سلطتها على مجتمع لا يرفع أي عائق في وجه غزوها.
ونحن بوضعنا الديمقراطية على ذلك النحو، في خدمة المأمور الشخصي نسير قدماً في اتجاه يبعدنا عن قسم كبير من الأفكار حيال الديمقراطية. فلقد سعى جون راولز، على سبيل المثال، لأن يبرهن على أن مصلحة كل واحد إنما تكون مضمونة على أفضل وجه عن طريق تنظيم المجتمع تنظيماً منصفاً وعادلاً . أما عن المبدأين اللذين أعتمدهما في تعريف العدالة والحرية والمساواة، فليسا متساوقين حقاً إلا لأن تغاير المجتمع وتلاحمه متكاملان، وإنهما كذلك لأن المجتمع منهج المبادلات لن تكون ممكنة إذا لم يعرف كل عنصر من عناصر المنهج نفسه عن طريق مهمة اجتماعية وأهداف خصوصية في الوقت نفسه، وما لم يقم الفاعلون باستبطان القيم ومعاييرها، وقيامهم في الوقت نفسه بمتابعة مصالحهم متابعة عقلية. وإذا كان المجتمع غير مصمم تصميمًا طائفيًا متمايزًا، يجعل عناصرها متماسكة معاً بتضامن عضوي، فإن حرية كل واحد ومساواة الجميع، أو ممارسات من الفوارق على الأقل، سوف تتصارع على الأرجح أكثر مما ستتكامل. إن ذلك التصور الذي يوحي بأنه إيحاء طبيعي بالصيغ القانونية، وبما يسعى إلى أن ندعوه على نحو واسع بالتصور القانوني للحياة الاجتماعية، يستمد قوته من إقامة صلة مباشرة بين البحث العقلاني للمصلحة الشخصية وبين التكامل الاجتماعي، مع استبعاده للعلاقات الاجتماعية، وذلك ما يقوم به جون راولز بتألق منذ بداية مسعاه. أفراد ومجتمع ومبادلات، تلك هي العناصر التي تتكون منها الحياة الاجتماعية، التي ينبغي أن تكون علاقاتها وصراعاتها واتفاقياتها الاجتماعية مستبعدة بواسطة الفكر.
وإني لأمنح، بخلاف ذلك، نوع من الامتياز للمصطلحين اللذين يضعهما هذا التصور الليبرالي والنفعي جانباً، وهما المظالم وعلاقاتها بالسيطرة الاجتماعية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالآخر على قدر ارتباط الفرد والمنهج في تصور الآخر. وبما أن المجتمع واقع تحت سيطرة السلطات فإن الديمقراطي يرتكز قبل كل شيء على أن يعارض الاستغلال وقواعده القانونية، ويستخدم استخداماً واسعاً للحماية سلطة المسيطرين، بسلطة تحرير جماعية وشخصية، ويختلف اختلافاً بينه وبين السعي العقلي وراء المصلحة، فتدافع عن النظام وتنخفض الضمانات القانونية للسيطرة وتستعين أيضاً بقيم ثقافية شاملة ضد سلطة تتهمها بالعمل في خدمة المصالح الخصوصية ليس تعارض الأفكار التصورية تعارضاً تاماً وهو لا يستبعد تكاملياً. فقد كان نموذج الديمقراطية البريطاني تاريخياً مكاناً مركزياً، لأنه بدا قادراً ضمن الجدل بين الانصاف والمساواة، على الاستقلال للمطالبين: أنه يكون قانونياً واجتماعياً في ذلك معاً. ويوشك النموذج التحريري، بشكل خاص، أن يقع في أغلاط النموذج التكنولوجي للديمقراطية، ما لم يسعى إلى تحقيق إصلاحات قانونية، وهذا ما نجحت الحركة العمالية الأوروبية بموجبه عن طريق إنشاء دولة رفاه في السويد وبريطانيا العظمى وفرنسا، وفي جميع البلدان الأوروبية تقريباً، وكذلك في البلدان المتقدمة والنامية مثل: كندا واستراليا ونيوزيلاندا. ونرى، بموازاة ذلك، أن سياسة تقصر العدالة على الإنصاف لهي سياسة مهددة بالمحافظة، وبالقبول السلبي لعلاقات السلطة، مالم تتول بث النشاط فيه روح التحرير، أي تلك التي أوجدت في الولايات المتحدة الصفقة الجديدة عن طريق العمل النقابي ليجيل تال باحياء الكفاح من أجل الحقوق المدنية.
إن الفعل الديمقراطي هو إشراك المؤسسات في حركات التحرير الاجتماعي والثقافي والقومي. وكما أن جون راولز يلجأ إلى مبدأ الحرية على أولية، ويسعى إلى المساواة في الفرص والسعي إلى تخفيض الفوارق الأكثر شدة، كذلك فإن الفعل الديمقراطي، المتحرك بموجب الدفاع عن المظالم والكفاح ضد أشكال السيطرة، ينبغي أن يتولى مهنيًا البحث عن التكامل الاجتماعي وتنسيق المصالح الشخصية. وليس القانون هو الذي يقيم الديمقراطية، بل هي الديمقراطية التي تتحول إلى دولة القانون، والتي يمكن أن تكون ملكية مطلقة، إلى مجال عام حر، وديمقراطي، قبل أن تكون مجموعة من الإجراءات هي نقد للسلطات القائمة وأمل تحرير شخصي وجماعي.
