Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

في حوالي التاريخ الذي طلب فيه ديون من أفلاطون أن يضطلع بتجربة سراقوسة لتثقيف ديونيسيوس الصغير، ورفع مستوى حكومته، التحق بأكاديمية أفلاطون أعظم تلاميذه وهو أرسطو، ولم يكن أرسطو من أهل أتينا، بل من أهل ستاجيرا في تراقيا، حيث ولد سنة ٣٨٤ ق. م. وكان والده طبيبا، وربما كان ذلك من أسباب اهتمام أرسطو الواضح في جميع مؤلفاته بالبحوث البيولوجية. ولهذا التخصص الحق والد أرسطو بالبلاط المقدوني، وأكبر الظن أن أرسطو إنما التحق بمدرسة أفلاطون لأنها كانت قبل كل شيء أصلح مكان في بلاد الإغريق المواصلة الدراسات العليا المتقدمة، فلما دخلها لبث عضوا بها طيلة حياة افلاطون - أى مدة عشرين عاما - فتأثر ذهنه حتما بطابع تعاليم أفلاطون، وآية ذلك ما يتجلى في كل صفحة من كتاباته الفلسفية اللاحقة، فلما توفى أفلاطون سنة ٣٤٧ ق. م. غادر أرسطو أثينا، وظل مدى الاثنتي عشرة سنة التالية يتقلب في مختلف المناسب. وإلى هذه المدة تنسب أولى كتاباته المستقلة، وفي سنة ٣٤٣ اختير معلما للأمير الصغير الإسكندر المقدوني، بيد أن الباحث لا يقف في كتاباته السياسية على ما ينبئ بتأثر أفكاره بإقامته في مقدونيا، ويبدو أن خياله قصر عن إدراك الأهمية الثورية لفتح الإسكندر البلاد الشرق، بما أدى إليه هذا الفتح من مزج المدنيتين الإغريقية والشرقية، ولا شك أن الخطة السياسية التي انتهجها تلميذه الأمير المقدوني كانت منافية تماما لكل ما لقنه إياه في علم السياسة، وفي سنة ٣٣٥ ق. م. افتتح أرسطو مدرسته الخاصة في أثينا، وهي ثانية المدارس الفلسفية الأربع الكبرى، وفى خلال الاثنتى عشرة سنة التي تلت ذلك التاريخ وضع أغلب مؤلفاته، وإن كان من المحتمل أن بعض ما تضمنته كان قد بدأه قبل ذلك. وقد عاش ارسطو سنة واحدة بعد وفاة تلميذه العظيم الإسكندر. ثم أدركته المنية في يوبويا (Roboca) سنة ٣٢٢ ق. م. وكان قد غادر أثينا قرارا من الاضطرابات المعادية المقدونيا، التي حدثت بعد موت الإسكندر. تعرض كتابات ارسطو مشكلة جد مغايرة لتلك التي تضمنتها محاورات أفلاطون، فإن معظم مؤلفات أرسطو الموجودة بين أيدينا الآن - إذا أغفلنا الأجزاء الباقية من كتاباته الشعبية المبكرة - لم تكن كتبا مستكملة ومعدة للنشر. ال كان يستعملها في التدريس، ولو أنه من المحتمل أن تكون أجزاء هامة منها قد حررت قبل افتتاح اللوقيون (Lyceum). والواقع أنها لم تنشر في صورتها الحالية إلا بعد أربعة قرون من وفاته، بيد أنها ظلت ملكا للمدرسة، واستعان بها دون شك. من جاء بعده من المعلمين، ويلوح أن أرسطو قد قضى جل الاثنتى عشرة سنة التي كان فيها على رأس اللوقيون، في توجيه عدد من مشروعات البحث الواسعة التي ساهم معه فيها تلاميذه، مثال ذلك البحث المشهور عن التاريخ الدستوري المائة وثمان وخمسين مدينة إغريقية، من بينها دستور أثينا الذي اكتشف سنة ۱۸۹۱ - وهو الدستور الوحيد الباقي من بينها - ويلاحظ أن هذه البحوث ولم يكن بحث التاريخ الدستورى المذكور إلا واحداً منها كانت دراسات تاريخية أكثر منها فلسفية، وكانت بحوثاً تجريبية أصيلة، وعلى ضوء هذه التجارب كان أرسطو يدخل بين الفينة والفينة ما يعن له من إضافات إلى كتاباته التي كان قد أعدها قبل افتتاح المدرسة ومن ثم لا يمكننا أن تعتبر كتابه السياسي العظيم المسمى السياسة، كتابا مستكملاً على النحو الذي كان يفعله أرسطو لو أنه وضعه الجمهور القراء، وقد ثار الشك بالفعل فيما إذا كان ارسطو قد رتب بنفسه هذا الكتاب بوضعه الراهن، أو أن ذلك الترتيب من صنع من تولوا نشره اعتمادا على مجموعات عديدة من المخطوطات ). ذلك لأن المشاكل التي تعرض لها البحث كانت واضحة لا تخفى على فطنة القارئ، أما حل هذه المشاكل الموضوع آخر. وقد عمد بعض الناشرين فيما بعد إلى تغيير ترتيب الأبواب رغبة في تحسين التبويب، ولكن لا يمكن لأى تغيير في الترتيب أن يجعل من كتاب السياسة. مؤلفا تاماً موحداً، فالكتاب السابع، الذي يتناول فيه أرسطو موضوع إنشاء دولة مثالية من الواضح أنه يتابع خاتمة الكتاب الثالث، في حين تجد أن الكتب الرابع والخامس والسادس التي تتناول الدول الواقعية لا المثالية تؤلف مجموعة قائمة بذاتها، ولذلك جرت العادة على وضع الكتابين السابع والثامن بعد الكتاب الثالث وعلى وضع الكتب الرابع والخامس والسادس في نهاية المؤلف، بيد أننا نرى. نوعا من الارتباط بين البحث في الملكية قبيل نهاية الكتاب الثالث، وبين البحث في حكومة الأقلية أو الأوليجاركية والحكومة الديمقراطية في الكتاب الرابع، وأيا كان الترتيب الذي تتبعه في قراءة هذا الكتاب فلا مفر من ملاقاة بعض الصعوبات في القراءة، وربما أصاب ، روس، فيما ذهب إليه من أن القارئ ينبغي له على كل حال أن يتقبل الكتاب كما هو بصورته التقليدية. ولعل أحسن تأويل ساقه النقاد حتى الآن في تفسير السياسة، هو ذلك الذي قال به فیرتر بیجر (Werner Jaeger)، ومع أن هذا التأويل لم يقم عليه دليل إلا أنه يعرض طريقة معقولة لتطور فلسفة أرسطو السياسية، فكما يقول بيجر أن كتاب السياسة، كما وصلنا من عمل أرسطو وليس من صنع أحد الناشرين. ولكن نص الكتاب دون على مرحلتين، ولذلك يجرى في تيارين أساسيين، فهناك أولاً جزء يتناول الدولة المثالية والنظريات السابقة بشأنها، وهذا الجزء يشمل الكتاب الثاني (٢)، وهو بحث تاريخي للنظريات الأسبق ويمتاز خاصة بنقد أفلاطون، والكتاب الثالث وهو دراسة لطبيعة الدولة والرعوية، وإن كان قد قصد به إلى التقديم النظرية في الدولة المثالية والكتابان السابع والثامن في إقامة الدولة المثالية، ويرجع بيجر هذه الكتب الأربعة إلى تاريخ لا يجاوز كثيرا رحيل أرسطو من أثينا بعد موت أفلاطون، وهناك من الناحية الثانية دراسة للدول القائمة فعلاً، وبخاصة الديمقراطية وحكومة الأقلية، مع أسباب انهيارها وأفضل السيل التحقيق استقرارها، وهذه الدراسة تستغرق الكتب الرابع والخامس والسادس، وهذه يرجعها ييجر إلى تاريخ تال لافتتاح اللوقيون ) مفترضاً أنها تمثل عودة إلى الفلسفة السياسية على أثر - أو خلال - البحث التاريخي للدساتير المائة والثمانية والخمسين كما سلف القول، أما الكتب الرابع والخامس والسادس فقد أدخلها أرسطو وسط النصوص الأصلية، مما أدى إلى ضخامة ما كتبه عن الدولة المثالية، بحيث صار مطولاً عاماً في علم السياسة. وأخيرا يعتقد بيجر أن الكتاب الأول إنما كتب بعد سائر الكتب ليكون بمثابة مقدمة عامة لهذا المطول الضخم، ولو أنه الحق بالكتاب الثاني بصورة سريعة غير موفقة، وبذلك يكون كتاب السياسة، في رأى بيجر قد قصد به أن يكون رسالة في علم واحد، ولكن لم يعد واضعه كتابته من جديد، وهي إعادة كان لا بد منها التوحيد أجزاء هذا المؤلف وتنسيقها، والتي امتد تدوينها فترة طويلة قاربت خمسة عشر عاما. فإذا صح رأى بيجر هذا، فإن كتاب السياسة يمثل مرحلتين في تفكير ارسطو تتميزان بذلك المدى البعيد الذي بلغه أرسطو في التحرر من سلطان افلاطون على تفكيره، أو ربما كان الأفضل أن يقال إن أرسطو بلغ ذلك المدى للاهتداء إلى منوال للتفكير والاستقصاء خاص به دون سواه وفيه مميزاته الشخصية، ففي المرحلة الأولى كان لا يزال يتصور الفلسفة السياسية على أنها إقامة دولة مثالية على الأسس التي تم وضعها فعلا، وبخاصة في كتابي السياسي، والقوانين، وقد ظل أثر اهتمام أفلاطون البالغ بالأخلاق سائدا في هذه المرحلة، فالإنسان الصالح والمواطن الصالح هما شيء واحد بعينه، أو هكذا يجب أن يكونا - وغاية الدولة إنما هي إيجاد أسمى طراز خلقي للحياة الإنسانية، ولا نظن أن أرسطو قد هجر عامدًا هذا النظر ما دام قد أبقى على البحث الخاص بالدولة المثالية كجزء هام من أجزاء كتاب السياسة، على أنه قد لاح له في وقت غير بعيد من افتتاح التوقيون إمكان وجود علم أو فن السياسة على نطاق أوسع بكثير، وأن العلم الجديد يجب أن يكون عاما بحيث يتناول الحكومات بأشكالها الواقعية والمثالية على السواء، كما يجب أن يلقن من حكم الدول وتنظيمها أيا كان نوعها وبأى أسلوب يختار، وبناء على هذا لم يكن العلم السياسي العام الجديد تجريبياً ووصفيا فقط، بل أريد له أن يكون من بعض الوجوه مستقلاً عن أي غرض أخلاقي، إذ إن السياسي قد يفتقد الخبرة الفنية بالحكم، ولو لم تكن الدولة التي يحكمها دولة فاضلة، وطبقا لهذه الفكرة الجديدة اشتمل علم السياسة في مجموعه على الإحاطة بالخير السياسي . النسبي والمطلق على السواء، وكذلك الإحاطة بالأساليب السياسية التي قد تستخدم للوصول إلى غايات قد تكون وضيعة، بل قد تكون شرا، وهذا التوسع في تعريف الفلسفة السياسية هو أظهر ما تمیز به تفكير أرسطو، وإذن فمن الممكن تقسيم وصف نظرية أرسطو السياسية إلى قسمين يكون مصدر القسم الأول منهما الكتاب الثاني والثالث والسابع والثامن، والمسائل التي أثيرت فيه هي العلاقات بين آرائه وأراء أفلاطون في أول محاولة له لإنشاء فلسفة مستقلة، لا سيما تلك المقترحات التي كانت - على قدر ما يمكن استبانته منها - طلائع للخطوة الأخيرة التي يز بها أفلاطون. أما مصدر القسم الثاني منهما، فالكتب الرابع والخامس والسادس والمسائل التي أثيرت فيه هي آراؤه النهائية عن أنواع الحكومات، ونظريته عن القوى الاجتماعية الكامنة وراء التنظيم السياسي والتغيرات السياسية، ووصفه للوسائل التي يعمل بها السياسي وأخيرا نجد في أوائل فصول الكتاب الأول كلمة أرسطو الأخيرة في المشكلة الفلسفية الكبرى التي شغلته هو وأفلاطون، الا وهي التمييز بين الطبيعة وبين المظاهر أو التقاليد، وقد انحاز إلى فكرة الطبيعة، وهي الفكرة التي هداه إليها تفكيره السياسي في أنضح مراحله. وتبعا للنهج الذي التزمه أرسطو في معالجة سائر الموضوعات في كتابه عن الدولة يعرض لما سبق أن دونه غيره من الكتاب في هذا الصدد، وأكثر ما يسترعى الاهتمام هنا هو نقده الأفلاطون، ما دام القارئ يتوقع حتما أن يجد هنا سبيله إلى تعرف الخلافات التي كان أرسطو مقراً بوجودها بوجودها بينه وبين أستاذه أفلاطون. ولكن النتيجة تنتهى إلى خيبة ظن القارئ ولا تشفى غلته. ففيما يختص بكتاب الجمهورية نراه قاطعا في اعتراضاته على إلغاء الملكية الخاصة وإلغاء الأسرة، وقد سبقت لنا الإشارة إلى هذه الاعتراضات بما فيه الكفاية، وأما نقده لكتاب القوانين، فيصعب تفسيره، فهو يتناول إلى حد كبير مسائل تفصيلية، بل إن عرضه للمسائل قد جاء أحيانًا غير دقيق إلى درجة تبعث على الدهشة، ويأخذنا العجب إذا ما لاحظنا أن الموضوعات التي ناقشها أرسطو في بنائه للدولة المثالية تكاد تكون جميعها واردة في القوانين، بل إن التشابه الكبير في التفاصيل الصغيرة تجده حرفيا في بعض الأحوال )، فمن المؤكد إذن أنه عندما كتب ذلك لم يكلف نفسه عناء تحليل ما ورد بكتاب القوانين، وبيان مناقضته لمبادئه. وتنبئ نغمة النقد بما عسى أن يكون سببا له. إذ يبدو أن أرسطو كان يشعر بأن كتابي أفلاطون السياسيين - بل ربما كان يشعر بذلك نحو فلسفته عامة - كانا باهرين ملهمين، إلا أن فيهما إغراقا في التطرف والنزعة النظرية، فهما - كما يقول - عمل غير عادي ويمتازان على الدوام بالأصالة. ولكن يبدو أن السؤال الذي كان يجول بخاطره هوا هل هما مما يمكن الاطمئنان إليه؟. وقد كشف عن أسس اختلافه مع ما جاء فيهما بغمزة فكاهية جافة، تلخص أبلغ تلخيص ذلك التباين الرئيسي بين مزاجي أرسطو وأستاذه أفلاطون، إذ قال: (فلتذكر أنه لا ينبغي لنا أن تهمل شأن تجارب العصور، فإن هذه الأمور لو كانت صالحة لما بقيت مجهولة على مر السنين طوال هذه الحقب المديدة، لأنه ما ترك الأول للآخر شيئًا، ولو أن الأشياء التي عرفت لم يضم بعضها إلى بعض في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى لم ينتفع الناس بالمعارف التي بين أيديهم ). وقصارى القول إن عبقرية أرسطو كانت أكثر رصانة وإن كانت أقل أصالة. فهو يشعر أن الابتعاد بالفكر عن محيط التجارب المألوفة ربما تضمن شيئًا من المغالطة في ناحية من نواحيه، ولو بدا سليما من الناحية المنطقية. هناك فارق أساسي بين أفلاطون وأرسطو، يتجلى في كل المواضع المتعلقة بالدولة المثالية في كتاب السياسة. ذلك أن ما يسميه أرسطو بالدولة المثالية هو ما اعتبره أفلاطون دائما الدولة الثانية في ترتيب أفضل الدول، وأن ما سبقت الإشارة إليه من رفض أرسطو للشيوعية بدل على أنه لم يتقبل قط ولو كمثل أعلى، تلك الدولة المثالية الواردة في جمهورية أفلاطون، فقد كان مثله الأعلى على الدوام الحكم الدستورى لا الاستبدادي، حتى ولو كان ذلك الاستبداد هو الاستبداد المستنير الذي يصدر عن الملك الفيلسوف، ولهذا قبل أرسطو منذ البداية وجهة نظر كتاب القوانين، ومؤداها أن القانون في أية دولة صالحة يجب أن يكون هو السيد الأعلى وليس أي شخص كائناً من كان. وقد تقيل هذا الرأى لا على أنه تسليم بالضعف البشرى بل على أنه من صميم الحكم الصالح وأنه بالتالي من خصائص الدولة المثالية، وهو يرى أن العلاقة بين الحاكم الدستورى وبين رعيته تختلف عن أى نوع آخر من أنواع الخضوع، وذلك لأنها لا تتنافى مع احتفاظ كل من الطرفين بحريته، وهي لهذا السبب تقتضى قدرا من المساواة الأدبية أو التشابه النوعى بينهما، وذلك بالرغم من الفوارق المؤكدة التي لابد من وجودها. ولهذا التمييز بين أنواع الحكم المتباينة من الأهمية لدى أرسطو ما جعله يعود إليه المرة بعد المرة، ومن المؤكد أن هذا التمييز كان موضع اهتمامه الخاص منذ عهد ميكر). فسلطة الحاكم الدستورى على رعاياه جد مختلفة عن سلطة السيد على عبيده، لأن المفروض فى العبد أنه يختلف بطبيعته، فهو نوع ادنى من المخلوقات ولد وضيعا وغير كفاء لأن يحكم نفسه، ومن المؤكد أن ارسطو يعترف أن هذا الرأى لا يصدق في الواقع في حالات كثيرة، ولكنه على كل حال هو النظرية التي يبرر الرق على أساسها، ولهذا كان العيد آلة حية يمتلكها السيد ليستعملها برفق، وإن كان هذا الاستعمال دواما المصلحة السيد. وتختلف السلطة السياسية أيضا عن تلك السلطة التي يمارسها الرجل على زوجته وأولاده، ولو أن هذه السلطة الأخيرة تطبق قطعا لمصلحة التابعين والمصلحة الوالد سواء بسواء. وقد اعتبر أرسطو أن فشل أفلاطون في التفريق بين علاقات الأسرة وبين السلطة السياسية هو أحد أخطائه الجسام، إذ إن هذا الخطأ قد حدا به إلى التوكيد في