Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (77%)

ولأن السائق لم يفهم على ما يبدو كرّر زايد الأمر. رأيت في مرآة الخلفيات الموكب يتوقف وراءنا فجأة.منذ قرابة أربعين دقيقة هبطنا في هرجيسا شمال-شرق البلاد حيث أقلّتنا طائرة خاصة وضعها الرئيس سياد بري من عدة
هناك كان في انتظارنا موكب مؤلف سيارات جيب تقل عسكريين، وفقاً لما قاله الرئيس سوف نجد في سهل غوبان أجمل
هناك رأيت عشرة مراهقين منقسمين فريقين تفصل بينهما شبكة ممدودة بين شجرتي سنط.- ماذا إذن؟ ماذا هناك من شيء خاص؟
بدل أن يجيب فتح باب السيارة ومشى نحو الأولاد. وفي هذه اللحظة وثب العسكريون من سياراتهم وأسرعو في أثرنا.صاح ضابط: - يا صاحب السمو ! أين تذهب؟
طمأنه زايد بحركة وتابع سيره. عندما أصبح أمام اللاعبين حياهم بابتسامة عريضة.همست له: - هل لي أن أعرف ما بك؟ هذه لعبة الكرة الطائرة.نظر إلى من أسفل إلى أعلى. بين سألت زايد - لماذا هذا التوقف؟
أنهم في البداية لاحظت مجموعة صغيرة من الأولاد جالسين العليق، يحملون بأيديهم ألواحاً صغيرة، ويبدو يستظهرون نصاً تحت إشراف عجوز يرتدي الباتي، على مقربة منهم فتاة صغيرة تحلب ضرع بقرة بيضاء، وفي وسط الحقل المغبر تقف امرأة تشد الحزام على رضيعها الملتصق بظهرها. وفي مكان أبعد قطيع من الماعز يرعى.فارس أتذكر ما قلته لك بشأن جملك يوم السباق؟ «لم يعد أمامه عُمر، وعُرقوباه بارزان للخارج ومرتدان للخلف!» أتساءل إن لم تصبح شبيهاً به مع التقدم في السن.تمتمت: لكني لا أعرف اللعبة. عُد إلى السيارة. لا تقلق. وسط لا مكان، وقادة العالم كله يتساءلون، فيما الشيخ زايد يلعب الكرة الطائرة مع أطفال.شعرت بالموت مائة مرة. عندما انتهت المباراة جلس عند جذع سنط وأشار إلى أحد حراسه أن يأتي لنا بمشروبات باردة. كان يطرح عليهم أسئلة شتى. وأين يسكنون.- نحن نتعلم القرآن مثلهم، قال أحدهم مشيراً إلى حلقة الأطفال.مدرسة صغيرة أيضاً.الخاص وللإتجار إذا ما زاد المحصول.عندما عدنا إلى السيارة بدا وجه زايد معتماً. اختفى الفرح الذي شعّ على مُحيّاه أثناء مباراة الكرة الطائرة: «أتعلم يا فارس، إن الظلم هو الذي يدفع الناس إلى الالتفاف على القانون، هو الذي يقود العالم إلى الفوضى».عشية سفرنا بالطائرة إلى سريلانكا طلب الشيخ زايد من
هذا المبلغ سوف يُخصص لإقامة سَدّ، ومساعدة السكان المهددين بالمجاعة في اليوم التالي،تتعب من
وأنت
من البدو الرحل. الوجود لا يتألف، مهما قيل، بل الأصح أنه مؤلّف من مجموعة خطوط متعرجة ممتدة إلى ما لا نهاية ولا تنفك تتقارب وتتباعد يختصر الإنسان ما يعتقد أنه كائنه،يكونه، وما هو كائن هذا هو السبب الذي من أجله أسيء فهم القرار الذي اتخذته بالتخلّي عن الرئاسة، في حين أنه واضح تماماً لي.حطت الطائرة في مطار كولومبو في الرابع عشر من أغسطس 1976.من لا يزال يذكر الأيام المجيدة لحركة عدم الانحياز؟ أيام كان يقودها رجال دولة رائعون طيبون ومواطنون عالميون السيادة في الوقت عينه. ماذا تفعل بالباقي؟ أقول لك يا فارس، على المحتاجين.عندما أفكر مجدّداً بمباراة الكرة الطائرة تلك، أفكر أيضاً في الذعر الذي سيطر على حرّاسي. قُتِلَ العديد من المسؤولين في العقود الأخيرة. كينيدي، مارتن لوثر كينغ، ماذا أفادهم حراسهم؟ لا شيء.ولادته. على أي حال،التحالف بين البشر. وعندي ان على المرء أن ينقاد للفطرة.الوطنية والرفاهية العامة. ويُشكل المؤتمر الذي عُقد بعد ذلك في مدينة باندونغ الأندونيسية مرحلة مهمة. في تلك الأثناء ت أُمَم العالم الثالث المستقلة حديثاً بوضوح عن رفضها الانضمام إلى أي من المعسكرين الدوليين المتنافسين.عبرت بعد أحد عشر .عاماً أصبحت الحركة تضم خمساً وثمانين دولة برئاسة السيدة أنديرا غاندي رئيسة الوزراء الهندية. كان تأجج الاختلافات السياسية والإيديولوجية قد ولد ميلاً إلى الانكفاء على الذات، وبات من الصعب تحقيق التوافق نظراً لتعدد الأفرقاء. آسف لذلك.في غضون ذلك كانت سفارتنا في كولومبو تكاد تختنق لكثرة البرقيات التي كانت تتبعني إلى سريلانكا ولم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً بالرغم من صدق تأثري. جهدت، والحق يقال، لأفهم هذا الهياج لاعتقادي بأن لا أحد لا يمكن الاستغناء عنه. عاجلاً أو آجلاً يأتي شخص مؤهل لاستكمال ما كنت قد بدأته أو لإنهائه عبقرية الإنسان لا حدود لها. وجدت صعوبة في أن أخلد إلى النوم عشية الانطلاق نحو وجهتي الجديدة: الهند. لم تكن هذه زيارتي الأولى للهند. رحمه الله وفي يناير 1975 لبيت دعوة أنديرا غاندي رئيسة الوزراء. في تلك المناسبة وقعنا عدداً . اتفاقات التعاون ووثقنا عُرى الصداقة التي لم هذه المرة لم أكن في زيارة رسمية. كان الدافع وراء فتنة في المجتمع الإسلامي ويهدّد التوافق. أعتقد أن الإيمان، أياً يكن ليس مسموحاً به إن لم يكن متسامحاً.انتهزت فرصة إقامتي في الهند للذهاب إلى أغرا. لطالما سمعت بهذه المدينة التي يوجد فيها أجمل روائع التراث الإنساني في العالم: تاج محل. هبطنا في المدينة ظهراً برفقة بعض المقربين ومنهم نشيبي الذي كان قد انضم إلينا. وكانت الصدمة.أمامنا تنتصب جوهرة على خلفية لازوردية، الجمال في صفائه. ومن حسن الحظ أننا كنا حفنة من الزوار. ماذا أقول حيال مجمع العجائب هذا؟ حقيقة أن هذا الضريح المبني بالرخام هذه الرحلة هو الرغبة في الابتعاد، وفي زيارة الهند لمدة أطول. رداً على اندهاش فارس قلت ببساطة: «لرؤية ضوء الفجر يجب المرور بالليل الصبر». في أثناء إقامتي بين سَفرَين رأيت السيدة غاندي مرّة أخرى وأمكنني تقدير الميزات العظيمة التي تتصف بها امراة عاملة في حقل السياسة. لا جدال في أنها علامة فارقة في تاريخ بلادها التي جعلت منها قوة إقليمية حقيقية. في 31 أكتوبر 1984 قتلت غيلة في حدائق مقر إقامتها على يد عسكريين مكلفين بحمايتها. فعلا ذلك من الجيش الهندي المسؤول عن مقتل حوالي مائة من إخوانهما السيخ قبل بضعة أشهر. كلّ قتل دناءة. لكن ما صدمني إلى حد مخيف في هذه الحالة بعينها هو الدوافع الكامنة وراء هذا العمل الوحشي: التعصب وعدم التسامح،يا شفا روحي من العله.تلك الليلة، كانت فكرتي الأخيرة لفاطمة. سبتمبر 1976 استمرت إقامة الشيخ زايد في لندن ثمانية عشر يوماً،عندما وضعت الطائرة عجلاتها على المدرج نظرتُ عبر الكوة. عندئذ قلت
