Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

الباب العشرون في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر حكى أبو الفرج ابن الجوزي في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن الصبر أفضل. كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت ونحن نذكر ما احتجت به كل فرقة وما لها وما عليها في احتجاجها، وقد تقدم في النصوص والأحاديث ما فيه وفي فضله ما يدل على أنه أفضل من الشكر. فإنه ألحق الشاكر بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى من رتبة المشبه، قالوا: وإذا وازنا بين النصوص الواردة في الصبر والواردة في الشكر، ولهذا لما كانت الصلاة والجهاد أفضل الأعمال كانت الأحاديث فيهما أكثر من الأحاديث في سائر الأبواب، قالوا: وأيضا فالصبر يدخل في كل باب، ولهذا كان من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. قالوا: وأيضا فالله سبحانه علق على الشكر الزيادة، وعلق على الصبر الجزاء بغير حساب، قالوا: وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وفي لفظ: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها، قال الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، وما ذلك إلا لأنه صبر النفس ومنعها من شهواتها، كما في الحديث نفسه: يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، ولهذا قال النبي ﷺ لمن سأله عن أفضل الأعمال: عليك بالصوم فإنه لا عذل له. ولما كان الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الهوى، وكان هذا حقيقة الصوم - فإنه حبس النفس عن إجابة داعي شهوة الطعام والشراب والجماع - فسر الصبر في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾ إنه: الصوم، وقال بعض السلف: الصوم نصف الصبر وذلك لأن الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والغضب، فالنفس تشتهي الشيء لحصول اللذة بإدراكه وتغضب لتقربها من المؤلم، والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب ولكن من تمام الصوم وكماله صبر النفس عن إجابة داعي الأمرين. فإن أحد سابه أو شاتمه فليقل: إني صائم. وهذه تحبط أجره كما قال في الحديث الآخر: من لم يدع قول الزور والعمل به، قالوا: ويكفي في فضل الصبر على الشكر قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾، كما قال بعض العارفين: ذهب الصابرون بخير الدنيا والآخرة لأنهم نالوا معية الله. وقد وعد الصابرين بثلاثة أشياء كل واحد منها خير من الدنيا وما عليها وهي: صلوات الله تعالى عليهم، وأمر رسوله أن يتشبه بصبر أولي العزم من الرسل، قالوا: وقد دل الدليل على أن الزهد في الدنيا والتقلل منها ما أمكن أفضل من الاستكثار منها، قالوا: ويدل على صحة هذا أن النبي ﷺ عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فلم يأخذها، وأعمال يعمل بها، وأفضل العلم والعمل والحال العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وإنما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وإلا فهو في الدنيا وإن شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملاً، للمعارضات التي عليه والمحن التي امتحن بها، وتفاوت العلوم في فضلها بحسب قرب إفضائها إلى هذه المعرفة وبعده، فكل علم كان أقرب إفضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه. فكل حال كان أدنى (1) إلى المقصود الذي خُلق له فهو أشرف مما دونه . فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصور كان أفضل من غيره. ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال أو أفضلها؛ لقرب إفضائها إلى هذا المقصود. فإن كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها، وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المقصود، وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل في حق شخص، فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة . والشجاع الشديد البأس الذي يهاب العدو سطوته، وولي الأمر الذي قد نصبه الله للحكم بين عباده، وتأمل تولية النبي ﷺ لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله وترك تولية أبي ذر بل قال : «إني أراك ضعيفًا، وإني لأحب لك ما أحب النفسي : لا تأمرن على اثنين ، فإذا استفرغ وسعه فيه برز على غيره، إذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع به، وإذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه، فالشيخ المطاع مثلاً من المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها. وكذا داء اتباع الهوى والإعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن واستفراغ الوسع والذكر والزهد، وإذا عرفت هذه القاعدة فالشكر ببذل المال عمل صالح يحصل به للقلب حال، فقالوا: فإن قيل: فقد حث الشرع على الأعمال؟ وانفصلوا عنه بأن قالوا: الطبيب إذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء يراد لعينه، ولا أنه أفضل من الشفاء الحاصل به، ولكن الأعمال علاج لمرض القلوب، ومرض القلوب مما لا يشعر به غالبا، قالوا: وإذا عُرف هذا عُرف أن حال الصابر حال المحافظ على الصحة والقوة، وحال الشاكر حال المتداوي بأنواع الأدوية لإزالة مواد السقم. وفضلتم مقاما غيره أفضل منه، والمطلوب لغيره على المطلوب لنفسه، والعمل الكامل على الأكمل، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروه وآمنوا به فقال : ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ﴾ أي: قد وفيتم ما خلقتم له،


Original text

TLDR This
الباب العشرون في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر حكى أبو الفرج ابن الجوزي في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أن الصبر أفضل. والثاني: أن الشكر أفضل. والثالث: أنهما سواء، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت ونحن نذكر ما احتجت به كل فرقة وما لها وما عليها في احتجاجها، بعون الله وتوفيقه. قال الصابرون: قد أثنى الله سبحانه على الصبر وأهله، ومدحه وأمر به، وعلق عليه خير الدنيا والآخرة، وقد ذكره في كتابه في نحو تسعين موضعا، وقد تقدم في النصوص والأحاديث ما فيه وفي فضله ما يدل على أنه أفضل من الشكر. ويكفي في فضله قوله: الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر، فذكر ذلك في معرض تفضيل الصبر ورفع درجته على الشكر، فإنه ألحق الشاكر بالصابر وشبهه به ورتبة المشبه به أعلى من رتبة المشبه، وهذا كقوله: مدمن الخمر كعابد وثن، ونظائر ذلك. قالوا: وإذا وازنا بين النصوص الواردة في الصبر والواردة في الشكر، وجدنا نصوص الصبر أضعافها، ولهذا لما كانت الصلاة والجهاد أفضل الأعمال كانت الأحاديث فيهما أكثر من الأحاديث في سائر الأبواب، فلا تجد الأحاديث النبوية في باب أكثر منها في باب الصلاة والجهاد. قالوا: وأيضا فالصبر يدخل في كل باب، بل في كل مسألة من مسائل الدين، ولهذا كان من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. قالوا: وأيضا فالله سبحانه علق على الشكر الزيادة، فقال: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾، وعلق على الصبر الجزاء بغير حساب، فقال: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) وأيضا فإنه سبحانه أطلق جزاء الشاكرين فقال: ﴿وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ وقال: ﴿وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) وفيد جزاء الصابرين بالإحسان، فقال: وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. قالوا: وقد صح عن النبي ﷺ أنه قال: يقول الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به. وفي لفظ: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها، قال الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، وما ذلك إلا لأنه صبر النفس ومنعها من شهواتها، كما في الحديث نفسه: يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، ولهذا قال النبي ﷺ لمن سأله عن أفضل الأعمال: عليك بالصوم فإنه لا عذل له. ولما كان الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الهوى، وكان هذا حقيقة الصوم - فإنه حبس النفس عن إجابة داعي شهوة الطعام والشراب والجماع - فسر الصبر في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾ إنه: الصوم، وسمي شهر رمضان شهر الصبر. وقال بعض السلف: الصوم نصف الصبر وذلك لأن الصبر حبس النفس عن إجابة داعي الشهوة والغضب، فالنفس تشتهي الشيء لحصول اللذة بإدراكه وتغضب لتقربها من المؤلم، والصوم صبر عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب ولكن من تمام الصوم وكماله صبر النفس عن إجابة داعي الأمرين. وقد أشار إلى ذلك النبي ﷺ في الحديث الصحيح، وهو قوله: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يجهل ولا يصخب، فإن أحد سابه أو شاتمه فليقل: إني صائم. فأرشد إلى تعديل قوى الشهوة والغضب، وأن الصائم ينبغي له أن يحتمي من إفسادهما لصومه، فهذه تفسد صومه، وهذه تحبط أجره كما قال في الحديث الآخر: من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس الله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه. قالوا: ويكفي في فضل الصبر على الشكر قوله تعالى: ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾، فجعل فوزهم جزاء صبرهم وقوله تعالى: ﴿وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ ولا شيء يعدل معيته لعبده، كما قال بعض العارفين: ذهب الصابرون بخير الدنيا والآخرة لأنهم نالوا معية الله. وقوله: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)، وهذا يتضمن الحراسة والكلاءة والحفظ للصابر لحكمه، وقد وعد الصابرين بثلاثة أشياء كل واحد منها خير من الدنيا وما عليها وهي: صلوات الله تعالى عليهم، ورحمته لهم، وتخصيصهم بالهداية في قوله تعالى: (أوليك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ وهذا مفهم لحصر الهدى فيهم. وأخبر أن الصبر من عزم الأمور في آيتين من كتابه، وأمر رسوله أن يتشبه بصبر أولي العزم من الرسل، وقد تقدم ذكر ذلك. قالوا: وقد دل الدليل على أن الزهد في الدنيا والتقلل منها ما أمكن أفضل من الاستكثار منها، والزهد فيها حال الصابر، والاستكثار منها حال الشاكر. قالوا: وقد سئل المسيح صلوات الله وسلامه عليه عن رجلين مرا بكنز فتخطاه أحدهما، ولم يلتفت إليه، وأخذه الآخر وأنفقه في طاعة الله عز وجل أيهما أفضل؟ فقال: الذي لم يلتفت إليه وأعرض عنه أفضل عند الله. قالوا: ويدل على صحة هذا أن النبي ﷺ عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فلم يأخذها، وقال: بل أجوع يوما، وأشبع يوما. ولو أخذها لأنفقها كلها في مرضاة الله عز وجل وطاعته، فآثر مقام الصبر عنها والزهد فيها . قالوا: وقد علم أن الكمال الإنساني في ثلاثة أمور: علوم يعرفها، وأعمال يعمل بها، وأحوال ترتب له على علومه وأعماله. وأفضل العلم والعمل والحال العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعمل بمرضاته وانجذاب القلب إليه بالحب والخوف والرجاء، فهذا أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الآخرة. وأجل المقاصد معرفة الله عز وجل ومحبته، والأنس بقربه والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها . وإنما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وإلا فهو في الدنيا وإن شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملاً، للمعارضات التي عليه والمحن التي امتحن بها، وإلا فليست السعادة في الحقيقة سوى ذلك . وكل العلوم والمعارف تبع لهذه المعرفة، مرادة لأجلها، وتفاوت العلوم في فضلها بحسب قرب إفضائها إلى هذه المعرفة وبعده، فكل علم كان أقرب إفضاء إلى العلم بالله وأسمائه وصفاته فهو أعلى مما دونه. وكذلك حال القلب، فكل حال كان أدنى (1) إلى المقصود الذي خُلق له فهو أشرف مما دونه . وكذلك الأعمال، فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصور كان أفضل من غيره. ولهذا كانت الصلاة والجهاد من أفضل الأعمال أو أفضلها؛ لقرب إفضائها إلى هذا المقصود. وهكذا يجب أن يكون، فإن كلما كان الشيء أقرب إلى الغاية كان أفضل من البعيد عنها، فالعمل المُعِد للقلب المتهيئ له لمعرفة الله وأسمائه وصفاته ومحبته وخوفه ورجائه أفضل مما ليس كذلك. وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المقصود، ولهذا اشتركت الطاعات في هذا الإفضاء فكانت مطلوبة الله ، واشتركت المعاصي في حجب القلب وقطعه عن هذه الغاية فكانت منهيا عنها، وتأثير الطاعات والمعاصي بحسب درجاتها . فههنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل في حق شخص، وغيره أفضل منه في حق غيره، فالغني الذي له مال كثير، ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه، فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة . والشجاع الشديد البأس الذي يهاب العدو سطوته، وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل له من الحج والصوم والصدقة والتطوع. والعالم الذي قد عرف السنة والحلال والحرام وطرق الخير والشر، مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة وقراءة القرآن والتسبيح. وولي الأمر الذي قد نصبه الله للحكم بين عباده، جلوسه ساعة للنظر في المظالم، وإنصاف المظلوم من الظالم، وإقامة الحدود ونصر المحق، وقمع المبطل = أفضل من عبادة سنين من غيره. ومن غلبت عليه شهوة النساء فصومه له أنفع وأفضل من ذكر غيره وصدقته. وتأمل تولية النبي ﷺ لعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما من أمرائه وعماله وترك تولية أبي ذر بل قال : «إني أراك ضعيفًا، وإني لأحب لك ما أحب النفسي : لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم وأمر غيره بالصيام، وقال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له ، وأمر آخر بأن لا يغضب ، وأمر آخر بأن لا يزال لسانه رطبا من ذكر الله ومتى أراد الله بالعبد كمالاً وفقه لاستفراغ وسعه فيما هو مستعد له قابل له قد هيئ له، فإذا استفرغ وسعه فيه برز على غيره، وفاق الناس فيه وصار كما قيل: ما زال يسبق حتى قال حاسده له طريق إلى العلياء مختصر وهذا كالمريض الذي يشكو وجع البطن مثلاً، إذا استعمل دواء ذلك الداء انتفع به، وإذا استعمل دواء وجع الرأس لم يصادف داءه، فالشيخ المطاع مثلاً من المهلكات ولا يزيله صيام مائة عام ولا قيام ليلها. وكذا داء اتباع الهوى والإعجاب بالنفس لا يلائمه كثرة قراءة القرآن واستفراغ الوسع والذكر والزهد، وإنما يزيله إخراجه من القلب بضده. ولو قيل: أيما أفضل: الخبز أو الماء؟ لكان الجواب: إن هذا في موضعه أفضل، وهذا في موضعه أفضل. وإذا عرفت هذه القاعدة فالشكر ببذل المال عمل صالح يحصل به للقلب حال، وهو زوال البخل والشح بسبب خروج الدنيا منه، فيتهيأ المعرفة الله ومحبته، فهو دواء للداء الذي في القلب يمنعه من المقصود. وأما الزاهد فقد استراح من هذا الداء والدواء، وتوفرت قوته على استفراغ الوسع في حصول المقصود. ثم أوردوا على أنفسهم سؤالاً، فقالوا: فإن قيل: فقد حث الشرع على الأعمال؟ وانفصلوا عنه بأن قالوا: الطبيب إذا أثنى على الدواء لم يدل على أن الدواء يراد لعينه، ولا أنه أفضل من الشفاء الحاصل به، ولكن الأعمال علاج لمرض القلوب، ومرض القلوب مما لا يشعر به غالبا، فوقع الحث على العمل لمقصود وهو شفاء القلب، فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل، كالحجام يستخرج منك الدم المهلك. قالوا: وإذا عُرف هذا عُرف أن حال الصابر حال المحافظ على الصحة والقوة، وحال الشاكر حال المتداوي بأنواع الأدوية لإزالة مواد السقم. فصل قال الشاكرون: لقد تعديتم طوركم، وفضلتم مقاما غيره أفضل منه، وقدمتم الوسيلة على الغاية، والمطلوب لغيره على المطلوب لنفسه، والعمل الكامل على الأكمل، والفاضل على الأفضل، ولم تعرفوا للشكر حقه ولا وفيتموه مرتبته . وقد قرن تعالى ذكره الذي هو المراد من الخلق بشكره، وكلاهما هو المراد بالخلق والأمر، والصبر خادم لهما، ووسيلة إليهما، وعون عليهما، قال تعالى : ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) وقرن سبحانه الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروه وآمنوا به فقال : ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ﴾ أي: قد وفيتم ما خلقتم له، وهو الشكر والإيمان، فما أصنع بعذابكم بعد هذا؟!


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

يكمن هدف التدري...

يكمن هدف التدريس في تحقيق النموّ في الجانب المعرفيّ، والجانب النفسيّ، والحركي، والوجدانيّ للفرد، وتم...

نشاط : مشاركة ا...

نشاط : مشاركة المرأة في الاحزاب السياسية. اختر أحد الأحزاب السياسية التي ترغب في الانضمام إليها أو ...

in their state ...

in their state of language acquisition. If they use the plural marker and answer “wugs”, which is pr...

ثانياً: الدولة ...

ثانياً: الدولة والمجتمع المدني: علاقات التكامل: لاشك أن فهم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني على أ...

Caitlin Clark G...

Caitlin Clark Gets New Nickname From Stephen A. Smith Amid WNBA Hype.Numbers don't lie, which is why...

- دعت باكستان ط...

- دعت باكستان طاجيكستان لاستخدام ميناء كراتشي لتجارة الترانزيت حيث اتفق البلدان على تعزيز التعاون، و...

كانت العلاقة بي...

كانت العلاقة بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى جيدة في القرن التاسع عشر، ولكن في أوائل الق...

سبق وأن قام وال...

سبق وأن قام والدي المؤرخ المرحوم (عبدالرحمن بن سليمان الرويشد) بتكليف من الأمير المرحوم فهد بن محمد ...

في علم النفس كا...

في علم النفس كان هناك صراع بين التحليل النفسي و العلاج السلوكي، حيث ركز كلاهما على البؤس والصراع، مع...

وأعظم الأسباب ل...

وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَ...

Showing kindnes...

Showing kindness is a crucial human trait. When someone is facing hardship or difficulty, extending ...

بيان المهمة " ت...

بيان المهمة " توفير تعليم وتدريب عالي الجودة يحركه السوق ودعم ريادة الأعمال والبحث التطبيقي التعاوني...