Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

الأدب في عصر الضعف والإنحطاط
يمتد عصر الضعف والإنحطاط على مدى خمسة قرون من سنة 656هـ الموافق لـ 1258م تاريخ سقوط بغداد حتى سنة 1213 هـ الموافق 1798م تاريخ حملة نابليون على مصر ذلك ما توافق عليه النقاد ودارسو الأدب فماهي أسباب سقوط بغداد.
أسباب سقوط بغداد كثيرة تراكمت عبر مئات السنين،
1- سوء العلاقة بين الخلافة والرعية ؛
فقد كانت الخلافة تعيش لاهية في ترف وبذخ وتبذير ،
بعيدا عن الدين  وحدود الشريعة وأحكامها ،
في الوقت الذي كانت فيه الرعية  تعاني مشقة  الفقر والحاجة ،
وترزح تحت عبْء الخراج والإتاوات ،
وعناء الاستبداد؛
والتسلط والظلم .
مما أدى إلى كراهية العامة لأولي أمورها،
وانعدام الولاء للسلطة المركزية في بغداد ،
وامتداداتها في الأقاليم.
 2- فساد وضعف الخليفة المستعصم بالله ومحيطه ،
وافتقاره للهيبة،
مما نتج عنه استخفاف وزيره مؤيد الدين العلقمي به ،
زيادة على الخلاف الذي كان بين وزير الخليفة وقائد الجيش الدويدار الصغير.
واختلاف قائد الجيش مع أثباعه الذين شقوا عليه عصا الطاعة فأصبح كل جندي قائد نفسه.
3-  عدم الاستعداد المطلوب لمواجهة التتار بالإنفاق على إعداد الجيش وتدريبه وتسليحه ،
بل أنقص الخليفة من مرتبات الجنود وسرح الكثير منهم لتوفير مزيد من المال وكنزه ،
وإنفاقه على الملذات ،
ومجالس اللهو والمجون.
4-  ضعف السلطة المركزية في بغداد أدى إلى انفصال الأقاليم والإمارات عنها وزاد في شدة الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة.
وخاصة في العراق.
5- تركيبة الجيش الذي كان في معظمه عبارة عن مرتزقة ( مماليك) ،
والذين انصرفوا عن القتال ،
بل انظم الكثير منهم إلى الجيش المغولي ،
وأطلعوه على أسرار الجيش العباسي وأحواله المادية والمعنوية السيئة.
1- الفترة الأولى : وعرفت لدى مؤرخي الأدب بعدة أسماء منها ،
عصر المماليك ،
وعصر الدويلات ،
وعصر الحروب الصليبية ،
والعصر المغولي ،
و يمتد عبر حقبة زمنية تبدأ من 250 من عام 656هـ الموافق 1258م إلى سنة 923هـ الموافق1517م تاريخ استيلاء سليم الفاتح على مصر؛
وأكثر المصطلحات ملاءمة في اعتقادي هو مصطلح " عصر الضعف ".
أولا:عصر الضعف (250 من عام 656هـ الموافق 1258م إلى سنة 923هـ الموافق1517م).
1-1الأوضاع السيايسة والاقتصادية والاجتماعية في عصر الضعف .
  وضع المغول أيديهم على دار الخلافة العباسية في بغداد 1258م/ 656هـ،
و ألحقوا الدمار والخراب بكل ما وقعت عليه أيديهم فيها ،
فعبثوا بالدماء ،
والأعراض والأموال ،
وخربوا التراث الفكري والعلمي ،
وفي مقدمتها مكتبة "دار الحكمة " وباقي المكتبات ،
وهدموا ما صادفهم من عمران ومعالم حضارية،
ونشروا الرعب و الفزع والهلع في كل مكان ،
فهام كل بغدادي على وجهه يتلو قوله تعالى "يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا" ؛
ومن بغداد توجه التتار صوب الشام فاكتسحوا حلب ؛
ودمشق ومدن فلسطين التي أصابها منهم ما أصاب بغداد .
ومن حسن الحظ أنه وقبيل أن يجتاح المغول بغداد "كان المماليك قد أقاموا دولة لهم في مصر،
وبسطوا سيطرتهم على الشام والحجاز "[1] وهم الذين تصدوا للمغول في طريقهم إلى مصر سنة 658هـ الموافق لـ 1260 وعلى أيدهم ،
وبفضل بسالة جيوشهم و بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز ؛
وقائد جيشه الظاهر بيبرس ،
تلقى التتار هزيمة ساحقة نكراء في معركة "عين جالوت " ،
جعلتهم ينكفئو تاريخ الادب العربي ،
عمر فروخ ،
دار العلم للملايين ،
بيروت لبنان ؛
1989،
ط5 - ج3-ص602ن على أعقابهم مدحورين نحو آسيا الوسطى ولكن دون أن ينهي ذلك تهديدهم الذي استمر حتى وفاة تيمورلنك سنة 1404م .
1-2 هجر الكثير من العلماء والأدباء وطلاب العلم بغداد ،
وحلب،
ودمشق وباقي المدن العباسية المدمرة نحو الأقاليم العربية والإسلامية التي استعصت على الغزاة ؛
وسَلِمَتْ مِنْ بطشِ المغول والصليبين وفي مقدمتها ؛
الشام ؛
والحجاز؛
ومصر والتي وجد بها الفارون والمهاجرون ملاجئ تأويهم تحت حكم المماليك بالرغم مما كان بين هؤلاء من فتن ومنازعات تضر بالاستقرار و بالأمن والسلم الاجتماعي ومعايش الناس .
1-3  أما في المغرب العربي فكانت بداية الهجمات الصليبية متزامنة مع سقوط مدينة طليطلة سنة 478هـ الموافق لـ 1086م ،
وتعززت أكثر حين دعا البابا أوربان المسيحيين إلى مساندة الإسبان في حروبهم ضد المسلمين سنة 482الموافق لـ1089م [2] ؛
وحرم على الإسبان مشاركة غيرهم من الأوربيين في الحملات الصليبية على المشرق بقيادة الكنيسة ،
 وفي المقابل كلفهم بمهمة دحر المسلمين وطردهم من الأندلس ؛
وكذلك كان الحال؛
فبدت "الصلة وثيقة بين الحروب الصليبية العامة التي كانت تهدف إلى استخلاص بيت المقدس ؛
والمدن المقدسة في فلسطين ،
جهة ؛
وإلى محاربة الإسلام؛
ومحاولة القضاء عليه من جهة أخرى.
"ص193[3] وتمكن الصليبيون في الغرب من إحراز النصر الذي عجزوا عن تحقيقه في المشرق؛
وخاصة بعد سقوط دولة الموحدين سنة668هـ الموافق 1269م وهو الحدث الذي أغرى الصليبين وشجعهم أكثر وحفزهم على حشد كل ما يمكنهم من قوى وموارد لطرد العرب والمسلمين من الأندلس وبصفة نهائية وقد تحقق لهم ذلك في الثاني من شهر ربيع الأول،
لسنة 897 هـ الموافق 2 من يناير سنة 1492 م ؛
للمغرب الاقصى خاضعا لحكم البرتقيز(البرتغال) وتحت سيطرة حصونهم"[4].
 1-4  استنزف الاجتياح المغولي المتوحش ،
والتصدي للحملات الصليبية المتتالية والطويلة في الشرق والغرب قدرات الناس ؛
وأنهك مواردهم ،
وانضاف ذلك كله إلى أعباء الخلافات والمنازعات والحروب؛
والاضطرابات المحلية التي كانت سائدة ومستمرة بين سلاطين وأمراء الأقاليم المتنافرة المتناحرة حتى بين المماليك أنفسهم داخل مصر ذاتها،
فلم تتحسن أوضاع الناس بعد انكفاء المغول يجرون أذيال الهزيمة ؛
واندحار الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي ،
بل راح تدهور الاوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية يزداد سوءا ،
يوما بعد يوم ؛
وعاما بعد عام ،
فتعاظمت الكوارث الطبيعة من فيضانات وسيول غامرة جارفة ،
تتلوها فترات قحط وجفاف مدمرة ،
وانتشرت الأوبئة وعلى رأسها الطاعون ،
وعزت المكاسب وفحش الغلاء ؛
فعم الفقر والفاقة ،
وتوسعت الفجوة بين الطبقات ،
وطالت المظالم جماهير العامة،
" و في عصر المماليك كثرت الخلافات والحركات الهدامة وما يتبع ذلك كله من انتشار الأوهام والبدع ومن نشوب المنازعات"[5] .
 أما في المغرب فيبدأ عصر الضعف بسقوط دولة الموحدين سنة 1269م - كما ذهب إليه مالك بن نبي تؤيده في ذلك الشواهد والأدلة التاريخية والتي خلفتها دويلات ضعيفة وهي الدولة الحفصية ؛
والزيانية ؛
والمرينية .
بدأت وجودها متدافعة متصارعة متقاتلة فيما بينها وأنهته كذلك .
ومع مطلع القرن السادس عشر الميلادي استغل الإسبان انهيار حكم الزيانيين في تلمسان ؛
ووهن الدولة الحفصية بتونس فاستولوا بقيادة فرديناد على معظم الثغور والمدن الساحلية المهمة في المغرب والجزائر وتونس بين سنوات 910هـ/1505م و917هـ/1511م واستمرت سيطرتهم عليها حتى سنة 1516م حيث استعاد خير الدين وبابا عروج الجزائر العاصمة من الإسبان وجعلاها قاعدة لنشاطهما وجهادهما،
2- 1 الفترة الثانية : فترة حكم الأتراك العثمانيين مشرقا ومغربا ،
وتبدأ من سنة 923هـ الموافق1517م ،
تاريح حملة سليم الفاتح على الشام إلى سنة 1212هـ الموافق لـ 1798م تاريخ حملة نابليون بونابرت على مصر وهو ما يعرف بـ "عصر الانحطاط" .
وسنعرض فيما يلي لكل فتة على حدة.
2-2  الحياة الفكرية والثقافية والأدبية في عصر الضعف
في هذا العصر تميزت الحياة الفكرية والثقافية والأدبية بمجموعة من الخصائص والمميزات يمكن إجمالها فيما يلي:
أ- بشكل عام اتصفت الفترة الأولى من عصر الضعف باحترام المماليك للغة العربية ،
التي حفظوا لها مكانتها؛
وصانوا هيبتها من خلال اتخاذها" لغة رسمية في دواوين الدولة.
وعلى رأسها ديوان الإنشاء.
الذي كان يختار للعمل فيه أبرع أهل اللغة والأدب والكتابة"[6] ونفس الفضل يعترف لهم به إزاء العلماء؛
ورجال الدين الوافدين من بغداد،
والبصرة؛
وحلب وغيرها "وتعظيمهم ورعايتهم،
ومشاورتهم في أمورهم العليا،
واختيار أَصْلَحَهم لولاية القضاء والتعليم ونحوهما.
"[7] ص 10 "وقد كان ذلك سببا في رواج العربية،
وفي رواج الفصحى داخل الدواوين،
وبخاصة في كتابة المراسلات والوثائق العليا،
وسببا في ظهور طبقات ممتازة من رجال اللغة والأدب والإنشاء"[8] وهذا أعطى أفضلية للنثر والناثرين على الشعر والشعراء.
وخاصة في الكتابة الديوانية ،
والتدوين.
وفي ما يتعلق بمجال العلم والأدب والثقافة في المغرب العربي؛
فإن الكتب تذكر أن الحفصيين بتونس ،
والزيانيين بتلمسان والمرينيين بالمغرب أسسوا بعض المدارس ،
والتي كان ينفق عليها في الغالب من مداخيل أملاك وقفية تابعة لها تبرع بها أهل البر والإحسان ،
ولكن لم تكن من حيث الكثرة والمستوى على قدر حاجة المجتمع ،
و أن الذي سد العجز ،
وغطى الحاجة هي الزوايا التي بدأت تتكاثر مع بداية القرن الثامن الهجري ،
يؤمها طلاب العلم من كل حدب وصوب،
ومن مختلف طبقات وأعراق المجتمع ؛
وازداد نموها وانتشارها مع مرور الزمن وتمحور التعليم فيها حول العلوم الدينية واللغوية ،
بالإضافة إلى الزهد والتصوف وبمرور الوقت "تحول كثيرمنها- وخاصة في المدن الجزائرية-إلى ما يشبه مدارس عالية ؛
وكان كثير من التلامذة يقصدها من الأماكن لقريبة البعيدة ،
وكما كانت تعنى بتعليم الناشئة كانت تعنى بتنوير العامة ،
قلة الدواعي والأسباب الدافعة إلى قول الشعر : قَلَّتْ في هذا العصر دواعي الشعر عما كانت عليه في العصور السابقة على الرغم مما سبق ذكره ؛
ذلك لأن معظم ما قام به سلاطين المماليك ووزراؤهم لم يكن حبا في اللغة العربية وآدابها ،
وإنما كان نزولا عند مقتضيات السياسة وإكراهاتها ؛
وفي مقدمتها استرضاء الشعب العربي المسلم الذي يحكمونه،
واستمالة رجال الدين للاستعانة بسطوتهم الواسعة التي كانوا يتمتعون بها لدى العامة في تثبيت أركان ملكهم،
خصوصا وأن عامة الناس ومعظم السلاطين على وعي تام بحقيقة كونهم زنوج ؛
مماليك ،
ورقيق ؛
جلبوا إلى مصر من إفريقيا عن طريق التجارة ؛
و نشّئوا تنشئة عسكرية فغلب على طباعهم الميل إلى الخشونة والصلف ؛
لا يتقنون العربية ،
ويصعب عليهم إدراك معاني الشعر وعناصر الجمال فيه وبالتالي تذوقه فـ" هم أعاجم عن العربية فليسوا إذن على استعداد فطري للإنصات إلى شعرائها والعطف عليهم،
وتوجيه الدعوة إليهم ،
ليكرروا بين أيديهم ما سبق لهم تكراره في عصور منصرمة من تصاوير ملفقة ،
وتهاويل موهومة،
وعواطف مفتعلة،
ومعاني يخترعها الوهم والخيال،
وليس من ورائها جدوى ولا طائل عملي؛
وأنهم لا يقدرون حق قدره ،
ما يورده الشعراء من مجازات طريفة ،
واستعارات وتشبيهات رائعة ،
ومعاني مولدة مبتكرة .
ص60.
2-4 تنافس بعض السلاطين والأمراء والوزراء في إغراء العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء ؛
إن كون المماليك أعاجم لم يمنعهم من السعي إلى إضفاء الصبغة العربية الإسلامية على مظاهر ملكهم ،
من خلال سلوك ما ألف ملوك الدولة العباسية سلوكه كتقريب العلماء والشعراء وجلب أكبر عدد منهم و أشهرهم إلى بلاط السلطنة او الإمارة لتزيين المجالس السلطانية والأميرية،
و التفاخر بما يلقونه من خطب وينشدونه من مدائح ،
فالسلاطين والأمراء من المماليك يرغبون في توظيف الادباء والشعراء كوسائل إعلام دعائية تنشئ و تنشر وتذيع قصائد المدح والتمجيد والإشادة بمآثرهم الحاضرة ،
ومعاركهم الجهادية في حماية الدين والأوطان،
بشجاعة وحنكة أفتقدها الناس لدى ملوكهم وقاداتهم العرب و تغطي على وضاعة أصولهم ،
وقلة شأنهم في ماضيهم ،
وترفع صيتهم ،
وتسمو بمقاماتهم على مقامات نظرائهم ؛
وخصومهم ؛
ومنافسيهم ،
وتقوي إعجاب الرعية بهم و تمتن ولاءها لهم .
ورجال العلم والأدب يسعون من جهتهم إلى تحسين أوضاعهم المادية والمعيشية ،
وتعزيز مراكزهم الاجتماعية بما يحصلونه وينالونه من عطايا وهبات ومكافآت .
2-5 وفرة المساجد ،
والمدارس والزوايا ووالكتاتيب رغم ان المماليك كانوا عجما من أصول زنجية إفريقية إلّا أنَّ صِدقَ عقيدتهم الدينية جعلتهم يَحْتَفُونَ باللغةِ العربيةِ ،
ويُولُونها ما تستحق "من عناية ورعاية واهتمام باعتبارها لُغَةَ القرآنِ الكريم ،
وهي جديرة "بأن تكون لغة السياسة والإدراة والعلم"[10] و"كان-للمماليك- عناية بوجوه الحضارة ونشر العلم"[11] ،
فأنشأوا عددا كبيرا من المدارس في جميع أنحاء البلاد ،
وفتحوا –أبوابها- أمام جميع الراغبين في الاستفادة،
يأتون إليها ليستمعوا إلى ما يلقى في حلقاتها على غير نظام مألوف "[12] .
وجلبوا لها الحفاظ و المعلمين،
تعاون على ذلك رجال السلطة،
كانت الصبغة الغالبة على التعليم و طرقه في مدارس هذا العصر هي الصبغة الفوضوية ؛
فالدراسة بلا ضوابط ؛
و في غياب القوانين التنظيمة ،
والطرائق الواضحة ،
مع انعدام المناهج والأهداف والغايات المحددة ،
والجمع بين علوم شتى،
في مقدمتها تحفيظ القرآن ،
والحديث،
والعلوم الدينية ،
من فقه ،
وتفسير،
وسير،
،وعلوم اللغة وآدابها ،
والرياضيات،
والفلك،
والتاريخ والجغرافيا،
والحساب والجبر والهندسة،
والطب والموسيقى.
ازدهار حركة الجمع والتأليف:
أحس العلماء والأدباء في مصر،
والشام ؛
والحجاز،
والمغرب العربي بفداحة الخراب الفظيع الذي ألحقه الغزو المغولي التتاري ،
والنهب الصليبي لذخائر العلوم والآداب ونفائسها ،
ولمصادر الثقافة العربية الإسلامية ؛
وما نجم عن ذلك من فراغ علمي رهيب ؛
وأضرار لا تجبر ؛
كما أحسوا بثقل المسؤولية الأخلاقية ،
والعلمية والدينية والتاريخية الملقاة على عاتقهم في جمع ما بقي عالقا بالصدور؛
من آثار استعصت على عوامل الفناء،
وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحفظه من الضياع،
خاصة بعد أن وفر لهم المماليك الظروف المساعدة من استقرار؛
وأمن ودعة ،
فبادروا إلى ذلك وأقبلوا عليه بالتدريس والخطابة ،
وبالكتابة والتدوين : جمعا ،
وتصنيفا ،
وشرحا وتعليقا ،
وغيرها من ألوان النشاط،
فانعكس ذلك كله في كثرة التآليف التي تميز بها هذا العصر،
الذي عرف بعصر الموسوعات.
ومن أصحاب الموسوعات المشهورة التي ظهرت في هذه الحقبة ابن منظور(ت 711هـ /1311م ) صاحب كتاب معجم "لسان العرب" والنويري ( ت 733هـ/ 1332م ) صاحب كتاب "نهاية الأرب في فنون الأدب ؛
وزكريا محمد القزويني(ت 682هـ/1283م) صاحب كتاب "عجائب المخلوقات" وغيرهم كثير .
ضعف الشعر : تميزت المرحلة الأولي من عصر الضعف بكثرة الشعراء لكثرة دواعي الشعر وبواعثه ،
ولكن مع ضعف مستواه ،
بالقياس إلى مستوى الأدب في العصور السابقة ،
سواء أكان هذا الضعف في المضامين أوفي النواحي الفنية الجمالية ،
والمعاني ،
والصور،
وفي القضايا المطروحة ومناهج المعالجة وأغراض الشعر المألوفة الموروثة من فخر،
ومدح،
وغزل ،
وهجاء ووصف،
وشكوى وما إليها وجريا على نفس السنن والقواعد المتعارف عليها من قبل دون تجديد.
فغلبة التقليد والاجترار لمواضيع مطروقة موروثة بادية هذا قبل أن ينحط مستواه إلى الحضيض بعد أن كسد سوقه ويئس المتكسبون منه والمرتزقون به ،
فانصرفوا إلى طلب الرزق من طرق الحرف والمهن الأخرى وانشغلوا عنه بهموم الحياة،
ومطالبها المتزايدة ،
ولم يعد لهم من الوقت ما يكفيهم لنظمه أو صناعته و تنقيحه وخير من عبر عن هذا الوضع علي بن سودون اليشبغاوي ( ت868هـ) حين قال معتذرا للقارئ عما قد يصادفه من ضعف او أخطاء في كتابه (نزهة النفوس ومضحك العبوس)".
