Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

(Using the AI)

تروي هذه المقتطفات رحلة الكاتب إلى باكستان، حيث التقى بالرئيس بوتو، وناقشهما في "الاشتراكية الإسلامية". ثم توجه الكاتب إلى رحيم يارخان، برفقة أستاذ جامعي، لرؤية صقور غولستان، واكتشف المدينة الفقيرة المتضررة من إعصار مدمر. أعجبته روعة المنطقة الطبيعية وتاريخها العريق، ممثلاً بقلعة دروار. قرر الكاتب مساعدة باكستان عبر بناء مطار، مستشفى، ومدرسة، وإعادة توطين ظباء الشينكارا. ثم يصف الكاتب انقلابًا في الشارقة وتدخلًا عسكريًا لحفظ الأمن، متحدثًا عن حلمه بتوحيد الإمارات. يختتم بوصف حرب أكتوبر 1973، وموقفه الداعم لمصر وسوريا، ومساعداته المالية والعينية لهما، معرباً عن غضبه من الخيانة الإيرانية وإصراره على منع الصيد الجائر لحماية البيئة، وختاماً، بإصدار عملة موحدة للإمارات.


Original text

لكن يجدر القول إن إسلام آباد مدينة مُحيّرة حيث الشوارع والجادّات تكاد تسحقها الحرارة وتجمع حروف الأبجدية بمعنى لا يعرفه أحد سواها.
مساء اليوم الذي وصلت فيه أقيم حفل عشاء رسمي تكريماً لي. على الرغم من الطابع الاحتفالي لهذا العشاء كان ثمة تباين مع الجوّ المتكلّف في ولائم قصر باكنغهام.
حلّ لحم الغنم محلّ السلمون، والبرياني محلّ التفّاح البريّ، ومحل الملابس الإنجليزية الرسمية، حل الشوريداره، الأنيق
ذو الألوان الزاهية.
كان معي نشيبي الذي لا يفارقني. جلست إلى يمين الرئيس ذو الفقار علي بوتو. حدثني بحماسة عن الآمال التي يرجو تحقيقها لبلاده. كان بصدد تطبيق ما أسماه «الاشتراكية الإسلامية» معتبراً أن تعاليم الإسلام متلائمة مع مبدأي المساواة وإعادة توزيع الثروات. ولتحقيق هذا الهدف يعتزم القيام بسلسلة طويلة من التأميمات ابتداء بالبنوك والقطاع الصناعي.
شخصياً كنت لا أشاطره وجهة النظر هذه فأنا بقدر ما أرى
Smoking (1)
زي تقليدي مؤلف من بنطال فوقه قميص ، )أن إعادة توزيع الثروات وتطبيق مبدأ الزكاة أمر ضروري، لا بل حيوي، أرفض مصادرة الملكية الخاصة، غير أنني أحترم وجهة نظره. ذكّرني بأننا لا ننتمي إلى دين واحد فحسب بل إن دولتينا متشابهتان من حيث إنهما حديثتا الولادة؛ فقبل خمس وعشرين سنة لم تكن العاصمة الباكستانية موجودة ولم يكن فيها سوى الأعشاب الضارّة ترعاها الجمال الجائعة.
كان مُحقّاً. لكن كيف ننسى أننا كنا في وادي السِّند ملتقى الحضارات العالمية منذ فجر التاريخ؟
في لحظة ما خاطبني رجل كان يجلس قُبالتي. لفتني فيه وجه فَتيّ أسيل يخفي عمره الذي قدّرته بحوالي أربعين عاماً.



  • سموّك، اسمح لي أن أقدّم نفسي، أنا محسن شابير، أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة القائد الأعظم.
    حيّيثُه واضعاً يدي على صدري وانتظرت التتمة.

  • سمعت أنك تهوى صيد الصقر. وهو شغفي أنا أيضاً.
    في صحراء غولستان في البنجاب مكان مشهور بالحُبارى لكونه إحدى المحطات الإلزامية في هجرتها. هناك أيضا أروع الصقور.التمتعت عيناي. ما إن تُذكر هذه الكلمة حتى تستيقظ حواسي كلها.

  • ما اسم ذلك المكان؟

  • رحيم يارخان.
    التفتُ على الفور نحو مضيفي.

