Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (45%)

وهنا تكمن المهمة الصعبة الملقاة على عاتق الجمهور. ثم يأتي بعد ذلك المخرج الذي يعد مسرحة هذا النص, وبما أن العرض المسرحي " ساحة تباينات لا بيانات, فإن المتفرج يحاول في زمن قياسي التركيب بين مختلف هذه العناصر التعبيرية ومطاردة المعاني. ومن الصعب جدا على المتفرج العادي أن يرى ويسمع وينظر إلى الشخوص ويتذكر جميع العلامات وكل الحركات في مرة واحدة. وهذا يعني أن " إعادة سميأة العرض تتطلب من المتفرج بناء معنى لكل علامة يتلقاها. كما انه يعود إلى المعنى المتضمن داخل الفكرة بعد العمل التحليلي للفرجة. ما دام كل تحليل يتطلب إعادة تجميع العلامات وبناء المجموعات. كما أن هناك علاقة جدلية ومرجعية بين العالم الخارجي –عالم التجربة والثقافة- والعالم المفترض المحدود داخل الفضاء المسرحي. فإن أوبر سفيلد تؤكد على شتى أنواع المتع التي يجنيها المتفرج من خلال متابعته للعروض المسرحية. فإنه بالنظر إلى كون العرض المسرحي تكثيفا لمختلف أنواع العلامات و بناء على كون العلامة المسرحية ذات طبيعة معقدة, وتتراوح بين الرمز و الكلمة و الأيقونة، و صار المسرح بالنسبة إليه فنا يوميا و مألوفا و ليس فنا طارئا و دخيلا على تربته الثقافية. ذلك أن رواد المسارح التجريبية والطليعية أحدثوا ثورة فنية زعزعت كل المفاهيم المسرحية التقليدية وأسسوا مسارح متمردة على الشعرية المسرحية الأرسطية. وتوزعت تصوراتهم بين الاندماج الكلي أو الجزئي للمتفرج, وبين عدم اندماجه أو احتفاظه بالمسافة اللازمة عن مجريات العرض ليتمكن من غربلة ونقد ما يقدم إليه. هو أن هذه المسارح اهتمت بشكل كبير بالجمهور باعتباره أحد الأطراف الأساسية المكونة لعملية التمسرح, وأولته مكانة مرموقة ان على مستوى التنظير أو على مستوى الممارسة. حيث انصب الاهتمام بشكل كبير على العين والصورة والجسد, ولم تعد للغة الحوارية الكلامية نفس الأهمية التي كانت تكتسيها مع المسارح الكلاسيكية. لهذا صار لزاما على المتفرج أن يطور إمكانياته وثقافته حتى تساير التطور النوعي الذي تعرفه المسارح التجريبية. وإلا فإن التواصل سيكون صعبا بين المرسلين والمتلقين. كما أنه حدد حتى الآثار النفسية والعقلية والجسدية التي تزامن أو تعقب عملية تلقي الفرجة. Jarry أعلن أرطو أن " المتفرج يذهب إلى المسرح من الآن فصاعدا وكأنه يقصد جراحا أو طبيب أسنان في نفس الحالة الفكرية. كونه يركز على أن المسرح ليس مكانا للتسلية وتمضية الوقت, بل هو قاعة كبرى للعمليات الجراحية التي تتم على مستويات متباينة ومختلفة, فالمتفرج إن لم يهتز ويتزعزع ويغلف بالحدث الدرامي نفسه, والدخول في المناطق السديمية لأنه يقترح عليه مسرحا مخالفا للمسارح السيكولوجية المبنية على الحوار الفارغ والكلام المجاني. ويقترح التعامل مع المتفرج مثل الثعابين التي تتأثر بالموسيقى وتنفعل وتتجاوب معها, لهذا فان المتفرج في مسرح القسوة يكون في الوسط في حين أن العرض يحيط به ". إن الترتيب الجديد للفضاء الذي يقترحه أرطو يخلق نوعا من الاتحاد و الالتحام بين الممثل والمتفرج حيث