Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

فرضية الثقافة
فرضية الثقافة، التي تربط معدل الازدهار بالثقافة وفرضية الثقافة، تتسم بأصول متميزة، يرجع أصلها على الأقل إلى عالم الاجتماع الألماني الكبير "ماكس فيبر"، والذي رأى أن الإصلاح البروتستانتي والأخلاق البروتستانتية التي أفرزها قد لعبت دورا أساسيا في تمهيد الطريق أمام ظهور المجتمع الصناعي الحديث في أوروبا الغربية. إن فرضية الثقافة لم تعد قائمة فقط على الدين بصورة منفردة، والأخلاقيات أيضًا. وعلى الرغم من أنه ليس صحيحاً من الناحية السياسية أن تعبر عن ذلك بصورة علنية، حيث مازال الكثير من الناس يصرون أن الأفريقيين فقراء لأنهم يفتقدون الأخلاقيات العمل المناسبة، وأنهم مازالوا يعتقدون أيضًا في الدجل والسحر، وبالطبع، لقد اعتقد الكثيرون أن الثقافة الصينية والقيم الكونفشيوسية معادية للنمو والتطور الاقتصادي، وهونج كونج، وسنغافورة، والسؤال الآن هو: هل فرضية الثقافة تعد مفيدة في فهم حالة اللامساوة التي
تسود العالم ؟ والإجابة هي نعم ولا؛ نعم، بالمعنى الذي تكون فيه معايير السلوكيات الاجتماعية - والتي ترتبط بالثقافة - هامة ويمكن أن يكون من الصعب تغييرها، كما أنها أيضًا تدعم في بعض الأحيان الفوارق المؤسسية، وهو ما يمثل التفسير الذي يتبناه هذا الكتاب فيما يتعلق بحالة اللامساواة التي تسود العالم. وتكون الإجابة في الغالب لا، لأن تلك الجوانب المتعلقة بالثقافة وغالبا ما يتم التأكيد عليها - العقيدة الدينية والأخلاقيات القومية، بالإضافة إلى أن الجوانب الأخرى مثل المدى أو الحد الذي يتبادل الناس عنده الثقة في بعضهم البعض أو تكون لديهم القدرة على التعاون سويا، والتي تعد هامة غير أنها تكون في الغالب محصلة ونتيجة
للمؤسسات،والآن دعنا نعود مرة أخرى المثال نوغاليس، وكما ذكرنا من قبل، فإن الكثير من الجوانب المرتبطة بالثقافة هي نفس الشيء في شمال وجنوب السور الفاصل بين المدينتين؛ قد يكون هناك بعض الفوارق المميزة في العادات، والسلوكيات والقيم رغم أن هذه الأمور لا تمثل أسباباً وإنها نتائج ومحصلات المسارات التنمية والتطور المختلفة لكلا المكانين. فعلى سبيل المثال، في استطلاعات للرأي، يشير المكسيكيون بشكل واضح إلى أنهم يثقون في الأشخاص الآخرين بدرجة أقل من موقف مواطني الولايات المتحدة من حيث ثقتهم في الآخرين؛ غير أنه ليس من المفاجئ بأن يفتقد المكسيكيون الثقة عندما لا تستطيع حكومتهم أن تتخلص من اتحاد شركات الأدوية التي تستغل المواطنين أو أن تقدم نظام قانوني محايد يتم تطبيقه. إن نفس الشيء يعد صحيحًا بالنسبة لكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، كما نتعرض لذلك في الفصل التالي حيث إن كوريا الجنوبية تعد واحدة من أغنى الدول في العالم، في حين أن كوريا الشمالية تتصارع مع حالات من المجاعة المتكررة والفقر المدقع. إلا أنها لم تلعب دورا في وجود هذه الثروات الاقتصادية المتفاوتة بين هاتين نصفي هذه الدولة إن شبه الجزيرة الكورية يربطها ببعضها حقبة طويلة من التاريخ المشترك، فقبل الحرب الكورية وقبل التقسيم عندما يوازي خط عرض 38 كحدود فاصلة بينهما، والأصول العرقية، والثقافة تماما كما هو الأمر بالنسبة لتوغاليس المهم هنا هو الحدود الفاصلة بينهما. إن أي فارق في الثقافة بين جنوب و شمال الحدود التي تفصل بين شقي نوغاليس أو بين شقي كوريا لا يمثل إذا سبيا للفوارق الموجودة في حالة الازدهار، وإنها، بالأخرى، نتيجة ومحصلة له.وماذا عن إفريقيا والثقافة الإفريقية ؟ لقد كانت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء - من الناحية التاريخية - أكثر فقرًا من معظم المناطق الأخرى في العالم، كما أن حضاراتها القديمة لم تتوصل لابتكار العجلة، أو الكتابة (باستثناء إثيوبيا والصومال) أو المحراث على الرغم من أن هذه التكنولوجيات لم تكن مستخدمة على نطاق واسع حتى قدوم الاستعمار الأوروبي الرسمي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث إن المجتمعات الإفريقية كانت تعرفها في مرحلة مبكرة بكثير، وكان الأسيويون يبحرون بصورة مستمرة تجاه شرق إفريقيا منذ فترات زمنية مبكرة بكثير. والتي سميت جمهورية الكونغو الديمقراطية الحديثة توضح الخريطة رقم (6) الحدود التي كانت الكونغو مجاورة فيها الدولة إفريقية أخرى هامة وهي مملكة كوبا (أو باكوبا)، أصبحت الكونغو في اتصال قوي ومباشر مع البرتغاليين بعد أن زارها للمرة الأولى البخار "دييجو كاو" في عام 1483. في ذلك الوقت، كانت الكونغو تمثل نظاماً حكومياً مركزيا بدرجة كبيرة وفقا للمعايير الإفريقية، وكان عدد سكانها يبلغ قرابة ستين ألف نسمة، الأمر الذي جعلها تقريبا في نفس حجم العاصمة البرتغالية "لشبونة" وأكبر حجما من لندن، والتي كان يبلغ عدد سكانها قرابة خمسين ألف نسمة في عام 1500، اعتنق ملك الكونغو، "نزينجا إبي نيكووا"، ثم بعد ذلك تم تغيير اسم العاصمة
