Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

تقع المسرحية في ثلاثة فصول،
يجري كل منها في يوم واحد من هنا جاء عنوان المسرحية ( حكاية الأيام الثلاثة) .
والحدث يجري كله في مكان واحد هو مدينة (جالوق) وتتوافر في الحدث أيضاً الوحدة لأنه يتكون أساساً من واقعة واحدة تبدأ ،
ببداية معينة ثم تنمو وتتطور حتى تصل الذروة فالحل .
ان كل ذلك .
أعني توافر الوحدات الثلاث .
وحدة الزمان والمكان والفعل.
أضفى على حبكة المسرحية شيئاً من التماسك ،
وجعلها أقرب الى المسرح الكلاسي منه الى المسارح الأخرى.
• تبدأ أزمة المسرحية في الفصل الأول حيث نلقى كبار التتار في قصر أمير جالوق .
وهم يتشاورون في أمر كنز جالوق ويفكرون في وسيلة يعثرون بها على الكنز .
فيطلبون بعض أعيان المدينة لهذا الغرض.
غير ان هؤلاء لا يفيدونهم في ذلك .
بل يملأون نفوسهم قلقاً وحيرة بأحاديثهم الغامضة عن الكنز.
واخيراً يوافق ابن وهب .
كبير تجار المدينة.
على ان يدلهم على الكنز.
في الوقت الذي تزيد فيه مخاوف الجماعة وقلقهم .
• أما في الفصل الثاني حيث تنمو الأزمة.
فنجد في الساحة الكبرى للمدينة منصة في وسطها صندوق خشبي مهتريء عليه قفل معدني صدي.
يصعد قادة التتار الى المنصة ومعهم ابن وهب .
وتحضر جموع غفيرة الى الساحة لترقب ما يجري على المنصة .
ويبدو ان التتار يريدون مقاضاة ابن وهب يبدأ الحوار بين التتار وابن وهب وبعض الأهالي عن جالوق : ولم وقع عليها الغزو المغولي وكيف قابلته .
ثم يبدأ سؤال بعض الأهالي عن الكنز فتسمع أجوبة متناقضة عنه بعد ذلك يفتح الصندوق فاذا به حجر كبير مصبوغ بدم.
كان هذا حجراً سحق به ميران أحد قادة المغول رأس صبية امتنعت عليه .
حين هم باغتصابها .
في سحن جامع اقتحمته جموع التتار .
وأضرمت فيه النار .
أثناء غزوهم دمشق .
يواجه میران بهدا ويحاول انکاره .
لكنه سرعان ما يعترف بفعلته الشنيعة هذه.
وآنذاك يقتله تاميش القائد الأكبر للمغول.
• وأما في الفصل الثالث والأخير فنلقى تاميش وقد استيقظ ضميره وهزته جالوق هزاً .
فأصبح أسيرها .
فنراه يصدر أوامره الى جنوده بالرحيل عن المدينة .
في حين يظل هو وحده ينتظر مقدم الأمير داود الذي يجيء على رأس جيش لتحرير المدينة ليستسلم له.
والاطار العام للحبكة مستمد من التاريخ.
ويتمثل في وقائع الغزو المغولي الثاني للشام في مطلع القرن الخامس عشر.
لكن الواقعة الرئيسة التي تتكون منها الحبكة.
أعنى واقعة بحث التتار عن كنوز جالوق .
لم أعثر عليها في المصادر التأريخية التي تناولت هذه المرحلة وربما تكون من نسج خيال المؤلف .
نسجها من الجو العام الذي ساد الشام أثناء الغزو المغولي .
وما غرف عن المغول من تكالب ونهب الثروات المدن العربية التي استولوا عليها .
وثمة وقائع يرد ذكرها في المسرحية .
أخذها المؤلف من تاريخ ابن تغري بردي .
میران.
لقد دخلنا دمشق وسيوفنا مسلولة،
فنهبنا ما قدرنا عليه من الدور،
وسقنا نساء دمشق وأولادنا ورجالها مربوطين بالحبال .
ثم طرحنا النار في المنازل والمساجد والدور.
وكان يوما عاصف الريح فعم الحريق جميع البلد حتى كاد لهيب النار ان يرتفع الى السحاب .
وعملت النار في المدينة ثلاثة أيام بليالها حتى احترقت كلها .
ولا يرد بعض هذه الوقائع مبرراً .
بل حشوا يمكن حذفه دون ان يختل بناء الحبكة .
ان المحور الذي تدور عليه المسرحية هو البحث عن كنز جالوق .
وهذا الكنز ليس في الحقيقة الا كنزاً معنوياً يتمثل في القيم والمباديء الروحية السامية التي تشكل أعظم ميزة لجالوق .
ميزة لا يمكن ان تدانيها ميزة أخرى .
• تامیش : تحمين الكنز الذي يختبيء في صدر المدينة .
• ريحانة ،
الكنز : أؤكد لك أن عيني لم تقع عليه يوماً .
• تاميش : ولكنك تعلمين عنه أشياء كثيرة .
• ريحانة : لقد ولدت في هذه المدينة فنبت الكنز في صدري .
كما نبت في صدر كل انسان فيها .
• تاميش : أهذا كل ماتعلمينه ؟ ألم تعرفي كم يزن ؟ كم قطعة هو ؟ أين يوجد ؟
• ريحانة : لو عرفت عنه كل ماتقول لما كان كنزاً .
• ظهير الدين : وماذا تريد ان تفعل بالكنز ؟
• تاميش : نأخذه .
أهذا سؤال يليق بعالم مثلك ان يسأله.
• ظهير الدين : ولكن المشكلة هي اننا نحن لا نسأل مثل هذه الأسئلة
• تاميش : هذا يدل على انكم لاتفيدون منه فلماذا لا تسلمونه الينا ؟
• ظهير الدين: لم يقع في يدنا بعد حتى نسلمه اليكم .
فالتتار لهذا .
حين يعرفون حقيقة الكنز ويعيشون هذه الحقيقة أثناء مكوثهم في جالوق .
