Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

تَضارَبَتِ الآراءُ حينَ أَعلَنَ خادِمُ بنُ زاهِرٍ استياءَهُ مِن حُسَينِ صاحِبِ (البومِ ) قائلا : «إِمّا أَن تُعطيّنا حُقوقَنا كامِلَةٌ، وَمِنهُم مِن كَنَّ لَهُ حُبًّا عَظيمًا، وَمِنْهُم مَن قالَ: «مَن تَدخَّلَ فيما لا يَعنيه نالَ ما لا يُرضيهِ». مُنذُ تِلكَ اللَّحظَةِ كانَ عَلَيهِ أَن يُؤَمِّنَ لُقمَتَهُ وَلُقمَةَ عيَّالِهِ مِن صَيدِ السَّمَكِ. حينَ يَرى زُمَلاءَ الماضي، يَتَباعَدونَ عَنْهُ كَمَن أصابَهُ الحَرَبُ، يَحمِلُ شِباكَهُ عَلى ظَهرِهِ مُتَظاهِرًا وبِاللامُبالاةِ، لِكَسرِ حَلقَةِ الفَقرِ التّي اشتَدَ ضيقُها عَلى أَعناقِهِم؛ في كُلِّ مَساءِ بَعدَ صَلاةِ المَغرِبِ،وَكانَت تَصطَحِبُ مَعَها ابَها عبدَ الَّا الأَعوامِ الثّمانيةِ ليلعَبَ مَعَ وَلَديّ خالتهِ سَليمَةَ التِّي تَكَبّرُهُ بِأَربَعَةِ أَعوامٍ، وَهُبارَكِ لذي يصغَرُهُ بِعامَينِ، رَيتَما تَذهَبُ الأُختانِ إِلى يَيتِ عَمْتِهِما عوشَةَ} حَيثُ يَتَسامَرُ الثَّلاثُ حَتّى بَعدَ صَلاةِ العِشاءِ، ثُمَّ تَعودانِ لِتُجَرجِرَ أُمُّ عَبِدِ اللَّهِ وَلَدَها وَهو في حالَةٍ أَقرَبَ إِلى النّومِ مِنها إِلَى اليَقَظَةِ. هَكَذا كانَت تَمضي أُمسياتُ عَبدِ الِّالصَّغيرِ، عَدا الأَمسَياتِ القَليلَةِ التّي يَكونُ فيها والِدُهُ قَد عادَ مِن السَّفَرِ، فَهو يأتي وَحدَهُ إِلى بَيتِ خالتِهِ ميرَةَ،ثَنِيَةُ ولدها عبِد اللهِ (8) سنوات
وأختها ميرَة زوجَة خادم بن زاهِر + ( الأولاد سليمة + مبارك ) قضي الأَطفالُ لَيَلَتَهُم يَلعَبونَ «فَلِكٌ أَو وَزِيرٌ» بِأَن يَقذِفَ أَحَدُهُم عُلبَةَ كِبريتٍ في الهَواءِ، فإن سَقَطَتْ عَلى رأسِها كانَ القاذِفُ مَلكًا، فَيحكَمُ عَلَيه المَلِكُ بِالضَّربِ، وَيَقومُ الوَزيرُ بِتَنفيذِ العُقوبَةِ. تَدورُ العُلبَةُ عَلى الثَّلاثَةِ فَيَتَقِلونَ بِبَسَاطَةٍ شَديدَةٍ مِن مِلِكِ إِلى وَزِيرٍ إِلَى لِصِ.وَفي الأُمسِياتِ التّي تَزورُهُم فيها الَحدَّةُ الطَّيّبةُ أُمُّ عَبدِ الرَّحمَنِ «الكفيفةُ» يَتَحَلَّقونَ حَولَها، وَهي تَحكي لَهُم حِكَاياتِها المُسَلِّيَةَ الطَّويلَةَ، وَهي تُحَدِّثُهُم هَل أَعجَبَتكُم (حَروفَةُ ) اللَّيَةِ؟ يا اللَّهُ يا أَولادي. - تَهَدهدُهُم - أَتَمَنّى لَكُم نومًا هانِئًا. اقتَرَبَت الشّمسُ مِن البَحرِ تأهّبتْ ميرَةُ لِإِنجازِ أَعمالِها. وَقَبَلَ الرّحيلِ إِلى مَنازِلِ الصّيفِ. لِتَفَتَرِشَ الحَصيرَ في صَحنِ البَيتِ، وَترَتَّبَ عَلى أَحَدِ أَطرافِهِ طَيّاتِ فِراشِ النّومِ، وَتُنظّفَ شيشَةَ ( الفنَر
وَتَضَعُهُ فَوقَ الصُندوقِ الخَشَبيِّ المُخَصّصِ
لا هي اللعبة التي كان يلعبها الأطفال! لل يمكنك شرحها للا ؟. استاج صفات لجدة .يَقضي الأَطفالُ أَيَلهُم يَلعَوِنَ «مَلِكَ أَو وَزيرٌ» بِأَن يَقذِفَ أَحَدُهُم عَلَبَةَ كِبريتٍ في الهَواءِ، فإن سَقَطَّتْ على رأسِها كان الفاذِفُ مَلكًا، فَيعكَمُ عَلَيه المَلِكُ بِالطَّربِ، وَيَقوِمُ الوَزِيمُ يِتَفيذِ العُلوِبَةِ. تَدورُ العُبَهُ عَلى الثَّلاثَةِ فَيَنَقِلونَ
