Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (26%)

وكان من أبرز التطورات الحديثة في ميدان التربية المقارنة زيادة الاهتمام بالإطار النظري للدراسات المقارنة، إذ يرجع التاريخ العلمي للتربية المقارنة إلى الدراسة العلمية التي وضعها (مارك انطون جوليان) الفرنسي عام (1817م) بعنوان: " مخططات ونظرات أولية لدراسة التربية المقارنة"، التربية المقارنة عند المسلمين في الشرق:
إن ظروف نشأة التربية المقارنة في الشرق العربي والإسلامي كانت مختلفة عنها في الغرب، ويرجع ازدهار هذه المرحلة إلى العصر العباسي، فأخذوا يتنقلـون بين البلدان ويسجلون انطباعاتهم عن تلك البلدان التي زاروها، - وفيات الأعيان لابن خلكان. - الرحلة المغربية للعبدلى. - المسالك والممالك لابن حوقل. وكان عرض أولئك العلماء والرحالة لما رأوه في تلك البلدان ليس عرضا سطحيا أو وصفاً عابراً وإنما كان وصفاً دقيقا لكل مناحي الحياة، ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد تعلمه". وبلغ عدد طلابها حوالي ثلاثمائة موزعين على هذه الأروقة"، ومما قاله أيضاً في وصفها: "كـان يُدرَّسُ فيهـا المذاهب الأربعة لكل مذهب إيوان فيه المسجد وموضع التدريب، وهكذا ترتب كل مجلس من هذه المجالس الأربعة وبداخل هذه المدرسة حمام للطلبة ودار للوضوء". وإذا كانت هذه المرحلة تتميز بالوصف فقط، المرحلة الثانية: مرحلة الربط بين نظم التعليم ومجتمعاته:
يعتبر العلامة عبد الرحمن بن خلدون (732 - 808 هـ) (1331-1405م) إضافة إلى كونه مؤسس علم الاجتماع وعالم معدود من علماء التاريخ سابق لجميع العلماء الغربيين بأكثر من خمسة قرون في مجال التربية المقارنة حيث إنه كان أول من ربط بين نظم التعليم والمجتمعات التي توجد فيها تلك النظم، وكان لهذه العلوم بينهم مجال رحب، وهى مكان التعليم الديني بالنسبة للتعليم بصفة عامة، ومحاولة فهم حقيقة الأحداث التاريخية كما هي في زمانها ومكانها، ولا يمكن لهذه العملية أن تقوم إلا بعد الانتهاء تماما من الوظيفة الاستردادية التي تعتبر اللبنة الأساس، وهو ما أصاب مع الأسف كثيرا من أحداث تاريخ أمتنا من الاختلاط وعدم وضوح الرؤية. وتأسيساً على ما سبق يمكن القول أن ابن خلدون في منهجه المتمثل في دراسة الظواهر الاجتماعية من منطلق أنها محكومة في سيرها بقوانين تشبه ما عداها من الظواهر الطبيعية، كان غير مسبوق من كوكبة علماء التربية المقارنة، وبالتالي يجب أن ينصب العمل النهائي للتربية المقارنة على الكشف عن هذه القوانين وتوظيفها بما يفيد إصلاح نظم التعليم في البلاد المختلفة. التربية المقارنة عند علماء الغرب
2- مرحلة وصف نظم التعليم في البلاد الأجنبية. المرحلة الأولى: مرحلة وصف الحياة في البلاد الأجنبية:
كما بينا ذلك في الصفحات السابقة، أما دور الغرب في هذه الفترة فقد كان محدوداً، المرحلة الثانية: مرحلة وصف نظم التعليم في البلاد الأجنبية:
وذلك بقصد إقامة مؤسسات تعليمية مشابهة، وتطبيق ما تعلموه على أيدي (بستالوتزى) في تحسين وتطوير أساليب التعليم في المدارس الألمانية. أحد الأساتذة في الأدب مقالاً عن تنظيم التعليم العام، وقد ظهرت الطبعة الثانية لمقال (باست) في عام (1814م)، ومن الملاحظ أن مارك أنطون جوليان الفرنسي بدأ في نشر مقالاته عن التربية المقارنة في ديسمبر من نفس العام في نفس الصحيفة، ولم يفعل ذلك أيضاً حين أعاد نشر مقالاته في عام 1817م، ففي عام 1817م وضع جوليان أول دراسة علمية منظمة لنظم التعليم تحت اسم (مخططات ونظرات أولية لدراسة التربية المقارنة). ويرى جوليان أن دراسة التربية المقارنة تحتاج لكي ترتقي إلى مستوى العلوم الحديثة أن يتوفر لها عنصران أساسيان هما:
ويطلق على هذه المرحلة مرحلة النقل والاستعارة، وقد تميزت كتاباتها بما يلي:
إذ كان الدارس يهدف إلى استعارة بعض جوانب النظم التعليمية الأجنبية لتعديل النظام التعليمي في بلده أو تحسينه. المرحلة الثالثة: مرحلة التعرف على نظم التعليم في إطار العوامل الثقافية للمجتمع:
حيث اتجهت كثير من الدول إلى إعادة النظر في سياستها التعليمية، وكذلك الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، تفسيرية للعوامل المختلفـة عن طريق تتبعها وملاحظتها بهدف الإفادة منها، التي كانت تركز على القواعد التالية:
3- إضافة العامل الاجتماعي كمؤثر عام، 1. اتخاذهم القوى والعوامل أساساً لتغيير الأنظمة التعليمية، مع افتراض وجود علاقة قوية بين تلك العوامل والقوى ونظم التعليم، بينما أصبحت تلك العوامل نفسها في الوقت الحاضر موضوعاً للبحث. 2. اهتمامهم بتحليل العوامل الخارجية أكثر من اهتمامهـم بمقارنة العوامل الذاتية المتعلقة بالتربية وأنظمتها ومشكلاتها، 3. وبصفة عامة يتضح من كتابات المشتغلين بالتربية المقارنة في النصف الأول من القرن العشرين، أو التجريبي (المرحلة التحليلية):
وحيث التطور التكنولوجي الذي شمل ميادينه، ومن ثم وجد اتجاه يدعو إلى التجديد في المعالجة المقارنة للدراسات التربوية، ويطلق على هذه المرحلة اسم "المرحلة التحليلية" حيث يكون الهدف من العرض التحليلي لنظم التعليم الأجنبية هو المساعدة في تقييم نظمنا التعليمية، وبكثرة الكتابات عن مناهج البحث في العلم الجديد، والإنسانية، ومن ثم ينبغي الانتقال بالتربية المقارنة من مجرد دراسة من الدراسات الإنسانية، ولكن كل مرحلة تستند إلى جانب معين من الاتجاهات العلمية، 3. إنها أصبحت تقوم على التفسير والتحليل العلمي، ويرجع ذلك إلى وجهة نظر كل عالم من علماء التربية المقارنة، بهدف الوصول إلى تطوير النظم القومية للتعليم وتعديلها بما يتمشى مع الظروف المحلية". ويرى أن اختلاف هذه الظروف هي التي تسبب اختلاف نظم التعليم وسياساته، ولا يمكننا أن نجول بين النظم، ثم نتوقع لو غرسناها جميعاً في تربة بلدنا فإننا نحصل على نبات حي، وبدقة علمية هي التي تُهيئنا لأن نصبح أكثر صلاحية لدراسة نظامنا التعليمي وفهمه. تعريف إسحق كاندل الأمريكي 1933م:
ودراسة هذه الفلسفات التربوية وتطبيقاتها السائدة في الدول المختلفة، ويقول كاندل في كتابه (دراسات في التربية المقارنة) إن القيمة الرئيسة للدراسة المقارنة لمشكلات التربية تتمثل في تحليل الأسباب التي أنتجتها، ويرى كاندل أن القيمة الرئيسة للمعالجة المقارنة للمشكلات التعليمية تظهر في:-
‌أ) تحليل العوامل والأسباب التي أوجدت هذه المشكلات. يرى الدكتور عبد الغني عبود في كتابه (الأيديولوجيا والتربية) أن التربية المقارنة تعنى دراسة نظم التعليم وفلسفاته، وأوصافه ومشكلاته في بلد من البلاد أو أكثر مع رد كل ظاهرة من ظواهرها، ومشكلة من مشكلاتها إلى القوى والعوامل الثقافية التي أدت إليها، بحثاً عن تلك (الشخصية القومية) التي تقف وراء النظام التعليمي بما فيه من ظواهر ومشكلات. ومن خلال استعراض التعريفات السابقة نخلص إلى هذا التعريف:
أو تعديل، بما يتمشى مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية". كما يتضح من استعراض التعريفات السابقة أن التربية المقارنة موضوع مستقل بذاته فهي تهتم بالتربية في كل أنحاء العالم أي أنها تُعنى بالتربية من منظور عالمي، وهي تعني أيضاً بالدراسة التحليلية للقوى الثقافية بهدف التوصل إلى فهم معقول لجوانب التشابه والاختلاف بين الأنظمة التعليمية في البلدان المختلفة. انطلاقا من معطيات فلسفية وأيديولوجية معينة في بلد ما، مع الأخذ بالحسبان الخاصية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهذا البلد أو ذاك. وتعتمد عملية البحث على معطيات ومقومات أساسية تنطلق منها، وإذا كانت التربية المقارنة تعني دراسة النظم التعليمية ومشكلاتها في ضوء القوى الثقافية المؤثرة فيها, سواء ما يتصل منها بفلسفة التربية أو بالمناهج وطرق التدريس أو بالإدارة التعليمية أو الإدارة المدرسية أو بإعداد المعلمين أو بنظم التقويم أو بالإشراف. طالما تمّت هذه الدراسة في ضوء الإطار الثقافي المحيط بها والمؤثر فيها. ولذلك لم يكن غريبا أن تلقّب التربية المقارنة بملكة العلوم التربوية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا كان الباحث في التربية المقارنة يتناول كل هذه الميادين بالدراسة والتحليل. أما الباحث في التربية المقارنة فإنه لا يمكن تناول دراسته إلا من خلال الربط بين إطاره البحثي وبين الثقافة السائدة التي يتناولها في دراسته. والمقارنة تتعلق بشكل المعالجة لا بمضمون المقارنة فقط. بمعنى أن هذه المقارنة قد تكون تاريخية عندما تكون بين نظامين تعليمين أو أكثر في عصور مختلفة وفي مجتمعات مختلفة. إذن كل بلاد العالم وكل الثقافات تصلح للبحث والمقارنة,