فأنَّى ينجو من عثرات ما يهذي به،
ومتى يظفر بتنقيح الكلام وتهذيبه؛
مَنْ تضيعُ منه الأوقاتُ في تحصيل الأقوات،
في الحقبة الثانية (1617م-1798م)حين أصبح الفخر يدور حول ما اقتناه الشاعر او الممدوح من بيوت أو خدم وحشم أو دواب،
وصار الهجاء ينصب على البعوض والفْئران والصراصير وقس على هذا في مختلف الفنون.
 ويمكن تصنيف شعر هذه المرحلة ضمن تيارين بارزين كما درج على ذلك دارسو الأدب ومؤرخوه ،
وهما : تيار الزهد،
 ويقابله تيار اللهو والمجون ؛
مع ضرورة التنبيه وجود ثروة شعرية تكفي لتشكل تيارا ثالثا فيه من هذا ومن ذاك ،
يمكن ان نسميه تيار الهزل والسخرية والضحك،
وتنحصر أسباب ظهور التيارات الثلاثة في سوء الوضع العام الذي طبع المرحلة وكان من أبرزها الصراع والتنافس على السلطة فكثرت الدسائس والانقلابات السياسية وما صحب ذلك من اضطرابات أمنية أفقدت المجتمع بأسره توازنه ،
ودفعت به في دوامة من القلق الشامل،
تدهور معه الوضع الاقتصادي ،
فانتشر الفقر والفاقة والأوبئة وما افرزته من آفات؛
وأدت إليه من كساد في سوق الفكر والأدب و الشعر بث اليأس وخيبة في النفوس،
وثبط الهمم،
واختلفت استجابة الناس لهذه الضغوط من جهة أخرى وتباينت ،
فمن كانت الروح الدينية متمكنة منه،
راسخة بوجدانه ؛
واجه الحرمان بالانقطاع للعبادة والذكر وتعزى بالزهد عن ملذات الدنيا ومتعها ومفاتنها وعبر عن ذلك بنظم قصائد المدائح النبوية متقربا متوسلا،
يحث على التحلي بالفضائل واجتناب الرذائل و التمسك بالقيم الدينية والتخلق بالآداب الإسلامية،
وبالغ بعضهم فدعا إلى الإعراض التام الكامل عن الدنيا والاستسلام لقدر الله والرضا به والتفرغ للعبادة والتصوف والتنسك ،
والتشفع بالأولياء والصالحين.
ومن كان على النقيض من هذا قنط من رحمة الله وسخط فاجترأ على كل المحرمات واباحها لنفسه بلا رادع ولا وازع،
وافحش في القول البذيء ،
وصور الأعمال الماجنة الفاجرة الداعرة بشكل فاضح تاباه طبيعة الإنسان السوي ،
وطلب الملذات المنحطة بلا حياء ،
واعلن عن ذلك ودعا أليه في ثورة وتمرد.
فأما التيار الأول فخير من مثله الشاعر البوصيري ،
وابن نباتة ،
وابن عربي.
والتيار الثاني مثله : صفي الدّين الحلّي : (675- 750هـ / 1276 - 1349 م)
والتيار الثالث : شعر النقد الاجتماعي الهزلي والساخر الضا حك الذي يخفي وراءه المعاناة ومرارة العيش ويمكن ان نزعم أن معظم أصحابه وحاملي رايته كانوا من شعراء التيارين السابقين حين حاصرتهم نوائب الدهر و انتابتهم مشاعر الضعف والوهن الانساني ،
إلى جانب الشعراء أصحاب المهن كالمعلمين والفلاحين ،
والذين كانت البطالة الموسمية تتربص بهم على مدار السنة ،
فاتخذوا الشعر هواية وتسلية ووسيلة لقتل الوقت و ليساعدهم على مواجهة شقاءهم بالسخرية منه ،
يغلفون آلامهم بالدعابة ،
ويقتلون فراغ ايامهم بالألغاز والأحاجي وما شابهها ولعل خير من يمثله ابن قلاقس (ت567هـ) ووصفي الدين الحلي ،
وابن دانيال (ت710هـ) و أبو الحسن الجزار.
لا تلمني يا سيدي شرف الدين إذا ما رأيتني قصاباً‏
كيف لا أشكر الجزارة ما عشت حفاظاً وأهجر الآدابا‏
وبها صارت الكلاب ترجّيني وبالشعر كنت أرجو الكلابا
تزوج الشيخ أبي شيخة ليس لها عقل ولا ذهن
‏لو برزت صورتها في الدجى ما جَسَرتْ تنظرها الجن‏
‏كأنها في فرشها رَمة وشعرها من حولها قطن‏
وقائل قال لي: ما سنّها ‏ قلت: ما في فمها سن .
ومثله يصف البوصيري سوء حاله في أواخر أيامه مستدرا عطف أحد الوزراء
إليك نشـكو حـالنا أننـا عائلـة في غايـة الكـثرةْ
أحدِّث المولى الحديثَ الذي جرى عليهم بالخيط والابرةْ
صاموا مع الناس ولـكنهم كانوا لمـن يبصرهم عبرةْ
وأقبل العيـدُ ومـا عندهم قمح ولا خـبز ولا فطـرةْ
فارحمهمُ إنْ ابصروا كعكةً في يد طفل أو رأوا تمـرةْ
‏ ‏وشاعت في شعر هذه المرحلة الألفاظ الاعجمية من تركية وأمازيغية وغيرها من العامية فهذا أبو الحسن الجزار قال يهجو تركيا
وكم قابلت تركياً بمدحي فكان لما أحاول منه يحنق‏
ويلطمني إذا ما قلت: (ألطن)‏ ويرمقني إذا ما قلت: (يرمق)‏
وتسقط حرمتي أبداً لديه‏ فلو أني عطست لقال: (يشمق) .
مفردات تركية في شعر الجزار‏
(ألطن) ومعناها: الذهب.
و(يرقق) وتعني: المكافأة.
وهي أول ما يصادف كل من كان على دراية بالشعر العربي في العصر العباسي والعصور السابقة عليه .
بـــــذاك الفتــور وهــذا الهيف يهـون عـــلى عاشقيك التلف
أطــرت القـلوب بهذا الجمال وأوقعــــتها في الأسى والأسف
تكلـــــف بــدر الدجـــى إذ حكى محــياك لــــو لم يشنه الكلف
وقام بعــذري فيـــــك العــذار وأجـــــرى دمــوعي لما وقف
وكــم عــاذل أنكر الوجد فيك عـــــلي فلمـــــا رآك اعــتـرف
وقـــــالوا : بـــه صلف زائد فقلت : رضيـــت بـذاك الصلف
لئن ضاع عمري في من سواك غــراما ؛
فهــــاك يـــدي إنــني تائــــب فقـــل لي : عفى الله عما سلف
بجوهـــــر ثغـرك مــاء الحياة فـماذا يضــرك لــو يُرْتشف.
والملاحظ أنه رغم ما في هذه الأبيات من طرافة وخفة وتواصل سميائي مع الشعر الغزلي في العصر العباسي ،
إلا ان معانيها وصورها مطروقة متداولة ،
والشاعر فيها متبع مقلد ،
ومن شعراء المغرب الذين ينطبق على شعرهم ما سبق قوله مالك بن المرحّل (604هـ-1207م/699هـ-1269م) ؛
ومن شعره العذب ؛
شكيت لقاضي الحب ،
قلتُ أحبتي جـفوني ،
خصوصا بالطرافة التي يتحلى بها"[15]
ولكن حنا الفاخوري تغاضى هنا عن لحن الشاعر وخطئه اللغوي في استخدامه للفعل شكا ،
يشكو بالصيغة العامية ،
"شكيت" والأصح شكوت؛
مع استقامة الوزن في الصيغتين العامية والفصحى.
وفي مجال المدح كان السلاطين والأمراء و الوزراء وأصحاب السطوة هم غاية الشعراء ومقصدهم ومحط ارتحالهم ،
يصبغون عليهم ما يعجبهم من الاوصاف المحمودة المتدوالة وتزدهي به سيرهم فيمنحون ،
وينال المادحون جوائزهم.
شعر الزهد؛
والتصوف؛
والمدائح النبوية والتشفع بالأولياء.
ومن جملة العوامل التي جعلت هذه الأغراض تغلب على شعر العصر المملوكي،
الحفصي ،
الزياني ،
المريني هي كون الزوايا في هذه الحقبة كانت هي الحاضنة الأساسية لتخريج العلماء والزهاد والنساك والمتصوفة في اقاليم المغرب العربي.
رغم أن الشعر التعليمي تعود بذور نشأته إلى العصر الأموي إلا أنه نشط وكثرت "المتون المنظومة" في عصر الماليك بشكل لم يسبقه ؛
ولم يلحقه مثيل ،
ومن العلوم التي كثر فيها النظم علوم اللغة المختلفة" النحو ،
والصرف ،
والبلاغة " باعتبارها لغة القرآن وهي أجدر العلوم وأحقها بالعناية وبالجمع والحفظ في رأي علماء ذلك العصر من جهة ،
ولتسهيل حفظ مفرداتها وقواعدها وضوابطها واسترجاعها من طرف طلاب العلم عند الحاجة ،
كما نظمت إلى جانب ذلك الفرائض،
والقواعد الفقهية ،
والمنطق،
و قوانين الكيمياء (الخيمياء)وتحولات المادة (علوم الهيئة) مع العلم أن خالد بن يزيد بن معاوية الأموي (ت 704 م) أول من نظم ما كان قد عرفه من قوانينها وله " ديوان النجوم،
فردوس الحكمة،
والقصائد في الكيمياء،
وقصيدة كيميائية،
ومنظومة في الكيمياء.
"[16] إلى جانب متون العديد من العلماء الذين جاؤوا بعده ونظموا معارفهم في متون.
وفي عصر الضعف انحصر النظم في العلوم في مجال الحرف البسيطة وصناعة الحلويات والمأكولات.
وتميزت أغلب هذه المتون بالطول لتستوعب العلم المنظوم وتحيط به وتستقصي مكوناته ،
ولذلك كثرت الألفيات ،
أي المتون المنظومة التي يناهز عدد أبايتها أو يساوي أو يفوق الألف بيت ،
ومن أشهرها ألفية ابن مالك "الخلاصة الألفية " و" الكافية الشافية" وقد اشتهرت هذه المتون وشاعت واحتفى بها شيوخ العلم وطلابه ودارسوه فأنشأت حولها الشروح وشروح الشروح .
استمر نشاط النثر العلمي ،
والعلمي المتأدب ؛