  • سيادة الرئيس، بعد إذنك، هل يمكنني الذهاب إلى هناك؟
    كبحَ علي بوتو انتفاضة ذعر صغيرة.

  • لكن، يا صاحب السموّ، قال لي، لسنا في فصل الصيد الذي يبدأ في أكتوبر وينتهي في مارس، ونحن الآن في يناير.

  • لا يهمّ، إن كنتُ قد فهمت جيداً يوجد هناك أجمل
    الصقور.

  • لكن المسافة بين إسلام آباد ورحيم يارخان زُهاء
    نسعمائة كيلومتر.

  • ساعة بالطائرة. لا شيء بدا الضيق على مُحَيّا الرئيس.

  • أنا مُحرَج حقاً. لا يوجد مطار في رحيم يارخان. ولا مكن الوصول إليها إلا بَرا والطريق سيئة جداً.

  • لعلّك تُعيرني سيارة لاندروفر وبعض الخِيَم؟

  • نعم، لكن المسافة تسعمائة كيلومتر، يا صاحب السموّ.

  • أنت تكلّم بدوياً، سيادة الرئيس، عندما تقطع كيلومترات على ظهر الجمل تحت شمس حارقة ما قيمة بضع ساعات في السيارة؟
    لبث بضع ثوان قبل أن يجيب:

  • موافق. سوف نقدّم لكم المؤن والماء وكل المعدّات الضرورية. لكن لا بد من حراس يرافقونكم.
    لم أُحبّذ يوماً وجود حرّاس. الحياة والموت بيد العلي القدير يوزّعهما بمشيئته. لكن هنا لا خيار لي. وافقت.
    أشرت بإصبعي إلى الأستاذ:

  • هل تعرف المنطقة جيداً، دكتور شابير؟ولدتُ فيها.

  • إذن، لعلّك تقبل أن تكون دليلنا.

  • هذا شرف لي، سموك.
    ألقيت نظرة خاطفة على نشيبي. بدا المسكين مذعوراً.
    بعد ثمان وأربعين ساعة، مع خيوط الفجر الأولى، بدأنا المسير يرافقنا موكب عسكري اختيرت عناصره بدقّة، ولا شك في أن من بينهم أفراداً من الحرس الشخصي للرئيس بوتو .
    كانت الرحلة رائعة.
    بين الفَينة والفَينة كان المشهد الطبيعي يتغيّر، بيداء، أجمات صمغية، نباتات مدارية، جبال قاحلة وعِرَة بألوان لمغرة الحمراء. ومن حين إلى حين تظهر فجأة عند منعطف بيوت صغيرة مبنية بالآجُرٌ. أكواخ. قافلة جمال تسير وسط زوابع رملية ملتفّة. وكلما اقتربنا من غولستان أصبحت الأرض أكثر وعورة. لا أذكر متى رأينا بناء ضخماً وصلباً مؤلفاً من نحو أربعين موقعاً محصّناً على ارتفاع حوالي ثلاثين متراً.- هذه قلعة دروار، أوضح لي الأستاذ شابير، تحتوي على قبور أمراء مدينة باها ولبور، ولا يُعرف عُمرها. يؤكد بعضهم أنها بُنيت قبل أكثر من قرنين. فرادة هذه القلعة أنها بُنيت بآلاف مؤلفة من قطع القرميد الصغيرة التي تم نقلها بواسطة سلسلة بشرية انطلاقاً من مدينة أوش شريف على مسافة عشرات الكيلومترات. كان الرجال يمرّرون قطع القرميد باليد من أحدهم إلى الآخر على مدى أيام وأيام.
    فكّرت: «لقد وهب اللّه الإنسان قدرات لامتناهية. يمكنه في الوقت ذاته أن يسير على القمر بواسطة التكنولوجيا الأكثر تطوراً، وأن يُشيّد مباني رائعة بأيدٍ عارِيَة».
    عندما وصلنا إلى رحيم يارخان كانت الشمس تغيب وراء الكثبان. صُدِمتُ على الفور بجلبة عربات «التوكتوك» والدراجات النارية التي تسير في الشوارع سيراً مُتعرّجاً، والشاحنات المزينة بكثافة حتى لكأنها لوحات فنيّة على أربع عجلات. بدت لي المدينة فقيرة جداً ومن دون بنية تحتية أساسية. أمام البيوت تُرى نسوة منهمكات بالطبخ على نار الخشب، أو تطريز بياضات منزلية. وثمة رجال مسنّون يستلقون على أسِرّة من أطر خشبية طُرحت عليها فُرش ميدانيةأمام مراوح التهوية للتخفيف من حرارة الجو. هنا وهناك أطفال يلهون على عتبات المنازل بلَعَب خشبية. وأكثر ما استرعى انتباهي كثرة المباني المهدّمة وكأنها تعرّضت لعاصفة مدمرة. كنت أقرب إلى الحقيقة مما تصوّرت.
    عندما نقلت انطباعي إلى الدكتور شابير قال:

  • منذ سنتين اجتاح إعصار مداريّ المنطقة وأحدث أضراراً هائلة وخلّف وراءه نحو نصف مليون ضحية، وأصبحت المدينة أكثر فقراً وحرماناً من أي وقت مضى. إن لم نُعانٍ من الأعاصير نابت عنها الأمطار الغزيرة التي تَحدِث فياضات. نهر السند قُلْبٌ لا تؤمَن مفاجآته.

  • أنتم بحاجة إلى مطار قبل كلّ شيء.

  • بالتأكيد.

  • هل عندكم مستشفيات؟

  • مستشفى وحيد، لكنه قديم ويفتقر إلى التجهيزات.
    والعديد من المنازل لا تصلها مياه الشرب.
    نصبنا الخيام على أطراف المدينة وأشعلنا نار المخيّم.بدت كثبان غولستان قريبة جداً. أظن أنني لم أنم نوماً عميقاً كما نمت تلك الليلة. لكن حال نشيبي لم تكن كذلك فهو لم يعتد النوم في سرير مخيّم على الأرض. غير أنه تحمّل البلاء سكينة.
    في اليوم التالي اصطحبني الدكتور شابير لزيارة بعض مُروّضي الصقور. كنا لا نزال على مسافة مائة متر تقريباً من المكان المقصود عندما تعرّفت إلى صيحة الذكور المبهورة والمرتفعة وزعيق الإناث الصارّ والأبحّ. وعندما اقتربنا منها ذُهلتُ: قلّما رأيت صقوراً بمثل هذا الجَمال. وأول ما تبادر إلى ذهني هو أن أمتلك بعضها لآخذه إلى بلادي. لكن ذلك مستحيل، لأنها لن تتحمّل الرحلة، فضلا عن أن فصلها عن مروّضيها لا معنى له.

  • كما قلت لكم، قال الدكتور شابير، ستجدون صعوبة إن أردتم الصيد في هذا الفصل.

  • لا بأس، سوف أعود. لكن في هذه الأثناء لا شيء يمنعنا من المحاولة بعد أن قطعنا كل هذه المسافة.
    بعد ساعة كنا نجتاز حدود غولستان برفقة اثنين منمروّضي الصقور.
    للأسف، بعد أن قضينا أربع ساعات في ترصّد الحبارى عدنا بخُفّي حُنين.
    في طريق العودة كانت مسألة تُلهب شفتيّ.

  • احرصوا على حفظ الحبارى! الطبيعة هشّة. والإسراف في قتل هذه الطيور يهدّد بانقراضها. يجب إقامة محميّات تسرح فيها، مثل محميات الظباء والبقر الوحشي. لقد منعتُ صطيادها. هل تعلم الحافز الذي دفعني إلى اتخاذ قراري؟ ذات يوم كنتُ ألاحق مجموعة من الظباء. اقتفيت آثارها، وانتهى بي الأمر إلى تحديد موقعها وبدأت إطلاق النار. بعد ثلاث ساعات توقفت لكي أتفقّد حصيلة الصيد وتبيّن لي أنني قتلت أربعة عشر ظبياً. تأمّلت في الأمر طويلاً وأدركتُ أن صيد الظباء بالبندقية هو أسرع وسيلة للتسبّب بانقراضها.
    أطلق الدكتور شابير تنهيدة.

