Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

والكتاب جعله مؤلفه فهرسا موضوعيا لأربعة عشر كتابا من مشاهير كتب
السنة، وهذه الكتب هي:
٥- سنن النسائي. ٧- موطأ مالك. ٨- مسند أحمد. ١٠- سنن الدارمي. ١١- مسند زيد بن علي. ١٢- سيرة ابن هشام. ١٣- مغازي الواقدي. الأحاديث المشتهرة على الألسنة أو الموضوعة
عنى كثير من العلماء في العصور المختلفة بالأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس، فبينوا درجاتها وما فيها من ضعيف أو موضوع أولا أصل له، وإن شاعت على الألسنة، ومن العلماء من عني بالموضوعات خاصة. ومن أهم الكتب التي عنيت بذلك. "أ" اللآليء المنثورة في الأحاديث المشهورة، مما ألفه الطبع وليس له أصل في الشرع "للحافظ ابن حجر. "
ب- "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي. جـ- "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" لجلال الدين السيوطي. د- "تتميز التطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث" لعبد الرحمن بن على الشيباني. هـ- "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" لإسماعيل بن محمد العجلوني. و أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب "لمحمد بن درويش الشهير بالحوت البيروني. "
ز- "الموضوعات" لابن الجوزي. ح- "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" لابن القيم، حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة. ط- "اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي. ي- المصنوع في معرفة الحديث الموضوع "وهو الموضوعات الصغيرة للعلامة نور الدين على بن محمد المشهور بالملا على القاري الهروي، وقد حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة. "
ك- "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" المعروف بالموضوعات الكبرى للملا على القاري كذلك، وقد حققه الشيخ محمد الصباغ. ل- "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني. م- "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني. وعنى العلماء في كتب مصطلح الحديث وكتب الرجال والجرح والتعديل بالضوابط التي تضبط صحة السند وصحة المتن، فتكلموا عن شروط قبول الراوي من العدالة والضبط، وعن الجرح والتعديل وألفاظ التعديل ومراتب ذلك. وألفت مصنفات في تراجم الرجال وتاريخهم لتمييز القوى من الضعيف والصادق من الكاذب حماية للسنة، وتعددت مناهج هذه المصنفات في عمومها وخصوصها، ومن أشهرها:
١- المصنفات في معرفة الصحابة - والصحابة عدول، ولكن تاريخهم يفيد في معرفة الحديث الرسل من الحديث الموصول. أ- "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر الأندلسي. ب- أسد الغابة في معرفة الصحابة "لعز الدين أبي الحسن على بن محمد ابن الأثير الجزري. "
جـ- الإصابة في تمييز الصحابة "للحافظ بن حجر العسقلاني. "
٢- المصنفات في الطبقات - وهي المشتملة على تراجم الشيوخ طبقة بعد طبقة سواء أكانت في طبقات الرجال عامة أم في طبقات أناس مخصوصين. أ- "الطبقات الكبرى" لأبي عبد الله محمد بن سعد الواقدي. ب- "تذكرة الحفاظ" لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. ٣- المصنفات في رواة الحديث عامة وهي التي لم تخص بتراجم كتب بعينها. أ- "التاريخ الكبير" للإمام البخاري. ب- الجرح والتعديل "لابن أبي حاتم. "
٤- المصنفات في رجال كتب مخصوصة. أ- ما هو خاص بالصحيحين:
"الجمع بين رجال الصحيحين لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القسراني. "
ب- ما هو خاص برجال الكتب الستة:
"الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني المقدسي، وقد تناوله العلماء بالتهذيب والاختصار في الكتب الآتية:
١- "تهذيب الكمال" للمزي
٢- "تهذيب التهذيب" للذهبي
٣- "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني. ٤- "تقريب التهذيب" لابن حجر كذلك. ٥- "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال" للخزرجي. ٥- المصنفات في الثقات خاصة - وأشهرها:
٦- المصنات في الضعفاء خاصة - وأشهرها:
"
جـ- "الضعفاء والمتروكون" للنسائي. د- "كتاب الضعفاء" لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي. هـ- "معرفة المجروحين من المحدثين" لأبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البستي. ز- "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للذهبي. ح- "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر العسقلاني. بدء كتابة السنة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
من المعروف أن العرب قبل الإسلام لم يعرفوا الكتابة والقراءة، ولكن مكة بمركزها التجاري شهدت بعض الكتابين والقارئين قبيل البعثة، وإن ذهبت بعض الأخبار إلى أنه لم يكن بها سوى بعضة عشر رجلا يقرأون ويكتبون، وتدل الأخبار على أن الكاتبين في مكة كانوا أكثر عددا منهم في المدين’ يشهد لذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لأسرى بدر "المكيين" بأن يفدي كل كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من صبيان "المدينة" الكتابة والقراءة. وأن كتبة الوحي الذين بلغ عددهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين رجلا كان أكثرهم من المكيين، بل ذكر البلاذري في فتوح البلدان عددا من النساء الكاتبات منهن أم المؤمنين حفصة، والشفاء بنت عبد الله القرشية، وعائشة بنت سعد، وكريمة بنت المقداد، بين أن المسلمين ما كادوا يستقرون في المدينة حتى بدلت الحال غير الحال، فكثر فيهم الكاتبون منذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سعيد بن العاص أن يعلم الكتابة بالمدينة، وكان كاتبا محسنا كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب. ويقرئنا القرآن، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير فكان يقرئهم القرآن ويعلمهم. ومن المعروف كذلك أن الصحابة كانوا يعولون في حفظ الحديث على الاستظهار في الصدور، لا على الكتابة في السطور لانضرافهم إلى تلقي القرآن الكريم، وانشغالهم بجمعه وكتابته، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في باديء الأمر عن كتابة الحديث، وقال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فيلمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" . رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، وشطره الأخير في البخاري. وهذا الحديث هو الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن كتابة السنة، وقال النووي في شرحه، قال القاضي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم - ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف. واختلفوا في المراد بهذا الوارد في النهي:
فقيل: "هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث:" اكتبوا لأبي شاة "وحديث صحيفة على رضي الله عنه، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وغير ذلك من الأحاديث. "
وقيل: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة. وحين نزل أكثر الوحي وحفظه الكثير، أذن رسول الله
صلى الله عليه وسلم لبعض صحابتهس إذن خاصاس في كتابة الحديث، ليساعدهم ذلك على زيادة الضبط إن خيف نسيانهم، ولم يوثق بحفظهم ولعله خص بهذا الإذن من كان أشد ضبطا وحفظا، وقد اتفقت الكلمة بعد الصدر الأول على جواز كتابة الحديث. قال ابن الصلاح: "ثم إنه زال الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الأخيرة" . ويستفاد من بعض الآثار أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن بكتابة الحديث في آخر حياته إذنا عاما، بعد أن أمن اختلاط السنة بالقرآن، فإنه قيل وفاته أراد أن يكتب للمسلمين كتابا لا يضلوا بعده ولم ير بأسا في ذلك كما سبق في حديث عمر. روى الترمذي أن سعد بن عبادة الأنصاري كان يملك صحيفة جمع فيها طائفة من أحاديث الرسول وسننه، وكان ابن هذا الصحابي الجليل يروى من هذه الصحيفة. ويروى البخاري أن هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي أوفى، الذي كان يكتب الأحاديث بيده، ومن أشهر الصحف المكتوبة في العصر النبوي "الصحيفة الصادقة" التي كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب كل شيء سمعه من رسول الله، فهناه بعض الصحابة، لأنه بشر يتكلم في الرضا والغضب، فأمسك عن الكتابة، ثم استفتى رسول الله قائلا:
قال: نعم، قال: في الرضا والضغب؟ قال: نعم فإني
لا أقول في ذلك إلا حقا "وروى ذلك الإمام أحمد في مسنده. "
وكان ابن عمرو يعظم أمر هذه الصحيفة ويقول: ما يرغبني في الحياة إلا حصلتان: الصادقة والوهط، فأما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله، وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص، كان يقوم عليها، وقد روى هذا البزار في سننه وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. وهذه الصحيفة هي ما جاء بسند عبد الله بن عمرو في مسند الإمام أحمد. ولا بد أنه اشتغل بكتابة غيرها، فقد قال أبو هريرة. "ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب" . وعرف عن ابن عباس أنه كتب الكثير من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته في ألواح كان يحملها معه في مجالس العلم، وكان تلميذه سعيد بن جبير يكتب عنه ما يلمي عليه، وظلت صحيفة ابن عباس معروف متداولة وتعاقب الناس على الرواية منها، والاستشهاد بها في كتب التفاسير، وإن لم تنقل هذه الصحيفة. وقد جمع أبو هريرة صحفا كثيرة مما كتبه الصحابة "تلفت غالبا" وروى عنه تلميذه همام بن منبه صحيفة منها، ثم نسبت إليه، فقيل صحيفة همام، وهي في الحقيقة صحيفة أبي هريرة لهمام، وكان لهذه الصحيفة أهمية خاصة في تدوين الحديث، لأنها وصلت إلينا كاملة سالمة كما رواها ودونها همام عن أبي هريرة، وسماها صاحب كشف الظنون بالصحيفة الصحيحة، وهي برمقتها في مسند أحمد، وجاءت متفرقة بأبواب مختلفة في البخاري وغيره. وذكر العلماء نرا من الصحابة الذين كتبوا الحديث سوى هؤلاء. وهذه الأخبار في مجموعها تدل على بدء كتابة السنة في عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم وإن لم تكن كتابة جمع وتدوين. ثبت في الصحيحين أنه لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب خطبه، فقام أبو شاة - رجل من اليمن - فقال: اكتبوا لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاة" . وروى البخاري عن أبي جحيفة قال: "قلت لعلي" هي عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر ". "
وروى أحمد عن أبي الطفيل: سئل على رضي الله عنه، فأخرج صحيفة كتب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله. وروى أحمد كذلك عن طارق بن شهاب: "رأيت عليا على المنبر يخطب، فسمعته يقول: والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلا كتاب الله تعالى وهذه الصحيفة، فيها فرائض الصدقة" . فأخرج صحيفة فيها شيء من أسنان الإبل. وابن عبد البر في الاستيعاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عمرو بن حزم الأنصاري على نجران. وكتب له كتابا فيه أحكام الطهارة والصلاة والغنيمة والصدقة، وذكر أصحابس التراجم أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان كاتبا وأن مدوناته كانت تحمل في مخال، وقد بعثه أبو بكر رضي الله عنه إلى البحرين ساعيا وكتب له كتاب الصدقة ونصب الزكاة. وقد ذكر الخطيب البغدادي في تقييد العلم الخلاف في الكتاب ونقل نصوص المنع، ونصوص الإباحة من الأحاديث المرفوعة والموقوفة، والآثار الواردة عن التابعين وأتباع التابعين، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى ذلك. إجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم
والبراءة من الشرك حتى يستقيم أمر البشرية على عبادة الله وحده، وتلك هي دعوة الرسل في موكب النبوة الذي أضاء للإنسانية جوانب حياتها، ومن شان هذه الدعوة أن تربي المؤمنين بها على الانقياد لما جاء عن الله أمرا ونهيا، وأن تبني الشخصية المؤمنة بناء سويا يهتدي بهدى الله، ويتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ١. ويتضح من النصوص والوقائع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أن شخصيته ذات جانبين: أحدهما: الجانب البشري، وحرص رسولنا صلى الله عليه وسلم على تأكيد بشريته، وإن كان الوحي يتنزل عليه. وحذر صلى الله عليه وسلم من غلو الناس فيه، روى البخاري عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