المجتمع الجماهيري:
إذا كانت الديمقراطية مهددة على نحو مباشر جداً، فمصدر التهديد هو الأنظمة المتسلطة والاستبدادية، لكن ينبغي الاعتراف بوجود تهدید آخر . وليس مصدر هذا الأخير سلطة قوية جداً، تخضع المجتمع لرحمتها، بل المجتمع نفسه الذي لم يعد يرى في النظام السياسي سوى بيروقراطية تعسفية أو فساداً، فيتمنى أن يجعله مقتصراً على دور حارس ليلي، أو دولة أدنى، حتى لا يصار إلى عرقلة نشاط الأسواق وانتشار سلع الاستهلاك وكافة أشكال التواصل الجماهيري. ويمكن لتلك الليبرالية الضيقة أن تعتبر نفسها ديمقراطية، ذلك أنها تحترم الحريات وتستجيب المطالب الأغلبية. وينزع التسوق في البلدان الغنية لأن يحل محل التصويت، أما في البلدان الفقيرة فيعترفون بأولية الخروج من الفقر ، أما الخطابات على الحريات العامة فتقابل بالنقد على اعتبارها خاصة بالنخبة ومن وحي الأجنبي المسيطر. وفي كل مكان، تحقق الفكرة القائلة إن الدفاع عن الحرية يقوم على إنقاص تدخل الدولة، تقدماً ملحوظاً وبأشكال شتى. وإذا كانت الديمقراطية التمست الفصل بين الكنيسة والدولة وإذا كانت مهددة أكثر من قبل أنظمة ترفض هذه العلمنة، ألا ينبغي السير بهذا المبدأ حتى نتائجه القصوى، ألا وهي أكبر اختفاء ممكن للمعايير الاجتماعية والتسامح الخالص ؟ تكمن قوة هذه البرهنة في أنها تستطيع بحق أن تعلن أن السوق أكثر تسامحاً من الادارة بل حتى من القانون، وإن على هذا الأخير أن يتكيف بمرونة كبرى، أي بأقل قدر ممكن من المبادىء، مع المطالب. صحيح أن هذا التصور ذو جاذبية، لأن مجتمع الاستهلاك هذا أكثر تنوعاً وأقل انضباطاً من أي مجتمع آخر وهو بشكل خاص أكثر تسامحاً. وهو يقمع على نحو متناقص حالات العلاقات الجنسية التي تعتبر منحرفة، لأنها تقوم بإفراغ فكرة الانحراف نفسها من معناها وتستبدل بالمعيار الاجتماعي المصداقية الشخصية، ولقد ارتفع شعار شهير في أيار ١٩٦٨ يقول : المنع ممنوع . فليس مجتمعاً ثورياً ذاك الذي يحترم على نحو أفضل روح التسامح هذه بل هو اقتصاد السوق.
لكن هل ينبغي الاكتفاء بهذا الاطراء للمجتمع الجماهيري وتفويض الأمر للعلاقة بين الجهد والطلب في سبيل تأمين أكبر حرية ممكنة؟ أليس الفراغ السياسي والايديولوجي مصدر نفع للاستهلاك الأكثر فورية والأكثر خلواً من كل تفكير ؟ وهل نسمي حرية نسيان كل ما لا يحمل التلبية المباشرة الحاجة من الحاجات؟ إنه لمن قبيل الوهم، الاعتقاد من ناحية أخرى، بأن المجتمع الجماهيري يولد مجتمع مستهلكين متفردين. هذا وقد بين ميشيل ما فزولي بشكل خاص ، أنه حيثما يكون خوف من مجتمع مدمر وفوضوي، يدفع بالفردانية إلى حد العزلة وغياب كل رقابة اجتماعية، نشهد ظهور عشائر». فالمجتمع يتشظى، والفاعلون الذين كفوا عن التعريف بأنفسهم عبر أهداف اقتصادية وعلاقات اجتماعية، يتعرفون عليها عبر موروثهم الثقافي . فالطوائف تتشكل على انقاض المجتمع لاسيما السياسي.
لا يمكن لدفاع عن الديمقراطية أن يرتكز على رفض المجتمع الجماهيري . فالكلمات نفسها تتعارض مع تلك المعارضة المصطنعة : هل يسعنا أن نتصور ديمقراطية أوليغارشية؟ وتغدو الديمقراطية بالمقابل عرضة للتهديد، إذا تجزأ ذلك المجمتع الجماهيري إلى مجموعة من الطوائف المنغلقة في دفاعها عن كيانها ، فتحولت إلى شيع ترفض أن تطيق كل معيار اجتماعي يتداخل مع تصورها للحياة الفضلي. ولكن كيف لنا أن نحول دون ذلك التشظي للمجتمع أو نحد منه دون أن نفرض معايير مدنية أو جمهورية، وهي أشكال ذات مسحة علمانية فقط من أخلاق دينية، يرفضها عدد متزايد من الأفراد باسم حرية العيش والتفكير وتنظيم أنفسهم على النحو الذي يريدونه؟ ليس لهذا الاستفسار سوى جواب واحداً : ينبغي أن تكتشف من جديد علاقات اجتماعية خلف الاستهلاك، وبالتالي علاقات سلطة.