في نفسي: : «يا فارس، أهو سعيد بالعودة إلى
البلاد، فرد قائلاً:
وعلى الرغم من هدوته شعرت بأنه متأثر جداً. لم أنتبه إلا ونحن ننزل السلّم الطويل إلى الحشد الكبير من الوجهاء الذين كانوا ينتظروننا على عتبة قاعة الشرف: شيوخ، كانوا يحتضونه ويهنئونه، أخيراً، بعد جهد جهيد، هنا يرقد جثمان ممتاز محل زوجة الإمبراطور
المعبودة.وفقاً لما قاله الدليل، تطلب بناء هذا الصرح حوالي عشرين ألف عامل، وألف فيل لنقل المواد المجلوبة من آسيا كلها. أتي بحرفيين من أوروبا لتصميم المشابك والألواح الرخامية
الحسّاسة المصنوعة من آلاف الحجارة النفيسة. تنحني نحو الخارج حتى إذا ما حدثت هزة أرضية انهارت في الاتجاه المقابل للضريح.النهار والليل، بيضاء ناصعة نهاراً،يبدو لي، ولست متأكداً،عندما وضعت الطائرة عجلاتها على المدرج نظرتُ عبر الكوة. عندئذ قلت
في نفسي: : «يا فارس، أهو سعيد بالعودة إلى
البلاد، فرد قائلاً:
وعلى الرغم من هدوته شعرت بأنه متأثر جداً. لم أنتبه إلا ونحن ننزل السلّم الطويل إلى الحشد الكبير من الوجهاء الذين كانوا ينتظروننا على عتبة قاعة الشرف: شيوخ، وكان بعضهم ينتحب. التخلص
أخيراً، وانطلقنا نحو قصر البطين كانت الطريق محفوفة برجال ونساء وأطفال، يصفقون يهللون، يلوّحون بالأعلام واللافتات. لزمت الصمت.وفي تعلقه بزايد ورغبته الجامحة في بقائه رئيساً.أنزل زايد زجاج باب السيارة ومد يده نحو الجمهور. رُكبتاه المخدوشتان علاجهما أسهل من مداواة قلب كسير. فكر فيهم، وصاح
- أجننتَ، بعد أسبوع على عودته أعطى الضوء الأخضر لبناء مصنع للسماد في العين العين التي تحتل دائماً مكاناً مميزاً بين
منعطفاً كبيراً.اجتمع المجلس الأعلى في قصر زعبيل في دبي وانتشرت شائعة مفادها أن هذا الاجتماع سيكون حاسماً.كلها تترقب. أنا فارس لم أكن من ضمن المشاركين في ذلك الاجتماع،دارت فيه. والمعلومات القليلة التي بحوزتي نُقلت إلي.في الثلاثين من سبتمبر أحيط علماً بأن آلاف الأشخاص يعتزمون تنظيم مسيرة دعماً له. لكن أرجوكم إلغاء المسيرة. لا تعرقلوا المفاوضات الجارية على مستوى المجلس
الأعلى، صب صبراً. يجب ترك الوقت يفعل فعله. لا ينبغي ممارسة الضغط على الأنفس الحرّة. فأذعن منظمو المسيرة آسفين.في السابع والعشرين من أكتوبر سافر إلى الإسماعيلية، وسط تهليل جمهور غفير حتى أن وزير الإسكان المصري لم يجد من وسيلة أخرى سوى دعوته إلى ركوب مروحية لكي يستكشف من الجو هذه المدينة التي سميت باسمه: مدينة زايد.الفراعنة يحسبون أنفسهم خالدين،أمر زايد الحرّاس أن يفتحوا أبواب القصر ويوزعوا المرطبات. منادياً بعضهم بأسمائهم. فأنا أعلم أنه يتمتع بذاكرة بصرية
مدهشة. بعد ساعة دخل إلى حجرته.في اليوم التالي، والبلاد كلُّها حابسة أنفاسها، حرّر رسالةً يشكر فيها بحرارة شعبه على ما أبداه من محبة له ومن عرفان. لكن حتى لو قرأنا ما بين السطور فلن نجد ما يوحي بتغير في الموقف. لقد نوقشت في غيابه لكن لم يتم التوصل إلى أي حلّ.من محيط الشك انبثق يقين واحد، في الرابع عشر من سبتمبر أعلن الشيخ راشد رسمياً أنه لا يعتبر نفسه في أي حال من الأحوال خليفة لزايد إذا ما قرر الانسحاب.في قلب الصحراء كان لقاؤنا.توجّهنا أنا والشيخ راشد نحو خيمة وجلسنا فيها. وحدنا.بلا شاهد. كلمته. وضعتُ حُلمي في راحة يده.أثناء صعودنا ممراً محفوفاً بالنخيل وزهور الخُبيزة أشار
- انظر أين نحن اليوم بعد ثماني سنوات.بعد أسبوع على عودته أعطى الضوء الأخضر لبناء مصنع للسماد في العين العين التي تحتل دائماً مكاناً مميزاً بين
منعطفاً كبيراً.اجتمع المجلس الأعلى في قصر زعبيل في دبي وانتشرت شائعة مفادها أن هذا الاجتماع سيكون حاسماً.كلها تترقب.أنا فارس لم أكن من ضمن المشاركين في ذلك الاجتماع،دارت فيه.في غضون ثلاث ساعات ونصف الساعة من النقاش كشف الفريقان عن كلّ المسائل التي تفرقهما وذلك في حضور مستشاريهما.في الثلاثين من سبتمبر أحيط علماً بأن آلاف الأشخاص يعتزمون تنظيم مسيرة دعماً له. لكن أرجوكم إلغاء المسيرة. لا تعرقلوا المفاوضات الجارية على مستوى المجلس
الأعلى، صب صبراً. يجب ترك الوقت يفعل فعله. لا ينبغي ممارسة الضغط على الأنفس الحرّة. فأذعن منظمو المسيرة آسفين.في السابع والعشرين من أكتوبر سافر إلى الإسماعيلية، وسط تهليل جمهور غفير حتى أن وزير الإسكان المصري لم يجد من وسيلة أخرى سوى دعوته إلى ركوب مروحية لكي يستكشف من الجو هذه المدينة التي سميت باسمه: مدينة زايد. سأكمل قريباً الثامنة والخمسين
من العمر.- ما زلت شاباً، عمري أربعة وستون عاماً.الهواء
نحمد الله على أننا نعيش على
في قلب الصحراء كان لقاؤنا.توجّهنا أنا والشيخ راشد نحو خيمة وجلسنا فيها. وحدنا.بلا شاهد. كلمته. وضعتُ حُلمي في راحة يده.الشيخ راشد إلى واجهة قصره. مد


