Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

مِن مباحث عُلوم القرآن علمُ أسباب النزول، إذ عليه يَدور قُطب علم التفسير، ويقوم المفسرون بإيراد سبب النزول عند تعرُّضهم لتفسير الآيات؛ حيث إن العلم بالسَّبب يورث العلم بالمسبِّب. ونورد عددًا من المسائل المتعلقة بهذا الجانب من علوم القرآن. ونزول القرآن على قسمين:
أي: مِن غير سببٍ ظاهر عرَفه الصحابة أو تحدَّثوا فيه. 2- وقسم نزَل عَقب واقعةٍ أو سؤالٍ، المسألة الأولى: فوائد معرفة أسباب النزول:
الفائدة الأولى: معرفة وجهِ الحِكمة الباعثة على تَشريع الحُكم. الفائدة الثانية: تخصيص الحُكم به عند مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب. الفائدة الثالثة: أن اللفظ قد يكون عامًّا ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرف السبب قَصُر التخصيص على ما عدا صورته؛ فإن دخول صورة السبب قطعي، وإخراجها بالاجتهاد ممنوع، ولا الْتِفات إلى مَن شذَّ فجوَّز ذلك. الفائدة الرابعة: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال. قال الواحدي: لا يمكن تفسيرُ الآية دون الوقوف على قصتها وبيانِ نزولها. وقال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريقٌ قوي في فَهم معاني القرآن. وقال ابن تيميَّة: معرفة سبب النزول يُعين على فَهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. 1- قد أشكل على مَروانَ بن الحكَم معنى قوله تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ﴾ [آل عمران: 188] الآية، وقال: لئن كان كل امرئٍ فَرح بما أوتي وأحبَّ أن يُحمد بما لم يَفعل معذَّبًا لنُعذَّبَن أجمعون! حتى بيَّن له ابنُ عباس أن الآية نزَلَت في أهل الكتاب حين سألهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتَموه إياه، 2- حُكي عن عُثمان بن مَظعون وعمرِو بن مَعْدِ يكَرِب أنَّهما كانا يقولان: الخمرُ مباحة، ويَحتجَّان بقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾[المائدة: 93] الآية، ولو عَلِما سبب نزولها لم يَقولا ذلك؛ وهو أن ناسًا قالوا لَمَّا حُرِّمت الخمر: كيف بمن قُتلوا في سبيل الله وماتوا، وكانوا يَشربون الخمرَ وهي رِجس؟ فنزَلَت؛ 3- قوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ﴾ [الطلاق: 4]؛ فقد أشكل معنى هذا الشَّرط على بعض الأئمة حتى قال الظاهريَّة بأن الآيسةَ لا عدَّة عليها إذا لم تَرْتَب. وقد بيَّن ذلك سببُ النزول؛ وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عِدَد النساء قالوا: قد بَقي عِدَد من عِدَد النساء لم يُذكَرن؛ فعُلم بذلك أنَّ الآية خطابٌ لمن لم يَعلم ما حُكمُهن في العدَّة وارتابَ: هل عليهن عِدَّة أوْ لا؟ وهل عِدَّتهن كاللاتي في سورة البقرة أوْ لا؟ فمعنى ﴿ إِنِ ارْتَبْتُمْ ﴾ [الطلاق: 4]: إنْ أَشكَل عليكم حكمُهن وجَهلتم كيف يَعتدُّون فهذا حُكمُهن. 4- قوله: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158] الآية؛ فإن ظاهرَ لفظِها لا يَقتضي أن السعي فرض، وقد ردَّت عائشةُ على عُروة في فَهمِه ذلك؛ وهو أن الصحابة تَأثَّموا مِن السعي بينهما؛ 5- ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]؛ فإنا لو ترَكْنا مدلولَ اللفظ لاقتَضى أن المصلِّيَ لا يجب عليه استقبالُ القبلة سفرًا ولا حضرًا، وهو خلافُ الإجماع، فلا يُفهم مراد الآية حتى يُعلَم سببُها؛ وذلك أنها نزلَت لما صلَّى النبي صلى عليه وسلم على راحلته وهو مستقبِلٌ من مكة إلى المدينة حيث توجَّهَت به، 6- ومِن ذلك قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا ﴾ [التغابن: 14]؛ فإنَّ سبب نزولها أنَّ قومًا أرادوا الخروجَ للجهاد، فمنَعهم أزواجُهم وأولادهم، ثم أنزل في بقيتها ما يدلُّ على الرحمة وتركِ المؤاخذة، الفائدة الخامسة:
مِن فوائد علم أسباب النزول: دفعُ توهُّم الحصر:
قال الشافعي ما معناه في قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ﴾ [الأنعام: 145] الآية: إن الكفار لما حرَّموا ما أحلَّ الله وأحَلُّوا ما حرَّم الله وكانوا على المضادَّة والمحادَّة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، لا إثبات الحِل. وتعيين المبهم فيها، ولقد قال مَرْوانُ في عبدالرحمن بن أبي بكر: إنه الذي أُنزل فيه: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ﴾ [الأحقاف: 17]، حتى ردَّت عليه عائشة وبيَّنَت له سببَ نزولها
المسألة الثانية: بيان مناط الاستدلال:
وقد نزلَت آياتٌ في أسباب، واتفقوا على تَعْديتها إلى غيرِ أسبابها؛ كنُزول آية الظِّهَار في سَلمة بن صَخر، ثم تعدَّى إلى غيرهم. ومَن لم يعتبر عمومَ اللفظ قال: خرَجَت هذه الآياتُ ونحوُها لدليلٍ آخَر، ليتناول كلَّ مَن باشر ذلك القبيح، وليكون ذلك جاريًا مَجرى التَّعريض. لئلاَّ يَلتبس على السائل، أخبرنا أبي أبو معشر نجيح، سمعتُ سعيدًا الْمَقْبُريَّ يُذاكر محمدَ بن كعبٍ القُرَظيَّ، يَجترُّون الدنيا بالدين. فقال محمدُ بن كعبٍ: هذا في كتاب الله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [البقرة: 204] الآية، فقال سعيد: قد عرَفتُ فيمَن أُنزلَت! فقال محمد بن كعب: إنَّ الآية تَنزل في الرَّجل ثم تكون عامَّةً بَعد. فإن قيل: فهذا ابنُ عباس لم يَعتبِر عمومَ: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ ﴾ [آل عمران: 188] الآية، بل قصَرَها على ما أُنزلت فيه من قصة أهل الكتاب. أجيب عن ذلك: بأنه – أي: ابنَ عبَّاس – لا يَخفى عليه أنَّ اللفظ أعمُّ مِن السبب، لكنه بيَّن أن المراد باللَّفظ خاصٌّ، ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظُّلمَ في قوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82] بالشِّركِ مِن قوله: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] مع فَهم الصحابة العُمومَ في كلِّ ظلم. مع أنها نزلت في امرأة سَرقَت. لا سيما إن كان المذكور شخصًا؛ كقولهم: إن آية الظِّهار نزلَت في امرأةِ ثابت بن قيس، أو في قوم من المؤمنين. فالذين قالوا ذلك لم يَقصِدوا أنَّ حُكم الآية يختصُّ بأولئك الأعيانِ دون غيرهم؛ فإن هذا لا يَقوله مسلمٌ ولا عاقلٌ على الإطلاق، فتعمُّ ما يشبهه، ويكون العموم فيها بحسَب اللفظ، تنبيه:
