Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (Using the clustering technique)

بعـد انهيـار الإمبّاطوريـة الرومـانيـة في غرب أوروبا واجتيـاح البّابرة الجرمـان غرب أوروبا تغير المجتمع الأوروبي تغيرا أس ـاس ـيا، كان له أثره الكبير على الحياة الاجتماعية والاقتص ـادية والعس ـكرية والس ـياس ـية. ومن جراء الهجرات الجرمانية إلى جوف أوروبا أص ـبحت مدن أوروبا غير آمنة على نفس ـها، ولذلك انتقل أعيان المدن إلى قص ـورهم في الريف وأحـاطوا أنفس ـهم بأتبـاعهم وأعوانهم، يضاف إلى ذلك تواجد بعض الأديرة التي كان رهبانها يزرعون الأرض ويش ـتغلون ببعض الص ـناعات اليدوية. ومع عـدم إمكان الاتص ـال بين المدن والقری س ـع  الأعيان إلى الاكتفاء الذاتي داخل القرية وبدأت الض ـياع تص ـنع العديد من البض ـائع التي كانت تشـتريها من المدينة، ودولة القوط الش ـرقيون في إيطاليا بقيادة ملكها ثيودريكTheuderic   )493-526م( على س ـبيل المثال نجد أن الملوك الميروفنجيين ومن بعدهم الملوك الكارولنجيين أخذوا يؤجرون أو يمنحون قوادهم وموظفيهم مس ـاحات من الأرض أصـبحت شـبه مسـتقلة، ومن هنا أقام هؤلاء الأعيان الذين يطلق عليهم البارونات بالإضافة إلى الأساقفة أو رؤساء الأديرة نظاما محليا في المناطقة الخاصـة بهم، وقد تقبل الأهال هذا النظام عن طيب خاطر طالما أصـبح هذا النظام هو الكفيل بحمايتهم مما يحيط بهم من أخطـار. وقـد واكـب هـذه العمليـة قيـام الفلاحين ببنـاء منـازلهم بالقرب من قص ـر البارون الحصـين أو الدير المنيع، ويجب ألا يغيب عنا أن هؤلاء الناس الذين خضعوا للسادة الإقطاعيين كانوا رجالاأحرارا لم يعودوا قادرين على حماية أنفسهم، وكان من عادة الس ـادة الإقطاعيين أن يمنحوا أتباعهم قطعة من الأرض بعقد لفلاحتها ولهؤلاء السـادة حق اسـترداد هذه الأرض متى شـاءوا . وهكذا كان الإقطاع هو خضـوع الفرد اقتصـاديا وعسـكريا إلى رجل أرفع منه منزلة مقابل الحماية العسـكرية، والأحرار هم البـارونات ورجال الدين والجنود النظاميين ومعظم التجار والصـناع وأصـحاب المهن، وأخيرا الفلاحين الذين يملكون أرضأ ولا يرتبطون بأي سيد إقطاعي إلا قليلا. وكان هؤلاء الأحرار من القلة بحيث لم يتجاوز عددهم ربع الأهال في غرب أوروبا. كـانـت كلمـةServus  اللاتينيـة تطلق على رقيق الأرض والعبيـد ولكن هـذا اللفظ تطورمع مض ـي الزمن وتحول إلى كلمةSerf  لتقابل رقيق الأرض وكلمةSlave  أي العبد. أو من الص ـبيان الصـغار وكذلك البنات الذين يتم خطتهم من البلاد الإسـلامية أو اليونان أو البلاد الممتدة على س ـواحل آس ـيا الغربية والبحر الأس ـود وشمال إفريقيا. ثم دفع الجشع هؤلاء التجار إلى بيع آلاف الأطفال المسيحيين الذين كونوا حملة الأطفال في عام ۱۲۱۲ م إلى البلاد الإس ـلامية في الش ـام ومص ـر وشمال إفريقيا. وإذا كـان البـابا جريجوري الأولGregory1   )590-604م( قـد أعتق إثنين من عبيـده وقـال أن للنـاس جميعـا الحق الطبيعي في الحرية، كما أنه حرم على العبيد أن يص ـبحوا رجال دين أو يتزوجوا من نس ـاء مس ـيحيات أحرار. ومفرد الأقنـان )قن( وهو الرجـل الفلاح الـذي يعيش على قطعـة من الأرض يمنحها إياه أو يملكها له الس ـيد الإقطاعي، وكان هذا القن يمتلك هذه الأرض أو تؤجر له مدى الحياة مقابل أن يمنحه السـيد الإقطاعي حمايته العسـكرية، وفي نظير ذلك يؤدي لـه القن أج را س ـنويا من الغلال أو العمـل أو المـال. والقن مربوط بهـذه الأرض ولا يملـك حريـة الانتقـال منهـا، وإذا مـات هـذا القن فلا تنتقل قطعة الأرض إلى ورثته إلا بموافقة السيد الإقطاعي. وإذا كانت هذه الأسـس الرئيسـية التي تقام عليها العلاقة بين السـيد الإقطاعي والقن فهناك روابط أخرى تربط القن بالس ـيد الإقطاعي وبالأرض الممنوحة له . لذلك فض ـل القن البقاء في وسـ ط مجموعة وأرض مولد وترب  فيها وعمل بها. فإن جماعات الأقنان عاش ـت فيالأرض الممنوحـة لهم أجيـالا بعـد أخرى دون طرد أو حرمـان. والواقع إنه من الأفضل للسيد الإقطاعي الجديد أن يش ـتري الأرض وما عليها من الأقنان الذين أص ـلحوها وأفلحوها وبإمكانهم التعامل معها بكل سهولة.  