١ الأحزاب: ٢١. ٢ الكهف: ١١٠. "لا تطروني" كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله "ولم ينس هذا المعنى وهو يعالج سكرات الموت، روى مسلم عن جندب ابن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول:" إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، وفي رواية البخاري عن عائشة وابن عباس قالا:" لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا. وقد اتفق العلماء على أن الأنبياء صلوات الله وسلامة عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله في تبليغ رسالاته، أما العصمة في غير ما يتعلق بالتبليغ، فقد اختلف الناس فيها:
١- فذهب بعضهم إلى أنهم معصومون من الذنوب، وأولوا النصوص الدالة على وقوع الذنوب منهم تأويلا فاسدا. وأجيب عما ذكروه بأن التأسي بهم مشروع فيما أقروه عليه دون ما نهوا عنه. وأن منافاة الذنوب للكمال إنما تكون مع البقاء عليها لا مع التوبة منها، ٢- وذهب جمهور العلماء إلى أنه قد يقع منهم الذنوب، ولكنهم معصومون من الإقرار عليها، لأنهم يبادرون إلى التوبة، والاستغفار، واستدلوا على ذلك بما جاء في القرآن الكريم من النصوص الكثيرة. ١ طه: ١٢١. ٢- طه: ١٢٢. وقال تعالى في نوح: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ١ ثم قال على لسان نوح: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ٢. وقال في إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} ٤. وقال في موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} ٥. فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} ٦. وقال في نبينا صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} ٧. ١- فذهب نفر منهم إلى أنه لا يجوز له الاجتهاد لإمكان استطلاع الحكم بالوحي. ٢- وذهب جمهورهم إلى أنه يجوز له الاجتهاد، أ- روى البخاري عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون
١ هود: ٤٦. ٢ هود: ٤٧. ٣ الأنبياء: ٨٧. ٤- الشعراء: ٨٢
٦ سورة ص: ٢٤، ٢٥. ٧ التوبة: ٤٣. قبلته قبل البيت "وفي رواية:" وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة "فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ١ فتوجه إلى الكعبة. "
وبدأ اجتهاده في صورة رغبة وأمنية، فحققها له الله سبحانه وتعالى، وبذلك أصبح ما رآه بالاجتهاد مشروعا مقرا عليه من ربه. ب- واستأذن بعض المنافقين النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن غزوة تبوك فأذن لهم، دون أن يتبين أعذارهم، وعاتبه الله سبحانه وتعالى على إذنه لهم بذلك في قوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} ٢. ووجه الدلالة أن العفو هو التجاوز عن الذنب والتقصير، وترك المؤاخذة، وقد كان الإذن المعاتب عليه هنا إجتهادا منه صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه من الوحي، جـ- وروى البخاري وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد لما جرح وكسرت رباعيته، اللهم العن صفوان بن أمية، ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم عندما دعا عليهم، وطلب من الله أن يلعنهم، كان ذلك عن اجتهاد منه، لكن لم يقره الله سبحانه وتعالى على اجتهاده فيما أوحى به إليه في الآية. ١ البقرة: ١٤٤. ٣ آل عمران: ١٢٨. إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "إلا ذخر" . ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم باجتهاده في صيغة العموم قطع الإذخر، ثم عدل عن تحريمه إلى إباحته عندما ثبتت له الحاجة إليه فيما ذكره ابن عباس له. هـ- وروى ابن أبي شيبسة والترمذي وحسنه، وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: "لما كان يوم بدر جيء بالأساري، قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم، قدمهم فاضرب أعناقهم. ٣ نوح: ٢٦. ٤ الأنفال: ٦٧، ٦٨. ويروى أحمد ومسلم من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال: "لما أسر الأسارى يعني يوم بد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي وعمر:" ما ترون في هؤلاء الأسارى "؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون قوة لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما ترى يا بان الخطاب "؟ فقال: لا والله، لا أرى الذي رأي أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أئمة الك وصناديدها، ولم يهو ما قلت، فلما كان الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان، قلت: يا رسول الله . أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال صلى الله عليه وسلم:" أبكي للذي عرض لأصحابي من أخذهم الفداء، وقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة "- لشجرة قريبية منه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى آخر الآيتين. "
ووجه الدلالة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة في أسرى بدر، واجتهد في أخذه برأي أبي بكر، ولم يكن ذلك الاجتهاد موافقا للصواب، قال: يا رسول الله أرشدني، وعند النبي صلى الله عليه وسلم ناس من وجوه المشركين منهم: أبو جهل، وعتبة ابن ربيعة، وغيرهما، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عن ابن أم مكتوم ويقبل على غيره، فنزلت: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى، كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} ١. "
١ عبسى: ١- ١١. ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتهد في الإعراض عن الأعمى عندما جاءه وهو مشغول بدعوة أكابر قريش إلى الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون" ؟ قالوا: على لحم،