"موبانزا" إلى "سأوو سلفادور"؛ ويرجع الفضل للبرتغاليين في تعريف الكونغوليين بالعجلة والمحراث، حتى أن البرتغاليين شجعوهم على استخدام هذه الآلات والوسائل من خلال البعثات الزراعية في عامي 1491 و 1512؛ غير أن جميع هذه المبادرات باءت بالفشل. ومع ذلك لم يكن لدى الكونغوليين كراهية أو نفور بشكل عام تجاه استخدام التكنولوجيات الحديثة؛ وعندما تعمقت علاقاتهم وعقودهم التجارية مع الأوروبيين، اتبع الكونغوليون عادات غربية أخرى مثل التعليم، وأنماط المليس، وتصميمات المنازل. في القرن التاسع عشر، استفادت الكثير من المجتمعات الإفريقية أيضًا من الفرص والمحفزات الاقتصادية المتنامية التي أفرزتها الثورة الصناعية من خلال تغيير أنماط وطرق إنتاجهم. وفي غرب إفريقيا كان هناك تطورًا وتنمية اقتصادية سريعة قائمة على تصدير زيوت النخيل والمكسرات النقل) وفي المنطقة الجنوبية من إفريقيا، قام الإفريقيون بتطوير حركة الصادرات للمناطق الصناعية والتعدينية المتزايدة والمتعة بشكل سريع بمنطقة الراند" الجنوب إفريقيا غير أن هذه التجارب الاقتصادية الواعدة قد تعرضت للطمس والزوال ليس كنتيجة لطبيعة الثقافة الإفريقية أو عدم قدرة الإفريقيين العاديين على التصرف وفقا لما يتناسب مع مصالحهم الشخصية،إن السبب الحقيقي وراء عدم تبني واستخدام الكونغوليين لوسائل التكنولوجيا المتفوقة كان يرجع إلى أنهم كانوا يفتقدون لأي محفزات أو فرص تدفعهم للقيام بذلك؛ لقد واجهوا مخاطر كبيرة تتعلق بمصادرة كل ما كانوا يقومون بإنتاجه، وكانت تفرض عليهم الضرائب من قبل الملك المستبد بالقوة والسلطة، سواء كان قد اعتنق المسيحية الكاثوليكية أم لا، وفي الحقيقة، حيث كان استمرارهم على قيد الحياة معلقا بخيط رفيع. وكان يتم الإمساك بالكثير منهم به ثم يباعوا كعبيد - وبالكاد لم تكن هذه البيئة المناسبة التي تشجعهم على الاستثمار من أجل زيادة معدل إنتاجية العمل بشكل طويل المدى. كما أن الملك لم يكن لديه محفزات وفرص لكي يبدأ في تبني استخدام المحراث على نطاق واسع أو أن يجعل من زيادة الإنتاجية الزراعية أولوية رئيسية بالنسبة له؛ لقد كان تصدير العبيد أكثر ربحا
وفي الحقيقة، قد يكون من الصحيح اليوم أن الإفريقيين يثقون في بعضهم البعض بدرجة أقل من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق أخرى من العالم؛ غير أن هذا يعد محصلة ونتيجة لتاريخ طويل من المؤسسات التي أضعفت وقوضت حقوق الإنسان وحقوق الملكية في إفريقيا.ولكن ماذا عن الأخلاق البروتستانتية التي تحدث عنها "ماكس فيبر"؟ ورغم أنه قد يكون من الصحيح أن الدول التي يسود فيها المذهب البروتستانتي، مثل هولندا وإنجلترا، كانت تمثل أول نماذج النجاح والتفوق الاقتصادي في الحقبة الحديثة، إلا أن هناك علاقة ضعيفة بين الدين وبين التفوق الاقتصادي؛ فعلى سبيل المثال، فرنسا، كدولة يغلب عليها المذهب الكاثوليكي، سرعان ما بدأت في محاكاة الأداء والتطور الاقتصادي الذي حققه الهولنديون والإنجليز في القرن التاسع عشر، وكذلك إيطاليا مزدهرة اليوم مثل هذه الدول. فسوف ترى أنه ليس هناك علاقة بين أي من حالات النجاح والتطور الاقتصادي الموجودة في شرق آسيا وبين أي صيغة أو شكل من أشكال الدين المسيحي، ولذلك فإنه ليس هناك
أيضا ما يؤيد بقوة وجود علاقة خاصة بين المذهب البروتستانتي وبين التفوق والتطور الاقتصادي في هذه الدول. والآن دعنا ننتقل إلى منطقة مفضلة بالنسبة لكثير من المتحمسين للافتراض القائم
إن دول الشرق الأوسط هي في الأصل دول إسلامية، والدول غير المنتجة للنفط من بينها تعد دول فقيرة بدرجة كبيرة، أما الدول المنتجة للنفط فهي أكثر غنى، غير أن هذا الوصول المفاجئ للثروة لم يقدم الكثير من أجل خلق اقتصاديات حديثة متنوعة سواء في المملكة العربية السعودية أو الكويت. ألا تظهر هذه الحقائق بشكل مقنع أن الدين لا يلعب دورا هاما في هذه المسألة ؟ ورغم أن هذا يبدو منطقياً ومعقولا، إلا أن هذه الحجة ليست صحيحة أيضًا؛ أجل بالفعل، فهناك دول مثل سوريا ومصر تعد فقيرة، وسكانها في الأصل مسلمين غير أن هذه الدول تختلف أيضًا من الناحية التنظيمية بطرق أخرى تعد غاية في الأهمية بالنسبة لتحقيق الازدهار؛ وفي البداية، كانت جميع هذه الدول أقاليم تابعة للإمبراطورية العثمانية، وهو الأمر الذي أعاق مرة أخرى إمكانية الاستفادة من الإمكانيات والموارد المتاحة في هذه الدول؛ وبعد الحصول على الاستقلال، اتبعت هذه الدول الكثير من الأنظمة التي كانت سائدة إبان الحقبة الاستعمارية السابقة عن طريق وضع وتبني أنظمة حكم سياسية سلطوية ذات تدرج هرمي، مع وجود القليل من المؤسسات الاقتصادية والسياسية التي - كما سنناقش - تعد هامة وأساسية بالنسبة لتحقيق التطور والنجاح الاقتصادي. لقد تشكل هذا المسار التنموي بدرجة كبيرة من خلال التاريخ المتعلق بحقبة الحكم العثماني والأوروبي. إن العلاقة بين الدين الإسلامي وبين حالة الفقر الموجودة في الشرق الأوسط تعد زائفة إلى حد كبير. إن دور هذه الأحداث التاريخية، وليس العوامل الثقافية، في تشكيل المسار الاقتصادي في الشرق الأوسط يتم إدراكها أيضًا في ثنايا الحقيقة التي توضح أن المناطق الواقعة في الشرق الأوسط، والتي تخلصت من قبضة الإمبراطورية العثمانية والقوى الاستعمارية الأوروبية، استحوذ "محمد على" وسيطر على السلطة بعد انسحاب القوات الفرنسية التي كانت قد احتلت مصر بقيادة نابليون بونابرت؛ مستغلا حالة الضعف التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية والتي كانت تسيطر على الأراضي المصرية في ذلك الوقت، حيث استطاع أن يؤسس لأسرته الحاكمة، والتي استطاعت - بصيغة أو بأخرى - أن تحكم مصر حتى قيام ثورة 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، حيث تم تحديث الروتين الحكومي، والجيش ونظام الضرائب، وكان هناك نمو في الزراعة والصناعة؛ حيث خضعت مصر للنفوذ الأوروبي. غير أنه ربما تكون هذه هي الطريقة الخاطئة التي يجب أن نفكر بها عن الثقافة؛ لا ترتبط بالدين، وربما يكون تأثير الثقافة الإنجليزية هو الذي يمثل العنصر الهام هنا، كما أنه يفسر السبب الذي يجعل دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، أجل بالفعل، إن التفاوت في حالة الازدهار بين المستعمرات الإنجليزية يعد كبيرا بشكل ملحوظ في كل أنحاء العالم. إن الميراث الإنجليزي ليس هو السبب في نجاح وتفوق أمريكا الشمالية. غير أنه ما زال هناك إصدار آخر من فرضية الثقافة: فمن المحتمل ألا يكون ما هو
إنجليزي في مقابل ما هو غير إنجليزي هو السبب في ذلك، ما هو أوروبي في
مقابل ما هو غير أوروبي؛ هل يمكن أن يكون الأمر يتمثل في أن الأوروبيين متفوقون
بدرجة ما بسبب أخلاقيات العمل الخاصة بهم، والانفتاح على الحياة، والقيم اليهودية
والمسيحية، أو التراث الروماني ؟ صحيح أن أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، واللتان
يقطن بهما في الأصل أشخاص ينتمون إلى أصول أوروبية،ازدهارًا في العالم؛ وربما يكون الميراث الثقافي الأوروبي المتفوق هو الذي يشكل جذور
الازدهار الموجود - وهو ما يمثل الملاذ الأخير بالنسبة لفرضية الثقافة؛ ولكن للأسف
الشديد، هذا الإصدار من فرضية الثقافة يقدم القليل من العناصر التفسيرية مثله في
ذلك مثل الإصدارات الأخرى. إن هناك نسبة أكبر حجما من سكان الأرجنتين
وأوروجواي - بالمقارنة مع سكان كندا والولايات المتحدة الأمريكية - تنتمي إلى
أصول أوروبية، غير أن الأداء الاقتصادي لكل من الأرجنتين وأوروجواي لا يفسح
المجال للمزيد من الخوض في هذا الصدد. وفي حين أن اليابان وسنغافورة لم يكن يوجد
بهما أبدا سوى مجموعات صغيرة من السكان الذين ينتمون لأصول أوروبية، إلا أنها
يتمتعان بحالة من الازدهار مثل مناطق كثيرة من أوروبا الغربية.وكذلك الأمر بالنسبة للصين - على الرغم من الاضطرابات الكثيرة التي تشوب نظامها السياسي والاقتصادي - فهي تعد واحدة من أكثر الدول التي تشهد تطورا ونموا بمعدل سريع خلال العقود الثلاثة الماضية. إن حالة الفقر التي كانت تمر بها الصين حتى وفاة "تسي تونج" لم يكن لها علاقة بطبيعة الثقافة الصينية؛ قام في الخمسينيات من القرن العشرين بوضع نظام أطلق عليه "القفزة الكبر إلى الأمام"، قام بالدعوة إلى انطلاق "الثورة الثقافية"، والتي أفضت إلى اضطهاد أصحاب الفكر والمثقفين والمتعلمين من المواطنين أي شخص قد يدور الشك حول ولاء حزبه للنظام. وبنفس الطريقة فإن النمو والتطور الصيني الراهن ليس له علاقة بطبيعة القيم الصينية أو التغيرات الموجودة في الثقافة الصينية؛ إنه ينتج عن عملية من التحول الاقتصادي مدعومة بالإصلاحات التي نفذها "دينج شياو بنغ" وحلفائه، والذي - بعد وفاة ماو تسي تونغ - تخلى تدريجيا عن السياسات والمؤسسات الاقتصادية الاشتراكية،