محاورة السياسي، بأن الدولة هي كالأسرة وإنما على نطاق أكبر، فالطفل ليس رشيدا ، ومع أنه يحكم لصالحه الخاص إلا أنه ليس مع ذلك على قدم المساواة مع والده. أما حالة الزوجة فليست واضحة لديه وضوحاً كافيًا، ولكن يبدو أن أرسطو كان يعتقد أن النساء يختلفن في الطبيعة عن الرجال، وهذا يستتبع القول بأنهن أقل مرتبة، وهذا الاختلاف لا يوقفهن على قدم المساواة المطلقة التي هي وحدها قوام العلاقات السياسية. فالدولة المثالية إذن إن لم تكن ديمقراطية فإنها تشتمل في الأقل على عنصر ديمقراطي، فهي جماعة من الأنداد ينشدون أصلح حياة ممكنة ). وتفقد صفتها الدستورية أو الصفة السياسية من أساسها إذا بلغ التنافر بين أعضائها درجة تحول دون احتفاظهم بمميزات أو فضائل مشتركة. يتصل الحكم الدستورى في الدولة اتصالاً وثيقاً كذلك بمعرفة ما إذا كان الأفضل أن يكون الحكم الأصلح رجل أو الأصلح القوانين، لأن الحكومة التي تستشير الفضلاء من رعاياها هي كذلك حكومة متفقة مع القانون، وتبعا لذلك قبل أرسطو سيادة القانون عنوانا على الدولة الصالحة لا لمجرد ضرورة منكودة وحجته في ذلك أن أفلاطون أخطأ - في محاورته السياسي» - عندما جعل الحكومة بواسطة القانون، والحكومة بواسطة الحكام العقلاء، نوعين متناوبين من أنواع الحكم، ذلك لأن أرشد الحكام لا يمكنه أن يستغنى عن القانون، لأن في القانون صفة موضوعية وطابعا مجرداً، مما لا يمكن توافره لأي إنسان مهما يكن فاضلاً. فالقانون هو العقل مجردا عن الهوى ). وأما المقابلة التي اعتاد أفلاطون أن يعقدها بين السياسة والطب فخطأ، والعلاقة السياسية إذا كانت تستهدف الحرية يلزم ألا تتضمن تخلى الفرد كلية عن تقديره للأمور وعن مسئوليته، وهي بصورتها هذه ممكنة إذا ما تحدد الوضع القانوني لكل من الحاكم والمحكوم، إن سلطة القانون المنزهة عن العواطف والنزعات لا تأخذ مكان القاضي، وإنما تضفى على سلطته صفة أدبية لا يمكن أن تتحقق بدونها. والحكم الدستورى يتمشى مع كرامة الرعايا وعزتهم، فالحاكم الدستوري – كما يقول أرسطو أحيانا - يحكم رعاياه برغبتهم ويحكمهم بإرادتهم، وبذلك يختلف. كل الاختلاف عن الدكتاتور الطاغية)، وهذه القيمة الأدبية التي أراد أرسطو إبرازها سراب خادع يمثل خداع فكرة رضاء المحكومين في النظريات الحديثة. ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يشك فيها كحقيقة. أولها: أنه حكم يستهدف الصالح العام أو صالح الجمهور، وبذلك يتميز عن الحكم الطائفي أو الحكم الاستبدادي اللذين يستهدفان صالح طبقة واحدة أو صالح فرد واحد . وثانيها: أنه حكم قانوني، بمعنى أن الحكومة تدار فيه بمقتضى قواعد تنظيمية عامة لا بمقتضى أوامر تحكمية وأنها كذلك، وبمعنى أعم، لا تستطيع أن تستخف بالعادات المرعية أو العرف الدستوري. وثالثها: أن الحكومة الدستورية حكومة رعية راضية، فتتميز بذلك عن الحكومة الاستبدادية التي تستند إلى محض القوة. على أن أرسطو وإن ذكر بجلاء هذه الخصائص والمقومات الثلاثة للحكم الدستورى، إلا أنه لم يبحثها في أي موضع من الكتاب بحثا منظما يمكن معه معرفة ما إذا كانت هي جماع مقومات الحكم الدستورى، وما هي علاقة كل واحدة منها بالأخرى، وقد أدرك أرسطو أنه من المحتمل ألا يتوافر في حكومة ما إلا اثنان فقط من هذه المقومات الثلاثة، فمثلاً قد يحكم طاغية حكما استبداديا ولكن الصالح العام، كما قد تتحيز حكومة قانونية لطبقة واحدة بعينها، ولكن الحكم الدستورى لم يظفر من أرسطو قط بتعريف شاف. وليس إصرار أرسطو على أفضلية الحكم الدستورى إلا نتيجة لأخذه جديا ما جاء في القوانين من أن القانون قد لا ينظر إليه على أنه مجرد ضرورة موقوتة بل باعتباره شرطاً جوهرياً للحياة الفاضلة المتمدنة. وفي كتاب السياسة فقرة تمهيدية كتبها أرسطو وفي ذهنه حتما بعض عبارات أفلاطون المأثورة، حيث يقول: إن الإنسان في كماله أفضل الحيوانات، فإن جانب القانون والعدالة صار شرها جميعا ). ولكن هذا الرأى في القانون مستحيل ما لم نفترض تزايد الحكمة تبعا لتكاثر التجارب تدريجيا، وأن هذا الرصيد المتزايد من الإدراك الاجتماعي إنما يتبلور في القانون والعادات، ولهذه النقطة أهمية فلسفية جوهرية، لأنه إذا كانت الحكمة والمعرفة هما امتياز العلماء فإن ما عسى أن يجنيه الرجل العادي من تجاربه لن يعدو مجرد رأى لا يمول عليه، ومن ثم لا ينتهى جدل أفلاطون إلى جواب. وإذا نظرنا إلى القضية من وجهها العكسي، فإن فلسفة أفلاطون إن أخطأت بإهمالها تجارب العصور ترتب على ذلك القول بأن هذه التجارب تمثل نموا حقيقيا في المعرفة، مع أن هذا النمو إنما يتمثل في العادات أكثر منه العلوم، وينجم عن حسن البداهة أكثر منه عن تلقين العلم. ولذلك يجب التسليم بأن الرأى العام ليس مجرد قوة لا مندوحة عنها، بل إنه أيضا - إلى حد ما - أصل له ما يسوغه من أصول الحياة السياسية. ويقول أرسطو إن من الممكن فيما يتعلق بسن القانون الاحتجاج بأن الحكمة الجماعية لشعب من الشعوب أسمى حتى من حكمة أعقل المشرعين، ويستطرد في التفريع عن هذه الحجة إلى أبعد من ذلك عندما يناقش الكتابة السياسية للمجالس الشعبية، فالأفراد في خضم الجماعة يكمل بعضهم بعضاً بصورة فريدة. ذلك بأن يفهم أحدهم جزءا من مسألة، ويفهم الآخر جزءاً غيره، فيحيطون في مجموعهم بالموضوع كله، وهو يوضح ذلك بتوكيد حقيقة - ربما كانت غير تامة الوضوح - هي أنه يمكن آخر المطاف الاعتماد على الذوق الشعبي في الفنون، على حين يرتكب الخبراء أخطاء فاضحة فيما يصدرونه من أحكام، ومن هذا القبيل أيضا تفضيله الواضح للقانون العرفي على القانون المكتوب، بل إنه على استعداد للتسليم بأن اتجاه أفلاطون إلى إلغاء القانون يصبح مزية إذا انصب الإلغاء على القانون المدون وحده، ولكنه يتمسك باستحالة التسليم بأن علم أعقل الحكام يمكن أن يفضل القانون العرفي، فالتفريق الحاد بين الطبيعة والعرف بذلك. التطرف المنطقى الذي ساق سقراط وأفلاطون إليه مذهبهما المتطرف في تسويد الفكر أو العقل قد هدمه أرسطو، فإن عقل السياسي في دولة فاضلة لا يمكن فصله عن العقل الكامن في قوانين وعادات الجماعة التي يحكمها. وفي الوقت نفسه يتفق المثل الأعلى السياسي لأرسطو مع المثل الأعلى الأفلاطون من حيث إيجاد هدف أخلاقي باعتباره الغابة الأسمى للدولة، ولم يغير أرسطو قط رأيه في هذا الشأن، حتى بعد أن وسع تعريفه للفلسفة السياسية ليتضمن بحثه كتاباً عملياً يكون بين أيدى الحكام الذين يتولون حكومات جد بعيدة عن المثالية، فالهدف الحقيقي للدولة ينبغى أن يشمل ارتقاء مواطنيها خلقيا، لأن الدولة يجب أن تكون شركة بين قوم يعيشون معا لتحقيق أفضل حياة ممكنة، فهذه هي صورة أو مفهوم الدولة، وإن قصارى جهد أرسطو للوصول إلى تعريف، إنما قام على اقتناعه بأن الدولة وحدها تتصف بالاستكفاء الذاتي). يمعنى أنها هي وحدها تهيئ في داخلها جميع الظروف التي يتسني في ظلها الوصول إلى أسمى مرتبة من الارتقاء الخلقي. وقد حصر أرسطو أيضا مثله الأعلى - كما فعل أفلاطون من قبل - في دولة المدينة، تلك الجماعة الصغيرة المتقاربة التي تكون فيها حياة الدولة هي حياة مواطنيها الاجتماعية التي تعلو على مصالح الأسرة والدين والصداقات الشخصية. وإن تضمنتها جميعا في دراسته للدول الواقعية، فليس هناك ما يدل على أن اتصاله بفيليب وبالإسكندر، قد مكنه من إدراك المغزى السياسي للغزو المقدوني للعالم الإغريقي ولبلاد الشرق، كما لم يحمله الفشل السياسي الذي أصاب دولة المدينة على أن تفقده هذه الدولة في نظره طابعها المثالي. وعلى ذلك فنظرية أرسطو في المثل العليا السياسية إنما تقوم على أساس ما تكون لديه من أراء بسبب اتصاله بأفلاطون، فهي تنبعث من المجهودات التي بذلها في اقتباس العناصر الأساسية لنظرية أفلاطون كما أوردها في السياسي» والقوانين مع التعديلات التي استدعتها ضرورة جعل النظرية جلية متماسكة. ويصدق ذلك بوجه خاص على ذلك الركن البارز من نظرية أفلاطون المتأخرة القائلة بأن القانون يجب أن يؤخذ على أنه عنصر من العناصر التي لا غنى عنها في تكوين الدولة. وإذا كان ذلك صحيحاً فلا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار ظروف الطبيعة البشرية التي تجعل هذا النظر صحيحا، فيتعين التسليم بأن القانون يتضمن حكمة حقيقية، ويجب أن يفسح المجال فيه بحيث يسع ما تتأثر به العادات الاجتماعية من تراكم هذه الحكمة، وكذلك الحاجات الخلقية التي تجعل القانون ضرورة، وينبغي أن يندمج كجزء من المثل الأخلاقية للدولة، فالحكم السياسي الحقيقي يجب أن يتضمن من ناحية الرعية عوامل الخضوع للقانون والحرية والرضا، وهي عوامل تصبح من خصائص الدولة المثالية نفسها، لا من خصائص الدولة التالية لها في الأفضلية. ولسنا بحاجة إلى مزيد من القول عن دولة أرسطو المثالية نفسها، والحق أن هدفه الذي جاهر به وهو إنشاء دولة مثالية - لم يخرج قط إلى عالم الوجود. ولا يسع القارئ إلا أن يشعر بأن أرسطو لم يكن متحمسا لذلك، فكان ما كتبه ليس مؤلفاً عن موضوع الدولة المثالية بل عن المثل العليا للدولة، وأما تصويره للدولة المثالية الذي شرع فيه في الكتابين السابع والثامن، فيبدو أنه لم يتمه أبدا، ولهذا مغزاه وبخاصة إذا صح القول بأن هذين الكتابين مأخوذان عن المسودات الأولى لكتاب السياسة والحياة الفاضلة تتطلب ظروفا مادية وعقلية على السواء، وإلى هذه الظروف بنوعيها يوجه أرسطو عنايته، وقد استمد بيانها من القوانين وتشمل أموراً تتعلق بالسكان اللازمين من حيث عددهم وصفاتهم، كما تتعلق بأصلح الأقاليم من حيث المساحة والطبيعة والموقع، على أن ذلك لا يعنى أن أرسطو يتفق على الدوام مع أفلاطون، فهو مثلاً أكثر منه تفضيلاً لأن يكون الموقع مطلاً على البحر أو أن يشارفه، على أن الخلاف بينهما إنما يظهر في التفاصيل، أما جوهر القائمة التي تعدد هذه الظروف المطلوبة فيشبه جوهر ما اقترحه افلاطون من قبل، وإلى جانب ظروف الحياة المادية يرى أرسطو كما يرى أفلاطون، أن أهم قوة تساعد على تكوين الرعايا هي التعليم الإلزامي. وتختلف نظرية أرسطو العامة في التعليم عن نظرية افلاطون. كما يمكن أن ينتظر، وذلك في زيادة اهتمام أرسطو بتكوين العادات الحسنة، وهو بذلك يضع العادة بين الطبيعة والعقل، وبعدها الأمور الثلاثة التي تجعل الناس فضلاء، وقد كان هذا التغيير لازما نظرا إلى الأهمية التي لا بد أن تكون للعادات في دولة خاصة للقانون، ولقد أفرد أرسطو كل مناقشة لمعالجة التعليم الحر. وأظهر ازدراء أعظم من ازدراء أفلاطون للتعليم الذي يبغى المنفعة، ومما يلفت النظر خلو بحثه من خطة للتعليم العالي شبيهة بتلك التي تكون جزءا هاما من كتاب الجمهورية. وقد يكون هذا الإغفال نتيجة لعدم استكمال المؤلف للكتاب. ويلاحظ كذلك أن حكومة الدولة المثالية توحى بتأثره بما جاء في القوانين». والملكية الفردية عند أرسطو مباحة، على أن يكون الانتفاع بها على المشاع. الأرض يفلحها الأرقاء، وتسقط عن الصناع صفة المواطن، على أساس أن الفضيلة لا يمكن توافرها لقوم يستنفدون وقتهم في عمل يدوى. سردنا حتى هذه المرحلة المثل العليا السياسية لأرسطو، دون التساؤل عن المتناقضات والصعوبات التي تواجهنا عندما نريد ربط هذه المثل العليا بالنظم والمؤسسات القائمة فعلاً في المدن، فمثل أرسطو الأعلى في ذاته يكاد يكون استنتاجيا كمثل أفلاطون سواء بسواء، ويبدو أنه لم يهتد إليه عن طريق تحليل جدلى العيوب النظرية السابقة، ولكن من الجلى أن التناقض مع التطبيق الفعلي ومع الغايات التي تتوخاها الحكومات في الواقع، أخطر بالنسبة لأرسطو مما هو بالنسبة لأفلاطون، الذي لم يفترض قط أن المثل الأعلى يجب أن يتجسم في صورة عملية ليكون صحيحاً، ولم يذهب قط إلى وجود شيء من الحكمة في العادات على النحو الذي ذهب إليه أرسطو في نظريته، فإذا عجزت الحقائق الواقعة عن أن تتواءم مع الحقيقة المثالية كان في استطاعة افلاطون دائما شانه في ذلك شأن الرياضي أو الصوفي - أن يندب حظ هذه الحقائق الواقعة القصورها عن بلوغ مرتبة المثالية. أما أرسطو قلم يكن في موقف يسمح له أن يكون حاسما كأفلاطون بسبب اعتماد فلسفته على بداهة العقل السليم والحكمة المتوارثة على مر العصور، ولذلك قد يكون مصلحا، ولكنه لا يكون ثورياً أبداً. ولابد أن فكره قد اتجه في الجملة إلى أن المثل الأعلى، وهو يسلم بأنه قوة مؤثرة، يجب أن يظل قوة في داخل التيار الفعلى لشئون الحياة تسايره ولا تتعارض معه، وأن الحكمة الكامنة في العادات الجارية يجب - إن صح القول . أن تكون مبدأ هاديا يقيد من مرونة الظروف الواقعية وقابليتها للتكيف ليسمو بها تدريجيا إلى مستوى أرفع، وهذا هو نظر ارسطو عن الطبيعة، والذي انتهى إليه نتيجة لتأملاته ودراساته للمشاكل الاجتماعية والبيولوجية، على أن أرسطو لم يطمئن قط إلى الرأى الذي انتهى إليه في هذه المشكلة حتى حين وضع مؤلفه عن الدولة المثالية، وآية ذلك ما يلمسه القارئ من تعقيد في الكتاب الثالث الذي تصدى فيه إلى بحث أخطر المسائل التي أثيرت في المؤلف كله. وتدل خاتمة هذا الكتاب على أنها وضعت كمقدمة لدولة مثالية، إلا أن الكتابين السابع والثامن يدلان على أن أرسطو وجد أن المضى في تنفيذ هذه الخطة لن. يكون محل رضا، ولذلك لم يستكمله أبدا، وعندما عمد إلى توسيع النسخة الأولى من كتابه لم يعمد إلى توسيع ما كتبه عن الدولة المثالية، بل لجأ إلى إضافة الكتب الرابع والخامس والسادس، وهذه الكتب تسترعى الانتباه بطابعها. الواقعي هدفًا وأسلوباً، وإن تكن استرسالاً في مناقشة اتجاهات بدأ في معالجتها في الكتاب الثالث. وتستطيع أن تطمئن إلى هذه النتيجة، وهي أن فكرة إقامة دولة مثالية قد قل تجانسها تدريجيا مع مزاج ارسطو في التفكير كلما تقدم به العمر، وأن نستنتج كذلك أنه في النهاية وجد في الكتاب الثالث مقدمة السلسلة من البحث لم يكن في الأصل قد انثوى اتباعها، وتبين هذه النتيجة مطالعة الكتاب الثالث ذاته كما يتسم به هذا الكتاب من تعقيد يرجع - جزئيا على الأقل - إلى أن المقدمة التي يكتبها أرسطو عن الدولة المثالية لا مناص من اشتمالها على دراسة مستفيضة لنظم الحكم المعمول بها في الدول القائمة فعلا، وكثيرا ما يصبح أرسطو أكثر اهتماما بالبحث التجريبي منه بالغرض الأصلي الذي اختطه لنفسه. وقصارى القول إن الأسباب التي حملت أرسطو على وضع الكتب الرابع والخامس والسادس بعد الكتاب الثالث في الترتيب، كانت أسبابا سليمة، وإن كان يرجح أنها لم تكن نفس الأسباب التي حدث به إلى تحرير الكتاب الثالث في مبدأ الأمر، وهكذا تما الكتاب حتى جاوز نطاقه الأصلي، وإن يكن هذا التجاوز وليد مباحث كانت ماثلة في ذهن المؤلف من بادئ الأمر. وليس من العسير تصور طبيعة الصعوبة التي واجهها أرسطو بصفة عامة. فإن المثل الأعلى السياسي الذي تلقاه من أفلاطون كان يفترض أن المدينة والمواطن اصطلاحان متلازمان وآية ذلك هذه الأسئلة الثلاثة التي استهل بها الكتاب الثالث، وهي: ما هي الدولة؟ ومن هو المواطن؟ وهل فضيلة الرجل الصالح هي بعينها فضيلة المواطن الصالح؟ ثم من يقول إن الدولة هي ترابط بين الناس من أجل تحقيق أفضل حياة خلقية، وإن طراز الحياة التي تحياها جماعة من الناس مشاركة بينهم إنما تتوقف على أي نوع من الناس هم، وأي الغايات يستهدفون، وكذلك فإن أهداف الدولة تحدد الأشخاص الذين يكونون أعضاء فيها، كما تحدد نوع الحياة التي يستطيعون أن يحيوها كأفراد، ومن هذه الناحية يكون الدستور - كما يقول أرسطو - تنظيما للمواطنين، أو أنه - كما يقول في موضوع آخر - نوع من الحياة، ويكون شكل الحكومة تعبيرا عن نوع الحياة الذي وجدت الدولة لترعاه الطبيعة الدولة الخلقية لا تتحكم في طبيعتها السياسية والقانونية فحسب، بل تتضمنها تضمنا تاما، وهكذا ينتهى أرسطو إلى أن الدولة تبقى ما بقى شكل حكومتها : إذ إن تغيير شكل الحكومة معناه في دستورها أو في نوع الحياة المنطوى عليه هذا الدستور والذي يسعى المواطنون إلى تحقيقه والقانون والدستور، والدولة، وشكل الحكومة نتجه جميعا نحو الاندماج معا، إذ تجدها من الناحية الأخلاقية تتصل جميعا وعلى قدم المساواة بالهدف الذي هو سبب وجود الجماعة. وليس هنالك اعتراض حاسم على استهداف تكوين دولة مثالية، لأن مثل هذه الدولة سوف يسودها أسمى نوع ممكن من الحياة، وقد افترض أفلاطون على الأقل أن تفهم مثال الخير من شأنه الاهتداء إلى هذا النوع الأسمى. ولكن الوصول إلى مثال الخير أولاً، ثم اتخاذه معيارا لنقد وتقدير الحياة وأنواع الدول القائمة فعلاً، هو بالذات سبب يأس أرسطو، ومن الناحية الأخرى إذا بدأ الإنسان بملاحظة الدول القائمة فعلا ووصفها وجد فوارق حتما فيما بينها. فالرجل الصالح والمواطن الصالح لا يمكن أن يتطابقا بصورة عامة - كما يقول أرسطو - إلا في دولة مثالية، إذ ما لم تكن أهداف الدولة هي أسمى ما يمكن أن يستهدف، فإن تحقيقها سيتطلب من المواطنين نوعاً من الحياة أدنى مرتبة من الحياة المثالية، ففي الدول القائمة فعلاً لا بد من وجود أنواع مختلفة من المواطنين لهم أنواع مختلفة من الفضيلة. وعلى هذا النحو أيضا نجد أرسطو عندما يعرف المواطن بأنه الشخص الصالح للاشتراك في الجمعية الشعبية وللجلوس في مقاعد المحلفين - وهو تعريف مؤسس على نظام أثينا - يرى لزاما أن يبين في الحال أن هذا التعريف لا يصلح إلا لدولة ديمقراطية، وكذلك نراه عندما يذهب إلى أن ذاتية الدولة تختلف باختلاف شكل حكومتها، يتبع ذلك القول محذرًا بأن هذا لا يسوغ أن تتنكر الدولة الجديدة للديون أو الالتزامات. التي تعهدت بها الدولة التي سبقتها، وعلى ذلك فثمة أوجه تفرقة لا بد من مراعاتها عند التطبيق العملي فالدستور ليس طريقة حياة للمواطنين فحسب. بل هو أيضاً تنظيم للموظفين لكي يضطلعوا بالشئون العامة، ولذلك فإن نواحيه السياسية لا يمكن أن تطابق تلقائيا الغرض الخلقي منه. وإن مجرد ملاحظة هذه الجوانب المتشابكة للموضوع ليشعر بمدى الصعوبات التي تكتنف إنشاء دولة مثالية تتخذ معيارا للحكم على الدول جميعها. ويحس الإنسان بمثل هذا التعقيد عندما يتكلم أرسطو عن تقسيم أشكال الحكومات، فإذا به يتخذ نفس التقسيم السداسي الذي أورده أفلاطون في السياسي، فبعد أن ميز بين الحكم الدستورى والحكم الاستبدادي على أساس أن أولهما حكم لصالح المجموع، وأن الثاني حكم لصالح الطبقة الحاكمة وحدها. طبق هذا التقسيم على التقسيم الثلاثي التقليدي النجمت عن ذلك من ناحية مجموعة من ثلاث دول صالحة أو دستورية هي الحكومة الفردية (أو الملكية تجوزا) والأرستقراطية والديمقراطية المعتدلة، ونجمت من ناحية ثانية مجموعة أخرى من ثلاث دول غير صالحة أو استبدادية) هي حكم الطاغية، وحكم الأقلية (الأوليجاركية)، والحكومة الديمقراطية المتطرفة أو حكم الفوغاء). والفارق الوحيد بين معالجة كل من أفلاطون وأرسطو للموضوع - وهو فارق يبدو غير ذي شأن - هو أن الأول يصف الدول الدستورية بأنها تلك التي تخضع للقانون، ويصفها الثاني بأنها تلك التي تحكم للصالح العام، وفي ضوء ما أورده أرسطو من تحليل المعنى الحكومة الدستورية لا بد أنه رأى أن الوصفين يكادان يؤديان إلى نتيجة واحدة، ومع هذا فإنه ما يكاد يتم تقسيمة السداسي حتى بيادر بالتنبيه إلى ما يحيط هذا التقسيم من صعوبات جدية، أولاها أن التقسيم الشائع المبنى على أساس عدد الحاكمين إنما هو تقسيم سطحي، ولا يبين - إلا عرضا - قصد العاملين به. فما بفهمه الكافة من حكومة الأوليجاركية هو أنها حكومة الأغنياء، كما تفهم الديمقراطية على أنها حكومة الفقراء، ولئن كانت كثرة الفقراء وقلة الأغنياء أمرا حقيقيا، إلا أن هذا لا يجعل النسبة العددية هي التي تخلع على كل من هذين النوعين صفته، فجوهر الموضوع هو أن هناك سببين متميزين لتولى الحكم يعتمد أولهما على حقوق الملاك، ويستند الثاني إلى سعادة أغلبية الناس ). ذهب هذا التصحيح للتقسيم القديم الأشكال الحكومات بأرسطو إلى مدى بعيد، لأنه يبعث على التساؤل عن دعاوى المطالبة بتولى السلطة في الدولة وعن وسيلة تنسيق هذه الدعاوى إن تعددت بحيث تصونها وتحافظ عليها جميعا، ولقد سبق القول بأن أسئلة مماثلة عرضت الأفلاطون، ويلاحظ أن هذه الأسئلة لا تتعلق في الحقيقة بموضوع الدولة المثالية، ولم يفترض ذلك افلاطون نفسه، وإنما تتعلق بالمزايا النسبية للدول القائمة، وبالدعاوى النسبية كذلك للطبقات المختلفة في الدولة الواحدة، وقد يقال إن للحكمة والفضيلة دعوى مطلقة في تولى السلطة، أو على الأقل إن هذا هو ما ذهب إليه أفلاطون ولم ينكره أرسطو، ولكن هذه نقطة أكاديمية، فليس موضع النزاع إيجاد مبدأ أخلاقي عام، إنما يدور حول الطريقة التي يمكن بها الاقتراب من هذا المبدأ في التطبيق العملي، فعلى حد قول أرسطو يقر الجميع بأن الدولة يجب أن تحقق أكبر نصيب ممكن من العدالة، وبأن العدالة أيضا تعنى نوعاً من المساواة، ولكن هل معنى المساواة أن يقدر كل شخص بواحد، وألا يقدر إنسان بأكثر من ذلك كما يفترض الديمقراطيون؟ أم أنها تعنى أن صاحب الملكيات والمصالح الواسعة، أو صاحب المركز الاجتماعي الرفيع، والتعليم الممتاز ينبغي أن يعد بأكثر من واحد كما يعتقد دعاة حكم الأقلية أو الأوليجاركية؟ وإذا سلمنا بأن الحكومة يجب أن يتولاها الحكماء والفضلاء من الحكام فاين نودع السلطة حتى تبلغ الحكمة والفضيلة، وعندما يوضع السؤال على هذا النحو يلاحظ أرسطو أن السؤال النسبي يتطلب جوابا نسبيا، ويقول إن الثروة ليس لها سند اخلاقي مطلق لتولى الحكم لأن الدولة ليست شركة تجارية ولا تعاقدا كما قال ليقوفرون السفسطائي (Ly)‏ ‏((cophron the Sophist من قبل، ومن السهل كذلك التدليل على أن عند كل الناس بواحد ليس إلا مجازاً مستساغا، ولكن هل يمكن القول من ناحية أخرى بأن الثروات لا حقوق لها ؟ لقد كان أرسطو يعتقد أن مغامرة افلاطون في هذا الاتجاه ثبت إخفاقها، وأن ديمقراطية تقوم على السلب والنهب لا يمكن على أي حال أن تكون أشرف من حكومة الأوليجاركية الاستغلالية، وأن للثروات الشخصية أو الملكيات الخاصة اعتبارات أدبية من الأهمية بحيث لا يجوز الإنسان أن يسقطها كلية من حسابه، إذا أراد أن يكون واقعيا . فطيب المولد وكمال التربية وحسن الصلات مع الفراغ أمور لا ينبغى إهمالها كسند للنفوذ السياسي، وهي جميعها صفات تتفق إلى حد ما مع الثروة، وللديمقراطي كذلك حجثه وسنده في المطالبة بالحكم، فإن عدد الناس الذين يتأثرون بالحكم الديمقراطي هو دون شك اعتبار أدبى لا جرم يدخل في تقدير شئون السياسة وعواقبها ، وفضلا عن ذلك فإن الرأى العام الرشيد هو في الغالب - وكما اعتقد أرسطو - الصواب بعينه دائما، في حين يخطئ أحكم الحكماء أحيانا، وخلاصة هذا الجدل أنه ما من دعوى لتولى الحكم إلا ويمكن الاعتراض عليها، ومن ناحية أخرى فليس بين هذه الدعاوى المألوفة واحدة إلا ولها نصيب من الوجاهة وإنه لعسير أن تجد في هذه النتيجة ما يمكن أن يعزز فكرة إنشاء دولة مثالية، ومع ذلك فما من شك في أن ارسطو قد تناول هذا الجدل الخالد حول المبادئ الخلقية السياسية بحصافة رای منقطعة النظير والواقع أن هذه الدراسة لدعوى كل من الديمقراطية والأوليجاركية قد حدث بارسطو فيما بعد إلى أن يترك جانبا ما شرع فيه من التنقيب عن الدولة المثالية، مكتفيا بما هو أكثر تواضعا من ذلك، وهو البحث عن أفضل نظام للحكم تستطيع أغلب الدول إدراكه. وإن ما انتهى إليه الرأى من أنه ليس لأية طبقة سند مطلق في تولى السلطة العامة ليعزز مبدأ سيادة القانون، إذ إنه - لتجرده من الأشخاص - أقل تعرضا للهوى من أي فرد بيد أن أرسطو برغم تغلغل هذه العقيدة لديه، فإننا نجده يعترف بأنه حتى هذا الرأى لا يمكن الجزم بصحته على وجه الإطلاق، لأن القانون متصل بالدستور، وبالتالي لا ينتظر في دولة فاسدة إلا أن تكون قوانينها فاسدة كذلك. وعلى ذلك ليست الشرعية في ذاتها إلا ضمانا نسبيا للخير، وهذا الضمان يفضل القوة أو النفوذ الشخصي، ولكن من المحتمل جدا أن يكون مع ذلك ضمانا لا يعول عليه، فالدولة الصالحة يجب أن تحكم وفقا للقانون ولكن هذا لا يعنى أن كل دولة تحكم وفق القانون تكون دولة صالحة. ويبدو أن أرسطو كان يعتقد أن الملكية والأرستقراطية هما وحدهما اللتان يصح لهما الادعاء بأن تعتبرا دولتين مثاليتين، وإن كان أرسطو لم يقل على الأرستقراطية إلا النزر اليسير، غير أنه تكلم عن الملكية بشيء من الإفاضة. وهذا البحث بالذات عن الدولة المثالية المفترضة يدل دلالة قاطعة على قلة ما لديه من قول عن هذا الموضوع، ويتصل في جلاء بما جاء في الكتاب الرابع من عود إلى البحث في الديمقراطية والأوليجاركية بحثا واقعياً، فالملكية من ناحية هي أفضل شكل للحكومة، لو وجد الملك الحكيم الفاضل، فالملك الفيلسوف الذي تحدث عنه أفلاطون هو أدنى الناس إلى الحق المطلق في تولى السلطة العامة، ولكنه يصبح حينئذ إلها بين البشر، ويكون من السخرية أن يسمح الأحد غير هذا الإله الفاني بأن يضع له القانون، كما أنه ليس من العدل في شيء أن تباعد بينه وبين الجماعة، وبذلك لا مندوحة من أن يسمح له بأن يحكم على ان ارسطو لم يكن كامل الثقة بأن لمثل هذا الرجل حقا غير مجرح في تولى الحكم ذلك لأنه يعلق أهمية بالغة على ما يجب أن يقوم بين المواطنين من مساواة في الدولة الواحدة، مما جعله يتساءل ما إذا كان يجوز أن يستثنى من . هذه المساواة حالة توافر الفضيلة الكاملة وموضوع المساواة هذا يعنى كل صور الحكم، سواء أكانت صالحة أم فاسدة، ومع ذلك فإن أرسطو ظل على استعداد للاعتراف بأن الملكية تصلح للجماعة التي تعلو فيها أسرة واحدة علوا كبيرا في الفضيلة وفي الدولة السياسية، والحقيقة أن الحكومة الملكية المثالية بالنسبة لأرسطو ليست إلا مسألة أكاديمية، ولولا ما كان الأفلاطون على تفكيره من تأثير ما تعرض لذكرها بتاتا، وهو يقرر أن الملكية التي تحكم وفقا للقانون ليست في الحقيقة دستورا مطلقا، وإذا التزمنا حرفية هذا القول أدى شرط اعتراف الحكومة الصالحة بسيادة القانون إلى عدم جواز اعتبار الملكية شكلاً للحكومة الصالحة، والملكية على الطراز المثالي حرية بأن تكون نظاما لحكم الأسرة لا للحكم السياسي، وما ساق أرسطو إلى بحثها إلا أخذه بتقسيم افلاطون السداسي. وعندما ينتقل أرسطو إلى دراسة الحكومات الفردية القائمة نراه يتغاضى كلية عن الدولة المثالية فهو يعرف نوعين قانونيين منها : هما ملكية إسبرطة والدكتاتورية، ولكن ليست لأيهما صفة الحكم الدستوري، كما يعرف ارسطو نوعين من دساتير الحكم الفردي هما : الملكية الشرقية، وملكية عصر البطولة وهذا بالطبع ضرب من التخمين ويتجاوز في الحقيقة نطاق تجربة أرسطو، أما الملكية الشرقية فهي بعبارة أصح شكل من أشكال الطغيان، ولو اعتبرت قانونية بالمعنى البربري، نظرا لأن الأسيويين كانوا أرقاء بطبيعتهم، ولم يكونوا ليمارضوا حكومة استبدادية. وعلى ذلك فالملكية كما عرفها أرسطو تشبه في جوهرها تلك الحكومة التي كانت في بلاد الفرس، ومع هذا فليس مغزى هذا البحث فيما يسجله عن الملكية بقدر ما يبدو في تفريقه بين أنواعها المختلفة، ومن الواضح أن تقسيم الدول السداسي قد فقد دلالته لدى أرسطو، بالقياس إلى ما أولع به من الدراسة التجريبية الواقع عمل الحكومات. وعند هذه النقطة بالذات عاد في الكتاب الرابع إلى استئناف البحث في الحكومة الأوليجاركية والحكومة الديمقراطية، أو بعبارة أخرى إلى أشكال الحكومات الإغريقية. والآن تتضح الأسباب التي حالت بين مثل ارسطو العليا السياسية وبين تحقيق الدولة المثالية، فقد كانت الدولة المثالية تمثل مذهبا في الفلسفة السياسية ورثة ارسطو عن أفلاطون، ولكنه كان في الواقع قليل التجانس مع عبقريته. وكلما شق ارسطو لنفسه طريقاً مستقلا في التفكير والاستقصاء ازداد جنوحًا إلى تحليل الدساتير القائمة فعلاً ووصفها، وإن تلك المجموعة الضخمة التي ضمت مائة وثمانية وخمسين تاريخاً دستوريا والتي وضعها هو وتلاميذه، التعتبر نقطة تحول في تفكيره، وتتم عن أفق أوسع في تفهم النظريات السياسية، على أن هذا لا يعنى أن أرسطو قد تحول إلى الوصف وحده، فإن جوهر النظرة الجديدة هو المزج بين الاستقصاء التجريبي وبين اعتبارات النظرية للمثل العليا السياسية، فالمثل الأخلاقية - من سيادة القانون لا الحرية والمساواة بين المواطنين، والحكومة الدستورية، والتقدم الإنساني نحو الكمال في حياة متمدنة كانت دراما عند ارسطو في الغايات التي من أجلها توجد الدولة والشيء الذي كشف عنه أرسطو هو أن هذه المثل كانت معقدة في تحقيقها غاية التعقيد. وكانت تتطلب أقصى الجهد في التوفيق بينها وبين الظروف الكائنة فعلاً في الحكومة الواقعية. فالمثل العليا يجب ألا تحلق في السماء على غرار مثال أفلاطون،