Original text

والكتاب جعله مؤلفه فهرسا موضوعيا لأربعة عشر كتابا من مشاهير كتب


السنة، وهذه الكتب هي:


١- صحيسح البخاري


٢- صحيح مسلم


٣- سنن أبي داوود.


٤ - جامع الترمذي.


٥- سنن النسائي.


٦- سنن ابن ماجه.


٧- موطأ مالك.


٨- مسند أحمد.


٩- مسند أبي داوود الطيالسي.


١٠- سنن الدارمي.


١١- مسند زيد بن علي.


١٢- سيرة ابن هشام.


١٣- مغازي الواقدي.


١٤- طبقات ابن سعد.


الأحاديث المشتهرة على الألسنة أو الموضوعة
الأجهزة المشتهرة على الألسنة أو الموضوعة:


عنى كثير من العلماء في العصور المختلفة بالأحاديث المشتهرة على ألسنة الناس، فبينوا درجاتها وما فيها من ضعيف أو موضوع أولا أصل له، وإن شاعت على الألسنة، ومن العلماء من عني بالموضوعات خاصة. ومن أهم الكتب التي عنيت بذلك.


"أ" اللآليء المنثورة في الأحاديث المشهورة، مما ألفه الطبع وليس له أصل في الشرع "للحافظ ابن حجر."


ب- "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي.


جـ- "الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة" لجلال الدين السيوطي.


د- "تتميز التطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث" لعبد الرحمن بن على الشيباني.


هـ- "كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" لإسماعيل بن محمد العجلوني.


و أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب "لمحمد بن درويش الشهير بالحوت البيروني."


ز- "الموضوعات" لابن الجوزي.


ح- "المنار المنيف في الصحيح والضعيف" لابن القيم، حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.


ط- "اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي.


ي- المصنوع في معرفة الحديث الموضوع "وهو الموضوعات الصغيرة للعلامة نور الدين على بن محمد المشهور بالملا على القاري الهروي، وقد حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة."


ك- "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" المعروف بالموضوعات الكبرى للملا على القاري كذلك، وقد حققه الشيخ محمد الصباغ.


ل- "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للشوكاني.


م- "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني.


وعنى العلماء في كتب مصطلح الحديث وكتب الرجال والجرح والتعديل بالضوابط التي تضبط صحة السند وصحة المتن، فتكلموا عن شروط قبول الراوي من العدالة والضبط، وعن الجرح والتعديل وألفاظ التعديل ومراتب ذلك.


وألفت مصنفات في تراجم الرجال وتاريخهم لتمييز القوى من الضعيف والصادق من الكاذب حماية للسنة، وتعددت مناهج هذه المصنفات في عمومها وخصوصها، ومن أشهرها:


١- المصنفات في معرفة الصحابة - والصحابة عدول، ولكن تاريخهم يفيد في معرفة الحديث الرسل من الحديث الموصول.


أ- "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر الأندلسي.


ب- أسد الغابة في معرفة الصحابة "لعز الدين أبي الحسن على بن محمد ابن الأثير الجزري."


جـ- الإصابة في تمييز الصحابة "للحافظ بن حجر العسقلاني."


٢- المصنفات في الطبقات - وهي المشتملة على تراجم الشيوخ طبقة بعد طبقة سواء أكانت في طبقات الرجال عامة أم في طبقات أناس مخصوصين.


أ- "الطبقات الكبرى" لأبي عبد الله محمد بن سعد الواقدي.


ب- "تذكرة الحفاظ" لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.


٣- المصنفات في رواة الحديث عامة وهي التي لم تخص بتراجم كتب بعينها.


أ- "التاريخ الكبير" للإمام البخاري.


ب- الجرح والتعديل "لابن أبي حاتم."


٤- المصنفات في رجال كتب مخصوصة.


أ- ما هو خاص بالصحيحين:


"الجمع بين رجال الصحيحين لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي المعروف بابن القسراني."


ب- ما هو خاص برجال الكتب الستة:


"الكمال في أسماء الرجال" للحافظ عبد الغني المقدسي، وقد تناوله العلماء بالتهذيب والاختصار في الكتب الآتية:


١- "تهذيب الكمال" للمزي


٢- "تهذيب التهذيب" للذهبي


٣- "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني.


٤- "تقريب التهذيب" لابن حجر كذلك.


٥- "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال" للخزرجي.


٥- المصنفات في الثقات خاصة - وأشهرها:


"كتاب الثقات" لمحمد بن أحمد بن حبان البستي.


٦- المصنات في الضعفاء خاصة - وأشهرها:


"أ" الضعفاء الكبير للبخاري.


ب- "الضعفاء الصغير للبخاري كذلك."


جـ- "الضعفاء والمتروكون" للنسائي.


د- "كتاب الضعفاء" لأبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي.


هـ- "معرفة المجروحين من المحدثين" لأبي حاتم محمد بن أحمد بن حبان البستي.


و "الكامل في ضعفاء الرجال" لأبي أحمد بن عبد بن عدي الجرجاني.


ز- "ميزان الاعتدال في نقد الرجال" للذهبي.


ح- "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر العسقلاني.


