Online English Summarizer tool, free and accurate!
تتمتع السعودية بأهمية جيوستراتيجية خاصة لامتلاكها ربع احتياطي النفط العالمي وموقعها على الخليج العربي والبحر الأحمر، مما جعلها هدفاً لقوى دولية متنافسة. لذا، اعتمدت المملكة على تطوير علاقاتها مع قوى دولية، خاصة الولايات المتحدة، للدفاع عن أمنها. بدأ التعاون العسكري بين البلدين منذ عهد الملك عبد العزيز، بدعم أمريكي لتطوير القدرات العسكرية السعودية، وتبلور هذا التعاون خلال الحرب الباردة، حيث شكلت معاداة الشيوعية أرضية مشتركة. اعتبرت الولايات المتحدة، بموجب "مبدأ ترومان"، منع النفوذ الشيوعي في المنطقة مصلحة حيوية، وهو هدف سعته المملكة أيضاً. ازداد الاهتمام الأمريكي بالمملكة خلال الحرب الباردة، لتصبح حجر زاوية في سياسة الاحتواء السوفيتي. لكن المملكة، رغم التعاون الاستراتيجي، أصرت على استقلال قرارها السياسي، ورفضت وجوداً عسكرياً أمريكياً مباشراً على أراضيها، كما تجلى في رفضها طلبات أمريكية متكررة لوجود عسكري، وسعيها لتنويع مصادر تسليحها من فرنسا، بريطانيا، ألمانيا والصين. يُعزى هذا إلى أولوية المملكة لاستقلالها السياسي. من جهة أخرى، وظفت المملكة علاقاتها مع الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، لخدمة التنمية الاقتصادية والتقنية، مع الحفاظ على هويتها الإسلامية وثقافتها. بدأ التعاون الاقتصادي والفني بين البلدين مبكراً، قبل الاعتراف الدبلوماسي، وتطور مع اكتشاف النفط. أدت اتفاقية التعاون الاقتصادي والأمني عام 1974 إلى تأسيس لجنة سعودية أمريكية لتنسيق التعاون. كما استفادت المملكة من الخبرات الأمريكية عبر برامج التدريب والتعليم، في حين شكلت سوق عمل للكثير من الأمريكيين. باختصار، علاقة المملكة بالولايات المتحدة، رغم تعقيداتها، تُشكل شراكة استراتيجية متوازنة تخدم مصالح الطرفين، مع إصرار المملكة على سيادتها واستقلال قرارها.
العلاقات السعودية الأمريكية وقضايا الأمن الإقليمي:
تتمتع المملكة العربية السعودية بأهمية استراتيجية خاصة تتمثل باستحواذها على أكثر من ربع الاحتياطي العالمي من النفط وبموقع جغرافي مهم ذلك أن شواطئها تمتد على ساحلي الخليج العربي والبحر الأحمر لمسافات طويلة. فالخليج العربي باعتباره امتداداً للمحيط الهندي، وكونه مخزون نفط استراتيجي، كان ولا يزال مصدر جذب لقوى دولية متنافسة. أما البحر الأحمر فإنه استقطب أهمية متزايدة باعتباره ممراً استراتيجياً حيوياً للملاحة منذ فتح قناة السويس.
وفرضت الأهمية الجيوستراتيجية للمملكة أعباء ومسؤوليات كبيرة عليها ووضعها أمام حاجة مستمرة ومتشعبة للدفاع عن أمنها الإقليمي. وفي هذا السياق شكل تطوير العلاقة مع القوى الدولية المؤثرة وخصوصًا الولايات المتحدة ركنًا أساسياً في استراتيجيتها الدفاعية والأمنية. فلقد شاركت الولايات المتحدة بفعالية منذ عهد الملك عبدالعزيز بتطوير القدرات العسكرية للمملكة، وذلك نسجًا على رغبة سعودية وتأسيسًا على الالتزام الذي اطلقه الرئيس فرانكلين روزفلت في فبراير عام 1943م،في اعتبار امن المملكة مسألة حيوية بالنسبة للولايات المتحدة. وكان اول النتائج تلك الرغبة بتطوير علاقات التعاون الدفاعي بين البلدين إرسال بعثة عسكرية أميركية لتدريب ضباط سعوديين على استعمال أسلحة حديثة أنهت مهمتها في ٣٠ أبريل ١٩٤٥م ومن هذه البداية المتواضعة وصلت كما هو معروف الجهود الامريكية في تطوير القدرات العسكرية للمملكة والمشاركة بالدفاع عن أمنها الاقليمي ذروتها في حرب تحرير الكويت عام ١٩٩١م وكما ذكر احد الدارسين فقد حظي تطوير القدرات الدفاعية للمملكة باهتمام بالغ في تفكير الحكومات الاميركية المتعاقبة للحفاظ على معادلة التوازن الإقليمي في المنطقة.