يتغيرون ،
اذ يكشف الكنز عن حقيقتهم ويعري نفوسهم فاذا بهم وجها لوجه .
أمام آثامهم وذنوبهم ،
وهو ما يوقع فيهم الهزيمة والخذلان .
لكن جالوق .
على الرغم من هذه الأخلاق والقيم الروحية السامية التي تمتلكها .
كانت تفتقر الى فضائل أخرى .
فقد كانت مدينة ذات نزعة مثالية تبعدها عن النظر الى كل جوانب الواقع والحياة .
لذلك صارت غافلة عن جوانب مهمة من الواقع المحيط بها،
فهي لكونها مدينة خيرة ظنت الجميع أخياراً .
فأحسنت الظن وفتحت صدرها لكل غريب .
لهذا لم تحسب جالوق حساباً للقوة التي بها تصان الحكمة والمباديء أحياناً .
وبها تحيأ البسمات على شفاه الأطفال .
ويظل الألق في العيون .
يقول ظهير الدين أمام جالوق مفسراً المصيبة التي حلت في جالوق.
ظهير الدين : لكل أمر غاية .
هذه حقيقة لا أرى ضرورة في مناقشتها .
ولكن قدرتنا على كشف هذه الحقيقة محدودة .
ان ثمة شيئاً نعرفه جميعاً .
شيئاً كنا نحس به احساساً مبهماً ولكننا كنا نخاف ان نفكر فيه لئلا يخرج الى الهواء فيتنفس في رئاتنا ويرهق ضمائرنا .
كنا نحس ان شيئاً ما في جالوق كان مفقوداً .
شيئاً كان يستطيع ان يجعلها اقوى على مقاومة الشر واشد قدرة على الخلاص منه لقد كانت جالوق مذنبة كان الدين صلاة على لسانها ودفئاً في قلبها ولكنها لم تجعله درعاً .
لم ترفعه سداً .
كانت تؤمن بالحب والأخاء ولكنها لم تحمها بسيفها لم تصنهما بعزيمتها .
كان الذنب جلياً لكل ذي عينين ،
ولكننا كنا نؤثر ان نغمض أجفاننا حتى لانراه .
كانت جالوق تظن ان جمالها يدفع عنها كل مكروه.
فعاشت آمنة مطمئنة .
تضطرب الأحداث من حولها فلا تثير فيها قلقاً ولا تزيدها إلا طمأنينة وأمناً .
كانت مدينة جميلة ترى الدمامة كلها حولها فلا تكاد ترفع اصبعاً لازالتها .
مدينة صادقة ترى الأباطيل تقيم حولها سداً فتقبع في داخل صدقها وأمانتها من غير ان تمديداً تحيل تلك الأباطيل الى هباء .
وتستفيق ذات يوم فاذا حفنة من التتار تنتهك حرماتها وتطمس جمالها ،
فلا تستطيع صدهم عنها .
وتبدو الأحداث في المسرحية سائرة في جو من القدرية والعبث واللا معقول .
اذ ان الشخصيات لا تستطيع ان تعي ما يقع لها من أحداث ولا تفهم أسبابها ومبرراتها .
فالتتار لا يعرفون كيف دخلوا جالوق ويحسون كأن يداً خفية قادتهم اليها .
فكان لا بد من دخولها ،
لأن ذلك كان شيئاً أكبر منهم جميعاً .
ان الجميع يسألون اسئلة ثم لا يجدون لها جواباً .
وهذه ريحانة ابنة أمير جالوق .
لا تقتنع بالتبريرات التي تطرح في تبرير المصيبة التي تحل في جالوق.
وهي بعض ذنوب اهلها .
ريحانة : ولكن المشكلة ليست في ذنوبنا نحن فقط ولكن في القضية كلها .
ان هذا الشر اكبر منا .
اكبر من ذنوبنا .
اكبر من العقوبة التي نستحقها .
أنا لاأرى في ماقلت الا حقاً - ولكن قل لي هل ترى في أهل المدائن الأخرى فضائل لاتجدها فينا ؟ هل ترى في عيون أطفالها شموساً ساطعة وترى في عيون اطفالنا رجوماً ؟ .
وهذه القدريه والشعور بالعبث ،
سبق ان عبرت عنهما مسرحية النص الأولى شهريار» حيث جعل بطلها شهريار يؤمن بأن القدرية هي جوهر الحياة ،
فلا حريه اختيار للانسان ،
وكل شيء مرسوم له في لوح القدر .
وهو يسعى الى البحث عن معنى وغاية حياته لكنه يعجز عن ايجاد هذه الغاية،
لأنه يجد الوجود غير قابل للفهم ويسأل اسئلة ،
لكنه لا يجد لها جواباً .
شهريار .
أردت ان أعلم لم جئت الى الدنيا .
ولم أحببت ولم أبغضت .
ولم آمنت ثم كفرت .
ولم ضغنت فسفكت من الدم ماسفكت .
أجل أردت أن أعلم هذا كله .
وفوق هذا أيضاً،
في المسرحية عدة شخصيات من التتار والعرب ،
لكن العناية تنصب على تاميش وميران وابن وهب أكثر من الشخصيات الأخرى.
لا تعنى المسرحية برسم ملامح شخصياتها رسماً واضحاً،
ولا تسعى الى سبر أغوارها والتغلغل الى أعماقها .
وذلك لانتمائها الى المسرح الفكري حيث تنصب العناية أساساً على تجسيد الأفكار وتوضيحها.
من هنا لا نجد هنا شخصيات من لحم ودم .
بل أفكار منسقة ومنظمة يسعى مؤلف المسرحية الى تجسيدها بوساطة هذه الشخصيات .
ولو ان المسرحية تميل احياناً الى ابراز البعد الاجتماعي والنفسي لبعض الشخصيات فتلقي الضوء مثلاً على نشأة ميران وطفولته ،
وكيف نشأ في بيئة فقيرة قاسية ،
كلها بؤس وشقاء وعذاب وخشونة.
لاحنان فيها ولا شفقة .
احب ميران فتاة مسكينة.
لكن أحد الجنود يقتلها حين تقاومه اثناء محاولته اغتصابها .
الأمر الذي يدفعه الى تعلم القسوة والقتل للانتقام من هذا الجندي ،