يتم هدم كل الحدود. وبهذا يصبح الجسد محور صنع الفرجة وتلقيها في نفس الآن. ذلك أن الشكل الدائري للفضاء الذي تعرض فيه الفرجة يجعل الممثلين يحيطون بالمتفرجين من زوايا مختلفة من القاعة. وهذا ما سيسهل عملية الاتصال والاندماج بين المرسلين والمتلقين " ويصبح المسرح إذن احتفالا جماعيا يشترك فيه الممثل والمتفرج بالتساوي ". يسعى مسرح القسوة إلى فرض نفسه كحدث وحيد عبر قوته ". فإن هناك من شبه الأثر الذي تخلفه فرجات مسرح القسوة بالتطهير الأرسطي, غير أن هناك اختلافا كبيرا بين هذا التطهير والتطهير الآرطي, لكن التطهير يعني ببساطة بالنسبة إليه الوعي بالقوى التي نحس بها جزئيا, بحيث لا تترتب عنها لا لذة ولا متعة, وهذا يعني أن مسرح القسوة يدعو إلى إعادة تشكيل الآفاق الإتتظارية للجمهور الذي تعود على استهلاك ما تقذف به المسارح الكلاسيكية المبتذلة. المسرح الفقير : المتفرج أساس التمسرح. Grotowsky أحد عمالقة التجريب المسرحي الذين عملوا على خلخلة الثوابت المسرحية الموروثة. وقد فطن بفضل ثقافته الواسعة والمتنوعة إلى إعادة النظر في مفهوم المسرح ومكانته ووظيفته. وكانت النتيجة التي تمخضت عنها أبحاثه هي ولادة ما سماه بالمسرح الفقير Théâtre Pauvre الذي يرتكز بشكل أساسي على الممثل دون أن يغفل الجمهور كذلك. أما باقي المكونات المسرحية الأخرى فيمكن الاستغناء عنها بما في ذلك النص المسرحي و الأدوات السينوغرافية. ذلك أن " قبول فقر المسرح و تعريته من كل شيء يعيده إلى أصوله و منابعه الأولى ". فإن السبيل إلى بلوغ هذا المرمى في نظر غروتوفسكي هو إفقار المسرح من كل المؤثثات و الديكورات والمكملات التي أعطته وجها غير وجهه الحقيقي. و التركيز فقط على العلاقة الجدلية بين الممثل والمتفرج في تحقيق التمسرح. كما يتمتع المتفرج من ناحية أخرى بهذا الألم الذي يتلقاه لأنه يعني بالنسبة إليه اكتشاف القوى العميقة و تحررا من كل ما يمكن أن يخنقه". و قد فرضت جمالية المسرح الفقير فضاءا مسرحيا مغايرا للعلبة الإيطالية. و من أجل الدفع بالمتفرج إلى الاندماج التام في الأحداث ومشاركته الوجدانية للمثلين, يقول غروتوفسكي : " لهذا يجب القضاء على البعد بين الممثلين والجمهور بحذف المنصة وإزالة كل الحدود . دع أعنف منظر يحدث وجها لوجه المشاهد على بعد ذراع من الممثل, ولعل وجود الممثلين إلى جانب المتفرجين هو ما سيخلق ذلك الانصهار والالتحام الذي سيساهم بالضرورة في طقوسية العرض وإكسابه طابع الافتتان و السحر. ويذهب بيتر بروك Peter Broock إلى أن تقديم غروتوفسكي لعروضه أمام ثلاثين مشاهدا فقط هو اختيار مقصود " فهو مقتنع أن المشاكل التي يواجهها الممثل أصعب من أن تسمح بالتفكير في جمهور أكثر عددا ". و عندما يتحول المتفرج من عنصر منفعل إلى عنصر فاعل، يهمنا المشاهد الذي لديه احتياجات روحية أصيلة و الذي يريد تحليل نفسه عن طريق المجابهة مع عرض مسرحي". ووعيه بأهمية المسرح في تطهير الروح وإكسابها طاقة حيوية جديدة. لأن من شأن ذلك أيضا إثارة الانتباه إلى العلاقة الجدلية بينه و بين الروح لخلق توازن و تكافؤ على كافة المستويات.