Original text

الأدب في عصر الضعف والإنحطاط


 


يمتد عصر الضعف والإنحطاط على مدى خمسة قرون من سنة 656هـ الموافق لـ 1258م تاريخ سقوط بغداد حتى سنة 1213 هـ الموافق 1798م تاريخ حملة نابليون على مصر ذلك ما توافق عليه النقاد ودارسو الأدب فماهي أسباب سقوط بغداد.؟
أسباب سقوط بغداد كثيرة تراكمت عبر مئات السنين، من أهمها:


1- سوء العلاقة بين الخلافة والرعية ؛ فقد كانت الخلافة تعيش لاهية في ترف وبذخ وتبذير ، بعيدا عن الدين  وحدود الشريعة وأحكامها ، في الوقت الذي كانت فيه الرعية  تعاني مشقة  الفقر والحاجة ، وترزح تحت عبْء الخراج والإتاوات ، وعناء الاستبداد؛ والتسلط والظلم .مما أدى إلى كراهية العامة لأولي أمورها، وانعدام الولاء للسلطة المركزية في بغداد ،وامتداداتها في الأقاليم.


 2- فساد وضعف الخليفة المستعصم بالله ومحيطه ، وافتقاره للهيبة، مما نتج عنه استخفاف وزيره مؤيد الدين العلقمي به ، زيادة على الخلاف الذي كان بين وزير الخليفة وقائد الجيش الدويدار الصغير. واختلاف قائد الجيش مع أثباعه الذين شقوا عليه عصا الطاعة فأصبح كل جندي قائد نفسه.