Original text

فرضية الثقافة


إن النظرية الثانية التي تلقى قبولاً على نطاق واسع، فرضية الثقافة، التي تربط معدل الازدهار بالثقافة وفرضية الثقافة، مثلها في ذلك مثل الافتراض القائم على الموقع الجغرافي، تتسم بأصول متميزة، يرجع أصلها على الأقل إلى عالم الاجتماع الألماني الكبير "ماكس فيبر"، والذي رأى أن الإصلاح البروتستانتي والأخلاق البروتستانتية التي أفرزها قد لعبت دورا أساسيا في تمهيد الطريق أمام ظهور المجتمع الصناعي الحديث في أوروبا الغربية. إن فرضية الثقافة لم تعد قائمة فقط على الدين بصورة منفردة، وإنما تشمل أنماطاً أخرى من المعتقدات، والقيم، والأخلاقيات أيضًا. وعلى الرغم من أنه ليس صحيحاً من الناحية السياسية أن تعبر عن ذلك بصورة علنية، حيث مازال الكثير من الناس يصرون أن الأفريقيين فقراء لأنهم يفتقدون الأخلاقيات العمل المناسبة، وأنهم مازالوا يعتقدون أيضًا في الدجل والسحر، أو أنهم يقاومون وسائل التكنولوجيا الغربية الحديثة ويعتقد الكثيرون أيضا أن أمريكا اللاتينية لن تصبح أبدا غنية لأن سكانها في الأصل يغلب عليهم الإسراف والإفلاس ولأنهم يعانون من بعض مفاهيم الثقافة الأيبيرية (المانيانا) ثقافة (غدا) أي لماذا تفعل اليوم ما يمكنك أن تفعله غداً، وبالطبع، لقد اعتقد الكثيرون أن الثقافة الصينية والقيم الكونفشيوسية معادية للنمو والتطور الاقتصادي، في حين أصبحت أهمية الالتزام بأخلاق العمل الصينية في الوقت الحاضر بمثابة المحرك لعجلة النمو الاقتصادي في


الصين، وهونج كونج، وسنغافورة، وينادي بها بأعلى صوت. والسؤال الآن هو: هل فرضية الثقافة تعد مفيدة في فهم حالة اللامساوة التي


تسود العالم ؟ والإجابة هي نعم ولا؛ نعم، بالمعنى الذي تكون فيه معايير السلوكيات الاجتماعية - والتي ترتبط بالثقافة - هامة ويمكن أن يكون من الصعب تغييرها، كما أنها أيضًا تدعم في بعض الأحيان الفوارق المؤسسية، وهو ما يمثل التفسير الذي يتبناه هذا الكتاب فيما يتعلق بحالة اللامساواة التي تسود العالم. وتكون الإجابة في الغالب لا، لأن تلك الجوانب المتعلقة بالثقافة وغالبا ما يتم التأكيد عليها - العقيدة الدينية والأخلاقيات القومية، والقيم الإفريقية أو اللاتينية - والتي ليست ذات أهمية بالنسبة لفهم الكيفية التي وصلنا بها إلى هذه المرحلة وكذلك السبب وراء وجود مثل هذه الحالات من اللامساواة وعدم التكافؤ واستمرارها. بالإضافة إلى أن الجوانب الأخرى مثل المدى أو الحد الذي يتبادل الناس عنده الثقة في بعضهم البعض أو تكون لديهم القدرة على التعاون سويا، والتي تعد هامة غير أنها تكون في الغالب محصلة ونتيجة


للمؤسسات، وليس لسبب أو علة مستقلة.