ويمكن القول على ض ـوء ما س ـبق أن علاقة القن بالس ـيد الإقطاعي كانت ذات ش ـقين: فهي تبعية اقتص ـادية، ولكن هذا المفهوم تغير مع الزمن حيث أص ـبح من الجائز أن يكون هناك إرتباط شـخصـي فقط بين القن والسـيد الإقطاعي دون أن يكون لـدى القن أي قطعـة من أرض الس ـيـد الإقطـاعي. وأص ـبح القن الـذي يرتبط بالأرض منفصـلا عن القن الذي يؤدي واجبات معينة للسـيد الإقطاعي مثل الحراسـة أو العمل في مخبز السيد الإقطاعي أو طاحونته أو غير ذلك من الأعمال المرتبطة بالزراعة. مع الأخذ في الاعتبار أن الحالة الجديدة لم تشـمل كل الأقنان بل ظلت جهات كثيرة تسـير طبقا للأوضـاع القديمة من الجمود والظلم حتى بداية التاريخ الحديث. وحتى نتفهم الحـالـة الواقعيـة للأقنـان فيجـدر بنـا أن نعـدد الواجبـات الإقطـاعيـة التي كـان على الأقنان أن يؤدوها للسيد الإقطاعي ومن أهم هذه الواجبات:  وعلى القن أن يـدفع كـل عام جزءأ من غلاته وماش ـيته تص ـل إلى حدود العش ـر، وكان القن في هذه الأيام يقوم بالأعمال العامة مثل إقامة الجس ـور أو تقطيع أش ـجار الغابات أو تجفيف المس ـتنقعات، ومن المس ـلم به إن على القن أن يطحن حبوبه ويخبز خبزه ويعصـر نبيذه عند السـيد الإقطاعي مقابل مبلغ محدد، وإذا اقتضـى الأمر وكان للقن قضـية فعليه أن يرفعها أمام محكمة السـيد الإقطاعي مقابل رسـوم معينة تختلف حسـب نوع القض ـية . ويلاحظ أنه لم يسمح للأقنان ببيع ما يفيض منهم إلا بعد ما يفرغ السيد الإقطاعيمن بيع ما عنده بأس ـبوعين، وعلى القن أن يدفع غرامة معينة إذا أرس ـل ابنه للمدرس ـة أوليلتحق بالكنيسة لأن الضيعة سوف تخسر هذه القوة البشرية. ورغم هـذا كلـه فقـد ظـل الأقنان حتى القرن الثالث عش ـر الميلادي ينظرون إلى الس ـيد الإقطاعي نظرة إعجاب وربما نظرة الحب في بعض الأحيان باعتباره المدافع الأول عنهم ضد أخطار الزمان. وإذا ألقينا نظرة على الحياة العامة للفلاح نكون قد أوضـحنا صـورة كافية عن حياة الأقنان في تلك المرحلة، وبداية نقول أن الفلاح كان يسـكن كوخا من الخشـب يعلوه سـقف كان من الخش ـب غالبأ، أما عن ملابس القن أو الفلاح فقد كان قميص ـا من القماش أو جلد الحيوان وعليه س ـترة من الص ـوف أو من الجلد وس ـروالا، وإنه يتحمل كل هذا من أجل حياته وحياة أس ـرته وحياة الس ـيد الإقطاعي والآخرين الذينيعيشون حوله. وعاش مع أقرانه في القرية حياتهم البس ـيطة يجتمعون في المناس ـبات وأيام الأعياد والأحاد في س ـاحة القرية أو الكنيس ـة. وعلينا أيض ـا أن نعرف أنه كان أميا غير مثقف ليس لديه معرفة عن ش ـيء س ـوى الزراعة وأعمال القرية التي تكفل له الحياة التي اقتنع بها. وكـان مهـددا إمـا بحريق أو قحط أو مجـاعـة تأتي على كوخـه أو حيواناتـه أو مزروعـاتـه مثلا تعرضـت فرنسـا لقحط أهلك الزرع والنسـل، وكانت ش ـخص ـية العمدة من الأهمية داخل القرية فهو الذي ينس ـق نش ـاط الفلاحين الزراعي، كما تخصـص البعض في الأعمال اليدوية فنجد الحداد ودابغ الجلود والنجار الذي يصـنع أثاث المنزل والأكواخ وصـانع العربات والقصـار والصـباغ والبناء والسـروجي