Original text

الفصل الخامس أرسطو
المثل العليا السياسية
في حوالي التاريخ الذي طلب فيه ديون من أفلاطون أن يضطلع بتجربة سراقوسة لتثقيف ديونيسيوس الصغير، ورفع مستوى حكومته، التحق بأكاديمية أفلاطون أعظم تلاميذه وهو أرسطو، ولم يكن أرسطو من أهل أتينا، بل من أهل ستاجيرا في تراقيا، حيث ولد سنة ٣٨٤ ق.م. وكان والده طبيبا، وربما كان ذلك من أسباب اهتمام أرسطو الواضح في جميع مؤلفاته بالبحوث البيولوجية. ولهذا التخصص الحق والد أرسطو بالبلاط المقدوني، وأكبر الظن أن أرسطو إنما التحق بمدرسة أفلاطون لأنها كانت قبل كل شيء أصلح مكان في بلاد الإغريق المواصلة الدراسات العليا المتقدمة، فلما دخلها لبث عضوا بها طيلة حياة افلاطون - أى مدة عشرين عاما - فتأثر ذهنه حتما بطابع تعاليم أفلاطون، وآية ذلك ما يتجلى في كل صفحة من كتاباته الفلسفية اللاحقة، فلما توفى أفلاطون سنة ٣٤٧ ق. م. غادر أرسطو أثينا، وظل مدى الاثنتي عشرة سنة التالية يتقلب في مختلف المناسب. وإلى هذه المدة تنسب أولى كتاباته المستقلة، وفي سنة ٣٤٣ اختير معلما للأمير الصغير الإسكندر المقدوني، بيد أن الباحث لا يقف في كتاباته السياسية على ما ينبئ بتأثر أفكاره بإقامته في مقدونيا، ويبدو أن خياله قصر عن إدراك الأهمية الثورية لفتح الإسكندر البلاد الشرق، بما أدى إليه هذا الفتح من مزج المدنيتين الإغريقية والشرقية، ولا شك أن الخطة السياسية التي انتهجها تلميذه الأمير المقدوني كانت منافية تماما لكل ما لقنه إياه في علم السياسة، وفي سنة ٣٣٥ ق. م. افتتح أرسطو مدرسته الخاصة في أثينا، وهي ثانية المدارس الفلسفية الأربع الكبرى، وفى خلال الاثنتى عشرة سنة التي تلت ذلك التاريخ وضع أغلب مؤلفاته، وإن كان من المحتمل أن بعض ما تضمنته كان قد بدأه قبل ذلك. وقد عاش ارسطو سنة واحدة بعد وفاة تلميذه العظيم الإسكندر. ثم أدركته المنية في يوبويا (Roboca) سنة ٣٢٢ ق. م. وكان قد غادر أثينا قرارا من الاضطرابات المعادية المقدونيا، التي حدثت بعد موت الإسكندر.
علم السياسة الجديد