قد علمتَ مما ذُكر أن فرضَ المسألة في لفظٍ له عمومٌ، 18]؛ فإن هذه الآية ليس فيها صيغةُ عموم؛ إذ الألف واللام إنما تُفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع، زاد قوم: أو مفرَدٍ بشرطِ ألا يكون هناك عهد، والألف واللام في ﴿ الأتقى ﴾ ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعًا، فبَطَل القول بالعموم، وتعيَّن القطع بالخصوص والقصرُ على مَن نزلت فيه رضي الله عنه. وتوضع مع ما يُناسبها من الآي العامة؛ رعاية لنَظم القرآن وحسن السياق، فيكون ذلك الخاص قريبًا من صورة السبب في كونه قطعيَّ الدخول في العام كما اختار السبكي أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق المجرد؛ مثاله قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾ [النساء: 51] إلى آخره؛ فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوِه من علماء اليهود لما قَدِموا مكة، وشاهَدوا قتلى بدر حرَّضوا المشركين على الأخذِ بثأرهم، ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوهم: من أهدى سبيلاً؛ وأخذ المواثيق عليهم ألاَّ يكتموه، فكان ذلك أمانةً لازمة لهم، ولم يؤدُّوها حيث قالوا للكفار: أنتم أهدى سبيلاً؛ حسدًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم
فقد تضمنت هذه الآيةُ مع هذا القول التوعُّدَ عليه المفيدَ للأمر بمقابلِه، متراخٍ عنه في النُّزول، والمناسبة تَقتضي دخول ما دلَّ عليه الخاصُّ في العام. قال ابن العربيِّ في تفسيره: وجهُ النَّظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفةَ محمد، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلاً، فكان ذلك خيانة منهم، فانجرَّ الكلام إلى ذِكر جميع الأمانات. قال بعضهم: ولا يرد تأخُّر نزول آية الأمانات عن التي قبلها بنحوِ ستِّ سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول لا في المناسبة؛ لأن المقصود منها وضعُ آية في موضعٍ يُناسبها، والآيات كانت تنزل على أسبابها، وبحثوا عن علمها، وقد قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آيةٍ من القرآن فقال: اتَّقِ الله وقُل سَدادًا؛ ذهَب الذين يَعلمون فيمَ أَنزَل الله القرآن!
ومعرفة سبب النزول أمر يَحصُل للصحابة بقرائنَ تحتف بالقضايا، وربما لم يَجزِم بعضهم فقال: أحسب هذه الآية نزلت في كذا. أخرج الأئمة الستَّة عن عبدالله بن الزبير قال: "خاصم الزبيرُ رجلاً من الأنصار في شِراج الحرَّة، الحديث
فإنه حديث مسنَد، ومشى على هذا ابنُ الصلاح وغيرُه، ومثَّلوه بما أخرجه مسلمٌ عن جابر قال: كانت اليهود تقول: مَن أتى امرأته من دُبرها في قُبلها جاء الولد أحول، قال الزَّركشي: قد عُرِف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزَلت هذه الآية في كذا فإنه يُريد بذلك أنها تتضمَّن هذا الحكم، لا من جنس النقل لِمَا وقَع. قال السيوطي: والذي يتحرَّر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيامَ وقوعه؛ ليخرج ما ذكره الواحديُّ في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة به؛ فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء، بل هو مِن باب الإخبار عن الوقائع الماضية؛ كذِكْر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك، وكذلك ذِكرُه في قوله: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125] سببَ اتِّخاذه خليلاً، ليس ذلك مِن أسباب نزول القرآن كما لا يَخفى. الحالة الأولى:
إنْ عبَّر أحدهم بقوله: نزلَت في كذا، والآخَر: نزلت في كذا. وذكَر أمرًا آخَر فإن هذا يُراد به التفسير لا ذِكر سبب النزول، فلا مُنافاة بين قولهما إذا كان اللَّفظ يتناولهما
مثال:
ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: أنزلت ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 223] في إتيان النساء في أدبارهن. الحالة الثالثة:
مثال:
ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جُندَب: اشتكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم يَقُم ليلة أو ليلتين، فأتَته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد ترَكَك! فأنزل الله: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى: 1 – 3]. فقال: ((يا خَوْلةُ، فأخرجتُ الجرو، قال ابن حجر في شرح البخاري: قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، وفي إسناده مَن لا يُعرف، مثال آخر:
ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمرَه الله أن يَستقبل بيت المقدس ففَرِحت اليهود، فاستقبله بضعةَ عشر شهرًا – وكان يحبُّ قِبلة إبراهيم - فكان يَدعو الله ويَنظر إلى السماء، فأنزل الله: ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144] فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟! فأنزل الله: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ [البقرة: 142] وقال: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]. وأخرج الحاكم وغيره عن ابن عمر قال: نزلت: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]؛ فلم نَدرِ أين القبلة، فنزَلَت. لإرساله، والثاني صحيح لكنه قال: قد أنزلت في كذا ولم يصرِّح بالسبب، مثال ثالث:
• ما أخرجه ابن مَردويه وابنُ أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عِكرمة - أو سعيدٍ – عن ابن عباس قال: خرَج أميةُ بن خلف وأبو جهل بنُ هشام ورجالٌ من قريش، تعال فتمَسَّح بآلهتنا، • وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس أنَّ ثقيفًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أجِّلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، وإسناده ضعيف، أن يستوي الإسنادان في الصحة، مثال:
ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: كنتُ أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكَّأ على عَسِيب، فمرَّ بنفرٍ من اليهود فقال بعضُهم: لو سألتُموه! فقالوا: حدِّثنا عن الروح، ثم قال: ﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]. فقالوا: اسألوه عن الروح، فأنزل الله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ﴾ [الإسراء: 85] الآية. فيُحمَل على ذلك. مثال:
ما أخرجه البخاريُّ من طريق عِكرمة عن ابن عباس أن هلالَ بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بِشَريكِ بن سَحْماء، إذا رأى أحدُنا مع امرأته رجلاً ينطلق يَلتمس البينة! فأنزل عليه: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ [النور: 6] حتى بلغ: ﴿ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 9]. وأخرج الشيخان عن سَهل بن سعد قال: جاء عُويمرٌ إلى عاصمِ بن عَديٍّ فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ رجلاً وجَد مع امرأته رجلاً فقتَله، أيُقتَل به أم كيف يَصنع؟ فسأل عاصمٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبَر عاصمٌ عُويمِرًا، فقال: والله لآتينَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأَسألنَّه، وصادف مجيءُ عُويمرٍ أيضًا، وإلى هذا جنَح النوويُّ، وسبَقه الخطيبُ فقال: لعلهما اتَّفق لهما ذلك في وقت واحد. قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب. فقد ينزل الشيء مرتين؛ وتذكيرًا به عند حدوث سببه؛ خوفَ نسيانه، وهذا كما قيل في الفاتحة: نزلَت مرَّتين؛ مرة بمكة وأخرى بالمدينة، ومثلما ورَد في ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] أنها جوابٌ للمشركين بمكة، والحكمة في هذا كلِّه أنه قد يحدث سببٌ من سؤالٍ أو حادثة تقتضي نزول آية، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمَّنها فتؤدَّى تلك الآية بعينها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ مع حفظه لذلك النص. مثال:
ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال: لما حضر أبا طالبٍ الوفاةُ دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية فقال: ((أيْ عم، قل: لا إله إلا الله أحاجَّ لك بها عند الله))، فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا إلى المقابر فجلَس إلى قبر منها، فناجاه طَويلاً ثم بكى، وإني استأذنتُ ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، فأنزل عليَّ: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 113])). ثم ثالثًا يوم الفتح؛ تذكيرًا من الله لعباده، وجعَل ابن كثير من هذا القسم آية الروح. تنبيهات:
1- قد يكون في إحدى القصتين قولُ الراوي من الصحابة: " فتلا فيهم"، والحديثُ في الصحيح بلفظ: "فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهو الصواب؛ فإن الآية مكية. مثال آخر:
جاء في أسباب النزول للواحدي:
حدثني رِبْعي بن عُلَيَّة، قال: فكفر ذلك، وقال: إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركَته الصلاة بوادٍ صلاها ثم ارتحل، فترَكَه. ثم أنشأ يحدِّثهم، قالوا: يا ابن الخطاب، ما مِن أصحابك أحدٌ أحبَّ إلينا منك. ومن التوراة كيف تصدق الفرقان. قال: ومرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا ابن الخطَّاب، واستودعَكم من كتابه: أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا. فقالوا: فأنت عالمنا وكبيرنا فأجِبْه أنت. قال: قلتُ: فو الله الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدوٌّ لِمَن عاداهما وسلمٌ لمن سالمهما، وما يَنبغي لجبريل أن يُسالم عدوَّ ميكائيل، وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل. ثم قمتُ فاتبعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من خَوخةٍ لبني فلان، ألا أُقرِئك آياتٍ نزَلنَ قبل؟))، فأسمع اللَّطيف الخبير قد سبَقني إليك بالخبر. فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سور شتى. مثال:
ما أخرجه الترمذي والحاكم عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذَكَر النِّساء في الهجرة بشيء، تَذكُر الرجال ولا تذكر النساء! فأُنزلت: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35] وأنزلت: ﴿ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 195]. وأخرج أيضًا عنها أنها قالت: يَغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث! فأنزل الله: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 32] وأنزل: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35]. مثال آخر:
ما أخرجه البخاريُّ من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، فجاء ابنُ أمِّ مكتوم وقال: يا رسول الله، فإني لَواضعٌ القلم على أذني إذ أمرُّ بالقتال، فجعَل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه؛ إذ جاء أعمى فقال: كيف لي يا رسول الله وأنا أعمى! فأنزلت: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ ﴾ [التوبة: 91]. مثال ثالث:
ما أخرجه ابنُ جرير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظلِّ حجرة، فقال: ((إنه سيَأتيكم إنسانٌ يَنظر بعينَي شيطان))، فطلَع رجل أزرقُ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((عَلام تَشتُمني أنت وأصحابك؟)) فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم، فأنزل الله: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ﴾ [التوبة: 74] الآية. وأخرجه الحاكم وأحمد بهذا اللفظ، وآخره: فأنزل الله: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ﴾ [المجادلة: 18] الآية
2- تقدم نزول الآية على الحكم:
واعلم أنه قد يكون النزولُ سابقًا على الحكم؛ وهذا كقوله تعالى ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى: 14]؛ فإنه يُستدلُّ بها على زكاة الفطر. وأجاب البغويُّ في تفسيره أنه يجوز أن يكون النزول سابقًا على الحكم؛ كما قال: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد: 1، 2]؛ فالسورة مكية، وظهور أثر الحِلِّ يوم فتح مكة، 4- روى البخاري في كتاب الأدب المفرد في برِّ الوالدين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: نزَلَت فيَّ أربعُ آيات من كتاب الله عز وجل:
والثانية أني كنتُ أخذت سيفًا فأعجبني، فقلت: يا رسول الله، إني أريد أن أَقسِم مالي، أفأوصي بالنصف؟ فقال: ((لا)) فقلت: الثلث؟ فسكَت، فضرَب رجلٌ منهم أنفي بلحي جمل،