  • ما أحسن ما قلت. هذا التهديد الذي أشرت إليه يطاول حالياً ظباءنا الشينكارا. إن لم نفعل شيئا فسوف تختفي.عندما عدنا إلى إسلام آباد كنت قد اتخذت قراري. عليّ أن أساعد هذه البلاد. في البداية عرضت على الرئيس بوتو إنشاء مطار في رحيم يارخان، ومستشفى حديثا، ومدرسة.
    وتعهّدت بإعادة توطين ظباء الشينكارا في غولستان. كما أنني قدّمت عدة ملايين من الدولارات كهبة. ومنذ ذلك الحين أصبحت باكستان بمنزلة وطني الثاني، ومن واجبي أن أساعدها ما استطعت. أوَ لم أعلن ذات يوم لثيسيغر: «إذا ما توليت الحكم يوماً ما فسوف أكرّس كل جهدي وما أنعم عليّ اللّه به من قدرة لكي أُسمع العالم كله صوت الشعوب لمتطلّعة إلى الحرية وأساعدها على العيش بأمان وسكينة.
    سوف أمدّ يدَ العون للبلدان السائرة في طريق النموّ والتي تبذل قُصارى جهدها لإبعاد شبح الحرب». حان الوقت لأقرن
    القول بالفعل".
    لم تكد تمضي ثلاثة أيام على عودتي من باكستان حتى بلغنا في الرابع والعشرين من يناير 1972 أن انقلاباً أطاح



