Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

وقد تأثر بكليلة ودمنة محمد بن أحمد بن ظفر ، في كتابه النشري : سلوان المطاع في عدوان الأتباع ، وحكايات الحيوان فيه قليلة ، ولكن
تأثير كليلة ودمنة» فيها واضح كل الوضوح .ثم جاء ابن عربشاه (أحمد بن محمد بن عبدالله ، المتوفى عام ٨٥٤هـ) ألف کتاب : فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء على لسان الحيوان، وهو في الحقيقة ترجمة أدبية حرة لكتاب: مرزبان نامة الذي دون في الأصل باللهجة الطبرستانية في القرن الرابع الهجرى القرن العاشر الميلادي) (۱) ، والذي ترجم - بعد - إلى الفارسية الحديثة ، ترجمه إليها سعد الدين وزاويني ، في أوائل القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي وقد سار في تلك (۲) الترجمة على نهج أبي المعالي نصر الله الذي ترجم إلى الفارسية أيضا كليلة ودمنة العربية لابن المقفع ، فكانت
ترجمته نثرا فنيا ، يقرب من الشعر المنثور .وعن مرزبان نامة ترجم ابن عربشاه كتابه السابق الذكر، في أسلوب أدبي يقرب من أسلوب وراويني في الفارسية ، وابن ريشاه له كتاب آخر مترجم أيضا يسمى : مرزبان نامة بسيط في أسلوبه ،الطبرستانية الأصيلة التي لم يعد لها وجود اليوم .و کتاب ابن عربشاه آخر كتاب في هذا الجنس الأدبي في اللغة العربية قبل العصر الحديث .وقد أثرت العربية ، بدورها في الفارسية الحديثة تأثرا عميقا في هذا الميدان ، إذ كان قد فقد الأصل البهلوى الذي ترجم عنه ابن المقفع ، فأصبح كتاب كليلة ودمنة» العربي، على حسب ترجمته ابن المقفع له ، أصلا لكل ترجمة في اللغات
لهذا الكتاب (۲) ،عام ١١٤٤م ، وقد سبق الكلام عن طريقته في ترجمته ثم ترجمه مرة ثانية إلىالفارسية في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حسين واعظ کاشفی ، وبهذه الترجمة الأخيرة تأثر لافونتين» الفرنسي فيما
يخص هذا الجنس الأدبي ،وقبل أن تتحدث عن التأثير العربي في حكايات لافونتين» تجمل القول في نشأة
هذا الجنس الأدبى وتطوره في الآداب الغربية . ثم سرعان ما صار شعرا ، وغلب طابع الشعر عليه ،وانتهى ذلك الميراث في هذا الجنس الأدبي إلى لافونتين الفرنسي (١٦٢١ - (١٦٩٥) فتأثر به ، وحاكاه ، وأخذ كثيراً من موضوعاته عن سابقيه وبخاصة من اليونانيين واللاتينيين ولكنه بلغ بهذا الجنس الأدبى أقصى ما قدر له من كمال فنى ، فقد راعى الأسس الفنية العامة التي لحظها النابغون في ذلك الجنس الأدبي من سابقيه ، ثم استكمل هذه القواعد الفنية ، وبرع فيها حتى صار مثالا لمن حاكوه
في الآداب جميعا ، وتجمل القول الآن في هذه القواعد الفنية : من القواعد الفنية ، في هذا الجنس الأدبي، الحرص على التشابه بين الأشخاص الخيالية والأشخاص الحقيقية في سياق الحكاية ، فيختار الكاتب صفات أشخاصه الأولى بحيث تثير في ذهن القارىء الشخصيات الثانية ، فلا ينبغي أن يسترسل في وصف الشخصيات الرمزية من الحيوانات وغيرها حتى ينسى القاري، ولا أن ينسى الرموز فيتحدث عن الشخصيات المرموز إليهم حتى يغفل القارىء عن هذه الرموز هي وسائل الإثارة الفنية ، بل يجب أن يختار خصائص الشخصيات الرمزية بحيث تكون كالقناع الشفاف ، تتراءى من
ورائه الشخصيات المقصودة (1)
ونلحظ في حكايات كليلة ودمنة أنه غالبا ما ينسى المؤلف فيها الرموز ، فيطيل
الحديث عن المرموز إليهم، بحيث تنطمس أدوار الرموز في الحكاية (٢) وإلى هذه القاعدة الفنية العامة ، أضاف لافونتين - في نقده ونظمه - قواعد