Original text

وهنا تكمن المهمة الصعبة الملقاة على عاتق الجمهور. ذلك أن فهم وتأويل أي عمل مفتوح يمر عبر المؤلف الذي يشحنه بتصوره الشخصي المسكون بتجربته وزوايا نظره ورؤيته للعالم. ثم يأتي بعد ذلك المخرج الذي يعد مسرحة هذا النص, ليقذف به إلى الممثل سيد الخشبة ليضع عليه بصماته الخاصة. وليصل في آخر محطة إلى الجمهور الذي يتلقاه بآفاق انتظارية مختلفة تختلف باختلاف المستويات السوسيوثقافية للمتفرجين. وبما أن العرض المسرحي " ساحة تباينات لا بيانات, ساحة تفجير لمعان لا حصر لها ", ومرتع لتعدد العلامات السمعية والمرئية , فإن المتفرج يحاول في زمن قياسي التركيب بين مختلف هذه العناصر التعبيرية ومطاردة المعاني.
ومن الصعب جدا على المتفرج العادي أن يرى ويسمع وينظر إلى الشخوص ويتذكر جميع العلامات وكل الحركات في مرة واحدة. وهذا يعني أن " إعادة سميأة العرض تتطلب من المتفرج بناء معنى لكل علامة يتلقاها. كما انه يعود إلى المعنى المتضمن داخل الفكرة بعد العمل التحليلي للفرجة... ما دام كل تحليل يتطلب إعادة تجميع العلامات وبناء المجموعات..." .
كما أن هناك علاقة جدلية ومرجعية بين العالم الخارجي –عالم التجربة والثقافة- والعالم المفترض المحدود داخل الفضاء المسرحي. وهو ما يجعل المتفرج يتوزع بين الواقع والمتخيل, ويحاول قدر الإمكان مقارنة ما يراه على الخشبة بعالمه اليومي الذي يتحرك داخله بصورة مطردة و يعيش حياته بتلويناتها و تشعباتها.
و من المؤكد أن المشاهدة المسرحية تحقق الفائدة لدى المتفرج، كما أنها أيضا تحقق لديه المتعة Le plaisir. و إذا كان رولان بارت يتحدث عن " لذة القراءة "، فإن أوبر سفيلد تؤكد على شتى أنواع المتع التي يجنيها المتفرج من خلال متابعته للعروض المسرحية. فهناك "لذة المشاركة و لذة السخرية و لذة الفهم....و لذة الضحك و البكاء، ولذة الحلم والمعرفة و اللعب و المعانات .... و يمكن الاستطراد في لعبة الثنائيات الضدية إلى ما لا نهاية له ".
و بالجملة، فإنه بالنظر إلى كون العرض المسرحي تكثيفا لمختلف أنواع العلامات و بناء على كون العلامة المسرحية ذات طبيعة معقدة, وتتراوح بين الرمز و الكلمة و الأيقونة،و الإشارة و الصرخة والصمت ... فإنه من الواجب أيضا تعليم المتفرج كيفية المشاهدة حتى يكون متفرجا إيجابيا و فاعلا. و لن يتأتى ذلك طبعا إلا إذا تشبع هذا المتفرج المفترض بثقافة مسرحية، و صار المسرح بالنسبة إليه فنا يوميا و مألوفا و ليس فنا طارئا و دخيلا على تربته الثقافية.


3 - دور الجمهور في المسارح التجريبية الحديثة:
إن نظرة المسارح التجريبية إلى الجمهور تختلف باختلاف التصورات الفكرية والجمالية لأصحابها. ذلك أن رواد المسارح التجريبية والطليعية أحدثوا ثورة فنية زعزعت كل المفاهيم المسرحية التقليدية وأسسوا مسارح متمردة على الشعرية المسرحية الأرسطية. وبذلك أعادوا النظر في التطهير الأرسطي, وتوزعت تصوراتهم بين الاندماج الكلي أو الجزئي للمتفرج, وبين عدم اندماجه أو احتفاظه بالمسافة اللازمة عن مجريات العرض ليتمكن من غربلة ونقد ما يقدم إليه. غير أن ما بنيغي التأكيد عليه, هو أن هذه المسارح اهتمت بشكل كبير بالجمهور باعتباره أحد الأطراف الأساسية المكونة لعملية التمسرح, وأولته مكانة مرموقة ان على مستوى التنظير أو على مستوى الممارسة. وصارت المشاهدة والتلقي ركنا أساسيا من أركان المسرح الحديث, حيث انصب الاهتمام بشكل كبير على العين والصورة والجسد, ولم تعد للغة الحوارية الكلامية نفس الأهمية التي كانت تكتسيها مع المسارح الكلاسيكية. لهذا صار لزاما على المتفرج أن يطور إمكانياته وثقافته حتى تساير التطور النوعي الذي تعرفه المسارح التجريبية. وإلا فإن التواصل سيكون صعبا بين المرسلين والمتلقين. ويهمنا في هذا الإطار أن نقف عند ثلاثة نماذج أساسية هي : مسرح القسوة والمسرح الملحمي والمسرح الفقير.