Original text

أولا: التربية المقارنة:
نشأة التربية المقارنة، وتطورها:
لقد شهد القرن العشرين اهتماماً كبيراً بجميع فروع التربية، والتربية المقارنة كفرع من فروع التربية نالت اهتماماً متميزاً، برز ذلك من خلال الكتابات المتعددة لرجال التربية المقارنة، لإظهار مدى أهمية هذا العلم في تطوير فهم التربية بصورة عامة من ناحية ولأهمية الدور الذي تلعبه في مساعدة المسئولين عن التعليم وواضعي خططه وبرامجه، وفي توجيه الإصلاحات التعليمية المنشـودة، وزيـادة كفـاءة وفعاليــة النظـم التعليمية مـن ناحية أخرى.
وكان من أبرز التطورات الحديثة في ميدان التربية المقارنة زيادة الاهتمام بالإطار النظري للدراسات المقارنة، و تقوم أهمية هذا الإطار على الأصول والنظريات والقوانين التي تستند إليها، وتساعد دارسي التربية المقارنة على تحليل ودراسة الجوانب المختلفة للعملية التربوية.
وتعتبر التربية المقارنة فرع من فروع التربية الحديثة نسبيا، إذا ما قورنت بالفروع الأصلية للتربية كفلسفة التربية وتأريخ التربية، إذ يرجع التاريخ العلمي للتربية المقارنة إلى الدراسة العلمية التي وضعها (مارك انطون جوليان) الفرنسي عام (1817م) بعنوان: " مخططات ونظرات أولية لدراسة التربية المقارنة"، ولذا يعتبر جوليان مؤسس التربية المقارنة الحديثة ويلقب "بأبي التربية المقارنة".
ولا يعنى هذا عدم وجود جهود سابقة في مجال التربية المقارنة قبل هذا التاريخ، وإن كان علماء التربية المقارنة قد اتفقوا على اعتبار الفترة السابقة لجهود مارك أنطون جوليان فترة ما قبل تاريخ التربية المقارنة، ويمكن تحديدها في مسارين هما:
المسار الأول: يتضمن التربية المقارنة عند علماء المسلمين في الشرق.
المسار الثاني: يتضمن التربية المقارنة عند علماء الغرب.
التربية المقارنة عند المسلمين في الشرق:
إن ظروف نشأة التربية المقارنة في الشرق العربي والإسلامي كانت مختلفة عنها في الغرب، فقد مرت التربية المقارنة في العالم الإسلامي بمرحلتين هما:
1- مرحلة وصف نظم الحياة في البلدان.
2- مرحلة الربط بين نظم التعليم في بلدان مختلفة.
وسنتناول كل مرحلة بالشرح والتحليل.
المرحلة الأولى: مرحلة وصف نظم الحياة في البلدان:
تميزت هذه المرحلة بكثرة الرحلات والزيارات، ووصف الأماكن التي زارها الرحالة والباحثون، ويرجع ازدهار هذه المرحلة إلى العصر العباسي، حيث الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي أتاح - بدوره - للمسلمين المضي قدمًا في طريق العلم والحضارة، فأخذوا يتنقلـون بين البلدان ويسجلون انطباعاتهم عن تلك البلدان التي زاروها، وكان لفريضة الحج دور فاعل في التحفيز على التنقل والاختلاط بين الأجناس بعضها ببعض، فقد كان كل حاج سواء من المشرق الإسلامي أو المغرب الإسلامي يمر بكثير من البلاد في أثناء سيره لبلاد الحجاز، وقد كانت هذه البلاد تترك الانطباعات في نفسه.
ألف علماء المسلمين ورحلاتهم الكثير من المؤلفات عن البلدان التي مروا بها، أنظمتها وطرائقها الحياتية، و من هذه المؤلفات :-




