Lakhasly

الفقرة الثانية اجتزاء القانون لفترات زمنية من الزمن المادي
إن لجوء المشرع إلى اجتزاء فترة زمنية من الزمن المادي، كفترة الرشد مثلاء لترتيب الآثار القانونية عليها، والمتمثلة في تأهيل الشخص لممارسة حقوقه الشخصية والمالية ونفاذ تصرفاته أهلية الأداء، فإن الهدف من ذلك هو إضفاء الشرعية القانونية على تصرفات ذلك الشخص وسلامة التزاماته التي أبرمها، والتي تعتبر من أحد مقومات الأمن التعاقدي.
وهكذا فقيام المشرع المغربي باجتزاء فترات زمنية محددة وربطها بوقائع وأوضاع.معينة ومعتبرة في قانون الجنسية، يعتبر من تجليات هيمنة الزمن القانوني على التسلسل الكلونولوجي للزمن فطلب التجنيس مثلا، لا يمكن التقدم به إلى وزير العدل إلا من طرف الأشخاص البالغين من الرشد القانوني والمنصوص عليه في الفصل الرابع من قانون الجنسية والذي ينص على أنه: "يعتبر راشدا في مفهوم هذا القانون كل شخص بلغ ثمان عشرة سنة شمسية كاملة".
وبالرجوع إلى مقتضيات قانون الجنسية، نجد المشرع المغربي قد تبنى تقنية تقطيع الزمن القانوني وبإيقاعات زمنية مختلفة. وإذا كان اجتزاء الوقت القانوني يتمركز أساسا حول السن المرجع، وهو تمام سن الرشد القانوني كما هو محدد قانونا، فإن عملية الاجتزاء تغطي فترات زمنية ممتدة طول حياة الأشخاص، فتشمل إما خلال فترة القصور أو ما قبل سن الرشد بسنوات محددة ، أو خلال فترة الرشد أو مباشرة بعد سن الرشد بسنوات محددة .

ا اجتزاء الزمن القانوني خلال فترة الرشد

يعتبر ربط نفاذ وصلاحية التصرفات القانونية الصادرة عن الأشخاص بتمام بلوغهم سن الرشد القانوني من الأمور المسلمة بها في الأنظمة القانونية، ضمانا للأمن القانوني للمجتمع وحماية للأمن التعاقدي، وخاصة بالنسبة لفئة عديمي وناقصي أهلية الأداء. وعلى سبيل المثال، اشترط المشرع المغربي على طالب التجنيس بلوغ سن الرشد القانوني
حين تقديم طلب التجنيس.
وخلال مرحلة الرشد القانوني ذاتها، قام المشرع المغربي باجتزاء فترة زمنية محددة التاريخ، وهي بالتحديد المرحلة العمرية الممتدة ما بين 18 و 20 سنة، وربطها بأوضاع
معينة لترتيب الآثار القانونية عليها، ويتعلق الأمر بالضبط بثلاث حالات واردة في قانون الجنسية .
فالحالة الأولى تخص امكانية التخلي عن الجنسية المغربية بالنسبة لابن أجنبي متجلس، وذلك خلال الفترة الزمنية ما بين الثامنة عشرة والعشرين من عمرهم. وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 18 من قانون الجنسية المغربية التي تنص على أنه: ويسوع أن تمنح وثيقة التجنيس الجنسية المغربية الأبناء الأجنبي المتجنس القاصرين غير المتزوجين، غير أن الأولاد القاصرين الذين منحت لهم الجنسية المغربية وكانوا يبلغون 16 سنة على الأقل في تاريخ تجنيسهم يجوز لهم أن يتخلوا عن الجنسية المغربية
ما بين السنة الثامنة عشرة والعشرين من عمرهم".