بِبَساطةٍ شَديدَةٍ مِن مِلكِ إِلى وَزيرٍ إِلى لِصي.وَفَى الأَمساتِ التّي الَزورَهُم فبها الحَدَةُ الصِّيَّةُ أمُ عَبدِ الرّحمَيِ «الكفيفةُ» يَتَخَلّقوِنَ حَوِلَها، وَهي تَحكم لَهُم حِكاهاتِها المُصَلِّيَةَ الطُّويلَة، فَتَقوِمُ بقرُش منامائِهم، وَهي تُحَدّتْهُم هَل أَعحَبَتَ ( حَروفَةٌ) اللِّلَةِ؟ يا ال يا أَولادي. - تَهَدهدُهُم - أَتَعَنّى لَكم نومًا هايِقًا. وَبِالقُربِ مِنْهُ تَغْرِزُ عُلبَةَ الصّفيحِ في الرّملِ، كَقاعِدَةِ تُثْبتُ فَوقَها ((يَحلَةُ ) الماء البارِدِ والمُعَطِّ بالبُخورٍ. وَما تَنسى أَن تَضَعَ يَينَ طَيَاتِ الفِراشِ المِذياع الّذي ابتاعَهُ زَوجُها مِن الكوَيتِ حَتّى لا تَصِلَ إِلَيه أَجسادُ الصّبيةِ وَهُم يَتَعارَ كونَ في أَثْناءِ غيابِها. وَيَصدُرُ مِن عاداتِ ابنِ زاهِرٍ عِندَما يَسرَحُ بِفِكرِهِ، أَن يَدخُلَ عودًا مِن الثّقابِ بَينَ أسنانِهِ، صَوتًا يُشبِهُ زَقزَقَةَ العَصافيرِ. نَظَرَ إِلى النّجومِ المُتَلأَلِئَةِ، واستَمَرَّ يُصدرُ زَقزَقَةَ العَصافيرِ وَهو يَشفِطُ ما تَبَقّى مِن سَمَكِ العِشاءِ بَينَ أسنانِهِ، ثُمَّ يَقذِفُها إِلى الأَرضِ البَراحِ مَدَّ ساقَيهِ وأخَذَ يَفرِشُ ما تَغضّنَ مِن إِزارِهِ داخِلَ حِضْنِهِ عَلَيهما. كانا كَسيخيْنِ مِنَ الحَديدِ| يَكسوهما شعرٌ مُجَعّدٌ كَثيفٌ، فَعَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الحرّ الخَفيفِ الّذي بَدا يُغَلِّفُ الجَوَّ، وَظَلَّ الصَّغيرُ يُصغي لِثُغاءِ الماعِزِ والخِرفانِ في طَرَفِ الحوشِ.كانَت بَقيّةٌ مِن نُعاسِ تُداعِبُ الصّغيرَ وَبَقيّةٌ مِن هُموم طَفَحَت عَلى صَدرِ الكَبيرِ، وَبَقيّةٌ مِن ضَجَرِ تَلْفَهُما مَعًا، فأخرَجَ المِذياعَ مِن مَخَبَيِّهِ وأدارَهُ كانَتْ أُمّ كُلثومٍ تُغَنّي. أحَدَ يَسعُلُ تَحتَ الضّياءِ الواهِنِ بَينَما ظَلّ الصّغيرُ يُراقِبُ تَصَرُفاتِهِ استَلقى عَلى ظَهرِهِ، وَظَلَ يُتابعُ ابنَ زاهِرِ في صَمتٍ عَميقٍ، وَقَد أَسنَدَ ذَقَنَهُ الصِّغيرَ إِلى رُكَبَتِهِ وَكأنَّهُ أَسلَمَ نَفسَهُ لِلتَّخَيُّلاتِ. أَخَذَتِ النّشوَةُ ابنَ زاهِرٍ، فانقَلَبَ مُنكبًا عَلى بَطَنِهِ، وأخَذَ يُدَندِنُ مَعَ الأُغنيَّةِ كَيفَ ذاكَ الحُبُّ أَمسى خَبَرًا. كانَ الصَّغيرُ يَقلِبُ لِسانَهُ في بُطءِ شَديدٍ، رافِعًا رأسَهُ عَلى راحَتِهِ، وَمُستَنِدًا بِمِرفَقِهِ إِلى الأَرضِ، وَتَذَرّعَ الصّغيرُ بالصّبرِ، وَقَد اكتَفى بِأَنْ يَنظُرَ إِلى النّائِمِ، مِنَ الفَراغِ الذي يَفصِلُ بَينَ رُكبَتَيْهِ. مَرّت فَترَةٌ مِن الزّمَنِ، إِلى أَنْ قَفَزَ خادِمُ فَجأَةً، وَسألَ الصّغيرَ الواحِمَ: « ألم يأتيا بَعدُ؟! رَدّ عَلَيه عَبدُ اللّهِ بِتَثاقُلٍ: لَيسَ بَعدُ يا أَبَتاهُ عاوَدتهُ نَوبَةُ الزّقرَقَةِ، دونَ أَن يُدخِلَ عودَ ثِقابٍ بَينَ أَسنانِهِ هَذِهِ المَرّةِ، ثُمّ سألَ عَبدَ اللّهِ مُشيرًا بيدِهِ إِلى المِذياعِ ألم تَنتَهِ هَذِهِ ( اللّغايَةُ ) وَرَدّ الصّغيرُ في شِبِهِ استِنكارِ «لَيسَ بَعدُ ». - وَما عَلَيكَ يا أَبَتاهُ! أَبي يَقولُ عَنها مُمتازَةٌ». كانَت غَلطَةٌ مِن الصّغيرِ لا يَعرِفُ كَيفَ فَلَتَتْ مِنهُ فَصَرَغَ ابنُ زاهِرٍ في وَجهِهِ: «ما تَقولُ يا جاهِلُ؟» لا شَيءَ يا أَبِي خادِمٍ، اعتَدَلَ الرّجُلُ في جِلسَتِهِ، وَأَخَذَ نَفَسًا عميقًا إلى أن هدأتْ حالتُهُ ونسيَ، وَكأنّ شَيئًا لَم يَكُن إِلَا أَنّ الصَغيرَ، لَم يَطب لَهُ الحالُ بَعدَ ذَلِكَ، وَقالَ: لَقَد تأخرا كَثيرًا لَم نَلعَبِ اللّيلَةَ «مَلِكٌ أَو وَزيرٌ» . ضَحِكَ الرّجُلُ وَقالَ: «أَعطِني اليَحلَةَ لِأَشرَبَ. قُل شَّحَادٌ أَو ابِنُ بحّارٍ، لَم يُحاوِلِ الصّغيرُ فَهمَ أَيّ شَيءٍ مِمَا قَالَهُ. وَعادَ خادِمُ يُكمِلُ طَريقَ السُخريَةِ في صمتٍ «هَاهُ. قُل أَجيرٌ عِندَ حُسَينِ في بومِهِ المَبنيّ عَلى السُحتِ. أَندُبُ حَظي عَلى الشَّاطِيِ وَما زِلْتَ بِصُحبَتِي. تَرَكَني الكَلبُ أَكابِدُ الحُزنَ بَعدَ أَن غَمَرَني بِالدُيونِ». صاحَت أُمُ كُلثومٍ في غَفوَةٍ الكَلامِ أَعطِني حُرّيتي أَطلقْ يَدي. فَقالَ ابنُ زاهِرٍ وَقَد ظَهَرَ الغَضَبُ عَلى وَجهِهِ: أَعطِني حُرّيتي، أَطلقْ يَدي هَذا الكَلامُ الزّينُ» . « آه مِن قَيدِكَ أَدمى مِعصَمي. بِالطّبع لَم يَفهَم الصَّغيرُ، لَكِنّهُ أَحَسٌ بوخْزاتٍ مِن الألمِ وَظَلّ الاثنانِ في صَمتٍ وَخُشوعِ حَتّى أَنهَت اللّغايَةُ أُغنيَتَها! ! وَقالَ المُذيعُ:
بَعدَ أَن أفرَغَ هُمومَ العالَمِ في آذانِهِما. فتأوهَ ابنُ زاهِرٍ وَقالَ: « آهٍ مِن القَيدِ أَيُّها الرِّجالُ»، ثُمّ نَطَقَ ما بِكَ يا أُبوي خادِم؟ ! » خشخشَ المِذياعُ، مَدّ خادِمُ يَدَهُ فأسكَتَ الخّشخَشَةَ، أَو هَكَذا تَراءى لِلصّغيرِ، قالَ ابنُ زاهِرٍ «أُدنُ مِنّي يا صَغيري». ثمّ قالَ: أَتَعَرِفُ الظُلمَ يا وَلَدي؟»، فأجاب الطِّفلُ «أَسمَعُ عَنهُ، فَقالَ الرّجُلُ وَهو يُحاوِلُ أَن يُخَفِّفَ مِن تَجاعيدِ وَجهِهِ: «الظُّلمُ هوَ أَن يوجَدَ فينا واحِدٌ مِثلُ حُسَينٍ، هوَ يَمِلِكُ كُلّ شَيءٍ وَنَحنُ لا نَمِلِكُ ما نَسُدُ بِهِ الرّمَقَ. تَصاعدَ الدّمُ في رأسِ ابنِ زاهِرِ فأصبَحَ كالمِرجَلِ، وأردَفَ وَهو يُشيرُ إِلى الصّبيِّ بِسبّابَتِهِ: «اسمَع مِنّي يا وَلَدي، ها هوَ أَبوكَ يَدورُ كالثّورِ المَربوطِ في ( المَنيورِ ) مِن الهِندِ إِلى إِفريقيا إِلى المَملَكَةِ، يَصُبُ الخَيرَ في جُعبَةِ حُسَينٍ وَيَزدادُ أَبوكَ فَقرًا عَلى فَقرِهِ، وَدَيْنًا عَلى ديْنِهِ وَعِندَما يَمَلُ مِنهُ، كَما فَعَلَ مَعي ها أَنتَ تَراني كالآلَةِ المَعطوبَةِ. كُن بحَارًا - يا وَلَدي - فَنَحنُ كالسَمَكِ يُميتُنا البُعَدُ عَن البَحرِ، وَلَكِن ل تَكُن ثَورًا يَدورُ لِصالحِ أَحَدٍ فالثِّيرانُ يَحِبُ أَن تَتّحِدَ لِصالِحِها المُشتَرَكِ». أَحْضَرَ خادِمُ حِبالًا اشتَراها مِن مُرادَ البَقّالِ. فَكَّ جَدائِلَ فَتيلَةِ اِحتياطيّةٍ لِلفَنَرِ، سأَغمِسُها في الشَّحمِ وسأضعُها في شُروخِ البومِ وَتَشَقُّقاتِهِ سَيَندَمُ. رَمَقَتهُ زَوجَتُهُ «أَنتَ تَضيّعُ وَقتَكَ. - اتِّفَقَت مَعَ يوسُفَ عَلى ذَلِكَ، سَتريْنَ حينَ تَستَعِرُ النّارُ، يَقولُ كَلامًا غَيرَ مَفهومٍ، وَصَلَ عَبدُ اللهِ مَعَ والِدَتِهِ متأخّرًا، وَلَكِنّ بومَ حُسَين لَم يَصِلْ بَعدُ، وَكانَ مُبارَكٌ قَد رافَقَ أُختَهُ لِعيادَةِ صَديقَتِها هِدايَةَ، غادَرَت المَرأَتانِ إِلى عَمَّتِهِما، وَمَكَثَ الصَّغيرُ مَعَ أَبيهِ خادِمٍ، وَهي تَلحَفُ الأَرضَ بِصَبرٍ جَمِيلٍ، والفَنَرُ عَلى عَرشِهِ الخَشَبيِّ، يُجهِدُ نَفسَهُ ليشَكَلَ بُقعَةً صَفراءَ، وَقَد خَضَعَ ( الفريجُ ) لِصَمتتٍ مُتعِبٍ، تَغَلَّبَ عَلَيهِ حِوارُ الرّجُلِ والطَّفلِ.كانَت الثَّواني تَحيكَ حَبائِلَها، فَها هوَ النَّورُ المَجدورُ يَتَفَجَّرُ كالحِمَمِ، عَصَرَ رأسَهُ بِكِلتا يَدَيه. أحَسَّ بِدَوَّارٍ شَديدٍ. ارتَفَعَ الفَنَرُ إِلى السَّماءِ، سَقَطَت السَّماءُ بِفِضّيّاتِها عَلى الأَرضِ.ارتَفَعَ تَغاءُ الجِداءِ يَدُقُّ في رأسِهِ المَعطوبِ كَناقوسِ ضَخمِ تصَدّعَ رأسُهُ، واحتَقَنَ وَجهُهُ تَوَرّمَتِ شَفَتاهُ، صَرَخَ بِأَعلى صَوتِهِ: «آخ الصُّداعِ. لَم يَفعَل الصَّبِيُّ شَيئًا ساعَتَها؛ لِأَنَّ مَدَّ الحَياةِ انحَسَرَ عَن أَبيهِ خادِم. وَلَم يَحضُر حُسَينُ صاحِبُ اليَومِ، وَكَذَلِكَ عَبِدُ اللَّهِ الصِّغيرِ، فَقَد كانَ واقِفًا عَلى الشّاطِئِ يَرقُبُ عَودَةَ أَبيهِ، وَيُفَكَّرُ في قَضيَّةِ مَقتَلِ ابنِ زاهِرٍ.


