Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (49%)

لسنا مضطرين إلى أن نحاول قتل النجوم». وقال في نفسه: «تصور لو كان يتعين على الإنسان كل يوم أن يحاول قتل القمر ، ولكن تخيل لو كان على الإنسان أن يحاول قتل الشمس كل
وعندما أشعر بأن السمكة ماتزال قوية ومطردة الحركة سأعود إلى مؤخر القارب؛ وفي الوقت نفسه سأتمكن من معرفة سلوكها، ولم تكن لديه وسيلة لتقدير الوقت، كما أن استراحته لم تكن في حقيقتها إلا استراحة نسبية، فهو ما يزال يتحمل جر السمكة على كتفيه، ولكنه وضع يده اليسرى على حافة مقدم القارب العليا، أكثر فأكثر على المركب نفسه. وفكر: «كم سيكون الأمر سهلا لو كان في الإمكان ربط الخيط بالقارب، ولكن في وسع السمكة أن تقطعه بحرة مفاجئة صغيرة منها، لإعطاء مزيد من الخيط بكلتا يدي». - ولكنك لم تنم لحد الآن - أيُّها الشيخ- فقد انقضى نصف نهار وليلة يجب أن تبتكر طريقة لكي تنام قليلا عندما تكون السمكة هادئة ومطردة الحركة، وقال لنفسه : أستطيع الاستمرار دون نوم، و شرع بشق طريقه إلى مؤخر القارب وهو يزحف في حذر على يديه وركبتيه؛ فرأى سمكة الدولفين رؤية واضحة فأغمد نصل سكينه في رأسها، ووضع إحدى قدميه على السمكة وشقها بخفة من بطنها حتى طرف فكها الأسفل
فطرحهما جنبا إلى جنب، عدل الخيط على كتفيه في موضع جديد، وأمسك به مرة أخرى بيده اليسرى وهو مُستند إلى حافة القارب، ثم انحنى على جانب القارب، وغسل السمكتين الطائرتين في البحر، وهو يلاحظ سرعة الماء على يده، وصار ليده لمعان فوسفوري من جراء سلخه جلد السمكة
يجب علي أن أنتهي من أكل سمكة الدولفين هذه، أكل نصف إحدى شريحتي سمكة الدولفين وإحدى السمكتين الطائرتين
- ما أطيب أكل سمكة الدولفين وهي مطبوخة وما أتعسها من سمكة وهي نيئة! سوف لا أُبحر بقارب مرةً
أخرى أبدا بلا ملح أَوْ ليمون حامض». وقال في نفسه: لو كنت ذكيا لرششت الماء على مقدم القارب، وتركته يجف طوال اليوم فيتحول إلى ملح، ثم استند بفخذه الأيمن على يده اليمنى، واتكاً بكل ثقله على خشب مقدم القارب، ثم حول الخيط قليلا إلى الأسفل على كتفيه، ووضع يده اليسرى عليه وفكر: تستطيع يدي اليمنى أن تمسك بالخيط مادام ملفوفًا حولها، فإذا ارتحت في أثناء النوم فإنَّ يدي اليسرى ستوقظني حال ذهاب الخيط بعيدا، إنَّ الأمر صعب على اليد اليمنى، وبأنه رأى أول الأسود ينزل إلى الشاطئ في مطلع الليل
ولكنه ظل نائما بينما كانت السمكة تواصل الجر بانتظام، أفاق على هزة مفاجئة من قبضته اليمنى على وجهه وحرقة الخيط في يده اليمنى، ولكنه أوقف الخيط بكل ما أوتي من قوة بيده اليمنى، عثرت يده اليسرى على الخيط، فمال هو إلى الخلف ملقيًا بثقله على الخيط الذي راح الآن يحز
نظر خلفه إلى لفات الخيوط، فرآها والخيط ينساب منها بخفة، قفزت السمكة مُحدثة انفجارًا هائلا في المحيط، وانطلق القارب بسرعة على الرغم من أن الخيط مازال ينساب إلى الخارج، والشيخ يزيد من الضغط على الخيط حتى يقترب من نقطة الانقطاع مرة بعد أُخرى، وجر الشيخ إلى الأسفل بقوة، فسقط على مقدم القارب، وقال في نفسه: اجعل السمكة تدفع ثمن الخيط، ثم على مهل - قام واقفا على قدميه، وكان طوال الوقت يرخي الخيط، وتراجع إلى الخلف حيث يستطيع أن يتحسس بقدمه لفات الخيط التي لم يكن في استطاعته أن يراها، وعلى السمكة الآن أن تتحمل العبء الناتج من احتكاك كل ذلك
الآن بعد أن قفزت السمكة أكثر من اثنتي عشرة مرَّة، وملأت الجيوب الممتدة على طول ظهرها بالهواء، فإنها لا تستطيع الغوص إلى الأسفل لتموت في الأعماق، بحيث يصعب علي رفعها إلى الأعلى، وإني أتساءل ما الذي أثارها هكذا إثارة مفاجئة ؟ ألا يكون الجوع هو الذي
أم أن شيئًا ما قد أفزعها في الليل؟ لعلها شعرَتْ بالخوف فجأة؟ ولكنها كانت قبل ذلك سمكة على قدر من
