Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (36%)

والتي كانت في وقتٍ من الأوقات تُمسك بزمام السلطة في جميع الميادين؛تبحث لنفسها عن مكان في عالم يسودُه العلم، ومنذ اللحظة التي بدأ فيها عدد محدود
من العلماء يَكتشفون حقائق جديدة عن الكون بأسلوب منطقي هادئ، وبناءً على شواهد
قاطعة وبراهين مُقنعة لا سبيل إلى الشك فيها. منذ هذه اللحظة أصبحت سيادة العلم
ولم يَعُد في وسع أية قوة أن تقف في وجه هذه الطريقة القاطعة
ذلك لأن العلم ليس قوة معادية لأي شيء، والعالم شخص لا يُهدِّد أحدًا، ولا يسعى إلى السيطرة على أحد،حورب فيها العلم والعلماء كانت معارك أساء فيها الآخرون فهم العلم، وأعظم خطأ يَرتكبه المدافعون عن مبدأ معيَّن أو عنضرب من
هو أن يَعتقدوا أن العلم مصدر خطر عليهم،مبدأهم أو نشاطهم الرُّوحيَّ في خصومة مع العلم. فقام رجالها يحاربون العلم الوليد ويَضطهدون رواده،إلا عن جهل بطبيعة العلم أو طبيعة الدين أو كليهما معًا،خوفًا على نفوذ أو دفاعًا عن مصالح يَعتقِدون أن أسلوب المعرفة الجديدة كفيل بتهديدها،فماذا كانت النتيجة آخر الأمر؟ ظل العلم يسير في طريقه بهدوء وثقة، وتَعاقَب ظهور العلماء الأفذاذ، الذين كان معظمهم أشخاصًا مخلصين في
ولم يكن أحد منهم يتصوَّر أن الجهد الذي يبذله من أجل بسط سيطرة
العقل على الطبيعة وتحقيق النفع لإخوته في الإنسانية يمكن أن يُغضب أحدًا، واضطرَّت الكنيسة الأوروبية آخر الأمر إلى التراجُع أمام قوة الحقيقة
التي لا يستطيع أن يُنكرها عقل سليم، ولكن تراجُعها ربما كان قد أتى بعد فوات الأوان؛إذ إن الكثيرين يعزون موجات الإلحاد التي اجتاحت أوروبا — منذ القرن الثامن عشر
بوجه خاص— إلى تلك الخصومة التي لم يكن لها داع، وإنما هو في أساسه منهج أو أسلوب منظم لرؤية الأشياء وفهم
وكل ما وُجِّه إلى العلم من اتهامات إنما هو في واقع الأمر راجع إلى تدخُّل قُوى
تفسد تأثير العلم أو تُسيء توجيه نتائجه، فإن كل تقدُّم أحرزته البشرية في القرون الأخيرة إنما كان
مرتبطًا — بطريق مباشرأو غير مباشر— بالعلم، وإذا كان من المُعترف به أن وجه الحياة
على هذه الأرض قد تغيَّر — خلال الأعوام المائة الأخيرة — بأكثر مما تغيَّر خلال ألوف
فإنَّ الفضل الأكبر في ذلك إنما يرجع إلى المعرفة العلمية،ذلك — إلى وجود شعوب تَعترف بأهمية هذا اللون من المعرفة وتُقدِّم إليه كل ضروب
واليوم لا يملك أي شعب يريد أن يجد له مكانًا على خريطة العالم المعاصِر إلا أن
يحترم أسلوب التفكير العلمي ويأخذ به، وكما قلت من قبل: فليسالتفكير العلمي هو حشد
المعلومات العلمية أو معرفة طرائق البحث في ميدان معيَّن من ميادين العلم،طريقة في النظر إلى الأمور تَعتمِد أساسًا على العقل والبرهان المُقنع — بالتجربة أو بالدليل
— وهي طريقة يمكن أن تتوافَر لدى شخص لم يكتسب تدريبًا خاصٍّا في أي فرع بعينه
كما يمكن أن يفتقر إليها أشخاص توافَرَ لهم من المعارف العلمية حظ
واعترفبهم المجتمع بشهاداته الرسمية،منا قدصادفوا — على سبيل المثال — ذلك النمط من التجار الذين لم يكن لهم من الدراسة
ولكنهم يُدبرون شئونهم في حياتهم العمَلية — وربما في حياتهم
الخاصة أيضًا — على أساس نظرة عقلانية منطقية إلى العالم وإلى القوانين المتحكمة فيه،دون أن يكون لديهم أيُّ وعي بالأسس التي تقوم عليها نظرتهم هذه،لذلك فلقد رأيت بنفسيأشخاصًا يَعدُّهم المجتمع من العلماء — منهم مَنْ وصل في الجامعة