  • وفيات الأعيان لابن خلكان.




  • نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للإدريسي.




  • الرحلة المغربية للعبدلى.




  • المسالك والممالك لابن حوقل.




  • مسالك الممالك للاصطخري.




  • رحلة ابن جبير لابن جبير.




  • معجم البلدان لياقوت الحموي.




  • تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لابن بطوطة.




  • الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة في أرض مصر للبغدادي.
    وكان عرض أولئك العلماء والرحالة لما رأوه في تلك البلدان ليس عرضا سطحيا أو وصفاً عابراً وإنما كان وصفاً دقيقا لكل مناحي الحياة، وقد ركز هؤلاء على أمرين مهمين هما:
    المساجد والمدارس، وهما يعتبران من المؤسسات التربوية في تلك البلاد، فقد كانت المساجد في صدر الإسلام تعتبر جامعة تدرس فيها جميع العلوم، ويحضر إليها الطلبة ليتعلموا على أيدي علماء أجلاّء في حلقات للمناقشة، ومع اتساع رقعة العلم كان لابد من تخصيص أمكنة ملائمة يجد فيها المعلمون مجالات أوسع للنقاش والبحث فكانت المدارس.
    والذي يؤكد صدق هذا الحديث ما قاله "ابن جبير" الرحالة المسلم في القرن الثاني عشر الميلادي في وصفه للإسكندرية قال: "إن من مناقبها ومفاخرها المدارس والممارس الموضوعة فيها لأهل الطب والتعبد يفدون من الأقطار النائية، فيلقى كل واحد منهم مسكناً يأوي إليه، ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد تعلمه".
    وكذلك ما ذكره ابن بطوطة في كتابـه "تحفة النظـار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار " حيث يقـول : "إن أهــل الشـرق يتنـافسون في عمارة المساجد والزوايا والمدارس"، وكذلك قوله: "من أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجد الإعانة التامة على ذلك" .
    كما تحدث ابن بطوطة عن مدارس بغداد في القرن الثالث عشر الميلادي (المدرسة النظاميـة والمدرسة المستنصرية)، حيث قال فيها : "كانت من أشهر وأجمل مدارس العالم الهجري، وكانت أشبه بمدينة فيها أربعة أروقة يختص كل منها بمذهب من مذاهب السنّة، وبلغ عدد طلابها حوالي ثلاثمائة موزعين على هذه الأروقة"، ومما قاله أيضاً في وصفها: "كـان يُدرَّسُ فيهـا المذاهب الأربعة لكل مذهب إيوان فيه المسجد وموضع التدريب، وجلـوس المدرس في قبة خشب صغيرة على كرسي عليه البسط، ويقعد المدرس وعليه السكينـة والوقــار لابسًا ثياب السواد معتماً وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كل ما يمليه المدرس، وهكذا ترتب كل مجلس من هذه المجالس الأربعة وبداخل هذه المدرسة حمام للطلبة ودار للوضوء".
    وإذا كانت هذه المرحلة تتميز بالوصف فقط، دون المقارنة إلا أنها تعتبر أساساً للمقارنة، إذ لا يمكن قيام مقارنة إلا بالوصف أولاً.
    المرحلة الثانية: مرحلة الربط بين نظم التعليم ومجتمعاته:
    يعتبر العلامة عبد الرحمن بن خلدون (732 - 808 هـ) (1331-1405م) إضافة إلى كونه مؤسس علم الاجتماع وعالم معدود من علماء التاريخ سابق لجميع العلماء الغربيين بأكثر من خمسة قرون في مجال التربية المقارنة حيث إنه كان أول من ربط بين نظم التعليم والمجتمعات التي توجد فيها تلك النظم، وقد ذكر ذلك في مقدمته.
    في الكتاب الأول من كتابه المشهور (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر) اتبع المنهج المقارن في حديثه عن بلاد العالم المختلفة ونظم التعليم فيها بشكل خاص.
    وكان منهج ابن خلدون تطويراً لمنهج من سبقه مثل ابن بطوطة وابن جبير، حيث إنه امتاز عنهم بسعة أفقه وشمولية منهجه، وموسوعيته.
    ولم يقتصر ابن خلدون على وصف الحالة التعليمية في مختلف الحواضر والأمصار الإسلامية بل تحدث عن أمصار غير إسلامية فيقول: "بلغنا لهذا العهد أن هذه العلوم الفلسفية ببلاد الفرنجة من أرض روما وما إليها من العدوة الشمالية نافقة الأسواق، وأن رسومها هناك متجددة، ومجالس تعليمها متعددة، ودواوينها جامعة متوفرة، وطلبتها متكثرة".
    وفى موضع آخر يصف مقدار تقدم العلوم العقلية أو علوم الفلسفة والحكمة عند الفرس والروم فيقول : "وأمــا الفـرس، فكان شـأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيماً ونطاقها متسعــاً، لما كانت عليه دولهم من الضخامة واتصال الملك ........... وأما الروم فكانت تهتم بالعلوم العقلية أيضاً، وكان لهذه العلوم بينهم مجال رحب، وحملها مشاهير من رجالهم مثل أساطير الحكمة و غيرهم ".
    وقد فسر ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي قضية مهمة شغلت مفكري التربية في عصر النهضة والإصلاح الديني في أوروبا بعد ذلك، وهى مكان التعليم الديني بالنسبة للتعليم بصفة عامة، وبالرغم من أن ابن خلدون معروف بين المؤرخين الغربيين غير المتحيزين على أنه مؤسس علم الاجتماع إلا أن إشارته لنظم التعلم في البلدان الإسلامية في عصره جعلت اسمه يرد ضمن رواد التربية المقارنة في الفترة السابقة للقرن التاسع عشر في أوروبا.
    من خلال ذلك العرض نخلص إلى أن ابن خلدون استطاع أن يجرى مقارنات حية عن تعليم الولدان في كثير من البلدان التي زارها، ويمكن القول أيضاً أن المنهج الذي اتبعه ابن خلدون في مقدمته كلها كان (المنهج المقارن) حيث نراه يعرض القوى الثقافية في خمسة أبواب، ثم يأتي بعد الحديث عن هذه القوى الثقافية بأثرها على التعليم، وهو في حديثه عن القوى الثقافية وحديثه عن التعليم يستشهد بالأمثلة الحية من التاريخ القديم والحديث ومن بلاد العالم المختلفة، التي تتفاوت ظروفها الجغرافية والسياسية والاقتصادية والحضارية، مستخدماً مناهج البحث العلمي الحديث كلها فيما عدا المنهج التجريبي.
    وكان المنهج الذي اتبعه ابن خلدون تطويراً لمناهج السابقين من أمثال "ابن جبير وابن بطوطة" الذين اتبعوا المنهج الوصفي والمنهج الاستردادي غالباً، دون غيرهما من المناهج وهو يمتاز عنهما بسعة أفقه وشمول منهجه".
    والبحث الاستردادي جزء من المنهج التاريخي العام، ويقصد به القيام بوظيفة معرفية أساسية ومهمة لاسترجاع أحداث تاريخية بطريقة علمية للكشف عن دقيقها وجليلها بغية التأكد من صحتها وفهم ملابساتها وفقه دلالاتها.
    واستعمالنا لمصطلح "جزء" في بداية التعريف للتوضيح على أن البحث الاستردادي ليس هو تمام معنى المنهج التاريخي كما هو متعارف عليه عند أهل الاختصاص، والذي يعتمد على الوثائق التاريخية وتحليلها وتركيبها، ولا هو تطبيق النظرية العلمية على أحداث الماضي، ولا هو بمعنى البحث الوثائقي الذي يقوم على دراسة الوثائق والمسجلات والاعتماد عليه في تكوين النتائج التي تؤسس حقائق جديدة أو تقدم تعميمات سليمة عن الأحداث الماضية أو الحاضرة أو عن الدوافع والصفات والأفكار الإنسانية، ولا هو بمعنى المنهج التوثيقي الذي يعد طريقة بحث تهدف إلى تقديم حقائق التراث جمعا أو تحقيقا أو تأريخا.
    ومن هنا فإنه يمكن اعتبار البحث الاستردادي مدخلا إلى المنهج التاريخي. وبهذا فإن مهمته تقتصر على الوصف العلمي الصرف لما جرت عليه عوادي الزمن، ومحاولة فهم حقيقة الأحداث التاريخية كما هي في زمانها ومكانها، سواء تعلق الأمر بالأشخاص أو الأفكار أو الحركات أو المدارس أو غير ذلك.
    أما ما يصاحب هذه العملية العلمية من تحليل وتفسير ونقد وتركيب فهذه وظيفة منهجية لاحقة تحتاج إلى مستوى معرفي آخر قادر على سبر أغوار المادة التاريخية رصدا وتقويمًا وتعليلًا. ولا يمكن لهذه العملية أن تقوم إلا بعد الانتهاء تماما من الوظيفة الاستردادية التي تعتبر اللبنة الأساس، وغير هذا يعد ضربا من التيه المعرفي والدوخان العلمي، وهو ما أصاب مع الأسف كثيرا من أحداث تاريخ أمتنا من الاختلاط وعدم وضوح الرؤية..!
    وتأسيساً على ما سبق يمكن القول أن ابن خلدون في منهجه المتمثل في دراسة الظواهر الاجتماعية من منطلق أنها محكومة في سيرها بقوانين تشبه ما عداها من الظواهر الطبيعية، كان غير مسبوق من كوكبة علماء التربية المقارنة، والذين يرون خضوع الظواهر الاجتماعية بما فيها الظواهر التربوية إلى قوانين موضوعية، وبالتالي يجب أن ينصب العمل النهائي للتربية المقارنة على الكشف عن هذه القوانين وتوظيفها بما يفيد إصلاح نظم التعليم في البلاد المختلفة.