Original text

تَضارَبَتِ الآراءُ حينَ أَعلَنَ خادِمُ بنُ زاهِرٍ استياءَهُ مِن حُسَينِ صاحِبِ (البومِ ) قائلا : «إِمّا أَن تُعطيّنا حُقوقَنا كامِلَةٌ، وإمّا أَن نَترُكَ لَكَ بومَكَ». وانقَسَمَ أَهلُ المُعيريضِ في ذَلِكَ، فَمِنْهُم مِن اتَّهَمَهُ بالجُنونِ؛ الِأَنَّهُ قَطعَ رِزْقَهُ وَرِزْقَ عيالِهِ بيدِهِ، وَمِنهُم مِن كَنَّ لَهُ حُبًّا عَظيمًا، وَمِنْهُم مَن قالَ: «مَن تَدخَّلَ فيما لا يَعنيه نالَ ما لا يُرضيهِ». مُنذُ تِلكَ اللَّحظَةِ كانَ عَلَيهِ أَن يُؤَمِّنَ لُقمَتَهُ وَلُقمَةَ عيَّالِهِ مِن صَيدِ السَّمَكِ. كانَ يُكَظِمُ آلامَهُ في نَفسِهِ، حينَ يَرى زُمَلاءَ الماضي، يَتَباعَدونَ عَنْهُ كَمَن أصابَهُ الحَرَبُ، وَهو يَمُرُّ بِهِم، يَحمِلُ شِباكَهُ عَلى ظَهرِهِ مُتَظاهِرًا وبِاللامُبالاةِ، وَكَم مَرَةً شَجَّعَتُهُ زَوجَتُهُ لِلهَرَبِ بعيدًا، لِكَسرِ حَلقَةِ الفَقرِ التّي اشتَدَ ضيقُها عَلى أَعناقِهِم؛ إلَّا أَنَّهُ كانَ يَرِفُضُ الفِكرَةَ. كانت
تَوَدُّ أَختَها
مِيرَةَ زَوجَةَ ابن زاهِر،
وَتَحرِصُ عَلى زيارَتِها، في كُلِّ مَساءِ بَعدَ صَلاةِ المَغرِبِ،
وَكانَت تَصطَحِبُ مَعَها ابَها عبدَ الَّا الأَعوامِ الثّمانيةِ ليلعَبَ مَعَ وَلَديّ خالتهِ سَليمَةَ التِّي تَكَبّرُهُ بِأَربَعَةِ أَعوامٍ، وَهُبارَكِ لذي يصغَرُهُ بِعامَينِ، رَيتَما تَذهَبُ الأُختانِ إِلى يَيتِ عَمْتِهِما عوشَةَ} حَيثُ يَتَسامَرُ الثَّلاثُ حَتّى بَعدَ صَلاةِ العِشاءِ، ثُمَّ تَعودانِ لِتُجَرجِرَ أُمُّ عَبِدِ اللَّهِ وَلَدَها وَهو في حالَةٍ أَقرَبَ إِلى النّومِ مِنها إِلَى اليَقَظَةِ. هَكَذا كانَت تَمضي أُمسياتُ عَبدِ الِّالصَّغيرِ، كَما كانَ يُناديه إِنُ زاهِر، عَدا الأَمسَياتِ القَليلَةِ التّي يَكونُ فيها والِدُهُ قَد عادَ مِن السَّفَرِ، فَهو يأتي وَحدَهُ إِلى بَيتِ خالتِهِ ميرَةَ، وَغالِبًا ما يَنامُ عِندَهُم.
ثَنِيَةُ ولدها عبِد اللهِ (8) سنوات
وأختها ميرَة زوجَة خادم بن زاهِر + ( الأولاد سليمة + مبارك ) قضي الأَطفالُ لَيَلَتَهُم يَلعَبونَ «فَلِكٌ أَو وَزِيرٌ» بِأَن يَقذِفَ أَحَدُهُم عُلبَةَ كِبريتٍ في الهَواءِ، فإن سَقَطَتْ عَلى رأسِها كانَ القاذِفُ مَلكًا، وإن سَقَطَت عَلى جَنبِها كانَ وَزيرًا، وإن سَقَطَتْ عَلى ظَهِرِها كانَ لِصًّا، فَيحكَمُ عَلَيه المَلِكُ بِالضَّربِ، وَيَقومُ الوَزيرُ بِتَنفيذِ العُقوبَةِ. تَدورُ العُلبَةُ عَلى الثَّلاثَةِ فَيَتَقِلونَ بِبَسَاطَةٍ شَديدَةٍ مِن مِلِكِ إِلى وَزِيرٍ إِلَى لِصِ.. وَهُم يَضْحَكونَ.
وَفي الأُمسِياتِ التّي تَزورُهُم فيها الَحدَّةُ الطَّيّبةُ أُمُّ عَبدِ الرَّحمَنِ «الكفيفةُ» يَتَحَلَّقونَ حَولَها، وَهي تَحكي لَهُم حِكَاياتِها المُسَلِّيَةَ الطَّويلَةَ، حَتّى يَعْلِبَهُم النّعاسُ، فَتَقومُ بِفُرُشِ مناماتِهِم، وَهي تُحَدِّثُهُم هَل أَعجَبَتكُم (حَروفَةُ ) اللَّيَةِ؟ يا اللَّهُ يا أَولادي.. هووا.. هووا.. - تَهَدهدُهُم - أَتَمَنّى لَكُم نومًا هانِئًا.. ثُمَّ تُغادِرُهُم
بِسَلام. اقتَرَبَت الشّمسُ مِن البَحرِ تأهّبتْ ميرَةُ لِإِنجازِ أَعمالِها. كَعادَةِ أَهلِ البَلَدِ، في أَيّامِ الرّبيعِ، وَقَبَلَ الرّحيلِ إِلى مَنازِلِ الصّيفِ. تَنتَظِرُ دُنو الأَصيلِ، لِتَفَتَرِشَ الحَصيرَ في صَحنِ البَيتِ، وَترَتَّبَ عَلى أَحَدِ أَطرافِهِ طَيّاتِ فِراشِ النّومِ، وَتُنظّفَ شيشَةَ ( الفنَر
)، ثُمّ تُشعِلُ فَتيلَتَهُ، وَتَضَعُهُ فَوقَ الصُندوقِ الخَشَبيِّ المُخَصّصِ