Original text


  • أوقفوا الموكب !
    ولأن السائق لم يفهم على ما يبدو كرّر زايد الأمر. رأيت في مرآة الخلفيات الموكب يتوقف وراءنا فجأة.
    منذ قرابة أربعين دقيقة هبطنا في هرجيسا شمال-شرق البلاد حيث أقلّتنا طائرة خاصة وضعها الرئيس سياد بري من عدة
    في تصرفنا. هناك كان في انتظارنا موكب مؤلف سيارات جيب تقل عسكريين، وسيارتين لاندروفر، وانطلقنا
    نحو غوبان. وفقاً لما قاله الرئيس سوف نجد في سهل غوبان أجمل
    أشار مرة أخرى إلى مكان ما، لكن نحو اليمين هذه المرة. هناك رأيت عشرة مراهقين منقسمين فريقين تفصل بينهما شبكة ممدودة بين شجرتي سنط. كانوا يمارسون رياضة الكرة الطائرة.

  • ماذا إذن؟ ماذا هناك من شيء خاص؟
    بدل أن يجيب فتح باب السيارة ومشى نحو الأولاد. حذوتُ حَذَوَه. وفي هذه اللحظة وثب العسكريون من سياراتهم وأسرعو في أثرنا.
    صاح ضابط: - يا صاحب السمو ! أين تذهب؟
    طمأنه زايد بحركة وتابع سيره. عندما أصبح أمام اللاعبين حياهم بابتسامة عريضة.
    همست له: - هل لي أن أعرف ما بك؟ هذه لعبة الكرة الطائرة.
    نظر إلى من أسفل إلى أعلى. تشكيلة من الحيوانات البرية. بين سألت زايد - لماذا هذا التوقف؟
    أشار بإصبعه إلى مكان غير بعيد. أنهم في البداية لاحظت مجموعة صغيرة من الأولاد جالسين العليق، يحملون بأيديهم ألواحاً صغيرة، ويبدو يستظهرون نصاً تحت إشراف عجوز يرتدي الباتي، اللباس الصومالي التقليدي. على مقربة منهم فتاة صغيرة تحلب ضرع بقرة بيضاء، وفي وسط الحقل المغبر تقف امرأة تشد الحزام على رضيعها الملتصق بظهرها. وفي مكان أبعد قطيع من الماعز يرعى.