إلى كرسي الأستاذية — يدافعون بشدة عن كرامات ينسبونها إلى أشخاصمعيَّنين (ليسوا
من الأولياء ولا ممن عُرِفَتْ عنهم أية مكانة خاصة بين الصالحين)،بخوارق كاستشفاف أمور تَحدُث في بلد آخر دون أن يتحرَّكوا من موضعهم،أمنياتهم بصورة مادية مجسَّمة بمجرد أن تطرأ على أذهانهم هذه الأمنيات، عبور البحر سيرًا على الأقدام! تلك بالطبع حالات شاذَّة متطرفة،كاملة، ولكنها في تطرفها تساعد على إثبات ما نقوله من أن التفكير « فئة » عن وجهة نظر
العلميشيء وتكديس المعلومات العلميةشيء آخر.أما على مستوى المجتمعات البشرية، فقد أصبحَت النظرة العلميةضرورة لا غناء عنها
وحسبُنا أن نشير
12
مقدمة
في بادئ الأمر ولكنها اضطرت إلى تطبيقه على نطاق واسع فيما بعد — هذا المبدأ إنما
هو تطبيق مباشر لمفهوم التفكير العلمي المنهجي من أجل حلِّ مشكلات المجتمع البشري،ولقد أصبح من المألوف في عالمنا المعاصر أن نسمع تعبيرات كالتخطيط الاقتصادي أو
الخطة الاقتصادية والتخطيط الاجتماعي والتخطيط التربوي والعلمي والتخطيط الثقافي، بعد أن كانت تُتْرَك لتنمو على نحو تلقائي، أو تخضع لتنظيمات مؤقتة
وتَسري خلال وقت محدود فحسب. وكل
نجاح يُحرزه التخطيط في عالَمنا المعاصر إنما هو نجاح للنظرة العلمية في تدبير شئون
بل إنَّ العلم تغلغل بادئ الأمر في ميادين ظلَّ الناسطويلًا يتصوَّرون أنها بمنأى
« علمية » عن التنظيم المنهجي والتخطيط المدروس؛ فنحن نسمع اليوم عن دعاية سياسية
قبول العقول لهذه المبادئ وإضعاف قدرتها على مقاومتها بالتدريج، ومنذ الوقت الذي
« العلمية » الوزير النازي المشهور — عهد الدعاية — « جوبلز » افتتح فيه
وتشكيل العقول.لها مدارس ومناهج منظمة، بعد أن كانت تعتمد على الاجتهاد الفردي،بأحدث الكشوف العلمية وبأكبر عدد من العلماء المتخصِّصين؛فعال.الإنسانية الشريفة، فإنه في ميادين أخرى يُسْتَخْدَم على نحو يُثري رُوح الإنسان أو يزيد من
في ميدان الفنون أتيح للأجيال التي تعيش في القرن العشرين
أن تتلقى دروسًا وتدريبات — في ميادين الإبداع أو الأداء الفني — لم تكن مُتاحة إلا على
وكان من نتيجة ذلك اتساع ثقافة الفنان وإلمامه بأصول
الإعجاز.الاجتهاد الشخصي، وتمكَّن الإنسان — بفضل التدريب المنهجي المدروس— من بلوغ نتائج
13
كانت تدخل من قبل في باب المستحيلات، وهكذا أصبحت حياة المجتمعات الحديثة — في
سياستها وحربها وسِلمها وجدِّها ولَهوها — منظمة تنظيمًا علميٍّا منضبطًا ودقيقًا، ولم
يعد في وسع مجتمع لديه أدنى قدر من الطموح أن يسير في أموره بالطريقة العفوية التي
كانت سائدة في عصور ما قبل العلم. وإذا كنا — في الشرق بوجه خاص — نَسمع بين
الحين والحين أصواتًا تحنُّ إلى العهد التلقائي في أي ميدان من الميادين، وإما مدفوعون بالكسل إلى
وسواء أكان الأمر على
هذا النحو أو ذاك،والعشوائية قد ولى،الذي لا مفرَّ من توافُره في أي مجتمع يودُّ أن يكون له مكان في عالم القرن الحادي
الذي أصبح أقرب إلينا مما نظن،الأخير من القرن العشرين غير مقتنعين حتى اليوم بجدوى الأسلوب العلمي في معالجة
وإذا كانوا لا يزالون يَضعون العراقيل أمام التفكير العلمي حتى اليوم،لحظة في أحوال العالم في القرن القادم الذي سيَعيش فيه أبناؤهم، ومن هذه الزاوية فإني