أما الحالة الثانية، فتهم فقد الجنسية المغربية، والمنصوص عليها في الفقرة الثانية من المقطع الخامس من الفصل 19، بحيث يمكن للمولود من زواج مختلط والذي يعتبر مغربيا بحكم ولادته من أم مغربية أن يعبر بواسطة تصريح يقدم لوزير العدل، عن رغبته في الاحتفاظ فقط بجنسية أحد أبويه شريطة التصريح بذلك ما بين السنة الثامنة عشرة والعشرين من عمره.
أما الحالة الثالثة، فتخص كذلك فقد الجنسية، والمنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المقطع الخامس من الفصل 19، وبمقتضاها، يحق للمعني بالأمر العدول عما صرحت به أمه بواسطة تصريح بقدم لوزير العدل وذلك ما بين الثامنة عشرة والعشرين من عمره .
مما سبق، يتضح لجوء المشرع المغربي لتقنية اجتزاء فترات زمنية، سواء المتعلقة بمرحلة الرشد القانوني أو السنتين اللاحقتين لسن الرشد (18-20 سنة)، وربطها بمراكز قانونية محددة وترتيب الآثار القانونية عليها. إلا أن هذه التقنية يمكن أن تشمل كذلك مرحلة القصور أو السنتين السابقتين لسن الرشد القانوني.

ب اجتزاء الزمن القانوني خلال فترة القصور
وإذا كانت مسالة تقطيع الزمن القانوني وربطه بفترة الرشد القانوني يعتبر إجراء عاديا ولا يثير أي اشكالات على المستوى الأمن القانوني والقضائي، إلا أن قيام المشرع باجتزاء فترات زمنية خلال فترة قصور الشخص أو قبل بلوغ سن الرشد بسنتين وترتيب بعض الآثار القانونية عليها في قانون الجنسية، يثير في المقابل اشكالات مرتبطة بمشروعية
التصرفات الناشئة خلال تلك الفترة.
وهكذا منح المشرع المغربي صلاحية ممارسة بعض الحقوق المتعلقة بالجنسية الفائدة الأشخاص القاصرين من طرف النائب الشرعي، وذلك في ثلاث حالات الأولى تخص تطبيق مقتضيات قانون الجنسية في الزمن، وهي المنصوص عليها في الفصل الثاني من قانون الجنسية المغربية، بحيث تطبق المقتضيات الجديدة بشأن إستاد الجنسية المغربية كجنسية أصلية على الأشخاص المزدادين قبل تاريخ العمل بها فيما إذا كانوا في التاريخ المذكور لم يبلغوا سن الرشد.
الحالة الثانية فتهم الجنسية المترتبة على الولادة في المغرب وفق مقتضيات الفصل السابع من قانون الجنسية المغربية بحيث أن الولد المولود في المغرب من أبوين مجهولين يعتبر مغربيا على أساس الرابطة الترابية، إلا أنه إذا ثبت خلال مرحلة القصور أي قبل بلوغه السن 18 سنة شمسية كاملة، أن نسبه ينحدر من أصل أجنبي، فإنه يُعد كأن لم يكن مغربيا قط. نفس الفكرة تم التأكيد عليها في الفقرة الأولى من الفصل الثامن والذي ينص على أنه: "لا يؤثر نسب أو بنوة الولد على جنسيته إلا إذا ثبت هذا النسب أو البنوة قبل بلوغه سن الرشد".
وبخصوص الحالة الثالثة، فتهم فقدان الجنسية المغربية المكتسبة، وهي المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المقطع الخامس من الفصل 19 من قانون الجنسية المغربية، بحيث يمكن لأم المولود من زواج مختلط، والذي يُعتبر مغربيا بحكم ولادته من أم مغربية وقبل بلوغه سن الرشد أن تعبر بواسطة تصريح يقدم إلى وزير العدل عن رغبتها في احتفاظ ابنها بجنسية أحد أبويه.
