Lakhasly

نتناول في هذا المبحث بعض أوجه وأحكام سير العمل في النظام القضائي، تكريساً لبعض المبادئ التي تحكم أصول المرافعات والمحاكمات، فنتناول نظام الاستئناف والتشريعات ذات العلاقة به والترافع بالوكالة أمام المحاكم، ونعرض أيضاً لنظام الرسوم القضائية، ونظام العمل في سير جلسات المحاكم، وآلية تعيين القضاة واختيارهم، وأخيراً مدد سماع الدعاوى أمام المحاكم. ونبين هذه الموضوعات وفقاً لما يأتي.

أولاً : التأسيس لنظام الاستئناف القضائي:

كان النظام القضائي في أول عهده خاضعاً لسلطات المحاكم، ولم يكن هنالك نظام لاستئناف الأحكام القضائية الصادرة، فقد كان نظام التظلمات التي ترفع إلى نائب حاكم البحرين سمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة .. واستمر الوضع على هذا المنوال حتى أدخل نائب حاكم البحرين الشيخ حمد نظام استئناف الأحكام القضائية لأول مرة وفق مفهومه المعاصر، بحيث تقرر استئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم الصغرى أمام محكمة البحرين، وكان ذلك في عام 1932م .. وتم بموجبه رفع أحكام محاكم البحرين إلى الشيخ حمد في
الاستئناف، فاستأنف 12 حكماً أمامه . ويعد نظام الاستئناف في فقه قانون المرافعات أحد أهم مرتكزات العمل القضائي، ويعتبر تكريساً حقيقياً لمبدأ مهم وجوهري يحكم مرفق القضاء وهو المبدأ الشهير (التقاضي على درجتين). وبتكريس ذلك، أصدرت حكومة البحرين الإعلان رقم 8/1351 المؤرخ في 5 صفر ،1351ه ، وذكرت فيه نعلن للعموم أن المنهج الآتي قد وضع في حالة الاستئنافات من محاكم البحرين 1. الاستئنافات من محكمة البحرين الصغيرة ممكن تقديمها إلى المحكمة العدلية فقط، ورسم الاستئناف إلى المحكمة العدلية من المحكمة الصغيرة خمس روبيات على كل قضية.
2. الاستئنافات من مجلس التجارة أو من محاكم الشرع يجب أن تقدم إلى المحكمة العدلية التي سترفعها إلى الشيخ حمد والرسم على هكذا استئنافات يكون مبلغ عشر روبيات
3. الاستئنافات من المحكمة العدلية يجب أن تقدم بواسطة المحكمة العدلية إلى
الشيخ حمد والرسم على هكذا استئنافات خمسة عشر روبية. القوانين الآتية يجب أن تلاحظ في خصوص الاستئنافات
أ. سوف لا يعتبر الاستئناف بعد مرور شهر واحد من تاريخ حكم المحكمة النهائي.الذي عمل هذا الاستئناف ضده.
ج. سوف لا يعتبر الاستئناف إذا لم يعين طالب الاستئناف بوضوح على أي أساس يقدم استئنافه. ولا كفاية لأن يقول أنه ما حصل على حقوقه، أو أن حجته لم تسمع، أو أنه حكم عليه بالغلط بل يجب أن يعين حجة قاطعة حقيقية أو قانونية الذي بها يثبت استئنافه.

د. سوف لا يقبل الاستئناف الذي يُطلب فيه إحالة دعوى من محكمة إلى أخرى بعد أن أصدرت تلك المحكمة حكمها. وإذا قد استئناف ا فالدعوى سوف لا ترجع إلى المحاكم الأدنى، بل سوف تحققها محكمة الاستئناف نفسها أي الشيخ حمد» .