والآن دعنا نعود مرة أخرى المثال نوغاليس، وكما ذكرنا من قبل، فإن الكثير من الجوانب المرتبطة بالثقافة هي نفس الشيء في شمال وجنوب السور الفاصل بين المدينتين؛ ورغم ذلك، قد يكون هناك بعض الفوارق المميزة في العادات، والسلوكيات والقيم رغم أن هذه الأمور لا تمثل أسباباً وإنها نتائج ومحصلات المسارات التنمية والتطور المختلفة لكلا المكانين. فعلى سبيل المثال، في استطلاعات للرأي، يشير المكسيكيون بشكل واضح إلى أنهم يثقون في الأشخاص الآخرين بدرجة أقل من موقف مواطني الولايات المتحدة من حيث ثقتهم في الآخرين؛ غير أنه ليس من المفاجئ بأن يفتقد المكسيكيون الثقة عندما لا تستطيع حكومتهم أن تتخلص من اتحاد شركات الأدوية التي تستغل المواطنين أو أن تقدم نظام قانوني محايد يتم تطبيقه. إن نفس الشيء يعد صحيحًا بالنسبة لكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، كما نتعرض لذلك في الفصل التالي حيث إن كوريا الجنوبية تعد واحدة من أغنى الدول في العالم، في حين أن كوريا الشمالية تتصارع مع حالات من المجاعة المتكررة والفقر المدقع. وفي حين أن "الثقافة" تعد مختلفة بدرجة كبيرة بين الكوريتين اليوم، إلا أنها لم تلعب دورا في وجود هذه الثروات الاقتصادية المتفاوتة بين هاتين نصفي هذه الدولة إن شبه الجزيرة الكورية يربطها ببعضها حقبة طويلة من التاريخ المشترك، فقبل الحرب الكورية وقبل التقسيم عندما يوازي خط عرض 38 كحدود فاصلة بينهما، كان يوجد حالة من التجانس غير المسبوق فيما يتعلق باللغة، والأصول العرقية، والثقافة تماما كما هو الأمر بالنسبة لتوغاليس المهم هنا هو الحدود الفاصلة بينهما. يوجد في الشمال نظام حكم مختلف، يفرض مؤسسات مختلفة، ويخلق محفزات وفرص مختلفة. إن أي فارق في الثقافة بين جنوب و شمال الحدود التي تفصل بين شقي نوغاليس أو بين شقي كوريا لا يمثل إذا سبيا للفوارق الموجودة في حالة الازدهار، وإنها، بالأخرى، نتيجة ومحصلة له.


وماذا عن إفريقيا والثقافة الإفريقية ؟ لقد كانت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء - من الناحية التاريخية - أكثر فقرًا من معظم المناطق الأخرى في العالم، كما أن حضاراتها القديمة لم تتوصل لابتكار العجلة، أو الكتابة (باستثناء إثيوبيا والصومال) أو المحراث على الرغم من أن هذه التكنولوجيات لم تكن مستخدمة على نطاق واسع حتى قدوم الاستعمار الأوروبي الرسمي في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث إن المجتمعات الإفريقية كانت تعرفها في مرحلة مبكرة بكثير، بدأ الأوروبيون في الإبحار حول الساحل الغربي في أواخر القرن الخامس عشر، وكان الأسيويون يبحرون بصورة مستمرة تجاه شرق إفريقيا منذ فترات زمنية مبكرة بكثير. يمكننا أن نفهم السبب وراء عدم استخدام هذه التكنولوجيات من خلال تاريخ "مملكة الكونغو" الواقعة عند مصب نهر الكونغو، والتي سميت جمهورية الكونغو الديمقراطية الحديثة توضح الخريطة رقم (6) الحدود التي كانت الكونغو مجاورة فيها الدولة إفريقية أخرى هامة وهي مملكة كوبا (أو باكوبا)، والتي سوف نناقشها لاحقا في هذا الكتاب. أصبحت الكونغو في اتصال قوي ومباشر مع البرتغاليين بعد أن زارها للمرة الأولى البخار "دييجو كاو" في عام 1483. في ذلك الوقت، كانت الكونغو تمثل نظاماً حكومياً مركزيا بدرجة كبيرة وفقا للمعايير الإفريقية، وكانت عاصمتها "موباتزا"، وكان عدد سكانها يبلغ قرابة ستين ألف نسمة، الأمر الذي جعلها تقريبا في نفس حجم العاصمة البرتغالية "لشبونة" وأكبر حجما من لندن، والتي كان يبلغ عدد سكانها قرابة خمسين ألف نسمة في عام 1500، اعتنق ملك الكونغو، "نزينجا إبي نيكووا"، المسيحية الكاثوليكية وقام بتغيير اسمه إلى "جواوو الأول"؛ ثم بعد ذلك تم تغيير اسم العاصمة


"موبانزا" إلى "سأوو سلفادور"؛ ويرجع الفضل للبرتغاليين في تعريف الكونغوليين بالعجلة والمحراث، حتى أن البرتغاليين شجعوهم على استخدام هذه الآلات والوسائل من خلال البعثات الزراعية في عامي 1491 و 1512؛ غير أن جميع هذه المبادرات باءت بالفشل. ومع ذلك لم يكن لدى الكونغوليين كراهية أو نفور بشكل عام تجاه استخدام التكنولوجيات الحديثة؛ لقد كانوا في غاية السرعة في تبني واستخدام أحد الابتكارات الغربية الجليلة البندقية؛ حيث استخدموا هذه الأداة الحديثة والقوية في الاستجابة المحفزات وفرص السوق أن يقوموا بالإمساك بالعبيد وتصديرهم حسب الطلب؛ ولا توجد إشارة هنا بأن القيم أو الثقافة الإفريقية حالت دون تبني أو استخدام التكنولوجيات والتقاليد الحديثة؛ وعندما تعمقت علاقاتهم وعقودهم التجارية مع الأوروبيين، اتبع الكونغوليون عادات غربية أخرى مثل التعليم، وأنماط المليس، وتصميمات المنازل. في القرن التاسع عشر، استفادت الكثير من المجتمعات الإفريقية أيضًا من الفرص والمحفزات الاقتصادية المتنامية التي أفرزتها الثورة الصناعية من خلال تغيير أنماط وطرق إنتاجهم. وفي غرب إفريقيا كان هناك تطورًا وتنمية اقتصادية سريعة قائمة على تصدير زيوت النخيل والمكسرات النقل) وفي المنطقة الجنوبية من إفريقيا، قام الإفريقيون بتطوير حركة الصادرات للمناطق الصناعية والتعدينية المتزايدة والمتعة بشكل سريع بمنطقة الراند" الجنوب إفريقيا غير أن هذه التجارب الاقتصادية الواعدة قد تعرضت للطمس والزوال ليس كنتيجة لطبيعة الثقافة الإفريقية أو عدم قدرة الإفريقيين العاديين على التصرف وفقا لما يتناسب مع مصالحهم الشخصية، وإنها أولاً بسبب الاستعمار الأوروبي هناك ثم بعد ذلك بسبب الحكومات الإفريقية التي تولت زمام الأمور بعد الاستقلال.