لا هي اللعبة التي كان يلعبها الأطفال! لل يمكنك شرحها للا ؟. استاج صفات لجدة .
10
يَقضي الأَطفالُ أَيَلهُم يَلعَوِنَ «مَلِكَ أَو وَزيرٌ» بِأَن يَقذِفَ أَحَدُهُم عَلَبَةَ كِبريتٍ في الهَواءِ، فإن سَقَطَّتْ على رأسِها كان الفاذِفُ مَلكًا، وإن سَقَطَت على حَنبها كانَ وَزيرًا، وإن سَقَطَتْ عَلى طَهِرِها كانَ لِضًا، فَيعكَمُ عَلَيه المَلِكُ بِالطَّربِ، وَيَقوِمُ الوَزِيمُ يِتَفيذِ العُلوِبَةِ. تَدورُ العُبَهُ عَلى الثَّلاثَةِ فَيَنَقِلونَ
بِبَساطةٍ شَديدَةٍ مِن مِلكِ إِلى وَزيرٍ إِلى لِصي.. وَهُم يَضَحَكونَ.
وَفَى الأَمساتِ التّي الَزورَهُم فبها الحَدَةُ الصِّيَّةُ أمُ عَبدِ الرّحمَيِ «الكفيفةُ» يَتَخَلّقوِنَ حَوِلَها، وَهي تَحكم لَهُم حِكاهاتِها المُصَلِّيَةَ الطُّويلَة، حَتِّى يَعلِئهُم النَّعاسُ، فَتَقوِمُ بقرُش منامائِهم، وَهي تُحَدّتْهُم هَل أَعحَبَتَ ( حَروفَةٌ) اللِّلَةِ؟ يا ال يا أَولادي.. هويا.. هووا.. - تَهَدهدُهُم - أَتَعَنّى لَكم نومًا هايِقًا.. ثُمِّ تُعادِدُهُم
بذَلِكَ. وَبِالقُربِ مِنْهُ تَغْرِزُ عُلبَةَ الصّفيحِ في الرّملِ، كَقاعِدَةِ تُثْبتُ فَوقَها ((يَحلَةُ ) الماء البارِدِ والمُعَطِّ بالبُخورٍ. وَما تَنسى أَن تَضَعَ يَينَ طَيَاتِ الفِراشِ المِذياع الّذي ابتاعَهُ زَوجُها مِن الكوَيتِ حَتّى لا تَصِلَ إِلَيه أَجسادُ الصّبيةِ وَهُم يَتَعارَ كونَ في أَثْناءِ غيابِها. وَيَصدُرُ مِن عاداتِ ابنِ زاهِرٍ عِندَما يَسرَحُ بِفِكرِهِ، أَن يَدخُلَ عودًا مِن الثّقابِ بَينَ أسنانِهِ، صَوتًا يُشبِهُ زَقزَقَةَ العَصافيرِ. نَظَرَ إِلى النّجومِ المُتَلأَلِئَةِ، وَقالَ كَلامًا في سِرِّهِ، تَعلّمَهُ مِن أَحَدِهِم في البَحرَينِ:
«المَجدُ لِلفُقَراءِ». واستَمَرَّ يُصدرُ زَقزَقَةَ العَصافيرِ وَهو يَشفِطُ ما تَبَقّى مِن سَمَكِ العِشاءِ بَينَ أسنانِهِ، ثُمَّ يَقذِفُها إِلى الأَرضِ البَراحِ مَدَّ ساقَيهِ وأخَذَ يَفرِشُ ما تَغضّنَ مِن إِزارِهِ داخِلَ حِضْنِهِ عَلَيهما. كانا كَسيخيْنِ مِنَ الحَديدِ| يَكسوهما شعرٌ مُجَعّدٌ كَثيفٌ، ثُمَّ عرّاهما بَعدَ هُنَيهَةٍ. فَعَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الحرّ الخَفيفِ الّذي بَدا يُغَلِّفُ الجَوَّ، وَظَلَّ الصَّغيرُ يُصغي لِثُغاءِ الماعِزِ والخِرفانِ في طَرَفِ الحوشِ.
كانَت بَقيّةٌ مِن نُعاسِ تُداعِبُ الصّغيرَ وَبَقيّةٌ مِن هُموم طَفَحَت عَلى صَدرِ الكَبيرِ، وَبَقيّةٌ مِن ضَجَرِ تَلْفَهُما مَعًا، أَرادَ أَن يَنسى، فأخرَجَ المِذياعَ مِن مَخَبَيِّهِ وأدارَهُ كانَتْ أُمّ كُلثومٍ تُغَنّي. أحَدَ يَسعُلُ تَحتَ الضّياءِ الواهِنِ بَينَما ظَلّ الصّغيرُ يُراقِبُ تَصَرُفاتِهِ استَلقى عَلى ظَهرِهِ، وَتَجشّأ بِصَوتِ مَسموعِ، ثُمّ قالَ:
تأخّرَ الوَلدانِ».
لَم يَكتَرِث الصَّبيُّ لِما حَدَثَ، وَظَلَ يُتابعُ ابنَ زاهِرِ في صَمتٍ عَميقٍ، وَقَد أَسنَدَ ذَقَنَهُ الصِّغيرَ إِلى رُكَبَتِهِ وَكأنَّهُ أَسلَمَ نَفسَهُ لِلتَّخَيُّلاتِ. أَخَذَتِ النّشوَةُ ابنَ زاهِرٍ، فانقَلَبَ مُنكبًا عَلى بَطَنِهِ، وأخَذَ يُدَندِنُ مَعَ الأُغنيَّةِ كَيفَ ذاكَ الحُبُّ أَمسى خَبَرًا... ». كانَ الصَّغيرُ يَقلِبُ لِسانَهُ في بُطءِ شَديدٍ، مُحاوِلًا تَرديدَ بَعضِ الكَلِماتِ، إِلَ أَنّ خادِمَ لَم يَحْلُ لَهُ الوَضعُ، فَظَلٌ يَتلوّنُ إِمّا جالِسًا، أَو مُنبَطِحًا عَلى بَطَنِهِ، أَو مُستَلقيًا عَلى ظَهرِهِ، أَو نائِمًا عَلى جَنبِهِ، رافِعًا