تعرض كتابات ارسطو مشكلة جد مغايرة لتلك التي تضمنتها محاورات أفلاطون، فإن معظم مؤلفات أرسطو الموجودة بين أيدينا الآن - إذا أغفلنا الأجزاء الباقية من كتاباته الشعبية المبكرة - لم تكن كتبا مستكملة ومعدة للنشر. ال كان يستعملها في التدريس، ولو أنه من المحتمل أن تكون أجزاء هامة منها قد حررت قبل افتتاح اللوقيون (Lyceum). والواقع أنها لم تنشر في صورتها الحالية إلا بعد أربعة قرون من وفاته، بيد أنها ظلت ملكا للمدرسة، واستعان بها دون شك. من جاء بعده من المعلمين، ويلوح أن أرسطو قد قضى جل الاثنتى عشرة سنة التي كان فيها على رأس اللوقيون، في توجيه عدد من مشروعات البحث الواسعة التي ساهم معه فيها تلاميذه، مثال ذلك البحث المشهور عن التاريخ الدستوري المائة وثمان وخمسين مدينة إغريقية، من بينها دستور أثينا الذي اكتشف سنة ۱۸۹۱ - وهو الدستور الوحيد الباقي من بينها - ويلاحظ أن هذه البحوث ولم يكن بحث التاريخ الدستورى المذكور إلا واحداً منها كانت دراسات تاريخية أكثر منها فلسفية، وكانت بحوثاً تجريبية أصيلة، وعلى ضوء هذه التجارب كان أرسطو يدخل بين الفينة والفينة ما يعن له من إضافات إلى كتاباته التي كان قد أعدها قبل افتتاح المدرسة ومن ثم لا يمكننا أن تعتبر كتابه السياسي العظيم المسمى السياسة، كتابا مستكملاً على النحو الذي كان يفعله أرسطو لو أنه وضعه الجمهور القراء، وقد ثار الشك بالفعل فيما إذا كان ارسطو قد رتب بنفسه هذا الكتاب بوضعه الراهن، أو أن ذلك الترتيب من صنع من تولوا نشره اعتمادا على مجموعات عديدة من المخطوطات ). ذلك لأن المشاكل التي تعرض لها البحث كانت واضحة لا تخفى على فطنة القارئ، أما حل هذه المشاكل الموضوع آخر. وقد عمد بعض الناشرين فيما بعد إلى تغيير ترتيب الأبواب رغبة في تحسين التبويب، ولكن لا يمكن لأى تغيير في الترتيب أن يجعل من كتاب السياسة. مؤلفا تاماً موحداً، فالكتاب السابع، الذي يتناول فيه أرسطو موضوع إنشاء دولة مثالية من الواضح أنه يتابع خاتمة الكتاب الثالث، في حين تجد أن الكتب الرابع والخامس والسادس التي تتناول الدول الواقعية لا المثالية تؤلف مجموعة قائمة بذاتها، ولذلك جرت العادة على وضع الكتابين السابع والثامن بعد الكتاب الثالث وعلى وضع الكتب الرابع والخامس والسادس في نهاية المؤلف، بيد أننا نرى. نوعا من الارتباط بين البحث في الملكية قبيل نهاية الكتاب الثالث، وبين البحث في حكومة الأقلية أو الأوليجاركية والحكومة الديمقراطية في الكتاب الرابع، وأيا كان الترتيب الذي تتبعه في قراءة هذا الكتاب فلا مفر من ملاقاة بعض الصعوبات في القراءة، وربما أصاب ، روس، فيما ذهب إليه من أن القارئ ينبغي له على كل حال أن يتقبل الكتاب كما هو بصورته التقليدية. ولعل أحسن تأويل ساقه النقاد حتى الآن في تفسير السياسة، هو ذلك الذي قال به فیرتر بیجر (Werner Jaeger)، ومع أن هذا التأويل لم يقم عليه دليل إلا أنه يعرض طريقة معقولة لتطور فلسفة أرسطو السياسية، فكما يقول بيجر أن كتاب السياسة، كما وصلنا من عمل أرسطو وليس من صنع أحد الناشرين. ولكن نص الكتاب دون على مرحلتين، ولذلك يجرى في تيارين أساسيين، فهناك أولاً جزء يتناول الدولة المثالية والنظريات السابقة بشأنها، وهذا الجزء يشمل الكتاب الثاني (٢)، وهو بحث تاريخي للنظريات الأسبق ويمتاز خاصة بنقد أفلاطون، والكتاب الثالث وهو دراسة لطبيعة الدولة والرعوية، وإن كان قد قصد به إلى التقديم النظرية في الدولة المثالية والكتابان السابع والثامن في إقامة الدولة المثالية، ويرجع بيجر هذه الكتب الأربعة إلى تاريخ لا يجاوز كثيرا رحيل أرسطو من أثينا بعد موت أفلاطون، وهناك من الناحية الثانية دراسة للدول القائمة فعلاً، وبخاصة الديمقراطية وحكومة الأقلية، مع أسباب انهيارها وأفضل السيل التحقيق استقرارها، وهذه الدراسة تستغرق الكتب الرابع والخامس والسادس، وهذه يرجعها ييجر إلى تاريخ تال لافتتاح اللوقيون ) مفترضاً أنها تمثل عودة إلى الفلسفة السياسية على أثر - أو خلال - البحث التاريخي للدساتير المائة والثمانية والخمسين كما سلف القول، أما الكتب الرابع والخامس والسادس فقد أدخلها أرسطو وسط النصوص الأصلية، مما أدى إلى ضخامة ما كتبه عن الدولة المثالية، بحيث صار مطولاً عاماً في علم السياسة. وأخيرا يعتقد بيجر أن الكتاب الأول إنما كتب بعد سائر الكتب ليكون بمثابة مقدمة عامة لهذا المطول الضخم، ولو أنه الحق بالكتاب الثاني بصورة سريعة غير موفقة، وبذلك يكون كتاب السياسة، في رأى بيجر قد قصد به أن يكون رسالة في علم واحد، ولكن لم يعد واضعه كتابته من جديد، وهي إعادة كان لا بد منها التوحيد أجزاء هذا المؤلف وتنسيقها، والتي امتد تدوينها فترة طويلة قاربت خمسة عشر عاما.
فإذا صح رأى بيجر هذا، فإن كتاب السياسة يمثل مرحلتين في تفكير ارسطو تتميزان بذلك المدى البعيد الذي بلغه أرسطو في التحرر من سلطان افلاطون على تفكيره، أو ربما كان الأفضل أن يقال إن أرسطو بلغ ذلك المدى للاهتداء إلى منوال للتفكير والاستقصاء خاص به دون سواه وفيه مميزاته الشخصية، ففي المرحلة الأولى كان لا يزال يتصور الفلسفة السياسية على أنها إقامة دولة مثالية على الأسس التي تم وضعها فعلا، وبخاصة في كتابي السياسي، والقوانين، وقد ظل أثر اهتمام أفلاطون البالغ بالأخلاق سائدا في هذه المرحلة، فالإنسان الصالح والمواطن الصالح هما شيء واحد بعينه، أو هكذا يجب أن يكونا - وغاية الدولة إنما هي إيجاد أسمى طراز خلقي للحياة الإنسانية، ولا نظن أن أرسطو قد هجر عامدًا هذا النظر ما دام قد أبقى على البحث الخاص بالدولة المثالية كجزء هام من أجزاء كتاب السياسة، على أنه قد لاح له في وقت غير بعيد من افتتاح التوقيون إمكان وجود علم أو فن السياسة على نطاق أوسع بكثير، وأن العلم الجديد يجب أن يكون عاما بحيث يتناول الحكومات بأشكالها الواقعية والمثالية على السواء، كما يجب أن يلقن من حكم الدول وتنظيمها أيا كان نوعها وبأى أسلوب يختار، وبناء على هذا لم يكن العلم السياسي العام الجديد تجريبياً ووصفيا فقط، بل أريد له أن يكون من بعض الوجوه مستقلاً عن أي غرض أخلاقي، إذ إن السياسي قد يفتقد الخبرة الفنية بالحكم، ولو لم تكن الدولة التي يحكمها دولة فاضلة، وطبقا لهذه الفكرة الجديدة اشتمل علم السياسة في مجموعه على الإحاطة بالخير السياسي . النسبي والمطلق على السواء، وكذلك الإحاطة بالأساليب السياسية التي قد تستخدم للوصول إلى غايات قد تكون وضيعة، بل قد تكون شرا، وهذا التوسع في تعريف الفلسفة السياسية هو أظهر ما تمیز به تفكير أرسطو، وإذن فمن الممكن تقسيم وصف نظرية أرسطو السياسية إلى قسمين يكون مصدر القسم الأول منهما الكتاب الثاني والثالث والسابع والثامن، والمسائل التي أثيرت فيه هي العلاقات بين آرائه وأراء أفلاطون في أول محاولة له لإنشاء فلسفة مستقلة، لا سيما تلك المقترحات التي كانت - على قدر ما يمكن استبانته منها - طلائع للخطوة الأخيرة التي يز بها أفلاطون. أما مصدر القسم الثاني منهما، فالكتب الرابع والخامس والسادس والمسائل التي أثيرت فيه هي آراؤه النهائية عن أنواع الحكومات، ونظريته عن القوى الاجتماعية الكامنة وراء التنظيم السياسي والتغيرات السياسية، ووصفه للوسائل التي يعمل بها السياسي وأخيرا نجد في أوائل فصول الكتاب الأول كلمة أرسطو الأخيرة في المشكلة الفلسفية الكبرى التي شغلته هو وأفلاطون، الا وهي التمييز بين الطبيعة وبين المظاهر أو التقاليد، وقد انحاز إلى فكرة الطبيعة، وهي الفكرة التي هداه إليها تفكيره السياسي في أنضح مراحله.
أنواع الحكم
وتبعا للنهج الذي التزمه أرسطو في معالجة سائر الموضوعات في كتابه عن الدولة يعرض لما سبق أن دونه غيره من الكتاب في هذا الصدد، وأكثر ما يسترعى الاهتمام هنا هو نقده الأفلاطون، ما دام القارئ يتوقع حتما أن يجد هنا سبيله إلى تعرف الخلافات التي كان أرسطو مقراً بوجودها بوجودها بينه وبين أستاذه أفلاطون. ولكن النتيجة تنتهى إلى خيبة ظن القارئ ولا تشفى غلته. ففيما يختص بكتاب الجمهورية نراه قاطعا في اعتراضاته على إلغاء الملكية الخاصة وإلغاء الأسرة، وقد سبقت لنا الإشارة إلى هذه الاعتراضات بما فيه الكفاية، وأما نقده لكتاب القوانين، فيصعب تفسيره، فهو يتناول إلى حد كبير مسائل تفصيلية، بل إن عرضه للمسائل قد جاء أحيانًا غير دقيق إلى درجة تبعث على الدهشة، ويأخذنا العجب إذا ما لاحظنا أن الموضوعات التي ناقشها أرسطو في بنائه للدولة المثالية تكاد تكون جميعها واردة في القوانين، بل إن التشابه الكبير في التفاصيل الصغيرة تجده حرفيا في بعض الأحوال )، فمن المؤكد إذن أنه عندما كتب ذلك لم يكلف نفسه عناء تحليل ما ورد بكتاب القوانين، وبيان مناقضته لمبادئه. وتنبئ نغمة النقد بما عسى أن يكون سببا له. إذ يبدو أن أرسطو كان يشعر بأن كتابي أفلاطون السياسيين - بل ربما كان يشعر بذلك نحو فلسفته عامة - كانا باهرين ملهمين، إلا أن فيهما إغراقا في التطرف والنزعة النظرية، فهما - كما يقول - عمل غير عادي ويمتازان على الدوام بالأصالة. ولكن يبدو أن السؤال الذي كان يجول بخاطره هوا هل هما مما يمكن الاطمئنان إليه؟.. وقد كشف عن أسس اختلافه مع ما جاء فيهما بغمزة فكاهية جافة، تلخص أبلغ تلخيص ذلك التباين الرئيسي بين مزاجي أرسطو وأستاذه أفلاطون، إذ قال: (فلتذكر أنه لا ينبغي لنا أن تهمل شأن تجارب العصور، فإن هذه الأمور لو كانت صالحة لما بقيت مجهولة على مر السنين طوال هذه الحقب المديدة، لأنه ما ترك الأول للآخر شيئًا، ولو أن الأشياء التي عرفت لم يضم بعضها إلى بعض في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى لم ينتفع الناس بالمعارف التي بين أيديهم ).
وقصارى القول إن عبقرية أرسطو كانت أكثر رصانة وإن كانت أقل أصالة. فهو يشعر أن الابتعاد بالفكر عن محيط التجارب المألوفة ربما تضمن شيئًا من المغالطة في ناحية من نواحيه، ولو بدا سليما من الناحية المنطقية.