أمسك الشيخ بخيط السمكة بيده اليسرى وكتفيه الآن، وانحنى ليغرف بيده اليمنى شيئًا من الماء ليزيل ما علق بوجهه من لحم سمكة الدولفين، فقد كان يخشى أن يصيبه بالغثيان فيتقيأ، وبعد أن نظّف وجهه غسل يده اليمنى بالماء من على جانب القارب، وفكر: إنَّ السمكة تتجه نحو الشرق تقريبا، وبعد أن قدَّرَ أنَّ يده اليمنى بقيت في الماء مُدَّةً كافية، أمسك بالخيط بعناية لكيلا يمس أي جرح جديد في يده، وحول حمله بحيث يستطيع وضع يده اليسرى في البحر من
وخاطب يده اليسرى قائلا: - إنَّك لم تتحملي ذلك الألم من أجل شيء لا قيمة له، ولكن كانت هناك لحظة لم أتمكن من أن أجدك فيها». لأني لم أدرب تلك اليد بصورة ملائمة، فقد كانت لا بأس بها طوال الليل، وكانت السمكة الطائرة هناك نظيفة وجاهزة، لم يكن في وسعه أن يرى من خلال ميلان الخيط ما إذا كانت السمكة تدور، فراح يسحبه في رفق بيده اليمنى، مَرَّرَ الشيخ رأسه وكتفيه من تحت الخيط، وحاول أن يقوم بعملية السحب بجسمه وساقيه أكثر ما يمكنه، ثم لم يعد الخيط ينسحب أكثر فانحنى الشيخ، وفكر: «عَليَّ أن أُمسِكَ بكل ما أستطيعه من الخيط، فالإجهاد سيقصر دورتها في كل مرة، ولعلي أتمكن من رؤيتها في ظرف ساعة، ثم يجب على ان اقتلها
وبعد ساعتين ابتل جسد الشيخ من العرق، وتسرب الإعياء إلى نخاع عظامه
«لا يمكنني أن أخذل نفسي وأموت من أجل سمكة كهذه، وقد أتيتُ بها بهذه الصورة الرائعة، وفكر: «إنَّها تضرب مُقدَّم السلك برمحها، ولكن بعد ذلك فإنَّ كل قفزة يمكن أن توسع الجرح الذي
- لا تقفزي - أيتها السمكة - لا تقفزي». ضربت السمكة سلك الصنارة عدة مرات أُخرى؛ فأرخى الشيخ قليلا من الخيط. وبعد برهة توقفت السمكة عن ضرب سلك الصنارة وراح الشيخ يجذب الخيط باطراد الآن، - ليست لدي تشنجات وستصعد السمكة عما قريب وفي استطاعتي الاستمرار، وأن يدع السمكة تقوم بدورة واحدة بنفسها دون أن يستعيد أي شيء من الخيط، ولكن عندما أظهر ضغط الخيط استدارت السمكة لتأتي في اتجاه القارب، كانت قبعة الشيخ المصنوعة من الخوص قد ابتعدت إلى
واستقر هو في مُقدَّم القارب مع سحب الخيط
سأتجه بالقارب إلى الجنوب والغرب، وعند الدورة الثالثة رأى السمكة لأول مرة، رأها كظل غامق استغرق مروره تحت القارب وقتا طويلا، لا يمكن أن تكون كبيرة بهذا القدر». وفي نهاية هذه الدورة طفت السمكة على سطح الماء على بعد ثلاثين ياردة فقط، وفيما كانت السمكة تسبح تحت سطح الماء مباشرة، استطاع الشيخ أن يرى جسدها الضخم والخطوط الأرجوانية التي تحيط به
في هذه الدورة استطاع الشيخ أن يرى عين السمكة، والسمكتين المصاصتين الرماديتين اللتن كانتا تسبحان حولها، وعند كل دورة هادئة مسالمة تقوم بها السمكة كان الشيخ يسترد مقدارًا من الخيط، وفكر في نفسه: «ولكن يجب أن أجعلها تقترب، »- كن هادئا وقويا، وكانت لفة حبلها كانت السمكة تقترب في دورتها الآن وهي جميلة المنظر
ولكنه استمر بالضغط على السمكة العظيمة بكل استطاعته، وشرع - قبل أن تقترب
السمكة من جانب القارب بجرها بكل قوته، ولكنها مرة أخرى - قومت نفسها، قال الشيخ في نفسه: «إنك تقتلينني أيتها السمكة، فأنا لم أر أبدًا سمكة أعظم، وتكرر الأمر مرتين عند دوران السمكة. وقال الشيخ في نفسه: «لا أدري»، وكان على وشك أن يُحس بالإغماء في كُلِّ مَرَّة
هكذا عاهد الشيخ نفسه، على الرغم من أن يديه غدتا واهنتين، استجمع كل ألمه وما تبقى من قوته وعزة نفسه التي تلاشت منذ أمد طويل، وحشد كل ذلك في مجابهة معاناة السمكة، فتحولت السمكة إلى جانبه، ورفع الحربة إلى أعلى ما يستطيع، وبقوة إضافية استجمعها في تلك اللحظة غرز الحربة في جنب السمكة تماما خلف الزعنفة الصدرية الكبيرة التي كانت ترتفع عاليا في الهواء إلى مستوى صدر الشيخ، فأحس بحديد الحربة ينغرز في السمكة، عارضة كل طولها وعرضها العظيمين وجميع بأسها وجمالها، وبدت معلقة في الهواء فوق الشيخ في المركب، ثم سقطت في الماء بارتطام أطلق رشاشا من الماء على الشيخ وعلى المركب بأكمله.