بدء كتابة السنة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
بداية كتابة السنة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:


من المعروف أن العرب قبل الإسلام لم يعرفوا الكتابة والقراءة، ولكن مكة بمركزها التجاري شهدت بعض الكتابين والقارئين قبيل البعثة، وإن ذهبت بعض الأخبار إلى أنه لم يكن بها سوى بعضة عشر رجلا يقرأون ويكتبون، كما وجد في المدينة قلة تكتب وتقرأ كذلك، وهذا هو ما يقصد غالبا عند وصف العرب بالأميين.


وتدل الأخبار على أن الكاتبين في مكة كانوا أكثر عددا منهم في المدين’ يشهد لذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لأسرى بدر "المكيين" بأن يفدي كل كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من صبيان "المدينة" الكتابة والقراءة. وأن كتبة الوحي الذين بلغ عددهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين رجلا كان أكثرهم من المكيين، ذكر أسماؤهم صاحب التراتيب الإدارية، بل ذكر البلاذري في فتوح البلدان عددا من النساء الكاتبات منهن أم المؤمنين حفصة، وأم كلثوم بنت عقبة، والشفاء بنت عبد الله القرشية، وعائشة بنت سعد، وكريمة بنت المقداد، بين أن المسلمين ما كادوا يستقرون في المدينة حتى بدلت الحال غير الحال، فكثر فيهم الكاتبون منذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سعيد بن العاص أن يعلم الكتابة بالمدينة، وكان كاتبا محسنا كما ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب.


وذكر ابن سعد أن أصحاب البيعة من الأنصار كتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مكة: إبعث إلينا رجلا يفقهنا في الدين، ويقرئنا القرآن، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير فكان يقرئهم القرآن ويعلمهم.


ومن المعروف كذلك أن الصحابة كانوا يعولون في حفظ الحديث على الاستظهار في الصدور، لا على الكتابة في السطور لانضرافهم إلى تلقي القرآن الكريم، وانشغالهم بجمعه وكتابته، والخوف من التباس السنة بالقرآن إذا كتب الحديث، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في باديء الأمر عن كتابة الحديث، وقال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فيلمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" . رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري، وشطره الأخير في البخاري.


وهذا الحديث هو الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن كتابة السنة، وقال النووي في شرحه، قال القاضي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم - ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف.


واختلفوا في المراد بهذا الوارد في النهي:


فقيل: "هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث:" اكتبوا لأبي شاة "وحديث صحيفة على رضي الله عنه، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسا رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبي هريرة أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب، وغير ذلك من الأحاديث."


وقيل: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة.


وقيل: إنما نهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القاريء في صحيفة واحدة.


وحين نزل أكثر الوحي وحفظه الكثير، وأمن اختلاطه بسواه، أذن رسول الله


صلى الله عليه وسلم لبعض صحابتهس إذن خاصاس في كتابة الحديث، ليساعدهم ذلك على زيادة الضبط إن خيف نسيانهم، ولم يوثق بحفظهم ولعله خص بهذا الإذن من كان أشد ضبطا وحفظا، وبهذا ينتفي ما قيل من تعارض بين النصوص الواردة في النهي عن كتابة الحديث والإذن في ذلك، وقد اتفقت الكلمة بعد الصدر الأول على جواز كتابة الحديث.


قال ابن الصلاح: "ثم إنه زال الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الأخيرة" .


ويستفاد من بعض الآثار أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن بكتابة الحديث في آخر حياته إذنا عاما، بعد أن أمن اختلاط السنة بالقرآن، فإنه قيل وفاته أراد أن يكتب للمسلمين كتابا لا يضلوا بعده ولم ير بأسا في ذلك كما سبق في حديث عمر.


روى الترمذي أن سعد بن عبادة الأنصاري كان يملك صحيفة جمع فيها طائفة من أحاديث الرسول وسننه، وكان ابن هذا الصحابي الجليل يروى من هذه الصحيفة.


ويروى البخاري أن هذه الصحيفة كانت نسخة من صحيفة عبد الله بن أبي أوفى، الذي كان يكتب الأحاديث بيده، وكان الناس يقرأون عليه ما جمعه بخطه.


ومن أشهر الصحف المكتوبة في العصر النبوي "الصحيفة الصادقة" التي كتبها جامعها عبد الله بن عمرو بن العاص من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر أهل السير أنها اشتملت على ألف حديث، وأن عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب كل شيء سمعه من رسول الله، فهناه بعض الصحابة، لأنه بشر يتكلم في الرضا والغضب، فأمسك عن الكتابة، ثم استفتى رسول الله قائلا:


أأكتب كل ما أسمع؟ ... قال: نعم، قال: في الرضا والضغب؟ قال: نعم فإني


لا أقول في ذلك إلا حقا "وروى ذلك الإمام أحمد في مسنده."


وكان ابن عمرو يعظم أمر هذه الصحيفة ويقول: ما يرغبني في الحياة إلا حصلتان: الصادقة والوهط، فأما الصادقة فصحيفة كتبتها عن رسول الله، وأما الوهط فأرض تصدق بها عمرو بن العاص، كان يقوم عليها، وقد روى هذا البزار في سننه وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.


وهذه الصحيفة هي ما جاء بسند عبد الله بن عمرو في مسند الإمام أحمد.


ولا بد أنه اشتغل بكتابة غيرها، فقد قال أبو هريرة.


"ما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب" .


وحسبنا هذا الحديث الذي أورده البخاري في باب العلم دليلا على ذلك.


وعرف عن ابن عباس أنه كتب الكثير من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته في ألواح كان يحملها معه في مجالس العلم، وكان تلميذه سعيد بن جبير يكتب عنه ما يلمي عليه، وظلت صحيفة ابن عباس معروف متداولة وتعاقب الناس على الرواية منها، والاستشهاد بها في كتب التفاسير، وإن لم تنقل هذه الصحيفة.