3-1: مسرح القسوة : جسد المتفرج محور التلقي.
أولى أنطونان أرطوA.Artaud للمتفرج في مسرح القسوة أهمية محورية حيث جعل منه بؤرة توتر يدور حولها الحدث, كما أنه حدد حتى الآثار النفسية والعقلية والجسدية التي تزامن أو تعقب عملية تلقي الفرجة. فمنذ مسرح الفريد جاري A.Jarry أعلن أرطو أن " المتفرج يذهب إلى المسرح من الآن فصاعدا وكأنه يقصد جراحا أو طبيب أسنان في نفس الحالة الفكرية. فكرة أنه لن يموت طبعا ولكنه يعي أن الأمر خطير, وأنه لن يخرج من العملية سليما. ونحن إن لم نتوصل إلى إصابته بأخطر ما يمكن فإننا سنكون دون مسؤولياتنا وعملنا, يجب أن يعلم أنه باستطاعتنا جعله يصرخ ".
إن هذا التشبيه لا يخلو من بلاغة معنوية, كونه يركز على أن المسرح ليس مكانا للتسلية وتمضية الوقت, بل هو قاعة كبرى للعمليات الجراحية التي تتم على مستويات متباينة ومختلفة, فالمتفرج إن لم يهتز ويتزعزع ويغلف بالحدث الدرامي نفسه, ويشعر بالقسوة الكونية, فإن الفرجة الأرطية ستكون قد أخطأت هدفها.
يطلب أرطو من المتفرج أن يقبل بالسير خارج حدود اليومي, والدخول في المناطق السديمية لأنه يقترح عليه مسرحا مخالفا للمسارح السيكولوجية المبنية على الحوار الفارغ والكلام المجاني. ويقترح التعامل مع المتفرج مثل الثعابين التي تتأثر بالموسيقى وتنفعل وتتجاوب معها, يقول موضحا ذلك : " أقترح التعامل مع المتفرجين مثل الثعابين التي نسحرها, ونعيدها عن طريق الجسد إلى المفاهيم الأكثر حذقا... لهذا فان المتفرج في مسرح القسوة يكون في الوسط في حين أن العرض يحيط به ".
إن الترتيب الجديد للفضاء الذي يقترحه أرطو يخلق نوعا من الاتحاد و الالتحام بين الممثل والمتفرج حيث يتم هدم كل الحدود. وبهذا يصبح الجسد محور صنع الفرجة وتلقيها في نفس الآن. فوجود المتفرج في قلب الأحداث من خلال حذف الخشبة يجعله هو الآخر ممثلا بامتياز, إذ لا يوجد أي حاجز يفصل بينه وبين المثلين.
يجب على المتفرج إذن أن ينخرط في اللعب المسرحي وألا يبقى كدمية تطل من برج عاجي على مجريات الأحداث دون أن تكون له اليد الطولى في إثراء الفرجة من زوايا مختلفة, ذلك أن الشكل الدائري للفضاء الذي تعرض فيه الفرجة يجعل الممثلين يحيطون بالمتفرجين من زوايا مختلفة من القاعة. وهذا ما سيسهل عملية الاتصال والاندماج بين المرسلين والمتلقين " ويصبح المسرح إذن احتفالا جماعيا يشترك فيه الممثل والمتفرج بالتساوي ".
ولا يركز أرطو على تقديم مجموعة من المعلومات والمعارف للمتفرج بقدر ما يستهدف زعزعة عقله وتفكيره والدفع به إلى حالة الجدبة La transe حيث يجد السحر والهذيان مكانا له, وينتفي دور العقل والمنطق ويغدو المسرح وكأنه عيادة استشفائية من الأمراض والأسقام الكونية الفجة. يقول جون جاك روبين J.J..Roubine " افترض المسرح الآرطي جعل المتفرج في حالة جذبة, وفي الوقت الذي يستلزم فيه حتى مفهوم الطقس طقوسية ما هو احتفالي... يسعى مسرح القسوة إلى فرض نفسه كحدث وحيد عبر قوته ".