هناك فارق أساسي بين أفلاطون وأرسطو، يتجلى في كل المواضع المتعلقة بالدولة المثالية في كتاب السياسة. ذلك أن ما يسميه أرسطو بالدولة المثالية هو ما اعتبره أفلاطون دائما الدولة الثانية في ترتيب أفضل الدول، وأن ما سبقت الإشارة إليه من رفض أرسطو للشيوعية بدل على أنه لم يتقبل قط ولو كمثل أعلى، تلك الدولة المثالية الواردة في جمهورية أفلاطون، فقد كان مثله الأعلى على الدوام الحكم الدستورى لا الاستبدادي، حتى ولو كان ذلك الاستبداد هو الاستبداد المستنير الذي يصدر عن الملك الفيلسوف، ولهذا قبل أرسطو منذ البداية وجهة نظر كتاب القوانين، ومؤداها أن القانون في أية دولة صالحة يجب أن يكون هو السيد الأعلى وليس أي شخص كائناً من كان. وقد تقيل هذا الرأى لا على أنه تسليم بالضعف البشرى بل على أنه من صميم الحكم الصالح وأنه بالتالي من خصائص الدولة المثالية، وهو يرى أن العلاقة بين الحاكم الدستورى وبين رعيته تختلف عن أى نوع آخر من أنواع الخضوع، وذلك لأنها لا تتنافى مع احتفاظ كل من الطرفين بحريته، وهي لهذا السبب تقتضى قدرا من المساواة الأدبية أو التشابه النوعى بينهما، وذلك بالرغم من الفوارق المؤكدة التي لابد من وجودها.
ولهذا التمييز بين أنواع الحكم المتباينة من الأهمية لدى أرسطو ما جعله يعود إليه المرة بعد المرة، ومن المؤكد أن هذا التمييز كان موضع اهتمامه الخاص منذ عهد ميكر). فسلطة الحاكم الدستورى على رعاياه جد مختلفة عن سلطة السيد على عبيده، لأن المفروض فى العبد أنه يختلف بطبيعته، فهو نوع ادنى من المخلوقات ولد وضيعا وغير كفاء لأن يحكم نفسه، ومن المؤكد أن ارسطو يعترف أن هذا الرأى لا يصدق في الواقع في حالات كثيرة، ولكنه على كل حال هو النظرية التي يبرر الرق على أساسها، ولهذا كان العيد آلة حية يمتلكها السيد ليستعملها برفق، وإن كان هذا الاستعمال دواما المصلحة السيد. وتختلف السلطة السياسية أيضا عن تلك السلطة التي يمارسها الرجل على زوجته وأولاده، ولو أن هذه السلطة الأخيرة تطبق قطعا لمصلحة التابعين والمصلحة الوالد سواء بسواء. وقد اعتبر أرسطو أن فشل أفلاطون في التفريق بين علاقات الأسرة وبين السلطة السياسية هو أحد أخطائه الجسام، إذ إن هذا الخطأ قد حدا به إلى التوكيد في محاورة السياسي، بأن الدولة هي كالأسرة وإنما على نطاق أكبر، فالطفل ليس رشيدا ، ومع أنه يحكم لصالحه الخاص إلا أنه ليس مع ذلك على قدم المساواة مع والده. أما حالة الزوجة فليست واضحة لديه وضوحاً كافيًا، ولكن يبدو أن أرسطو كان يعتقد أن النساء يختلفن في الطبيعة عن الرجال، وهذا يستتبع القول بأنهن أقل مرتبة، وهذا الاختلاف لا يوقفهن على قدم المساواة المطلقة التي هي وحدها قوام العلاقات السياسية.
فالدولة المثالية إذن إن لم تكن ديمقراطية فإنها تشتمل في الأقل على عنصر ديمقراطي، فهي جماعة من الأنداد ينشدون أصلح حياة ممكنة ). وتفقد صفتها الدستورية أو الصفة السياسية من أساسها إذا بلغ التنافر بين أعضائها درجة تحول دون احتفاظهم بمميزات أو فضائل مشتركة.


حكم القانون
يتصل الحكم الدستورى في الدولة اتصالاً وثيقاً كذلك بمعرفة ما إذا كان الأفضل أن يكون الحكم الأصلح رجل أو الأصلح القوانين، لأن الحكومة التي تستشير الفضلاء من رعاياها هي كذلك حكومة متفقة مع القانون، وتبعا لذلك قبل أرسطو سيادة القانون عنوانا على الدولة الصالحة لا لمجرد ضرورة منكودة وحجته في ذلك أن أفلاطون أخطأ - في محاورته السياسي» - عندما جعل الحكومة بواسطة القانون، والحكومة بواسطة الحكام العقلاء، نوعين متناوبين من أنواع الحكم، ذلك لأن أرشد الحكام لا يمكنه أن يستغنى عن القانون، لأن في القانون صفة موضوعية وطابعا مجرداً، مما لا يمكن توافره لأي إنسان مهما يكن فاضلاً. فالقانون هو العقل مجردا عن الهوى ). وأما المقابلة التي اعتاد أفلاطون أن يعقدها بين السياسة والطب فخطأ، والعلاقة السياسية إذا كانت تستهدف الحرية يلزم ألا تتضمن تخلى الفرد كلية عن تقديره للأمور وعن مسئوليته، وهي بصورتها هذه ممكنة إذا ما تحدد الوضع القانوني لكل من الحاكم والمحكوم، إن سلطة القانون المنزهة عن العواطف والنزعات لا تأخذ مكان القاضي، وإنما تضفى على سلطته صفة أدبية لا يمكن أن تتحقق بدونها. والحكم الدستورى يتمشى مع كرامة الرعايا وعزتهم، فالحاكم الدستوري – كما يقول أرسطو أحيانا - يحكم رعاياه برغبتهم ويحكمهم بإرادتهم، وبذلك يختلف. كل الاختلاف عن الدكتاتور الطاغية)، وهذه القيمة الأدبية التي أراد أرسطو إبرازها سراب خادع يمثل خداع فكرة رضاء المحكومين في النظريات الحديثة. ومع ذلك لا يستطيع أحد أن يشك فيها كحقيقة.
وللحكم الدستورى . كما يفهمه ارسطو - عناصر رئيسية ثلاثة:
أولها: أنه حكم يستهدف الصالح العام أو صالح الجمهور، وبذلك يتميز عن الحكم الطائفي أو الحكم الاستبدادي اللذين يستهدفان صالح طبقة واحدة أو صالح فرد واحد .
وثانيها: أنه حكم قانوني، بمعنى أن الحكومة تدار فيه بمقتضى قواعد تنظيمية عامة لا بمقتضى أوامر تحكمية وأنها كذلك، وبمعنى أعم، لا تستطيع أن تستخف بالعادات المرعية أو العرف الدستوري.
وثالثها: أن الحكومة الدستورية حكومة رعية راضية، فتتميز بذلك عن الحكومة الاستبدادية التي تستند إلى محض القوة.
على أن أرسطو وإن ذكر بجلاء هذه الخصائص والمقومات الثلاثة للحكم الدستورى، إلا أنه لم يبحثها في أي موضع من الكتاب بحثا منظما يمكن معه معرفة ما إذا كانت هي جماع مقومات الحكم الدستورى، وما هي علاقة كل واحدة منها بالأخرى، وقد أدرك أرسطو أنه من المحتمل ألا يتوافر في حكومة ما إلا اثنان فقط من هذه المقومات الثلاثة، فمثلاً قد يحكم طاغية حكما استبداديا ولكن الصالح العام، كما قد تتحيز حكومة قانونية لطبقة واحدة بعينها، ولكن الحكم الدستورى لم يظفر من أرسطو قط بتعريف شاف.
وليس إصرار أرسطو على أفضلية الحكم الدستورى إلا نتيجة لأخذه جديا ما جاء في القوانين من أن القانون قد لا ينظر إليه على أنه مجرد ضرورة موقوتة بل باعتباره شرطاً جوهرياً للحياة الفاضلة المتمدنة. وفي كتاب السياسة فقرة تمهيدية كتبها أرسطو وفي ذهنه حتما بعض عبارات أفلاطون المأثورة، حيث يقول: إن الإنسان في كماله أفضل الحيوانات، فإن جانب القانون والعدالة صار شرها جميعا ). ولكن هذا الرأى في القانون مستحيل ما لم نفترض تزايد الحكمة تبعا لتكاثر التجارب تدريجيا، وأن هذا الرصيد المتزايد من الإدراك الاجتماعي إنما يتبلور في القانون والعادات، ولهذه النقطة أهمية فلسفية جوهرية، لأنه إذا كانت الحكمة والمعرفة هما امتياز العلماء فإن ما عسى أن يجنيه الرجل العادي من تجاربه لن يعدو مجرد رأى لا يمول عليه، ومن ثم لا ينتهى جدل أفلاطون إلى جواب. وإذا نظرنا إلى القضية من وجهها العكسي، فإن فلسفة أفلاطون إن أخطأت بإهمالها تجارب العصور ترتب على ذلك القول بأن هذه التجارب تمثل نموا حقيقيا في المعرفة، مع أن هذا النمو إنما يتمثل في العادات أكثر منه العلوم، وينجم عن حسن البداهة أكثر منه عن تلقين العلم... ولذلك يجب التسليم بأن الرأى العام ليس مجرد قوة لا مندوحة عنها، بل إنه أيضا - إلى حد ما - أصل له ما يسوغه من أصول الحياة السياسية.
ويقول أرسطو إن من الممكن فيما يتعلق بسن القانون الاحتجاج بأن الحكمة الجماعية لشعب من الشعوب أسمى حتى من حكمة أعقل المشرعين، ويستطرد في التفريع عن هذه الحجة إلى أبعد من ذلك عندما يناقش الكتابة السياسية للمجالس الشعبية، فالأفراد في خضم الجماعة يكمل بعضهم بعضاً بصورة فريدة.
ذلك بأن يفهم أحدهم جزءا من مسألة، ويفهم الآخر جزءاً غيره، فيحيطون في مجموعهم بالموضوع كله، وهو يوضح ذلك بتوكيد حقيقة - ربما كانت غير تامة الوضوح - هي أنه يمكن آخر المطاف الاعتماد على الذوق الشعبي في الفنون، على حين يرتكب الخبراء أخطاء فاضحة فيما يصدرونه من أحكام، ومن هذا القبيل أيضا تفضيله الواضح للقانون العرفي على القانون المكتوب، بل إنه على استعداد للتسليم بأن اتجاه أفلاطون إلى إلغاء القانون يصبح مزية إذا انصب الإلغاء على القانون المدون وحده، ولكنه يتمسك باستحالة التسليم بأن علم أعقل الحكام يمكن أن يفضل القانون العرفي، فالتفريق الحاد بين الطبيعة والعرف بذلك. التطرف المنطقى الذي ساق سقراط وأفلاطون إليه مذهبهما المتطرف في تسويد الفكر أو العقل قد هدمه أرسطو، فإن عقل السياسي في دولة فاضلة لا يمكن فصله عن العقل الكامن في قوانين وعادات الجماعة التي يحكمها.
وفي الوقت نفسه يتفق المثل الأعلى السياسي لأرسطو مع المثل الأعلى الأفلاطون من حيث إيجاد هدف أخلاقي باعتباره الغابة الأسمى للدولة، ولم يغير أرسطو قط رأيه في هذا الشأن، حتى بعد أن وسع تعريفه للفلسفة السياسية ليتضمن بحثه كتاباً عملياً يكون بين أيدى الحكام الذين يتولون حكومات جد بعيدة عن المثالية، فالهدف الحقيقي للدولة ينبغى أن يشمل ارتقاء مواطنيها خلقيا، لأن الدولة يجب أن تكون شركة بين قوم يعيشون معا لتحقيق أفضل حياة ممكنة، فهذه هي صورة أو مفهوم الدولة، وإن قصارى جهد أرسطو للوصول إلى تعريف، إنما قام على اقتناعه بأن الدولة وحدها تتصف بالاستكفاء الذاتي). يمعنى أنها هي وحدها تهيئ في داخلها جميع الظروف التي يتسني في ظلها الوصول إلى أسمى مرتبة من الارتقاء الخلقي. وقد حصر أرسطو أيضا مثله الأعلى - كما فعل أفلاطون من قبل - في دولة المدينة، تلك الجماعة الصغيرة المتقاربة التي تكون فيها حياة الدولة هي حياة مواطنيها الاجتماعية التي تعلو على مصالح الأسرة والدين والصداقات الشخصية. وإن تضمنتها جميعا في دراسته للدول الواقعية، فليس هناك ما يدل على أن اتصاله بفيليب وبالإسكندر، قد مكنه من إدراك المغزى السياسي للغزو المقدوني للعالم الإغريقي ولبلاد الشرق، كما لم يحمله الفشل السياسي الذي أصاب دولة المدينة على أن تفقده هذه الدولة في نظره طابعها المثالي. وعلى ذلك فنظرية أرسطو في المثل العليا السياسية إنما تقوم على أساس ما تكون لديه من أراء بسبب اتصاله بأفلاطون، فهي تنبعث من المجهودات التي بذلها في اقتباس العناصر الأساسية لنظرية أفلاطون كما أوردها في السياسي» والقوانين مع التعديلات التي استدعتها ضرورة جعل النظرية جلية متماسكة.
ويصدق ذلك بوجه خاص على ذلك الركن البارز من نظرية أفلاطون المتأخرة القائلة بأن القانون يجب أن يؤخذ على أنه عنصر من العناصر التي لا غنى عنها في تكوين الدولة. وإذا كان ذلك صحيحاً فلا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار ظروف الطبيعة البشرية التي تجعل هذا النظر صحيحا، فيتعين التسليم بأن القانون يتضمن حكمة حقيقية، ويجب أن يفسح المجال فيه بحيث يسع ما تتأثر به العادات الاجتماعية من تراكم هذه الحكمة، وكذلك الحاجات الخلقية التي تجعل القانون ضرورة، وينبغي أن يندمج كجزء من المثل الأخلاقية للدولة، فالحكم السياسي الحقيقي يجب أن يتضمن من ناحية الرعية عوامل الخضوع للقانون والحرية والرضا، وهي عوامل تصبح من خصائص الدولة المثالية نفسها، لا من خصائص الدولة التالية لها في الأفضلية.
ولسنا بحاجة إلى مزيد من القول عن دولة أرسطو المثالية نفسها، والحق أن هدفه الذي جاهر به وهو إنشاء دولة مثالية - لم يخرج قط إلى عالم الوجود. ولا يسع القارئ إلا أن يشعر بأن أرسطو لم يكن متحمسا لذلك، فكان ما كتبه ليس مؤلفاً عن موضوع الدولة المثالية بل عن المثل العليا للدولة، وأما تصويره للدولة المثالية الذي شرع فيه في الكتابين السابع والثامن، فيبدو أنه لم يتمه أبدا، ولهذا مغزاه وبخاصة إذا صح القول بأن هذين الكتابين مأخوذان عن المسودات الأولى لكتاب السياسة والحياة الفاضلة تتطلب ظروفا مادية وعقلية على السواء، وإلى هذه الظروف بنوعيها يوجه أرسطو عنايته، وقد استمد بيانها من القوانين وتشمل أموراً تتعلق بالسكان اللازمين من حيث عددهم وصفاتهم، كما تتعلق بأصلح الأقاليم من حيث المساحة والطبيعة والموقع، على أن ذلك لا يعنى أن أرسطو يتفق على الدوام مع أفلاطون، فهو مثلاً أكثر منه تفضيلاً لأن يكون الموقع مطلاً على البحر أو أن يشارفه، على أن الخلاف بينهما إنما يظهر في التفاصيل، أما جوهر القائمة التي تعدد هذه الظروف المطلوبة فيشبه جوهر ما اقترحه افلاطون من قبل، وإلى جانب ظروف الحياة المادية يرى أرسطو كما يرى أفلاطون، أن أهم قوة تساعد على تكوين الرعايا هي التعليم الإلزامي. وتختلف نظرية أرسطو العامة في التعليم عن نظرية افلاطون. كما يمكن أن ينتظر، وذلك في زيادة اهتمام أرسطو بتكوين العادات الحسنة، وهو بذلك يضع العادة بين الطبيعة والعقل، وبعدها الأمور الثلاثة التي تجعل الناس فضلاء، وقد كان هذا التغيير لازما نظرا إلى الأهمية التي لا بد أن تكون للعادات في دولة خاصة للقانون، ولقد أفرد أرسطو كل مناقشة لمعالجة التعليم الحر. وأظهر ازدراء أعظم من ازدراء أفلاطون للتعليم الذي يبغى المنفعة، ومما يلفت النظر خلو بحثه من خطة للتعليم العالي شبيهة بتلك التي تكون جزءا هاما من كتاب الجمهورية. وقد يكون هذا الإغفال نتيجة لعدم استكمال المؤلف للكتاب. ويلاحظ كذلك أن حكومة الدولة المثالية توحى بتأثره بما جاء في القوانين». والملكية الفردية عند أرسطو مباحة، على أن يكون الانتفاع بها على المشاع. الأرض يفلحها الأرقاء، وتسقط عن الصناع صفة المواطن، على أساس أن الفضيلة لا يمكن توافرها لقوم يستنفدون وقتهم في عمل يدوى.