قیرى لافونتين» أن الحكاية الخلقية على لسان الحيوان ذاتي جزأين ، يمكن تسمية أحدهما جسما والآخر روحا ، فالجسم هو الحكاية ، والروح هو المعنى الخلقي (۳) لا ، ولكى يشف الجسم عن الروح لابد من إجادة تصويره تصويراً يثير كل ما للروح من خصائص ، ولذا حرص لافونتين على توافر المتعة الفنية في حكايته ، بحيث يصور في شعره الأفكار العامة من وراء الحقائق الحسية ، ويجمع هذه الحقائق الدقيقة التي تتوارد لتوضيح الفكرة العامة ، حتى يستطيع العقل أن يحس أفكاره ،ويفكر أحاسيسه وبذلك تبرز الأفكار العامة من وراء التصوير الفني واضحة من
تلقاء ذاتها . وقد حرص لافونتين» على تصوير الشخصيات حية قوية في أدق صفاتها المثيرة للفكرة ، وعلى تطوير هذه الشخصيات على حسب الحدث ، في شكل درامي ، يهيىء لافونتين مجال الحدث فيه بالوصف المتصل أوثق اتصال بالحدث ، بحيث يمكن أن يقال إنه راعي في حكاياته قواعد للتصوير الفني هي صورة تقريبية لقواعد المسرحية كما سبق أن نبه لها أرسطوه (۱) بل إنه راعي الواقع في رسم الصور الخلقية ، ليزيد شخصياته حيوية وقوة ، ولم يلجأ إلى تصوير الخلق المثالي الذي قد يعز وجوده ، ومثال ذلك حكاية الذئب والحمل ، مثلا لتصوير بطش القوى بالضعيف ، على أن المعنى الخلقى يبرز من وراء ذلك قويا بالغ القوة ، ووجز القول أن الإطار العام الذي تصور فيه مجالات الأحداث أو نفسيات الأشخاص يسير بالحدث
في تطور محكم ، بحيث تؤدى كل كلمة وكل جملة وظيفتها الفنية فيه (1) وقد سبق أن ذكرنا أن لافونتين تأثر بمن سبقوه ممن ألفوا في هذا الجنس الأدبي
وقد تأثر كذلك بالأدب العربي في كليلة ودمنة على حسب ترجمتها الفارسية ، وذلك أن لافونتين كان يتردد على نادى مدام دی لا سابلير» Mme d a Sabliére ١٦٦ - ١٦٣) وكان من أعضاء ذلك النادي الطبيب الرحالة برنییه ۱۲ (۱۹۲۰ - ۱۶۸) ، وهو الذي لفت نظر الشاعر إلى كتاب ترجم من الفارسية إلى الفرنسية عام ١٦٤٤ ، وعنوانه بالفرنسية : كتاب الأنوار ، أو أخلاق الملوك ، تأليف الحكيم الهندی بلبای - بیدبا ترجمه إلى الفرنسية داوود سهيد الأصبهاني ، ولكن المترجم الحقيقي لهذا الكتاب (۳) هو جيلبير جولمان» Gilbert Gaulmin مستشار الدولة الذى كان على علم باللغات الشرقية ، وقد استعان بالفارسي الذي ذكره على أنه المترجم : وذلك الكتاب الفرنسي ليس سوىترجمة حرة لكتاب حسين واعظ كاشفى الفارسي الذي ذكرناه من قبل (۱) والكتاب الأخير ترجمة حرة في نثر فني لكتاب عبد الله بن المقفع كليلة ودمنة» ، كما سبق
أن أشرنا (۲)
وعن هذا الكتاب اقتبس لافونتين نحو عشرين حكاية أدخلها في الجزء الثاني من حكاياته التي نظمها على لسان الحيوان ، يقول لافونتين في مقدمة الجزء الثاني من حكاياته : ليس من الضرورى فيما أرى أن أذكر المصادر التي أخذت عنها هذه الحكايات الأخيرة ، غير أني أقول اعترافا بالجميل : إنى مدين في أكثرها للحكيم الهندى بلباي الذي ترجم كتابه إلى كل اللغات (۳) ، و«بلباي» هذا هو بيديا الفيلسوف الذي قيلت حكايات كليلة ودمنة على لسانه ، على أن لافونتين» لم يأخذ من الكتاب السابق سوى مادة موضوعاته ، ثم تصرف فيها على حسب مقتضيات فنه الذي أوجزنا فيه القول من قبل . القافية ، ولكن ترجمته حرة لا تتقيد بالأصل ، بمصر فيها أماكن الحكاية ، ويضفى على نصائحها طابعا دينيا يقتبسه من القرآن أو