كما أعادت حكومة البحرين نشر هذا الإعلان بموجب إعلان آخر برقم العدد 35 / 1357 مع تغيير طفيف في الصياغات. ثُم أعيد نشر الإعلان مرةً أخرى مع تعديل بعض الصياغات خاصة فيما يتعلق بالشيخ حمد، حيث تم استبداله بعبارة (محكمة الاستئناف)، وذلك بموجب الإعلان رقم 35 | 1357 الذي حرر في 22 شوال 1357هـ الموافق 15 ديسمبر 1938م بأمر حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة

وفي سياق متصل مع مقتضيات قانون الاستئناف، يؤكد الشيخ حمد حاكم البحرين في إعلان أصدره أهمية سير القضايا في المحاكم من دون تأثيرات على القضاء من خارج نطاق المحكمة خاصة عندما كان يترأس محكمة الاستئناف وتؤول إليه الطعون على الأحكام، حيث يشير إلى أن أي تسويات ودفوع يجب أن تقدم من خلال الإجراءات القانونية وليس من خارج المحكمة، وذلك هو روح الإعلان رقم 49 / 1355 المؤرخ في 27 ذي القعدة 1355هـ الموافق 8 فبراير 1937م، الذي جاء تحت عنوان (محاكم البحرين، والذي نص على أنه: «ملحقا بالإعلان عدد 32/1341 المؤرخ في 8 ذي القعدة 1341هـ المتضمن إشعار الجمهور من خصوص قضايا الاستئناف
إنه عن أمري ليس لأحد من الأشخاص حق أن يتدخل في القضايا التي تجري في المحاكم غيري أنا حمد بن عيسى» ولن أقبل أية عرائض أو محادثات في
خصوص المقدمات الجارية في المحاكم في خارج المحكمة. يحق لجميع الأشخاص أن يستأنفوا قضاياهم بيد أنه يجب تقديم الاستئناف بطريقة الاستئناف القانونية وبواسطة محكمة البحرين يشمل هذا الإعلان جميع الأشخاص كما يشمل عائلة آل خليفة. ليكن معلوما .

تكريس النظام القانوني للترافع بالوكالة أمام المحاكم:

تشكل القوانين والتشريعات المنظمة للترافع بالوكالة أمام القضاء، في حقيقتها نواة لنشأة قانون المحاماة وفكرة المحاماة في الواقع البحريني، ونشير بادئ ذي بدء إلى أنه لم يكن يسمح لرعايا غير البحرين أن يمثلوا أمام محاكم البحرين كوكلاء، ولا يسمح إلا من منحوا رخصة للترافع بالوكالة أمام محاكم البحرين . وفي أول النظم التشريعية في تنظيم الترافع ،بالوكالة، أصدرت حكومة البحرين الإعلان رقم 13499-96 المؤرخ في 11 ربيع الأول 1349هـ بشأن شروط الترافع بالوكالة أمام محاكم البحرين، فذكر الإعلان أنه «نعلن للعموم أنه من تاريخ هذا الإعلان وفي المستقبل كل وكيل يتوكل في الدعاوى ولم يحسن القراءة والكتابة محكمة البحرين لن تقبل توكيله للإقامة دعوى موكله إلا الذين يحسنون الكتابة والقراءة من ذوي الديانة والأمانة. وذلك لأجل حفظ حقوق موكليهم ليكون معلوم

ثالثاً : نظام الرسوم القضائية:

يتقرر نظام الرسوم القضائية في مختلف النظم القانونية المتعلقة بأصول المرافعات والمحاكمات المدنية والقصد منه عادة قياس مدى جدية أطراف التداعي في الاختصام أمام المحكمة ووفقاً للنظام السائد في البحرين، قلنا سابقاً بأن الرسوم القضائية (وتسمى (الخدمة) في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة يفرضها القضاة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى يفرضها الأمراء أو أسياد السوق في مدن المنامة والمحرق وفي بعض الأحيان - كما هو الحال في القضايا الكبيرة - يفرضها الشيخ نفسه أما في القضايا الصغيرة فإن الشاكي (المدعي) عادة يدفع الخدمة على قيمة الحكم، ولكنه في بعض الأحيان يجبر على دفع  من المبلغ الذي يطالب به حتى ولو لم يحصل على مقدار الحكم كاملاً فإذا خسر الشاكي (المدعي) قضيته فإن الخدمة (الرسم القضائي) لا تسترد إلا إذا استردت مقدما، وفي القضايا الكبيرة يكون الشيخ عادة حريصا على أن يأخذ الخدمة مقدماً.
وقد اقتضى إعمال المرسوم الملكي البريطاني بشأن البحرين الصادر في 1913م والنافذ في 1919م، وبموجب المادة (70) تطبيق (لائحة رسوم المحاكم الهندية
لعام 1924م) والتي تنص بدورها على إعمال وتطبيق قانون رسوم المحاكم الهندي لعام 1870م على البحرين، وفي ذلك تبين الوثيقة الصادرة عن وزارة الخارجية البريطانية تحت عنوان (قواعد المحكمة بشأن البحرين هذا الأمر بشيء من التفصيل