  1. فِي السنوات التالية أُرسلت إلى غولستان 300 ظبي شينكارا وألفا حُبارى شهت ثلاثة مراكز للدراسات الإسلامية فى كراتشي ولاهور والبنجار شقت طريق إسفلتية في منطقة خازان الحبلية. وشُيدت مساجد، ومدارس كلية طبّ ومستشفى في رحيم يارحان، بالإضافة إلى مجمع استشغالي، من لمن الإنجازات الكثيرة التى استفادت منها باكستانحاكم الشارقة الشيخ خالد. كان علينا أن نتصرّف بسرعة.
    فور علمنا بالنبأ قرّرنا التدخل عسكرياً. وفي بضع ساعات استتبّ الأمن مجدداً واعتُقل المسؤول عن التمرّد. غير أن ما يدعو إلى الأسف هو مقتل الشيخ خالد أثناء الاشتباكات من دون معرفة ظروف الحادث. لكن أخاه الشيخ سلطان لم بصب بأذى، وللَّه الحمد، فورث منصبه، وهو جدير بذلك.
    كنت أعرف الرجل. كان ذكياً ألمعياً ومهندساً زراعياً تخرّج حديثاً من جامعة القاهرة، ومثقفاً رفيع المستوى، عارفاً بتاريخ الحضارات. ولا شك في أن توليه الحكم في الشارقة سيكون مدعاة للطمأنينة. التقطت أنفاسي. ثمة انفراج في هذا الوضع لمتقلّب: في العاشر من فبراير 1972 قرّر حاكم رأس الخيمة الذي كان متحفظاً في البدء أن ينضمّ إلى اتحادنا.
    عُدنا سبعة مجدداً.
    السبعة رقم له أسراره.
    تماماً كعجائب الدنيا السبع، والقارّات السبع، والسموات
    السبع.
    من باب المصادفة أيضاً أن يكون عدد الأودية التي يذكرهاالشاعر الكبير فريد الدين العطار في «منطق الطّير» سبعة:
    الأول وادي الطلب.
    الثاني وادي العِشق.
    الثالث وادي العرفان.
    الرابع وادي الاستغناء.
    الخامس وادي التوحيد.
    السادس وادي الخَيرة.
    السابع وادي الفقر والفناء.
    لكن هل ثمة مصادفة؟ على أي حال، كنت أرى أن هذا الرقم حافل بالآمال.
    أكتوبر 1973.منذ أسبوع وعيناي لا تحيدان عن شاشة التلفزيون.
    في السادس من أكتوبر، الساعة 14، بدأ الجيشان المصري والسوري الهجوم. لم يكن التوقيت اعتباطياً. كان هذا اليوم العاشر من شهر تشري، في التقويم العبري، ويوم الغفران*. وهو مناسبة تحظى باحترام شديد لدى اليهود بمن فيهم غالبية العلمانيين. في هذا اليوم تُشلّ الحياة في إسرائيل، وتُعلّق البرامج التلفزيونية، ويتوقف النقل العام، وتغلق المتاجر أبوابها. تلك هي اللحظة المثالية التي اختارها الرئيس أنور السادات لإطلاق عملية بدر.
    طوال الأسبوع السابق تكثفت التدريبات العسكرية المصرية على الضفة الغربية لقناة السويس. ولوحظ تحرّك قوات سورية على جبهة الجولان. وعلى الرغم من هذه لمؤشرات المنذرة استبعدت حكومة غولدا مائير إمكانية لهجوم. كانت مخطئة
    في أقلّ من نصف ساعة انصبّ سيل هائل من القذائف
    Tishri (1)
    (2) يوم كيبور.على خط الدفاع الإسرائيلي المعروف بخط بارليف. في
    الوقت نفسه اجتازت أول فرقة مدرّعات مصرية القناة. بعد
    ساعة وربع الساعة من بدء الهجوم تمّ تدمير خط بارليف.
    كانت هذه المرّة الأولى التي يذوق فيها تساهال طعم الهزيمة.
    تأخّر الجيش الإسرائيلي ثلاثة أيام قبل أن يبدأ الردّ مدعوماً
    جسر جويّ أقيم على عجل بين الدولة العبرية والولايات
    المتحدة. هذا الدعم الأمريكي كان حاسماً. في الحادي عشر
    من أكتوبر انقلبت المعركة لمصلحة إسرائيل. نجح الجيش
    الإسرائيلي بقيادة أربيل شارون - الذي قرّر التحرّك من تلقاء
    نفسه - في التسلل إلى غرب القناة، في منطقة الدفر سوار،
    وطوّق الجيش المصري الثالث
    بعد ثمان وأربعين ساعة استعاد الجيش الإسرائيلي
    الجولان.
    مرّة أخرى تهبّ ريح الحرب لمصلحة إسرائيل.
    منذ اليوم التالي لبدء الحرب بعثتُ برسالة دعم وتضامن
    إلى الرئيسين السادات والأسد. وبعد يومين ذهبت إلى لندن
    صحبة ترجماني الأمين نشيبي. كنت أعتزم الدفاع عنالقضية الفلسطينية لدى الحكومة البريطانية. شجعني على ذلك الموقف الاستثنائي الذي كانت قد اتخذته قبل ثلاث سنوات، في 1970. يومها صوّت المندوب البريطاني في مجلس الأمن الدولي على قرار يشجب السياسة الإسرائيلية ويطالب بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.
    المملكة المتحدة أحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، وحليف الولايات المتحدة، ولها تأثير كبير في القضايا الدولية. لذلك كان يحدوني الأمل في إقناع رئيس الوزراء، إدوارد هيث، بضرورة الدعم البريطاني لنا وحمل الولايات المتحدة على إعادة النظر في سياستها. طبعاً، لست ساذجاً.
    ولا أجهل العلاقات الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي تعدّها واشنطن الولاية الأمريكية الحادية والخمسين. لكن ألا تبين الأَمّة العظيمة عن نفسها في مقارعتها للظلم؟ لهذا السبب كنت معجباً بالجنرال ديغول الذي لم يساعدني الحظ في التعرّف إليه شخصياً، وهذا ما آسف له، غير أنني أبدي حياله أسمى مشاعر التقدير. في عام 1940، فيما كان العالم يعتقد أن فرنسا مانت، كان له من النباهة أن حمل جثمانها بين ذراعيه لإقناع العالم بأنها لا تزال حيّة. وإبّان الحرببين العرب وإسرائيل عام 1967 اتخذ الجنرال ديغول موقفاً يستحق التحية. عندما سئل عن رأيه في الوضع آنذاك أدلى بتصريح ما زلت أذكر كلٌ كلمة فيه. قال: «إني لأتساءل ما إذا كان اليهود، الذين كانوا مشتّتين، والذين بقوا مثل ما كانوا في كلّ الأزمنة، شعباً نخبوياً، واثقاً من نفسه، ميّالاً للسيطرة، سيُحوّلون أمانيهم المؤثرة، التي ظلت تراودهم منذ تسعة عشر قرناً، في أن يلتقوا العام المقبل في إسرائيل، إلى طموح جامح ونزعة للغزو حالما يجتمعون في موقع مجدهم الغابر».
    أثناء إقامتي في العاصمة البريطانية بذلت قُصارى جهدي محاولاً التوصل إلى حلّ للأزمة يحفظ مصالح الأشقّاء العرب، ولا سيّما منهم الشعب الفلسطيني. في الوقت نفسه كانت الحكومتان المصرية والسورية ترسلان نداءات الاستغاثة. كان البلدان كلاهما بحاجة ماسّة إلى المواد الغذائية والأدوية.
    بادرتُ في الحال إلى تخصيص نحو مائة مليون جنيه استرليني كمساعدة للبلدين. وأوعزت إلى أعضاء سفارتنا بشراء أطنان من المعلبات والأدوية وإرسالها على وجه السرعة إلى دمشق والقاهرة بواسطة طائرة شحن مستأجرة.
    بعد الاجتماع الذي عقدته في مقرً رئيس الوزراء، 10داوننغ ستريت، بقيت بضعة أيام في لندن حيث أجريت محادثات مع مسؤولين بريطانيين لم تسفر عن نتيجة.
    كنت ساخطاً ومُحبَطاً في آن واحد. وكان نشيبي يشاطرني مشاعري. كيف لا وهو الفلسطيني المولود في لقدس، مثل أهله وجدوده. كانت فلسطين تجري مع الدم في شرايينه.
    كنا جالسَين إلى منضدة نحتسي الشاي عندما أطلعته على ما أصابني من إحباط.