ومثلت فترة الحرب الباردة عصرا ذهبيا للتعاون الاستراتيجي بين المملكة والولايات المتحدة، حيث شكل عدائهما للشيوعية قاسما مشتركا في تعاونهما من أجل مقاومة محاولة الاتحاد السوفيتي والقوى الحليفة له مد نفوذها في المنطقة. فقد رفعت الولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الثانية، اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط إلى مرتبة الالتزام الاستراتيجي من خلال "مبدأ ترومان" الذي أعلنه الرئيس هاري ترومان عام ١٩٤٧م والذي بموجبه أكدت أميركا تصميمها على منع النفوذ الشيوعي من الامتداد للمنطقة (٥١)، وهو هدف كانت المملكة، لأسباب تتعلق بعدائها المبدئي للشيوعية، تسعى إليه أيضا. وجذور السياسة الأميركية حيال هذه المسألة ترجع إلى أنه مع سيطرة منطق الحرب الباردة على التفكير الاستراتيجي الأميركي أصبح موقف وزارتي الدفاع والخارجية الأميركية بالنسبة للمنطقة أكثر وضوحا واتساقاً، وكان من إفرازاته اعتبار تطوير العلاقة مع المملكة بما فيها مساعدتها على النمو الاقتصادي أمراً حيوياً ومصلحة أكيدة للولايات المتحدة. وكما ذكر إرفن أندرسون:
"مع قيام الحرب الباردة ازداد الاهتمام الأميركي بتقوية وتعميق العلاقة مع المملكة العربية السعودية. حيث أخذ هذا الاهتمام بعداً جديداً بموجبه بدأت الولايات المتحدة تنظر إلى الملك عبد العزيز كقوة رئيسة في محاولة احتواء ومنع النفوذ السوفيتي من التغلغل إلى المنطقة. وكان أن بدأت الولايات المتحدة تعتبر الازدهار الاقتصادي للمملكة وديمومة صداقتها أمرا يمثل مصلحة حيوية لها. هذه هي النظرة العامة في العلاقة مع المملكة التي أجمعت عليها وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع ومجلس الأمن القومي. وكانت هذه النظرة العامة هي الخلفية التي بنت عليها وزارة الخارجية الأميركية معارضتها للضغوط باتجاه اعتراف متعجل بدولة إسرائيل ، وتأييدها القوي لبناء خط التابلاين وتشجيعها لاتفاقية ١٩٥٠م بمناصفة الأرباح بين شركات النفط الأميركية و بين الحكومة السعودية"(٥٢).
وهكذا مع استتباب واقع الحرب الباردة وهيمنته على طبيعة النظام الدولي، أخذ الاهتمام الأميركي بالمملكة بالترسخ. فالمملكة بات ينظر لها على أنها حجر زاوية وشريك استراتيجي في سياسة الاحتواء الأميركية للتوسع السوفيتي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، وأصبحت مسألة ترسيخ العلاقة مع المملكة وضمان صداقتها تدخل ضمن إطار المصالح القومية الأميركية الحيوية. ففي لقاء مع وزير الخارجية السعودية الأمير (الملك) فيصل بن عبد العزيز في ١٩ مارس ١٩٥٠م، وصف وزير الخارجية الأميركي علاقة الولايات المتحدة مع السعودية بأنها "فريدة من نوعها" حيث لا يوجد أي بلد آخر في تلك المنطقة من العالم، حسب قول الوزير الأميركي، للولايات المتحدة معه علاقة تقترب من نوعية العلاقة التي تقيمها معها (٥٣).