حتى يصبح قاتلا محترفاً ذبح انسان أهون عليه من شربة ماء .
ولا يصحو الا حين يرى حقيقة الكنز فيغدو وجهاً لوجه مع ماضيه ،
مع ذنوبه .
أما شخصية تاميش فتأتي نامية نتيجة للأحداث التي يمر بها فجالوق تغيره اذ تكشف النقاب عن سرائره ،
تاميش : أنا أسير هذه المدينة.
هذا أمر لاسبيل الى نكرانه بعد الآن .
هناك مدن تقتلك ،
تسحقك سحقاً ،
تنهب نقاءك ذرة ،
ذرة.
تضيعك .
تهتك أسرارك ثم تجيلك حجراً.
أما هنا فان المرء يجد له ذاتاً ،
يكتشف طريقاً .
يستعيد رؤية ظن انه أضاعها .
قد تكون جالوق مدينة كغيرها من المدن .
ولكن روحها ولكن هواءها وأرضها تعيد للانسان احساسه بأنه انسان .
بات له غاية .
من أجل ذلك يقتل تاميش ميران .
لأنه يرى فيه صورة مجسدة للانسان القاتل الذي صار يكرهه .
لقد كان ميران أنموذجاً نادراً لا يتورع عن حرام .
ولا يعف عن شيء.
وكان صورة مثلى للماضي الأسود الذي أراد تاميش أن يقطع كل صلاته به بعد أن هزته جالوق هزاً ،
تامیش : وأحسست بيدي تمتد مرتجفة .
مهزوزة .
لتستل خنجري .
لتستقدم عزمي .
لتنقض على ذلك الأمس الماثل أمامي .
على البهيمة التي كانت شناعتها تجرح عيني .
أجل .
أجل .
كان ذلك هروباً .
كان محاولة لقطع كل طريق .
لهدم كل جسر .
كان انعتاقاً مطلقاً من كل تبعة .
أجل كانت إغفاءه تنأى بي عن أمسي ،
عن يومي .
عن مستقبلي كنت لا أسمع شيئاً .
لا ارى شيئاً .
لا أريد شيئاً .
كانت عيناي مغلقتين .
وكانت ارادتي غافية يدي وحدها كانت يقظه تضرب .
كانت تثأر .
كأن قوة خفية كانت تسيرها .
وهكذا تجعل جالوق تاميش يستعيد شعوره انساناً .
وترجع اليه الروح التي اضاعتها سنوات القتال الطويلة.
فيصبح انساناً كله رقة وهو ما يدفعه الى ان يأمر جنده بأن ينظروا هل خدش سهم من سهامهم احد جدران المدينة فيعيدوه كما كان .
ويجولوا في الحدائق ليروا هل اقتطع أحدهم زهرة من زهراتها ،
فيعيدوا غرسها .
ويطلب اليهم أن يكنسوا الدروب ،
حتى تعود نظيفة نقية .
ويربتوا على شعر كل طفلة ويقبلوا جبينها حتى تطمئن .
وهو اذ ينقلب على هذا النحو .
لا يستطيع الفرار من ماضيه المليء بالمخازي والآثام،
وينظر أمامه فلا يرى الا فراغاً وخواء يعوي في صدره عواء .
لذلك لا يرى مفراً من الانتحار.
فبالموت وحده يستطيع أن يصل الى غايته المنشودة .
تامیش : لم تريدني أن أخرج من المدينة يا ابن وهب ؟ ابن وهب : لانقذ حياتك من الموت .
تاميش : ولماذا تريد ان تنقذني ؟ ألم أغز هذه المدينة ؟ ألم أطأ أرضها ؟ ألم أنتهك كرامتها ؟
ابن وهب : بلى ولكنك حاولت امتلاكها فامتلكتك ولم تمتلكها ،
لقد صغرت أمامها فجعلتك كبيراً وحنوت على ترابها ففتحت لك سماءها .
ألم تقتل صديقك ميران حبابها ؟ تامیش : صدقت یا ابن وهب .
لقد أردت امتلاك جالوق ولكنني لم أفلح .
ابن وهب : فلماذا لاتتركها اذن ياتاميش ؟ لماذا لاتنساها ؟
تاميش : لانني سأحاول مرة اخرى .
ومن شخصيات المسرحية بهلول .
وهو مجذوب يعمل في قصر أمير جالوق .
وتجمع هذه الشخصية بين الغفلة والحكمة .
لكن الحكمة أغلب ،
وفيها خصائص مستمدة من شخصية المهرج الشعبي الشائعة في التراث العربي الشعبي .
أما بهلول فيشبه دور الكورس في المسرح القديم أي التعليق على أحداث المسرحية والأخبار ببعض الأمور التي تعمل على تطوير حدث المسرحية .
وفي الوقت نفسه .
ينطق بجمل فكهة تسهم في الترويح عن النفس.
وهو يظهر في مطالع الفصول .
الأحداث ليلقي الضوء على ما يجري .
بهلول - بهلول .
هذا هو اسمي .
بل لعله لم يكن اسمي ولكن الصق بي الصاقاً .
ولكن .
ماذا يضيرني أن يقال عني بهلول ؟ أليست الأسماء أحابيل يخدع بها بعضنا بعضاً ؟ ان هناك أشياء أصل الى فهمها وان هناك أشياء لا أصل الى فهمها .
فأنا لا أفهم مثلاً لم لا يكون للأشجار عيون في رؤوسها .
وأنا لا أفهم لم لا يكون للعناكب أسنان كأسنان الحوت ،
ولكن هذا لا يعني أنني أجد في الناس من هو أكثر مني ادراكاً .
بهلول .
هكذا يقال عني ،
ولكن الأسماء لا تعني شيئاً .
أما هذه المنصة هنا فلا ريب في انها تعني شيئاً ترى ام أقيمت .
وللحلم في المسرحية دور واضح ،
يتجلى في التمهيد للأحداث والتنبؤ بها والتأكيد ان الاحداث مرسومة ولابد ان تقع ففي بداية المسرحية وقد صار التتار في جالوق .
تاميش : ـ خيل الي انني كنت في أتون معمعة ضارية أتمايل على ظهر جوادي يمنة ويسرة كأنني أسد مختال .
وبغتة طالعت عيناي نجماً في السماء يبسم لي فشددت على زمام جوادي حتى وقف .