3-  عدم الاستعداد المطلوب لمواجهة التتار بالإنفاق على إعداد الجيش وتدريبه وتسليحه ، بل أنقص الخليفة من مرتبات الجنود وسرح الكثير منهم لتوفير مزيد من المال وكنزه ، وإنفاقه على الملذات ، ومجالس اللهو والمجون. –
4-  ضعف السلطة المركزية في بغداد أدى إلى انفصال الأقاليم والإمارات عنها وزاد في شدة الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة. وخاصة في العراق.


5- تركيبة الجيش الذي كان في معظمه عبارة عن مرتزقة ( مماليك) ، والذين انصرفوا عن القتال ، بل انظم الكثير منهم إلى الجيش المغولي ، وأطلعوه على أسرار الجيش العباسي وأحواله المادية والمعنوية السيئة.وينقسم عصر الضعف والانحطاط إلى فترتين:


1- الفترة الأولى : وعرفت لدى مؤرخي الأدب بعدة أسماء منها ، عصر المماليك ، وعصر الدويلات ، وعصر الحروب الصليبية ، والعصر المغولي ، و يمتد عبر حقبة زمنية تبدأ من 250 من عام 656هـ الموافق 1258م إلى سنة 923هـ الموافق1517م تاريخ استيلاء سليم الفاتح على مصر؛ وأكثر المصطلحات ملاءمة في اعتقادي هو مصطلح " عصر الضعف ".


أولا:عصر الضعف (250 من عام 656هـ الموافق 1258م إلى سنة 923هـ الموافق1517م).
1-1الأوضاع السيايسة والاقتصادية والاجتماعية في عصر الضعف .  وضع المغول أيديهم على دار الخلافة العباسية في بغداد 1258م/ 656هـ،.و ألحقوا الدمار والخراب بكل ما وقعت عليه أيديهم فيها ، فعبثوا بالدماء ، والأعراض والأموال ،وخربوا التراث الفكري والعلمي ، وفي مقدمتها مكتبة "دار الحكمة " وباقي المكتبات ، وهدموا ما صادفهم من عمران ومعالم حضارية، ونشروا الرعب و الفزع والهلع في كل مكان ، فهام كل بغدادي على وجهه يتلو قوله تعالى "يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا" ؛ ومن بغداد توجه التتار صوب الشام فاكتسحوا حلب ؛ ودمشق ومدن فلسطين التي أصابها منهم ما أصاب بغداد .
ومن حسن الحظ أنه وقبيل أن يجتاح المغول بغداد "كان المماليك قد أقاموا دولة لهم في مصر، وبسطوا سيطرتهم على الشام والحجاز "[1] وهم الذين تصدوا للمغول في طريقهم إلى مصر سنة 658هـ الموافق لـ 1260 وعلى أيدهم ، وبفضل بسالة جيوشهم و بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز ؛ وقائد جيشه الظاهر بيبرس ،تلقى التتار هزيمة ساحقة نكراء في معركة "عين جالوت " ، جعلتهم ينكفئو تاريخ الادب العربي ، عمر فروخ ،دار العلم للملايين ،بيروت لبنان ؛ 1989،ط5 - ج3-ص602ن على أعقابهم مدحورين نحو آسيا الوسطى ولكن دون أن ينهي ذلك تهديدهم الذي استمر حتى وفاة تيمورلنك سنة 1404م .



1-2 هجر الكثير من العلماء والأدباء وطلاب العلم بغداد ،وحلب، ودمشق وباقي المدن العباسية المدمرة نحو الأقاليم العربية والإسلامية التي استعصت على الغزاة ؛ وسَلِمَتْ مِنْ بطشِ المغول والصليبين وفي مقدمتها ؛ الشام ؛ والحجاز؛ ومصر والتي وجد بها الفارون والمهاجرون ملاجئ تأويهم تحت حكم المماليك بالرغم مما كان بين هؤلاء من فتن ومنازعات تضر بالاستقرار و بالأمن والسلم الاجتماعي ومعايش الناس . هذا في المشرق


1-3  أما في المغرب العربي فكانت بداية الهجمات الصليبية متزامنة مع سقوط مدينة طليطلة سنة 478هـ الموافق لـ 1086م ، وتعززت أكثر حين دعا البابا أوربان المسيحيين إلى مساندة الإسبان في حروبهم ضد المسلمين سنة 482الموافق لـ1089م [2] ؛ وحرم على الإسبان مشاركة غيرهم من الأوربيين في الحملات الصليبية على المشرق بقيادة الكنيسة ،


 



 وفي المقابل كلفهم بمهمة دحر المسلمين وطردهم من الأندلس ؛ وكذلك كان الحال؛ فبدت "الصلة وثيقة بين الحروب الصليبية العامة التي كانت تهدف إلى استخلاص بيت المقدس ؛ والمدن المقدسة في فلسطين ، وبين الحروب الصليبية بالمغرب التي كانت تهدف إلى استرجاع اسبانيا إلى حظيرة النصرانية من


 


جهة ؛ وإلى محاربة الإسلام؛ ومحاولة القضاء عليه من جهة أخرى."ص193[3] وتمكن الصليبيون في الغرب من إحراز النصر الذي عجزوا عن تحقيقه في المشرق؛ وخاصة بعد سقوط دولة الموحدين سنة668هـ الموافق 1269م وهو الحدث الذي أغرى الصليبين وشجعهم أكثر وحفزهم على حشد كل ما يمكنهم من قوى وموارد لطرد العرب والمسلمين من الأندلس وبصفة نهائية وقد تحقق لهم ذلك في الثاني من شهر ربيع الأول، لسنة 897 هـ الموافق 2 من يناير سنة 1492 م ؛"ولم تأت سنة 1520 حتى كان كل السحل الغربي


للمغرب الاقصى خاضعا لحكم البرتقيز(البرتغال) وتحت سيطرة حصونهم"[4].
 1-4  استنزف الاجتياح المغولي المتوحش ، والتصدي للحملات الصليبية المتتالية والطويلة في الشرق والغرب قدرات الناس ؛ وأنهك مواردهم ،
وانضاف ذلك كله إلى أعباء الخلافات والمنازعات والحروب؛ والاضطرابات المحلية التي كانت سائدة ومستمرة بين سلاطين وأمراء الأقاليم المتنافرة المتناحرة حتى بين المماليك أنفسهم داخل مصر ذاتها، فلم تتحسن أوضاع الناس بعد انكفاء المغول يجرون أذيال الهزيمة ؛ واندحار الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي ،بل راح تدهور الاوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية يزداد سوءا ، يوما بعد يوم ؛ وعاما بعد عام ، فتعاظمت الكوارث الطبيعة من فيضانات وسيول غامرة جارفة ، تتلوها فترات قحط وجفاف مدمرة ، وانتشرت الأوبئة وعلى رأسها الطاعون ، وعزت المكاسب وفحش الغلاء ؛ فعم الفقر والفاقة ، وتوسعت الفجوة بين الطبقات ، وطالت المظالم جماهير العامة، " و في عصر المماليك كثرت الخلافات والحركات الهدامة وما يتبع ذلك كله من انتشار الأوهام والبدع ومن نشوب المنازعات"[5] .



 أما في المغرب فيبدأ عصر الضعف بسقوط دولة الموحدين سنة 1269م - كما ذهب إليه مالك بن نبي تؤيده في ذلك الشواهد والأدلة التاريخية والتي خلفتها دويلات ضعيفة وهي الدولة الحفصية ؛ والزيانية ؛ والمرينية . بدأت وجودها متدافعة متصارعة متقاتلة فيما بينها وأنهته كذلك . ومع مطلع القرن السادس عشر الميلادي استغل الإسبان انهيار حكم الزيانيين في تلمسان ؛ ووهن الدولة الحفصية بتونس فاستولوا بقيادة فرديناد على معظم الثغور والمدن الساحلية المهمة في المغرب والجزائر وتونس بين سنوات 910هـ/1505م و917هـ/1511م واستمرت سيطرتهم عليها حتى سنة 1516م حيث استعاد خير الدين وبابا عروج الجزائر العاصمة من الإسبان وجعلاها قاعدة لنشاطهما وجهادهما، ومدافعة الإسبان والأوربيين في غرب البحر المتوسط


2- 1 الفترة الثانية : فترة حكم الأتراك العثمانيين مشرقا ومغربا ، وتبدأ من سنة 923هـ الموافق1517م ،تاريح حملة سليم الفاتح على الشام إلى سنة 1212هـ الموافق لـ 1798م تاريخ حملة نابليون بونابرت على مصر وهو ما يعرف بـ "عصر الانحطاط" . وسنعرض فيما يلي لكل فتة على حدة.


2-2  الحياة الفكرية والثقافية والأدبية في عصر الضعف
في هذا العصر تميزت الحياة الفكرية والثقافية والأدبية بمجموعة من الخصائص والمميزات يمكن إجمالها فيما يلي:
أ- بشكل عام اتصفت الفترة الأولى من عصر الضعف باحترام المماليك للغة العربية ،التي حفظوا لها مكانتها؛ وصانوا هيبتها من خلال اتخاذها" لغة رسمية في دواوين الدولة...وعلى رأسها ديوان الإنشاء... الذي كان يختار للعمل فيه أبرع أهل اللغة والأدب والكتابة"[6] ونفس الفضل يعترف لهم به إزاء العلماء؛ ورجال الدين الوافدين من بغداد، والبصرة؛ وحلب وغيرها "وتعظيمهم ورعايتهم، ومشاورتهم في أمورهم العليا، واختيار أَصْلَحَهم لولاية القضاء والتعليم ونحوهما."[7] ص 10 "وقد كان ذلك سببا في رواج العربية، وفي رواج الفصحى داخل الدواوين، وبخاصة في كتابة المراسلات والوثائق العليا، وسببا في ظهور طبقات ممتازة من رجال اللغة والأدب والإنشاء"[8] وهذا أعطى أفضلية للنثر والناثرين على الشعر والشعراء. وخاصة في الكتابة الديوانية ،والتدوين.


وفي ما يتعلق بمجال العلم والأدب والثقافة في المغرب العربي؛ فإن الكتب تذكر أن الحفصيين بتونس ، والزيانيين بتلمسان والمرينيين بالمغرب أسسوا بعض المدارس ، والتي كان ينفق عليها في الغالب من مداخيل أملاك وقفية تابعة لها تبرع بها أهل البر والإحسان ، ولكن لم تكن من حيث الكثرة والمستوى على قدر حاجة المجتمع ،و أن الذي سد العجز ،وغطى الحاجة هي الزوايا التي بدأت تتكاثر مع بداية القرن الثامن الهجري ،يؤمها طلاب العلم من كل حدب وصوب، ومن مختلف طبقات وأعراق المجتمع ؛ وازداد نموها وانتشارها مع مرور الزمن وتمحور التعليم فيها حول العلوم الدينية واللغوية ،بالإضافة إلى الزهد والتصوف وبمرور الوقت "تحول كثيرمنها- وخاصة في المدن الجزائرية-إلى ما يشبه مدارس عالية ؛وكان كثير من التلامذة يقصدها من الأماكن لقريبة البعيدة ، وكما كانت تعنى بتعليم الناشئة كانت تعنى بتنوير العامة ،وكثرت كثرة مفرطة منذ القرن العاشر " شوقي ضيف ص80
قلة الدواعي والأسباب الدافعة إلى قول الشعر : قَلَّتْ في هذا العصر دواعي الشعر عما كانت عليه في العصور السابقة على الرغم مما سبق ذكره ؛ ذلك لأن معظم ما قام به سلاطين المماليك ووزراؤهم لم يكن حبا في اللغة العربية وآدابها ، وإنما كان نزولا عند مقتضيات السياسة وإكراهاتها ؛وفي مقدمتها استرضاء الشعب العربي المسلم الذي يحكمونه، واستمالة رجال الدين للاستعانة بسطوتهم الواسعة التي كانوا يتمتعون بها لدى العامة في تثبيت أركان ملكهم، خصوصا وأن عامة الناس ومعظم السلاطين على وعي تام بحقيقة كونهم زنوج ؛مماليك ، ورقيق ؛ جلبوا إلى مصر من إفريقيا عن طريق التجارة ؛ و نشّئوا تنشئة عسكرية فغلب على طباعهم الميل إلى الخشونة والصلف ؛لا يتقنون العربية ، ويصعب عليهم إدراك معاني الشعر وعناصر الجمال فيه وبالتالي تذوقه فـ" هم أعاجم عن العربية فليسوا إذن على استعداد فطري للإنصات إلى شعرائها والعطف عليهم، وتوجيه الدعوة إليهم ،ليكرروا بين أيديهم ما سبق لهم تكراره في عصور منصرمة من تصاوير ملفقة ، وتهاويل موهومة، وعواطف مفتعلة، ومعاني يخترعها الوهم والخيال، وليس من ورائها جدوى ولا طائل عملي؛ وأنهم لا يقدرون حق قدره ،ما يورده الشعراء من مجازات طريفة ، واستعارات وتشبيهات رائعة ،ومعاني مولدة مبتكرة .ص60."[9]


2-4 تنافس بعض السلاطين والأمراء والوزراء في إغراء العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء ؛إن كون المماليك أعاجم لم يمنعهم من السعي إلى إضفاء الصبغة العربية الإسلامية على مظاهر ملكهم ، من خلال سلوك ما ألف ملوك الدولة العباسية سلوكه كتقريب العلماء والشعراء وجلب أكبر عدد منهم و أشهرهم إلى بلاط السلطنة او الإمارة لتزيين المجالس السلطانية والأميرية، و التفاخر بما يلقونه من خطب وينشدونه من مدائح ،و كل يطمع في تحقيق بغيته :


فالسلاطين والأمراء من المماليك يرغبون في توظيف الادباء والشعراء كوسائل إعلام دعائية تنشئ و تنشر وتذيع قصائد المدح والتمجيد والإشادة بمآثرهم الحاضرة ، ومعاركهم الجهادية في حماية الدين والأوطان، بشجاعة وحنكة أفتقدها الناس لدى ملوكهم وقاداتهم العرب و تغطي على وضاعة أصولهم ، وقلة شأنهم في ماضيهم ،وترفع صيتهم ، وتسمو بمقاماتهم على مقامات نظرائهم ؛ وخصومهم ؛ ومنافسيهم ، وتقوي إعجاب الرعية بهم و تمتن ولاءها لهم .


ورجال العلم والأدب يسعون من جهتهم إلى تحسين أوضاعهم المادية والمعيشية ،وتعزيز مراكزهم الاجتماعية بما يحصلونه وينالونه من عطايا وهبات ومكافآت .


2-5 وفرة المساجد ،والمدارس والزوايا ووالكتاتيب رغم ان المماليك كانوا عجما من أصول زنجية إفريقية إلّا أنَّ صِدقَ عقيدتهم الدينية جعلتهم يَحْتَفُونَ باللغةِ العربيةِ ،ويُولُونها ما تستحق "من عناية ورعاية واهتمام باعتبارها لُغَةَ القرآنِ الكريم ،وهي جديرة "بأن تكون لغة السياسة والإدراة والعلم"[10] و"كان-للمماليك- عناية بوجوه الحضارة ونشر العلم"[11] ،فأنشأوا عددا كبيرا من المدارس في جميع أنحاء البلاد ، وفتحوا –أبوابها- أمام جميع الراغبين في الاستفادة، يأتون إليها ليستمعوا إلى ما يلقى في حلقاتها على غير نظام مألوف "[12] . وجلبوا لها الحفاظ و المعلمين، تعاون على ذلك رجال السلطة، وأصحاب الفضل من الأثرياء


نظام التعليم: 



كانت الصبغة الغالبة على التعليم و طرقه في مدارس هذا العصر هي الصبغة الفوضوية ؛فالدراسة بلا ضوابط ؛ و في غياب القوانين التنظيمة ، والطرائق الواضحة ، مع انعدام المناهج والأهداف والغايات المحددة ، والجمع بين علوم شتى، في مقدمتها تحفيظ القرآن ،والحديث، والعلوم الدينية ، من فقه ،وتفسير، وسير، ،وعلوم اللغة وآدابها ، والرياضيات، والفلك، والتاريخ والجغرافيا، والحساب والجبر والهندسة، والطب والموسيقى.