الحديث ، وفيها قليل من الحكايات العامية في صورة زجل ،وأعظم من برع في هذه الحكايات في أدبنا الحديث ، وجاري في فنه لافونتين» ،هو أحمد شوقي الذي بلغ بهذا الجنس في أدبنا الحديث أقصى ما قدر له منكمال حتى اليوم ، وقد تطلع شوقى إلى تزويد الأدب العربي بهذا الجنس الأدبي على طريقة لافونتين» الفنية حين كان يكمل دراساته في أوروبا (1) وقد والى الجهد في هذا الميدان حتى كان خير من حاكي لافونتين في العربية في جميع خصائصه الفنية ، يقصد فيها إلى تنبيه الوعى القومي لدى المواطنين إلى خطر الغفلة والغرة في علاقتهم بالأجنبي الدخيل ، يقول شوقى :
وأقصى بينكم بالعدل على ، إلا الماء والمنام وفتحت للديك باب العش يدعو لكل فرخة وديك متمتعا بداره الجديدة تحلم بالذلة والهوان واقتبست من نوره الأشباح يقول : دام منزلي المليح مذهورة بصيحة الغشوم غدرتنا ، غدرا بينا وقال وقال: : ما هذا العمى؟ يا حمقى قد كان هذا قبل فتح البابفشوقي في الحكاية السابقة يصف الحال ، ويهيىء في وصفه المجرى الحدث بين المخلوقات الضعيفة المعتزة وهذا الدخيل القوى المحتال ، يختارها شوقى ، في عناية ، لتصف الحال النفسية لكل من الفريقين، فإنها تتراسل مع صفات المواطنين المقصودين في موقفهم من الأجنبي الدخيل ، ولهجة الديك في تظاهره بالضعف ، وزعمه الرغبة في الخير ، وتوكيده أن إقامته موقوتة ، تتفق تماما مع وعود الإنجليز لذلك العهد ولهجتهم مع المصريين ، حين يفتح الدجاج الباب لهذا الهندى ولكن شوقى يطور الحالة النفسية في بطء لكل من الفريقين ، فتبدو المخاطر، قبل أن تصبح حقائق مروعة ، على حين يغير الهندى من مسلكه قليلا قليلا ، وهو رضى النفسي ، واثق من عاقبة مسلكه مع هؤلاء الأغرار ، ثم يفاجأ الغافلين بالكشف عن حقيقة قصده ، وهم مستغرقون في نوم الغفلة ، ليستيقظوا منه بعد فوات الأوان ، وما أعظم الفرق بين حال الهندي في بدء طرقه الباب ، والحكمة الخلقية والوطنية ، في الحكاية ، ليست مقحمة بعد ذلك ، بل هي مصورة تصويرا محكما في الدقائق والتفصيلات المنظومة في سياق الحكاية ، وبهذه القوة في التصوير الفنى يؤدى هذا الجنس الأدبى رسالته خير أداء ،تلك وطريقة ابن المقفع ، الهندية في حكايات كليلة ودمنة . هذا ، ولازال هذا الجنس الأدبى حيا وذا قيمة كبيرة، وبخاصة أدب الأطفال والفتيان (1)
تلك أهم الأجناس الأدبية الكبيرة التي اخترناها وكانت تعالج شعراً أما في نشأتها ، كما في الملحمة والمسرحية ، وأما عقب نشأتها في الآداب الأوروبية كما في الحكاية على لسان الحيوان ، وعلى الرغم من أن هذا الجنس الأخير كان في أصله الهندي والإيراني نثراً ، فقد تردد بين الشعر والنثر في الأدب العربي القديم ، كما سبق أن وضحنا . جملة جنس الوقوف على الأطلال بين الأدبينالعربي والفارسي ونوجز القول فيه هنا ، على أنه مثل للأجناس الأدبية الثانوية ذات الطابع العاطفي التي يصعب بحثها في نشأتها وتطورها (1)
معلوم أن الوقوف على الأطلال لم تستقل فيه القصائد في الأدب العربي القديم ، بل كان جنسا تابعا لغيره ، شأنه في ذلك شأن الغزل في العصر الجاهلي في جملته (۲) لا وقد كان صبغة عاطفية محضة ، يعبر فيه الشاعر عن عاطفته النبيلة في وفائه الحبه ، ويبكى بكاء الفارسي الوفى على ذكرى عاطفته في شبابه ، ويحن لآثارها في أطلال ديار الحبيب النازح (۳) وغالبا ما كانت أجزاء القصائد القديمة التي موضوعها هذا البكاء ،