  • لماذا لا يفهم اليهود أن استمرارهم في رفض تقسيم الأرض على نحو عادل لا يمكن أن يقودهم إلا إلى الكارثة، ليس غداً، ولا بعد عشر سنوات، ولكن ذات يوم؟ هذا أمر محتّم. لا يمكننا محاربة التاريخ. التاريخ يعمل من دون علمنا.
    لم تُسفر جهودي في إنجلترا عن نتيجة فعدتُ إلى الديار.
    ما إن نزلت من الطائرة حتى أعلنت: «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي. لن ندّخر جهداً لإيجاد حلّ عادل لهذا النزاع».
    أعلنت منظمة أوبك، بإجماع الأعضاء، حظر تصديرالنفط إلى البلدان الداعمة لإسرائيل، ولا سيّما منها الولايات المتحدة وهولندا. غير أن الحظر لم يستمرّ. جاءت الخيانة من شاه إيران الذي قرّر الاستمرار في تصدير نفطه وحتى مضاعفة إنتاجه. أصبح الاستمرار في الحظر بلا جدوى.
    في الثاني والعشرين من أكتوبر، فيما أعلن أطراف القتال القبول بوقف إطلاق النار، ذهبت إلى القاهرة ودمشق. كانت هذه الحرب قد أسفرت عن 15 ألف قتيل وأكثر من 35 آلف جريح. أكثرهم مدنيون، وأطفال أصيبوا بِكسر الزجاج وشظايا القذائف. أبكتني تلك المشاهد. كانت المستشفيات تغصّ بالمصابين ولم تعد قادرة على استقبال المزيد، فعرضت علاج بعضهم عندنا، ونقل من كانت إصابتهم بليغة إلى الخارج ولا سيما لندن حيث يمكن أن يتلقوا العلاج على يد
    أطباء مختصين.
    كنت مرعوباً حقاً. كلّ ما يتصل بالحرب هو صفعة للحس السليم وتجديف بحق الخالق. أكره الحرب. أكره كل الحروب. إنها لا تؤدي إلا إلى مصائر محطمة. المنتصرون اليوم منهزمون غدا. لحُسن الحظ كنا نحن بعيدين عن الصخبوالدم المراق. وكانت خطتي الخمسية قد حققت أهدافها، وعملية التطوير مستمرة. حلت مكان البراستي مبان رائعة، غير أنني منعت بناء ناطحات سحاب في العين لأنني حريص على أن تحافظ هذه الواحة على أصالتها. تمّ افتتاح أكثر من مائة وخمسين مدرسة تستوعب ما يزيد عن أربعين ألف طالب. المستشفيات والمستوصفات تستقبل مئات المرضى.
    كلّما أُنقذت حياة إنسان كنت أتذكر الصغيرة أمينة التي ماتت العدم توفر العلاج. شبكة الطرق تمدّدت وعن قريب سوف نغطي البلاد كلها. وإدراكاً مني بأن كلّ أشكال التغيير يمكن أن تؤدي إلى هلاك صنف من الكائنات منعت صيد البقر الوحشية والظباء وذلك في الإمارات كلها.
    بعد حينِ طُرح السؤال الأساسي: لدينا أرض مشتركة، ودفاع مشترك، وسياسة مشتركة، أفلا ينبغي أن تكون لنا عُملة مشتركة؟
    في العشرين من مايو 1973 ظهرت أولى أوراق النقد الموحّد. قامت مؤسسة بريطانية بطبع الأوراق النقدية نظراً لعدم وجود بنك مركزي بعد. وحدة هذه العُملة هي الدرهم الإماراتي. على الورقة النقدية تظهر عبارة «الإمارات العربيةالمتحدة»، وأشكال هندسية ورسوم تمثل رموزاً وطنية مثل لنخيل ورأس الحصان وساحل البحر وقارب شراعي وجمال وجمّال وعقود لؤلؤ وبرج نفط.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