النزاع بين المثالي والواقعي
سردنا حتى هذه المرحلة المثل العليا السياسية لأرسطو، دون التساؤل عن المتناقضات والصعوبات التي تواجهنا عندما نريد ربط هذه المثل العليا بالنظم والمؤسسات القائمة فعلاً في المدن، فمثل أرسطو الأعلى في ذاته يكاد يكون استنتاجيا كمثل أفلاطون سواء بسواء، ويبدو أنه لم يهتد إليه عن طريق تحليل جدلى العيوب النظرية السابقة، ولكن من الجلى أن التناقض مع التطبيق الفعلي ومع الغايات التي تتوخاها الحكومات في الواقع، أخطر بالنسبة لأرسطو مما هو بالنسبة لأفلاطون، الذي لم يفترض قط أن المثل الأعلى يجب أن يتجسم في صورة عملية ليكون صحيحاً، ولم يذهب قط إلى وجود شيء من الحكمة في العادات على النحو الذي ذهب إليه أرسطو في نظريته، فإذا عجزت الحقائق الواقعة عن أن تتواءم مع الحقيقة المثالية كان في استطاعة افلاطون دائما شانه في ذلك شأن الرياضي أو الصوفي - أن يندب حظ هذه الحقائق الواقعة القصورها عن بلوغ مرتبة المثالية. أما أرسطو قلم يكن في موقف يسمح له أن يكون حاسما كأفلاطون بسبب اعتماد فلسفته على بداهة العقل السليم والحكمة المتوارثة على مر العصور، ولذلك قد يكون مصلحا، ولكنه لا يكون ثورياً أبداً. ولابد أن فكره قد اتجه في الجملة إلى أن المثل الأعلى، وهو يسلم بأنه قوة مؤثرة، يجب أن يظل قوة في داخل التيار الفعلى لشئون الحياة تسايره ولا تتعارض معه، وأن الحكمة الكامنة في العادات الجارية يجب - إن صح القول . أن تكون مبدأ هاديا يقيد من مرونة الظروف الواقعية وقابليتها للتكيف ليسمو بها تدريجيا إلى مستوى أرفع، وهذا هو نظر ارسطو عن الطبيعة، والذي انتهى إليه نتيجة لتأملاته ودراساته للمشاكل الاجتماعية والبيولوجية، على أن أرسطو لم يطمئن قط إلى الرأى الذي انتهى إليه في هذه المشكلة حتى حين وضع مؤلفه عن الدولة المثالية، وآية ذلك ما يلمسه القارئ من تعقيد في الكتاب الثالث الذي تصدى فيه إلى بحث أخطر المسائل التي أثيرت في المؤلف كله. وتدل خاتمة هذا الكتاب على أنها وضعت كمقدمة لدولة مثالية، إلا أن الكتابين السابع والثامن يدلان على أن أرسطو وجد أن المضى في تنفيذ هذه الخطة لن. يكون محل رضا، ولذلك لم يستكمله أبدا، وعندما عمد إلى توسيع النسخة الأولى من كتابه لم يعمد إلى توسيع ما كتبه عن الدولة المثالية، بل لجأ إلى إضافة الكتب الرابع والخامس والسادس، وهذه الكتب تسترعى الانتباه بطابعها. الواقعي هدفًا وأسلوباً، وإن تكن استرسالاً في مناقشة اتجاهات بدأ في معالجتها في الكتاب الثالث. وتستطيع أن تطمئن إلى هذه النتيجة، وهي أن فكرة إقامة دولة مثالية قد قل تجانسها تدريجيا مع مزاج ارسطو في التفكير كلما تقدم به العمر، وأن نستنتج كذلك أنه في النهاية وجد في الكتاب الثالث مقدمة السلسلة من البحث لم يكن في الأصل قد انثوى اتباعها، وتبين هذه النتيجة مطالعة الكتاب الثالث ذاته كما يتسم به هذا الكتاب من تعقيد يرجع - جزئيا على الأقل - إلى أن المقدمة التي يكتبها أرسطو عن الدولة المثالية لا مناص من اشتمالها على دراسة مستفيضة لنظم الحكم المعمول بها في الدول القائمة فعلا، وكثيرا ما يصبح أرسطو أكثر اهتماما بالبحث التجريبي منه بالغرض الأصلي الذي اختطه لنفسه. وقصارى القول إن الأسباب التي حملت أرسطو على وضع الكتب الرابع والخامس والسادس بعد الكتاب الثالث في الترتيب، كانت أسبابا سليمة، وإن كان يرجح أنها لم تكن نفس الأسباب التي حدث به إلى تحرير الكتاب الثالث في مبدأ الأمر، وهكذا تما الكتاب حتى جاوز نطاقه الأصلي، وإن يكن هذا التجاوز وليد مباحث كانت ماثلة في ذهن المؤلف من بادئ الأمر. وليس من العسير تصور طبيعة الصعوبة التي واجهها أرسطو بصفة عامة. فإن المثل الأعلى السياسي الذي تلقاه من أفلاطون كان يفترض أن المدينة والمواطن اصطلاحان متلازمان وآية ذلك هذه الأسئلة الثلاثة التي استهل بها الكتاب الثالث، وهي: ما هي الدولة؟ ومن هو المواطن؟ وهل فضيلة الرجل الصالح هي بعينها فضيلة المواطن الصالح؟ ثم من يقول إن الدولة هي ترابط بين الناس من أجل تحقيق أفضل حياة خلقية، وإن طراز الحياة التي تحياها جماعة من الناس مشاركة بينهم إنما تتوقف على أي نوع من الناس هم، وأي الغايات يستهدفون، وكذلك فإن أهداف الدولة تحدد الأشخاص الذين يكونون أعضاء فيها، كما تحدد نوع الحياة التي يستطيعون أن يحيوها كأفراد، ومن هذه الناحية يكون الدستور - كما يقول أرسطو - تنظيما للمواطنين، أو أنه - كما يقول في موضوع آخر - نوع من الحياة، ويكون شكل الحكومة تعبيرا عن نوع الحياة الذي وجدت الدولة لترعاه الطبيعة الدولة الخلقية لا تتحكم في طبيعتها السياسية والقانونية فحسب، بل تتضمنها تضمنا تاما، وهكذا ينتهى أرسطو إلى أن الدولة تبقى ما بقى شكل حكومتها : إذ إن تغيير شكل الحكومة معناه في دستورها أو في نوع الحياة المنطوى عليه هذا الدستور والذي يسعى المواطنون إلى تحقيقه والقانون والدستور، والدولة، وشكل الحكومة نتجه جميعا نحو الاندماج معا، إذ تجدها من الناحية الأخلاقية تتصل جميعا وعلى قدم المساواة بالهدف الذي هو سبب وجود الجماعة.
وليس هنالك اعتراض حاسم على استهداف تكوين دولة مثالية، لأن مثل هذه الدولة سوف يسودها أسمى نوع ممكن من الحياة، وقد افترض أفلاطون على الأقل أن تفهم مثال الخير من شأنه الاهتداء إلى هذا النوع الأسمى. ولكن الوصول إلى مثال الخير أولاً، ثم اتخاذه معيارا لنقد وتقدير الحياة وأنواع الدول القائمة فعلاً، هو بالذات سبب يأس أرسطو، ومن الناحية الأخرى إذا بدأ الإنسان بملاحظة الدول القائمة فعلا ووصفها وجد فوارق حتما فيما بينها. فالرجل الصالح والمواطن الصالح لا يمكن أن يتطابقا بصورة عامة - كما يقول أرسطو - إلا في دولة مثالية، إذ ما لم تكن أهداف الدولة هي أسمى ما يمكن أن يستهدف، فإن تحقيقها سيتطلب من المواطنين نوعاً من الحياة أدنى مرتبة من الحياة المثالية، ففي الدول القائمة فعلاً لا بد من وجود أنواع مختلفة من المواطنين لهم أنواع مختلفة من الفضيلة. وعلى هذا النحو أيضا نجد أرسطو عندما يعرف المواطن بأنه الشخص الصالح للاشتراك في الجمعية الشعبية وللجلوس في مقاعد المحلفين - وهو تعريف مؤسس على نظام أثينا - يرى لزاما أن يبين في الحال أن هذا التعريف لا يصلح إلا لدولة ديمقراطية، وكذلك نراه عندما يذهب إلى أن ذاتية الدولة تختلف باختلاف شكل حكومتها، يتبع ذلك القول محذرًا بأن هذا لا يسوغ أن تتنكر الدولة الجديدة للديون أو الالتزامات. التي تعهدت بها الدولة التي سبقتها، وعلى ذلك فثمة أوجه تفرقة لا بد من مراعاتها عند التطبيق العملي فالدستور ليس طريقة حياة للمواطنين فحسب. بل هو أيضاً تنظيم للموظفين لكي يضطلعوا بالشئون العامة، ولذلك فإن نواحيه السياسية لا يمكن أن تطابق تلقائيا الغرض الخلقي منه. وإن مجرد ملاحظة هذه الجوانب المتشابكة للموضوع ليشعر بمدى الصعوبات التي تكتنف إنشاء دولة مثالية تتخذ معيارا للحكم على الدول جميعها.
ويحس الإنسان بمثل هذا التعقيد عندما يتكلم أرسطو عن تقسيم أشكال الحكومات، فإذا به يتخذ نفس التقسيم السداسي الذي أورده أفلاطون في السياسي، فبعد أن ميز بين الحكم الدستورى والحكم الاستبدادي على أساس أن أولهما حكم لصالح المجموع، وأن الثاني حكم لصالح الطبقة الحاكمة وحدها.
طبق هذا التقسيم على التقسيم الثلاثي التقليدي النجمت عن ذلك من ناحية مجموعة من ثلاث دول صالحة أو دستورية هي الحكومة الفردية (أو الملكية تجوزا) والأرستقراطية والديمقراطية المعتدلة، ونجمت من ناحية ثانية مجموعة أخرى من ثلاث دول غير صالحة أو استبدادية) هي حكم الطاغية، وحكم الأقلية (الأوليجاركية)، والحكومة الديمقراطية المتطرفة أو حكم الفوغاء). والفارق الوحيد بين معالجة كل من أفلاطون وأرسطو للموضوع - وهو فارق يبدو غير ذي شأن - هو أن الأول يصف الدول الدستورية بأنها تلك التي تخضع للقانون، ويصفها الثاني بأنها تلك التي تحكم للصالح العام، وفي ضوء ما أورده أرسطو من تحليل المعنى الحكومة الدستورية لا بد أنه رأى أن الوصفين يكادان يؤديان إلى نتيجة واحدة، ومع هذا فإنه ما يكاد يتم تقسيمة السداسي حتى بيادر بالتنبيه إلى ما يحيط هذا التقسيم من صعوبات جدية، أولاها أن التقسيم الشائع المبنى على أساس عدد الحاكمين إنما هو تقسيم سطحي، ولا يبين - إلا عرضا - قصد العاملين به. فما بفهمه الكافة من حكومة الأوليجاركية هو أنها حكومة الأغنياء، كما تفهم الديمقراطية على أنها حكومة الفقراء، ولئن كانت كثرة الفقراء وقلة الأغنياء أمرا حقيقيا، إلا أن هذا لا يجعل النسبة العددية هي التي تخلع على كل من هذين النوعين صفته، فجوهر الموضوع هو أن هناك سببين متميزين لتولى الحكم يعتمد أولهما على حقوق الملاك، ويستند الثاني إلى سعادة أغلبية الناس ).