Original text

الفصل السادس
لقد حل الظلام الآن، فالظلام يهبط بسرعة بعد غروب الشمس في شهر أيلول وقال بصوت عال: - والسمكة صديقتي كذلك، فأنا لم أَرَ، أَوْ أَسمع بسمكة مثلها قط، ولكنني يجب أن أقتلها، ومن سعادتي أننا
لسنا مضطرين إلى أن نحاول قتل النجوم».
وقال في نفسه: «تصور لو كان يتعين على الإنسان كل يوم أن يحاول قتل القمر ، لتَوَجَّب على القمر أن يلوذ بالفرار، ولكن تخيل لو كان على الإنسان أن يحاول قتل الشمس كل
يوم؟»، وفكر: «إنَّنا ولدنا محظوظين».
سأستريح ساعة إضافية، وعندما أشعر بأن السمكة ماتزال قوية ومطردة الحركة سأعود إلى مؤخر القارب؛ لأنجز العمل، وأتخذ القرار، وفي الوقت نفسه سأتمكن من معرفة سلوكها، وما يطرأ عليه من تغيرات المجدافان خدعة بارعة، ولكن أن الأوان للعمل من أجل السلامة استراح مدة ظنّها ساعتين، فالقمر لم يبزغ بعد، ولم تكن لديه وسيلة لتقدير الوقت، كما أن استراحته لم تكن في حقيقتها إلا استراحة نسبية، فهو ما يزال يتحمل جر السمكة على كتفيه، ولكنه وضع يده اليسرى على حافة مقدم القارب العليا، وألقى
بمقاومة السمكة، أكثر فأكثر على المركب نفسه.
وفكر: «كم سيكون الأمر سهلا لو كان في الإمكان ربط الخيط بالقارب، ولكن في وسع السمكة أن تقطعه بحرة مفاجئة صغيرة منها، يتوجب علي أن أجعل من جسدي وسادة تخفف من ضغط الخيط، وأكون مستعدا في الأوقات جميعها
لإعطاء مزيد من الخيط بكلتا يدي».
وقال بصوت مسموع:



  • ولكنك لم تنم لحد الآن - أيُّها الشيخ- فقد انقضى نصف نهار وليلة يجب أن تبتكر طريقة لكي تنام قليلا عندما تكون السمكة هادئة ومطردة الحركة، وإذا لم تنم فقد تختلط
    الأمور في رأسك».
    وقال لنفسه : أستطيع الاستمرار دون نوم، ولكن ستكون
    لذلك خطورة بالغة».
    و شرع بشق طريقه إلى مؤخر القارب وهو يزحف في حذر على يديه وركبتيه؛ لئلا يسبّب جَرَّةً مفاجئة للسمكة، وفكر
    ربما هي نفسها نصف نائمة؛ ولكنني لا أريدها أن تستريح
    يجب عليها أن تجر القارب حتى تموت
    كانت النجوم متوهجة الآن، فرأى سمكة الدولفين رؤية واضحة فأغمد نصل سكينه في رأسها، وسحبها من تحت مؤخر القارب، ووضع إحدى قدميه على السمكة وشقها بخفة من بطنها حتى طرف فكها الأسفل
    وشعر أن كرشها ثقيل ولزج في يديه، فشقه، ووجد في داخله سمكتين طائرتين كانتا طازجتين وصلبتين، فطرحهما جنبا إلى جنب،
    وبعد ذلك، عدل الخيط على كتفيه في موضع جديد، وأمسك به مرة أخرى بيده اليسرى وهو مُستند إلى حافة القارب، ثم انحنى على جانب القارب، وغسل السمكتين الطائرتين في البحر، وهو يلاحظ سرعة الماء على يده، وصار ليده لمعان فوسفوري من جراء سلخه جلد السمكة
    قال الشيخ:

  • السمكة إما متعبة، وإما أنها تستريح، والآن، يجب علي أن أنتهي من أكل سمكة الدولفين هذه، وأخذ
    قسطا من الراحة وقليلا من النوم».
    تحت النجوم، والليل يزداد برودة طوال الوقت، أكل نصف إحدى شريحتي سمكة الدولفين وإحدى السمكتين الطائرتين
    بعد أن أفرغ أحشاءها، وقطع رأسها.
    وقال:

  • ما أطيب أكل سمكة الدولفين وهي مطبوخة وما أتعسها من سمكة وهي نيئة! سوف لا أُبحر بقارب مرةً
    أخرى أبدا بلا ملح أَوْ ليمون حامض».
    وقال في نفسه: لو كنت ذكيا لرششت الماء على مقدم القارب، وتركته يجف طوال اليوم فيتحول إلى ملح، ولكنني في الحقيقة لم أصطد سمكة الدولفين إلا عند غروب الشمس تقريبا، ومع ذلك، فثمة سوء تدبير، ولكني مضغتها
    جيدا، ولا أشعر بالغثيان».
    أمسك الخيط بيده اليمنى في إحكام، ثم استند بفخذه الأيمن على يده اليمنى، واتكاً بكل ثقله على خشب مقدم القارب، ثم حول الخيط قليلا إلى الأسفل على كتفيه، ووضع يده اليسرى عليه وفكر: تستطيع يدي اليمنى أن تمسك بالخيط مادام ملفوفًا حولها، فإذا ارتحت في أثناء النوم فإنَّ يدي اليسرى ستوقظني حال ذهاب الخيط بعيدا، إنَّ الأمر صعب على اليد اليمنى، ولكنها اعتادت على تحمل المشقة، وحتى لو أنام عشرين دقيقة أو نصف ساعة، ففي ذلك فائدة»، وانكفأ إلى الأمام وهو مُتشبت بالخيط بجسده كله، وواضعا
    ثقله كله على اليد اليمنى، ونام.
    لم يحلم بالأسود، ولكنه بدلا من ذلك حلم بمجموعة من أسماك خنزير البحر وهي تنتشر لثمانية أو عشرة أميال في موسم تكاثرها، فكانت تتقافز عاليا في الهواء، وتعود إلى
    ثم حلم بأنه في القرية، نائما في فراشه، وهبت ريح شمالية فشعر ببرد قارس، وقد تخدّرت ذراعه اليمنى؛ لأن رأسه اتكأ
    عليها بدلا من الوسادة
    وبعد ذلك راح يحلم بالشاطئ الأصفر الطويل، وبأنه رأى أول الأسود ينزل إلى الشاطئ في مطلع الليل
    كان القمر قد ارتفع في كبد السماء منذ مدة، ولكنه ظل نائما بينما كانت السمكة تواصل الجر بانتظام، والقارب يسير
    في نفق من الغيوم.
    أفاق على هزة مفاجئة من قبضته اليمنى على وجهه وحرقة الخيط في يده اليمنى، لم يكن يشعر بيده اليسرى، ولكنه أوقف الخيط بكل ما أوتي من قوة بيده اليمنى، بيد أن الخيط انفلت خارجًا، وأخيرًا، عثرت يده اليسرى على الخيط، فمال هو إلى الخلف ملقيًا بثقله على الخيط الذي راح الآن يحز
    ظهره ويده اليسرى، وقد أخذَتْ يده اليسرى تتحمل العبء كله فانجرحت جرحًا سيئًا. نظر خلفه إلى لفات الخيوط، فرآها والخيط ينساب منها بخفة، وفي تلك اللحظة، قفزت السمكة مُحدثة انفجارًا هائلا في المحيط، ثم سقوطا ثقيلا، ثم وثبت مرة تلو الأخرى، وانطلق القارب بسرعة على الرغم من أن الخيط مازال ينساب إلى الخارج، والشيخ يزيد من الضغط على الخيط حتى يقترب من نقطة الانقطاع مرة بعد أُخرى، وجر الشيخ إلى الأسفل بقوة، فسقط على مقدم القارب، وارتطم وجهه بشريحة الدولفين، ولم يستطع أن يتحرك.
    وفكر: «هذا ما كنا ننتظره، وعلينا الآن أن نواجهه».
    وقال في نفسه: اجعل السمكة تدفع ثمن الخيط، اجعلها
    تدفع ثمنه».
    وفكر الشيخ: «لو كان الصبيُّ هُنا لبلل لفات الخيط، نعم،
    لو كان الصبي هنا .. لو كان الصبي هنا».
    الآن رفع الشيخ رأسه من الخشب ومن شريحة الدولفين التي ارتطم بها خده، ثم نهض على ركبتيه، ثم على مهل - قام واقفا على قدميه، وكان طوال الوقت يرخي الخيط، ولكن ببطء أكبر ، وتراجع إلى الخلف حيث يستطيع أن يتحسس بقدمه لفات الخيط التي لم يكن في استطاعته أن يراها، كانت لاتزال وفرة من الخيط، وعلى السمكة الآن أن تتحمل العبء الناتج من احتكاك كل ذلك
    الخيط الجديد بالماء.
    وفكر: «نعم، الآن بعد أن قفزت السمكة أكثر من اثنتي عشرة مرَّة، وملأت الجيوب الممتدة على طول ظهرها بالهواء، فإنها لا تستطيع الغوص إلى الأسفل لتموت في الأعماق، بحيث يصعب علي رفعها إلى الأعلى، وسرعان ما ستبدأ بالدوران، وحينئذ ينبغي أن أشتغل عليها، وإني أتساءل ما الذي أثارها هكذا إثارة مفاجئة ؟ ألا يكون الجوع هو الذي
    جعلها يائسة، أم أن شيئًا ما قد أفزعها في الليل؟ لعلها شعرَتْ بالخوف فجأة؟ ولكنها كانت قبل ذلك سمكة على قدر من
    الهدوء والقوة، وبدت بالغةَ الثّقة وبلا خوف، إنه أمر غريب».
    أمسك الشيخ بخيط السمكة بيده اليسرى وكتفيه الآن، وانحنى ليغرف بيده اليمنى شيئًا من الماء ليزيل ما علق بوجهه من لحم سمكة الدولفين، فقد كان يخشى أن يصيبه بالغثيان فيتقيأ، ويفقد قوته