وقد جمع أبو هريرة صحفا كثيرة مما كتبه الصحابة "تلفت غالبا" وروى عنه تلميذه همام بن منبه صحيفة منها، ثم نسبت إليه، فقيل صحيفة همام، وهي في الحقيقة صحيفة أبي هريرة لهمام، وكان لهذه الصحيفة أهمية خاصة في تدوين الحديث، لأنها وصلت إلينا كاملة سالمة كما رواها ودونها همام عن أبي هريرة، وسماها صاحب كشف الظنون بالصحيفة الصحيحة، وهي برمقتها في مسند أحمد، وجاءت متفرقة بأبواب مختلفة في البخاري وغيره.


وذكر العلماء نرا من الصحابة الذين كتبوا الحديث سوى هؤلاء.


وهذه الأخبار في مجموعها تدل على بدء كتابة السنة في عهد رسول الله صلى


الله عليه وسلم وإن لم تكن كتابة جمع وتدوين.


ثبت في الصحيحين أنه لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب خطبه، فقام أبو شاة - رجل من اليمن - فقال: اكتبوا لي يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاة" .


وروى البخاري عن أبي جحيفة قال: "قلت لعلي" هي عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير ولا يقتل مسلم بكافر "."


وروى أحمد عن أبي الطفيل: سئل على رضي الله عنه، هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فقال: ما خصنا إلا ما كان من قراب سيفي هذا. فأخرج صحيفة كتب فيها: لعن الله من ذبح لغير الله.


وروى أحمد كذلك عن طارق بن شهاب: "رأيت عليا على المنبر يخطب، فسمعته يقول: والله ما عندنا كتاب نقرؤه عليكم إلا كتاب الله تعالى وهذه الصحيفة، فيها فرائض الصدقة" .


كما روي عن الحارث بن سويد: قيل لعلي رضي الله عنه: إن رسولكم كان يخصكم بشيء دون الناس عامة.... فأخرج صحيفة فيها شيء من أسنان الإبل.


وذكر ابن حجر في الإصابة، وابن عبد البر في الاستيعاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عمرو بن حزم الأنصاري على نجران. وكتب له كتابا فيه أحكام الطهارة والصلاة والغنيمة والصدقة، وكتاب الجراح والديات وغير ذلك.


وذكر أصحابس التراجم أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان كاتبا وأن مدوناته كانت تحمل في مخال، وقد بعثه أبو بكر رضي الله عنه إلى البحرين ساعيا وكتب له كتاب الصدقة ونصب الزكاة.


وقد ذكر الخطيب البغدادي في تقييد العلم الخلاف في الكتاب ونقل نصوص المنع، ونصوص الإباحة من الأحاديث المرفوعة والموقوفة، والآثار الواردة عن التابعين وأتباع التابعين، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى ذلك.


إجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم
ارتكزت دعوة رسولنا صلى الله عليه وسلم على توحيد الله، والبراءة من الشرك حتى يستقيم أمر البشرية على عبادة الله وحده، وتلك هي دعوة الرسل في موكب النبوة الذي أضاء للإنسانية جوانب حياتها، ومن شان هذه الدعوة أن تربي المؤمنين بها على الانقياد لما جاء عن الله أمرا ونهيا، وأن تبني الشخصية المؤمنة بناء سويا يهتدي بهدى الله، ويتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} ١.


ويتضح من النصوص والوقائع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أن شخصيته ذات جانبين: أحدهما: الجانب البشري، وهذا الجانب يجوز عليه صلى الله عليه وسلم فيه ما يجوز على غيره، والآخر: الجانب الذي يتميز به عن عامة البشر، وهو ما يتصل فيه بربه جلت عظمته من حيث إنه رسول كلف بتبليغ رسالة الله إلى الناس كافة.


وحرص رسولنا صلى الله عليه وسلم على تأكيد بشريته، وإن كان الوحي يتنزل عليه. ففي القرآن الكريم: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} ٢.


وحذر صلى الله عليه وسلم من غلو الناس فيه، روى البخاري عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:


١ الأحزاب: ٢١.


٢ الكهف: ١١٠.


"لا تطروني" كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله "ولم ينس هذا المعنى وهو يعالج سكرات الموت، روى مسلم عن جندب ابن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول:" إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك ". وفي رواية البخاري عن عائشة وابن عباس قالا:" لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا.


وقد اتفق العلماء على أن الأنبياء صلوات الله وسلامة عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله في تبليغ رسالاته، بخلاف غيرهم فإنهم غير معصومين.


أما العصمة في غير ما يتعلق بالتبليغ، فقد اختلف الناس فيها:


١- فذهب بعضهم إلى أنهم معصومون من الذنوب، لأن التأسي بهم مشروع. ولأن الذنوب تنافى كمالهم، وأولوا النصوص الدالة على وقوع الذنوب منهم تأويلا فاسدا.


وأجيب عما ذكروه بأن التأسي بهم مشروع فيما أقروه عليه دون ما نهوا عنه. وأن منافاة الذنوب للكمال إنما تكون مع البقاء عليها لا مع التوبة منها، فإن التوبة النصوح التي يقبلها الله تعالى ترفع صاحبها إلى أعظم مما كان عليه.


٢- وذهب جمهور العلماء إلى أنه قد يقع منهم الذنوب، ولكنهم معصومون من الإقرار عليها، لأنهم يبادرون إلى التوبة، والاستغفار، واستدلوا على ذلك بما جاء في القرآن الكريم من النصوص الكثيرة.