Original text

مِن مباحث عُلوم القرآن علمُ أسباب النزول، إذ عليه يَدور قُطب علم التفسير، ويقوم المفسرون بإيراد سبب النزول عند تعرُّضهم لتفسير الآيات؛ حيث إن العلم بالسَّبب يورث العلم بالمسبِّب. ونورد عددًا من المسائل المتعلقة بهذا الجانب من علوم القرآن. ونزول القرآن على قسمين:
أي: مِن غير سببٍ ظاهر عرَفه الصحابة أو تحدَّثوا فيه. 2- وقسم نزَل عَقب واقعةٍ أو سؤالٍ، المسألة الأولى: فوائد معرفة أسباب النزول:


الفائدة الأولى: معرفة وجهِ الحِكمة الباعثة على تَشريع الحُكم. الفائدة الثانية: تخصيص الحُكم به عند مَن يرى أن العبرة بخصوص السبب. الفائدة الثالثة: أن اللفظ قد يكون عامًّا ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرف السبب قَصُر التخصيص على ما عدا صورته؛ فإن دخول صورة السبب قطعي، وإخراجها بالاجتهاد ممنوع، ولا الْتِفات إلى مَن شذَّ فجوَّز ذلك. الفائدة الرابعة: الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال. قال الواحدي: لا يمكن تفسيرُ الآية دون الوقوف على قصتها وبيانِ نزولها. وقال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريقٌ قوي في فَهم معاني القرآن. وقال ابن تيميَّة: معرفة سبب النزول يُعين على فَهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. 1- قد أشكل على مَروانَ بن الحكَم معنى قوله تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ﴾ [آل عمران: 188] الآية، وقال: لئن كان كل امرئٍ فَرح بما أوتي وأحبَّ أن يُحمد بما لم يَفعل معذَّبًا لنُعذَّبَن أجمعون! حتى بيَّن له ابنُ عباس أن الآية نزَلَت في أهل الكتاب حين سألهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتَموه إياه، 2- حُكي عن عُثمان بن مَظعون وعمرِو بن مَعْدِ يكَرِب أنَّهما كانا يقولان: الخمرُ مباحة، ويَحتجَّان بقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ﴾[المائدة: 93] الآية، ولو عَلِما سبب نزولها لم يَقولا ذلك؛ وهو أن ناسًا قالوا لَمَّا حُرِّمت الخمر: كيف بمن قُتلوا في سبيل الله وماتوا، وكانوا يَشربون الخمرَ وهي رِجس؟ فنزَلَت؛ 3- قوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ ﴾ [الطلاق: 4]؛ فقد أشكل معنى هذا الشَّرط على بعض الأئمة حتى قال الظاهريَّة بأن الآيسةَ لا عدَّة عليها إذا لم تَرْتَب. وقد بيَّن ذلك سببُ النزول؛ وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عِدَد النساء قالوا: قد بَقي عِدَد من عِدَد النساء لم يُذكَرن؛ فعُلم بذلك أنَّ الآية خطابٌ لمن لم يَعلم ما حُكمُهن في العدَّة وارتابَ: هل عليهن عِدَّة أوْ لا؟ وهل عِدَّتهن كاللاتي في سورة البقرة أوْ لا؟ فمعنى ﴿ إِنِ ارْتَبْتُمْ ﴾ [الطلاق: 4]: إنْ أَشكَل عليكم حكمُهن وجَهلتم كيف يَعتدُّون فهذا حُكمُهن. 4- قوله: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 158] الآية؛ فإن ظاهرَ لفظِها لا يَقتضي أن السعي فرض، وقد ردَّت عائشةُ على عُروة في فَهمِه ذلك؛ وهو أن الصحابة تَأثَّموا مِن السعي بينهما؛ 5- ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]؛ فإنا لو ترَكْنا مدلولَ اللفظ لاقتَضى أن المصلِّيَ لا يجب عليه استقبالُ القبلة سفرًا ولا حضرًا، وهو خلافُ الإجماع، فلا يُفهم مراد الآية حتى يُعلَم سببُها؛ وذلك أنها نزلَت لما صلَّى النبي صلى عليه وسلم على راحلته وهو مستقبِلٌ من مكة إلى المدينة حيث توجَّهَت به، 6- ومِن ذلك قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا ﴾ [التغابن: 14]؛ فإنَّ سبب نزولها أنَّ قومًا أرادوا الخروجَ للجهاد، فمنَعهم أزواجُهم وأولادهم، ثم أنزل في بقيتها ما يدلُّ على الرحمة وتركِ المؤاخذة، فقال: ﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14]
الفائدة الخامسة:
مِن فوائد علم أسباب النزول: دفعُ توهُّم الحصر:
قال الشافعي ما معناه في قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ﴾ [الأنعام: 145] الآية: إن الكفار لما حرَّموا ما أحلَّ الله وأحَلُّوا ما حرَّم الله وكانوا على المضادَّة والمحادَّة، فجاءت الآية مُناقضة لغرَضهم، ولا حرام إلا ما أحلَلتُموه، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرَض المضادَّة لا النفي والإثبات على الحقيقة، ولم يَقصد حِلَّ ما وراءه؛ لا إثبات الحِل. قال إمام الحرمين: وهذا في غاية الحسن، وتعيين المبهم فيها، ولقد قال مَرْوانُ في عبدالرحمن بن أبي بكر: إنه الذي أُنزل فيه: ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ﴾ [الأحقاف: 17]، حتى ردَّت عليه عائشة وبيَّنَت له سببَ نزولها
المسألة الثانية: بيان مناط الاستدلال:
اختَلف أهل الأصول: هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟
وقد نزلَت آياتٌ في أسباب، واتفقوا على تَعْديتها إلى غيرِ أسبابها؛ كنُزول آية الظِّهَار في سَلمة بن صَخر، وآيةِ اللِّعان في شأنِ هلال بن أمية، ثم تعدَّى إلى غيرهم. ومَن لم يعتبر عمومَ اللفظ قال: خرَجَت هذه الآياتُ ونحوُها لدليلٍ آخَر، كما قُصِرت آياتٌ على أسبابها اتِّفاقًا لدليلٍ قام على ذلك. ليتناول كلَّ مَن باشر ذلك القبيح، وليكون ذلك جاريًا مَجرى التَّعريض. قال السيوطي: ومن الأدلَّة على اعتبار عموم اللفظ: احتجاجُ الصحابة وغيرِهم في وقائعَ بعُموم آياتٍ نزَلَت على أسباب خاصة، قال الزركشي:
لأمرين:
والثاني: أنَّ فيه عُدولاً عن محلِّ السؤال، لئلاَّ يَلتبس على السائل، واتَّفَقوا على أنه تُعتبر النُّصوصية في السبب من جهة استِحالة تأخير البيان عن وقت الحاجة. أخبرنا أبي أبو معشر نجيح، سمعتُ سعيدًا الْمَقْبُريَّ يُذاكر محمدَ بن كعبٍ القُرَظيَّ، فقال سعيدٌ: إنَّ في بعض كتب الله: إن لله عبادًا ألسِنتُهم أحلى مِن العسل وقلوبهم أمرُّ من الصَّبر، يَجترُّون الدنيا بالدين. فقال محمدُ بن كعبٍ: هذا في كتاب الله: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [البقرة: 204] الآية، فقال سعيد: قد عرَفتُ فيمَن أُنزلَت! فقال محمد بن كعب: إنَّ الآية تَنزل في الرَّجل ثم تكون عامَّةً بَعد. فإن قيل: فهذا ابنُ عباس لم يَعتبِر عمومَ: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ ﴾ [آل عمران: 188] الآية، بل قصَرَها على ما أُنزلت فيه من قصة أهل الكتاب. أجيب عن ذلك: بأنه – أي: ابنَ عبَّاس – لا يَخفى عليه أنَّ اللفظ أعمُّ مِن السبب، لكنه بيَّن أن المراد باللَّفظ خاصٌّ، ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظُّلمَ في قوله تعالى: ﴿ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82] بالشِّركِ مِن قوله: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13] مع فَهم الصحابة العُمومَ في كلِّ ظلم. وقد وردَ عن ابن عباس ما يدلُّ على اعتبار العموم؛ مع أنها نزلت في امرأة سَرقَت. أخرج ابنُ أبي حاتم: عن نَجْدةَ الحنَفيِّ قال: سألتُ ابن عباس عن قوله: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ﴾ [المائدة: 38] أخاصٌّ أم عام؟ قال: بل عام. هذه الآية نزَلَت في كذا)، لا سيما إن كان المذكور شخصًا؛ كقولهم: إن آية الظِّهار نزلَت في امرأةِ ثابت بن قيس، وإن آية الكلالة نزلَت في جابر بن عبدالله، أو في قوم من اليهود والنصارى، أو في قوم من المؤمنين. فالذين قالوا ذلك لم يَقصِدوا أنَّ حُكم الآية يختصُّ بأولئك الأعيانِ دون غيرهم؛ فإن هذا لا يَقوله مسلمٌ ولا عاقلٌ على الإطلاق، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص، فتعمُّ ما يشبهه، ويكون العموم فيها بحسَب اللفظ، وإن كانت خبرًا بمدحٍ أو ذمٍّ فهي متناوِلة لذلك الشخص كان بمنزلته. تنبيه:
قد علمتَ مما ذُكر أن فرضَ المسألة في لفظٍ له عمومٌ، كقوله تعالى: ﴿ وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ﴾ [الليل: 17، 18]؛ وقد استدلَّ بها الإمام فخرُ الدين الرازيُّ مع قوله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13] على أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا غلط؛ فإن هذه الآية ليس فيها صيغةُ عموم؛ إذ الألف واللام إنما تُفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع، زاد قوم: أو مفرَدٍ بشرطِ ألا يكون هناك عهد، والألف واللام في ﴿ الأتقى ﴾ ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعًا، والعهد موجود خصوصًا مع ما تفيده صيغة "أفعل" مِن التمييز وقطعِ المشاركة، فبَطَل القول بالعموم، وتعيَّن القطع بالخصوص والقصرُ على مَن نزلت فيه رضي الله عنه. قد تَنزل الآياتُ على الأسباب الخاصة، وتوضع مع ما يُناسبها من الآي العامة؛ رعاية لنَظم القرآن وحسن السياق، فيكون ذلك الخاص قريبًا من صورة السبب في كونه قطعيَّ الدخول في العام كما اختار السبكي أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق المجرد؛ مثاله قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾ [النساء: 51] إلى آخره؛ فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوِه من علماء اليهود لما قَدِموا مكة، وشاهَدوا قتلى بدر حرَّضوا المشركين على الأخذِ بثأرهم، ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوهم: من أهدى سبيلاً؛ مع عِلمهم بما في كتابهم مِن نعت النبي صلى الله عليه وسلم المنطبقِ عليه، وأخذ المواثيق عليهم ألاَّ يكتموه، فكان ذلك أمانةً لازمة لهم، ولم يؤدُّوها حيث قالوا للكفار: أنتم أهدى سبيلاً؛ حسدًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم
فقد تضمنت هذه الآيةُ مع هذا القول التوعُّدَ عليه المفيدَ للأمر بمقابلِه، المشتمل على أداء الأمانة التي هي بيانُ صفة النبي صلى الله عليه وسلم بإفادة أنَّه الموصوفُ في كتابهم؛ والعام تالٍ للخاص في الرسم، متراخٍ عنه في النُّزول، والمناسبة تَقتضي دخول ما دلَّ عليه الخاصُّ في العام. قال ابن العربيِّ في تفسيره: وجهُ النَّظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفةَ محمد، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلاً، فكان ذلك خيانة منهم، فانجرَّ الكلام إلى ذِكر جميع الأمانات. قال بعضهم: ولا يرد تأخُّر نزول آية الأمانات عن التي قبلها بنحوِ ستِّ سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول لا في المناسبة؛ لأن المقصود منها وضعُ آية في موضعٍ يُناسبها، والآيات كانت تنزل على أسبابها، ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في المواضع التي عَلِم من الله أنها مواضعُها. ووقَفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها، وقد قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آيةٍ من القرآن فقال: اتَّقِ الله وقُل سَدادًا؛ ذهَب الذين يَعلمون فيمَ أَنزَل الله القرآن!