وإذا كان المشرع المغربي قد لجأ في عدة مناسبات إلى تخصيص مقتضيات قانونية خاصة بفترة القصور، وهي الفترة الزمنية الممتدة ما بين تاريخ الولادة وتاريخ بلوغ سن الرشد القانوني، فإنه في المقابل خص فترات زمنية معينة خلال فترة القصور، وهي المرحلة العمرية السابقة لمرحلة الرشد والممتدة ما بين 16 و 18 سنة، بمقتضيات قانونية محددة، وذلك في حالتين منصوص عليهما في الفصل التاسع من قانون الجنسية المغربية. الحالة الأولى تخص اكتساب الجنسية المغربية عن طريق الولادة في المغرب والإقامة به، بحيث يمكن أن يكتسب الجنسية المغربية كل ولد مولود في المغرب من أبوين اجنبيين مولودين هما أيضا فيه، بشرط أن تكون له إقامة اعتيادية ومنتظمة بالمغرب، وأن يصرح داخل السنتين السابقتين لبلوغه سن الرشد برغبته في اكتساب هذه
الجنسية ما لم يعارض وزير العدل في ذلك.
أما الحالة الثانية فتهم اكتساب الجنسية عن طريق الكفالة، بحيث يمكن للشخص المغربي الجنسية الذي يتولى كفالة مولود خارج المغرب من أبوين مجهولين مدة تزيد عن خمس سنوات، أن يقدم تصريحا لمنح المكفول الجنسية المغربية. كما يمكن للمكفول ذاته التقدم بنفس التصريح للاكتساب الجنسية المغربية والذي لم يتقدم كافله بعد مرور خمس سنوات على الكفالة وذلك خلال السنتين السابقتين لبلوغه سن الرشد.
وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المقطع الثاني من الفصل التاسع من قانون الجنسية التي نصت على أنه غير أنه يمكن للمكفول الذي توافرت فيه الشروط المذكورة أعلاه، والذي لم يتقدم كافله بتصريح بعد مرور خمس سنوات على الكفالة، أن يتقدم بصفة شخصية تصريحا للحصول على الجنسية المغربية خلال السنتين السابقتين لبلوغه سن الرشد، وذلك مع مراعاة حق وزير العدل في المعارضة طبقا للفصلين
المذكورين أعلاه".
وإذا كان منح صلاحية مباشرة بعض الحقوق الواردة في قانون الجنسية، خلال مرحلة القصور، من طرف النائب الشرعي لا تثير أي اشكالية على المستوى القانوني، إلا أن هذا الإشكال يثار في الحالات التي منح فيها المشرع صلاحية التصرف ومباشرة بعض الحقوق المتعلقة بالجنسية لفائدة القاصر، فالمرحلة الزمنية 16-18 سنة، وهي الفترة التي تسبق مرحلة الرشد، تعتبر في حكم القانون قصورا، وأن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 18 سنة هم أشخاص ناقصوا أهلية الأداء، وهو ما يثير إشكالية شرعية
التصرفات القانونية التي يباشرها هؤلاء القصر.
ومن جهة أخرى، فإذا كان من المستساغ قيام المشرع في قانون الأسرة يمنح القاصر المميز صلاحية تدبير جزء من أمواله الإدارتها بقصد الاختبار، فإنه في المقابل من غير المستساغ منح المشرع في قانون الجنسية المغربية صلاحية التصرف في تقرير مدى الانتساب للجنسية المغربية فالجنسية، وهي الرابط الروحي والقانوني والسياسي الذي يربط الفرد بالدولة، غير الأموال، وأن ترك مصير الانتماء القانوني بين يدي قاصرين يعتبر مجازفة قانونية وخيمة العواقب على مستوى الأمن القانوني، وتتعارض حتى مع المصلحة الفضلي للطفل ذاته، بالإضافة إلى معارضتها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية الصادرة في هذا المجال.
وإجمالا، فإذا كانت مسايرة الزمن القانوني لحركة الزمن المادي تعتبر من تجليات هيمنة سلطة الزمن القانوني على الزمن المادي، فإن معاكسة الزمن القانوني الحركية الزمن
المادي يعتبر بدوه الوجه الآخر لهذه الهيمنة .