Original text

وقد تأثر بكليلة ودمنة محمد بن أحمد بن ظفر ، في كتابه النشري : سلوان المطاع في عدوان الأتباع ، وحكايات الحيوان فيه قليلة ، ذات صبغة دينية ، ولكن


تأثير كليلة ودمنة» فيها واضح كل الوضوح ..


ثم جاء ابن عربشاه (أحمد بن محمد بن عبدالله ، المتوفى عام ٨٥٤هـ) ألف کتاب : فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء على لسان الحيوان، وهو في الحقيقة ترجمة أدبية حرة لكتاب: مرزبان نامة الذي دون في الأصل باللهجة الطبرستانية في القرن الرابع الهجرى القرن العاشر الميلادي) (۱) ، والذي ترجم - بعد - إلى الفارسية الحديثة ، ترجمه إليها سعد الدين وزاويني ، في أوائل القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي وقد سار في تلك (۲) الترجمة على نهج أبي المعالي نصر الله الذي ترجم إلى الفارسية أيضا كليلة ودمنة العربية لابن المقفع ، فكانت


ترجمته نثرا فنيا ، يقرب من الشعر المنثور .


وعن مرزبان نامة ترجم ابن عربشاه كتابه السابق الذكر، في أسلوب أدبي يقرب من أسلوب وراويني في الفارسية ، وابن ريشاه له كتاب آخر مترجم أيضا يسمى : مرزبان نامة بسيط في أسلوبه ، ولعله أقرب إلى الكتاب في لهجته


الطبرستانية الأصيلة التي لم يعد لها وجود اليوم .


و کتاب ابن عربشاه آخر كتاب في هذا الجنس الأدبي في اللغة العربية قبل العصر الحديث .


وقد أثرت العربية ، بدورها في الفارسية الحديثة تأثرا عميقا في هذا الميدان ، إذ كان قد فقد الأصل البهلوى الذي ترجم عنه ابن المقفع ، فأصبح كتاب كليلة ودمنة» العربي، على حسب ترجمته ابن المقفع له ، أصلا لكل ترجمة في اللغات


لهذا الكتاب (۲) ، ومن هذه الترجمات الفارسية ترجمة أبي المعاني نصر الله حوالي


عام ١١٤٤م ، وقد سبق الكلام عن طريقته في ترجمته ثم ترجمه مرة ثانية إلىالفارسية في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي حسين واعظ کاشفی ، وسمى ترجمته : «أنوار سهيلي ، وبهذه الترجمة الأخيرة تأثر لافونتين» الفرنسي فيما


يخص هذا الجنس الأدبي ، كما سنرى .


وقبل أن تتحدث عن التأثير العربي في حكايات لافونتين» تجمل القول في نشأة


هذا الجنس الأدبى وتطوره في الآداب الغربية .