غالباً ما كانت المناقشات عبر وسائل الاعلام، والتلفزيون منها تحديداً، تتسم بالغموض بسبب المقاومة التي يبديها حيالها تصور للثقافة رفيع الشأن وبالتالي انتقائي. حتى تغدو الثقافة علاقة لبني البشر، مع القيم الأكثر سمواً من تجربتهم، قيم الجمال والحق والخير، المجتمعة أحياناً في صورة ممجدة لتلك القيم. كان على التلفزيون، مثله في ذلك مثل المدرسة، أن يكون دوره تربوياً، مثل الدور الذي استعدت لأن تؤديه في فرنسا ، دور الثقافة التي أقامها اندريه مالرو، والتي كان من شأن السكان أن يقصدوها ليطلعوا فيها على أعظم نتاجات الثقافة العالمية. وهو تصور منفتح ومعطاء، ورؤية (التثقيف على أنه خطوة نحو العالمية . وهو يوكل للمثقفين دور الوسطاء . وغالباً ما تضاعف ذلك التصور بالفكرة التي ترى أن لوسائل الاعلام دوراً في نقل التراث القومي، وبالتالي في تشريك السياسة، بالمعنى الأسمى للمصطلح . ثم جوبهت تلك المهمات النبيلة بالاصرار على دور الوسيط أكثر من الرسالة، وعلى غزو السوق أكثر من نوعية البرامج . بل قام أحياناً بعض الناقدين المتشددين فتشكوا من التلاعب بالأفكار ومن وجود دعاية ماكرة حتى في نشرات المنوعات. وعلى هذا الأساس أمكن لنا أن نقرأ كتاباً مدهشاً يتهم دونالد ديوك بأنه عميل للامبريالية الاميركية، وهي تهمة يمكن أن تطال حكايات لافونتين الخرافية أو فلوريان بصفتها مطايا للامبريالية الفرنسية أو حكايات غريم التي تروج للجامعة الجرمانية!
ينبغي بادىء ذي بدء الخروج من هذه المجادلات التي فقدت كل معنى لها في عالم حديث بات يعرف بفعله لا بتلاؤمه مع نماذج سامية . وإذا كانت وسائل الاعلام هذه لا تقوم سوى بالاستجابة للطلب، فليس ذلك من أجل ت تبني فكرة مغايرة، وهي فكرة خالية من المعنى، مادام التفكير يبدأ مع الأسئلة التي تدور حول هذا الطلب وتشكيله وحتى تعريفه، مادمنا بصورة عامة نطلق هذا على الرد الايجابي أو السلبي على عرض ما ، وما دام المشاهد يختار بين ما يعرض عليه من برامج، في مجتمع يتمتع هو نفسه بتنظيم ما وينتج صورة ما عن نفسه.
ينبغي استبدال التعارض بين ثقافة عالية وثقافة شعبية بتلك التي تجابه منطقين للفعل. المنطق الأول يتعلق بالاستهلاك، ويمنح الأفضلية للموضوع، المادي أو الثقافي، الذي يأتي بالإجابة المباشرة أكثر على مطلب أو رد مقررين سلفاً، مثل الصورة التي تثير انفعالاً، لأنها تجلب رؤيا واضحة وبينة عن الخير أو غالباً عن الشر. وهي تخلف أثراً مثل المشاهد التي تمثل الجحيم على جبهات الكاتدرائيات . أما الآخر فهو منطق انتاج المواقف : إنه يحث على المحاكمة والاعلام وتغيير رأي أو موقف مسبقين أو تدعيمهما . لقد أظهرت الدراسات حول التلفزيون أن الجمهور ليس كتلة جماهيرية تستقبل برنامجاً بل مجموعة من الأفراد أو الفئات التي تستخدم الصور والنصوص لانشاء عروض ومواقف تتدرج من الاستهلاك المحض إلى الرد الايجابي أو المساهمة النقدية. وكما أن العرض والطلب، في ميدان التجارة لا يتساوقان، لأن البائع يبغي أن يحقق ربحاً، فيما يريد الشاري غالباً أن يقتني رمزاً أكثر منه سلعة، كذلك نجد في عالم الاتصال الجماهيري منطقين قد لا يكون بينهما أية نقطة مشتركة. إن المسؤولين عن الأقنية والبرامج، يفكرون . غالباً بمصطلحات مالية حين يكونون في حالة تبعية للاعلان، في حين أن استجابة المشاهدين كجمهور تكون أدنى منها بكثير تبعاً لاهتماماتهم الشخصية . أما المثال الأكثر بساطة على ذلك فهو الأخبار، وهي وظيفة التلفزيون الرئيسة في الوقت الراهن، والتي تسمحللأقنية بفرض تعرفات عالية جداً على المعلنين . فليس من يتخيل أن أخباراً موجهة نحو الاعلان نفسه يمكن أن تحقق انتشاراً أفضل. وعلى الاخبار المتلفزة أن تتضمن ، بخلاف ذلك ، قدراً ضئيلاً من الاحكام، عدا الأخلاقية منها، على نحو يجعلها مقبولة من كافة قطاعات السكان. فهناك الكثير من التعارض بين منطق الاستهلاك ومنطق الانتاج، وبين سلوكيات المشاهدين وستراتيجيات تشكيل الرأي العام، لكن هنالك أيضاً تكامل بين وظيفة المقاول الرأسمالي ووظيفة المأجور في المجتمع الصناعي. ويأتي دور الدولة أو الهيئات المستقلة، على صورة ما كان عليه الحق الاجتماعي، من حماية المطالب التقديرية لمشاهدي التلفزيون من السلطة المكثفة لموزعي المنتجات المعدة للاستهلاك.


وليس من ديمقراطية دون كفاح ضد سلطة ما. وإذا نظر إلى ما هو مدان ضمن فكرة مجتمع الجماهير، ما كانت إشاعة الاستهلاك، التي لها جوانب ايجابية أكثر منها سلبية . إنما هي الأولية التي تميل إلى منحها للأشياء على العلاقات الاجتماعية. فالحياة العامة موضع اجتياح من الاعلان الذي يلائم انتشار السلع كل الملاءمة غير أنه يلقي بالخيارات السياسية في الظل. فيجري كل شيء كأن مجتمعا حين يعي نفسه بنفسه مجتمع استهلاك، يكرس الاهتمام الأكبر والأكثر استمراراً للنشاطات الأقل أهمية، بما فيها الصعيد الاقتصادي . فيدور الحديث في التلفزيون كثيراً على المنظفات والمعجنات الغذائية بمواظبة أكبر منها على المدارس والمشافي والأشخاص المعوزين، ومن شأن ذلك أن يعود بالمجادلات السياسية القهقرى . ان نمو السوق ذو نتائج إيجابية جداً، لأنه يسمح بتلبية الطلبات المتنوعة والمتغيرة، كما أنه يحد في الوقت نفسه من سلطة دولة سعت لأن تراقب الحياة الاجتماعية بمجموعها. غير أن مجتمع الاستهلاك ليس سوى تمثيل للحياة الاجتماعية، وبنيان خاص منها، فهو يولي الأولية لانتاج السلع التجارية واستهلاكها، على حساب أشكال التنظيم الاجتماعي والسياسات والاستثمارات والتي تستخدم عبرها المصادر الاجتماعية الرئيسة. غير أن هذه الأخيرة هي التي تستجيب لأكثر المطالب أهمية وتعتمد أهم المبادىء مثل المساواة حيال التعليم والرعاية الطبية، والتضامن حيال أشد المعوزين، واحترام الشخصية الإنسانية واستقبال المهجرين، الخ.
فيقودنا ذلك إلى أن نعرف الديمقراطية لا بالتعارض مع المجتمع الجماهيري، وإنما كجهد للارتقاء من الاستهلاك الفردي للسلع التجارية إلى اختيارات اجتماعية تتهم علاقات السلطة ومبادىء أخلاقية. وكلما ازداد ذلك الارتقاء، تجلت أكثر من فوق الفرد المستهلك، صورة المواطن أولاً، أي العضو في مجتمع سياسي، والذي يجري المشاورات بشأن استخدام موارده وبشأن مبادىء فعله، وصورة المأمور من بعد، أي قدرة الفرد ومشيئته في أن يكون فاعلاً، فيراقب بيئته ويوسع منطقة حريته
ومسؤوليته . فليس المجتمع الجماهيري معادياً للديمقراطية بنفسه، بل يهدم بخلاف ذلك، تلك العوائق الثقافية والاجتماعية التي هي عوائق في وجه الديمقراطية كذلك ؛ غير أنه ليس سوى المستوى الأدنى من حسن سير مجتمع حديث، وإذا ظل هذا المجتمع عند ذلك المستوى، فهو ينتقص من قدرته الخاصة على الاختيار والمجادلة والتطور، فيدير ظهره بالتالي للديمقراطية، التي لا يسعها أن تكون مقصورة على التسامح المحض، كما سبق وأكد هربرت ماركوز.
فعلى أي نحو يجري ذلك الارتقاء ؟