بمنظور الحسابات الاستراتيجية أذن ترادف الاهتمام الأميركي بتطوير العلاقة مع المملكة مع ازدياد إدراك الولايات المتحدة للأهمية المتزايدة لأمنها القومي لمنطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج خاصة. ولا شك أن توافق النظرة الاستراتيجية للبلدين والتقاء مصلحتهما حيال الحاجة إلى منع مد النفوذ الشيوعي إلى المنطقة أضاف زخماً كبيراً للجهود الرامية لتطوير العلاقة الأمنية والاستراتيجية بينهما. ولعل دعم حرب تحرير أفغانستان من الاحتلال السوفيتي وتخليصها من الحكم الشيوعي أبرز مثال على اتفاق وجهتي نظر البلدين وتناغم جهودهما المشتركة في هذا الاتجاه.
وبمنظور التطورات الإقليمية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات فلا شك أن أحد العوامل الدافعة لزيادة التعاون الاستراتيجي بين المملكة والولايات المتحدة كان وجود هوة لا يمكن إغفالها بين الاعتماد المتزايد للولايات المتحدة على نفط الخليج وبين الاستعدادات الفعلية للولايات المتحدة للدفاع عن هذه المنطقة. وأخذت مسألة الدفاع عن منطقة الخليج ضد توسع سوفيتي محتمل اهتماما متزايدا من قبل صانعي القرار في واشنطن. وكان أن تحولت هذه المسألة إلى هاجس أمني بعد إعلان بريطانيا نيتها الانسحاب من منطقة الخليج العربي عام ١٩٦٨م . حيث أصبح من إفرازات الشعور الأميركي بضرورة الحفاظ على الاستقرار في منطقة الخليج مشاركتها الفعالة في سد الحاجات الدفاعية للمملكة. وقد جسدت الولايات المتحدة هذه السياسة من خلال مبدأ نكسون ١٩٧١م، الذي تعهدت بموجبه أميركا تعزيز القدرات العسكرية للمملكة على اعتبار أن ذلك يشكل جزءاً أساسياً من الحفاظ على الاستقرار في المنطقة إن ما يجب عدم إغفاله هو أن مما عزز من إمكانات التعاون الدفاعي بين المملكة وأميركا عدم حاجة الرياض للدعم المالي حيث زاد ذلك من حصانة استقلال قرارها السياسي الأمر الذي تجلى في لجوء المملكة إلى مصادر أخرى للسلاح عندما اصطدمت طلباتها لشراء السلاح الأميركي بعقبات مصطنعة من قبلى اللوبي الصهيوني في الكونجرس الأميركي، أو باشتراطات قد يكون لها مساس باستقلال القرار السياسي السعودي أو السيادة الوطنية.
ذلك أنه على الرغم من تكامل النظرة المبدئية للمملكة والولايات المتحدة إزاء العداء للشيوعية، والتقاء مصالحهما حول ضرورة حفظ التوازن الاستراتيجي في المنطقة، وهما أمران ضاعفا بصورة استثنائية إمكانات التعاون الاستراتيجي والأمني بين البلدين، إلا أن المملكة، وعلى الضد من الرغبة الأميركية، التزمت بقوة بمبدأ تجنب الوجود المباشر للقوى الأجنبية ومن ضمنها القوة الأميركية في المنطقة.
وقد شدد الملك خالد - رحمه اللّٰه - على ذلك في مؤتمر القمة الإسلامي في الطائف بالقول: "إن ولاءنا ينبغي أن لا يكون لكتلة شرقية أو غربية، بل لله ولأنبيائه، ومن ثم للمسلمين في الأرض ... إن أمن الأمة الإسلامية لا يمكن أن يتحقق من خلال دخول حلف عسكري، أو من خلال البحث عن الحماية لدى قوة عظمى"(٥٤). وإجمالا يمكن الموافقة مع ما ذهب إليه أحد الدارسين " أن السعودية تحبذ صيغة التعاون (مع دولة صديقة كأميركا) عن طريق طلب المساعدة وبقرار سعودي في حالة الضرورة القصوى، أي في حالة تعرض السعودية، أو الدول الخليجية الأخرى إلى أخطار تكون غير قادرة على مواجهتها بقدراتها الذاتية كما حدث خلال الغزو العراقي للكويت".
