Lakhasly

بالرغم من حداثة مصطلح النظام المالي الإسلامي، إلا أن قضایا وموضوعات النظام ارتبط ظهورها بظهور الشریعة
الإسلامیة، التي جاءت منظمة لشؤون الفرد والمجتمع في مختلف جوانب الحیاة. ومنها الجانب المالي.
بدأ التشریع المالي في الإسلام بتحریم الربا والاحتكار ونظم عملیات التبادل، كما أقر الملكیة الفردیة والجماعیة، وجعل لكل
منهما حدودا. ولهذا بحث العلماء المسلمون كثیرا في القضایا المالیة، ولكن ضل البحث في هذه القضایا والمسائل مرتبطا
إلى حد كبیر بالعلوم الأخرى. ومن ذالك الفقه والتفسیر والحدیث".
1
وبالرغم من تداخل هذه العلوم فیما بینها، إلا أن بعض الجهود العلمیة من علماء الإسلام وممن انبروا كتابة وتألیفا مستقلا
كان لهم حضور معرفي، بیانا منهم لما یعرض لهم من مسائل ومشكلات مالیة.
ومن هذه الكتابات نذكر:
 كتاب الخراج لأبي یوسف المتوفى سنة 182ه
 كتاب الاكتساب في الرزق لمحمد بن الحسن الشیباني المتوفى189 سنة
 كتاب الخراج لیحیى بن آدم القرشي المتوفى سنة 203 ..
 كتاب الأموال لأبي عبید القاسم بن سلمان المتوفى سنة 224 .

وهذه المؤلفات السالف ذكرها إلى جانب القضایا الفقهیة غنیة بإشارات وتحلیلات مالیة. بل إن كتاب الخراج لأبي یوسف
ٕ نفاقه إلا أنه في
وا حقیقته خطة للإصلاح المالي بهدف رفع المستوى ٕ ن كان یبدو كتابا یهتم بتنظیم الإسلام لجبایة الخراج وا
الإنتاجي في الأمة الإسلامیة وتحقیق التنمیة في شتى جوانبها الاقتصادیة.
ثم بعد ذلك ظهرت كتابات لعلماء المسلمین تضمنت أیضا التعرض لبعض القضایا المالیة، فهذا أبو حامد الغزالي یتكلم في
كتابه إحیاء علوم الدین عن صعوبات المقایضة وأهمیة النقود ووظائفها. وهذا أبو الفضل جعفر بن علي الدمشقي الذي
عاش إلى أواخر القرن السادس هجري یتكلم في كتابه الإشارة إلى محاسن التجارة عن العدید من المسائل والقضایا المالیة
مثل الحاجات وتقسیم العمل وصعوبات المقایضة والنقود والأسعار. وفي القرن السابع والثامن الهجري نجد أن كتابات كل
من ابن تیمیة وابن القیم رحم االله الجمیع قد تضمنت أفكارا اقتصادیة ومالیة فیما یتعلق بالنقود والأسعار. في أواخر القرن
الثامن وا المتعلقة ٕ شراق القرن التاسع جاء الإمام والمؤرخ ابن خلدون الذي ضمن كتابة المقدمة الكثیر من الآراء والتحلیلات
بالمسائل المالیة، مثل تقسیم العمل والأسعار والنقود والعرض والطلب، وتقسیم السلع إلى ضروریة وكمالیة ... ویعتبر ابن
خلدون بحق أول من بحث في القضایا والمسائل المالیة وفق طابع تحلیلي، حیث درس بعمق البواعث والعوامل ذات الطابع
المالي التي یخضع لها سلوك الأفراد والجماعات. تلكم هي أهم إسهامات علماء المسلمین في العصور المتقدمة في بحث
ودراسة القضایا المالیة. وهناك غیرها الكثیر ویلاحظ على تلك الإسهامات أنها لم تكن في إطار علم مستقل بل جاءت
متصلة ببحوث أولئك العلماء في التفسیر والحدیث والفقه والتاریخ. ومع أن ابن خلدون باعتباره أول من تعرض لهذه
الظواهر والموضوعات المالیة بعمق وفق تحلیل منطقي إلا أنه لم یتعرض لها تحت إطار مستقل أو ضمن علم متمیز بل
جاءت دراسته متصلة ببحثه ودراسته لعلم التاریخ وللعلوم الاجتماعیة. وكما یكتب بعض الكتاب في تاریخ الفكر المالي فلو
أن ابن خلدون فصل عرضه ومقاله في القضایا المالیة واتخذه علما مستقلا عن قضایاه الأساسیة من التاریخ والعمران
و البیان في العلاقات الاجتماعیة والعلوم الكونیة لكان في تاریخ الفكر البشري هو مؤسس تاریخ الفكر والمال.
