Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

لولا الحياة الشعرية التي يحياها الناس - أحيانًا - لسَمُج في نظرهم وجهُ الحياة الحسيَّة،
ومرَّ مذاقها في أفواههم،
حتى ما يَغتبط حيٌّ بنعمة العيش،
لذلك نرى كلَّ حي يَهربُ من الحياة الحسيَّة جِدَّ الهرب،
لاجئًا إلى الحياة الشعرية من أي باب من أبوابها؛
لأنه يرى في هذه ما لا يراه في تلك،
مما يريح فؤادَه،
ويُثلِجُ صدره،
وينفي عن نفسه السآمةَ والضَّجَر من صنوف المناظر،
وأفانين المشاهد،
وغرائب المؤتلفات،
وعجائب المختلفات.
لولا حبُّ الناس الحياةَ الشعرية لَمَا وُجِد فيهم كثيرٌ من المُولَعين بتخدير أعصابهم؛
كشاربي الخمر،
ومدخِّني الحشيشة والأفيون،
وهي وإن كانت في نظرهم حياةَ سعادةٍ يتخلَّلُها شقاء،
إلا أنها عندهم خيرٌ من حياةِ شقاء لا تتخلَّلُها سعادة،
ولولا حبُّ الحياة الشعرية لَما وجد في الناس هذا الجمُّ الغفير من الشعراء المتخيلين،
والمتصوفة المتهوسين.
لا يَجِدُ السكِّير لذةَ العيش وهناءَه إلا إذا أسلم نفسه إلى كأس الشراب،
فنقله من هذا العالَم البسيط المحدود إلى عالمٍ هائل غريب،
يرى فيه كلَّ ما تشتهي نفسُه أن يراه،
فإن كان قبيحَ الوجه مُشوَّه الخلق تخيَّل أنه شرَك الأبصار،
وفتنة النظار،
وأن القلوب مُحلِّقة على جماله تحليقَ الأطيار على الأشجار،
وإن كان وضيعًا حقيرًا،
لا يَملِكُ فِلْسًا،
توهَّم أنه جالس على كرسي الملك،
والصَّوْلجانُ في يمينه،
والتاج فوقَ رأسه،
واعتقد أن عبيد الله عبيدُه،
وجنودَ الحكومة جنودُه،
حتى الجندي الذي يسحبُه على وجهه إلى السجن.
وبالجملة لا تقعُ عينه على ما يحزنُه من المنظورات،
ولا تسمعُ أذنه ما يُنفِّره من المسموعات،
حتى لَيرى الجمالَ الباهر في وجه العجوز الشمطاء،
ويسمع في صوت الرعد القاصفِ ألحانَ الغناء.
ولا يشعر الصوفيُّ بنعيم الحياة إلا إذا جنَّ الليل،
وأوى إلى معبده،
وخلا بنفسه،
فتخيَّل أن له أجنحةً من النور؛
كأجنحة الملائكة،
يطير بها في فضاء السماء،
فيرى الجنة والنار والعرش والكرسي،
ويسمع صريرَ قلمِ القدرة في اللوح المحفوظ،
ويقرأ في أمِّ الكتاب حديثَ ما كان وما يكون وما هو كائن.
ولا يستفيقُ الشاعرُ من هموم الدنيا وأكدارها،
ومصائبها وأحزانها،
إلا إذا جلس إلى مكتبه وأمسك بيَراعِه،
فطار به خيالُه بين الأزهار والأنوار،
وتنقَّل به بين مسارح الأفلاك،
ومسابح الأسماك،
ووقف به تارةً على الطُّلول الدَّوارِسِ يَبكي أهلَها النازحين وقُطَّانَها المفارقين،
وأخرى على القبور الدوائر يَندب جسومَها الباليات،
ليس الأملُ إلا بابًا من أبواب الحياة الشعرية،
ولا يمكن أن يوجد بين قلوب البشر قلبٌ لا يخفق بالآمال؛
فالأملُ هو الحياة الشعرية العامة التي يشترك في العيش فيها جميع الناس: أذكياء وأغبياء،
فُهماء وبلداء،
والأمل هو السدُّ المنيع الذي يعترض في سبيل اليأس،
ويقف دونَه أن يتسرَّب إلى القلوب،
ولو تسرَّب إليها لزهِدَ الناسُ العيش في هذه الحياة الحسيَّة التي لا قيمة لها في أنظارهم،
ولا لذَّة لها في نفوسهم،
ولَطلبوا الفِرارَ منها إلى الموت؛
تسليًا بالتغيُّر والانتقال،
وتلذُّذًا بالتحول من حال إلى حال.
يقولون: أشقى الناس في هذه الحياة العقلاءُ،
ويقولون: ما لذة العيش إلا للمجانين.
لأن نصيب الأولين من الحياة الشعرية أضعفُ من نصيب الآخرين؛
وذلك أن عقلَ العاقل يحول بينه وبين استمرار الطيران في فضاء الخيالات الذهنية والمغالطات الشعرية،
فلا يرى سوى ما بين يديه من المحسوسات،
ويَمنَعُه علمُه بأحوال الدنيا وشؤونها ومعرفتُه أن الهموم والأحزان لازمةٌ من لوازمها لا تنفك عنها - أن يُؤمِّلَ منها ما ليس في طبيعتها؛
من دوام السعادة،
واستمرار السرور والهناء،
فلا يطلبُ سَعَة العيش من وراء الأمل كبقية المؤمِّلين،
ولا يتلذَّذُ بتصديق ما لا يكون تلذذ المجانين.
والحق أقول: لولا الحياةُ الشعرية التي أحياها - أحيانًا - في هذه النظرات لأحبَبْتُ - زهدًا في الحياة الحسية - أن تطلع الشمس من مغربها،
ولو قامت القيامة بعد ذلك،


