Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (67%)

سالي علي* ليس من الصعب على من يقرأ قصص غسان كنفاني أن يلمح صورة التدرج الواعي المتعامد على واقعية صلبة محددة المخبر والمظهر، كأنما كان دائماً يحاول الاقتراب من حدود أهدافه التي يضعها لنفسه في أطوار مبكرة، كأن تكون القصة واقعية مئة بالمئة وفي نفس الوقت تمنح شعوراً هو غير الواقعية المتجسدة. تكاد لا تشذ كثيراً عن تلك القاعدة، إذ حاول غسان كنفاني فيها تطويع طريقة التداعي وانعدام الفواصل بين مونولوجات شخصياته ليجعلها في أوضح المستويات الممكنة، قائمة على نظام محدود السمات مع أن تلك التقنية الفنية تتخذ -لدى غيره من الكتاب- منحى الحلم المبهم المتصف بالإيماء والغموض والتأرجح والتداخل، إلى غير ذلك من فقدان الانضباط لحركة النفس الداخلية. ورغم بلوغ غسان في التزام الواقعية الى درجة يتعذر فيها الفصل احيانا بين الواقع الحضاري والواقع الفني , فإننا لا نستطيع ان نعده وثائقيا في فنه لأنه لم يكن يكتفي بترتيب عناصر الواقع الحضاري على نحو تاريخي متصاعد او متكامل بل كان يعيد ترتيب تلك العناصر ويمنحها التكثيف والتوجيه ويستغل فيها الصور والمقارنات والمفارقات بحيث تجيء خلقاً جديداً هو الواقع وليس به, تدرج أيضاً في طريقة الإفادة من الوسائل الفنية التي كان يظنها كفيلة بتحقيق تلك الغاية فنجده مرةً يعتمد رسم المفارقات والمتناظرات ومرة نجده يلجأ إلى ايثار البساطة الموحية في طبيعة الحوار ومرة ثالثة يستغل عنصر " الامكان" الضروري ومرة يجمع بين هذه الوسائل جميعاً غير انه من البداية إلى النهاية ظلّ مصراً على أنّ خير ما يبلغه هدفه هو طبيعة الشخصيات التي لا مناصَ لها من العيش ضم غطار واقعيته المبتغاة فحين كتبت غسان "أم سعد" كان قد تنازل عن كل فذلكة فنية في سبيل ان لا يدع هناك أية مسافة بين الواقع الحضاري والواقع الفني. أعني بأننا نراها واقعية واضحة بسيطة كأنها دون تعمل لون من ألوان الحكاية من غير أن تتذرع للوصول إلينا بذرائع من فلسفة فكرية أو من إثارة عاطفية أو من تقنية مركبة أو غير ذلكم من وسائل وعناصر. لكن لا ريب في أن جعل القصة واقعية بالقدر الذي أراده غسان يعني التضحية بأمور كثيرة قد كانت تحيط الفن القصصي بمزيد من القدرة على التأثير , وفي مقدمة تلك الأمور قيامُ القصة على الرمز. إن قيام القصة على مبنيين ظاهري وداخلي يمنح القصة عمقاً خاصاً ويجعلها مليئة بالإيحاءات قابلة للفروض والاحتمالات وبقوة الرمز وتجدد ضروب التفسير تحتفظ القصة بالديمومة وتتجدد فيها الطاقات رغم تغير الظروف وعندما أصبحت مواجهة الحقيقة هي الشيء المهم , ولكن هل يظل ها الشعور حياً في نفوس قرائها بمرور الزمن؟ وإنما حاول استغلال المزاوجة بين بناءين ظاهري وباطني , وجرب طريقة الاعتماد على الرمز في الايحاء والتأثير. أي ان الأحداث و الشخصيات ترتبط في زمن واحد. رغم التباعد المكاني , وبتلاعب من القاص في إبراز معنى الزمن بالنسبة لكل منها , وهذا هو الذي حدا به إلى ان يجعل حضور كل شخصية قائما على التداعي وكأن أحاديثها النفسية وأفعالها متداخلة لارتباطها بعنصر الزمن. فكلتاهما تصور محاولة الفلسطيني للهرب من واقعه وسعيه نحو الاستقرار وتشبثه بالحياة على نحو فردي. ولكن الإرادة المسلوبة في الأولى أخذت تتضح وتتطور نحو التشكل في الثانية أما في القصة الثانية فكل شيء يدق و ينبض : مؤشر الزمن سواء كان الساعة في بيت مريم او الساعة التي ألقى بها حامد في حضن الأرض والخطوات التي تدق على صدر الصحراء والجنين ينبض أيضاً , الشهوات تدق , حتى الصمت نفسه ظن غسان بأنه يدق له صوت . كل شيء يتهيأ للولادة وذلك لأن الموت المبكر الذي أصاب سالم الفدائي قد حرك شرارة الانبعاث في كل نفس . غير أن " ما تبقى لكم " تؤكد الحقيقة الكبرى التي أكدتها القصة السابقة لها وهي أن كل طريق بعيدة عن الوطن مرصدة بموت مجاني ومن ثم شهدت الأرض كيف أن " حامد " انحرف في طريقه عما يرده إلى الماضي , إلى أمه,


Original text

غسان كنفاني وحول المبنى الرمزي في قصصه.


سالي علي*


ليس من الصعب على من يقرأ قصص غسان كنفاني أن يلمح صورة التدرج الواعي المتعامد على واقعية صلبة محددة المخبر والمظهر، تتسم ملامحها بالبساطة ومزيد من الوضوح.
كأنما كان دائماً يحاول الاقتراب من حدود أهدافه التي يضعها لنفسه في أطوار مبكرة، كأن تكون القصة واقعية مئة بالمئة وفي نفس الوقت تمنح شعوراً هو غير الواقعية المتجسدة.
ففي قصة "ما تبقى لكم" التي يعدها بعض النقاد غامضة، تكاد لا تشذ كثيراً عن تلك القاعدة، إذ حاول غسان كنفاني فيها تطويع طريقة التداعي وانعدام الفواصل بين مونولوجات شخصياته ليجعلها في أوضح المستويات الممكنة، قائمة على نظام محدود السمات مع أن تلك التقنية الفنية تتخذ -لدى غيره من الكتاب- منحى الحلم المبهم المتصف بالإيماء والغموض والتأرجح والتداخل، إلى غير ذلك من فقدان الانضباط لحركة النفس الداخلية.
ورغم بلوغ غسان في التزام الواقعية الى درجة يتعذر فيها الفصل احيانا بين الواقع الحضاري والواقع الفني , فإننا لا نستطيع ان نعده وثائقيا في فنه لأنه لم يكن يكتفي بترتيب عناصر الواقع الحضاري على نحو تاريخي متصاعد او متكامل بل كان يعيد ترتيب تلك العناصر ويمنحها التكثيف والتوجيه ويستغل فيها الصور والمقارنات والمفارقات بحيث تجيء خلقاً جديداً هو الواقع وليس به, هو الواقع الذي يراه أو يريد أن يراه قاص متفنن ملتزم وليس هو الواقع الحرفي طبيعياً كان ام حضارياً.
كما تدرج غسان كنفاني في طريقه نحو تلك الواقعية الصلبة , تدرج أيضاً في طريقة الإفادة من الوسائل الفنية التي كان يظنها كفيلة بتحقيق تلك الغاية
فنجده مرةً يعتمد رسم المفارقات والمتناظرات ومرة نجده يلجأ إلى ايثار البساطة الموحية في طبيعة الحوار ومرة ثالثة يستغل عنصر " الامكان" الضروري ومرة يجمع بين هذه الوسائل جميعاً
غير انه من البداية إلى النهاية ظلّ مصراً على أنّ خير ما يبلغه هدفه هو طبيعة الشخصيات التي لا مناصَ لها من العيش ضم غطار واقعيته المبتغاة
فحين كتبت غسان "أم سعد" كان قد تنازل عن كل فذلكة فنية في سبيل ان لا يدع هناك أية مسافة بين الواقع الحضاري والواقع الفني.
إن القصة حين تترك أثراً عميقاً في نفوسنا فهي لأنها كذلك ,أعني بأننا نراها واقعية واضحة بسيطة كأنها دون تعمل لون من ألوان الحكاية
من غير أن تتذرع للوصول إلينا بذرائع من فلسفة فكرية أو من إثارة عاطفية أو من تقنية مركبة أو غير ذلكم من وسائل وعناصر.
لكن لا ريب في أن جعل القصة واقعية بالقدر الذي أراده غسان يعني التضحية بأمور كثيرة قد كانت تحيط الفن القصصي بمزيد من القدرة على التأثير , وفي مقدمة تلك الأمور قيامُ القصة على الرمز.
إن قيام القصة على مبنيين ظاهري وداخلي يمنح القصة عمقاً خاصاً ويجعلها مليئة بالإيحاءات قابلة للفروض والاحتمالات وبقوة الرمز وتجدد ضروب التفسير تحتفظ القصة بالديمومة وتتجدد فيها الطاقات رغم تغير الظروف
فإذا شاءت القصة التي تتشبث بالواقعية المطلقة او شبه المطلقة أن تعوض عن قوة الرمز كان لابد لها أن تحتفل بزخم فني عجيب
وكل من يقرأ "عائد الى حيفا" أو " أم سعد" أو "برقوق نيسان" حتى في شكلهما الأولين يحس حقا ان الرمز لم يعد ضرورياً
وعندما أصبحت مواجهة الحقيقة هي الشيء المهم , ولكن هل يظل ها الشعور حياً في نفوس قرائها بمرور الزمن؟
أياً كان الأمر فإن غسان لم يستطع ان يبلغ تلك المرحلة من الواقعية طفرة أو على نحو تعسفي, وإنما حاول استغلال المزاوجة بين بناءين ظاهري وباطني , وجرب طريقة الاعتماد على الرمز في الايحاء والتأثير.
لست أظن بأن غسان حاول بالمبنى الرمزي مرة اخرى في قصصه إلا ان يكون ذلك في "ما تبقى لكم" ولعله ادرك ان درجة "المائة بالمائة" من الواقعية لا تتلاءم مع البناء الرمزي بل ربما لم تكن بحاجة إليه لأن واقعاً يحتوي كل القدر الكافي من الثقل الفني يستطيع أن يكون من جميع جهاته بناء مستقل قائم بنفسه.
تعتمد قصة " ما تبقى لكم " على التوافق الزمني في حبكتها العامة , أي ان الأحداث و الشخصيات ترتبط في زمن واحد.
رغم التباعد المكاني , وبتلاعب من القاص في إبراز معنى الزمن بالنسبة لكل منها , وهذا هو الذي حدا به إلى ان يجعل حضور كل شخصية قائما على التداعي وكأن أحاديثها النفسية وأفعالها متداخلة لارتباطها بعنصر الزمن.
وهي قصة تكمل " رجال في الشمس " من بعض نواحيها , فكلتاهما تصور محاولة الفلسطيني للهرب من واقعه وسعيه نحو الاستقرار وتشبثه بالحياة على نحو فردي.
ولكن الإرادة المسلوبة في الأولى أخذت تتضح وتتطور نحو التشكل في الثانية
في القصة الأولى كانت الولادة ميتة حتى الدق على جدار الخزان في لم يحدث.
أما في القصة الثانية فكل شيء يدق و ينبض : مؤشر الزمن سواء كان الساعة في بيت مريم او الساعة التي ألقى بها حامد في حضن الأرض والخطوات التي تدق على صدر الصحراء والجنين ينبض أيضاً , الشهوات تدق , مجاذيف القوارب التي نقلت المهاجرين أيضا تدق , حتى الصمت نفسه ظن غسان بأنه يدق له صوت ..
كل شيء يتهيأ للولادة وذلك لأن الموت المبكر الذي أصاب سالم الفدائي قد حرك شرارة الانبعاث في كل نفس ..
اذا لم تكن الولادة في " ما تبقى لكم " كالولادة في " رجال في الشمس " وإن كان الموت لا يزال هو المسيطر على مصاير الأشخاص ولكنه موت من نوع جديد لأن إرادة الموت لدى " سالم " سرت على الأخرين.


غير أن " ما تبقى لكم " تؤكد الحقيقة الكبرى التي أكدتها القصة السابقة لها وهي أن كل طريق بعيدة عن الوطن مرصدة بموت مجاني ومن ثم شهدت الأرض كيف أن " حامد " انحرف في طريقه عما يرده إلى الماضي , إلى أمه, وإذ بهذا الانحراف الذي يقربه من غايته الصحيحة يوقفه أمام خصمه وقد يصطدم الزمن بالفعل فيصبح غير ذي قيمة ..


" ما تبقي لكم " تمثل تجرد النفس الفلسطينية من كل السلبيات الثقيلة التي كانت ترزح تحتها وهي صلة جديدة بالواقع وبالأرض حتى ولو كانت ولادة بطيئة عسيرة فهي نظرة وداع غير أسفة نحو ماض يتوارى ويغيب.


*كاتبة صحافية سورية.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

يهدف إلى دراسة ...

يهدف إلى دراسة الأديان كظاهرة اجتماعية وثقافية وتاريخية، دون الانحياز إلى أي دين أو تبني وجهة نظر مع...

‏تعريف الرعاية ...

‏تعريف الرعاية التلطيفية‏ ‏وفقا للمجلس الوطني للصحة والرفاهية ، يتم تعريف الرعاية التلطيفية على النح...

Risky Settings ...

Risky Settings Risky settings found in the Kiteworks Admin Console are identified by this alert symb...

الممهلات في الت...

الممهلات في التشريع الجزائري: بين التنظيم القانوني وفوضى الواقع يخضع وضع الممهلات (مخففات السرعة) عل...

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...