Original text

التفكير العلمي كان في بدايته شاقٍّا، وأن المقاومة كانت عنيفة، والمعركة دامية سقط فيها
شهداء كثيرون، ولكن العلم اكتسح أمامه كل عناصرالمقاومة، وأصبحت القوى المُعادية له
والتي كانت في وقتٍ من الأوقات تُمسك بزمام السلطة في جميع الميادين؛ أصبحَت هي التي
تبحث لنفسها عن مكان في عالم يسودُه العلم، ومنذ اللحظة التي بدأ فيها عدد محدود
من العلماء يَكتشفون حقائق جديدة عن الكون بأسلوب منطقي هادئ، وبناءً على شواهد
قاطعة وبراهين مُقنعة لا سبيل إلى الشك فيها. منذ هذه اللحظة أصبحت سيادة العلم
مسألةَ وقت فحسب، ولم يَعُد في وسع أية قوة أن تقف في وجه هذه الطريقة القاطعة
في اكتساب المعارف الجديدة؛ ذلك لأن العلم ليس قوة معادية لأي شيء، ولا منافسة لأي
شيء، والعالم شخص لا يُهدِّد أحدًا، ولا يسعى إلى السيطرة على أحد، وكل المعارك التي
حورب فيها العلم والعلماء كانت معارك أساء فيها الآخرون فهم العلم، ولم يكن العلم ولا
أصحابُه هم المسئولون عنها. وأعظم خطأ يَرتكبه المدافعون عن مبدأ معيَّن أو عنضرب من
ضروب النشاط الروحي للإنسان، هو أن يَعتقدوا أن العلم مصدر خطر عليهم، ويضعوا
مبدأهم أو نشاطهم الرُّوحيَّ في خصومة مع العلم. فعلت هذا الكنيسة الأوروبية في مطلع
عصرالنهضة؛ فقام رجالها يحاربون العلم الوليد ويَضطهدون رواده، ولم يكن ذلك منهم
إلا عن جهل بطبيعة العلم أو طبيعة الدين أو كليهما معًا، وربما كان في بعض الأحيان
خوفًا على نفوذ أو دفاعًا عن مصالح يَعتقِدون أن أسلوب المعرفة الجديدة كفيل بتهديدها،
فماذا كانت النتيجة آخر الأمر؟ ظل العلم يسير في طريقه بهدوء وثقة، ويُحرز الانتصار
تلو الانتصار، وتَعاقَب ظهور العلماء الأفذاذ، الذين كان معظمهم أشخاصًا مخلصين في
عقيدتهم الدينية، ولم يكن أحد منهم يتصوَّر أن الجهد الذي يبذله من أجل بسط سيطرة
العقل على الطبيعة وتحقيق النفع لإخوته في الإنسانية يمكن أن يُغضب أحدًا، لا سيما إذا
كان من رجال الدين، واضطرَّت الكنيسة الأوروبية آخر الأمر إلى التراجُع أمام قوة الحقيقة
التي لا يستطيع أن يُنكرها عقل سليم، ولكن تراجُعها ربما كان قد أتى بعد فوات الأوان؛
إذ إن الكثيرين يعزون موجات الإلحاد التي اجتاحت أوروبا — منذ القرن الثامن عشر
بوجه خاص— إلى تلك الخصومة التي لم يكن لها داع، والتي افتعلَتها الكنيسةضد العلم.
كلا، إنَّ العلم لا يُهدِّد أحدًا، وإنما هو في أساسه منهج أو أسلوب منظم لرؤية الأشياء وفهم
العالم، وكل ما وُجِّه إلى العلم من اتهامات إنما هو في واقع الأمر راجع إلى تدخُّل قُوى
أخرى لا شأن للعلم بها، تفسد تأثير العلم أو تُسيء توجيه نتائجه، وهو أمر سنتحدث عنه
في ثنايا هذا الكتاب بالتفصيل.
11
التفكير العلمي
وعلى العكس من ذلك، فإن كل تقدُّم أحرزته البشرية في القرون الأخيرة إنما كان
مرتبطًا — بطريق مباشرأو غير مباشر— بالعلم، وإذا كان من المُعترف به أن وجه الحياة
على هذه الأرض قد تغيَّر — خلال الأعوام المائة الأخيرة — بأكثر مما تغيَّر خلال ألوف
الأعوام السابقة؛ فإنَّ الفضل الأكبر في ذلك إنما يرجع إلى المعرفة العلمية، ويرجع — قبل
ذلك — إلى وجود شعوب تَعترف بأهمية هذا اللون من المعرفة وتُقدِّم إليه كل ضروب
التشجيع.