  • لا أرى شيئاً خاصاً.

  • عزيزي ،فارس أتذكر ما قلته لك بشأن جملك يوم السباق؟ «لم يعد أمامه عُمر، أذناه قصيرتان جداً، وعُرقوباه بارزان للخارج ومرتدان للخلف!» أتساءل إن لم تصبح شبيهاً به مع التقدم في السن.
    وأنت .نساء. أنسيت إنها إحدى هواياتي، بعد الصيد
    بالصقر طبعاً.قبل أن يتاح لي الرد، سأل أحد الأولاد:

  • أرى أنكم لستم سوى عشرة. هل يمكننا الانضمام إليكم؟

  • طبعاً .
    أخذ زايد بذراعي.

  • هيا بنا.
    تمتمت: لكني لا أعرف اللعبة.

  • لستَ أقل موهبة من جملك الأمر سهل. ما عليك إلا أن تضرب بكفّك الكرة.
    احتج الضابط مذعوراً:

  • سموك، هذا تصرف خطير. أرجوك، عُد إلى السيارة.

  • سيكون كلّ شيء على ما يُرام. لا تقلق. أشار لي على الفور إلى فريق والتحق بالفريق الآخر.
    كان هذا الموقف لامعقولاً. كنا هناك، وسط لا مكان، على مسافة آلاف الكيلومترات من بلادنا حيث تنتاب الناس أزمة عصبية، وقادة العالم كله يتساءلون، فيما الشيخ زايد يلعب الكرة الطائرة مع أطفال. ضربتُ بكفّي الكرة ما استطعت، كنا في شهر أغسطس،
    شعرت بالموت مائة مرة. عندما انتهت المباراة جلس عند جذع سنط وأشار إلى أحد حراسه أن يأتي لنا بمشروبات باردة. كان لدينا صندوق مملوء بعلب مبردة شعر الأطفال بسعادة غامرة، ومعهم زايد أيضاً. كان يطرح عليهم أسئلة شتى. يريد أن يعرف ماذا يعمل أهلهم، وماذا ينتظرون هم من الحياة، وأين يسكنون. وخصوصاً هل يذهبون إلى المدرسة؟

  • نحن نتعلم القرآن مثلهم، قال أحدهم مشيراً إلى حلقة الأطفال. عندها فهمنا أن العجوز الذي يرتدي الباتي كان يحفظهم الآيات وسارع المراهق إلى التأكيد في القرية
    مدرسة صغيرة أيضاً.
    خلصنا من هذه المحادثة إلى أن غالبية الأولاد هم أبناء قرويين يزرعون الذرة الصفراء والذرة البيضاء لاستهلاكهم
    الخاص وللإتجار إذا ما زاد المحصول.
    عندما عدنا إلى السيارة بدا وجه زايد معتماً. اختفى الفرح الذي شعّ على مُحيّاه أثناء مباراة الكرة الطائرة: «أتعلم يا فارس، إن الظلم هو الذي يدفع الناس إلى الالتفاف على القانون، هو الذي يقود العالم إلى الفوضى».
    عشية سفرنا بالطائرة إلى سريلانكا طلب الشيخ زايد من
    أن
    وزير الأشغال العامة الشيخ محمد بن سلطان القاسمي يمنح الحكومة الصومالية أربعين مليون دولار. هذا المبلغ سوف يُخصص لإقامة سَدّ، وبناء معمل للسكر، ومساعدة السكان المهددين بالمجاعة في اليوم التالي، ونحن في طريقنا إلى المطار، سألته بمودّة: من أين لك هذا السخاء كله؟ ألا
    تتعب من
    العطاء؟».
    تأملنى مليّاً كما لو أنه وجد السؤال غير لائق وقال: تخيل أن الله أعطاك دخلاً قدره عشرة ملايين دولار، وأنت
    الفطرة والإيمان بالله. الكائن المركب الذي هو أنا يحتاج إلى هاتين الدعامتين. لأنني كائن مركب. أنا نتاج آلاف السنين. أنا بدوي، من البدو الرحل. أنا الصحراء والماء.
    في الواقع يودّ معظم الناس تلخيص حياتهم في صيغة معينة. أنا لست من هؤلاء. الوجود لا يتألف، مهما قيل، من خط أفقي وخط عمودي، بل الأصح أنه مؤلّف من مجموعة خطوط متعرجة ممتدة إلى ما لا نهاية ولا تنفك تتقارب وتتباعد يختصر الإنسان ما يعتقد أنه كائنه، وما يريد أن
    يكونه، وما هو كائن هذا هو السبب الذي من أجله أسيء فهم القرار الذي اتخذته بالتخلّي عن الرئاسة، في حين أنه واضح تماماً لي.
    حطت الطائرة في مطار كولومبو في الرابع عشر من أغسطس 1976.
    من لا يزال يذكر الأيام المجيدة لحركة عدم الانحياز؟ أيام كان يقودها رجال دولة رائعون طيبون ومواطنون عالميون السيادة في الوقت عينه. رجال يؤمنون إيماناً عميقاً بمفهوم لا تحتاج لتلبية احتياجاتك الشخصية والعائلية إلا إلى مليون، ماذا تفعل بالباقي؟ أقول لك يا فارس، إن كان لديك حدّ أدنى من الحياء فمن المستحيل ألا توزّعه على المحيطين بك، على المحتاجين. إن التصرّف خلاف ذلك ليس إجراماً فحسب بل جحود بحق الخالق الذي أعطاك فأغناك».
    التعبير
    عندما أفكر مجدّداً بمباراة الكرة الطائرة تلك، وفي الحائر لصديقي فارس، أبتسم. أفكر أيضاً في الذعر الذي سيطر على حرّاسي. أقول مع المجازفة بالتكرار، إن الحياة والموت بيد الله تعالى يوزعهما كيف يشاء. قُتِلَ العديد من المسؤولين في العقود الأخيرة. السادات، كينيدي، مارتن لوثر كينغ، غاندي، ماذا أفادهم حراسهم؟ لا شيء. إن الإنسان سواء أكان مغموراً أم مشهوراً ، أميراً أم متسوّلاً، لا يستطيع أن يغير مقدار ذرّة في المصير الذي كتبه له ربّ العالمين منذ
    ولادته. بالنسبة لي، على أي حال، أنا أحتفظ من تلك المباراة بذكرى لحظة رائعة من الحرية والتبادل التبادل ينطوي على
    التحالف بين البشر. وعندي ان على المرء أن ينقاد للفطرة.


