Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (60%)

لا بد أنني كنت صغيراً جداً حينذاك، ولكنني أذكر أن الناس حين كانوا يرونني مع جدي كانوا يربتون على رأسي، العجيب أنني لم أخرج أبداً مع أبي، إلا في الصباح حيث كنت أذهب إلى المسجد لحفظ القرآن، أغلب أندادي كانوا يتبرمون بالمسجد وحفظ القرآن، ولكنني كنت أحب الذهاب إلى المسجد، لا بد ان السبب انني كنت سريع الحفظ، وكان الشيخ يطلب مني دائماً أن أقف واقرأ سورة الرحمن كلما جاء زائر. وكان الزوار يربتون على خدي ورأسي، تماماُ كما كانوا يفعلون حين يرونني مع جدي. وكنت أحبه وأتخيل نفسي حين أستوي رجلاً، أذرع الأرض مثله في خطوات سريعة. وأظن جدي كان يؤثرني دون بقية أحفاده، فأولاد أعمامي كانوا أغبياء، وكنت أنا طفلاً ذكياً، كنت أعرف متى يريدني جدي أن أضحك، كنت أتذكر مواعيد صلاته، فأحضر له "المصلاة"، وأملأ له الإبريق قبل أن يطلب مني. كان يلذ له في ساعات راحته ان يستمع إليّ أقرأ له من القرآن بصوت منغم. وكنت أعرف من وجه جدي أنه ايضاً كان يطرب له. قلت لجدي: "أظنك لا تحب جارنا مسعودا؟" فأجاب بعد أن حكَّ طرف أنفه بسبابته: "لأنه رجل خامل، قلت له: "وما الرجل الخامل؟" فأطرق جدي بُرهة ثم قال:
- "انظر إلي هذا الحقل الواسع، نعم يا بني، ثلثاها الآن لي أنا.- النساء
وشعرت من نطق جدي للكلمة أن النساء شيء فظيع.- مسعود يا بني رجل مزواج، كل مرة تزوج امرأة باع لي فداناً او فدانين. وتذكرت زوجاته الثلاث، وجلبابه الممزق الأيدي. وكدت أتخلص من الذكرى التي جاشت في خاطري لولا أنني رأيت الرجل قادماً نحونا، فنظرت إلى جدي ونظر إليّ. ألا تريد أن تحضر؟"
ولكن جدي هب واقفاً، شدّني من يدي، وذهبنا إلى حصاد تمر مسعود. كنت أعرفهم كلهم، ولكنني لسبب ما أخذت أراقب مسعوداً. كان واقفاً بعيداً عن ذلك الحشد كأن الأمر لا يعنيه، مع أن النخل الذي يحصد كان نخله هو، وأحياناً يلفُت نظره صوت سبيطة ضخمة من التمر وهي تهوي من علِ. ومرة صاح بالصبي الذي استوى فوق قمة النخلة،ولم ينتبه أحد لما قال.واستمر الصبي الجالس فوق قمة النخلة يُعمل منجله في العُرجون بسرعة ونشاط، وأخذ السبط يهوي كشيء يسقط من السماء. ولكنني أنا أخذت أفكر في قول مسعود "قلب النخلة"، له قلب ينبض. وتذكرت قول مسعود لي مرة حين رآني أعبث بجريد نخلة صغيرة: "النخل يا بني كالآدميين يفرح ويتألم". وشعرت بحياء داخلي لم أجد له سبباً، ولما نظرت مرة أخرى إلي الساحة الممتدة أمامي رأيت رفاقي الاطفال يموجون كالنمل تحت جذوع النخل، يجمعون التمر ويأكلون أكثره، واجتمع التمر أكواماً عالية، وعددت منها ثلاثين كيساً، وانفضّ الجمع عدا حسين التاجر، وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا من الشرق، وأخذوا يفحصونه، وبعضهم أخذ منه حبة أو حبتين فأكلها. وأعطاني جدي قبضة من التمر فأخذت أمضغه، ثم يعيده إلى مكانه. ورأيتهم يتقاسمون: حسين التاجر أخذ عشرة أكياس، والرجلان الغريبان كل منهما أخذ خمسة أكياس، ولم أفهم شيئاً. ونظرت إلى مسعود فرأيته زائغ العينين، تجري عيناه شمالاً ويميناً كأنهما فأران صغيران تاها عن جحرهما.وقال جدي لمسعود: "ما زلت مديناً لي بخمسين جنيهاً نتحدث عنها فيما بعد". ونادي حسين صبيانه فجاؤوا بالحمير، والرجلان الغريبان جاءا بخمسة جمال، ونهق أحد الحمير، وأخذ الجمل يرغي ويصيح. وشعرت بنفسي اقترب من مسعود، وشعرت بيدي تمتد إليه كأني أريد أن ألمس طرف ثوبه. ولست أدري السبب، وعدوت مبتعداً، وشعرت أنني أكره جدي في تلك اللحظة.وأسرعت العدو كأنني أحمل في داخل صدري سراً أود أن أتخلص منه. ولست أدري السبب،


Original text

حفنة تمر
للطيب صالح
لا بد أنني كنت صغيراً جداً حينذاك، لست أذكر كم كان عمري تماماً، ولكنني أذكر أن الناس حين كانوا يرونني مع جدي كانوا يربتون على رأسي، ويقرصونني في خدي، ولم يكونوا يفعلون ذلك مع جدي. العجيب أنني لم أخرج أبداً مع أبي، ولكن جدي كان يأخذني معه حيثما ذهب، إلا في الصباح حيث كنت أذهب إلى المسجد لحفظ القرآن، المسجد والنهر والحقل، هذه كانت معالم حياتنا.
أغلب أندادي كانوا يتبرمون بالمسجد وحفظ القرآن، ولكنني كنت أحب الذهاب إلى المسجد، لا بد ان السبب انني كنت سريع الحفظ، وكان الشيخ يطلب مني دائماً أن أقف واقرأ سورة الرحمن كلما جاء زائر. وكان الزوار يربتون على خدي ورأسي، تماماُ كما كانوا يفعلون حين يرونني مع جدي.
كان جدي طويلاً ونحيلاً، وكنت أحبه وأتخيل نفسي حين أستوي رجلاً، أذرع الأرض مثله في خطوات سريعة. وأظن جدي كان يؤثرني دون بقية أحفاده، ولست ألومه؛ فأولاد أعمامي كانوا أغبياء، وكنت أنا طفلاً ذكياً، هكذا قالوا لي. كنت أعرف متى يريدني جدي أن أضحك، ومتى يريدني أن أسكت، كنت أتذكر مواعيد صلاته، فأحضر له "المصلاة"، وأملأ له الإبريق قبل أن يطلب مني. كان يلذ له في ساعات راحته ان يستمع إليّ أقرأ له من القرآن بصوت منغم. وكنت أعرف من وجه جدي أنه ايضاً كان يطرب له.
سألته ذات يوم عن جاره مسعود. قلت لجدي: "أظنك لا تحب جارنا مسعودا؟" فأجاب بعد أن حكَّ طرف أنفه بسبابته: "لأنه رجل خامل، وأنا لا أحب الرجل الخامل". قلت له: "وما الرجل الخامل؟" فأطرق جدي بُرهة ثم قال:



  • "انظر إلي هذا الحقل الواسع، ألا تراه يمتدّ من طرف الصحراء إلى حافة النيل مائة فدان؟ هذا النخل الكثير هل تراه؟ وهذا الشجر؟ سنط وطلح وسيال. كل هذا كان حلالاً بارداً لمسعود. ورثه عن أبيه. نعم يا بني، كانت كلها قبل أربعين عاماً ملكاً لمسعود، ثلثاها الآن لي أنا.
    سألت جدي لماذا باع مسعودٌ أرضه؟


  •      النساء



وشعرت من نطق جدي للكلمة أن النساء شيء فظيع.