فرأيت النجم يلوح لي بيد من نور ويشير الي فنكزت جوادي أريد أن أتبعه .
فجعل النجم يقترب مني وجعلت أقترب منه فكان يزداد ضخامة وكنت أنا أزداد ضؤولة حتى اذا ماصرت على مقربة منه ،
مد النجم يده الى صندوق مهتري،
ففتح غطاءه ثم أشار الي فنزلت عن جوادي ثم دخلت الصندوق وأحسست بالغطاء يطبق عليّ .
وبالصندوق يطير بي في الهواء.
وأنشأت أنفاسي تتلاحق متعبة مخنوقة .
فقلت في نفسي لاشك في ان النجم يريد قتلي .
وازداد خوفي عندما سمعت صليل سيوف يقرع غطاء صندوقي .
وعندها ادركت ان ساعتي قد أزفت وان النجوم تدبر لموتي .
وسألت نفسي : ترى لم تحاول النجوم ان تثأر مني ؟ هل خدشت ضياءها ؟ هل أذيت سكانها ؟ هل بصقت على معابدها ؟ وظلت هذه الاسئلة تقرع رأسي قرعاً .
ولكن الصندوق مالبث ان فتح .
ماكدت أرفع بصري حتى غشيه نور لماح لم أرله في حياتي شبها .
ثم رأيتني في قصر منيف تكاد كل صخرة فيه تضيء كأنها لؤلؤة .
وخيل الي أول الأمر انني تركت وحدي .
ولكن ألوف الوجوه مالبث ان أطلت من كل نافذة .
فحاولت ان أمد يدي اليها أن أسألها اسمها .
ان أعرف منها أين أنا .
ولكن شيئاً مافي جعلني أرتعد .
لقد كنت عارياً .
عارياً كما جئت الى الدنيا يوم ولدتني أمي .
فوضعت يدي حيث يجب ان أضعهما وأردت الرجوع الى الصندوق كي أستر فيه عربي .
ولكن الصندوق كان قد اختفى.
وهذا ما يقع فعلا لتاميش بعدما تجعله جالوق يصحو ويرجع اليه شعوره الانساني،
فيفكر في ماضيه وما اقترفته يداه من جرائم فيرى نفسه أمام ذنوب كبيرة .
لا يمكن نسيانها أو الهرب منها الا بالموت .
ومن الحلم يتعلم أيضاً ابن وهب .
فهو حين كان طفلاً ،
يترك مع أحد أصدقاء أبيه جالوق بحثاً عن اللآلي والجواهر في بحار الهند والصين .
وذات ليلة وهو على ظهر مركب .
يستسلم لغفوة فيرى فيما يرى النائم انه مقبل على مدينة عظيمة .
بنيت جدرانها وبيوتها من اللؤلؤ .
وهناك يرى بيتهم في أحد منعطفات المدينة.
فيعرف ان المدينة لم تكن الا مدينتهم .
ولما أفاق سأل صديق أبيه ان يعيده الى جالوق ،
أما حوار المسرحية .
فيأتى حافلاً بالمعاني والافكار العميقة والتلميحات الذكية .
لكن هذه المعاني والتلميحات تغدو احياناً هدفاً وغاية في ذاتها.
اذ تتحول الى مناقشات فكرية طويلة تضعف الحركة في المسرحية وتعطل سير حدثها .
واللغة التي صيغ بها الحوار لغة فصحى وذات خصائص توفر فيها شيئاً من المتانة والجزالة.
وهي في الوقت عينه لغة أدبية وليست لغة درامية حتى يخيل الينا ان المؤلف كتب المسرحية للقراءة وليست للتمثيل.
• تاميش : ومن ريحانة هذه ؟
• میران : ابنة الأمير داود .
• تاميش : أهي صبية يافعة ؟ أهي امرأة كهلة ؟
• ميران : بل فتاة في ريعانها .
كأن الربيع هجر مكانه ليقيم بين أضلاعها .
• تامیش : وماذا تعرف عنها ؟
• ميران،
إنها ذكية حليمة تكاد لا تتكلم الا همساً لها رقة الندى على شفاه الزهر أسد في أهاب ملاك .
• لذلك نرى الحوار في بعض مواضع المسرحية يكاد يكون شعراً :
• تاميش : ألم تسألني ماذا كنت أريد أن أفعل بالكنز ؟
أريد أن أبني به مدينة لا يعيش فيها الا الأطفال .
مدينة لارعب فيها ولا سلاح مدينة لاتشرب الضغائن ولا تغمس أناملها فى الدماء .
جميلة كوجه .
طفل .
بريئة كوجه طفل .
سماؤها دائمة الزرقة وينابيعها لا تعرف النضوب .
حتى أشجارها لا تحمل الا اللآلي .
وعلى الرغم من تمكن المؤلف في اللغة .
ظهرت بعض الاغلاط في لغة المسرحية منها :
• ريحانة كلا يا عماه .
ولكن هناك أشياء لاأصل الى فهمها .
وكلما ازددت بحثاً عن أسبابها وغاياتها كلما ازددت ايماناً بأنني أمام باب موصد .
والصحيح حذف( كلما )الثانية .
• بهلول : سأبوح لكما بسر.
لقد نصع الامام الى الأمير داود .
والصحيح ( لقد : نصح الإمام للأمير .
ولأن المسرحية تنتمي الى المسرح الفكري .
أصبحت لغة شخصيات المسرحية من العرب والتتار واحدة.
فلم يظهر فيها اي اختلاف باختلاف جنس الشخصية او مستواها الثقافي والاجتماعي .
تضعف الدراما في بعض أجزاء المسرحية حيث لا يكون ثمة فعل .
بل قص وحكاية يشيعان في الحوار .
الأمر الذي يجعل هذا الأثر الأدبي أقرب الى القصة منه الى المسرحية .
• میران : كانت طريقي الى سمرقند تمر بكوخها .
كانت تعيش مع امها العجوز .
أما أبوها فقد مات .
وكانت تسمع وقع حوافر حماري فتخرج من كوخها فأرسي في يدها شيئاً مما أرسلت به .
• ابن وهب : ألم تكن تلتقي بها عند عودتك من السوق ؟
• میران : بلى .