Original text

الحياة الشعرية
(كتاب النظرات)


لولا الحياة الشعرية التي يحياها الناس - أحيانًا - لسَمُج في نظرهم وجهُ الحياة الحسيَّة، ومرَّ مذاقها في أفواههم، حتى ما يَغتبط حيٌّ بنعمة العيش، ولا يكره ميت طلعةَ الموت!


لذلك نرى كلَّ حي يَهربُ من الحياة الحسيَّة جِدَّ الهرب، لاجئًا إلى الحياة الشعرية من أي باب من أبوابها؛ لأنه يرى في هذه ما لا يراه في تلك، مما يريح فؤادَه، ويُثلِجُ صدره، وينفي عن نفسه السآمةَ والضَّجَر من صنوف المناظر، وأفانين المشاهد، وغرائب المؤتلفات، وعجائب المختلفات.


لولا حبُّ الناس الحياةَ الشعرية لَمَا وُجِد فيهم كثيرٌ من المُولَعين بتخدير أعصابهم؛ كشاربي الخمر، ومدخِّني الحشيشة والأفيون، وهي وإن كانت في نظرهم حياةَ سعادةٍ يتخلَّلُها شقاء، إلا أنها عندهم خيرٌ من حياةِ شقاء لا تتخلَّلُها سعادة، ولولا حبُّ الحياة الشعرية لَما وجد في الناس هذا الجمُّ الغفير من الشعراء المتخيلين، والمتصوفة المتهوسين.


لا يَجِدُ السكِّير لذةَ العيش وهناءَه إلا إذا أسلم نفسه إلى كأس الشراب، فنقله من هذا العالَم البسيط المحدود إلى عالمٍ هائل غريب، يرى فيه كلَّ ما تشتهي نفسُه أن يراه، فإن كان قبيحَ الوجه مُشوَّه الخلق تخيَّل أنه شرَك الأبصار، وفتنة النظار، وأن القلوب مُحلِّقة على جماله تحليقَ الأطيار على الأشجار، وإن كان وضيعًا حقيرًا، لا يَملِكُ فِلْسًا، توهَّم أنه جالس على كرسي الملك، والصَّوْلجانُ في يمينه، والتاج فوقَ رأسه، واعتقد أن عبيد الله عبيدُه، وجنودَ الحكومة جنودُه، حتى الجندي الذي يسحبُه على وجهه إلى السجن.


وبالجملة لا تقعُ عينه على ما يحزنُه من المنظورات، ولا تسمعُ أذنه ما يُنفِّره من المسموعات، حتى لَيرى الجمالَ الباهر في وجه العجوز الشمطاء، ويسمع في صوت الرعد القاصفِ ألحانَ الغناء.


ولا يشعر الصوفيُّ بنعيم الحياة إلا إذا جنَّ الليل، وأوى إلى معبده، وخلا بنفسه، فتخيَّل أن له أجنحةً من النور؛ كأجنحة الملائكة، يطير بها في فضاء السماء، فيرى الجنة والنار والعرش والكرسي، ويسمع صريرَ قلمِ القدرة في اللوح المحفوظ، ويقرأ في أمِّ الكتاب حديثَ ما كان وما يكون وما هو كائن.