واستمر هذا الأمر حتى تاريخ 25 شوال 1357هـ الموافق 18 ديسمبر 1938م، حين صدر الإعلان رقم /37/1357 من حكومة البحرين حول رسوم المحاكم، وجاء في

الإعلان ما يلي: يعاد بهذا نشر المواد المشروحة في إعلان حكومة البحرين عدد 48/1356 المؤرخ في 18 رجب 1356 الموافق 23 سبتمبر 1937م. تؤخذ رسوم المحاكم على جميع الدعاوى

في إدارة المحكمة وهي كما يلي:

1. 
   

   يؤخذ رسم قدره سبعة ونصف في المائة من الألف لغاية عشرة آلاف روبية ومن ثم يقل الرسم بحسب زيادة المبلغ.

   
   


2. 
   

   يؤخذ نفس الرسم المذكور في المادة الأولى على قضايا التركات والإفلاس عند انتهاءها بنسبة ما يتحصل بواسطة المحكمة.

   
   


3. 
   

   يؤخذ رسم قدره ثلاث روبيات على الدعاوى العائلية كالطلاق وغيره

   
   


4. 
   

   يؤخذ الرسم على دعاوى الإرث والنفقات والأملاك بتقدير قيمة الدعوى حال تقديم العرضحال، وتؤخذ قيمة الرسم عند انتهاء القضية بموجب الحكم.

   
   


5. 
   

   تعامل دعاوى الاعتراضات في إدارة الطابو بنفس الطريقة المذكورة في المادة الرابعة
   6 يؤخذ رسم قدره ثلاث روبيات على جميع دعاوى الغوص باستثناء الاستيفاء.

   
   


6. 
   

   يؤخذ رسم قدره اثنان في المئة على دعاوى استيفاء الغوص.

   
   

رابعاً : نظام العمل في جلسات المحاكم:

نتناول في هذا المقام، نظام سير العمل في جلسات المحاكم في البحرين وتكريس مبدأ علنية المحاكمة، وتنظيم الاحضاريات والتبليغ القضائي، وذلك وفقا لما يلي. (1) سير أعمال الجلسات القضائية
يصف مستشار حاكم البحرين وعضو محكمة البحرين الكبرى (تشارلز بلكريف) في مذكراته كيفية إدارة جلسات المحاكمة - وهو ما يعرف بقواعد أصول المحاكمات - بقوله حين تبدأ المحاكمة يعلو صوت الشرطي منادياً: إلزموا الهدوء في المحكمة. عندها يصمت الجميع وتبدأ الجلسة بثلاثة فناجين من القهوة، لكل واحد منا أي من القضاة. ثم ننظر في ملفات القضايا المقدمة من كاتب المحكمة وينادي الكاتب على اسم المدعي، ويردد الشرطي الواقف بالباب الإسم، وهكذا تبدأ الجلسات

ويشير (بلكريف) إلى أحد أعوان القضاة، حيث كان كاتب العدل) الذي يقوم وقتها بالجلوس على الطرف ويقوم بتدوين وتسجيل أقوال الشهود والمتهمينويستطرد بقوله: كنت أنا وقاضيان عربيان نجلس على مقاعد جلدية حمراء على منصة وهناك حاجز يفصل بيننا وبين قاعة المحكمة وخلفنا يوجد شعار البحرين، وهو العلم الخليفي معلقا على الجدار، وأمامنا كراسي خشبية طويلة يجلس عليها حوالي 30 شخصاً من عامة الحضور.