Original text

تقع المسرحية في ثلاثة فصول، يجري كل منها في يوم واحد من هنا جاء عنوان المسرحية ( حكاية الأيام الثلاثة) . والحدث يجري كله في مكان واحد هو مدينة (جالوق) وتتوافر في الحدث أيضاً الوحدة لأنه يتكون أساساً من واقعة واحدة تبدأ ، ببداية معينة ثم تنمو وتتطور حتى تصل الذروة فالحل . ان كل ذلك . أعني توافر الوحدات الثلاث . وحدة الزمان والمكان والفعل. أضفى على حبكة المسرحية شيئاً من التماسك ، وجعلها أقرب الى المسرح الكلاسي منه الى المسارح الأخرى.
• تبدأ أزمة المسرحية في الفصل الأول حيث نلقى كبار التتار في قصر أمير جالوق . وهم يتشاورون في أمر كنز جالوق ويفكرون في وسيلة يعثرون بها على الكنز . فيطلبون بعض أعيان المدينة لهذا الغرض. غير ان هؤلاء لا يفيدونهم في ذلك . بل يملأون نفوسهم قلقاً وحيرة بأحاديثهم الغامضة عن الكنز. واخيراً يوافق ابن وهب . كبير تجار المدينة. على ان يدلهم على الكنز. في الوقت الذي تزيد فيه مخاوف الجماعة وقلقهم .
• أما في الفصل الثاني حيث تنمو الأزمة. فنجد في الساحة الكبرى للمدينة منصة في وسطها صندوق خشبي مهتريء عليه قفل معدني صدي. يصعد قادة التتار الى المنصة ومعهم ابن وهب . وتحضر جموع غفيرة الى الساحة لترقب ما يجري على المنصة . ويبدو ان التتار يريدون مقاضاة ابن وهب يبدأ الحوار بين التتار وابن وهب وبعض الأهالي عن جالوق : ولم وقع عليها الغزو المغولي وكيف قابلته . ثم يبدأ سؤال بعض الأهالي عن الكنز فتسمع أجوبة متناقضة عنه بعد ذلك يفتح الصندوق فاذا به حجر كبير مصبوغ بدم. كان هذا حجراً سحق به ميران أحد قادة المغول رأس صبية امتنعت عليه . حين هم باغتصابها . في سحن جامع اقتحمته جموع التتار . وأضرمت فيه النار . أثناء غزوهم دمشق . يواجه میران بهدا ويحاول انکاره . لكنه سرعان ما يعترف بفعلته الشنيعة هذه. وآنذاك يقتله تاميش القائد الأكبر للمغول.
• وأما في الفصل الثالث والأخير فنلقى تاميش وقد استيقظ ضميره وهزته جالوق هزاً . فأصبح أسيرها . فنراه يصدر أوامره الى جنوده بالرحيل عن المدينة . في حين يظل هو وحده ينتظر مقدم الأمير داود الذي يجيء على رأس جيش لتحرير المدينة ليستسلم له. والاطار العام للحبكة مستمد من التاريخ. ويتمثل في وقائع الغزو المغولي الثاني للشام في مطلع القرن الخامس عشر. لكن الواقعة الرئيسة التي تتكون منها الحبكة. أعنى واقعة بحث التتار عن كنوز جالوق . لم أعثر عليها في المصادر التأريخية التي تناولت هذه المرحلة وربما تكون من نسج خيال المؤلف . نسجها من الجو العام الذي ساد الشام أثناء الغزو المغولي . وما غرف عن المغول من تكالب ونهب الثروات المدن العربية التي استولوا عليها .
وثمة وقائع يرد ذكرها في المسرحية . أخذها المؤلف من تاريخ ابن تغري بردي . مثال ذلك ما جرى لدمشق يوم دخلها التتار :
میران... لقد دخلنا دمشق وسيوفنا مسلولة، فنهبنا ما قدرنا عليه من الدور، وسقنا نساء دمشق وأولادنا ورجالها مربوطين بالحبال . ثم طرحنا النار في المنازل والمساجد والدور. وكان يوما عاصف الريح فعم الحريق جميع البلد حتى كاد لهيب النار ان يرتفع الى السحاب . وعملت النار في المدينة ثلاثة أيام بليالها حتى احترقت كلها .
ولا يرد بعض هذه الوقائع مبرراً . بل حشوا يمكن حذفه دون ان يختل بناء الحبكة .
(۳)
ان المحور الذي تدور عليه المسرحية هو البحث عن كنز جالوق . وهذا الكنز ليس في الحقيقة الا كنزاً معنوياً يتمثل في القيم والمباديء الروحية السامية التي تشكل أعظم ميزة لجالوق . ميزة لا يمكن ان تدانيها ميزة أخرى . فالكنز هو ضمير جالوق ووجد انها ومواصفاتها الأخلاقية السمحة التي تتمسك بها :
• تامیش : تحمين الكنز الذي يختبيء في صدر المدينة .
• ريحانة ، الكنز : أؤكد لك أن عيني لم تقع عليه يوماً .
• تاميش : ولكنك تعلمين عنه أشياء كثيرة . أليس كذلك ؟
• ريحانة : لقد ولدت في هذه المدينة فنبت الكنز في صدري . كما نبت في صدر كل انسان فيها .
• تاميش : أهذا كل ماتعلمينه ؟ ألم تعرفي كم يزن ؟ كم قطعة هو ؟ أين يوجد ؟
• ريحانة : لو عرفت عنه كل ماتقول لما كان كنزاً . من هذا نجد بونا كبيرا بين التتار وسكان جالوق في نظرتهم الى هذا الكنز والصورة التي يحملونها عنه :
• ظهير الدين : وماذا تريد ان تفعل بالكنز ؟
• تاميش : نأخذه . أهذا سؤال يليق بعالم مثلك ان يسأله.
• ظهير الدين : ولكن المشكلة هي اننا نحن لا نسأل مثل هذه الأسئلة
• تاميش : هذا يدل على انكم لاتفيدون منه فلماذا لا تسلمونه الينا ؟
• ظهير الدين: لم يقع في يدنا بعد حتى نسلمه اليكم .
فالتتار لهذا . حين يعرفون حقيقة الكنز ويعيشون هذه الحقيقة أثناء مكوثهم في جالوق . يتغيرون ، اذ يكشف الكنز عن حقيقتهم ويعري نفوسهم فاذا بهم وجها لوجه . أمام آثامهم وذنوبهم ، وهو ما يوقع فيهم الهزيمة والخذلان .
لكن جالوق . على الرغم من هذه الأخلاق والقيم الروحية السامية التي تمتلكها . كانت تفتقر الى فضائل أخرى . فقد كانت مدينة ذات نزعة مثالية تبعدها عن النظر الى كل جوانب الواقع والحياة . لذلك صارت غافلة عن جوانب مهمة من الواقع المحيط بها، فهي لكونها مدينة خيرة ظنت الجميع أخياراً . فأحسنت الظن وفتحت صدرها لكل غريب . لهذا لم تحسب جالوق حساباً للقوة التي بها تصان الحكمة والمباديء أحياناً . وبها تحيأ البسمات على شفاه الأطفال . ويظل الألق في العيون . يقول ظهير الدين أمام جالوق مفسراً المصيبة التي حلت في جالوق.