ولعل الأولوية المطلقة التي أعطتها المملكة لاستقلال قرارها السياسي وحساسية القيادة السياسية فيها لهذا الأمر كانت وراء السعي لتنويع مصادر تسليح القوات المسلحة السعودية، إذ توجهت المملكة إلى كل من فرنسا وبريطانيا والمانيا والصين لتغطية حاجاتها الدفاعية حيث أن:
"النهج الذي اعتمدته القيادة السعودية في سياستها التسليحيه متجسداً في مبدأ تنويع مصادر التسلح قد عكس قراراً سعودياً مستقلاً أتاح أمام المملكة مجالاً واسعاً من شأنه أن يمكنها من التغلب على الضغوط الصهيونية التي تتحكم في الكونجرس الأميركي وبالتالي في قرارات الإدارة الأمريكية. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن القيادة السعودية أدركت أن هذا النهج يوسع من دائرة التحرك السعودي على صعيد التعامل الدولي، بإقامة علاقات متوازنة مع الدول الكبرى"(٥٦).
وإجمالاً فإن الاهتمام السعودي - الأميركي المشترك بتطوير علاقة تعاون استراتيجي متكافئة بين الطرفين ينبع من حقيقة أن الولايات المتحدة من جهة أصبحت، منذ نهاية الستينيات بعد انحسار النفوذ البريطاني في المنطقة، تلعب بشكل متصاعد دوراً مركزياً في شؤون المنطقة، ومن جهة أخرى نجد أن المملكة أصبحت تشكل منذ الستينيات قوة إقليمية وعنصراً هاماً لا يمكن تجاهله بالنسبة للعديد من قضايا المنطقة ذات البعد الدولي مثل أمن الخليج وتدفق النفط، انسياب الملاحة في البحر الأحمر، ضرورة حل المشكلة الفلسطينية بالطرق السلمية، والمحافظة على الاستقرار وحماية قوى الاعتدال في المنطقة العربية.
ولقد تطورت هذه العلاقة لتصبح علاقة شراكه استراتيجية أفصحت عن مدى عمقها وثقلها خلال أزمة احتلال النظام العراقي لدولة الكويت. ولابد في هذا الصدد من الإشارة إلى أن أزمة احتلال الكويت قد أوضحت، من بين أمور أخرى، أن سلامة المملكة وأمنها الإقليمي أمر دولي في غاية الحساسية، وهذا بلاشك يعكس أهمية الدور الذي تتبؤوه المملكة في الدائرة الدولية. وكان أحد تداعيات أزمة احتلال الكويت تعزيز روابط التعاون العسكري والدفاعي بين المملكة والولايات المتحدة، وهو أمر يبدو مرشحاً، بسبب وجود مصلحة متبادلة للطرفين فيه، للاستمرار في السنوات القادمة. وعلى أية حالة وبغض النظر عن المسار الذي يمكن أن تأخذه علاقة التعاون العسكري بين البلدين فإن هناك أمراً لا يمكن الشك في استمراره، وهو رفض المملكة إعطاء تسهيلات لوجود أميركي على أراضيها وهذه مسألة لم تترك القيادة السياسية في المملكة فرصة إلا وأكدت عليها. ولخصر أحد الباحثين هذه المسألة المهمة حين ذكر :
"إن المحاولات الأمريكية، بصدد التعاون العسكري، وطلب التسهيلات
العسكرية لأغراض الوجود المباشر قد فشلت، فعلى الرغم من طلب تواجد أربع طائرات أواكس أمريكية للاستطلاع في أعقاب اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية
للقيام بالإنذار المبكر من أي عدوان إيراني أو إسرائيلي محتمل، وعلى الرغم من جميع أنواع العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، ومن الأزمة التي نشبت بين شطري اليمن وعلاقات السوفيت مع اليمن الديمقراطية والوجود الكوبي السوفيتي في القرن الأفريقي، وعلى الرغم مما حصل في إيران، وفي التدخل السوفيتي في أفغانستان، وعلى الرغم من التطورات التي وقعت على ساحة الحرب العراقية - الإيرانية، والمنعطف الذي سارت فيه تلك الحرب حتى صيف عام ١٩٨٧م، فإن السعودية رفضت عروضاً متتالية قدمتها الولايات المتحدة لترسيخ وجود عسكري بحري وجوي في المنطقة على أراضيها"(٥٧).