قد نشأ جنس الحكاية على لسان الحيوان في الآداب الغربية نثرا ، ثم سرعان ما صار شعرا ، وغلب طابع الشعر عليه ، وقد سبق أن ذكرنا أنه كان معروفا قبل<


وانتهى ذلك الميراث في هذا الجنس الأدبي إلى لافونتين الفرنسي (١٦٢١ - (١٦٩٥) فتأثر به ، وحاكاه ، وأخذ كثيراً من موضوعاته عن سابقيه وبخاصة من اليونانيين واللاتينيين ولكنه بلغ بهذا الجنس الأدبى أقصى ما قدر له من كمال فنى ، فقد راعى الأسس الفنية العامة التي لحظها النابغون في ذلك الجنس الأدبي من سابقيه ، ثم استكمل هذه القواعد الفنية ، وبرع فيها حتى صار مثالا لمن حاكوه


في الآداب جميعا ، وتجمل القول الآن في هذه القواعد الفنية : من القواعد الفنية ، في هذا الجنس الأدبي، الحرص على التشابه بين الأشخاص الخيالية والأشخاص الحقيقية في سياق الحكاية ، فيختار الكاتب صفات أشخاصه الأولى بحيث تثير في ذهن القارىء الشخصيات الثانية ، فلا ينبغي أن يسترسل في وصف الشخصيات الرمزية من الحيوانات وغيرها حتى ينسى القاري، صفات الشخصيات المرموز إليهم من الناس ، ولا أن ينسى الرموز فيتحدث عن الشخصيات المرموز إليهم حتى يغفل القارىء عن هذه الرموز هي وسائل الإثارة الفنية ، بل يجب أن يختار خصائص الشخصيات الرمزية بحيث تكون كالقناع الشفاف ، تتراءى من


ورائه الشخصيات المقصودة (1)


ونلحظ في حكايات كليلة ودمنة أنه غالبا ما ينسى المؤلف فيها الرموز ، فيطيل


الحديث عن المرموز إليهم، بحيث تنطمس أدوار الرموز في الحكاية (٢) وإلى هذه القاعدة الفنية العامة ، أضاف لافونتين - في نقده ونظمه - قواعد


أخرى دقيقة .


قیرى لافونتين» أن الحكاية الخلقية على لسان الحيوان ذاتي جزأين ، يمكن تسمية أحدهما جسما والآخر روحا ، فالجسم هو الحكاية ، والروح هو المعنى الخلقي (۳) لا ، ولكى يشف الجسم عن الروح لابد من إجادة تصويره تصويراً يثير كل ما للروح من خصائص ، ولذا حرص لافونتين على توافر المتعة الفنية في حكايته ، بحيث يصور في شعره الأفكار العامة من وراء الحقائق الحسية ، ويجمع هذه الحقائق الدقيقة التي تتوارد لتوضيح الفكرة العامة ، حتى يستطيع العقل أن يحس أفكاره ،ويفكر أحاسيسه وبذلك تبرز الأفكار العامة من وراء التصوير الفني واضحة من


تلقاء ذاتها . وقد حرص لافونتين» على تصوير الشخصيات حية قوية في أدق صفاتها المثيرة للفكرة ، وعلى تطوير هذه الشخصيات على حسب الحدث ، في شكل درامي ، يهيىء لافونتين مجال الحدث فيه بالوصف المتصل أوثق اتصال بالحدث ، بحيث يمكن أن يقال إنه راعي في حكاياته قواعد للتصوير الفني هي صورة تقريبية لقواعد المسرحية كما سبق أن نبه لها أرسطوه (۱) بل إنه راعي الواقع في رسم الصور الخلقية ، ليزيد شخصياته حيوية وقوة ، ولم يلجأ إلى تصوير الخلق المثالي الذي قد يعز وجوده ، ومثال ذلك حكاية الذئب والحمل ، مثلا لتصوير بطش القوى بالضعيف ، على أن المعنى الخلقى يبرز من وراء ذلك قويا بالغ القوة ، ووجز القول أن الإطار العام الذي تصور فيه مجالات الأحداث أو نفسيات الأشخاص يسير بالحدث


في تطور محكم ، بحيث تؤدى كل كلمة وكل جملة وظيفتها الفنية فيه (1) وقد سبق أن ذكرنا أن لافونتين تأثر بمن سبقوه ممن ألفوا في هذا الجنس الأدبي


من اليونانيين واللاتينيين .