إن السبب الحقيقي وراء عدم تبني واستخدام الكونغوليين لوسائل التكنولوجيا المتفوقة كان يرجع إلى أنهم كانوا يفتقدون لأي محفزات أو فرص تدفعهم للقيام بذلك؛ لقد واجهوا مخاطر كبيرة تتعلق بمصادرة كل ما كانوا يقومون بإنتاجه، وكانت تفرض عليهم الضرائب من قبل الملك المستبد بالقوة والسلطة، سواء كان قد اعتنق المسيحية الكاثوليكية أم لا، وفي الحقيقة، لم تكن ممتلكاتهم فقط عرضة للمخاطر بل حياتهم أيضًا؛ حيث كان استمرارهم على قيد الحياة معلقا بخيط رفيع. وكان يتم الإمساك بالكثير منهم به ثم يباعوا كعبيد - وبالكاد لم تكن هذه البيئة المناسبة التي تشجعهم على الاستثمار من أجل زيادة معدل إنتاجية العمل بشكل طويل المدى. كما أن الملك لم يكن لديه محفزات وفرص لكي يبدأ في تبني استخدام المحراث على نطاق واسع أو أن يجعل من زيادة الإنتاجية الزراعية أولوية رئيسية بالنسبة له؛ لقد كان تصدير العبيد أكثر ربحا


وفائدة بكثير.


وفي الحقيقة، قد يكون من الصحيح اليوم أن الإفريقيين يثقون في بعضهم البعض بدرجة أقل من الأشخاص الذين يعيشون في مناطق أخرى من العالم؛ غير أن هذا يعد محصلة ونتيجة لتاريخ طويل من المؤسسات التي أضعفت وقوضت حقوق الإنسان وحقوق الملكية في إفريقيا. إن احتمال التعرض للاعتقال والبيع كعبد رقيق قد أثر بلا شك في مدى الثقة التي كان يتعامل بها الإفريقيون مع الأشخاص الآخرين عبر التاريخ.


ولكن ماذا عن الأخلاق البروتستانتية التي تحدث عنها "ماكس فيبر"؟ ورغم أنه قد يكون من الصحيح أن الدول التي يسود فيها المذهب البروتستانتي، مثل هولندا وإنجلترا، كانت تمثل أول نماذج النجاح والتفوق الاقتصادي في الحقبة الحديثة، إلا أن هناك علاقة ضعيفة بين الدين وبين التفوق الاقتصادي؛ فعلى سبيل المثال، فرنسا، كدولة يغلب عليها المذهب الكاثوليكي، سرعان ما بدأت في محاكاة الأداء والتطور الاقتصادي الذي حققه الهولنديون والإنجليز في القرن التاسع عشر، وكذلك إيطاليا مزدهرة اليوم مثل هذه الدول. وإذا نظرنا جهة الشرق بمسافة أبعد من ذلك، فسوف ترى أنه ليس هناك علاقة بين أي من حالات النجاح والتطور الاقتصادي الموجودة في شرق آسيا وبين أي صيغة أو شكل من أشكال الدين المسيحي، ولذلك فإنه ليس هناك


أيضا ما يؤيد بقوة وجود علاقة خاصة بين المذهب البروتستانتي وبين التفوق والتطور الاقتصادي في هذه الدول. والآن دعنا ننتقل إلى منطقة مفضلة بالنسبة لكثير من المتحمسين للافتراض القائم