، وبعد أن نظّف وجهه غسل يده اليمنى بالماء من على جانب القارب، ثم تركها في الماء المالح وهو يراقب أوّل خيوط الضوء القادمة قبيل شروق الشمس، وفكر: إنَّ السمكة تتجه نحو الشرق تقريبا، وذلك يعني أنها متعبة، وأنها تسير مع التيار، وقريبًا سيتحتم عليها الدوران، وحينئذ
يبدأ عملنا الحقيقي».
وبعد أن قدَّرَ أنَّ يده اليمنى بقيت في الماء مُدَّةً كافية،
أخرجها، ونظر إليها.
وقال:
لا بأس بها، والرجل لا يعبأ بالألم».
أمسك بالخيط بعناية لكيلا يمس أي جرح جديد في يده، وحول حمله بحيث يستطيع وضع يده اليسرى في البحر من
الجانب الآخر للمركب.
وخاطب يده اليسرى قائلا: - إنَّك لم تتحملي ذلك الألم من أجل شيء لا قيمة له، ولكن كانت هناك لحظة لم أتمكن من أن أجدك فيها».
وتساءل في نفسه: لماذا لم أولد بيدين جيدتين؟ ربما كانت غلطتي؛ لأني لم أدرب تلك اليد بصورة ملائمة، ولكن يعلم الله أنها قد أُتيحت لها فرص كافية لتتعلم، ومع ذلك، فقد كانت لا بأس بها طوال الليل، وأنها تشنجت مرَّةً واحدةً
فقط، وإذا تشنجت مرَّةً أُخرى، فليجرحها الخيط».
وكانت السمكة الطائرة هناك نظيفة وجاهزة، فتناولها بيده اليسرى، وأكلها ماضغا العظام بعناية، وأتى عليها كلها إلى
ذيلها كانت الشمس تشرق للمرة الثالثة منذ أن نزل إلى البحر،
عندما شرعت السمكة في الدوران
لم يكن في وسعه أن يرى من خلال ميلان الخيط ما إذا كانت السمكة تدور، فذلك سابق لأوانه، أحس فقط بارتخاء خفيف في ضغط الخيط، فراح يسحبه في رفق بيده اليمنى،
توتر الخيط، كما كان دائمًا، ولكنه عندما بلغ النقطة التي قد ينقطع فيها، أخذ في التراخي، مَرَّرَ الشيخ رأسه وكتفيه من تحت الخيط، وشرع في سحب الخيط بثبات ولطف، واستخدم كلتا يديه في حركة متأرجحة، وحاول أن يقوم بعملية السحب بجسمه وساقيه أكثر ما يمكنه، فدارت ساقاه
الهرمتان وكتفاه الباليتان مع حركة السحب المتأرجحة.
ثم لم يعد الخيط ينسحب أكثر فانحنى الشيخ، وتركه يعود غائصا في
المياه المظلمة.
وفكر: «عَليَّ أن أُمسِكَ بكل ما أستطيعه من الخيط، فالإجهاد سيقصر دورتها في كل مرة، ولعلي أتمكن من رؤيتها في ظرف ساعة، الآن ينبغي علي أن أروضها، ثم يجب على ان اقتلها
، وبعد ساعتين ابتل جسد الشيخ من العرق، وتسرب الإعياء إلى نخاع عظامه
وطوال ساعة من الزمن، صار الشيخ يرى بقعا سوداء أمام ناظريه، وراح العرق يملح عينيه، ويحرق الجرح الذي تحتهما، والجرح الذي على جبهته
وقال :
«لا يمكنني أن أخذل نفسي وأموت من أجل سمكة كهذه، الآن، وقد أتيتُ بها بهذه الصورة الرائعة،
ليساعدني الله على الاحتمال».
في تلك اللحظة، أحس بخبط وسحب مفاجئ للخيط
وفكر: «إنَّها تضرب مُقدَّم السلك برمحها، كان ذلك سيحصل حتمًا، وكان عليها أن تفعل ذلك، وقد يجعلها ذلك تقفز، مع أني أفضل أن تبقى الآن في دورانها، فالقفزات ضرورية لها لكي تستنشق الهواء، ولكن بعد ذلك فإنَّ كل قفزة يمكن أن توسع الجرح الذي
أحدثه الشص بحيث تستطيع أن تلفظه».
وقال :



  • لا تقفزي - أيتها السمكة - لا تقفزي».
    ضربت السمكة سلك الصنارة عدة مرات أُخرى؛ وفي كل
    مرة كانت تهز رأسها، فأرخى الشيخ قليلا من الخيط.
    وفكر: «يجب علي أن أوقف ألمها حيث هو، أما ألمي فلا يهم، إذ أستطيع التحكم فيه، ولكن ألمها قد يدفعها إلى
    الجنون».
    وبعد برهة توقفت السمكة عن ضرب سلك الصنارة وراح الشيخ يجذب الخيط باطراد الآن، ولكنه شعر بالدوار ثانية، فرفع شيئًا من ماء البحر بيده اليسرى وصبه على رأسه، ثم وضع مقدارا آخر
    من الماء على قفا رقبته ودلكها.
    وقال :