وهكذا نجد أن علاقة التعاون العسكري والدفاعي التي تعيشها المملكة مع الولايات المتحدة على أهميتها إلا أنها، شأنها في ذلك شأن مجمل علاقات المملكة الدولية، تتأطر بخط أحمر لا يمكن تجاوزه يتمثل باحترام سيادة المملكة واستقلال قرارها السياسي وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ولاشك أن التوجه السعودي نحو تنويع علاقاتها الأمنية والاستراتيجية يمثل في جانب مهم منه إصرار القيادة السياسية في المملكة، في مختلف عهودها، على توسيع دائرة التحرك السعودي على صعيد التعامل الدولي،مما يعطي مثالًا آخر على سعي المملكة الى إقامة علاقات متوازنة مع الدول الكبرى وهو مسعى يؤكد سمة عامة من سمات تفاعل السياسة الخارجية السعودية مع الاطراف المؤثره في المحيط الدولي ووتمثل في الحرص على التكافؤ والتبادلية في العلاقة،والتعاون والانفتاح على هذه الاطراف بما يخدم المصلحة الوطنية السعودية ويجد المراقب تأكيدًا لهذا النهج في الكيفية التي وظفت بها المملكة علاقاتها الإيجابية مع الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية من اجل خدمة اهدافها وطموحاتها التنموية.فبعد خدمة الحاجات الأمنية،وبالترادف معها لعبت السباسة الخارجية السعودية كما تجلت في الدائرة الدولية،دورًا موثرًا في دعم مسيرة التنمية في البلاد.
التنمية وعلاقات التعاون الاقتصادي والفني:
أحد أبرز معالم السياسة الخارجية السعودية في الدائرة الدولية هو توظيف المملكة لعلاقاتها مع الدول الكبرى من أجل خدمة قضية التنمية الاقتصادية والتقنية في البلاد. وجاء هذا التوجه نحو الاستفادة من الخبرات الأجنبية المتقدمة في سبيل دفع مسيرة التنمية في الداخل متسقاً مع ما يتميز به العالم المعاصر من استحالة العزلة والانغلاق، وحتمية الاعتماد المتبادل وضرورة الانفتاح على الخارج.
وقد جاءت التجربة السعودية في هذا المجال مصحوبة بخصوصية لافتة، وتكاد تكون متفردة، تتمثل في الإصرار على أن تكون عملية التحديث ضمن إطار المحافظة على الشريعة الإسلامية السمحة وبما لا يتنافى مع خصوصية الإرث الثقافي للبلاد وتقاليدها الحميدة. باختصار، إن النهج السعودي منذ البداية كان واعياً بضرورة التفريق بين التحديث والتغريب محققاً المعادلة الأولى ولكن بشروطه، ورافضاً الثانية بإصرار مبدئي. فالنهج السعودي يشدد على كونه نهج استيعاب واعٍ لمنجزات الآخرين وليس محاكاة عمياء لطرقهم، إنه نهج سداد ولحمته الجمع بين التحديث والأصالة، بل هو نهج التحديث ضمن إطار الأصالة.
وبناء التنمية الشامخ في المملكة التي وضع لبناته التأسيسية الملك عبد العزيز- رحمه الله- وأكمل تشييده من بعده أبناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد- وصولا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ما كان له أن يقوم بالسرعة القياسية التي نهض بها لولا التوظيف الحكيم للدبلوماسية السعودية لعلاقتها مع الدول الكبرى المتقدمة من أجل خدمة قضية التنمية.
وفي هذا السياق تعطي العلاقة المتطورة التي أقامتها المملكة مع الولايات المتحدة مثالاً ناجزاً لدور السياسة الخارجية السعودية في الدائرة الدولية في عمليــة دفع عجلة التنمية الاقتصادية والتقنية في البلاد.