الوطنية والرفاهية العامة. مصطلح عدم الانحياز ابتكره رئيس الوزراء الهندي نهرو في خطاب ألقاه عام 1954 في كولومبو على وجه التحديد. ويُشكل المؤتمر الذي عُقد بعد ذلك في مدينة باندونغ الأندونيسية مرحلة مهمة. في تلك الأثناء ت أُمَم العالم الثالث المستقلة حديثاً بوضوح عن رفضها الانضمام إلى أي من المعسكرين الدوليين المتنافسين.
عبرت بعد أحد عشر .
عاماً أصبحت الحركة تضم خمساً وثمانين دولة برئاسة السيدة أنديرا غاندي رئيسة الوزراء الهندية. أعترف أنني لاحظت منذ الاجتماع الأول أن الحركة فقدت قدراتها على المبادرة. كان تأجج الاختلافات السياسية والإيديولوجية قد ولد ميلاً إلى الانكفاء على الذات، وبات من الصعب تحقيق التوافق نظراً لتعدد الأفرقاء. آسف لذلك.
تركزت المداخلات بوجه خاص على الفيتو الأمريكي الذي استخدم منذ سبعة أشهر للحيلولة دون تطبيق قرار الأمم المتحدة الذي ينص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ عام 1967، وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة اللاجئين رأيت أن من واجبي التذكير مرة أخرى بموقف الإمارات الثابت: دعم الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولة.
في غضون ذلك كانت سفارتنا في كولومبو تكاد تختنق لكثرة البرقيات التي كانت تتبعني إلى سريلانكا ولم يكن بوسعي أن أفعل شيئاً بالرغم من صدق تأثري. جهدت، والحق يقال، لأفهم هذا الهياج لاعتقادي بأن لا أحد لا يمكن الاستغناء عنه. عاجلاً أو آجلاً يأتي شخص مؤهل لاستكمال ما كنت قد بدأته أو لإنهائه عبقرية الإنسان لا حدود لها. وجدت صعوبة في أن أخلد إلى النوم عشية الانطلاق نحو وجهتي الجديدة: الهند. لم تكن هذه زيارتي الأولى للهند. عام 1946 زرتها مع هزاع، رحمه الله وفي يناير 1975 لبيت دعوة أنديرا غاندي رئيسة الوزراء. في تلك المناسبة وقعنا عدداً . من تخيب ظننا أبداً. اتفاقات التعاون ووثقنا عُرى الصداقة التي لم هذه المرة لم أكن في زيارة رسمية. كان الدافع وراء فتنة في المجتمع الإسلامي ويهدّد التوافق. أعتقد أن الإيمان، أياً يكن ليس مسموحاً به إن لم يكن متسامحاً. من أجل ذلك سوف تبقى الكنائس والمعابد موضع ترحيب عندنا.
انتهزت فرصة إقامتي في الهند للذهاب إلى أغرا. لطالما سمعت بهذه المدينة التي يوجد فيها أجمل روائع التراث الإنساني في العالم: تاج محل. أخيراً أُتيحت لي زيارته. هبطنا في المدينة ظهراً برفقة بعض المقربين ومنهم نشيبي الذي كان قد انضم إلينا. بعد ساعة وصلنا إلى ضفاف نهر يمونه. وكانت الصدمة.
أمامنا تنتصب جوهرة على خلفية لازوردية، الجمال في صفائه.
بفضل السيدة غاندي حوّل المكان إلى القطاع الخاص. ومن حسن الحظ أننا كنا حفنة من الزوار. ماذا أقول حيال مجمع العجائب هذا؟ حقيقة أن هذا الضريح المبني بالرخام هذه الرحلة هو الرغبة في الابتعاد، في اتخاذ مسافة، وفي زيارة الهند لمدة أطول. رداً على اندهاش فارس قلت ببساطة: «لرؤية ضوء الفجر يجب المرور بالليل الصبر». لم يبد عليه أنه فهم ولم يُلح.
في أثناء إقامتي بين سَفرَين رأيت السيدة غاندي مرّة أخرى وأمكنني تقدير الميزات العظيمة التي تتصف بها امراة عاملة في حقل السياسة. لا جدال في أنها علامة فارقة في تاريخ بلادها التي جعلت منها قوة إقليمية حقيقية. لقد أثر في موتها لغير اعتبار. في 31 أكتوبر 1984 قتلت غيلة في حدائق مقر إقامتها على يد عسكريين مكلفين بحمايتها. فعلا ذلك من الجيش الهندي المسؤول عن مقتل حوالي مائة من إخوانهما السيخ قبل بضعة أشهر. كلّ قتل دناءة. لكن ما صدمني إلى حد مخيف في هذه الحالة بعينها هو الدوافع الكامنة وراء هذا العمل الوحشي: التعصب وعدم التسامح، جُرحا الإنسانية لطالما كرّرت القول إن التطرف الديني لن يكون له مكان في مجتمعنا. أرفض القوى الظلامية التي تصادر النص المقدّس لتصنع شكلاً جديداً للدين قريباً من النحلة. إن تصرف تلك القوى على هذا النحو ينطوي على خطر إحداث هذه الأبيات:
حُبّكم وسط الحشا سادِ
لو جبل متحمّله كله
ويل منهو مثله فوادي
كان طول الوقت قد حلّه
جيت مثل الشمس متبادي
يا شفا روحي من العله.
تلك الليلة، كانت فكرتي الأخيرة لفاطمة. سبتمبر 1976 استمرت إقامة الشيخ زايد في لندن ثمانية عشر يوماً، وبذلك تكون مدة غيابه خارج الإمارات شهراً ونيفاً.
عندما وضعت الطائرة عجلاتها على المدرج نظرتُ عبر الكوة. الهدوء ء يسود ود المكان ما عدا السيارات الرسمية التي تنتظرنا لم ألحظ ما يسترعي النظر بصورة خاصة. عندئذ قلت
في نفسي: : «يا فارس، متى تكف عن القلق؟».
ألقيت نظرة على زايد كان ينام كطفل وليد. لم يفتح عينيه إلا عندما توقفت الطائرة تماماً وأعلن القبطان: «أهلاً
وسهلاً بكم في مطار دبي». انتهزت الفرصة لأسأله كيف يشعر، أهو سعيد بالعودة إلى
البلاد، فرد قائلاً:



  • سعيد كأب يلقى أبناءه مجدداً.
    وعلى الرغم من هدوته شعرت بأنه متأثر جداً. لم أنتبه إلا ونحن ننزل السلّم الطويل إلى الحشد الكبير من الوجهاء الذين كانوا ينتظروننا على عتبة قاعة الشرف: شيوخ، وزراء، ممثلون للحكومة أعضاء العائلات الحاكمة في الإمارات السبع. وما كدنا نتقدّم مائة خطوة حتى اندفع الحشد نحو زايد. كانوا يحتضونه ويهنئونه، وكان بعضهم ينتحب. أخيراً، بعد جهد جهيد، نجح زايد في
    الأبيض شُيّد باسم الحبّ تُضفي على جماله مسحة عاطفية جيّاشة. هنا يرقد جثمان ممتاز محل زوجة الإمبراطور
    المعبودة.
    وفقاً لما قاله الدليل، تطلب بناء هذا الصرح حوالي عشرين ألف عامل، وألف فيل لنقل المواد المجلوبة من آسيا كلها. أتي بحرفيين من أوروبا لتصميم المشابك والألواح الرخامية
    الحسّاسة المصنوعة من آلاف الحجارة النفيسة.
    القبة المركزية محاطة بأربع منارات متماثلة، تنحني نحو الخارج حتى إذا ما حدثت هزة أرضية انهارت في الاتجاه المقابل للضريح. وذروة الرهافة تغير ألوان المجمع في ساعات



النهار والليل، وذلك - كما يؤكد الدليل – لمحاكاة تبدل مزاج ممتاز محل وردية فجراً، بيضاء ناصعة نهاراً، ذهبية عند المغيب : منيرة على نحو غامض في ضوء القمر.
ما الذي لا يُعمل باسم الحب؟
عندما نحب لا يكون الله في قلوبنا فحسب، بل نكون
نحن في محبة الله.
يبدو لي، ولست متأكداً، أنني كتبت مساء تلك الزيارة
عندما وضعت الطائرة عجلاتها على المدرج نظرتُ عبر الكوة. الهدوء ء يسود ود المكان ما عدا السيارات الرسمية التي تنتظرنا لم ألحظ ما يسترعي النظر بصورة خاصة. عندئذ قلت
في نفسي: : «يا فارس، متى تكف عن القلق؟».
ألقيت نظرة على زايد كان ينام كطفل وليد. لم يفتح عينيه إلا عندما توقفت الطائرة تماماً وأعلن القبطان: «أهلاً
وسهلاً بكم في مطار دبي».
انتهزت الفرصة لأسأله كيف يشعر، أهو سعيد بالعودة إلى
البلاد، فرد قائلاً:



  • سعيد كأب يلقى أبناءه مجدداً.
    وعلى الرغم من هدوته شعرت بأنه متأثر جداً. لم أنتبه إلا ونحن ننزل السلّم الطويل إلى الحشد الكبير من الوجهاء الذين كانوا ينتظروننا على عتبة قاعة الشرف: شيوخ، وزراء، ممثلون للحكومة أعضاء العائلات الحاكمة في الإمارات السبع. وما كدنا نتقدّم مائة خطوة حتى اندفع الحشد نحو زايد. كانوا يحتضونه ويهنئونه، وكان بعضهم ينتحب. التخلص
    أخيراً، بعد جهد جهيد، نجح زايد في مستقبليه، وانطلقنا نحو قصر البطين كانت الطريق محفوفة برجال ونساء وأطفال، يهتفون يطلقون الشعارات، يصفقون يهللون، يلوّحون بالأعلام واللافتات. لزمت الصمت. ماذا عساي أن أقول؟ هذا الابتعاد لم يُغير شيئاً في تصميم الشعب
    وفي تعلقه بزايد ورغبته الجامحة في بقائه رئيساً.
    أنزل زايد زجاج باب السيارة ومد يده نحو الجمهور.
    وبعد لحظة سمعته يتمتم:

  • أحياناً أتمنى أن أعود طفلاً، رُكبتاه المخدوشتان علاجهما أسهل من مداواة قلب كسير.
    لكن هذا القلب أنت الذي كسرته يا زايد. وليس غيرك من يجبره. يكفي لذلك أن تعود إلينا. أرجوك. فكر فيهم،
    فكر فينا.
    التفت نحوي فجأة، وطالعني بتعبير معذب لم أعهده من
    قبل، وصاح
    ذلك.