واليوم لا يملك أي شعب يريد أن يجد له مكانًا على خريطة العالم المعاصِر إلا أن
يحترم أسلوب التفكير العلمي ويأخذ به، وكما قلت من قبل: فليسالتفكير العلمي هو حشد
المعلومات العلمية أو معرفة طرائق البحث في ميدان معيَّن من ميادين العلم، وإنما هو
طريقة في النظر إلى الأمور تَعتمِد أساسًا على العقل والبرهان المُقنع — بالتجربة أو بالدليل
— وهي طريقة يمكن أن تتوافَر لدى شخص لم يكتسب تدريبًا خاصٍّا في أي فرع بعينه
من فروع العلم، كما يمكن أن يفتقر إليها أشخاص توافَرَ لهم من المعارف العلمية حظ
كبير، واعترفبهم المجتمع بشهاداته الرسمية، فوضَعَهم في مصافِّالعلماء. ولعل الكثيرين
منا قدصادفوا — على سبيل المثال — ذلك النمط من التجار الذين لم يكن لهم من الدراسة
العلمية المنظَّمة نصيب، ولكنهم يُدبرون شئونهم في حياتهم العمَلية — وربما في حياتهم
الخاصة أيضًا — على أساس نظرة عقلانية منطقية إلى العالم وإلى القوانين المتحكمة فيه،
دون أن يكون لديهم أيُّ وعي بالأسس التي تقوم عليها نظرتهم هذه، وفي الوجه المقابل
لذلك فلقد رأيت بنفسيأشخاصًا يَعدُّهم المجتمع من العلماء — منهم مَنْ وصل في الجامعة
إلى كرسي الأستاذية — يدافعون بشدة عن كرامات ينسبونها إلى أشخاصمعيَّنين (ليسوا
من الأولياء ولا ممن عُرِفَتْ عنهم أية مكانة خاصة بين الصالحين)، تُتيح لهم أن يقوموا
بخوارق كاستشفاف أمور تَحدُث في بلد آخر دون أن يتحرَّكوا من موضعهم، أو تحقيق
أمنياتهم بصورة مادية مجسَّمة بمجرد أن تطرأ على أذهانهم هذه الأمنيات، وفي أحيان
معينة، عبور البحر سيرًا على الأقدام! تلك بالطبع حالات شاذَّة متطرفة، لا يمكن أن تُعبِّر
كاملة، ولكنها في تطرفها تساعد على إثبات ما نقوله من أن التفكير « فئة » عن وجهة نظر
العلميشيء وتكديس المعلومات العلميةشيء آخر.
أما على مستوى المجتمعات البشرية، فقد أصبحَت النظرة العلميةضرورة لا غناء عنها
في أي مجتمع معاصر لا يودُّ أن يعيش في الظلِّ بين سائر المجتمعات. وحسبُنا أن نشير
إلى أن مبدأ التخطيط — وهو مبدأ أساسي حاوَلت بعضالأنظمة الاجتماعية إنكار أهميته
12
مقدمة
في بادئ الأمر ولكنها اضطرت إلى تطبيقه على نطاق واسع فيما بعد — هذا المبدأ إنما
هو تطبيق مباشر لمفهوم التفكير العلمي المنهجي من أجل حلِّ مشكلات المجتمع البشري،
ولقد أصبح من المألوف في عالمنا المعاصر أن نسمع تعبيرات كالتخطيط الاقتصادي أو
الخطة الاقتصادية والتخطيط الاجتماعي والتخطيط التربوي والعلمي والتخطيط الثقافي،
وكلها تعبيرات تدلُّ على اعتراف المجتمع الحديث بأن ميادين أساسية للنشاط البشري
— كالاقتصاد والشئون الاجتماعية والتربية والعلم والثقافة — أصبحت توجَّه بطريقة
علمية منظَّمة، بعد أن كانت تُتْرَك لتنمو على نحو تلقائي، أو تخضع لتنظيمات مؤقتة
تغيب عنها الصورة الشاملة للميدان بأكمله، وتَسري خلال وقت محدود فحسب. وكل
نجاح يُحرزه التخطيط في عالَمنا المعاصر إنما هو نجاح للنظرة العلمية في تدبير شئون
الإنسان، بل إنَّ العلم تغلغل بادئ الأمر في ميادين ظلَّ الناسطويلًا يتصوَّرون أنها بمنأى
« علمية » عن التنظيم المنهجي والتخطيط المدروس؛ فنحن نسمع اليوم عن دعاية سياسية
استطاعت بفضلها الدول أن تنشر المبادئ والأفكار التي ترى من مصلحتها نشرها — إما