وقد تأثر كذلك بالأدب العربي في كليلة ودمنة على حسب ترجمتها الفارسية ، وذلك أن لافونتين كان يتردد على نادى مدام دی لا سابلير» Mme d a Sabliére ١٦٦ - ١٦٣) وكان من أعضاء ذلك النادي الطبيب الرحالة برنییه ۱۲ (۱۹۲۰ - ۱۶۸) ، وهو الذي لفت نظر الشاعر إلى كتاب ترجم من الفارسية إلى الفرنسية عام ١٦٤٤ ، وعنوانه بالفرنسية : كتاب الأنوار ، أو أخلاق الملوك ، تأليف الحكيم الهندی بلبای - بیدبا ترجمه إلى الفرنسية داوود سهيد الأصبهاني ، ولكن المترجم الحقيقي لهذا الكتاب (۳) هو جيلبير جولمان» Gilbert Gaulmin مستشار الدولة الذى كان على علم باللغات الشرقية ، وقد استعان بالفارسي الذي ذكره على أنه المترجم : وذلك الكتاب الفرنسي ليس سوىترجمة حرة لكتاب حسين واعظ كاشفى الفارسي الذي ذكرناه من قبل (۱) والكتاب الأخير ترجمة حرة في نثر فني لكتاب عبد الله بن المقفع كليلة ودمنة» ، كما سبق


أن أشرنا (۲)


وعن هذا الكتاب اقتبس لافونتين نحو عشرين حكاية أدخلها في الجزء الثاني من حكاياته التي نظمها على لسان الحيوان ، يقول لافونتين في مقدمة الجزء الثاني من حكاياته : ليس من الضرورى فيما أرى أن أذكر المصادر التي أخذت عنها هذه الحكايات الأخيرة ، غير أني أقول اعترافا بالجميل : إنى مدين في أكثرها للحكيم الهندى بلباي الذي ترجم كتابه إلى كل اللغات (۳) ، و«بلباي» هذا هو بيديا الفيلسوف الذي قيلت حكايات كليلة ودمنة على لسانه ، على أن لافونتين» لم يأخذ من الكتاب السابق سوى مادة موضوعاته ، ثم تصرف فيها على حسب مقتضيات فنه الذي أوجزنا فيه القول من قبل .


وفي أواخر القرن التاسع عشر ترجم محمد عثمان جلال - المتوفى عام ١٨٩٨م - كثيرا من حكايات لافونتين في كتاب له سماه : «العيون اليواقظ في الحكم والأمثال والمواعظ في شعر عربي مزدوج ؛ القافية ، ولكن ترجمته حرة لا تتقيد بالأصل ، بمصر فيها أماكن الحكاية ، أو يجعلها تجرى في بلد عربي ، ويضفى على نصائحها طابعا دينيا يقتبسه من القرآن أو الحديث ، وفيها قليل من الحكايات العامية في صورة زجل ، وبعده ألف إبراهيم العرب كتاب خرافات على لسان الحيوان اسماء «آداب العرب وهو شعر أيضاً سار فيه على طريقة لافونتين» .


ومن هذا يتضح أن هذا الجنس الأدبي قد انتهى إلى أدبنا الحديث في صورته الغربية ، فإذا كنا قد اقتبسنا فيه بعض موضوعات من أدبنا العربي القديم أو من كليلة ودمنة، فإن أسه الفنية ظلت محاكاة الحكايات لافونتين» .


وأعظم من برع في هذه الحكايات في أدبنا الحديث ، وجاري في فنه لافونتين» ،


هو أحمد شوقي الذي بلغ بهذا الجنس في أدبنا الحديث أقصى ما قدر له منكمال حتى اليوم ، وقد تطلع شوقى إلى تزويد الأدب العربي بهذا الجنس الأدبي على طريقة لافونتين» الفنية حين كان يكمل دراساته في أوروبا (1) وقد والى الجهد في هذا الميدان حتى كان خير من حاكي لافونتين في العربية في جميع خصائصه الفنية ، وأمام من يريدون المقارنة بينهما في هذا المجال موضوع خصب للدراسة ، ويمكن تطبيق ذلك بالمقارنة بين فن لافونتين» - على حسب ما أوجزنا فيه القول من قبل - وفن شوقي في هذه الحكاية على لسان الدجاج لشوقي ، يقصد فيها إلى تنبيه الوعى القومي لدى المواطنين إلى خطر الغفلة والغرة في علاقتهم بالأجنبي الدخيل ، وكانت تلك قضية عصره ، يقول شوقى :