      التربية المقارنة عند علماء الغرب

    لقد مرت التربية المقارنة عند علماء الغرب بعدة مراحل حتى وصلت إلى المرحلة الحالية، ومن أهم هذه المراحل:
    1- مرحلة وصف الحياة في البلاد الأجنبية.
    2- مرحلة وصف نظم التعليم في البلاد الأجنبية.
    3- مرحلة التعرف على نظم التعليم في إطار العوامل الثقافية للمجتمع.
    4- مرحلة التعرف على نظم التعليم في ضوء التفسير العلمي أو التجريبي.
    المرحلة الأولى: مرحلة وصف الحياة في البلاد الأجنبية:
    تتمثل هذه المرحلة بالرحلات والزيارات التي كان يقوم بها الرحالة والزائرون للبلاد المختلفة، وذلك بقصد وصف النظم التربوية والكيفية التي يوجه بها الكبارُ الصغارَ في المؤسسات التربوية الموجودة في المجتمعات، وغير ذلك من الأمور التي لها ارتباط بنظام التربية، وهذا الوصف يمكن أن ينقل إلى مجتمع آخر بالمشافهة، أو عن طريق كتابتها وتسجيلها.
    ولعل من أقدم أنواع هذه الكتابات: ما كتبه الرحالة الإغريقي بيثياس، الذي كان يستوطن مرسيليا في فرنسا، والذي كان أول من اكتشف الجزر البريطانية. وقد سجل رحلته واكتشافه في كتابه "في المحيط".
    ومن أشهر تلك الكتابات القديمة أيضاً "رحلة ماركوبولو"، والتي سجل فيها (ماركوبولو) رحلته التي قام بها في فينيسيا بـإيطاليا، وزار فيها الشرق الأقصى، ثم سجل رحلته هذه في كتاب يحمل اسمها.
    في العصور الوسطى كان للمسلمين السبق في وصف الحياة في البلاد، كما بينا ذلك في الصفحات السابقة، أما دور الغرب في هذه الفترة فقد كان محدوداً، نظراً لانعدام الاستقرار السياسي، والاجتماعي الذي عانت منه أوروبا حوالي قرنين من الزمان.