بين أفراد شعبها وإما بين أفراد الشعوب الأخرى — بطريقة مدروسة تؤدي إلى تيسير
قبول العقول لهذه المبادئ وإضعاف قدرتها على مقاومتها بالتدريج، ومنذ الوقت الذي
لم تعد هناك ،« العلمية » الوزير النازي المشهور — عهد الدعاية — « جوبلز » افتتح فيه
دولة حديثة إلا وتلجأ — بصورة أو بأخرى — إلى تلك الأساليب المنظمة المدروسة في الإقناع
وتشكيل العقول. وقل مثل هذا عن أعمال التجسسونشاط أجهزة المخابرات التي أصبحت
لها مدارس ومناهج منظمة، بعد أن كانت تعتمد على الاجتهاد الفردي، وأصبحت تستعين
بأحدث الكشوف العلمية وبأكبر عدد من العلماء المتخصِّصين؛ كيما تؤدي عملها على نحوٍ
فعال.
وإذا كان العلم في الميدانين السابقين يُسْتَخْدَم على نحوٍ قد يتعارضأحيانًا مع القيم
الإنسانية الشريفة، فإنه في ميادين أخرى يُسْتَخْدَم على نحو يُثري رُوح الإنسان أو يزيد من
قدراته الروحية الجسمية. في ميدان الفنون أتيح للأجيال التي تعيش في القرن العشرين
أن تتلقى دروسًا وتدريبات — في ميادين الإبداع أو الأداء الفني — لم تكن مُتاحة إلا على
نطاق ضيق للأجيال السابقة، وكان من نتيجة ذلك اتساع ثقافة الفنان وإلمامه بأصول
فنه، وبلوغ الفنون الأدائية (كالموسيقى والرقصوالتمثيل) مستويات تصل أحيانًا إلى حدِّ
الإعجاز. كذلك أصبحت الرياضة البدنية عِلمًا بالمعنى الصحيح، بعد أن كانت تعتمد على
الاجتهاد الشخصي، وتمكَّن الإنسان — بفضل التدريب المنهجي المدروس— من بلوغ نتائج
13
التفكير العلمي
كانت تدخل من قبل في باب المستحيلات، وهكذا أصبحت حياة المجتمعات الحديثة — في
سياستها وحربها وسِلمها وجدِّها ولَهوها — منظمة تنظيمًا علميٍّا منضبطًا ودقيقًا، ولم
يعد في وسع مجتمع لديه أدنى قدر من الطموح أن يسير في أموره بالطريقة العفوية التي
كانت سائدة في عصور ما قبل العلم. وإذا كنا — في الشرق بوجه خاص — نَسمع بين
الحين والحين أصواتًا تحنُّ إلى العهد التلقائي في أي ميدان من الميادين، فلنكن على ثقة
من أن أصحاب هذه الدعوات إما مُغْرَقون في رومانسية حالمة، وإما مدفوعون بالكسل إلى
كراهية التنظيم العلمي الذي لا يُنكر أحد أنه يتطلب جهدًا شاقٍّا. وسواء أكان الأمر على
هذا النحو أو ذاك، فقد آن الأوان لأن نعترف — في شجاعة وحزم — بأن عصر التلقائية
والعشوائية قد ولى، وبأن النظرة العلمية إلى شئون الحياة في ميادينها كافة هي وحدها
التي تضمن للمجتمع أن يسير في طريق التقدم خلال القرن العشرين، وهي الحد الأدنى
الذي لا مفرَّ من توافُره في أي مجتمع يودُّ أن يكون له مكان في عالم القرن الحادي
والعشرين، الذي أصبح أقرب إلينا مما نظن، وإذا كان بعض من يعيشون معنا في الربع
الأخير من القرن العشرين غير مقتنعين حتى اليوم بجدوى الأسلوب العلمي في معالجة
الأمور، وإذا كانوا لا يزالون يَضعون العراقيل أمام التفكير العلمي حتى اليوم، فليُفكِّروا
لحظة في أحوال العالم في القرن القادم الذي سيَعيش فيه أبناؤهم، ومن هذه الزاوية فإني
أعدُّ هذا الكتاب محاولةً لإقناع العقول — في عالمنا العربي — بأن أشياء كثيرة ستفوتنا
لو امتثلنا للاتجاهات المُعادية للعلم، وبأن مجرد البقاء في المستقبل — دون نظرة علمية
وأسلوب علمي في التفكير — سيكون أمرًا مشكوكًا فيه.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Thermal analysi...