ظهير الدين : لكل أمر غاية . هذه حقيقة لا أرى ضرورة في مناقشتها . ولكن قدرتنا على كشف هذه الحقيقة محدودة . ان ثمة شيئاً نعرفه جميعاً . شيئاً كنا نحس به احساساً مبهماً ولكننا كنا نخاف ان نفكر فيه لئلا يخرج الى الهواء فيتنفس في رئاتنا ويرهق ضمائرنا . كنا نحس ان شيئاً ما في جالوق كان مفقوداً . شيئاً كان يستطيع ان يجعلها اقوى على مقاومة الشر واشد قدرة على الخلاص منه لقد كانت جالوق مذنبة كان الدين صلاة على لسانها ودفئاً في قلبها ولكنها لم تجعله درعاً . لم ترفعه سداً . كانت تؤمن بالحب والأخاء ولكنها لم تحمها بسيفها لم تصنهما بعزيمتها . كان الذنب جلياً لكل ذي عينين ، ولكننا كنا نؤثر ان نغمض أجفاننا حتى لانراه .
كانت جالوق تظن ان جمالها يدفع عنها كل مكروه. فعاشت آمنة مطمئنة . تضطرب الأحداث من حولها فلا تثير فيها قلقاً ولا تزيدها إلا طمأنينة وأمناً . كانت مدينة جميلة ترى الدمامة كلها حولها فلا تكاد ترفع اصبعاً لازالتها . مدينة صادقة ترى الأباطيل تقيم حولها سداً فتقبع في داخل صدقها وأمانتها من غير ان تمديداً تحيل تلك الأباطيل الى هباء . وتستفيق ذات يوم فاذا حفنة من التتار تنتهك حرماتها وتطمس جمالها ، فلا تستطيع صدهم عنها .
(4)
وتبدو الأحداث في المسرحية سائرة في جو من القدرية والعبث واللا معقول . اذ ان الشخصيات لا تستطيع ان تعي ما يقع لها من أحداث ولا تفهم أسبابها ومبرراتها . فالتتار لا يعرفون كيف دخلوا جالوق ويحسون كأن يداً خفية قادتهم اليها . فكان لا بد من دخولها ، لأن ذلك كان شيئاً أكبر منهم جميعاً . ان الجميع يسألون اسئلة ثم لا يجدون لها جواباً . وهذه ريحانة ابنة أمير جالوق . لا تقتنع بالتبريرات التي تطرح في تبرير المصيبة التي تحل في جالوق. وهي بعض ذنوب اهلها . فتقول :
ريحانة : ولكن المشكلة ليست في ذنوبنا نحن فقط ولكن في القضية كلها . ان هذا الشر اكبر منا .. اكبر من ذنوبنا .. اكبر من العقوبة التي نستحقها . أنا لاأرى في ماقلت الا حقاً - ولكن قل لي هل ترى في أهل المدائن الأخرى فضائل لاتجدها فينا ؟ هل ترى في عيون أطفالها شموساً ساطعة وترى في عيون اطفالنا رجوماً ؟ .
وهذه القدريه والشعور بالعبث ، سبق ان عبرت عنهما مسرحية النص الأولى شهريار» حيث جعل بطلها شهريار يؤمن بأن القدرية هي جوهر الحياة ، فلا حريه اختيار للانسان ، وكل شيء مرسوم له في لوح القدر . وهو يسعى الى البحث عن معنى وغاية حياته لكنه يعجز عن ايجاد هذه الغاية، لأنه يجد الوجود غير قابل للفهم ويسأل اسئلة ، لكنه لا يجد لها جواباً . نلقى شهريار يقول:
شهريار .. أردت ان أعلم لم جئت الى الدنيا .. ولم أحببت ولم أبغضت .. ولم آمنت ثم كفرت .. ولم ضغنت فسفكت من الدم ماسفكت . أجل أردت أن أعلم هذا كله . وفوق هذا أيضاً، ولكن عقلي لم يقدر على اسعافي
(5)
في المسرحية عدة شخصيات من التتار والعرب ، لكن العناية تنصب على تاميش وميران وابن وهب أكثر من الشخصيات الأخرى.
لا تعنى المسرحية برسم ملامح شخصياتها رسماً واضحاً، ولا تسعى الى سبر أغوارها والتغلغل الى أعماقها . وذلك لانتمائها الى المسرح الفكري حيث تنصب العناية أساساً على تجسيد الأفكار وتوضيحها. من هنا لا نجد هنا شخصيات من لحم ودم . بل أفكار منسقة ومنظمة يسعى مؤلف المسرحية الى تجسيدها بوساطة هذه الشخصيات . ولو ان المسرحية تميل احياناً الى ابراز البعد الاجتماعي والنفسي لبعض الشخصيات فتلقي الضوء مثلاً على نشأة ميران وطفولته ، وكيف نشأ في بيئة فقيرة قاسية ، كلها بؤس وشقاء وعذاب وخشونة. لاحنان فيها ولا شفقة . احب ميران فتاة مسكينة. لكن أحد الجنود يقتلها حين تقاومه اثناء محاولته اغتصابها . الأمر الذي يدفعه الى تعلم القسوة والقتل للانتقام من هذا الجندي ، حتى يصبح قاتلا محترفاً ذبح انسان أهون عليه من شربة ماء . ولا يصحو الا حين يرى حقيقة الكنز فيغدو وجهاً لوجه مع ماضيه ، مع ذنوبه .
أما شخصية تاميش فتأتي نامية نتيجة للأحداث التي يمر بها فجالوق تغيره اذ تكشف النقاب عن سرائره ، وتفضح خواءه الروحي وتعيد اليه الاحساس بانسانيته انها تأسره :
تاميش : أنا أسير هذه المدينة. هذا أمر لاسبيل الى نكرانه بعد الآن . هناك مدن تقتلك ، تسحقك سحقاً ، تنهب نقاءك ذرة ، ذرة. تضيعك . تهتك أسرارك ثم تجيلك حجراً. أما هنا فان المرء يجد له ذاتاً ، يكتشف طريقاً . يستعيد رؤية ظن انه أضاعها . قد تكون جالوق مدينة كغيرها من المدن . ولكن روحها ولكن هواءها وأرضها تعيد للانسان احساسه بأنه انسان .. بات له غاية .
من أجل ذلك يقتل تاميش ميران . لأنه يرى فيه صورة مجسدة للانسان القاتل الذي صار يكرهه . لقد كان ميران أنموذجاً نادراً لا يتورع عن حرام . ولا يعف عن شيء. وكان صورة مثلى للماضي الأسود الذي أراد تاميش أن يقطع كل صلاته به بعد أن هزته جالوق هزاً ، تامیش : وأحسست بيدي تمتد مرتجفة .. مهزوزة .. لتستل خنجري . لتستقدم عزمي . لتنقض على ذلك الأمس الماثل أمامي .. على البهيمة التي كانت شناعتها تجرح عيني ... أجل . أجل . كان ذلك هروباً . كان محاولة لقطع كل طريق ... لهدم كل جسر .. كان انعتاقاً مطلقاً من كل تبعة .
أجل كانت إغفاءه تنأى بي عن أمسي ، عن يومي . عن مستقبلي كنت لا أسمع شيئاً .. لا ارى شيئاً . لا أريد شيئاً . كانت عيناي مغلقتين .. وكانت ارادتي غافية يدي وحدها كانت يقظه تضرب . كانت تثأر .. كأن قوة خفية كانت تسيرها .
وهكذا تجعل جالوق تاميش يستعيد شعوره انساناً . وترجع اليه الروح التي اضاعتها سنوات القتال الطويلة. فيصبح انساناً كله رقة وهو ما يدفعه الى ان يأمر جنده بأن ينظروا هل خدش سهم من سهامهم احد جدران المدينة فيعيدوه كما كان . ويجولوا في الحدائق ليروا هل اقتطع أحدهم زهرة من زهراتها ، فيعيدوا غرسها . ويطلب اليهم أن يكنسوا الدروب ، حتى تعود نظيفة نقية . ويربتوا على شعر كل طفلة ويقبلوا جبينها حتى تطمئن . وهو اذ ينقلب على هذا النحو . لا يستطيع الفرار من ماضيه المليء بالمخازي والآثام، وينظر أمامه فلا يرى الا فراغاً وخواء يعوي في صدره عواء . لذلك لا يرى مفراً من الانتحار. فبالموت وحده يستطيع أن يصل الى غايته المنشودة . أن يمتلك جالوق التي امتلكته وهو حي :
تامیش : لم تريدني أن أخرج من المدينة يا ابن وهب ؟ ابن وهب : لانقذ حياتك من الموت .
تاميش : ولماذا تريد ان تنقذني ؟ ألم أغز هذه المدينة ؟ ألم أطأ أرضها ؟ ألم أنتهك كرامتها ؟
ابن وهب : بلى ولكنك حاولت امتلاكها فامتلكتك ولم تمتلكها ، لقد صغرت أمامها فجعلتك كبيراً وحنوت على ترابها ففتحت لك سماءها . ألم تقتل صديقك ميران حبابها ؟ تامیش : صدقت یا ابن وهب . لقد أردت امتلاك جالوق ولكنني لم أفلح .
ابن وهب : فلماذا لاتتركها اذن ياتاميش ؟ لماذا لاتنساها ؟
تاميش : لانني سأحاول مرة اخرى . سأمتلكها بموتي دور
ومن شخصيات المسرحية بهلول . وهو مجذوب يعمل في قصر أمير جالوق . وتجمع هذه الشخصية بين الغفلة والحكمة . لكن الحكمة أغلب ، وفيها خصائص مستمدة من شخصية المهرج الشعبي الشائعة في التراث العربي الشعبي . أما بهلول فيشبه دور الكورس في المسرح القديم أي التعليق على أحداث المسرحية والأخبار ببعض الأمور التي تعمل على تطوير حدث المسرحية . وفي الوقت نفسه . ينطق بجمل فكهة تسهم في الترويح عن النفس. وهو يظهر في مطالع الفصول . الأحداث ليلقي الضوء على ما يجري . ففي مطلع الفصل الثاني نراه يوضح لنا جو ودلالاتها بحوار يجمع بين الحكمة والطرافة
بهلول - بهلول . هذا هو اسمي . بل لعله لم يكن اسمي ولكن الصق بي الصاقاً . ولكن ... ماذا يضيرني أن يقال عني بهلول ؟ أليست الأسماء أحابيل يخدع بها بعضنا بعضاً ؟ ان هناك أشياء أصل الى فهمها وان هناك أشياء لا أصل الى فهمها . فأنا لا أفهم مثلاً لم لا يكون للأشجار عيون في رؤوسها . وأنا لا أفهم لم لا يكون للعناكب أسنان كأسنان الحوت ، ولكن هذا لا يعني أنني أجد في الناس من هو أكثر مني ادراكاً . بهلول . هكذا يقال عني ، ولكن الأسماء لا تعني شيئاً . أما هذه المنصة هنا فلا ريب في انها تعني شيئاً ترى ام أقيمت .