(2) تكريس مبدأ علانية المحاكمة ترسخ في ظل التشكيل الجديد للمحاكم إبان فترة حكم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مبدأ قانوني مهم يحكم مرفق القضاء، وهو مبدأ (علانية المحاكمة حيث يروي (بلكريف) في مذكراته أنه « في المحكمة الجديدة، خصصت مقاعد للأهالي كان الجميع يتسابقون للجلوس عليها في صباح يوم الأثنين المخصص للقضايا الهامة. وكان هناك عدد ثابت من الحضور جميعهم من أصحاب السوابق الذين اعتادوا الحضور لسماع الأحكام الموجهة ضد أصدقاء لهم ما يزالون في السجن!». ويضيف (بلكريف) بشكل واضح أنه «بعد افتتاح المحكمة الجديدة اقترحت أن نسمح لعامة الناس بحضور الجلسات، فوافق زملائي القضاة على هذا الاقتراح».

(3) تكريس فكرة «الصلح القضائي» تنقضي الدعوى أمام المحاكم بطريقين، إما بصدور حكم أو من خلال الاتفاق، وقد تم ترسيخ مبدأ انقضاء الدعوى بالاتفاق (أي ما يُعرف بالصلح القضائي)، فقد ذكر (بلكريف) بأن «القضايا التي ننظر فيها عادية وسهلة. ولكن تتدخل فيها أمور مالية وأوراق ثبوتية لا تعرض مع الأوراق الرئيسية للقضية الأمر الذي يجعل من القضايا البسيطة قضايا معقدة، ولكنها في معظم الأحيان

(4) تنظيم إحضاريات المحاكم

يهدف نظام الاحضاريات القضائية إلى تحقيق مبدأ قانوني مهم وهو (مبدأ المجابهة بين (الخصوم)، فلا يتحقق عنصر المجابهة ورد الحجة بالحجة إلا من خلال إبلاغ الخصم بوجود دعوى قضائية مرفوعة ضده تتطلب حضوره للمحاكم، وفي تكريس هذه المبادئ المهمّة في أصول المحاكمات، أصدرت حكومة البحرين إعلانا برقم 17 / 373 - 1347 مؤرخا في 1 جمادى الأول 1347هـ الموافق 15 أكتوبر 1928م، ذكرت فيه تنظيم الاحضاريات ذكرت فيه: «نعلن للعموم الناس رعايا البحرين الذين ترسل لهم نواتيس الاحضاريات من تاريخ هذا الإعلان وفي المستقبل يجب على كل من يصحح في الاحضارية أن يحضر في المحكمة العدلية أو المحكمة الشرعية أو مجلس التجارة على الوقت المعين هو بنفسه أو وكيله الشرعي - إلا الذين عندهم عذر مرضي- وأما الذي يتأخرون عن الحضور في الوقت المذكور في الاحضارية بدون مرض فالمحكمة تجازيهم على ذلك ليكون معلوم

كما أصدر حاكم البحرين الشيخ حمد آل خليفة إعلاناً تحت رقم 18/1359 المؤرخ في 23 جمادى الثانية 1359هـ الموافق 28 يوليو 1940م، يتعلق بمدة سماع دعاوى الإرث في المحاكم، والذي نص على أنه: من خصوص الإعلان الصادر بتاريخ 23 جمادى الثانية 1347 عدد 653-17 المتعلق بشأن الأنظمة المتبعة في تحديد مدة سماع الدعاوى فإننا نعلن الإضافة الآتية وستكون نافذة المفعول ابتداء من تاريخ هذا الإعلان (وأما دعاوى الإرث فإن العشر سنوات تبدأ من التاريخ الذي به يبلغ المدعي سن الرشد ولكن للمحكمة الحرية في قبول دعاوى الإرث التي تكون فيها المدة أكثر من عشر سنوات ابتداء من سن الرشد بشرط أن المحكمة تقتنع بأنه ليست لدى المدعي فرصة تقديم دعواه قبل ذلك. ومن خصوص الاعلان الصادر بتاريخ 26 شعبان 1356 عدد 51 المتعلق بشأن الاستئناف - ابتداء من تاريخ هذا الإعلان فانه يمكن أن يقدم الاستئناف على جميع الأحكام الصادرة من محكمة البحرين بقطع النظر عن مقدار المبلغ المحكوم به أو الغرامة المقرر ليعلم