بينا ضعاف من دجاج الريف إذ جاء هندى كبير العرف يقول : حيا الله ذى الوجوها أتيتكم أنشر فيكم فضلي وكل ما عندكم حرام فعاود الدجاج داء الطيش فجال فيه جولة المليك ويات تلك الليلة السعيدة وباتت الدجاج في أمان حتى إذا تهلل الصباح صباح بها صاحبها الفصيح فانتبهت من نومها المشتوم تقول : ما تلك الشروط بيننا فضحك الهندى حتى استلقى متی ملكتم ألسن الأرباب


تخطر في بيت لها ظريف فقام في الباب مقام الضيف ولا أراها أبدا مكروها يوما ، وأقصى بينكم بالعدل على ، إلا الماء والمنام وفتحت للديك باب العش يدعو لكل فرخة وديك متمتعا بداره الجديدة تحلم بالذلة والهوان واقتبست من نوره الأشباح يقول : دام منزلي المليح مذهورة بصيحة الغشوم غدرتنا ، والله ، غدرا بينا وقال وقال: : ما هذا العمى؟ يا حمقى قد كان هذا قبل فتح البابفشوقي في الحكاية السابقة يصف الحال ، ويهيىء في وصفه المجرى الحدث بين المخلوقات الضعيفة المعتزة وهذا الدخيل القوى المحتال ، وكل كلمة من الكلمات ، وكل جملة من الجمل ، يختارها شوقى ، في عناية ، لتصف الحال النفسية لكل من الفريقين، وعلى الرغم من أن هذه الصفات مميزة لأصحابها ومصورة للدجاج بوصفها رمزاً ، فإنها تتراسل مع صفات المواطنين المقصودين في موقفهم من الأجنبي الدخيل ، ولهجة الديك في تظاهره بالضعف ، وزعمه الرغبة في الخير ، وتوكيده أن إقامته موقوتة ، تتفق تماما مع وعود الإنجليز لذلك العهد ولهجتهم مع المصريين ، ثم يحدث في الحكاية ما يشبه التحول في المسرحية ، حين يفتح الدجاج الباب لهذا الهندى ولكن شوقى يطور الحالة النفسية في بطء لكل من الفريقين ، فتبدو المخاطر، أولا هواجس في أذهان الدجاج ، قبل أن تصبح حقائق مروعة ، على حين يغير الهندى من مسلكه قليلا قليلا ، وهو رضى النفسي ، واثق من عاقبة مسلكه مع هؤلاء الأغرار ، ثم يفاجأ الغافلين بالكشف عن حقيقة قصده ، وهم مستغرقون في نوم الغفلة ، ليستيقظوا منه بعد فوات الأوان ، وما أعظم الفرق بين حال الهندي في بدء طرقه الباب ، وحالة سخريته المرة حين استقر به المقام ، والحكمة الخلقية والوطنية ، في الحكاية ، ليست مقحمة بعد ذلك ، بل هي مصورة تصويرا محكما في الدقائق والتفصيلات المنظومة في سياق الحكاية ، وبهذه القوة في التصوير الفنى يؤدى هذا الجنس الأدبى رسالته خير أداء ، وشتان بين طريقة شوقى


تلك وطريقة ابن المقفع ، الهندية في حكايات كليلة ودمنة . هذا ، ولازال هذا الجنس الأدبى حيا وذا قيمة كبيرة، وبخاصة أدب الأطفال والفتيان (1)


تلك أهم الأجناس الأدبية الكبيرة التي اخترناها وكانت تعالج شعراً أما في نشأتها ، كما في الملحمة والمسرحية ، وأما عقب نشأتها في الآداب الأوروبية كما في الحكاية على لسان الحيوان ، وعلى الرغم من أن هذا الجنس الأخير كان في أصله الهندي والإيراني نثراً ، فقد تردد بين الشعر والنثر في الأدب العربي القديم ، ثم


استقر في أدبنا الحديث في جنس الشعر بتأثير لافونتين ، كما سبق أن وضحنا . ويلتحق بالأجناس الشعرية ، جملة جنس الوقوف على الأطلال بين الأدبينالعربي والفارسي ونوجز القول فيه هنا ، على أنه مثل للأجناس الأدبية الثانوية ذات الطابع العاطفي التي يصعب بحثها في نشأتها وتطورها (1)