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Imagine walking...

Imagine walking into a busy mall and seeing a welcoming booth labeled "Free Health Screening." That'...

With the increa...

With the increased use of resources, this has led to great destruction in the Middle East, such as c...

4- النطاق العاب...

4- النطاق العابر للجدود الوطنية : ساعد التطور التقني في وسائل الإتصالات والنقل المختلفة في توسيع نش...

السبيل لدعم الت...

السبيل لدعم التنمية في أغلب دول العالم، نظرا لأهميتها الإستثمارية والتنموية الناتجة عن تكلفة إنتاجها...

لخص النص التالي...

لخص النص التالي: كتاب الإقرار وهو الاعتراف بالحق؛ مأخوذ من المقر وهو المكان، كأن المقر جعل الحق في ...

1. مفهوم التربي...

1. مفهوم التربية البدنية والرياضية: لقد تعددت مفاهيم التربية البدنية والرياضية عند العلماء ورغم وجود...

Tone refers to ...

Tone refers to the attitude or perspective that the poet adopts toward the subject, audience, or cha...

تزعمت الحركة ال...

تزعمت الحركة الوطنية المقاومة السياسية منذ 1930، واتخذت أشكال عمل مختلفة لمحاربة الاستعمار، أسفر ذلك...

Ecology is the ...

Ecology is the study of organisms, the environment and how they interact with each other and their e...

معرفة فعل الجين...

معرفة فعل الجين ودرجة السيادة بعد امر مهم للعاملين في مجال التربية والتحسين الوراثي لذلك ومن اجل توض...

أاقراُ النُّص ا...

أاقراُ النُّص الأتي مطبقا الإستراتيجيات الخمس لزيادة التركيز والفهم، أحدثت الطفرة الإلكترونية ثورة ت...

مفهوم التحليل ا...

مفهوم التحليل ادلايل:  يشَت التحليل اؼبايل إىل عملية تقييم وتفسَت اؼبعلومات اؼبالية الكتساب نظرة اث...