  • ليست لدي تشنجات وستصعد السمكة عما قريب وفي استطاعتي الاستمرار، عليك أن تستمر، ولا تتكلم
    أبدا عن ذلك».
    كان الإغراء عظيمًا بأن يبقى مستريحا في مقدم القارب، وأن يدع السمكة تقوم بدورة واحدة بنفسها دون أن يستعيد أي شيء من الخيط، ولكن عندما أظهر ضغط الخيط استدارت السمكة لتأتي في اتجاه القارب، نهض الشيخ منتصبا على قدميه، وشرع في الدوران وحركات الجذب التي استعادت
    جميع ما كسبه من الخيط.
    وقال :

  • سأستريح خلال الدورة القادمة لها، فها هي تبتعد، وأنا أشعر أنني أفضل حالا، وبعد دورتين أو ثلاث، سأتمكن
    منها» .
    كانت قبعة الشيخ المصنوعة من الخوص قد ابتعدت إلى
    مؤخر رأسه، واستقر هو في مُقدَّم القارب مع سحب الخيط
    عنما أحس بدوران السمكة.
    وفكر في نفسه: «اشتغلي الآن، أيتها السمكة، سأخذك
    حين تستديرين».
    وقال :
    سأتجه بالقارب إلى الجنوب والغرب، لا يتيه الإنسان
    في البحر أبدا، وهي جزيرة طويلة».
    وعند الدورة الثالثة رأى السمكة لأول مرة، رأها كظل غامق استغرق مروره تحت القارب وقتا طويلا، لدرجة أنه لم
    يُصدق طولها.
    وقال:

  • «لا، لا يمكن أن تكون كبيرة بهذا القدر». ولكن السمكة كانت بذلك الحجم، وفي نهاية هذه الدورة طفت السمكة على سطح الماء على بعد ثلاثين ياردة فقط،
    ثم هبط الذيل، وفيما كانت السمكة تسبح تحت سطح الماء مباشرة، استطاع الشيخ أن يرى جسدها الضخم والخطوط الأرجوانية التي تحيط به
    في هذه الدورة استطاع الشيخ أن يرى عين السمكة، والسمكتين المصاصتين الرماديتين اللتن كانتا تسبحان حولها،
    كان الشيخ يتصبب عرقا الآن، ولكن بسبب شيء آخر غير الشمس، وعند كل دورة هادئة مسالمة تقوم بها السمكة كان الشيخ يسترد مقدارًا من الخيط، وصار متيقنا من أنه بعد
    دورتين ستتاح له الفرصة لطعنها بالحربة.
    وفكر في نفسه: «ولكن يجب أن أجعلها تقترب، وتقترب، وتقترب، ويجب ألا أحاول استهداف الرأس، بل يجب أن
    أصيب القلب».
    وقال:
    »- كن هادئا وقويا، أيها الشيخ».
    وفي الدورة التالية، برز ظهر السمكة، ولكنها مازالت بعيدة شيئًا ما عن القارب .
    كان قد أعد الحربة منذ مدة طويلة، وكانت لفة حبلها كانت السمكة تقترب في دورتها الآن وهي جميلة المنظر
    وهادئة ما عدا ذيلها الكبير الذي كان يتحرك، فسحبها الشيخ
    بأقصى ما يستطيع ليجعلها أقرب
    قال الشيخ:

  • «لقد حركتها، لقد حركتها إذن».
    وشعر بالدوار مرة أخرى، ولكنه استمر بالضغط على السمكة العظيمة بكل استطاعته، وفكر: «إني حركتها، ربما هذه المرة سأتمكن منها،
    ولكنه عندما استجمع جهده كله، وشرع - قبل أن تقترب
    السمكة من جانب القارب بجرها بكل قوته، اندفعت
    السمكة مقلبة، ثم استقامت، وسبحت مبتعدة عنه.
    قال الشيخ:

  • أيتها السمكة، إنك ستموتين على أية حال، فهل عليك
    أن تقتليني أيضًا»؟
    وفكر: «بهذه الطريقة لا يُنجَز شَيءٌ».
    وفي الدورة التالية، كاد الشيخ يظفر بالسمكة، ولكنها مرة أخرى - قومت نفسها، وسبحت مبتعدة ببطء.
    قال الشيخ في نفسه: «إنك تقتلينني أيتها السمكة، ولكن لك الحق في ذلك، فأنا لم أر أبدًا سمكة أعظم، أو أجمل، أو أهدأ، أو أكثر تبلا منك، أيتها الأخت، تعالي اقتليني، فلست
    أبالي من يقتل مَنْ».
    وقال بصوت كان من الصعب عليه سماعه:
    كُن صافيا يا رأسي.. اصف». -
    وتكرر الأمر مرتين عند دوران السمكة.
    وقال الشيخ في نفسه: «لا أدري»، وكان على وشك أن يُحس بالإغماء في كُلِّ مَرَّة
    سأحاول مرةً أخرى، هكذا عاهد الشيخ نفسه، على الرغم من أن يديه غدتا واهنتين، ولم تعد في مقدوره الرؤية جيدًا إلا
    في ومضات
    استجمع كل ألمه وما تبقى من قوته وعزة نفسه التي تلاشت منذ أمد طويل، وحشد كل ذلك في مجابهة معاناة السمكة، فتحولت السمكة إلى جانبه، وسبحت برفق في محاذاته، وكاد أنفها يلامس خشب المركب، وأخذت تمر بالقارب طويلة، وسميكة، وعريضة، وفضية، تزينها خطوط
    أرجوانية لا متناهية في الماء.
    ألقى الشيخ بالخيط، ووضع قدمه عليه، ورفع الحربة إلى أعلى ما يستطيع، وبكل قوته، وبقوة إضافية استجمعها في تلك اللحظة غرز الحربة في جنب السمكة تماما خلف الزعنفة الصدرية الكبيرة التي كانت ترتفع عاليا في الهواء إلى مستوى صدر الشيخ، فأحس بحديد الحربة ينغرز في السمكة، فانحنى
    فوقه، ودفعه أبعد، واضعا كل ثقله عليه.
    بيد أن السمكة خرجت حية، وهي تحمل موتها في ذاتها، وارتفعت عاليا خارج الماء، عارضة كل طولها وعرضها العظيمين وجميع بأسها وجمالها، وبدت معلقة في الهواء فوق الشيخ في المركب، ثم سقطت في الماء بارتطام أطلق رشاشا من الماء على الشيخ وعلى المركب بأكمله.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

مرة ، أخرى غاصت...

مرة ، أخرى غاصت أسماك التونه ، و التونه هو الاسم الذي يطلقه الصيادون على الأسماك جميعها من ذلك النوع...

وفي اطار الإصلا...

وفي اطار الإصلاحات التي أقرها التشريع الإسلامي على ما كان في حياة العرب بصفة عامه وأوضاعهم القانونية...

كانت أزمة الصوا...

كانت أزمة الصواريخ الكوبية حدثًا مهمًا. لا يقدم التاريخ أي مثيل لتلك الأيام الثلاثة عشر من أكتوبر 19...

نقص الاستخدام ا...

نقص الاستخدام الفعال للوسائل التعليمية السمعية البصرية في نقل المعارف والمهارات للطلاب، مع الاعتماد ...

الرؤية والمستقب...

الرؤية والمستقبل ان الهدف النهائي لكل رؤية يضعها أي قائد هو خدمة شعبه لذا فإن الاعتماد في صياغة محا...

اللجان الدائمة ...

اللجان الدائمة للوثائق صدر الأمر السامي رقم 372/م تاريخ 1417/08/27 هـ بالموافقة على تشكيل اللجنة ال...

تأسست مجموعة ال...

تأسست مجموعة الريادة المصرية كمجموعة شركات استثمارية رائدة في التطوير العقاري والمقاوالت والتوريدات...

تعد الأسرة الرك...

تعد الأسرة الركيزة الأساسية التي يتم عليها بناء المجتمع، ويضع عليها أكبر حمله؛ فهي المسؤولة عن اعداد...

شرح مجمع الأصول...

شرح مجمع الأصول الدرس الاول: بسم الله الرحمن الرحيم يسر الادارة العامة للتوجيه والارشاد بالمسجد ال...

هو قانون اعلنه ...

هو قانون اعلنه محمد باي في 9 سبتمبر 1888. اقتداء بالتنظيمات العثمانيه وتحت الضغط الدول الاوروبي وقد ...

موقف الإسلام من...

موقف الإسلام من العولمة وواجب المسلمين في مقاومتها. العولمة ليست أكثر من دعاية مزيفة. القوى العظمى ...

The power sourc...

The power source for the model's electrically analogous cardiovascular system is changing elastance....