ولا يستفيقُ الشاعرُ من هموم الدنيا وأكدارها، ومصائبها وأحزانها، إلا إذا جلس إلى مكتبه وأمسك بيَراعِه، فطار به خيالُه بين الأزهار والأنوار، وتنقَّل به بين مسارح الأفلاك، ومسابح الأسماك، ووقف به تارةً على الطُّلول الدَّوارِسِ يَبكي أهلَها النازحين وقُطَّانَها المفارقين، وأخرى على القبور الدوائر يَندب جسومَها الباليات، وأعظُمَها النَّخِرات!


ليس الأملُ إلا بابًا من أبواب الحياة الشعرية، ولا يمكن أن يوجد بين قلوب البشر قلبٌ لا يخفق بالآمال؛ فالأملُ هو الحياة الشعرية العامة التي يشترك في العيش فيها جميع الناس: أذكياء وأغبياء، فُهماء وبلداء، والأمل هو السدُّ المنيع الذي يعترض في سبيل اليأس، ويقف دونَه أن يتسرَّب إلى القلوب، ولو تسرَّب إليها لزهِدَ الناسُ العيش في هذه الحياة الحسيَّة التي لا قيمة لها في أنظارهم، ولا لذَّة لها في نفوسهم، ولَطلبوا الفِرارَ منها إلى الموت؛ تسليًا بالتغيُّر والانتقال، وتلذُّذًا بالتحول من حال إلى حال.


يقولون: أشقى الناس في هذه الحياة العقلاءُ، ويقولون: ما لذة العيش إلا للمجانين.


أتدري لماذا؟


لأن نصيب الأولين من الحياة الشعرية أضعفُ من نصيب الآخرين؛ وذلك أن عقلَ العاقل يحول بينه وبين استمرار الطيران في فضاء الخيالات الذهنية والمغالطات الشعرية، فلا يرى سوى ما بين يديه من المحسوسات، ويَمنَعُه علمُه بأحوال الدنيا وشؤونها ومعرفتُه أن الهموم والأحزان لازمةٌ من لوازمها لا تنفك عنها - أن يُؤمِّلَ منها ما ليس في طبيعتها؛ من دوام السعادة، واستمرار السرور والهناء، فلا يطلبُ سَعَة العيش من وراء الأمل كبقية المؤمِّلين، ولا يتلذَّذُ بتصديق ما لا يكون تلذذ المجانين.


والحق أقول: لولا الحياةُ الشعرية التي أحياها - أحيانًا - في هذه النظرات لأحبَبْتُ - زهدًا في الحياة الحسية - أن تطلع الشمس من مغربها، ولو قامت القيامة بعد ذلك، ولتَمنَّيْتُ - حبًّا في الانتقال من حال إلى حال - أن أنتقل ولو إلى رحمة الله


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

الوطن هو الكيان...

الوطن هو الكيان الذي ينتمي إليه الشخص ويعتبره أساس بدايته ونهايته، وهو الحضن الذي يضم أبناءه ويحتويه...

الدخول في الدين...

الدخول في الدين كله، والإيمان بالكتاب كله فيؤمنون بنصوص الوعد ونصوص الوعيد، وبنصوص الإثبات للصفات، و...

لتنفيذ استراتيج...

لتنفيذ استراتيجية تسويق منظمة لدعم الجمهور السعودي على الجانب الواقعي، يجب على شركة IBM مراعاة ما يل...

تمثل التربة أحد...

تمثل التربة أحد عناصر البيئة المهمة ففيها تنمو جميع المحاصيل التي تعد المصدر الرئيس تضم في حبيباتها...

اولا : المدرسة/...

اولا : المدرسة/المدخل التقليدي عتبر هذا المدخل الأقدم بين المداخل الخمسة لكنه لا يزال شائعا بين الح...

They don't know...

They don't know if your products will work that's mean they are not sure this decision will succeed...

كانت الساحة الأ...

كانت الساحة الأدبية في الضفة والقطاع قد شهدت في السنتين الأولى والثانية من الاحتلال فراغا أدبيا وثقا...

The time rate o...

The time rate of change in an object's temperature is proportional to the difference between the tem...

L'impression 3D...

L'impression 3D, également connue sous le nom de fabrication additive (AM), a été introduite pour la...

تفسير النص وبا...

تفسير النص وبانتهاء المؤرخ من نقد الأصول، على الوجه الذي تقدم شرحه في الباب الثالث من هذا الكتاب ين...

A professional ...

A professional nurse who holds a nursing certificate from the School of Nursing in Lattakia in 2017 ...

1. البلاغة الرق...

1. البلاغة الرقميّة: يشير التوجه الحديث في مجال البلاغة نحو التصوير إلى التركيز المتزايد على دراس...