المراقب لتطور العلاقة السعودية- الأميركية يلحظ أن مسائل التعاون الاقتصادي والفني بين البلدين سبقت غيرها من أوجه التعاون بما فيها العلاقة الدبلوماسية بين البلدين. فكما سبق أن ذكرنا في الصفحات السابقة ، فإن التعاون الاقتصادي والفني بين الدولة السعودية والولايات المتحدة يعود إلى العقد الثاني من هذا القرن. وفي الوقت الذي لا نريد تكرار ما سبق ذكره في الصفحات السابقة حول موضوع تطور التعاون الاقتصادي بين الجانبين ، فأنه مما يلفت الانتباه أن اتفاق الدولتين على تبادل الاعتراف الدبلوماسي عام ۱۹۳۳ م صحبه توقيع اتفاقية صداقة وتجارة سبقت إقامة التمثيل الدبلوماسي بينهما. ( ٥٨). ومنذ الأربعينيات قامت الشركات الأميركية بأعمال واسعة للتنمية في المملكة بما فيها إدارة الخطوط الجوية السعودية ( ٥٩). وفي الوقت الذي شكل فيه اكتشاف النفط في الأراضي السعودية من قبل شركات أميركية نقلة نوعية في مستوى التعامل الاقتصادي والفني عن المستوى السياسي والاستراتيجي بين البلدين ، فإن المراقب المهتم بتداعيات حصول الشركات الأميركية على عقد امتياز اكتشاف النفط فــ لابد له من أن يسجل أن أرامكو لعبت منذ تأسيسها دوراً بارزاً في مسيرة
التحديث والتنمية الاقتصادية في المملكة ، حيث شاركت تحت إشراف وتشجيع الحكومة السعودية ، بجهد ملحوظ في بناء مرافق تنموية مهمة ، وخصوصـــاً فـــي الجزء الشرقي من البلاد. وبالإضافة إلى استفادة المملكة الواسعة من خبرات وإمكانات القطاع الخاص الأميركي من أجل خدمة مشاريعها التنموية ، فقد كان هناك أيضاً تعاون كبير علــــى المستوى الحكومي بين الدولتين في هذا الاتجاه. وجاءت اتفاقية التعاون الاقتصادي والأمني بين المملكة والولايات المتحدة التي وقعها الملك ( آنذاك الأمير) فهد بن عبد العزيز في 8 يونيو ١٩٧٤ م ، مع نائب الرئيس الأميركي ، والتي بموجبها تم تشكيل اللجنة السعودية- الأميركية ، لتؤشر إلى نقلة مهمة في علاقة التعاون الرسـ بين البلدين حيث مهدت هذه الاتفاقية الطريق لتعاون واسع بين البلدين في المجالات الاقتصادية والإدارية والفنية. فقد جاءت هذه الاتفاقية المهمة ، التي غطت من بين أمور أخرى جوانب التعاون الاقتصادي والفني بين البلدين ، لتؤسس علاقة التعاون بين البلدين. ولعبت اللجنة المشتركة السعودية- الأميركية دوراً هاماً فــــــي تنظیم مجری سد احتياجات المملكة من الخبرات الفنية الأميركية خاصة فيما يتعلق منها بخطة التنمية الثانية والثالثة. وقد وصف وزير الخارجية الأميركي آنذاك هنري كيسنجر هذه الاتفاقية بأنها تمثل دفعة قوية للعلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ( ٦٠). ولعبت اللجنة السعودية- الأميركية دوراً ملحوظاً في تنظيم عملية استفادة المملكة من الخبرات الأميركية في توجيه وتنفيذ جـوانــــب مهمة من خططها التنموية ، حيث كان الهدف من إنشاء هذه اللجنة الجمـــع بيــن احتياجات خطط التنمية السعودية وبين الخبرة الفنية والإدارية الأميركية. وقامت كل من وزارة المالية والاقتصاد الوطني السعودية ووزارة الخزانة الأميركية بالتعاون لتنفيذ برامج إشراف وتدريب في مجالات مثل الكهرباء ، إدارة الجمارك ، إدارة الإحصاء ، نظم المعلومات والاتصالات خطة النقل حماية المستهلك ،الزراعة والري، بحوث الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى حقل تدريب القوة البشرية(16).