المرحلة الثانية: مرحلة وصف نظم التعليم في البلاد الأجنبية:
وقد تضمنت الفترة ما بين نهايات القرن الثامن عشر حتى نهاية القرن التاسع عشر، وكان هدف الباحثين فيها جمع البيانات الوصفية عن النظم التعليمية الأجنبية ودراستها بغرض استعارة أفضل ما يمكن استعارته منها، كلما أمكن ذلك لإصلاح النظم التعليمية القومية، ومن أمثلة تلك الدراسات ما كتبه (فردريك أوجست) تحت عنوان: "مقارنة بين النظم التعليمية الإنجليزية والنظم التعليمية الألمانية"، وقد نشر ذلك الكتاب اللاتيني في عام (1795م)، فحص فيه المدارس الإنجليزية والألمانية فحصاً وصفياً، وأجرى بعض المقارنات، وعندما أراد بطرس العظيم قيصر روسيا إحداث تغيير جذري في مجتمعه بهدف جعله يقف على قدم المساواة مع شعوب غرب أوروبا فقد أرسل بعض موظفيه للدراسة في المدرسة البحرية الرياضية الملكية الشهيرة، وذلك بقصد إقامة مؤسسات تعليمية مشابهة، لإعداد وتدريب الضباط والمهندسين البحريين الذين يحتاجهم الأسطول الروسي، وقد كان الغرض من ذلك كما عبر عنه (هنري برنارد) أحد علماء التربية المقارنة الأمريكيين “غرس الثقافة الغربية في روسيا”، وقد حدث نفس الشيء في إمبراطورية النمسا حين طلبت ملكتها (ماريا تريزا) من مستشارها الأمير (كونتس) تجميع بيانات عن الإصلاحات التعليمية في الدول الأجنبية بقصد وضع مخطط شامل لتنمية التعليم في إمبراطورتيها، وفي عام (1774م) أرسل المستشار الأمير (كونتس) كتاباً إلى جميع سفارات النمسا طالباً بيانات عن مختلف جوانب النظم التعليمية في البلاد التي توجد بها هذه السفارات، والتي يمكن أن تكون ذات فائدة في تطور التعليم في إمبراطورية النمسا، وفي فرنسا نجد أن (لاشالولتى) المربى الفرنسي المشهور يقول قبل الثورة الفرنسية بقليل مقارناً نظام التعليم في فرنسا بنظم التعليم في إنجلترا و ألمانيا: " لو أننا قارنا كلياتنا من حيث أساليب التعليم فيها بكليات إكسفورد أو كامبردج أو لايدن أو غوتنغن التي يوجد بها كتب أفضل كثيراً مما يوجد في كلياتنا، فإننا سوف نرى أن الألماني أو الإنجليزي يحصل بالضرورة على تعليم أفضل من الذي يحصل عليه الفرنسي".
وفي ألمانيا أرسلت حكومة بروسيا سنة (1801م) بعض مفتشيها لدراسة أعمال المربي السويسري المشهـور (بستالوتزى)، ليتعلموا منـه طريقتـه في التعليم، وذلك أملاً في العودة إلى وطنهم، وتطبيق ما تعلموه على أيدي (بستالوتزى) في تحسين وتطوير أساليب التعليم في المدارس الألمانية.
وفي عام (1808م) أصدر (باست)، أحد الأساتذة في الأدب مقالاً عن تنظيم التعليم العام، خصص فيه جزءاً عن فائدة ملاحظة التعليم و التدريس بوجه عــام في الدول الأجنبية، نادى فيه بضرورة تعيين موظف من بين العاملين بالجامعات تكون مهمته السير إلى البلاد الأجنبية، ليحصل على ملاحظــات عــن التعليم والتدريس، كما طالـب بأن يكون ذلك الموظف عالماً، بعيداً عن التعصب القومي، ذا قدرة أدبية، واعياً بشؤون الإدارة، ملماً بكل نواحي التربيــة الحرة والشعبيـة، قـادراً على التوجــه إلى كل الجهات التي تقدم له بحوثاً ذات قيمة، وأن يؤدي علمه مثلما يؤديه المؤرخ، وأن يحكـم على الناس والأشيــاء في ضوء حقائـق ثابتـة مقــررة، لا في ضوء نظم مكتوبة، أو خطط نظرية، وقد ظهرت الطبعة الثانية لمقال (باست) في عام (1814م)، وانتشرت بين طائفة كبيرة من القراء، وقامت صحيفة التربية في فرنسا بالتعريف بذلك المقال في فبراير (1816م).
ومن الملاحظ أن مارك أنطون جوليان الفرنسي بدأ في نشر مقالاته عن التربية المقارنة في ديسمبر من نفس العام في نفس الصحيفة، ولم يشر في أي مقال من مقالاته الخمس إلى ما كتبه باست، ولم يفعل ذلك أيضاً حين أعاد نشر مقالاته في عام 1817م، ولا يعـرف حتى الآن ما يـديـن بـه جوليـان لباست من معرفة عن التربية المقارنة، إلا أن كثيراً من المؤرخين الغرب يعتبرون مارك انطون جوليان أول مؤسس للتربية المقارنة في وضعها العلمي الحديث، بغض النظر عما استفاده من كتابات باست الذي سبقه، ففي عام 1817م وضع جوليان أول دراسة علمية منظمة لنظم التعليم تحت اسم (مخططات ونظرات أولية لدراسة التربية المقارنة).
وكان من أهم النقاط التي أوردها جوليان في مخططه:
1- موضوع التربية المقارنة هو دراسة مجموع أوضاع التربية في البلدان المختلفة أي (النظام التربوي – الفلسفة – الأهداف – السياسات – الاستراتيجيات).
2- النظام مجموعة من الأجزاء كل جزء منها هو كل.
3- للتربية المقارنة موضوعات خاصة بها شأنها شأن غيرها من العلوم.
4- علم التربية المقارنة علم نظري وعلم تطبيقي.
ويرى جوليان أن دراسة التربية المقارنة تحتاج لكي ترتقي إلى مستوى العلوم الحديثة أن يتوفر لها عنصران أساسيان هما:
أ‌- التحليل المقارن للأحداث.
‌ب- اكتشاف القوانين والأسس التي تتبعها النظم التعليمية، والتي لا تفسرها فحسب وإنما تضع الأساس لها كنشاط تطبيقي.
ويطلق على هذه المرحلة مرحلة النقل والاستعارة، ويؤرخ لها أنها بدأت في العقد الثاني من القرن التاسع عشر حتى نهايته، وقد تميزت كتاباتها بما يلي:
1- أنها كانت وصفية في معظمها تعتمد على دراسة الحالة.
2- أنها كانت لا تحتوى على النقد أو الدراسة العلمية للنظم التعليمية بقدر ما كانت تمتدح أو تذم تلك النظم.
3- إن غرضها كان نفعياً، إذ كان الدارس يهدف إلى استعارة بعض جوانب النظم التعليمية الأجنبية لتعديل النظام التعليمي في بلده أو تحسينه.
المرحلة الثالثة: مرحلة التعرف على نظم التعليم في إطار العوامل الثقافية للمجتمع:
وتمتد هذه المرحلة (مرحلة القوى والعوامل) من أوائل القرن العشرين وحتى منتصفه، وفي هذه المرحلة تحول الاهتمام من مجرد وصف النظم التعليمية، وجمع الحقائق والملاحظات عن هذه النظم إلى الاهتمام بالعوامل والقوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تكمن وراء الظواهر التعليمية من أوجه تشابه واختلاف، وكان من نتائج هذه المرحلة عمليات النقل من بلد لآخر.
وقد وضح هذا الاتجاه بصفة خاصة في الثلث الأول من القــرن العشرين، لا سيما في الفترة التي أعقبـت الحرب العالمية الأولى، حيث اتجهت كثير من الدول إلى إعادة النظر في سياستها التعليمية، نتيجة لما أحدثته تلك الحروب من تغيرات كبيرة في حياة الدول ومجتمعاتها، وكذلك الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وما حدث فيها من تغيرات مماثلة، وشملت من بينها مجالات التربية، حيث ظهرت اتجاهات جديدة في فلسفات التعليم، وبالتالي تعددت الكتابات في التربية المقارنة، سواء ما قام به الأفراد أو ما قدمته الهيئات والمنظمات الدولية كهيئة اليونسكو، ومكتب الولايات المتحدة الأمريكية للتعليم.
وقد كانت السمة المميزة للدراسات التربوية المقارنة في هذه المرحلة هي الاهتمام بشرح أوجه التشابه والخلاف بين النظم التعليمية المختلفة والقوى، أو العوامل التي تقف وراءها فهي مرحلة تحليلية، تفسيرية للعوامل المختلفـة عن طريق تتبعها وملاحظتها بهدف الإفادة منها، أو استعارتها، وتوقع نجاحها في ظروف مماثلة. ويطلق على هذه المرحلة مرحلة التنبؤ، بمعنى احتمال نجاح نظام تعليمي في بلد معين، بناء على ملاحظة خبرات مشابهة في بلدان أخرى، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة تنبؤ أكثر مما هي مرحلة وصف كما يسميها (بيراداي) إيماناً منه أنها تعين الباحث على التنبؤ بمدى إمكانية نجاح أو فشل نظام تعليمي معين في ظل مقارنة الخبرات المقبلة في دول ذات ظروف متشابهة.
ويعتبر (سادلر) الإنجليزي مؤسس هذه المرحلة، ومن أشهر روادها كذلك أوليس، وكاندل، وهانز، وشنيدر.
وقد تأثر الباحثون في مجال التربية المقارنة طيلة النصف الأول من القرن العشرين بآراء (سادلر)، التي كانت تركز على القواعد التالية:
1- ضرورة دراسة النظم التعليمية الأجنبية دراسة علمية موضوعية.
2- إدراك أن دراسة الباحث للنظام التعليمي الأجنبي يجعله أكثر قدرة على فهم النظام التعليمي في بلده، وأكثر حساسية لكشف العيوب.
3- إضافة العامل الاجتماعي كمؤثر عام، إلى جانب العوامل التاريخية في تشكيل النظم التعليمية.
ولكن يؤخذ على كُتَّاب هذه المرحلة بعض المآخذ منها:



  1. اتخاذهم القوى والعوامل أساساً لتغيير الأنظمة التعليمية، مع افتراض وجود علاقة قوية بين تلك العوامل والقوى ونظم التعليم، بينما أصبحت تلك العوامل نفسها في الوقت الحاضر موضوعاً للبحث.

  2. اهتمامهم بتحليل العوامل الخارجية أكثر من اهتمامهـم بمقارنة العوامل الذاتية المتعلقة بالتربية وأنظمتها ومشكلاتها، وبذلك نقلوا ميدان البحث من التربية إلى العلوم الاجتماعية الأخرى، بينما كان بالإمكان حصر ميدان المقارنة في حدود التربية.

  3. وبصفة عامة يتضح من كتابات المشتغلين بالتربية المقارنة في النصف الأول من القرن العشرين، والممثلين لمنهج القوى والعوامل في هذه المرحلة أن اهتمامهم الأكبر كان موجهاً لشرح أوجه التشابه والاختلاف بين النظم التعليمية في ضوء بعدين أساسيين هما: البعد التاريخي والبعد الاجتماعي.


المرحلة الرابعة: مرحلة التعرف على نظم التعليم في ضوء التفسير العلمي، أو التجريبي (المرحلة التحليلية):
وتبدأ هذه المرحلة من منتصف القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر، حيث التقدم العلمي في مختلف مجالات الحياة، وحيث التطور التكنولوجي الذي شمل ميادينه، ثم باعتبار أن التربية ميدان تطبيقي وأنها تكنولوجية اجتماعية، ومن ثم وجد اتجاه يدعو إلى التجديد في المعالجة المقارنة للدراسات التربوية، ويطلق على هذه المرحلة اسم "المرحلة التحليلية" حيث يكون الهدف من العرض التحليلي لنظم التعليم الأجنبية هو المساعدة في تقييم نظمنا التعليمية، ويركز الاهتمام في المرحلة الحالية لتطور التربية المقارنة على البحث عن منهج علمي لدراسة التربية المقارنة، وبكثرة الكتابات عن مناهج البحث في العلم الجديد، ومن رواد هذه المرحلة كل من موهلمان وبيريداي البولندى.
وتتميز هذه المرحلة باستخدام المفهوم السليم للعلوم الاجتماعية، والإنسانية، وأساليب معالجتها في تفسير النظم والمظاهر التعليمية استخداماً علمياً باعتبار أن الظواهر التعليمية والاجتماعية ليست ظواهر عشوائية، غير متصل بعضها بالبعض الآخر. بل تضمنتها أنماط يمكن تمييزها وتفسيرها. ومن ثم ينبغي الانتقال بالتربية المقارنة من مجرد دراسة من الدراسات الإنسانية، إلى دراسة تجريبية تخضع لأساسيات المنهج العلمي التجريبي، وليس معنى هذا أن هذه المرحلة الأخيرة هي التي تتسم بالناحية العلمية دون سواها، أي أن بقية المراحل لا تتسم بالعلم، ولكن كل مرحلة تستند إلى جانب معين من الاتجاهات العلمية، سواء أكان وصفاً أم تاريخاً أم تحليلاً ثقافياً، بينما تركز المرحلة الأخيرة على العلم التجريبي.
وباختصار فقد تطورت الدراسات التربوية المقارنة خلال قرن ونصف من مرحلة الفضول وحب الاستطلاع إلى مرحلة التحليل العلمي، الأمر الذي جعل هذه المرحلة تقوم على مبادئ ثلاثة هي:



  1. إنها تقوم على الجمع المتجانس للمعلومات القائم على الدقة والتميز بدلاً من الجمع المشوش للمعلومات.