على الثقافة: ألا وهي الشرق الأوسط. إن دول الشرق الأوسط هي في الأصل دول إسلامية، والدول غير المنتجة للنفط من بينها تعد دول فقيرة بدرجة كبيرة، كما سبق أن ذكرنا؛ أما الدول المنتجة للنفط فهي أكثر غنى، غير أن هذا الوصول المفاجئ للثروة لم يقدم الكثير من أجل خلق اقتصاديات حديثة متنوعة سواء في المملكة العربية السعودية أو الكويت. ألا تظهر هذه الحقائق بشكل مقنع أن الدين لا يلعب دورا هاما في هذه المسألة ؟ ورغم أن هذا يبدو منطقياً ومعقولا، إلا أن هذه الحجة ليست صحيحة أيضًا؛ أجل بالفعل، فهناك دول مثل سوريا ومصر تعد فقيرة، وسكانها في الأصل مسلمين غير أن هذه الدول تختلف أيضًا من الناحية التنظيمية بطرق أخرى تعد غاية في الأهمية بالنسبة لتحقيق الازدهار؛ وفي البداية، كانت جميع هذه الدول أقاليم تابعة للإمبراطورية العثمانية، والتي شكلت وحددت بدرجة كبيرة وحضارة كيف تطورت هذه الدول. وبعد انهيار الحكم العثماني استحوذت الإمبراطوريتيان الاستعماريتيان الإنجليزية والفرنسية على الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي أعاق مرة أخرى إمكانية الاستفادة من الإمكانيات والموارد المتاحة في هذه الدول؛ وبعد الحصول على الاستقلال، اتبعت هذه الدول الكثير من الأنظمة التي كانت سائدة إبان الحقبة الاستعمارية السابقة عن طريق وضع وتبني أنظمة حكم سياسية سلطوية ذات تدرج هرمي، مع وجود القليل من المؤسسات الاقتصادية والسياسية التي - كما سنناقش - تعد هامة وأساسية بالنسبة لتحقيق التطور والنجاح الاقتصادي. لقد تشكل هذا المسار التنموي بدرجة كبيرة من خلال التاريخ المتعلق بحقبة الحكم العثماني والأوروبي. إن العلاقة بين الدين الإسلامي وبين حالة الفقر الموجودة في الشرق الأوسط تعد زائفة إلى حد كبير. إن دور هذه الأحداث التاريخية، وليس العوامل الثقافية، في تشكيل المسار الاقتصادي في الشرق الأوسط يتم إدراكها أيضًا في ثنايا الحقيقة التي توضح أن المناطق الواقعة في الشرق الأوسط، والتي تخلصت من قبضة الإمبراطورية العثمانية والقوى الاستعمارية الأوروبية، مثل مصر بين عامي 1805 و 1848 في ظل حكم "محمد على"، استطاعت أن تنطلق عبر مسار من التغير الاقتصادي السريع. استحوذ "محمد على" وسيطر على السلطة بعد انسحاب القوات الفرنسية التي كانت قد احتلت مصر بقيادة نابليون بونابرت؛ مستغلا حالة الضعف التي كانت تعاني منها الدولة العثمانية والتي كانت تسيطر على الأراضي المصرية في ذلك الوقت، حيث استطاع أن يؤسس لأسرته الحاكمة، والتي استطاعت - بصيغة أو بأخرى - أن تحكم مصر حتى قيام ثورة 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، إن الإصلاحات التي قام بها محمد على - رغم أنها كانت قسرية - استطاعت أن تحقق النمو لمصر، حيث تم تحديث الروتين الحكومي، والجيش ونظام الضرائب، وكان هناك نمو في الزراعة والصناعة؛ غير أن هذا المسار من التحديث والنمو قد توقف بعد وفاة محمد على، حيث خضعت مصر للنفوذ الأوروبي. غير أنه ربما تكون هذه هي الطريقة الخاطئة التي يجب أن نفكر بها عن الثقافة؛ وربما تكون العوامل الثقافية التي تهم، لا ترتبط بالدين، وإنما بالأخرى بعناصر ثقافية قومية" معينة؛ وربما يكون تأثير الثقافة الإنجليزية هو الذي يمثل العنصر الهام هنا، كما أنه يفسر السبب الذي يجعل دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، وأستراليا أكثر ازدهارا بدرجة كبيرة؟ ورغم أن هذه الفكرة تبدو جذابة بصورة مبدئية، إلا أنها أيضا لا تؤدي الغرض المطلوب. أجل بالفعل، لقد كانت كل من كندا والولايات المتحدة مستعمرات إنجليزية، ولكن سيراليون ونيجيريا كانتا أيضًا كذلك. إن التفاوت في حالة الازدهار بين المستعمرات الإنجليزية يعد كبيرا بشكل ملحوظ في كل أنحاء العالم. إن الميراث الإنجليزي ليس هو السبب في نجاح وتفوق أمريكا الشمالية. غير أنه ما زال هناك إصدار آخر من فرضية الثقافة: فمن المحتمل ألا يكون ما هو


إنجليزي في مقابل ما هو غير إنجليزي هو السبب في ذلك، بل ربما، ما هو أوروبي في


مقابل ما هو غير أوروبي؛ هل يمكن أن يكون الأمر يتمثل في أن الأوروبيين متفوقون


بدرجة ما بسبب أخلاقيات العمل الخاصة بهم، والانفتاح على الحياة، والقيم اليهودية


والمسيحية، أو التراث الروماني ؟ صحيح أن أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، واللتان


يقطن بهما في الأصل أشخاص ينتمون إلى أصول أوروبية، يمثلان المناطق الأكثر


ازدهارًا في العالم؛ وربما يكون الميراث الثقافي الأوروبي المتفوق هو الذي يشكل جذور


الازدهار الموجود - وهو ما يمثل الملاذ الأخير بالنسبة لفرضية الثقافة؛ ولكن للأسف


الشديد، هذا الإصدار من فرضية الثقافة يقدم القليل من العناصر التفسيرية مثله في


ذلك مثل الإصدارات الأخرى. إن هناك نسبة أكبر حجما من سكان الأرجنتين


وأوروجواي - بالمقارنة مع سكان كندا والولايات المتحدة الأمريكية - تنتمي إلى


أصول أوروبية، غير أن الأداء الاقتصادي لكل من الأرجنتين وأوروجواي لا يفسح


المجال للمزيد من الخوض في هذا الصدد. وفي حين أن اليابان وسنغافورة لم يكن يوجد


بهما أبدا سوى مجموعات صغيرة من السكان الذين ينتمون لأصول أوروبية، إلا أنها


يتمتعان بحالة من الازدهار مثل مناطق كثيرة من أوروبا الغربية.