Thermal analysis techniques are those in which a physical property of a substance or its reaction pr...

في مساء يوم الا...

في مساء يوم الاثنين شعرت ماريلا بالضيق لأنها لم ترى مشبك الجمشت وبحثت عنه في كل مكان ولكن لم تعثر عل...

Contents 1. Pla...

Contents 1. Plan and prepare for meetings 2. Conduct meetings 3. Debrief and follow up meetings. Un...

3. القصة ونحن ...

3. القصة ونحن ندلف إلى هذا العمل المتميز الروائي متميز هو الآخر وقد مضى في مسيرته الكتابة باللغة ال...

?" ! The narrat...

?" ! The narrator in *Lord of the Flies* is a separate, unnamed, impar9al narrator is aware of what ...

السرد إعلان ...

السرد إعلان مناخ مناسب للتعبير عن التجارب والمعاناة التي واجهها الشاعر بتضمينه صوراً شعرية عريضة ...

Step 6: Monitor...

Step 6: Monitoring and Evaluating Performance Monitoring and evaluating performance require ongoing ...

في تناول الموضو...

في تناول الموضوعات التربوية والخلقية التي اختارها لكتابتها ، فلقيت مقالاته رواجا كبيرا في أوساط الق...

Family Relation...

Family Relations : King Lear addresses family relationships , including those between children and f...

الصناعات التقلي...

الصناعات التقليدية هي إنتاج حضاري لآلاف السنين من التفاعل الحي بين المجتمعات المحلية بما تحمله من رؤ...

Our study, "The...

Our study, "The Role of Accounting Information Systems in Achieving Financial Performance and Produc...

دخل محمد في تما...

دخل محمد في تمام الساعة 7:35 دخل مع والدته وقالت المعلمة له صباح الخير وابتسم محمد وقال صباح النور و...