  2. إنها أصبحت مهنه للاحتراف بدلاً من كونها عملاً إنسانياً في التعاون والتفاهم الدولي.

  3. إنها أصبحت تقوم على التفسير والتحليل العلمي، بدلاً من التحليل القائم على الحدس والبديهة.


تعريف التربية المقارنة:
ظهرت تعريفات عديدة للتربية المقارنة، ويرجع ذلك إلى وجهة نظر كل عالم من علماء التربية المقارنة، إلا أن هذه التعريفات تتفق جميعها في الأركان الأساسية للتربية المقارنة ومن هذه التعريفات:
تعريف مارك أنطون جوليان الفرنسي 1817م:
لقد عرف جوليان التربية المقارنة في كتابه المسمى (مشروع وفكرة أولية لكتاب عن التربية المقارنة) بأنها: "الدراسة التحليلية للتربية في البلاد المختلفة، بهدف الوصول إلى تطوير النظم القومية للتعليم وتعديلها بما يتمشى مع الظروف المحلية".
ويقول (جوليان): "إن التربية شأنها شأن العلوم الأخرى، تقوم على أساس الوقائع والمشاهدات التي ينبغي أن ترتب في جداول تحليلية يسهل مقارنتها، حتى يتسنى استخلاص مبادئ وقواعد مضبوطة منها".
تعريف مايكل سادلر 1900م:
يؤكد سادلر أكثر من غيره على أهمية الظروف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والقومية المحيطة بالنظام التعليمي، ويرى أن اختلاف هذه الظروف هي التي تسبب اختلاف نظم التعليم وسياساته، ففي بحثه المسمى "إلى أي حد يمكننا أن نتعلم شيئاً ذا فائدة علمية من دراسة النظم التربوية الأجنبية ؟"، قال عبارته المشهورة: "يجب ألا ننسى أن هناك أشياء خارج المدرسة، قد تكون أكثر أهمية من الأشياء التي داخلها، بل إنها تحكم هذه الأشياء الأخيرة وتفسرها، ولا يمكننا أن نجول بين النظم، ونقطف زهرة من غصن وبضعة أوراق من غصن آخر، ثم نتوقع لو غرسناها جميعاً في تربة بلدنا فإننا نحصل على نبات حي، إن النظام القومي كائن حي، وهو نتاج الصراعات التي نسيناها والصعاب والمعارك التي قامت منذ زمن طويل".
ثم يؤكد سادلر على القيمة النفعية لدراسة التربية المقارنة التي بواسطتها يمكن فهم النظم التعليمية فهماً عميقاً، ثم محاولة إجراء أي إصلاح في التعليم في ضوء هذه الدراسة، وهذا الفهم أن القيمة العملية التي نحصل عليها من دراستنا للنظم التعليمية بروح منصفة، وبدقة علمية هي التي تُهيئنا لأن نصبح أكثر صلاحية لدراسة نظامنا التعليمي وفهمه.
تعريف إسحق كاندل الأمريكي 1933م:
ويرى كاندل أن التربية المقارنة امتداد لتاريخ التربية حتى الوقت الحاضر، باعتبار أنها مقارنة لفلسفات التربية المختلفة، ودراسة هذه الفلسفات التربوية وتطبيقاتها السائدة في الدول المختلفة، ويقول كاندل في كتابه (دراسات في التربية المقارنة) إن القيمة الرئيسة للدراسة المقارنة لمشكلات التربية تتمثل في تحليل الأسباب التي أنتجتها، وفي مقارنة أوجه الاختـلاف القائمة بين النظم المتعددة والدواعي التي تكمن تحتهــا، وأخيراً في دراسة الحلول التي جربت، ويرى كاندل أن القيمة الرئيسة للمعالجة المقارنة للمشكلات التعليمية تظهر في:-
‌أ) تحليل العوامل والأسباب التي أوجدت هذه المشكلات.
‌ب- مقارنة الفروق بين النظم التعليمية المختلفة والعوامل التي أحدثت تلك الفروق.
‌ج- دراسة الحلول التي وضعتها الدول المختلفة لمواجهة مشكلاتها التعليمية.
تعريف جورج بيراداي الأمريكي:
يختلف بيراداي مع كاندل في اعتبار التربية المقارنة امتداداً لتاريخ التربية حتى الوقت الحاضر، ويؤكد على أنها دراسة تتداخل فيها ميادين المعرفة المختلفة، فلكي تحقق التربية المقارنة قيمة من دراسة أوجه الشبه والاختلاف في النظم التعليمية، فإن ذلك لا يتحقق إلا باعتمادها على ميادين متعددة كعلم الاجتماع، والتاريخ، والاقتصاد، والسياسة، وغيرهما من المجالات وثيقة الصلة بالتربية، ويرى أن التربية المقارنة عبارة عن مسح تحليلي للنظم التعليمية الأجنبية، وأن دراسة المشكلات التربوية هي الموضوع الأساسي لدراسة التربية المقارنة، فالتربية المقارنة يجب أن تبحث عن المشكلات التربوية، وتصف مظاهرها ثم تتعمق في فهم أسبابها.
تعريف عبد الغني عبود 1976م :
يرى الدكتور عبد الغني عبود في كتابه (الأيديولوجيا والتربية) أن التربية المقارنة تعنى دراسة نظم التعليم وفلسفاته، وأوصافه ومشكلاته في بلد من البلاد أو أكثر مع رد كل ظاهرة من ظواهرها، ومشكلة من مشكلاتها إلى القوى والعوامل الثقافية التي أدت إليها، بحثاً عن تلك (الشخصية القومية) التي تقف وراء النظام التعليمي بما فيه من ظواهر ومشكلات.


ومن خلال استعراض التعريفات السابقة نخلص إلى هذا التعريف:
التربية المقارنة هي: "الدراسة التحليلية للأنظمة التعليمية في البلدان الأجنبية المختلفة بغية الاسترشاد والاستفادة من هذه الدراسة في تطوير، أو تعديل، أو تغيير نظم تعليمنا المحلية، أو نظم دول أخرى، بما يتمشى مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
كما يتضح من استعراض التعريفات السابقة أن التربية المقارنة موضوع مستقل بذاته فهي تهتم بالتربية في كل أنحاء العالم أي أنها تُعنى بالتربية من منظور عالمي، وهي تعني أيضاً بالدراسة التحليلية للقوى الثقافية بهدف التوصل إلى فهم معقول لجوانب التشابه والاختلاف بين الأنظمة التعليمية في البلدان المختلفة.
ويتضح أيضاً أن هناك شبه إجماع على تضمين البعد النفعي أو الإصلاحي الذي توفره الدراسات التربوية المقارنة من خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى وخبراتها في تحسين نظام التعليم القومي وتطويره، والمساعدة في رسم السياسة التعليمية واتخاذ القرارات في ضوء الأبدال التي تتيحها مثل هذه الدراسات.