في الفيديو المص...

في الفيديو المصور، قمت بإجراء سلسلة من التجارب على مواد مختلفة تشمل الخشب والزجاج والحجر والحديد وال...

المقدمة في إطار...

المقدمة في إطار الاحتفاء بجهود التلاميذ ومتابعتهم، قرر الأستاذ تقديم خيارين مختلفين للترفيه: إنشاد ق...

ذكر سلطنة يمين ...

ذكر سلطنة يمين الدولة محمود بن سبكتكين وهو الثالث من ملوكهم. وهو أول من لقب بالسلطان، ولم يظهر بها ...

حلرةالب 䏤ǻLj큟䏽ʋ䏤...

حلرةالب 䏤ǻLj큟䏽ʋ䏤ȊLj鸋䐂ʋ䏤ȕLj䐟䐅ʋ䏤ȤLj⌨䐉ʋ䏤ȳLj䐌ʋ䏤ɃLj䐐ʋ䏤ɋLj䐒ʋ䏤ɔLj⌘䐕ʋ䏤ɛLj䐖ʋ䏤ɝLj福䐗ʋ䏤ɬLj⽪䐛ʋ䏤ɷLj핾䐝ʋ䏤ɼLjỬ䐟ʋ䏤ʉLj糯䐢ʋ䏤ʞLj뢞䐧ʋ䏤ʡ...

FUELS AND COMBU...

FUELS AND COMBUSTION Fuel: Any material that can be burned to release thermal energy. Most familia...

القسم الثالث: أ...

القسم الثالث: أدلة صحة القرآن: أهداف القسم: 1- أن يأخذ الدارس فكرة عامة عن كتاب النبأ العظيم أن ي...

عند فصل جهد الت...

عند فصل جهد التغذية، يتم توصيل مقاومة كبح عبر أطراف المحرك. يعمل المحرك كمولد، محولاً الطاقة الحركية...

بالعودة إلى األ...

بالعودة إلى األسئلة التي طرحناها في التمهيد نقول: إن اإلجابة على األسئلة المطروحة تصل بنا إلى استنتا...

C'EST QUOI UNE ...

C'EST QUOI UNE VIDÉO PÉDAGOGIQUE? Une vidéo pédagogique est une vidéo conçue pour enseigner un conc...

Definition of I...

Definition of Information Literacy According to the American Library Association, information litera...

التضامن والالتز...

التضامن والالتزام قيمتان أساسيتان لبناء مجتمع أكثر عدلاً وإنسانية، من المهم أن يصبح كل شخص على دراية...

مفهوم الحداثة ا...

مفهوم الحداثة اللفظة العربية للحداثة مشتقة من الفعل الثلاثي "حدث"، بمعنى "وقع"، والحديث نقيض القديم،...