ازدهار حركة الجمع والتأليف:


أحس العلماء والأدباء في مصر، والشام ؛ والحجاز، والمغرب العربي بفداحة الخراب الفظيع الذي ألحقه الغزو المغولي التتاري ، والنهب الصليبي لذخائر العلوم والآداب ونفائسها ،ولمصادر الثقافة العربية الإسلامية ؛ وما نجم عن ذلك من فراغ علمي رهيب ؛ وأضرار لا تجبر ؛ كما أحسوا بثقل المسؤولية الأخلاقية ،والعلمية والدينية والتاريخية الملقاة على عاتقهم في جمع ما بقي عالقا بالصدور؛ من آثار استعصت على عوامل الفناء، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه وحفظه من الضياع، خاصة بعد أن وفر لهم المماليك الظروف المساعدة من استقرار؛ وأمن ودعة ، فبادروا إلى ذلك وأقبلوا عليه بالتدريس والخطابة ، وبالكتابة والتدوين : جمعا ، وتصنيفا ، وشرحا وتعليقا ،وغيرها من ألوان النشاط، فانعكس ذلك كله في كثرة التآليف التي تميز بها هذا العصر، الذي عرف بعصر الموسوعات.


ومن أصحاب الموسوعات المشهورة التي ظهرت في هذه الحقبة ابن منظور(ت 711هـ /1311م ) صاحب كتاب معجم "لسان العرب" والنويري ( ت 733هـ/ 1332م ) صاحب كتاب "نهاية الأرب في فنون الأدب ؛ وزكريا محمد القزويني(ت 682هـ/1283م) صاحب كتاب "عجائب المخلوقات" وغيرهم كثير .


خصائص الأدب في هذا العصر .


ضعف الشعر : تميزت المرحلة الأولي من عصر الضعف بكثرة الشعراء لكثرة دواعي الشعر وبواعثه ، ولكن مع ضعف مستواه ، بالقياس إلى مستوى الأدب في العصور السابقة ، سواء أكان هذا الضعف في المضامين أوفي النواحي الفنية الجمالية ، والمعاني ، والصور، وفي القضايا المطروحة ومناهج المعالجة وأغراض الشعر المألوفة الموروثة من فخر، ومدح، وغزل ،وهجاء ووصف، وشكوى وما إليها وجريا على نفس السنن والقواعد المتعارف عليها من قبل دون تجديد.، فغلبة التقليد والاجترار لمواضيع مطروقة موروثة بادية هذا قبل أن ينحط مستواه إلى الحضيض بعد أن كسد سوقه ويئس المتكسبون منه والمرتزقون به ،فانصرفوا إلى طلب الرزق من طرق الحرف والمهن الأخرى وانشغلوا عنه بهموم الحياة، ومطالبها المتزايدة ،ولم يعد لهم من الوقت ما يكفيهم لنظمه أو صناعته و تنقيحه وخير من عبر عن هذا الوضع علي بن سودون اليشبغاوي ( ت868هـ) حين قال معتذرا للقارئ عما قد يصادفه من ضعف او أخطاء في كتابه (نزهة النفوس ومضحك العبوس)"... فأنَّى ينجو من عثرات ما يهذي به، ومتى يظفر بتنقيح الكلام وتهذيبه؛ مَنْ تضيعُ منه الأوقاتُ في تحصيل الأقوات، ويمنعه الاكتسابُ من أنْ ينظرَ في كتاب"[13]


في الحقبة الثانية (1617م-1798م)حين أصبح الفخر يدور حول ما اقتناه الشاعر او الممدوح من بيوت أو خدم وحشم أو دواب، وصار الهجاء ينصب على البعوض والفْئران والصراصير وقس على هذا في مختلف الفنون.


 ويمكن تصنيف شعر هذه المرحلة ضمن تيارين بارزين كما درج على ذلك دارسو الأدب ومؤرخوه ،وهما : تيار الزهد، ويقابله تيار اللهو والمجون ؛مع ضرورة التنبيه وجود ثروة شعرية تكفي لتشكل تيارا ثالثا فيه من هذا ومن ذاك ،يمكن ان نسميه تيار الهزل والسخرية والضحك، وتنحصر أسباب ظهور التيارات الثلاثة في سوء الوضع العام الذي طبع المرحلة وكان من أبرزها الصراع والتنافس على السلطة فكثرت الدسائس والانقلابات السياسية وما صحب ذلك من اضطرابات أمنية أفقدت المجتمع بأسره توازنه ،ودفعت به في دوامة من القلق الشامل، تدهور معه الوضع الاقتصادي ،فانتشر الفقر والفاقة والأوبئة وما افرزته من آفات؛ وأدت إليه من كساد في سوق الفكر والأدب و الشعر بث اليأس وخيبة في النفوس، وثبط الهمم، واختلفت استجابة الناس لهذه الضغوط من جهة أخرى وتباينت ،فمن كانت الروح الدينية متمكنة منه، راسخة بوجدانه ؛ واجه الحرمان بالانقطاع للعبادة والذكر وتعزى بالزهد عن ملذات الدنيا ومتعها ومفاتنها وعبر عن ذلك بنظم قصائد المدائح النبوية متقربا متوسلا، يحث على التحلي بالفضائل واجتناب الرذائل و التمسك بالقيم الدينية والتخلق بالآداب الإسلامية، وبالغ بعضهم فدعا إلى الإعراض التام الكامل عن الدنيا والاستسلام لقدر الله والرضا به والتفرغ للعبادة والتصوف والتنسك ، والتشفع بالأولياء والصالحين.


ومن كان على النقيض من هذا قنط من رحمة الله وسخط فاجترأ على كل المحرمات واباحها لنفسه بلا رادع ولا وازع، وافحش في القول البذيء ، وصور الأعمال الماجنة الفاجرة الداعرة بشكل فاضح تاباه طبيعة الإنسان السوي ، وطلب الملذات المنحطة بلا حياء ،واعلن عن ذلك ودعا أليه في ثورة وتمرد.فأما التيار الأول فخير من مثله الشاعر البوصيري ، وابن نباتة ،وابن عربي. وابن الوردي (ت749هـ) وابن معتوق (ت707هـ) والإمام البرعي (ت803هـ) ومجد الدين الوتري (ت980هـ) والشهاب محمود


والتيار الثاني مثله : صفي الدّين الحلّي : (675- 750هـ / 1276 - 1349 م)


 


والتيار الثالث : شعر النقد الاجتماعي الهزلي والساخر الضا حك الذي يخفي وراءه المعاناة ومرارة العيش ويمكن ان نزعم أن معظم أصحابه وحاملي رايته كانوا من شعراء التيارين السابقين حين حاصرتهم نوائب الدهر و انتابتهم مشاعر الضعف والوهن الانساني ،إلى جانب الشعراء أصحاب المهن كالمعلمين والفلاحين ،والذين كانت البطالة الموسمية تتربص بهم على مدار السنة ، فاتخذوا الشعر هواية وتسلية ووسيلة لقتل الوقت و ليساعدهم على مواجهة شقاءهم بالسخرية منه ، يغلفون آلامهم بالدعابة ،ويقتلون فراغ ايامهم بالألغاز والأحاجي وما شابهها ولعل خير من يمثله ابن قلاقس (ت567هـ) ووصفي الدين الحلي ، وابن دانيال (ت710هـ) و أبو الحسن الجزار.


الذي يقول


لا تلمني يا سيدي شرف الدين إذا ما رأيتني قصاباً‏


كيف لا أشكر الجزارة ما عشت حفاظاً وأهجر الآدابا‏


وبها صارت الكلاب ترجّيني وبالشعر كنت أرجو الكلابا


وحدث أن أباه الشيخ، تزوج عجوزا فقال:‏


تزوج الشيخ أبي شيخة ليس لها عقل ولا ذهن


‏لو برزت صورتها في الدجى ما جَسَرتْ تنظرها الجن‏


‏كأنها في فرشها رَمة وشعرها من حولها قطن‏


وقائل قال لي: ما سنّها ‏ قلت: ما في فمها سن .