معلوم أن الوقوف على الأطلال لم تستقل فيه القصائد في الأدب العربي القديم ، بل كان جنسا تابعا لغيره ، شأنه في ذلك شأن الغزل في العصر الجاهلي في جملته (۲) لا وقد كان صبغة عاطفية محضة ، يعبر فيه الشاعر عن عاطفته النبيلة في وفائه الحبه ، ويبكى بكاء الفارسي الوفى على ذكرى عاطفته في شبابه ، ويحن لآثارها في أطلال ديار الحبيب النازح (۳) وغالبا ما كانت أجزاء القصائد القديمة التي موضوعها هذا البكاء ، هي أصدق وأنبل وأقوى ما في تلك القصائد جميعا ، وفيها يظهر الحزن ، وتبدو


العواطف الذاتية المشبوبة ، من وراء الوصف الدقيق لرسوم الديار وأطلالها ، وصفا يتجلى


فيه طابع البادية وتقاليدها ، وخصائص الحياة الطبيعية والاجتماعية فيها .


وحين عمت الحضارة العربية ، واستقر العرب في الممالك الأخرى فاتحين ، رأوا آيات الحضارات الأخرى ومعالم عمرانها ، فوقفوا على الآثار في قصائدهم العربية ، وفي الوقوف على الآثار طابع عاطفي ، يشيد فيه الشاعر بمجد غابر ، وعز دائر ، ويأسي الماضي خالد ، وقد يهرب من حاضره ليستروح في ذلك الماشي ، وهو في كل ذلك يتغنى وفاء ، ويصور حنينه العهد سالف ، وتلك وجوه شبه توحد ما بينه وبين الوقوف على الأطلال وعندنا أن الوقوف على الآثار قد تطور عن الوقوف على الأطلال ، فما الآثار إلا الأطلال في عهد الحضارة والعمران ، على الرغم مما بين الوقوفين بعد ذلك من فروق : فالوقوف على الآثار يعبر فيه الشاعر عن نواح أكثر صلة بالمجموع منها بالفرد ، لأن موضوعها هو التغنى بماض وطنى أو قومي ، وهو مثل الوقوف على الأطلال في أنه استراحة إلى الماضى من الحاضر المجهود ، وفي أنه مجال تصوير الشعور بالأسى عصر زاهر ، ولكن الماضي في الوقوف على الآثار أخلد وأغنى أثاراً ، ومجال تصويره يتطلب موقفا طويلا يفوق الوقوف العابر (1) على رسوم


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

من وجهة نظر الد...

من وجهة نظر الدكتور علي عجوة، الهدف الرئيسي للبحوث في مجال العلاقات العامة هو فهم أعمق للعلاقات بين ...

My family and I...

My family and I had a very great holiday, we found a very flight to Mecca and we went there. we stay...

نحو تنمية مستدي...

نحو تنمية مستديمهة التنمية المستديمة هي التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال...

Приступая к изу...

Приступая к изучению этого вопроса, необходимо выделить цель Новой Экономической Политики, которая, ...

Home Technology...

Home Technology Engineering Mechanical Engineering History The laser is an outgrowth of a suggestion...

. بإمكان وسائل ...

. بإمكان وسائل الإعلام أن ينجم عنها نتائج إيجابية أو سلبية. غالباً ما يقال – ونقوله هنا – إنّ وسائل ...

أنواع المقاصد ب...

أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم التشريع وخصوصه نتناول في هذا المقال - بمشيئة هللا تعالى - تقسيم ا...

Early in fetal ...

Early in fetal development, primitivegerm cells in the ovaries differentiate into oogonia. These ...

تحفر بعض الحيوا...

تحفر بعض الحيوانات كالديدان في الرواسب الطرية ججورا وممرات تمتلئ فيما بعد بالرواسب، وعندما تتصلد هذه...

Democratic and ...

Democratic and Popular Algerian Republic Ministry of Higher Education and Scientific Research Ahmed ...

❑ معاملةالسطح •...

❑ معاملةالسطح • ترتبط معاملةالسطح بصفةأساسيةباألنماط، حيث أن معاملةالسطح هي الطريقةأو الطرق التي اتب...

Diana Taurasi I...

Diana Taurasi Issues Five-Word Warning to Caitlin Clark Amid WNBA Struggles.Caitlin Clark's WNBA car...