و إذا كان برتولد بريشت يستهدف تثوير الواقع بغية تغييره من خلال استراتيجية التلقي التي يقترحها بالدفع بالمتفرج نحو اكتساب ثقافة ثورية راديكالية مناهضة للبورجوازية, فإن هناك من شبه الأثر الذي تخلفه فرجات مسرح القسوة بالتطهير الأرسطي, غير أن هناك اختلافا كبيرا بين هذا التطهير والتطهير الآرطي, وهو ما يوضحه فرانكوطونيلي F.Tonelli بقوله : "إن الظاهرة التطهيرية بالنسبة لأرطو ليس هدفها تحرير المتفرج من بعض الانفعالات الأساسية كالخوف والشفقة, لكن التطهير يعني ببساطة بالنسبة إليه الوعي بالقوى التي نحس بها جزئيا, واكتشاف أنا جماعية, هي بداية في حد ذاتها ".


ويذهب أرطو كذلك إلى أن المسرح يجب أن ينتج التراجيديا في أصفى حالاتها, بحيث لا تترتب عنها لا لذة ولا متعة, ولكن فقط الألم والقلق والقسوة. وهذا يعني أن مسرح القسوة يدعو إلى إعادة تشكيل الآفاق الإتتظارية للجمهور الذي تعود على استهلاك ما تقذف به المسارح الكلاسيكية المبتذلة.
المسرح الفقير : المتفرج أساس التمسرح.
يعد جيرزي غروتوفسكي G.Grotowsky أحد عمالقة التجريب المسرحي الذين عملوا على خلخلة الثوابت المسرحية الموروثة. وقد فطن بفضل ثقافته الواسعة والمتنوعة إلى إعادة النظر في مفهوم المسرح ومكانته ووظيفته. وكانت النتيجة التي تمخضت عنها أبحاثه هي ولادة ما سماه بالمسرح الفقير Théâtre Pauvre الذي يرتكز بشكل أساسي على الممثل دون أن يغفل الجمهور كذلك. أما باقي المكونات المسرحية الأخرى فيمكن الاستغناء عنها بما في ذلك النص المسرحي و الأدوات السينوغرافية. ذلك أن " قبول فقر المسرح و تعريته من كل شيء يعيده إلى أصوله و منابعه الأولى ".
و ما دام أن العودة إلى الأصول مطلب كبار المسرحيين الطليعيين، فإن السبيل إلى بلوغ هذا المرمى في نظر غروتوفسكي هو إفقار المسرح من كل المؤثثات و الديكورات والمكملات التي أعطته وجها غير وجهه الحقيقي. و التركيز فقط على العلاقة الجدلية بين الممثل والمتفرج في تحقيق التمسرح. و يرى كريستيان جيلو أن هذه العلاقة في المسرح الفقير هي علاقة مادية- مازوشية، حيث يعاني الممثل من جهة من ألمه الخاص و يتمتع بفعاليته، كما يتمتع المتفرج من ناحية أخرى بهذا الألم الذي يتلقاه لأنه يعني بالنسبة إليه اكتشاف القوى العميقة و تحررا من كل ما يمكن أن يخنقه".
و قد فرضت جمالية المسرح الفقير فضاءا مسرحيا مغايرا للعلبة الإيطالية. في هذا الإطار، و من أجل الدفع بالمتفرج إلى الاندماج التام في الأحداث ومشاركته الوجدانية للمثلين, دعا غروتوفسكي الى إقامة عروضه المسرحية داخل حجرة عادية لا يتم الفصل فيها بين المرسلين والمتلقين لكي يتحقق ذلك التواصل الحميمي المباشر بين الطرفين دون حاجز او مانع. يقول غروتوفسكي : " لهذا يجب القضاء على البعد بين الممثلين والجمهور بحذف المنصة وإزالة كل الحدود . دع أعنف منظر يحدث وجها لوجه المشاهد على بعد ذراع من الممثل, ويستطيع أن يحس بأنفاسه ويشم عرقه, ويقتضي هذا ضمنا الحاجة إلى مسرح حجرة".
لم يعد هناك وجود لمفهوم الخشبة La scène ما دام أن اللعب يتم داخل حجرة. ولعل وجود الممثلين إلى جانب المتفرجين هو ما سيخلق ذلك الانصهار والالتحام الذي سيساهم بالضرورة في طقوسية العرض وإكسابه طابع الافتتان و السحر. ويذهب بيتر بروك Peter Broock إلى أن تقديم غروتوفسكي لعروضه أمام ثلاثين مشاهدا فقط هو اختيار مقصود " فهو مقتنع أن المشاكل التي يواجهها الممثل أصعب من أن تسمح بالتفكير في جمهور أكثر عددا ".
إن الشرط الذي بموجبه يمكن إشراك أي شخص كمتفرج في مسرح غروتوفسكي هو ذلك الاستعداد القبلي لمعايشة الطقس المسرحي و الكشف الذي يترتب عنه. و عندما يتحول المتفرج من عنصر منفعل إلى عنصر فاعل، فإن هذا يعني البحث عن صيغ جديدة للتلقي و المشاركة. غير أن المسرح الفقير رغم ذلك يظل مسرحا يبحث عن الصفوة. يقول غروتوفسكي :"نحن لا نقدم تسلية لشخص يذهب إلى المسرح لسد حاجة اجتماعية تقتضي الاحتكاك بالثقافة .. يهمنا المشاهد الذي لديه احتياجات روحية أصيلة و الذي يريد تحليل نفسه عن طريق المجابهة مع عرض مسرحي".
ولا يمكن للمشاهد أن يبلغ هذا المستوى إلا إذا كان يشعر حقا بالحاجة إلى ضرورة اندماجه اللامشروط داخل العرض المسرحي، ووعيه بأهمية المسرح في تطهير الروح وإكسابها طاقة حيوية جديدة. و كذا انخراطه داخل هذا النسيج المركب، لأن من شأن ذلك أيضا إثارة الانتباه إلى العلاقة الجدلية بينه و بين الروح لخلق توازن و تكافؤ على كافة المستويات.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