رأسَهُ عَلى راحَتِهِ، وَمُستَنِدًا بِمِرفَقِهِ إِلى الأَرضِ، حَتّى أَخَذَتهُ سِنَةٌ مِنَ النّومِ. وَتَذَرّعَ الصّغيرُ بالصّبرِ، وَقَد اكتَفى بِأَنْ يَنظُرَ إِلى النّائِمِ، مِنَ الفَراغِ الذي يَفصِلُ بَينَ رُكبَتَيْهِ. مَرّت فَترَةٌ مِن الزّمَنِ، كانَ كُلٌ شَيءٍ فيها كَما كانَ، إِلى أَنْ قَفَزَ خادِمُ فَجأَةً، وَسألَ الصّغيرَ الواحِمَ: « ألم يأتيا بَعدُ؟! رَدّ عَلَيه عَبدُ اللّهِ بِتَثاقُلٍ: لَيسَ بَعدُ يا أَبَتاهُ عاوَدتهُ نَوبَةُ الزّقرَقَةِ، دونَ أَن يُدخِلَ عودَ ثِقابٍ بَينَ أَسنانِهِ هَذِهِ المَرّةِ، وَنَظَرَ إِلى السّماءِ، ثُمّ سألَ عَبدَ اللّهِ مُشيرًا بيدِهِ إِلى المِذياعِ ألم تَنتَهِ هَذِهِ ( اللّغايَةُ ) وَرَدّ الصّغيرُ في شِبِهِ استِنكارِ «لَيسَ بَعدُ ».
«أَنا أَعرِفُها، لا تَخلُص بِسُرعَةٍ. - وَما عَلَيكَ يا أَبَتاهُ! أَبي يَقولُ عَنها مُمتازَةٌ». - أَعرِفُ ذَلِكَ، وَلَكِنّي أَفضّلُ حَمدانَ الوَطَنيّ. - اسمَحْ لي، لا تَعرِفُ شَيئًا». كانَت غَلطَةٌ مِن الصّغيرِ لا يَعرِفُ كَيفَ فَلَتَتْ مِنهُ فَصَرَغَ ابنُ زاهِرٍ في وَجهِهِ: «ما تَقولُ يا جاهِلُ؟» لا شَيءَ يا أَبِي خادِمٍ، كانَت غَلطَةً». اعتَدَلَ الرّجُلُ في جِلسَتِهِ، وَأَخَذَ نَفَسًا عميقًا إلى أن هدأتْ حالتُهُ ونسيَ، وَكأنّ شَيئًا لَم يَكُن إِلَا أَنّ الصَغيرَ، لَم يَطب لَهُ الحالُ بَعدَ ذَلِكَ، فأخَذَ يَتَلَفّتُ ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ اليَسارِ، كَمَن فَقَدَ شَيئًا، وَقالَ: لَقَد تأخرا كَثيرًا لَم نَلعَبِ اللّيلَةَ «مَلِكٌ أَو وَزيرٌ» . ضَحِكَ الرّجُلُ وَقالَ: «أَعطِني اليَحلَةَ لِأَشرَبَ.. مَلِكٌ أَو وَزيرٌ، قُل شَّحَادٌ أَو ابِنُ بحّارٍ، هَذا يَكفي، لَم يُحاوِلِ الصّغيرُ فَهمَ أَيّ شَيءٍ مِمَا قَالَهُ. سَلّمَهُ اليَحلَةَ وَجَلَسَ. وَعادَ خادِمُ يُكمِلُ طَريقَ السُخريَةِ في صمتٍ «هَاهُ..
مَلِكٌ أَو وَزيرٌ، قُل أَجيرٌ عِندَ حُسَينِ في بومِهِ المَبنيّ عَلى السُحتِ.. أَندُبُ حَظي عَلى الشَّاطِيِ وَما زِلْتَ بِصُحبَتِي.. تَرَكَني الكَلبُ أَكابِدُ الحُزنَ بَعدَ أَن غَمَرَني بِالدُيونِ». صاحَت أُمُ كُلثومٍ في غَفوَةٍ الكَلامِ أَعطِني حُرّيتي أَطلقْ يَدي..... فَقالَ ابنُ زاهِرٍ وَقَد ظَهَرَ الغَضَبُ عَلى وَجهِهِ: أَعطِني حُرّيتي، أَطلقْ يَدي هَذا الكَلامُ الزّينُ» ... « آه مِن قَيدِكَ أَدمى مِعصَمي... ». - ل شَيءَ... لا شَيءَ. لا مجرّد وَجَعٍ. - «وَجَعٌ! ». - أَي بُنَي، لَكِنَهُ لَيسَ كَوَجَعِ الدّاءِ، إِنّهُ أَشَدُ». بِالطّبع لَم يَفهَم الصَّغيرُ، لَكِنّهُ أَحَسٌ بوخْزاتٍ مِن الألمِ وَظَلّ الاثنانِ في صَمتٍ وَخُشوعِ حَتّى أَنهَت اللّغايَةُ أُغنيَتَها! ! وَقالَ المُذيعُ:
نُصبِحونَ عَلى خَيرٍ»، بَعدَ أَن أفرَغَ هُمومَ العالَمِ في آذانِهِما. فتأوهَ ابنُ زاهِرٍ وَقالَ: « آهٍ مِن القَيدِ أَيُّها الرِّجالُ»، وَكانَ الصّبيُّ يُنصِتُ في غَرابَةٍ، ثُمّ نَطَقَ ما بِكَ يا أُبوي خادِم؟ ! » خشخشَ المِذياعُ، وَتَضارَبَت الإِذاعاتُ، لِاحتِلالِ مَكانِ الإِذاعَةِ التّي انتَهَت مُبَكِّرًا، مَدّ خادِمُ يَدَهُ فأسكَتَ الخّشخَشَةَ، فَصَفَنَ الوُجودُ كُلُهُ، أَو هَكَذا تَراءى لِلصّغيرِ، ثُمّ نَطَقَ الوُجودُ كُلَّهُ..