ومثله يصف البوصيري سوء حاله في أواخر أيامه مستدرا عطف أحد الوزراء


إليك نشـكو حـالنا أننـا عائلـة في غايـة الكـثرةْ


أحدِّث المولى الحديثَ الذي جرى عليهم بالخيط والابرةْ


صاموا مع الناس ولـكنهم كانوا لمـن يبصرهم عبرةْ


وأقبل العيـدُ ومـا عندهم قمح ولا خـبز ولا فطـرةْ


فارحمهمُ إنْ ابصروا كعكةً في يد طفل أو رأوا تمـرةْ


‏ ‏وشاعت في شعر هذه المرحلة الألفاظ الاعجمية من تركية وأمازيغية وغيرها من العامية فهذا أبو الحسن الجزار قال يهجو تركيا


وكم قابلت تركياً بمدحي فكان لما أحاول منه يحنق‏


ويلطمني إذا ما قلت: (ألطن)‏ ويرمقني إذا ما قلت: (يرمق)‏


وتسقط حرمتي أبداً لديه‏ فلو أني عطست لقال: (يشمق) .
مفردات تركية في شعر الجزار‏


(ألطن) ومعناها: الذهب. و(يرقق) وتعني: المكافأة.‏ (يشمق) ومعناها: غطاء الوجه


وهي أول ما يصادف كل من كان على دراية بالشعر العربي في العصر العباسي والعصور السابقة عليه .فهذا أبو الحسين الجزار (601 هـ/1204م – 672هـ/1273م ) يتغزل فيقول


بـــــذاك الفتــور وهــذا الهيف يهـون عـــلى عاشقيك التلف


أطــرت القـلوب بهذا الجمال وأوقعــــتها في الأسى والأسف


تكلـــــف بــدر الدجـــى إذ حكى محــياك لــــو لم يشنه الكلف


وقام بعــذري فيـــــك العــذار وأجـــــرى دمــوعي لما وقف


وكــم عــاذل أنكر الوجد فيك عـــــلي فلمـــــا رآك اعــتـرف


وقـــــالوا : بـــه صلف زائد فقلت : رضيـــت بـذاك الصلف


لئن ضاع عمري في من سواك غــراما ؛ فـإن عليك الخلف


فهــــاك يـــدي إنــني تائــــب فقـــل لي : عفى الله عما سلف


بجوهـــــر ثغـرك مــاء الحياة فـماذا يضــرك لــو يُرْتشف.؟


والملاحظ أنه رغم ما في هذه الأبيات من طرافة وخفة وتواصل سميائي مع الشعر الغزلي في العصر العباسي ، إلا ان معانيها وصورها مطروقة متداولة ،والشاعر فيها متبع مقلد ، ونفس القول يصدق على الحياة الفكرية والأدبية في المغرب إذ " وُجِدَ الأدبُ المغربيُّ في أعقاب العصر العباسي وبجوار الأدب الأندلسي فتأثر بهما وأخذ عنهما دون أن يفقد شخصيته المغربية " [14]


ومن شعراء المغرب الذين ينطبق على شعرهم ما سبق قوله مالك بن المرحّل (604هـ-1207م/699هـ-1269م) ؛ ومن شعره العذب ؛أبيات من قصيدة يحاكي فيها الشاعر العباسي بن الفارض منها قوله:


شكيت لقاضي الحب ،قلتُ أحبتي جـفوني ، وقالوا أنت في الحب مدَّع
خصوصا بالطرافة التي يتحلى بها"[15]


ولكن حنا الفاخوري تغاضى هنا عن لحن الشاعر وخطئه اللغوي في استخدامه للفعل شكا ، يشكو بالصيغة العامية ، "شكيت" والأصح شكوت؛ مع استقامة الوزن في الصيغتين العامية والفصحى.


وفي مجال المدح كان السلاطين والأمراء و الوزراء وأصحاب السطوة هم غاية الشعراء ومقصدهم ومحط ارتحالهم ، يصبغون عليهم ما يعجبهم من الاوصاف المحمودة المتدوالة وتزدهي به سيرهم فيمنحون ،وينال المادحون جوائزهم.


شعر الزهد؛ والتصوف؛ والمدائح النبوية والتشفع بالأولياء. ومن جملة العوامل التي جعلت هذه الأغراض تغلب على شعر العصر المملوكي، الحفصي ،الزياني ، المريني هي كون الزوايا في هذه الحقبة كانت هي الحاضنة الأساسية لتخريج العلماء والزهاد والنساك والمتصوفة في اقاليم المغرب العربي.
الشعر التعليمي:
رغم أن الشعر التعليمي تعود بذور نشأته إلى العصر الأموي إلا أنه نشط وكثرت "المتون المنظومة" في عصر الماليك بشكل لم يسبقه ؛ ولم يلحقه مثيل ،ومن العلوم التي كثر فيها النظم علوم اللغة المختلفة" النحو ، والصرف ، والبلاغة " باعتبارها لغة القرآن وهي أجدر العلوم وأحقها بالعناية وبالجمع والحفظ في رأي علماء ذلك العصر من جهة ، ولتسهيل حفظ مفرداتها وقواعدها وضوابطها واسترجاعها من طرف طلاب العلم عند الحاجة ، كما نظمت إلى جانب ذلك الفرائض، والقواعد الفقهية ، والمنطق، و قوانين الكيمياء (الخيمياء)وتحولات المادة (علوم الهيئة) مع العلم أن خالد بن يزيد بن معاوية الأموي (ت 704 م) أول من نظم ما كان قد عرفه من قوانينها وله " ديوان النجوم، فردوس الحكمة، والقصائد في الكيمياء، وقصيدة كيميائية، ومنظومة في الكيمياء."[16] إلى جانب متون العديد من العلماء الذين جاؤوا بعده ونظموا معارفهم في متون.
وفي عصر الضعف انحصر النظم في العلوم في مجال الحرف البسيطة وصناعة الحلويات والمأكولات.
وتميزت أغلب هذه المتون بالطول لتستوعب العلم المنظوم وتحيط به وتستقصي مكوناته ، ولذلك كثرت الألفيات ، أي المتون المنظومة التي يناهز عدد أبايتها أو يساوي أو يفوق الألف بيت ، ومن أشهرها ألفية ابن مالك "الخلاصة الألفية " و" الكافية الشافية" وقد اشتهرت هذه المتون وشاعت واحتفى بها شيوخ العلم وطلابه ودارسوه فأنشأت حولها الشروح وشروح الشروح .


استمر نشاط النثر العلمي ،والعلمي المتأدب ؛ بعد سقوط بغداد :" فقد كثر التصنيف في التفسير والحديث والفقه وال


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

The patient wil...

The patient will lie on their stomach (prone position) on the X-ray table. The table may have an adj...

ربتعت لا ةيليلح...

ربتعت لا ةيليلحتلا ةبساحملا مدقت ثيح ةيلاملا ةبساحملل دادتما ةيليلحتلا ةبساحملا لا تانايب ةيليصفت تل...

Too Much Seafoo...

Too Much Seafood A few years ago, we were at a famous seafood restaurant. A friend of ours went over...

The Transition ...

The Transition movement engages in a wide range of activities, including: 1.**Policy Advocacy:** Ad...

لم يسبق لي أن ر...

لم يسبق لي أن رأيت مثل هذه المعالم الجميلة قبل زيارتي لباريس في عام 2012 ،لقد وفرت المال لمدة 5 سنوا...

Distributed Sys...

Distributed Systems Introduction Venus Samawi Isra University 1 Content • Distributed Computing ...

إحتلّ الإعلان ا...

إحتلّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة مكان الصدارة بوصفه مدو...

ALARA تعني: أدن...

ALARA تعني: أدنى مستوى يمكن تحقيقه بشكل معقول 1-هو مبدأ في الحماية من الإشعاع يؤكد على تقليل التعرض ...

الفصل الأول إنت...

الفصل الأول إنتهاكات الحقوق والحريات تسعى الدول الديمقراطية إلى ضمان تمتع الافراد بالحقوق والحريات، ...

الى ان تحدث الع...

الى ان تحدث العالم جورج لوميتر عن تصور له نتيجة ملاحظاته الدقيقة للكون فوجد ان الكون في بدء نشأته كا...

MPs are conside...

MPs are considered to be emerging pollutants and can originate from various sources (Shiu et al., 20...

تقدم الذكاء الا...

تقدم الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة بوتيرة متسارعة، فبمقدوره الانتقال عبر كميات ضخمة من البيانا...