يظهر البحث الحا...

يظهر البحث الحالي أن مستخدمي الإنترنت في الأردن يتزايد على المستوى المعلوماتي للحكومة الإلكترونية. و...

جرائم معالجنحي ...

جرائم معالجنحي التلبسي عدد ،73831/85 على أساس الفصل 521 من ق.ج المتعلق بالاختلاس العمدي لقوى كهربائ...

يكمن هدف التدري...

يكمن هدف التدريس في تحقيق النموّ في الجانب المعرفيّ، والجانب النفسيّ، والحركي، والوجدانيّ للفرد، وتم...

نشاط : مشاركة ا...

نشاط : مشاركة المرأة في الاحزاب السياسية. اختر أحد الأحزاب السياسية التي ترغب في الانضمام إليها أو ...

in their state ...

in their state of language acquisition. If they use the plural marker and answer “wugs”, which is pr...

ثانياً: الدولة ...

ثانياً: الدولة والمجتمع المدني: علاقات التكامل: لاشك أن فهم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني على أ...

Caitlin Clark G...

Caitlin Clark Gets New Nickname From Stephen A. Smith Amid WNBA Hype.Numbers don't lie, which is why...

- دعت باكستان ط...

- دعت باكستان طاجيكستان لاستخدام ميناء كراتشي لتجارة الترانزيت حيث اتفق البلدان على تعزيز التعاون، و...

كانت العلاقة بي...

كانت العلاقة بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى جيدة في القرن التاسع عشر، ولكن في أوائل الق...

سبق وأن قام وال...

سبق وأن قام والدي المؤرخ المرحوم (عبدالرحمن بن سليمان الرويشد) بتكليف من الأمير المرحوم فهد بن محمد ...

في علم النفس كا...

في علم النفس كان هناك صراع بين التحليل النفسي و العلاج السلوكي، حيث ركز كلاهما على البؤس والصراع، مع...

وأعظم الأسباب ل...

وأعظم الأسباب لذلك وأصلها وأسها هو الإيمان والعمل الصالح، قال تعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَ...