Lakhasly

تعد الحاجة إلى الغذاء والشراب والمأوى من أبرز الاحتياجات الأساسية للإنسان، إلى جانب الحاجة إلى الأمان والحماية والانتماء إلى مجتمع يقدم له الدعم والتعاون. وبالإضافة إلى ذلك، يحتاج الإنسان إلى الحب والانتماء والتقدير والاحترام من الآخرين، وهذه الحاجة تساهم في شعوره بالسعادة والرضا، وهناك عدة جوانب تؤثر في علاقة الإنسان بالعقارات، منها السكن والمأوى الذي يُعتبر حاجة أساسية للإنسان، والاستثمار العقاري بحيث ينظر البعض إلى العقارات على أنها فرصة للاستثمار وتحقيق الربح، ويمكن شراء العقارات لإعادة بيعها بسعر أعلى في المستقبل أو لتأجيرها للحصول على دخل شهري، وكذلك الهوية والانتماء لأن العقارات غالبًا ما تعكس هوية الأفراد ومكانتهم الاجتماعية، فالمنازل والممتلكات تعكس ذوق الفرد وموقعه في المجتمع، وأيضا التطور الحضري والاقتصادي والقوانين والسياسات الحكومية التي تلعب دورًا هامًا في تنظيم سوق العقارات، من خلال تحديد القواعد المتعلقة بالشراء والبيع والإيجار والتنظيم العمراني.
تعتبر الثروة العقارية أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول التي تعتمد على الفلاحة، مثل المغرب، لأن لها دور أساسي في التنمية الشاملة، لذلك يعتبر العقار أساس تقدم الدول ورقيها، إذ تزدهر الحياة الاجتماعية مع اتساع الملكية العقارية وتنظيمها، والملكية العقارية مهمة للإنسان منذ القدم حيث نجده يسعى دائما لامتلاك عقار يؤمن له الحياة والإستقرار، وارتبط الإنسان بالأرض منذ الأزل إرتباطا وثيقا منذ ولادته وإلى ما بعد موته، مصداقا لقوله تعالى " مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى " . لذلك يميل الانسان إلى التمسك بالأرض التي اعتاد عليها وعلى مناخها ووجد فيها كل ما يحتاجه من طعام وشراب، فمنها خلق وإليها يعود، ومنها يبعث ويخرج تارة أخرى لقوله سبحانه وتعالى في كتابه: " قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ".

فملكية العقارات تساهم في تنمية المجتمع واستقراره من خلال الاستثمار وتحسين البنية التحتية، وحفظ وتعزيز الممتلكات يساهم في نمو واستقرار المجتمع ككل، والأفراد لديهم خيارات مختلفة لملكية العقارات مثل الشراء، الرهن العقاري، أو الإيجار، وكل خيار له مزاياه الخاصة، وهذه المعاملات تحتاج للأمن العقاري، لذلك اهتمت معظم التشريعات بتنظيم الملكية العقارية عن طريق سن قواعد قانونية تنظم كل التصرفات التي ترد عليها، والتي من شأنها حماية الملكية العقارية وتحصينها ضد كل اعتداء أو غصب، لأن حماية الملكية العقارية ضرورية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتعد الملكية حق مقدس تنتمي للحقوق المدنية الأساسية ومن أبرز الحقوق التي يتمتع بها المواطن التي أفرد لها المشرع المغربي في دستور 2011 فصلا خاصا حيث نص في الفصل 35 على أنه " يضمن القانون حق الملكية، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون… ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون".
ولذلك من أجل حماية الثروة العقارية بصفة عامة والملكية العقارية بصفة خاصة، ومحاولة تحقيق الأمن العقاري جاء نظام التحفيظ العقاري لتحقيق هذه الغاية التي يسعى إليها المشرع المغربي، والتحفيظ العقاري هو مجموعة من الإجراءات والعمليات التي يتبعها صاحب العقار من أجل جعل عقاره خاضعا لنظام التحفيظ العقاري الذي تكون غايته تأسيس رسم عقاري يتم تسجيله في سجل خاص الذي يسمى بالسجل العقاري ومن تم يصبح صاحب العقار له رسم ملكية لعقاره تثبت الوضعية القانونية للعقار، وقد نظم المشرع العقاري المغربي نظام التحفيظ العقاري من خلال ظهير 9 رمضان 1931 الموافق ل 12 غشت 1913، الذي عدل وتمم بموجب القانون رقم 07-14 من أجل جعله أكثر تلائما مع الوقت الحالي.
ومن خلال نظام التحفيظ العقاري يمكن للفرد أن يقوم بتحفيظ عقاره لتطهيره وإثبات ملكيته وكسبها بشكل نهائي، بحيث أن المشرع يهدف لإقامة ملكية العقار على أسس ثابتة ومستقرة وتطهيرها من الشوائب، وقد احتاج المغرب لتطبيق ذلك إلى إنشاء مصلحة تقوم بهذه المهمة أطلق عليها إسم الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية (ANCFCC) من خلال القانون رقم 00-58 القاضي بإحدات هذه الوكالة التي تعتبر مؤسسة عمومية متخصصة في تحفيظ العقارات والمسح العقاري والخرائطية، تتوفر على مجموعة من الفروع في مختلف المدن المغربية.
ويوكل إلى المحافظ على الأملاك العقارية مهمة السهر على تطبيق نظام التحفيظ العقاري، بحيث نجده هو من يتمحور حوله هذا النظام، ويظهر ذلك من خلال الصلاحيات التي منحه إياها المشرع التي نجد في مقابلها المسؤولية الملقاة على عاتقه.
وتطبيقا للفصل 9 من القانون رقم 07-14 يتواجد في دائرة نفوذ كل عمالة أو إقليم محافظ أو أكثر على الأملاك العقارية، من أجل القيام بمهمة مسك السجل العقاري الخاص بالدائرة الترابية التابعة لنفوذه والقيام أيضا بالإجراءات والمساطر المقررة في شأن التحفيظ العقاري، وأهم مسطرة هي مسطرة تحفيظ العقار، التي يختص من خلالها المحافظ العقاري القيام بمجموعة من المهام وتعهد إليه مجموعة من الإختصاصات وله مجموعة من الصلاحيات تمكنه من اتخاد مجموعة من القرارات التي تقابلها مسؤولية سواء في المرحلة السابقة على تأسيس الرسم العقاري أو في المرحلة اللاحقة على تأسيسه، ومن هنا تظهر المهمة الثقيلة الملقاة على عاتق المحافظ على الأملاك العقارية لأنه هو من يتحمل مهام القيام بتحقيق الملكية وتأكيد شرعية الحقوق التي تعتبر نتائج لأعماله من خلال التحقق من الملكية والتحقق من شرعية الحقوق دون الإخلال بمبادئ العدالة والمتمثلة في حماية حقوق الغير من الأضرار، وأثناء قيام المحافظ بمهامه هناك إمكانية أن تثار مسؤوليته الشخصية عند الإنحراف عن التطبيق السليم لها نتيجة لخطأ ارتكبه هو شخصيا ويعتبر آنذاك خطأ شخصي، على عكس الخطأ المرفقي الذي يتحمله المرفق نتيجة خطأ منسوب إليه حتى وإن قام به المحافظ العقاري ماديا، وعلى ذكر الخطأ وإمكانية التقليص من إمكانية حدوثه نستحضر دور القضاء في تكريس مسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية لإجراء نوع من الرقابة على القرارات التي يتخذها، محاولة من المشرع تحقيق الأمن العقاري، بتأمين حقوق الأفراد المظلومين وجعلهم يصلون إلى الحق عن طريق القضاء، وجعل الباب أمامهم مفتوح لالتماس حقوقهم.
ويمنح المشرع الأفراد عن طريق الرقابة القضائية على قرارات المحافظ سواء كانت عن طريق القضاء العادي أو القضاء الإداري ضمانة قوية وأساسية لحقوقهم وحرياتهم، تمكنهم من اللجوء إلى سلطة قضائية تتميز بالاستقلال من أجل الإلغاء أو التعديل أو التعويض عن الإجراءات والأعمال غير القانونية.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية التحفيظ تبتدأ بإيداع مطلب التحفيظ لدى المحافظة العقارية، وتعطي عملية الإيداع إشارة الانطلاق للمحافظ بمهمة مباشرة لإجراءات البحث والمراقبة لملف مطلب التحفيظ والوثائق المدعمة له، قبل اتخاذ قرار بقبول أو رفض الطلب، فالمحافظ العقاري يتمتع بصلاحيات مهمة في مسطرة التحفيظ العقاري، حيث لا يقوم باتخاذ أي قرار إلا بعد دراسة ملف مطلب التحفيظ أو طلب التعرض، وبعد المراقبة الدقيقة والمتأنية لشكل ومضمون الوثائق المدعمة هذا فيما يتعلق بالمرحلة السابقة على تأسيس الرسم العقاري، أما في مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري يختص المحافظ العقاري باتخاذ القرارات المتعلقة بالتقييدات والتشطيبات، وأهم ما يميز مؤسسة المحافظ العقاري هو مبدأ الإستقلالية التي يتمتع بها في اتخاذه لقراراته المنصبة على الملكية العقارية.
وفي دراستنا هذه سنحاول التفصيل في اختصاصات وصلاحيات المحافظ العقاري وتدخلاته سواء في المرحلة السابقة على تأسيس الرسم العقاري أو في المرحلة اللاحقة على تأسيسه، بالإضافة إلى التفصيل في مسؤولية المحافظ على الأملاك العقارية، مع إبراز دور القضاء في تكريس هذه المسؤولية من خلال الرقابة التي يجريها على قرارات المحافظ العقاري.