ويتضح أيضا أن التربية المقارنة علم يبحث في أهداف ومناهج وطرائق التعليم ومشكلات النظام التربوي، انطلاقا من معطيات فلسفية وأيديولوجية معينة في بلد ما، أو مجموعة من البلدان لها خواص مشتركة، ومحاولة نقل هذا النظام أو بعضه وتطبيقه في بلد آخر، مع الأخذ بالحسبان الخاصية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لهذا البلد أو ذاك.
وتعتمد عملية البحث على معطيات ومقومات أساسية تنطلق منها، والبحث ليس مجرد بحث وصفي بل بحث تحليلي يقوم على العوامل الفلسفية والأيديولوجية، لأن البحث لا يشمل مجال واحد أو بلد واحد، بل قد يشمل قارة كاملة، إذن تهدف التربية المقارنة إلي نقل مجموعة من خصائص نظام تربوي ما إلي نظام تربوي آخر، مع مراعاة النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي والثقافي في البلد.
وإذا كانت التربية المقارنة تعني دراسة النظم التعليمية ومشكلاتها في ضوء القوى الثقافية المؤثرة فيها, فإن معنى ذلك أن كل مسائل التربية وموضوعاتها, سواء ما يتصل منها بفلسفة التربية أو بالمناهج وطرق التدريس أو بالإدارة التعليمية أو الإدارة المدرسية أو بإعداد المعلمين أو بنظم التقويم أو بالإشراف..... يمكن أن تكون هي وغيرها من ميادين التربية موضوعات للدراسة المقارنة, طالما تمّت هذه الدراسة في ضوء الإطار الثقافي المحيط بها والمؤثر فيها. ولذلك لم يكن غريبا أن تلقّب التربية المقارنة بملكة العلوم التربوية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه إذا كان الباحث في التربية المقارنة يتناول كل هذه الميادين بالدراسة والتحليل... فما الفرق بين هذا الباحث والباحث في العلوم التربوية الأخرى؟
يمكن القول أن الباحث في المناهج أو الإدارة التعليمية يمكنه دراسة موضوع بحثه في إطار الثقافة السائدة حوله، ولكنه لا يقوم به من الناحية المنهجية. أما الباحث في التربية المقارنة فإنه لا يمكن تناول دراسته إلا من خلال الربط بين إطاره البحثي وبين الثقافة السائدة التي يتناولها في دراسته.
والمقارنة تتعلق بشكل المعالجة لا بمضمون المقارنة فقط. بمعنى أن هذه المقارنة قد تكون تاريخية عندما تكون بين نظامين تعليمين أو أكثر في عصور مختلفة وفي مجتمعات مختلفة. وقد تكون المقارنة عبر ثقافة معاصرة لنظم تعليمية مختلفة في مجتمعات معاصرة مختلفة. وقد تكون المقارنة في داخل المجتمع الواحد بين النظام التعليمي الواحد بين منطقة وأخرى. إذن كل بلاد العالم وكل الثقافات تصلح للبحث والمقارنة, سواء اختار الباحث بلدا واحدا او ثقافة واحدة فقط لدراسته أو اقليم او أكثر من أقاليم بلد واحد مثل القدس وحيفا في فلسطين، أو أسوان والإسكندرية في مصر، أو نيويورك وكاليفورنيا في الولايات المتحدة، أو دمشق وحلب في سورية.... أو اختار الباحث المقارنة بين بلدين متقاربين ثقافيا (من مجموعة البلاد الرأسمالية....أو من مجموعة البلاد العربية أو الدول الآسيوية....)، أو اختار بين بلدين أو أكثر متباعدين ثقافيا واقتصاديا...( بلد متقدم وآخر متخلف، أو بلد شيوعي وآخر رأسمالي....)، طالما كانت الدراسة التي يقوم بها دراسة تحليلية تفسيرية تصل في النهاية إلى الأيديولوجيا السائدة في كل بلد، أو النمط القومي للحياة فيه أو الشخصية القومية التي تقف وراء الموضوع الذي يدرسه. إن أهم ما يميز المجتمعات البشرية ونظم تعليمها هو تنوعها واختلافها من مجتمع لآخر.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Les bases de Sc...

Les bases de Schiff jouent un rôle important dans le développement de la chimie de coordination et d...

المطاط الصناعي ...

المطاط الصناعي عبارة عن مادة تتعرض لتشوه كبير تحت القوة وتستعيد بسرعة شكلها وحجمها الأولي التقريبي ب...

رمضان رمضان، شه...

رمضان رمضان، شهر الخير والبركة والغفران، وهو شهر تعمّ فيه البركات وتكثر فيه الحسنات وتقل فيه السيئات...

التطعيم بالرقعة...

التطعيم بالرقعة: تطبّق هذه الطريقة على الأشجار المثمرة ذات القشرة السميكة كالتوت والجوز، وتتم عبر أخ...

يُعد فن العمارة...

يُعد فن العمارة من أقدم الفنون والعلوم المعمارية الهندسية التي عرفها الانسان حين ابتدأ في التفكير لب...

It is the minim...

It is the minimum temperature where fuel ignites. The flashpoint of petrol and diesel ranges from 50...

المقدمة: من الم...

المقدمة: من المهم التعرف على الاكتئاب الان في زمننا هذا فقد كثر عدد المصابين به فقد يواجهك أو أحد أه...

تعتبر دولة الإم...

تعتبر دولة الإمارات من الدول الرائدة في تعزيز قيم التسامح لدى المجتمعفقد تم إطلاق وثيقة الأخوة الإنس...

خفض عبء الأمراض...

خفض عبء الأمراض التي يمكن الوقاية منها: الأمراض المعدية والأمراض غير المعدية. بناء نظم صحية مرنة: تع...

تشافي هيرنانديز...

تشافي هيرنانديز ورونالد كومان استلم تشافي هيرنانديز المهمة في برشلونة في منتصف الموسم وذلك في ٢٠٢١-...

" الاتجاه التطو...

" الاتجاه التطوري من مورغان الى ليزلي هوايت حول الاقتصاد " سبق ان أوضحنا أن فكرة التطور هي واحدة من...

اعوذ بالله من ا...

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمان الرحيم وصل اللهم على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم تس...