(٦)
وللحلم في المسرحية دور واضح ، يتجلى في التمهيد للأحداث والتنبؤ بها والتأكيد ان الاحداث مرسومة ولابد ان تقع ففي بداية المسرحية وقد صار التتار في جالوق . يقص تاميش على جماعته حلماً مزعجاً يراه :
تاميش : ـ خيل الي انني كنت في أتون معمعة ضارية أتمايل على ظهر جوادي يمنة ويسرة كأنني أسد مختال . وبغتة طالعت عيناي نجماً في السماء يبسم لي فشددت على زمام جوادي حتى وقف . فرأيت النجم يلوح لي بيد من نور ويشير الي فنكزت جوادي أريد أن أتبعه . فجعل النجم يقترب مني وجعلت أقترب منه فكان يزداد ضخامة وكنت أنا أزداد ضؤولة حتى اذا ماصرت على مقربة منه ، مد النجم يده الى صندوق مهتري، ففتح غطاءه ثم أشار الي فنزلت عن جوادي ثم دخلت الصندوق وأحسست بالغطاء يطبق عليّ . وبالصندوق يطير بي في الهواء. وأنشأت أنفاسي تتلاحق متعبة مخنوقة . فقلت في نفسي لاشك في ان النجم يريد قتلي . وازداد خوفي عندما سمعت صليل سيوف يقرع غطاء صندوقي . وعندها ادركت ان ساعتي قد أزفت وان النجوم تدبر لموتي . وسألت نفسي : ترى لم تحاول النجوم ان تثأر مني ؟ هل خدشت ضياءها ؟ هل أذيت سكانها ؟ هل بصقت على معابدها ؟ وظلت هذه الاسئلة تقرع رأسي قرعاً . ولكن الصندوق مالبث ان فتح .
ماكدت أرفع بصري حتى غشيه نور لماح لم أرله في حياتي شبها . ثم رأيتني في قصر منيف تكاد كل صخرة فيه تضيء كأنها لؤلؤة . وخيل الي أول الأمر انني تركت وحدي . ولكن ألوف الوجوه مالبث ان أطلت من كل نافذة . فحاولت ان أمد يدي اليها أن أسألها اسمها . ان أعرف منها أين أنا . ولكن شيئاً مافي جعلني أرتعد . لقد كنت عارياً . عارياً كما جئت الى الدنيا يوم ولدتني أمي . فوضعت يدي حيث يجب ان أضعهما وأردت الرجوع الى الصندوق كي أستر فيه عربي . ولكن الصندوق كان قد اختفى.
وهذا ما يقع فعلا لتاميش بعدما تجعله جالوق يصحو ويرجع اليه شعوره الانساني، فيفكر في ماضيه وما اقترفته يداه من جرائم فيرى نفسه أمام ذنوب كبيرة . لا يمكن نسيانها أو الهرب منها الا بالموت .
ومن الحلم يتعلم أيضاً ابن وهب . فهو حين كان طفلاً ، يترك مع أحد أصدقاء أبيه جالوق بحثاً عن اللآلي والجواهر في بحار الهند والصين . وذات ليلة وهو على ظهر مركب . يستسلم لغفوة فيرى فيما يرى النائم انه مقبل على مدينة عظيمة . بنيت جدرانها وبيوتها من اللؤلؤ .
وهناك يرى بيتهم في أحد منعطفات المدينة. فيعرف ان المدينة لم تكن الا مدينتهم . ولما أفاق سأل صديق أبيه ان يعيده الى جالوق ، حيث أخذ يعمل فيها ينحت من حجارتها فاذا بها تنقلب الى لآلىء