ولا يفوتنا أن نذكر في سياق استمرارنا للطريقة الإيجابية التي وظفت بها المملكة سياستها الخارجية في الدائرة الدولية لخدمة قضية التنمية في البلاد أن المؤسسات التعليمية والتدريبية في الولايات المتحدة كانت، وما زالت، مراكز استقبال لآلاف الطلبة والدارسين والمتدربين السعوديين. ويشير آخر الإحصائيات أن عدد الطلبة والطالبات السعوديين في الولايات المتحدة سواء كانوا من المبتعثين أو الدارسين على حسابهم الخاص قد جاوز 4472 طالباً وطالبة(17). ولعله من قبيل الإشارة إلى الشائع والمعروف القول أن جزءاً كبيراً من الجهاز الإداري والفني في المملكة وخصوصاً الكوادر العليا والمتوسطة منه إضافة إلى نسبة عالية من أعضاء هيئات التدريس في الجامعات والمعاهد العليا السعودية تلقت جزءاً مهماً من تعليمها وتدريبها في الولايات المتحدة. وفي المقابل شكلت المملكة سوق عمل لعشرات الآلاف من المواطنين الأمريكيين على مدى أكثر من خمسة عقود.
وبصورة إجمالية فقد أخلص باحث سعودي بشكل جيد جانب التعاون الاقتصادي والتجاري والفني في العلاقة السعودية الأمريكية، حيث ذكر، وفي مجال العلاقات الاقتصادية تحديداً، القول بأن علاقة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية هي علاقة متطورة رغم المشاكل والخلافات السياسية التي تتركز حول القضية الفلسطينية. ويستند من الإحصائيات والأرقام الرسمية أن كلا من الجانبين قد استفاد من علاقة بالآخر. فالمملكة العربية السعودية تمكنت من تطوير إمكانياتها الفنية والعلمية والتكنولوجية الاقتصادية بمساعدة الخبرة الأمريكية. كما أن الولايات المتحدة قد حققت أرباحاً كبيرة من جراء تعاملها مع المملكة خلال فترة تزيد عن الخمسين عاماً(18)."
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
تُواجه ولاية توزر في تونس عدة مخاطر طبيعية تؤثر على بيئتها ومجتمعها المحلي. أبرز هذه المخاطر تشمل: ...
يبدو من خلال أحكام الدستور بأن المؤسس الدستوري الجزائري قد أخذ بحالة الحرب الدفاعية ولم يأخذ بحالة ا...
لقد اثبتت الحروب الثلاثة ان ميزان القوى كان لصالح المحور الغربي بذراعيه الكيان الصهيوني والولايات ال...
الفقير، بل يكون حَلالاً طيِّبًا، وله أن يتصدَّقَ به على نفسه وعِيَاله إذا كان فقيرًا؛ لأنَّ عِيَالَه...
القاعدة الرابعة أن المحكمة عند فصلها في الدفع بعدم القبول لا تلتزم بالفصل فيه مستقلا عن الموضوع. فله...
تعد طاقة الرياح في الوقت الراهن تكنولوجيا ناضجة، ففي المواقع ذات سرعات الرياح المرتفعة تكون تكلفتها ...
Causes of Address Space Expansion: Shared Memory: P1 might explicitly request or be configured to u...
نفى سبحانه التسوية بين المؤمنين القاعدين عن الجهاد وبين المجاهدين، ثم أخبر سبحانه عن تفضيل المجاهدين...
يُعدّ النفط اكتشافًا بشريًا بالغ الأهمية، فهو المصدر الرئيسي للطاقة، وعماد الإنتاج الصناعي والزراعي ...
يُظهر الإعلان محمد السهلاوي كنموذج للرجل القوي، الماهر، والمسيطر، مما يعكس الصورة النمطية للرجولة ال...
التهديدات ١. المنافسة الشديدة: يشهد قطاع التجزئة منافسةً شديدة، حيث يتنافس العديد من اللاعبين العالم...
learned from this article that every diabetic patient should take care of themselves, especially dur...