  • مسعود يا بني رجل مزواج، كل مرة تزوج امرأة باع لي فداناً او فدانين.
    وبسرعة حسَبت في ذهني أن مسعوداً لا بد أنه تزوج تسعين امرأة، وتذكرت زوجاته الثلاث، وحالته البائسة وحمارته العرجاء، وسرجه المكسور، وجلبابه الممزق الأيدي. وكدت أتخلص من الذكرى التي جاشت في خاطري لولا أنني رأيت الرجل قادماً نحونا، فنظرت إلى جدي ونظر إليّ.
    وقال مسعود: "سنحصد التمر اليوم، ألا تريد أن تحضر؟"
    وأحسست أنه لا يريد لجدي أن يحضر بالفعل، ولكن جدي هب واقفاً، ورأيت عينه تلمع برهة ببريق شديد .. شدّني من يدي، وذهبنا إلى حصاد تمر مسعود. وجاء أحد لجدي بمقعد عليه فروة ثور، جلس جدي وظللت أنا واقفاً.
    كانوا خلقاً كثيراً، كنت أعرفهم كلهم، ولكنني لسبب ما أخذت أراقب مسعوداً. كان واقفاً بعيداً عن ذلك الحشد كأن الأمر لا يعنيه، مع أن النخل الذي يحصد كان نخله هو، وأحياناً يلفُت نظره صوت سبيطة ضخمة من التمر وهي تهوي من علِ. ومرة صاح بالصبي الذي استوى فوق قمة النخلة، وأخذ يقطع السبيط بمنجله الطويل الحاد: "حاذر لا تقطع قلب النخلة".
    ولم ينتبه أحد لما قال.
    واستمر الصبي الجالس فوق قمة النخلة يُعمل منجله في العُرجون بسرعة ونشاط، وأخذ السبط يهوي كشيء يسقط من السماء. ولكنني أنا أخذت أفكر في قول مسعود "قلب النخلة"، وتصورت النخلة شئياً يحس، له قلب ينبض. وتذكرت قول مسعود لي مرة حين رآني أعبث بجريد نخلة صغيرة: "النخل يا بني كالآدميين يفرح ويتألم". وشعرت بحياء داخلي لم أجد له سبباً، ولما نظرت مرة أخرى إلي الساحة الممتدة أمامي رأيت رفاقي الاطفال يموجون كالنمل تحت جذوع النخل، يجمعون التمر ويأكلون أكثره، واجتمع التمر أكواماً عالية، ثم رأيت قوماً أقبلوا وأخذوا يكيلونه بمكاييل، ويصبونه في أكياس، وعددت منها ثلاثين كيساً، وانفضّ الجمع عدا حسين التاجر، وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا من الشرق، ورجلين غريبين لم أرهما من قبل.
    وتحلقوا كلهم حول أكياس التمر، وأخذوا يفحصونه، وبعضهم أخذ منه حبة أو حبتين فأكلها. وأعطاني جدي قبضة من التمر فأخذت أمضغه، ورأيت مسعوداً يملأ راحتيه من التمر ويقربه من أنفه ويشمه طويلاً، ثم يعيده إلى مكانه. ورأيتهم يتقاسمون: حسين التاجر أخذ عشرة أكياس، والرجلان الغريبان كل منهما أخذ خمسة أكياس، وموسى صاحب الحقل المجاور لحقلنا من ناحية الشرق أخذ خمسة أكياس، وجدي أخذ خمسة أكياس، ولم أفهم شيئاً. ونظرت إلى مسعود فرأيته زائغ العينين، تجري عيناه شمالاً ويميناً كأنهما فأران صغيران تاها عن جحرهما.
    وقال جدي لمسعود: "ما زلت مديناً لي بخمسين جنيهاً نتحدث عنها فيما بعد". ونادي حسين صبيانه فجاؤوا بالحمير، والرجلان الغريبان جاءا بخمسة جمال، ووضعت أكياس التمر على الحمير والجمال، ونهق أحد الحمير، وأخذ الجمل يرغي ويصيح. وشعرت بنفسي اقترب من مسعود، وشعرت بيدي تمتد إليه كأني أريد أن ألمس طرف ثوبه.
    وسمعته يُحدث صوتاً في حلقه مثل شخير الحمل حين يذبح. ولست أدري السبب، ولكني أحسست بألم حاد في صدري، وعدوت مبتعداً، وشعرت أنني أكره جدي في تلك اللحظة.
    وأسرعت العدو كأنني أحمل في داخل صدري سراً أود أن أتخلص منه. ووصلت على حافة النهر قريباً من منحناه وراء غابة الطلح، ولست أدري السبب، ولكنني أدخلت إصبعي في حلقي وتقيأت التمر الذي أكلت.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

أ‌. مراعاة تنفي...

أ‌. مراعاة تنفيذ كافة أساليب الشراء والتعاقد بأعلى درجات الأخلاقيات والحياد التام والشفافية والمساوا...

في عصر المعرفة ...

في عصر المعرفة وعصر الإلكترونيات، يتشكل إنجاز أهداف التعليم بواسطة زيادة قوة التكنولوجيا التي نستخدم...

سمنث Cement الأ...

سمنث Cement الأسوٌج ٘ٛ رٍه اٌّبدح اٌشاثـخ إٌبػّخ اٌزٟ رزظٍت ٚرزظٍذ ٚرمغٝ فزٍّه ثزٌه خٛاطب رّبعى١خ ٚر...

1.5.1 Luminaire...

1.5.1 Luminaires in Regular Arrays: Where E = average Illuminance (lx) N = no. of luminaires n...

وفي أنظمة الرني...

وفي أنظمة الرنين منخفضة المجال، التي تتطلب وقتًا أطول للتصوير بسبب انخفاض SNR، تصبح مشكلة صعوبة حبس ...

1.3.4 Quantity ...

1.3.4 Quantity Measures: Luminous flux is defined as a total quantity of light energy emitted per ...

الحداثة في النق...

الحداثة في النقد "الغربي" ظهر تيار الحداثة في العالم الغربي نتيجة للمد الطبيعي الذي دخلته أوروبا من...

بالطبع، إليك **...

بالطبع، إليك **النتائج العامة للدراسة بصيغة موحدة وموسّعة**، وقد تم فيها دمج الفقرة التي تفضلت بها ب...

بالطبع، إليك **...

بالطبع، إليك **النتائج العامة للدراسة بصيغة موحدة وموسّعة**، وقد تم فيها دمج الفقرة التي تفضلت بها ب...

تعريف القطع لغة...

تعريف القطع لغةً: الإبانة والإزالة. اصطلاحًا: قطع الصوت على كلمة قرآنية بنية الإعراض عن الراع تعريف ...

تهدف هذه الدراس...

تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على العلاقة بين الذكاء الاصطناعي، وتحديدًا روبوتات الدردشة، وفعالية...

تطبيق إدارة الن...

تطبيق إدارة النفقات هو تطبيق يساعد المستخدم على تنظيم دخله ومصاريفه بشكل بسيط وسهل. أول ما يفتح المس...