Lakhasly

ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺈﻋﻠﺎن
ارﺳﻞ ﺧﺒﺮاً
ﺗﺴﺠﻴﻞ دﺧﻮل
تقنيات كتابة الرواية التاريخية عند جرجي زيدان- سامي سليمان احمد
12:00 1-4-2005 آخر تعديل : الجمعة
تقنيات كتابة الرواية التاريخية عند جرجي زيدان- سامي سليمان احمد
تهدف هذه الدراسة الى تحليل تقنيات كتابة الرواية التاريخية عند جرجي زيدان والكشف عن دور التقنيات في الاسهام في تأصيل الاشكال الروائية في المرحلة الاولى من مراحل تاريخ الرواية العربية الحديثة، ونرى بداية ان تجربة كتابة الرواية التاريخية لدى جرجي زيدان تكشف عن كثير من العوائق التشكيلية والبنائية والاسلوبية التي كانت تواجه كتاب الرواية العربية ولا سيما الرواية التاريخية - في قرن تأصيل الانواع الادبية الحديثة الواقع بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، كما تكشف مساعي جرجي زيدان، وغيره ضمن كتاب الرواية التاريخية في قرن التأصيل، عن كثير من التحولات التي لابست الاشكال الروائية او السردية عامة في ذلك القرن، واذا كانت العلاقة بين تلك العوائق والتحولات قد ادت خلال قرن كامل الى تأصيل الاشكال السردية الحديثة، فان ذلك التأصيل كان يكشف في صيرورته وفي تحققه، عن التأثيرات الايجابية التي افرزتها «العلاقة الجدلية» بين كتابة الاشكال السردية والجمهور المتلقي الذي كان هؤلاء الكتاب يتوجهون اليه.
وتقوم هذه الدراسة بوضع روايات جرجي زيدان التعليمية في سياقها البدأ جرجي زيدان تقديم سلسلة رواياته عن تاريخ الاسلام في بداية العقد الاخير من القرن التاسع عشر (1891) وظل يقدمها حتى وفاته في عام 1914. وقدم فيها اثنتين وعشرين رواية، اعتمد في القليل منها على وقائع بعض الفترات التاريخية الحديثة او المعاصرة له، او بعض شخصيات التاريخ العربي المصري الحديث، كما في روايته «محمد علي» (1907) و«الانقلاب العثماني» (1911)، كما جعل من روايته «فتاة غسان» (1898) فرصة لتناول بعض احداث العصر الجاهلي تمهيدا لتصوير التغير الذي احدثه ظهور الاسلام في الشخصيات التي عاصرت الجاهلية وبداية الاسلام.
وركز زيدان في الكم الأكبر من رواياته التاريخية على تقديم احداث التاريخ العربي الاسلامي، فركز على بعض المراحل والشخصيات المؤثرة فيه، فكتب روايات متعددة منها «الحجاج بن يوسف» (1902) و«ابو مسلم الخراساني» (1905) و«العباسة اخت الرشيد» (1906) و«الأمين والمأمون» (1907) و«عبدالرحمن الناصر» (1909) و«صلاح الدين ومكائد الحشاشين» (1913)، وغيرها.
ولم تكن كتابة زيدان هذه الروايات التاريخية منفصلة عن السياق الادبي الموازي له في مجال السرد العربي الحديث، ففي الفترة الممتدة من الثلث الاخير من القرن التاسع عشر الى عام 1914 (حيث توفي زيدان) ساد خطان روائيان هما الرواية التعليمية التي مثل كتاب «علم الدين» (1883) لعلي مبارك نموذجها الأجلى، والرواية التاريخية التي بدأها سليم البستاني في بلاد الشام فكتب «زنوبيا» (1871) و«بدور» (1872) و«الهيام في فتوح بلاد الشام» (1874)، وقدم جميل نخلة المدور روايته حضارة الاسلام في دار السلام، عام 1888. وفي الفترة ذاتها قدم رفاعة الطهطاوي صياغته للسيرة النبوية التي حملت عنوان «نهاية الايجاز في سيرة ساكن الحجاز» والتي افاد فيها من تقنيات الرواية التاريخية والرواية التعليمية.