وفي العصر الحدیث ظهر اهتمام مبكر یبحث في الأسس التي یقوم علیها النظام المالي والمبادئ والقواعد التي تحكم
النشاط المالي وقد جاءت معظم الأبحاث والدراسات في هذا الجانب ذات طابع فقهي ومذهبي خاصة تلك الدراسات
المبكرة، فقد كانت متعلقة بأحكام الربا والتأمین والاحتكار والأعمال المصرفیة وحكم الإسلام فیها، وهذا یتضح في
"الإسهامات الفردیة" مثل: كتاب السیاسة المالیة في الإسلام للاستاذ عبد الكریم الخطیب، وكتاب أسس الاقتصاد بین
الإسلام والنظم المعاصرة للشیخ أبي الأعلى المودودي، وكتاب المبادئ الاقتصادیة في الإسلام للأستاذ علي عبد الرسول
وكتاب النظام المالي الإسلامي للأستاذ محمد كمال الحرف.. 
2
كما یتضح في الإسهامات الجماعیة" مثل أسابیع الفقه المتعددة ابتداء من أسبوع الفقه الأول الذي عقد في باریس سنة
1951 م، حیث نقشت فیه موضوعات كالربا والتأمین والتكافل الاجتماعي والاحتكار. ومثل المؤتمرات الإسلامیة التي
عقدها مجمع البحوث الإسلامیة في الأزهر والتي كان أول انعقادها سنة 1964م. ونقشت في تلك المؤتمرات موضوعات
مثل الموارد المالیة في الإسلام والمعاملات المصرفیة ورأي الإسلام فیها والاستثمار وغیرها من الموضوعات، وفي عام
1976 عقد في مكة المكرمة المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي وذلك تحت إشراف كلیة الاقتصاد والإدارة بجامعة
الملك عبد العزیز بجدة وقد شارك في هذا المؤتمر عدد كبیر من علماء الشریعة والاقتصاد، وشملت موضوعات المؤتمر
مفهوم ومنهج الاقتصاد الإسلامي ودور الدولة الإسلامیة في الاقتصاد المعاصر والتنمیة الاقتصادیة في الإطار الإسلامي
والزكاة والسیاسة المالیة وموضوعات البنوك والتأمین.....
لقد كان هذا المؤتمر نقطة تحول ممیزة في مسیرة النظام المالي الإسلامي بوصفه فرعا من فروع المعرفة، فالإسهامات
الفردیة التي قدمها العلماء قبل المؤتمر لم تستطع أن توفر قوة الدفع المطلوبة لتحدید معالم النظام المالي كعلم مستقل لكن
هذا المؤتمر كان له دور العامل المساعد في النمو الكبیر الذي شهده النظام المالي الإسلامي.
كما ساعدت هذه المؤتمرات في بناء مؤسسات كان لها دور كبیر في تطور الدراسات المتخصصة في الاقتصاد والنظام
الإسلامي المالي ومن تلك المؤسسات مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزیز في جدة الذي أنشئ
عام ،1977 وشعبة الاقتصاد الإسلامي بقسم الدراسات العلیا الشرعیة بجامعة أم القرى، وقسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة
محمد بن سعود الإسلامیة، والمعهد الإسلامي للبحوث والتدریب التابع للبنك الإسلامي للتنمیة ... وكذا المجمع الفقهي
الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي .... حیث أن للمجتمعین دورا كبیرا في دراسة وبحث الكثیر من القضایا
الاقتصادیة والمالیة المعاصرة من أجل التوصل إلى الحكم الشرعي لها و تقدیم الحلول الإسلامیة لتلك القضایا.