فقد قال تعالى في آدم: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} ١ ثم قال: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} ٢


١ طه: ١٢١.


٢- طه: ١٢٢.


وقال تعالى في نوح: {فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} ١ ثم قال على لسان نوح: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ٢.


وقال في يونس: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} ٣.


وقال في إبراهيم: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} ٤.


وقال في موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} ٥.


وقال في داود: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ، فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} ٦.


وقال في نبينا صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} ٧.


وتناول العلماء بالبحث موضوع اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم:


١- فذهب نفر منهم إلى أنه لا يجوز له الاجتهاد لإمكان استطلاع الحكم بالوحي.


٢- وذهب جمهورهم إلى أنه يجوز له الاجتهاد، وأنه يخطيء في اجتهاده ويصيب، ولكنه لا يقر على خطأ.


وهذا هو الذي تضافرت النصوص عليه في صور مختلفة.


أ- روى البخاري عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون


١ هود: ٤٦.


٢ هود: ٤٧.


٣ الأنبياء: ٨٧.


٤- الشعراء: ٨٢


٥ القصص: ١٦.


٦ سورة ص: ٢٤، ٢٥.


٧ التوبة: ٤٣.


قبلته قبل البيت "وفي رواية:" وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة "فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} ١ فتوجه إلى الكعبة."


ووجه الدلالة أنه عليه الصلاة والسلام رأي باجتهاده أحقية البيت الحرام بالتوجه إلى الصلاة، وبدأ اجتهاده في صورة رغبة وأمنية، فحققها له الله سبحانه وتعالى، وبذلك أصبح ما رآه بالاجتهاد مشروعا مقرا عليه من ربه.


ب- واستأذن بعض المنافقين النبي صلى الله عليه وسلم في التخلف عن غزوة تبوك فأذن لهم، دون أن يتبين أعذارهم، وعاتبه الله سبحانه وتعالى على إذنه لهم بذلك في قوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} ٢.


ووجه الدلالة أن العفو هو التجاوز عن الذنب والتقصير، وترك المؤاخذة، والمراد به هنا الإذن للمنافقين، وقد كان الإذن المعاتب عليه هنا إجتهادا منه صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه من الوحي، فدل هذا على أنه جائز في حق الأنبياء، وليسوا معصومبين من الخطأ فيه.


جـ- وروى البخاري وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد لما جرح وكسرت رباعيته، ورأي تمثيل الكفار بعمه حمزة سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية، فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} ٣.


ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم عندما دعا عليهم، وطلب من الله أن يلعنهم، كان ذلك عن اجتهاد منه، لكن لم يقره الله سبحانه وتعالى على اجتهاده فيما أوحى به إليه في الآية.


١ البقرة: ١٤٤.


٢ التوبة: ٤٣.


٣ آل عمران: ١٢٨.


د وفي حديث حرمة مكة عنبد البخاري لما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يعضد شوكها" قال العباس: يا رسول الله ... إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: "إلا ذخر" .


ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم باجتهاده في صيغة العموم قطع الإذخر، ثم عدل عن تحريمه إلى إباحته عندما ثبتت له الحاجة إليه فيما ذكره ابن عباس له.


هـ- وروى ابن أبي شيبسة والترمذي وحسنه، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: "لما كان يوم بدر جيء بالأساري، فقال أبو بكر: يا رسول الله.... قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ... كذبوك وأخرجوك وقاتلوك، قدمهم فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: انظر واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا، فقال العباس - وهو يسمع ما يقول: قطعت رحمك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا، فقال أناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناس: يأخذ برأي عمر. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين، وإن الله ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ١ ومثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام إذ قال: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} ومثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام إذ قال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} "٣ ثم قال صلى الله عليه وسلم:" أنتم عالة فلا ينفلتن أحد من الأسرى إلا بفداء أو ضرب عنق "فأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ... } إلى قوله: {عَظِيم} ٤."


١ المائدة: ١١٨.


٢ يونس: ٨٨


٣ نوح: ٢٦.


٤ الأنفال: ٦٧، ٦٨.


ويروى أحمد ومسلم من حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال: "لما أسر الأسارى يعني يوم بد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي وعمر:" ما ترون في هؤلاء الأسارى "؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون قوة لنا على الكفار، وعسى الله أن يهديهم للإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما ترى يا بان الخطاب "؟ فقال: لا والله، لا أرى الذي رأي أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم، فإن هؤلاء أئمة الك وصناديدها، فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، فلما كان الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان، قلت: يا رسول الله ... أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت، فقال صلى الله عليه وسلم:" أبكي للذي عرض لأصحابي من أخذهم الفداء، وقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة "- لشجرة قريبية منه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} إلى آخر الآيتين."


ووجه الدلالة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار الصحابة في أسرى بدر، واجتهد في أخذه برأي أبي بكر، ولم يكن ذلك الاجتهاد موافقا للصواب، فنزلت آيات العتاب.


و واخرج الترمذي والحاكم وابن حبان عن عائشة في نزول صدر سورة عبس قالت: "نزلت في ابن أم مكتوم الأعمى، قال: يا رسول الله أرشدني، وعند النبي صلى الله عليه وسلم ناس من وجوه المشركين منهم: أبو جهل، وعتبة ابن ربيعة، وغيرهما، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عن ابن أم مكتوم ويقبل على غيره، فنزلت: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى، كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} ١."