  • أجننتَ، يا فارس؟ أو تظن أنني لست حريصاً على
    بعد أسبوع على عودته أعطى الضوء الأخضر لبناء مصنع للسماد في العين العين التي تحتل دائماً مكاناً مميزاً بين
    جوانحه. في التاسع والعشرين شهد الوضع المتأزم حتى ذلك الحين
    منعطفاً كبيراً.
    اجتمع المجلس الأعلى في قصر زعبيل في دبي وانتشرت شائعة مفادها أن هذا الاجتماع سيكون حاسماً. كانت البلاد
    كلها تترقب. أنا فارس لم أكن من ضمن المشاركين في ذلك الاجتماع، وبالتالي فأنا لا أعرف شيئاً من المناقشات التي
    دارت فيه. والمعلومات القليلة التي بحوزتي نُقلت إلي.
    في غضون ثلاث ساعات ونصف الساعة من النقاش كشف الفريقان عن كلّ المسائل التي تفرقهما وذلك في حضور مستشاريهما. عصراً سُجّل تقدم في المحادثات. عندئذ اقترح الشيخ زايد على الشيخ راشد أن يقوم بنزهة معه في حدائق القصر ما قاله الرجلان في تلك النزهة لن يعرفه أحد.
    في الثلاثين من سبتمبر أحيط علماً بأن آلاف الأشخاص يعتزمون تنظيم مسيرة دعماً له.
    أنا متأثر جداً، أعلن للمنظمين، لكن أرجوكم إلغاء المسيرة. لا تعرقلوا المفاوضات الجارية على مستوى المجلس
    الأعلى، صب صبراً. يجب ترك الوقت يفعل فعله. لا ينبغي ممارسة الضغط على الأنفس الحرّة. فأذعن منظمو المسيرة آسفين.
    في السابع والعشرين من أكتوبر سافر إلى الإسماعيلية، شمال شرق القاهرة لحضور افتتاح مدينة موّل هو بناءها. استقبله الرئيس السادات بمنتهى الحفاوة، وسط تهليل جمهور غفير حتى أن وزير الإسكان المصري لم يجد من وسيلة أخرى سوى دعوته إلى ركوب مروحية لكي يستكشف من الجو هذه المدينة التي سميت باسمه: مدينة زايد. أثناء إقامته القصيرة في مصر بذل الرئيس المصري جهداً مماثلاً للجهد الذي بذله الرئيس الصومالي سياد بري لإقناعه بالبقاء على رأس الإمارات لستُ أدري إن كان ما نُمِيَ إلى صحيحاً من أن زايد أجاب السادات بشيء من الدعابة قائلاً: «يا أخي،
    الفراعنة يحسبون أنفسهم خالدين، لا نحن البشر».
    أمر زايد الحرّاس أن يفتحوا أبواب القصر ويوزعوا المرطبات. ثم ترجل من السيارة وحيا الناس، منادياً بعضهم بأسمائهم. لم أفاجاً بذلك، فأنا أعلم أنه يتمتع بذاكرة بصرية
    مدهشة. بعد ساعة دخل إلى حجرته.
    في اليوم التالي، والبلاد كلُّها حابسة أنفاسها، حرّر رسالةً يشكر فيها بحرارة شعبه على ما أبداه من محبة له ومن عرفان. لكن حتى لو قرأنا ما بين السطور فلن نجد ما يوحي بتغير في الموقف. لم يبق إلا ثلاثة أشهر على الموعد المحتوم لنهاية ولايته الرئاسية ثلاثة أشهر والمشكلات التي سبقت مغادرته إلى الخارج لم تزل على حالها. لقد نوقشت في غيابه لكن لم يتم التوصل إلى أي حلّ.
    من محيط الشك انبثق يقين واحد، في الرابع عشر من سبتمبر أعلن الشيخ راشد رسمياً أنه لا يعتبر نفسه في أي حال من الأحوال خليفة لزايد إذا ما قرر الانسحاب. بالنسبة إليه لن
    يكون هناك خلاف أبداً.
    أسبوعاً بعد أسبوع كانت حبيبات الرمل تنساب في ساعة الزمن. واستمر زايد يتحمل مسؤولياته بكل طبيعية.
    في قلب الصحراء كان لقاؤنا.
    لم أعد أنا الشيخ زايد.
    لم يعد هو الشيخ راشد.
    كنا بدواً تحت شمس وهاجة.
    توجّهنا أنا والشيخ راشد نحو خيمة وجلسنا فيها. وحدنا.
    بلا شاهد. بدويان.
    رجلان صقلتهما قرون من العواصف وسكون الريح. بدأت الكلام مع كامل الاحترام الواجب لمن يكبرني في السِّنّ، مدركاً أن ما يجري هنا يشكل لحظة تاريخية. كلمته. وضعتُ حُلمي في راحة يده. تقبله، على الفور.
    أثناء صعودنا ممراً محفوفاً بالنخيل وزهور الخُبيزة أشار
    الشيخ راشد إلى واجهة قصره.