(7)
أما حوار المسرحية . فيأتى حافلاً بالمعاني والافكار العميقة والتلميحات الذكية . لكن هذه المعاني والتلميحات تغدو احياناً هدفاً وغاية في ذاتها. اذ تتحول الى مناقشات فكرية طويلة تضعف الحركة في المسرحية وتعطل سير حدثها . واللغة التي صيغ بها الحوار لغة فصحى وذات خصائص توفر فيها شيئاً من المتانة والجزالة.
وهي في الوقت عينه لغة أدبية وليست لغة درامية حتى يخيل الينا ان المؤلف كتب المسرحية للقراءة وليست للتمثيل. فاللغة عامة لغة بيانية وتصويرية تعتمد على التشبيه والاستعارة والمجاز :
• تاميش : ومن ريحانة هذه ؟
• میران : ابنة الأمير داود .
• تاميش : أهي صبية يافعة ؟ أهي امرأة كهلة ؟
• ميران : بل فتاة في ريعانها . كأن الربيع هجر مكانه ليقيم بين أضلاعها .
• تامیش : وماذا تعرف عنها ؟
• ميران، إنها ذكية حليمة تكاد لا تتكلم الا همساً لها رقة الندى على شفاه الزهر أسد في أهاب ملاك . وقلب
• لذلك نرى الحوار في بعض مواضع المسرحية يكاد يكون شعراً :
• تاميش : ألم تسألني ماذا كنت أريد أن أفعل بالكنز ؟
أريد أن أبني به مدينة لا يعيش فيها الا الأطفال ... مدينة لارعب فيها ولا سلاح مدينة لاتشرب الضغائن ولا تغمس أناملها فى الدماء . جميلة كوجه ... طفل .. بريئة كوجه طفل .. سماؤها دائمة الزرقة وينابيعها لا تعرف النضوب . حتى أشجارها لا تحمل الا اللآلي .... وعلى الرغم من تمكن المؤلف في اللغة .
ظهرت بعض الاغلاط في لغة المسرحية منها :
• ريحانة كلا يا عماه . ولكن هناك أشياء لاأصل الى فهمها . وكلما ازددت بحثاً عن أسبابها وغاياتها كلما ازددت ايماناً بأنني أمام باب موصد ... والصحيح حذف( كلما )الثانية . ومن ذلك
• بهلول : سأبوح لكما بسر. لقد نصع الامام الى الأمير داود ... والصحيح ( لقد : نصح الإمام للأمير .. )
ولأن المسرحية تنتمي الى المسرح الفكري . أصبحت لغة شخصيات المسرحية من العرب والتتار واحدة. فلم يظهر فيها اي اختلاف باختلاف جنس الشخصية او مستواها الثقافي والاجتماعي .
8))
تضعف الدراما في بعض أجزاء المسرحية حيث لا يكون ثمة فعل . بل قص وحكاية يشيعان في الحوار . الأمر الذي يجعل هذا الأثر الأدبي أقرب الى القصة منه الى المسرحية . مثال ذلك:
• میران : كانت طريقي الى سمرقند تمر بكوخها .
كانت تعيش مع امها العجوز . أما أبوها فقد مات . وكانت تسمع وقع حوافر حماري فتخرج من كوخها فأرسي في يدها شيئاً مما أرسلت به .
• ابن وهب : ألم تكن تلتقي بها عند عودتك من السوق ؟
• میران : بلى . كنت أمر بكوخها مرة اخرى عند الأصيل فتخرج الي ثم ننطلق الى غيضه قريبة فنجلس فيها صامتين كأننا كنا نجهل ان هناك كلمات يمكن ان نقولها


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Immunity is the...

Immunity is the body's ability to prevent and or deal with the invasion of pathogens (disease causin...

*Human Resource...

*Human Resources Management Software (HRMS):** - HRMS can centralize employee data, including per...

المقدمة عندما ت...

المقدمة عندما تسمع عن حمزة يونس و عن بطولاته، وكيف استطاع كسر اسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر ل...

بالتأكيد، قيمة ...

بالتأكيد، قيمة المجال المغناطيسي تتغير على مختلف أماكن الكرة الأرضية بسبب العوامل الجيولوجية والبيئي...

في مساء اليوم ا...

في مساء اليوم التَّالي عاد الطيار إلى مكان البئر حيث الأمير الصغير ينتظره ،فوجده بانتظاره يجلس على ج...

يتفق الجميع على...

يتفق الجميع على أن إمارة دبي كانت وما زالت عاصمةً عالميةً للرُقي والازدهار في مختلف مناحي الحياة، فر...

ظل انتقاد نظرية...

ظل انتقاد نظرية داروين للتطور عن طريق الانتقاء الطبيعي مستمرًا منذ اقتراحها في القرن التاسع عشر. بعض...

What are the ha...

What are the harms caused by fast food? Fast food restaurants have some negative effects on our heal...

من الضروري أن ت...

من الضروري أن تختار شخصاً ما ذو خبرة واسعة في مجال عملك ليعطيك النصح و الإرشاد في الأمور التي تتعلق ...

النجاح والتفوق ...

النجاح والتفوق هما أمران يسعى لهما أي شخص. من الضروري أن تختار شخصاً ما ذو خبرة واسعة في مجال عملك ل...

The effectivene...

The effectiveness of greenhouses and the significance of enhancing heat transfer within them were co...

النجاح والتفوق ...

النجاح والتفوق هما أمران يسعى لهما أي شخص.. وحتى تكتمل سعادة الإنسان فإنه يسعى لأن يكون ناجحاً في حي...