الدعاوى المتنازعة على السلطة
ذهب هذا التصحيح للتقسيم القديم الأشكال الحكومات بأرسطو إلى مدى بعيد، لأنه يبعث على التساؤل عن دعاوى المطالبة بتولى السلطة في الدولة وعن وسيلة تنسيق هذه الدعاوى إن تعددت بحيث تصونها وتحافظ عليها جميعا، ولقد سبق القول بأن أسئلة مماثلة عرضت الأفلاطون، ويلاحظ أن هذه الأسئلة لا تتعلق في الحقيقة بموضوع الدولة المثالية، ولم يفترض ذلك افلاطون نفسه، وإنما تتعلق بالمزايا النسبية للدول القائمة، وبالدعاوى النسبية كذلك للطبقات المختلفة في الدولة الواحدة، وقد يقال إن للحكمة والفضيلة دعوى مطلقة في تولى السلطة، أو على الأقل إن هذا هو ما ذهب إليه أفلاطون ولم ينكره أرسطو، ولكن هذه نقطة أكاديمية، فليس موضع النزاع إيجاد مبدأ أخلاقي عام، إنما يدور حول الطريقة التي يمكن بها الاقتراب من هذا المبدأ في التطبيق العملي، فعلى حد قول أرسطو يقر الجميع بأن الدولة يجب أن تحقق أكبر نصيب ممكن من العدالة، وبأن العدالة أيضا تعنى نوعاً من المساواة، ولكن هل معنى المساواة أن يقدر كل شخص بواحد، وألا يقدر إنسان بأكثر من ذلك كما يفترض الديمقراطيون؟ أم أنها تعنى أن صاحب الملكيات والمصالح الواسعة، أو صاحب المركز الاجتماعي الرفيع، والتعليم الممتاز ينبغي أن يعد بأكثر من واحد كما يعتقد دعاة حكم الأقلية أو الأوليجاركية؟ وإذا سلمنا بأن الحكومة يجب أن يتولاها الحكماء والفضلاء من الحكام فاين نودع السلطة حتى تبلغ الحكمة والفضيلة، أو على الأقل - أقرب شيء مستطاع إليهما ؟
وعندما يوضع السؤال على هذا النحو يلاحظ أرسطو أن السؤال النسبي يتطلب جوابا نسبيا، ويقول إن الثروة ليس لها سند اخلاقي مطلق لتولى الحكم لأن الدولة ليست شركة تجارية ولا تعاقدا كما قال ليقوفرون السفسطائي (Ly)‏ ‏((cophron the Sophist من قبل، ومن السهل كذلك التدليل على أن عند كل الناس بواحد ليس إلا مجازاً مستساغا، ولكن هل يمكن القول من ناحية أخرى بأن الثروات لا حقوق لها ؟ لقد كان أرسطو يعتقد أن مغامرة افلاطون في هذا الاتجاه ثبت إخفاقها، وأن ديمقراطية تقوم على السلب والنهب لا يمكن على أي حال أن تكون أشرف من حكومة الأوليجاركية الاستغلالية، وأن للثروات الشخصية أو الملكيات الخاصة اعتبارات أدبية من الأهمية بحيث لا يجوز الإنسان أن يسقطها كلية من حسابه، إذا أراد أن يكون واقعيا . فطيب المولد وكمال التربية وحسن الصلات مع الفراغ أمور لا ينبغى إهمالها كسند للنفوذ السياسي، وهي جميعها صفات تتفق إلى حد ما مع الثروة، وللديمقراطي كذلك حجثه وسنده في المطالبة بالحكم، فإن عدد الناس الذين يتأثرون بالحكم الديمقراطي هو دون شك اعتبار أدبى لا جرم يدخل في تقدير شئون السياسة وعواقبها ، وفضلا عن ذلك فإن الرأى العام الرشيد هو في الغالب - وكما اعتقد أرسطو - الصواب بعينه دائما، في حين يخطئ أحكم الحكماء أحيانا، وخلاصة هذا الجدل أنه ما من دعوى لتولى الحكم إلا ويمكن الاعتراض عليها، ومن ناحية أخرى فليس بين هذه الدعاوى المألوفة واحدة إلا ولها نصيب من الوجاهة وإنه لعسير أن تجد في هذه النتيجة ما يمكن أن يعزز فكرة إنشاء دولة مثالية، ومع ذلك فما من شك في أن ارسطو قد تناول هذا الجدل الخالد حول المبادئ الخلقية السياسية بحصافة رای منقطعة النظير والواقع أن هذه الدراسة لدعوى كل من الديمقراطية والأوليجاركية قد حدث بارسطو فيما بعد إلى أن يترك جانبا ما شرع فيه من التنقيب عن الدولة المثالية، مكتفيا بما هو أكثر تواضعا من ذلك، وهو البحث عن أفضل نظام للحكم تستطيع أغلب الدول إدراكه.


وإن ما انتهى إليه الرأى من أنه ليس لأية طبقة سند مطلق في تولى السلطة العامة ليعزز مبدأ سيادة القانون، إذ إنه - لتجرده من الأشخاص - أقل تعرضا للهوى من أي فرد بيد أن أرسطو برغم تغلغل هذه العقيدة لديه، فإننا نجده يعترف بأنه حتى هذا الرأى لا يمكن الجزم بصحته على وجه الإطلاق، لأن القانون متصل بالدستور، وبالتالي لا ينتظر في دولة فاسدة إلا أن تكون قوانينها فاسدة كذلك. وعلى ذلك ليست الشرعية في ذاتها إلا ضمانا نسبيا للخير، وهذا الضمان يفضل القوة أو النفوذ الشخصي، ولكن من المحتمل جدا أن يكون مع ذلك ضمانا لا يعول عليه، فالدولة الصالحة يجب أن تحكم وفقا للقانون ولكن هذا لا يعنى أن كل دولة تحكم وفق القانون تكون دولة صالحة.
ويبدو أن أرسطو كان يعتقد أن الملكية والأرستقراطية هما وحدهما اللتان يصح لهما الادعاء بأن تعتبرا دولتين مثاليتين، وإن كان أرسطو لم يقل على الأرستقراطية إلا النزر اليسير، غير أنه تكلم عن الملكية بشيء من الإفاضة. وهذا البحث بالذات عن الدولة المثالية المفترضة يدل دلالة قاطعة على قلة ما لديه من قول عن هذا الموضوع، ويتصل في جلاء بما جاء في الكتاب الرابع من عود إلى البحث في الديمقراطية والأوليجاركية بحثا واقعياً، فالملكية من ناحية هي أفضل شكل للحكومة، لو وجد الملك الحكيم الفاضل، فالملك الفيلسوف الذي تحدث عنه أفلاطون هو أدنى الناس إلى الحق المطلق في تولى السلطة العامة، ولكنه يصبح حينئذ إلها بين البشر، ويكون من السخرية أن يسمح الأحد غير هذا الإله الفاني بأن يضع له القانون، كما أنه ليس من العدل في شيء أن تباعد بينه وبين الجماعة، وبذلك لا مندوحة من أن يسمح له بأن يحكم على ان ارسطو لم يكن كامل الثقة بأن لمثل هذا الرجل حقا غير مجرح في تولى الحكم ذلك لأنه يعلق أهمية بالغة على ما يجب أن يقوم بين المواطنين من مساواة في الدولة الواحدة، مما جعله يتساءل ما إذا كان يجوز أن يستثنى من . هذه المساواة حالة توافر الفضيلة الكاملة وموضوع المساواة هذا يعنى كل صور الحكم، سواء أكانت صالحة أم فاسدة، ومع ذلك فإن أرسطو ظل على استعداد للاعتراف بأن الملكية تصلح للجماعة التي تعلو فيها أسرة واحدة علوا كبيرا في الفضيلة وفي الدولة السياسية، والحقيقة أن الحكومة الملكية المثالية بالنسبة لأرسطو ليست إلا مسألة أكاديمية، ولولا ما كان الأفلاطون على تفكيره من تأثير ما تعرض لذكرها بتاتا، وهو يقرر أن الملكية التي تحكم وفقا للقانون ليست في الحقيقة دستورا مطلقا، وإذا التزمنا حرفية هذا القول أدى شرط اعتراف الحكومة الصالحة بسيادة القانون إلى عدم جواز اعتبار الملكية شكلاً للحكومة الصالحة، والملكية على الطراز المثالي حرية بأن تكون نظاما لحكم الأسرة لا للحكم السياسي، وما ساق أرسطو إلى بحثها إلا أخذه بتقسيم افلاطون السداسي. وعندما ينتقل أرسطو إلى دراسة الحكومات الفردية القائمة نراه يتغاضى كلية عن الدولة المثالية فهو يعرف نوعين قانونيين منها : هما ملكية إسبرطة والدكتاتورية، ولكن ليست لأيهما صفة الحكم الدستوري، كما يعرف ارسطو نوعين من دساتير الحكم الفردي هما : الملكية الشرقية، وملكية عصر البطولة وهذا بالطبع ضرب من التخمين ويتجاوز في الحقيقة نطاق تجربة أرسطو، أما الملكية الشرقية فهي بعبارة أصح شكل من أشكال الطغيان، ولو اعتبرت قانونية بالمعنى البربري، نظرا لأن الأسيويين كانوا أرقاء بطبيعتهم، ولم يكونوا ليمارضوا حكومة استبدادية. وعلى ذلك فالملكية كما عرفها أرسطو تشبه في جوهرها تلك الحكومة التي كانت في بلاد الفرس، ومع هذا فليس مغزى هذا البحث فيما يسجله عن الملكية بقدر ما يبدو في تفريقه بين أنواعها المختلفة، ومن الواضح أن تقسيم الدول السداسي قد فقد دلالته لدى أرسطو، بالقياس إلى ما أولع به من الدراسة التجريبية الواقع عمل الحكومات. وعند هذه النقطة بالذات عاد في الكتاب الرابع إلى استئناف البحث في الحكومة الأوليجاركية والحكومة الديمقراطية، أو بعبارة أخرى إلى أشكال الحكومات الإغريقية.
والآن تتضح الأسباب التي حالت بين مثل ارسطو العليا السياسية وبين تحقيق الدولة المثالية، فقد كانت الدولة المثالية تمثل مذهبا في الفلسفة السياسية ورثة ارسطو عن أفلاطون، ولكنه كان في الواقع قليل التجانس مع عبقريته. وكلما شق ارسطو لنفسه طريقاً مستقلا في التفكير والاستقصاء ازداد جنوحًا إلى تحليل الدساتير القائمة فعلاً ووصفها، وإن تلك المجموعة الضخمة التي ضمت مائة وثمانية وخمسين تاريخاً دستوريا والتي وضعها هو وتلاميذه، التعتبر نقطة تحول في تفكيره، وتتم عن أفق أوسع في تفهم النظريات السياسية، على أن هذا لا يعنى أن أرسطو قد تحول إلى الوصف وحده، فإن جوهر النظرة الجديدة هو المزج بين الاستقصاء التجريبي وبين اعتبارات النظرية للمثل العليا السياسية، فالمثل الأخلاقية - من سيادة القانون لا الحرية والمساواة بين المواطنين، والحكومة الدستورية، والتقدم الإنساني نحو الكمال في حياة متمدنة كانت دراما عند ارسطو في الغايات التي من أجلها توجد الدولة والشيء الذي كشف عنه أرسطو هو أن هذه المثل كانت معقدة في تحقيقها غاية التعقيد. وكانت تتطلب أقصى الجهد في التوفيق بينها وبين الظروف الكائنة فعلاً في الحكومة الواقعية. فالمثل العليا يجب ألا تحلق في السماء على غرار مثال أفلاطون، بل تكون قوى تعمل في أوساط غير مثالية وعن طريقها


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

آملين تحقيق تطل...

آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...

Network archite...

Network architects and administrators must be able to show what their networks will look like. They ...

السيد وزير التر...

السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب. قدم السيد مح...

حقق المعمل المر...

حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...

رهف طفلة عمرها ...

رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...

قصة “سأتُعشى ال...

قصة “سأتُعشى الليلة” للكاتبة الفلسطينية سميرة عزام تحمل رؤية إنسانية ووطنية عميقة، حيث تسلط الضوء عل...

اعداد خطة عمل ع...

اعداد خطة عمل عن بعد والتناوب مع رئيس القسم لضمان استمرارية العمل أثناء وباء كوفيد 19، وبالإضافة إلى...

بدينا تخزينتنا ...

بدينا تخزينتنا ولم تفارقني الرغبة بان اكون بين يدي رجلين اثنين أتجرأ على عضويهما المنتصبين يتبادلاني...

خليج العقبة هو ...

خليج العقبة هو الفرع الشرقي للبحر الأحمر المحصور شرق شبه جزيرة سيناء وغرب شبه الجزيرة العربية، وبالإ...

فرضية كفاءة الس...

فرضية كفاءة السوق تعتبر فرضية السوق الكفء او فرضية كفاءة السوق بمثابة الدعامة او العمود الفقري للنظر...

‏@Moamen Azmy -...

‏@Moamen Azmy - مؤمن عزمي:موقع هيلخصلك اي مادة لينك تحويل الفيديو لنص https://notegpt.io/youtube-tra...

انا احبك جداً ت...

انا احبك جداً تناول البحث أهمية الإضاءة الطبيعية كأحد المفاهيم الجوهرية في التصميم المعماري، لما لها...