١ عبسى: ١- ١١.


ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتهد في الإعراض عن الأعمى عندما جاءه وهو مشغول بدعوة أكابر قريش إلى الإسلام، وقد لاحت له بارقة رجاء في إيمانهم بتحدثهم معه فعلم صلى الله عليه وسلم أن إقباله على الأعمى قد ينفرهم ويقطع عليه طريق دعوته، فقد كان يرجو بإيمانهم انتشار الإسلام في جميع العرب، ولم يكن يعلم حينئذ أن سنة الله في البشر أن يكون أول من يتبع الأنبياء والمصلحين فقراء الأمم وأوساطهم، دون الأكابر المجرمين المترفين الذين يرون في اتباع غيرهم ضعة بذهاب بأسهم، فعاتبه الله سبحانه وتعالى على ذلك.


ز- وأخرج البخاري أنه في غزوة "خبير" لما أمسى الناس في اليوم الذي فتحت عليهم - يعني خيبر - أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون" ؟ قالوا: على لحم، قال: "أي لحم" ؟ قالوا: الحمر الإنسية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهريقوها واكسروها" فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها، قال: "أو ذاك" .


ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذهم أولا بالأشد منعا لهم من أكلها اجتهادا منه، فلما سلموا بالحكم وأشار بعض صحابته بالاكتفاء بغسيل القدور بدلا من تكسيرها وتفويت منفعتها رخض لهم في غسلها وعدل عن اجتهاده الأول.


ذلك هو أصح ما ورد من وقائع دالة على اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلاف في المسألة مبسوط في علم الأصول، وللشيخ عبد الجليل عيسى مؤلف خاص في اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم نشرته دار البيان بالكويت.


وينبغي أن نذكر هنا أن تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم منها ما هو تشريعن ومنها ما ليس بتشريع.


١- فهناك أمور سبيلها التجربة والدربة في الحياة، والخبرة بأحوالها فيما اعتاده الناس - كشئون الزراعة والطب، فهذه يجتهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهاد غيره، ويخطيء ويصيب، وليست شرعا، ولذا قال في تأبير النخل: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" بعد أن نصح لهم بعدم تلقيحه اجتهادا منه، ثم تبين له خلاف ذلك، حيث لم يكن لديه معرفة بالزراعة والفلاحة.


ففي الصحيحين: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل، فقال:" لو لم تفعلوا لصلح "فخرج شيصا، فمر بهم فقال:" ما لنخلكم؟ " قالوا: قلت كذا وكذا، قال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" ."


وفي بعض الروايات أنه قال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر" .


٢- وهناك أمور أخرى سبيلها التدبير الإنساني اعتمادا على الظروف الخاصة، كتوزيع الجيوش في المواقع الحربية، وتنظيم الصفوف في الموقعة، واختيار أماكن النزول، وطرق الكر والفر، فهذه كذلك ليست شرعا يتعلق به طلب الفعل أو الترك، ولكنها من الشئون البشرية التي لا يكون مسلك الرسول صلى الله عليه وسلم فيها تشريعا ولا مصدر تشريع.


ومن ذلك ما رواه ابن كثير وابن الأثير وابن إسحاق من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في غزوة "بدر" على أدنى ماء من مياه "بدر" إلى المدينة، فأتاه الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح فقال: يا رسول الله ... أرأيت هذا المنزل؟ أهو منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "بل هو الرأي والمكيدة" ، فقال: يا رسول الله ... ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا، فتملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال له: "لقد أشرت بالرأي" وفعل كما قال.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

إن مؤسس الدراسا...

إن مؤسس الدراسات الصوتية عند العرب هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، وهذا الرأي لا جدال فيه فهو الذي وضع ...

This test is qu...

This test is quick and simple. It is one of the old tests for too-acid milk (PH...

لتعريفات أولاً:...

لتعريفات أولاً: مصطلح (ال ِّدين): ححح ح ح جج جح ح الدين فقيل: مالك يرلم الزاء ، و اللين : الطاع . ...

قرر المشرع أن ج...

قرر المشرع أن جميع الموقعين على الشيك مسؤولون جميعاً تجاه الحامل على وجه التضامن عن الوفاء بمبلغ الش...

- tact (MMC) be...

- tact (MMC) between partners on strategic alliance sur- vival is unclear, even though recent studie...

يقول الفقيه يحي...

يقول الفقيه يحيى بن هبيرة:[١] والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع الوقت هو من أثمن م...

صحابية جليلة، و...

صحابية جليلة، والدها الخليفة أبو بكر الصديق ، وَأُخْتُهَا أَم المؤمنينَ عَائِشَةُ ها، وابنها الصحابي...

واهل هذه الأوطا...

واهل هذه الأوطان أكثرهم صباحية الآغا ، يركبون معه أينما يتوجه ، وهم عسكره الخيالة ويتميزون على أخوان...

WHAT IS ENTERPR...

WHAT IS ENTERPRISE ARCHITECTURE? • Enterprise architecture (EA) is a conceptual blueprint that defin...

Le transport so...

Le transport solide: Une fois qu'on a pu statuer sur la mise en mouvement ou non de sédiments, il f...

### دور القدوة ...

### دور القدوة في تقدم الأجيال القدوة هي الشخص الذي يمثل نموذجًا يُحتذى به في السلوك والأخلاق والإن...

الجزائر هي إحدى...

الجزائر هي إحدى دول المغرب العربيّ، وتقع في شمال القارة الإفريقية، ولها سواحلٌ طويلةٌ على البحر الأب...