  • انظر أين نحن اليوم بعد ثماني سنوات. يا له من تغير !
    بعد أسبوع على عودته أعطى الضوء الأخضر لبناء مصنع للسماد في العين العين التي تحتل دائماً مكاناً مميزاً بين
    جوانحه.
    في التاسع والعشرين شهد الوضع المتأزم حتى ذلك الحين
    منعطفاً كبيراً.
    اجتمع المجلس الأعلى في قصر زعبيل في دبي وانتشرت شائعة مفادها أن هذا الاجتماع سيكون حاسماً. كانت البلاد
    كلها تترقب.
    أنا فارس لم أكن من ضمن المشاركين في ذلك الاجتماع، وبالتالي فأنا لا أعرف شيئاً من المناقشات التي
    دارت فيه. والمعلومات القليلة التي بحوزتي نُقلت إلي.
    في غضون ثلاث ساعات ونصف الساعة من النقاش كشف الفريقان عن كلّ المسائل التي تفرقهما وذلك في حضور مستشاريهما. عصراً سُجّل تقدم في المحادثات. عندئذ اقترح الشيخ زايد على الشيخ راشد أن يقوم بنزهة معه في حدائق القصر ما قاله الرجلان في تلك النزهة لن يعرفه
    أحد.
    في الثلاثين من سبتمبر أحيط علماً بأن آلاف الأشخاص يعتزمون تنظيم مسيرة دعماً له.
    أنا متأثر جداً، أعلن للمنظمين، لكن أرجوكم إلغاء المسيرة. لا تعرقلوا المفاوضات الجارية على مستوى المجلس
    الأعلى، صب صبراً. يجب ترك الوقت يفعل فعله. لا ينبغي ممارسة الضغط على الأنفس الحرّة. فأذعن منظمو المسيرة آسفين.
    في السابع والعشرين من أكتوبر سافر إلى الإسماعيلية، شمال شرق القاهرة لحضور افتتاح مدينة موّل هو بناءها. استقبله الرئيس السادات بمنتهى الحفاوة، وسط تهليل جمهور غفير حتى أن وزير الإسكان المصري لم يجد من وسيلة أخرى سوى دعوته إلى ركوب مروحية لكي يستكشف من الجو هذه المدينة التي سميت باسمه: مدينة زايد. أثناء إقامته القصيرة في مصر بذل الرئيس المصري جهداً مماثلاً للجهد الذي بذله الرئيس الصومالي سياد بري لإقناعه بالبقاء على رأس الإمارات لستُ أدري إن كان ما نُمِيَ إلى صحيحاً من أن زايد أجاب السادات بشيء من الدعابة قائلاً: «يا أخي،
    الفراعنة يحسبون أنفسهم خالدين، لا نحن البشر».

  • تغير يُرى على وجوهنا، سأكمل قريباً الثامنة والخمسين
    من العمر.

  • ما زلت شاباً، يا أخي زايد. عمري أربعة وستون عاماً. يُحكى دائماً عن أحلام الشباب وتطلعاتهم. أتدري ما قاله لي ولدي محمد من بضع سنوات؟ لم يكن قد أتم الثانية عشرة من عمره: «الراشدون لا وجود لهم. الرشد هو موقف. إننا لا تكفّ عن الركض وراء الأحلام التي راودتنا في الصغر».
    أعتقد أنه محق.
    أليس هذا ما فعلناه أنا وأنت قبل ثماني سنوات؟
    الركض وراء أحلامنا.
    الهواء
    سکت راشد ليأخذ نفساً عميقاً.
    أتشم هذا الأريج؟ نحن في أواخر نوفمبر وما زال
    عابقاً بروائح الصيف. نحمد الله على أننا نعيش على
    أرض مباركة.

  • وتستحق منا كل الحب.
    بل أكثر من الحبّ، تستحق التضحيات فجأة ركز -
    في قلب الصحراء كان لقاؤنا.
    لم أعد أنا الشيخ زايد.
    لم يعد هو الشيخ راشد.
    كنا بدواً تحت شمس وهاجة.
    توجّهنا أنا والشيخ راشد نحو خيمة وجلسنا فيها. وحدنا.
    بلا شاهد. بدويان.
    رجلان صقلتهما قرون من العواصف وسكون الريح. بدأت الكلام مع كامل الاحترام الواجب لمن يكبرني في السِّنّ، مدركاً أن ما يجري هنا يشكل لحظة تاريخية. كلمته. وضعتُ حُلمي في راحة يده. تقبله، على الفور.
    أثناء صعودنا ممراً محفوفاً بالنخيل وزهور الخُبيزة أشار
    الشيخ راشد إلى واجهة قصره.

  • انظر أين نحن اليوم بعد ثماني سنوات. يا له من تغير !
    عينيه في عيني وقال لي:

  • بين الإخوة لا يمكن أن يوجد خاسرون ورابحون. مد
    لي يدك، صافحني.
    صافحته.
    في تلك اللحظة أشرقت شمس جديدة على الإمارات.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Traffic Padding...

Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...

السلام عليكم ور...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...

يجمع نظام التكا...

يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...

نطاق البحث يركز...

نطاق البحث يركز هذا البحث على تحليل الأطر القانونية والمؤسساتية لعدالة الأحداث، مع دراسة النماذج الد...

نفيد بموجب هذا ...

نفيد بموجب هذا الملخص أنه بتاريخ 30/03/1433هـ، انتقل إلى رحمة الله تعالى المواطن/ صالح أحمد الفقيه، ...

العدل والمساواة...

العدل والمساواة بين الطفل واخواته : الشرح اكدت السنه النبويه المطهرة علي ضروره العدل والمساواة بين...

آملين تحقيق تطل...

آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...

Network archite...

Network architects and administrators must be able to show what their networks will look like. They ...

السيد وزير التر...

السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب. قدم السيد مح...

حقق المعمل المر...

حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...

رهف طفلة عمرها ...

رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...

قصة “سأتُعشى ال...

قصة “سأتُعشى الليلة” للكاتبة الفلسطينية سميرة عزام تحمل رؤية إنسانية ووطنية عميقة، حيث تسلط الضوء عل...