وكذلك الأمر بالنسبة للصين - على الرغم من الاضطرابات الكثيرة التي تشوب نظامها السياسي والاقتصادي - فهي تعد واحدة من أكثر الدول التي تشهد تطورا ونموا بمعدل سريع خلال العقود الثلاثة الماضية. إن حالة الفقر التي كانت تمر بها الصين حتى وفاة "تسي تونج" لم يكن لها علاقة بطبيعة الثقافة الصينية؛ وإنما يرجع إلى الطريقة الكارثية التي كان يتبعها "ماو" في تنظيم الاقتصاد والسياسات المطبقة هناك. قام في الخمسينيات من القرن العشرين بوضع نظام أطلق عليه "القفزة الكبر إلى الأمام"، والذي كان يمثل سياسة تصنيعية كارثية أدت إلى حدوث مجاعات ضخمة وحالة من القحط؛ وفي الستينيات من القرن العشرين، قام بالدعوة إلى انطلاق "الثورة الثقافية"، والتي أفضت إلى اضطهاد أصحاب الفكر والمثقفين والمتعلمين من المواطنين أي شخص قد يدور الشك حول ولاء حزبه للنظام. وقد أدى هذا مرة أخرى إلى نشر الرعب والإهدار الهائل للمواهب والموارد التي يملكها المجتمع، وبنفس الطريقة فإن النمو والتطور الصيني الراهن ليس له علاقة بطبيعة القيم الصينية أو التغيرات الموجودة في الثقافة الصينية؛ إنه ينتج عن عملية من التحول الاقتصادي مدعومة بالإصلاحات التي نفذها "دينج شياو بنغ" وحلفائه، والذي - بعد وفاة ماو تسي تونغ - تخلى تدريجيا عن السياسات والمؤسسات الاقتصادية الاشتراكية، بداية في مجال الزراعة ثم بعد ذلك في مجال الصناعة.


إن فرضية الثقافة - مثلها في ذلك مثل فرضية جغرافيا المكان - ليست مفيدة أيضا في تفسير الجوانب الأخرى المتعلقة بطبيعة وضع الأرض الموجودة حولنا اليوم. وهناك بالطبع فوارق واختلافات في المعتقدات والتوجهات الثقافية والقيم بين كل من الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، ولكن فقط مثل تلك التي كانت توجد بين نوغاليس أريزونا وبين نوغاليس سونورا، أو تلك الفوارق الموجودة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، فإن هذه الفوارق تعد نتيجة لوجود المؤسسات والمسارات التاريخية المؤسسية المختلفة في كلا المكانين. إن العوامل الثقافية التي تحدد الطريقة التي صاعت بها الثقافة "الإسبانية" أو "اللاتينية" الإمبراطورية الإسبانية، لا يمكن أن تفسر الفوارق والاختلافات الموجودة في أمريكا اللاتينية - على سبيل المثال، السبب الذي يجعل كل من الأرجنتين وشيلي أكثر ازدهارا من بيرو وبوليفيا. وهناك أنماط أخرى من الحجج الثقافية - على سبيل المثال، تلك التي تركز على الثقافة الأصلية المعاصرة - على بدرجة متساوية من السوء. فإن الأرجنتين وشيلي بهما القليل من السكان الأصليين بالمقارنة مع بيرو وبوليفيا؛ ورغم أن هذا صحيح، إلا أن حجة الثقافة المرتبطة بالسكان الأصليين لا تفلح كتفسير لهذه المسألة أيضاء وتملك كل من كولومبيا، والإكوادور، وبيرو مستويات دخل متشابهة، غير أن كولومبيا يوجد بها عدد قليل جدا من السكان الأصليين اليوم، في حين أن الإكوادور وبيرو يوجد بهما الكثير منهم، وفي النهاية، فإن التوجهات الثقافية - والتي تعد بشكل عام بطيئة في التغيير - من غير المحتمل أن تكون مسؤولة بذاتها عن تحقيق معجزات النمو والتطور في شرق آسيا والصين. وعلى الرغم من أن المؤسسات تعد ثابتة ومستمرة أيضا، إلا أنها تحدث تغيرا بمعدل سريع في ظروف معينة، كما سنرى فيما بعد


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

بدينا تخزينتنا ...

بدينا تخزينتنا ولم تفارقني الرغبة بان اكون بين يدي رجلين اثنين أتجرأ على عضويهما المنتصبين يتبادلاني...

خليج العقبة هو ...

خليج العقبة هو الفرع الشرقي للبحر الأحمر المحصور شرق شبه جزيرة سيناء وغرب شبه الجزيرة العربية، وبالإ...

فرضية كفاءة الس...

فرضية كفاءة السوق تعتبر فرضية السوق الكفء او فرضية كفاءة السوق بمثابة الدعامة او العمود الفقري للنظر...

‏@Moamen Azmy -...

‏@Moamen Azmy - مؤمن عزمي:موقع هيلخصلك اي مادة لينك تحويل الفيديو لنص https://notegpt.io/youtube-tra...

انا احبك جداً ت...

انا احبك جداً تناول البحث أهمية الإضاءة الطبيعية كأحد المفاهيم الجوهرية في التصميم المعماري، لما لها...

توفير منزل آمن ...

توفير منزل آمن ونظيف ويدعم الطفل عاطفيًا. التأكد من حصول الأطفال على الرعاية الطبية والتعليمية والن...

Le pêcheur et s...

Le pêcheur et sa femme Il y avait une fois un pêcheur et sa femme, qui habitaient ensemble une cahu...

في التاسع من ما...

في التاسع من مايو/أيار عام 1960، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على الاستخدام التجاري لأول أقر...

أهم نقاط الـ Br...

أهم نقاط الـ Breaker Block 🔹 ما هو الـ Breaker Block؟ • هو Order Block حقيقي يكون مع الاتجاه الرئي...

دوري كمدرب و مس...

دوري كمدرب و مسؤولة عن المجندات ، لا اكتفي باعطاء الأوامر، بل اعدني قدوة في الانضباط والالتزام .فالم...

سادساً: التنسيق...

سادساً: التنسيق مع الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية وفريق إدارة شؤون البيئة لنقل أشجار المشلع ب...

I tried to call...

I tried to call the hospital , it was too early in the morning because I knew I will be late for ...