ومعرفة سبب النزول أمر يَحصُل للصحابة بقرائنَ تحتف بالقضايا، وربما لم يَجزِم بعضهم فقال: أحسب هذه الآية نزلت في كذا. أخرج الأئمة الستَّة عن عبدالله بن الزبير قال: "خاصم الزبيرُ رجلاً من الأنصار في شِراج الحرَّة، أن كان ابنَ عمَّتِك! فتلوَّن وجهه. "؛ الحديث
قال الحاكم في علوم الحديث: إذا أخبر الصحابي الذي شهد الوحي والتنزيلَ عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا، فإنه حديث مسنَد، ومشى على هذا ابنُ الصلاح وغيرُه، ومثَّلوه بما أخرجه مسلمٌ عن جابر قال: كانت اليهود تقول: مَن أتى امرأته من دُبرها في قُبلها جاء الولد أحول، قال الزَّركشي: قد عُرِف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزَلت هذه الآية في كذا فإنه يُريد بذلك أنها تتضمَّن هذا الحكم، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لِمَا وقَع. قال السيوطي: والذي يتحرَّر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيامَ وقوعه؛ ليخرج ما ذكره الواحديُّ في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة به؛ فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء، بل هو مِن باب الإخبار عن الوقائع الماضية؛ كذِكْر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك، وكذلك ذِكرُه في قوله: ﴿ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [النساء: 125] سببَ اتِّخاذه خليلاً، ليس ذلك مِن أسباب نزول القرآن كما لا يَخفى. المسألة الخامسة: تعدد أسباب النزول
وفي ذلك حالات:
الحالة الأولى:
إنْ عبَّر أحدهم بقوله: نزلَت في كذا، والآخَر: نزلت في كذا. وذكَر أمرًا آخَر فإن هذا يُراد به التفسير لا ذِكر سبب النزول، فلا مُنافاة بين قولهما إذا كان اللَّفظ يتناولهما
الحالة الثانية: إن عبر واحد بقوله: نزلت في كذا وصرَّح الآخَر بذكر سبب خلافه فهو المعتمَد. مثال:
ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: أنزلت ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 223] في إتيان النساء في أدبارهن. فالمعتمد حديثُ جابر؛ وقد وهَّمه فيه ابنُ عباس، الحالة الثالثة:
إن ذكَر واحدٌ سببًا وآخَرُ سببًا غيره فإن كان إسنادُ أحدهما صحيحًا دون الآخر فالصحيح المعتمد. مثال:
ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جُندَب: اشتكى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم يَقُم ليلة أو ليلتين، فأتَته امرأة فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد ترَكَك! فأنزل الله: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴾ [الضحى: 1 – 3]. فدخل تحت السرير فمات، فقال: ((يا خَوْلةُ، ما حَدَث في بيت رسول الله؟ جبريلُ لا يأتيني!)) فقلتُ في نفسي: لو هيَّأتُ البيت وكنستُه! فأهويت بالمكنسة تحت السرير، فأخرجتُ الجرو، قال ابن حجر في شرح البخاري: قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سببَ نزول الآية غريب، وفي إسناده مَن لا يُعرف، فالمعتمَد ما في الصحيح. مثال آخر:
ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمرَه الله أن يَستقبل بيت المقدس ففَرِحت اليهود، فاستقبله بضعةَ عشر شهرًا – وكان يحبُّ قِبلة إبراهيم - فكان يَدعو الله ويَنظر إلى السماء، فأنزل الله: ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144] فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: ما ولاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟! فأنزل الله: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ [البقرة: 142] وقال: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]. وأخرج الحاكم وغيره عن ابن عمر قال: نزلت: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115]؛ أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوُّع
فلم نَدرِ أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فنزَلَت. وأخرج الدارقطني نحوَه من حديث جابر بسندٍ ضعيف أيضًا. ثم ما قبله؛ لإرساله، والثاني صحيح لكنه قال: قد أنزلت في كذا ولم يصرِّح بالسبب، والأول صحيح الإسناد وصرَّح فيه بذكر السبب، مثال ثالث:
• ما أخرجه ابن مَردويه وابنُ أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عِكرمة - أو سعيدٍ – عن ابن عباس قال: خرَج أميةُ بن خلف وأبو جهل بنُ هشام ورجالٌ من قريش، فأتَوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، تعال فتمَسَّح بآلهتنا، • وأخرج ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس أنَّ ثقيفًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أجِّلنا سنة حتى يُهدى لآلهتنا، هذا يَقتضي نزولها بالمدينة، وإسناده ضعيف، وله شاهد عند أبي الشيخ عن سعيد بن جبير، أن يستوي الإسنادان في الصحة، فيرجح أحدهما بكون راويه حاضرَ القصة، أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات. مثال:
ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال: كنتُ أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكَّأ على عَسِيب، فمرَّ بنفرٍ من اليهود فقال بعضُهم: لو سألتُموه! فقالوا: حدِّثنا عن الروح، ثم قال: ﴿ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]. وأخرج الترمذي – وصحَّحه – عن ابن عباس قال: قالت قريشٌ لليهود: أعطونا شيئًا نسأل هذا الرجل، فقالوا: اسألوه عن الروح، فأنزل الله: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ﴾ [الإسراء: 85] الآية. الحالة الخامسة:


أن يُمكن نزولُها عُقيب السببين والأسباب المذكورة بألاَّ تكون معلومةَ التباعد كما في الآيات السابقة، فيُحمَل على ذلك. مثال:
ما أخرجه البخاريُّ من طريق عِكرمة عن ابن عباس أن هلالَ بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بِشَريكِ بن سَحْماء، إذا رأى أحدُنا مع امرأته رجلاً ينطلق يَلتمس البينة! فأنزل عليه: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ﴾ [النور: 6] حتى بلغ: ﴿ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [النور: 9]. وأخرج الشيخان عن سَهل بن سعد قال: جاء عُويمرٌ إلى عاصمِ بن عَديٍّ فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ رجلاً وجَد مع امرأته رجلاً فقتَله، أيُقتَل به أم كيف يَصنع؟ فسأل عاصمٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبَر عاصمٌ عُويمِرًا، فقال: والله لآتينَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأَسألنَّه، جُمع بينهما بأنَّ أول مَن وقع له ذلك هلال، وصادف مجيءُ عُويمرٍ أيضًا، وإلى هذا جنَح النوويُّ، وسبَقه الخطيبُ فقال: لعلهما اتَّفق لهما ذلك في وقت واحد. قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب. ألا يمكن شيءٌ مما سبق في الحالات السابقة، فقد ينزل الشيء مرتين؛ تعظيمًا لشأنه، وتذكيرًا به عند حدوث سببه؛ خوفَ نسيانه، وهذا كما قيل في الفاتحة: نزلَت مرَّتين؛ مرة بمكة وأخرى بالمدينة، ومثلما ورَد في ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] أنها جوابٌ للمشركين بمكة، والحكمة في هذا كلِّه أنه قد يحدث سببٌ من سؤالٍ أو حادثة تقتضي نزول آية، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمَّنها فتؤدَّى تلك الآية بعينها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ والعالم قد يحدث له حوادثُ فيتَذكر أحاديثَ وآيات تتضمن الحكم في تلك الواقعة، وإن لم تكن خطَرَت له تلك الحادثة قَبلُ، مع حفظه لذلك النص. مثال:
ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال: لما حضر أبا طالبٍ الوفاةُ دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية فقال: ((أيْ عم، قل: لا إله إلا الله أحاجَّ لك بها عند الله))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرنَّ لك ما لم أُنهَ عنه)) فنزلت: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 113] الآية. فذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلَت. وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يومًا إلى المقابر فجلَس إلى قبر منها، فناجاه طَويلاً ثم بكى، وإني استأذنتُ ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي، فأنزل عليَّ: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 113])). فنجمع بين هذه الأحاديث بتعدد النزول
وأخرج الترمذي والحاكم عن أُبيِّ بن كعب قال: لما كان يوم أحُد أصيبَ مِن الأنصار أربعةٌ وسِتون، ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة، فمَثَّلوا بهم، لأنها مكية، ثم ثالثًا يوم الفتح؛ تذكيرًا من الله لعباده، وجعَل ابن كثير من هذا القسم آية الروح. تنبيهات:


1- قد يكون في إحدى القصتين قولُ الراوي من الصحابة: " فتلا فيهم"، فيقول الراوي بعده: "فنزل"
وسائر الخلق على ذه؟ فأنزل الله: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ [الزمر: 67] الآية، والحديثُ في الصحيح بلفظ: "فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهو الصواب؛ فإن الآية مكية. مثال آخر:


ما أخرجه البخاريُّ عن أنس قال: سمع عبدُالله بن سلام بِمَقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال: إني سائلُك عن ثلاثٍ لا يَعلمُهن إلا نبي: ما أوَّل أشراط الساعة؟ وما أول طعامِ أهل الجنة؟ وما ينزع الولد؛ قال: ذاك عدوُّ اليهود من الملائكة، فقد صحَّ في سبب نزول الآية قصةٌ غير قصة ابن سلام. جاء في أسباب النزول للواحدي:
حدثني محمد بن المثنَّى، حدثني رِبْعي بن عُلَيَّة، عن الشَّعبي، فقال: ما بال هؤلاء؟! قالوا: يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى هاهنا. قال: فكفر ذلك، وقال: إنما رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركَته الصلاة بوادٍ صلاها ثم ارتحل، فترَكَه. ثم أنشأ يحدِّثهم، فقال: كنتُ أشهد اليهود يومَ مَدراسهم فأَعجَبُ مِن التوراة كيف تُصدِّق الفرقان، قالوا: يا ابن الخطاب، ما مِن أصحابك أحدٌ أحبَّ إلينا منك. قلتُ: ولم ذلك؟ قالوا: إنك تَغشانا وتأتينا. ومن التوراة كيف تصدق الفرقان. قال: ومرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا ابن الخطَّاب، قال: فقلتُ لهم عند ذلك: نَشدتُكم بالله الذي لا إله إلا هو، وما استرعاكم مِن حقِّه، واستودعَكم من كتابه: أتعلمون أنه رسول الله؟ قال: فسكتوا. فقالوا: فأنت عالمنا وكبيرنا فأجِبْه أنت. وسلمًا من الملائكة، وإنه قَرَن بنبوته عدوَّنا من الملائكة. قال: قلتُ: ومَن عدوُّكم ومن سلمُكم؟ قالوا: عدونا جبريل، قال: قلتُ: وما منزلتهما من ربهما عز وجل؟ قالوا: أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. قال: قلتُ: فو الله الذي لا إله إلا هو، إنهما والذي بينهما لعدوٌّ لِمَن عاداهما وسلمٌ لمن سالمهما، وما يَنبغي لجبريل أن يُسالم عدوَّ ميكائيل، وما ينبغي لميكائيل أن يسالم عدو جبريل. ثم قمتُ فاتبعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فلحقته وهو خارج من خَوخةٍ لبني فلان، فقال: ((يا ابن الخطاب، ألا أُقرِئك آياتٍ نزَلنَ قبل؟))، قال: قلتُ: بأبي وأمي يا رسول الله، فأسمع اللَّطيف الخبير قد سبَقني إليك بالخبر. ولا إشكال في ذلك؛ فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سور شتى. مثال:
ما أخرجه الترمذي والحاكم عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله، لا أسمع الله ذَكَر النِّساء في الهجرة بشيء، وأخرج الحاكم عنها أيضًا قالت: قلتُ: يا رسول الله، تَذكُر الرجال ولا تذكر النساء! فأُنزلت: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35] وأنزلت: ﴿ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾ [آل عمران: 195]. وأخرج أيضًا عنها أنها قالت: يَغزو الرجال ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث! فأنزل الله: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [النساء: 32] وأنزل: ﴿ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35]. مثال آخر:
ما أخرجه البخاريُّ من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، فجاء ابنُ أمِّ مكتوم وقال: يا رسول الله، وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت أيضًا قال: كنتُ أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني لَواضعٌ القلم على أذني إذ أمرُّ بالقتال، فجعَل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ما ينزل عليه؛ إذ جاء أعمى فقال: كيف لي يا رسول الله وأنا أعمى! فأنزلت: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ ﴾ [التوبة: 91]. مثال ثالث:
ما أخرجه ابنُ جرير عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظلِّ حجرة، فقال: ((إنه سيَأتيكم إنسانٌ يَنظر بعينَي شيطان))، فطلَع رجل أزرقُ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((عَلام تَشتُمني أنت وأصحابك؟)) فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم، فأنزل الله: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ﴾ [التوبة: 74] الآية. وأخرجه الحاكم وأحمد بهذا اللفظ، وآخره: فأنزل الله: ﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ﴾ [المجادلة: 18] الآية
2- تقدم نزول الآية على الحكم:
واعلم أنه قد يكون النزولُ سابقًا على الحكم؛ وهذا كقوله تعالى ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾ [الأعلى: 14]؛ فإنه يُستدلُّ بها على زكاة الفطر. روى البيهقيُّ بسنده إلى ابن عمر أنها نزلَت في زكاة رمضان، لأن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة. وأجاب البغويُّ في تفسيره أنه يجوز أن يكون النزول سابقًا على الحكم؛ كما قال: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾ [البلد: 1، 2]؛ فالسورة مكية، وظهور أثر الحِلِّ يوم فتح مكة، حتى قال عليه السلام: ((أُحلَّت لي ساعةً من نهار)). 4- روى البخاري في كتاب الأدب المفرد في برِّ الوالدين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: نزَلَت فيَّ أربعُ آيات من كتاب الله عز وجل:
كانت أمِّي حلفَت ألا تأكل ولا تشرب حتى أُفارق محمدًا صلى الله عليه وسلم، والثانية أني كنتُ أخذت سيفًا فأعجبني، فقلت: يا رسول الله، هَب لي هذا! فنزلَت: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ﴾ [الأنفال: 1]. إني أريد أن أَقسِم مالي، أفأوصي بالنصف؟ فقال: ((لا)) فقلت: الثلث؟ فسكَت، فكان الثلث بعدُ جائزًا. فضرَب رجلٌ منهم أنفي بلحي جمل، واعلم أنه جرَت عادة المفسرين أن يَبدؤوا بذِكْر سبب النزول ووجه المناسَبة أيما أولى البَداءة به؛ بتقدم السبب على المسبب، أو بالمناسبة؛ لأنها المصحِّحة لنَظْم الكلام، وهي سابقة على النزول


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

رقم القضية:٨٣٦٢...

رقم القضية:٨٣٦٢ عام :١٤٤١ تاريخ الحكم: ١٤٤٢/١١/١٠هـ رقم الصك : الصك 1 : 1/3/5 تاريخة:١٤١٢/٨/٨هـ الصك...

لقد حي منصب رئي...

لقد حي منصب رئيس المجلس الشعبي الوالئي بمكانة متميزة في ل قانون الوالية 21-70 خيفا 1 عما كان عليي ف...

مقدمة تعتبر الن...

مقدمة تعتبر النّدوة وتعرف بأنّها عمليّة التقاء مجموعة من الأفراد أمام جمهور، على أن يقوم الأفراد بمن...

ان المستاجر للا...

ان المستاجر للاجير الخاص مسؤول عما يحدثه الاجير الخاص من اضرار يلاحظ ان عقد المقاولة يتم فيها التعا...

الكثير من الناس...

الكثير من الناس يعرفون أن دواء الأسبرين دواء سحري * والسبب في ذلك الأبحاث والتقارير التي تظهر يوما ب...

تشمل المكونات ا...

تشمل المكونات الرئيسية لصحافة التنمية الجوانب التالية: 1. للإبلاغ عن الفرق بين ما تم التخطيط للقيام ...

VHDL, which sta...

VHDL, which stands for VHSIC (Very High-Speed Integrated Circuit) Hardware Description Language, wa...

وتستخدم أجهزة ا...

وتستخدم أجهزة الملاحة في تحديد موقعك على الطريق كما أنها تتيح لك اختيار وجهتك وتقوم باحتساب المسافة ...

All of the taki...

All of the taking after nations have add up to e-commerce deals ranges in between 10-15% of their ad...

The content of ...

The content of the novel : The ghost of the King of Denmark tells his son Hamlet to avenge his murde...

وقد أشرنا في ال...

وقد أشرنا في الفصل الثاني إلى أن الدولة، من وجهة نظر تاريخية، جديدة نسبيا، فهي شكل من أشكال التنظيم ...

تستخدم الإعانات...

تستخدم الإعانات الإقتصادية بهدف تثبيت الأسعار ومكافحة التضخم . ولأهمية هذه الإعانات في تنفيذ السياسا...