ويكشف ذلك السياق الادبي، من وجوه التلاقي بين الرواية التعليمية والرواية التاريخية، وتتبدى هذه الوجوه في الهدف وطرائف التشكيل على السواء؛ فقد كان تعلم التاريخ - بالمعنى العام والمباشر لهذه العبارة هدفا مشتركاً جعل الكتاب يضيفون الى تقديم الحقائق التاريخية المتعلقة بفترة ما تصوير بعض الجوانب الحضارية التي تميز هذه الفترة، وتصوير ما كان يسود فيها من اخلاق وعادات، ولعل هذا ما يفسر ما وصف به جرجي زيدان الكاتب الروائي من انه كان (لا ينظر الى التاريخ على انه مجرد احداث سياسية).
وتتصدر العنونة تقنيات زيدان، وتكشف هذه التقنية عن الازدواجية المحورية التي تتجلى في مختلف تقنيات زيدان الكتابية، اذ تحمل رواياته التاريخية عنوانا مزدوجا، فثمة عنوان رئيسي يثير لدى القارىء توقع ان تكون الرواية تصويرا لشخصية تاريخية، وثمة عنوان ثانوي يمثل تفسيرا وايجازا لعدد من الحوادث والجوانب الاساسية التي سيتناولها زيدان، فرواية «العباسة أخت الرشيد» تحمل وصفا او توصيفا يصفها بانها (تشتمل على نكبة التراكمة واسبابها، وما يتخلل ذلك من وصف مجالس الخلفاء العباسيين وملابسهم ومواليهم، وحضارة دولتهم في عصر الرشيد).
واما التقنية الثانية فهي تقنية الحبكة التي تقوم لدى زيدان على صيغة الجمع بين حكاية وقائع تاريخية، وحكاية متخيلة غالبا ما تكون حكاية عاطفية،.
ولهذه التقنية نظائر عند كتاب الرواية التاريخية وكتاب الرواية التعليمية المعاصرين لزيدان على نحو ما يتجلى لدى جميل نخلة المدور»، وعلي مبارك.
وتبدو تقنيات الاستطراد ذات فعالية في تشكيل الحدث وتصوير الوقائع المختلفة وتقديم عدد الجوانب المتصلة بالشخصيات الرئيسية، ففي رواية «العباسة أخت الرشيد» يتواتر استخدام هذه التقنية التي تلعب عددا من الوظائف الاساسية، منها تقديم المعلومات للمتلقي، كما تؤدي هذه التقنية دورا في التأثير العاطفي في القارىء وتقديم بعض النصائح والحكم التي يستخلصها الراوي من الحدث.
واعتمد زيدان على مجموعة من التقنيات السردية «الجزئية» التي تهدف الى احداث التشويق او الى تغيير مسار الحدث، او الى كشف جانب من جوانب الغموض في الحدث، وتجلى ذلك في تقنيات المصادفة والحيلة والمفاجأة، والصراع احيانا، ولكن الهدف التعليمي المباشر قد «تحلل» من تأثير هذه التقنيات، وجعل الملامح التعليمية بارزة في السرد، على نحو ما يتجلى في رواية «العباسة اخت الرشيد» على سبيل المثال.
وفي بنية روايات زيدان التاريخية كان يوازي التقنيات الجمالية السابقة مجموعة اخرى من التقنيات المستمدة من الكتابة التاريخية ومن الكتابة المقالية، وابرز هذه التقنيات تقديم الحقائق التاريخية كما هي، وتقديم وصف تاريخي وجغرافي دقيق مفصل لاماكن الحوادث، واسناد المعلومات الى مصادرها، وتصوير جوانب الحياة الاجتاعية والحضارية واجواء التنافس السياسي في بلاط الحاكم وتميزها.
كانت التقنيات الكتابية المختلفة التي استخدمها زيدان في تشكيل الرواية التاريخية متصلة، من ناحية، بالجمهور المتلقي الذي كان يتوجه اليه، كما كانت، من ناحية ثانية، سبيلا الى تأصيل الرواية التاريخية - والاشكال السردية الحديثة - في الادب العربي الحديث.

• ناقد