ما يَدرِي اقتَرَبَ الطّفلُ. كانَ اللّيلُ يَتَوَغّلُ بِخُطواتِهِ الصَّامِتَةِ، قالَ ابنُ زاهِرٍ «أُدنُ مِنّي يا صَغيري». ثمّ قالَ: أَتَعَرِفُ الظُلمَ يا وَلَدي؟»، فأجاب الطِّفلُ «أَسمَعُ عَنهُ، ما الظُلمُ يا أَبَتِ؟ »، فَقالَ الرّجُلُ وَهو يُحاوِلُ أَن يُخَفِّفَ مِن تَجاعيدِ وَجهِهِ: «الظُّلمُ هوَ أَن يوجَدَ فينا واحِدٌ مِثلُ حُسَينٍ، هوَ يَمِلِكُ كُلّ شَيءٍ وَنَحنُ لا نَمِلِكُ ما نَسُدُ بِهِ الرّمَقَ. تَصاعدَ الدّمُ في رأسِ ابنِ زاهِرِ فأصبَحَ كالمِرجَلِ، وأردَفَ وَهو يُشيرُ إِلى الصّبيِّ بِسبّابَتِهِ: «اسمَع مِنّي يا وَلَدي، ها هوَ أَبوكَ يَدورُ كالثّورِ المَربوطِ في ( المَنيورِ ) مِن الهِندِ إِلى إِفريقيا إِلى المَملَكَةِ، يَصُبُ الخَيرَ في جُعبَةِ حُسَينٍ وَيَزدادُ أَبوكَ فَقرًا عَلى فَقرِهِ، وَدَيْنًا عَلى ديْنِهِ وَعِندَما يَمَلُ مِنهُ، سَيَقذِفُ بِهِ في البَحرِ، كَما فَعَلَ مَعي ها أَنتَ تَراني كالآلَةِ المَعطوبَةِ.. كُن بحَارًا - يا وَلَدي - فَنَحنُ كالسَمَكِ يُميتُنا البُعَدُ عَن البَحرِ، وَلَكِن ل تَكُن ثَورًا يَدورُ لِصالحِ أَحَدٍ فالثِّيرانُ يَحِبُ أَن تَتّحِدَ لِصالِحِها المُشتَرَكِ». أَحْضَرَ خادِمُ حِبالًا اشتَراها مِن مُرادَ البَقّالِ. فَكَّ جَدائِلَ فَتيلَةِ اِحتياطيّةٍ لِلفَنَرِ، وانكَبَّ عَلَيها يَتَفَحِّصُها، وَهو يُهمهِمُ سأصنعُ واحِدَةً مِثلَها بِهَذِهِ الحِبالِ، سأَغمِسُها في الشَّحمِ وسأضعُها في شُروخِ البومِ وَتَشَقُّقاتِهِ سَيَندَمُ.. رَمَقَتهُ زَوجَتُهُ «أَنتَ تَضيّعُ وَقتَكَ. قُم واصطَدْ لَنا بَعضًا مِن السَّمَكِ. - اتِّفَقَت مَعَ يوسُفَ عَلى ذَلِكَ، سَتريْنَ حينَ تَستَعِرُ النّارُ، يوسُفُ مُتَبَرّيٌ مِن أَهلِهِ، يَهيمُ في الطُّرُقاتِ، يَقولُ كَلامًا غَيرَ مَفهومٍ، - نَحنُ نَفهَمُهُ-. لا تَخافي عَلى وَلَدَيْكِ، سَيَكبُرانِ يَومًا ما. - ما أَبرَدَكَ». - «هَه.... ».
نَظَرَ إِلَيها شَزرًا، وَظَلَّ يُتابِعُ ما بَداهُ. في تِلكَ اللَّيلَةِ، وَصَلَ عَبدُ اللهِ مَعَ والِدَتِهِ متأخّرًا، كانَ يَتأمَلُ عَودَةَ والِدِهِ مِن السَّفَرِ، وَلَكِنّ بومَ حُسَين لَم يَصِلْ بَعدُ، وَكانَ مُبارَكٌ قَد رافَقَ أُختَهُ لِعيادَةِ صَديقَتِها هِدايَةَ، غادَرَت المَرأَتانِ إِلى عَمَّتِهِما، وَمَكَثَ الصَّغيرُ مَعَ أَبيهِ خادِمٍ، كانَت العَباءَةُ الأَزَليّةُ، تُطرّزُ نَفسَها بِنُجومِ فِضّيَّةٍ، وَهي تَلحَفُ الأَرضَ بِصَبرٍ جَمِيلٍ، والفَنَرُ عَلى عَرشِهِ الخَشَبيِّ، يُجهِدُ نَفسَهُ ليشَكَلَ بُقعَةً صَفراءَ،) في قَلبِ الحوشِ الواسِعِ، وَقَد خَضَعَ ( الفريجُ ) لِصَمتتٍ مُتعِبٍ، تَغَلَّبَ عَلَيهِ حِوارُ الرّجُلِ والطَّفلِ.
كانَت الثَّواني تَحيكَ حَبائِلَها، فَها هوَ النَّورُ المَجدورُ يَتَفَجَّرُ كالحِمَمِ، عَصَرَ رأسَهُ بِكِلتا يَدَيه.. أحَسَّ بِدَوَّارٍ شَديدٍ... مادَت بِهِ الأَرضُ.. ارتَفَعَ الفَنَرُ إِلى السَّماءِ، سَقَطَت السَّماءُ بِفِضّيّاتِها عَلى الأَرضِ..
ارتَفَعَ تَغاءُ الجِداءِ يَدُقُّ في رأسِهِ المَعطوبِ كَناقوسِ ضَخمِ تصَدّعَ رأسُهُ، واحتَقَنَ وَجهُهُ تَوَرّمَتِ شَفَتاهُ، وتَهَدَّلَت الشَّفَةُ السُّفلى.. صَرَخَ بِأَعلى صَوتِهِ: «آخ الصُّداعِ... لَم يَفعَل الصَّبِيُّ شَيئًا ساعَتَها؛ لِأَنَّ مَدَّ الحَياةِ انحَسَرَ عَن أَبيهِ خادِم.
حَضَرَ الجِنازَةَ خمّاسُ الأَعوَرُ، وَعيسى الأَعرَجُ، وَمُرادُ البَقّالُ، وَسَيفُ (المُطَوّعُ)، وَلَم يَحضُر حُسَينُ صاحِبُ اليَومِ، وَكَذَلِكَ عَبِدُ اللَّهِ الصِّغيرِ، فَقَد كانَ واقِفًا عَلى الشّاطِئِ يَرقُبُ عَودَةَ أَبيهِ، وَيُفَكَّرُ في قَضيَّةِ مَقتَلِ ابنِ زاهِرٍ.
.1984


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

الحمد لله الملك...

الحمد لله الملك المعبود، سبحانه ، لا أُحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه.وأصلي وأسلم على سيدنا محم...

بحث وزير الخارج...

بحث وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي، الثلاثاء، مع رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها محمد بن عبدالرحم...

إنجازات وحدة تع...

إنجازات وحدة تعريف الكائنات الدقيقة والمقاومة الحيوية تُعَد وحدة تعريف الكائنات الدقيقة والمقاومة ال...

chief economic ...

chief economic responsibility that a firm has is to its owners or investors. They want to earn a pro...

dresse mes sinc...

dresse mes sincères remerciements à ceux qui ont contribué àl'élaboration de ma mémoire. Je tiens à ...

في الولايات الم...

في الولايات المتحدة، تخضع الرعاية خارج المنزل - مثل الرعاية البديلة، والبيوت الجماعية، ومرافق العلاج...

السلا السلام ع...

السلا السلام عليكم متابعين الكرام معكم السيد والنهاردة هبتدي معاكم كورس مهم جدا جدا وهو ال human re...

السريرة لو كُشِ...

السريرة لو كُشِفَ للإنسان عن سريرة الإنسان لرأى منها ما يرى من غرائب هذا الكون وعجائبه، أَعْمَى أَدْ...

وكان التنسيق وا...

وكان التنسيق والتعاون الدائم مع الوزارات والهيئات ركيزة أساسية في دعم هذا النهج، بما يعزز من كفاءة ا...

العمل : صحفي وم...

العمل : صحفي ومستشار إعلامي سابق في الخارجية اليمنية ورئيس تحرير صحيفة هنا عدن الاخبارية ورئيس مركز ...

بين اليأس والرج...

بين اليأس والرجاء صوتان لا بد أن يرتفعا في كل أمة ويجب أن يتوازنا حتى لا يطغى أحدهما على الآخر: صوت ...

إنه لشرف كبير ل...

إنه لشرف كبير لي أن أتولى رئاسة قسم بحوث أمراض القطن ومحاصيل الألياف بمعهد بحوث أمراض النباتات. يُعد...