وصـانع الأحذية وغير ذلك من الأشياء التي يحتاجها المنزل القروي على فترات متباعدة. يترك أحدها للراحة ولا يزرع أما القس ـمان الآخران فقد كان أحدهما يزرع شـعيرا أو شـوفانا والآخر يزرع قمحا. وتولى موظفو القرية تسـليم كـل قطعـة أو أكثر إلى أحـد الفلاحين لزراعتهـا طبقـا للخطـة الموض ـوعـة، وكـان الفلاحون جميعا يتولون العملية الزراعية من حرث وبذر ورعاية وحصـاد متعاونين قانعين بهذه الحياة. فإذا ما فرغ الفلاحون من هذه الأعمال أو ربما أثناءها كان عليهم أن يقوموا بقطع الأشـجار ورعي الماشـية، ثم تطور الأمر واس ـتخدموا الحص ـان بعد ما ص ـنعت الأطواق الجلدية التي س ـاعدته على الجر دون مش ـقة حتى أنه كان يحرث في اليوم أض ـعاف ما يحرثه الثور. والألعـاب الرياض ـيـة مثـل كرة القـدم والمص ـارعـة والهوكي أو رفع الأثقال  . وتزاور الفلاحون لبعض الوقت في الأمس ـيات تناولوا فيها الخمر والحديث عن متاعبهم أو مس ـراتهم، وبهذا الصـراع والكد المتواصـل أطعم هؤلاء الفلاحين أنفسـهم وأوروبا كلها بما عليها من السـادة الإقطاعيين والجنود العاملين ورجال الدين، ووس ـعوا نطاق الحض ـارة بما اكتس ـبوه من معرفة أتـت إليهم من المس ـلمين، ويض ـاف إلى هؤلاء الفلاحين جمـاعـات الرهبـان الـذين أقـاموا أديرتهم في أراض نائيـة ثم مـا لبثوا أن زرعوا مـا حولهـا ودافعوا عنهـا بالحرب في بعض الأوقـات،

  • النمو والنضج الإقطاعي: اس ـتغرقت عملية النمو الإقطاعي حوال قرنين من الزمان هما القرنين التاس ـع والعاش ـر الميلادي وذلك وسط اضطرابات اجتماعية واسعة وأحداث سياسية صاخبة، وبمعنَ آخر أن الدولة الكارولنجية لم تتمكن من القض ـاء على فكرة المحليـة وإنمـا مـا أمكنهـا القيـام بـه هو وقف بنـاء التطور نحو المحليـة في مرحلـة قص ـيرة ولعله في البداية. فـإنـه بعـد وفـاة شـارلمان وما أعقبه من إهمال مسـتمر في الإدارة المركزية بالإضـافة إلى اشـتداد غارات أهل الشـمال في الشـمال والمسـلمين في الجنوب على جزيرة صـقلية وجنوب إيطاليا كان كافيا بل دافعا لتثبيت دعائم الحكم الإقطاعي في مراحل لاحقة وهي مراحل النضج الإقطاعي. ومن ذلك قيام أودوOdo  ونتباريس بالـدفـاع عن المـدينـة عنـدمـا هـاجمهـا الش ـمـاليون في عـامي ۸۸۹- ۸۸۷ م، وفي هذه المرحلة أيض ـا نجد امتلاك الأرض أص ـبح مصـاحبا لحق امتلاك الحكم والس ـلطان فاندمجت الأرض بالسـلطان، حتى صـارت هذه التعهدات هي القاعدة التي س ـارت عليها أمور الحكم ومتطلبات الأمن والحياة. ونش ـأ عص ـر من الأرس ـتقراطية مالكة الأرض دام إلى عص ـر الانقلاب الصناعي وإلى ما بعده في بعض المناطق الأوروبية. ولما كان هذا السـيد المالك قد أطلق عليه أسماء مختلفة في أنحاء أوروبا منها السـيدLord  والإيرلEarl  وتعني المسـتشـار في إنجلترا، وإذا كانت هناك واجبات تجاه الفلاحين للس ـيد الإقطاعي وهي ما س ـبق أن ذكرناها مثل اس ـتخدام معاص ـر وافران الس ـيد المالك وغير ذلك فإن بعض الملاك كان رحيما وعامل رجاله معاملة طيبة ولم يثقل عليهم في الواجبـات الملقـاة على كـاهلهم، وكان للمالك أيضـا سـلطات قضـائية وعسـكرية في أراضـيه، ولذلك لم تكن هذه المحاكم ظالمة بالص ـورة التي يمكن أن نتخيلها عن العص ـور الوس ـطى، فإن الوثائق تش ـير إلى لجوء رقيق الأرض لهذه المحاكم لانص ـافهم، حتى يمكن القول أن هذه المحاكم أعطت هؤلاء الأرقاء مزيدا من الحريات وإن كانت بطيئة حتى حررت في النهاية كل رقيق الأرض، وكان هذا المسـكن محاط بسـور تقع داخله الأسـطبلاتوالمخازن والمخبز ومس ـاكن الخدم وكنيس ـة ص ـغيرة وغير ذلك من لوازم الحياة. وكـان الطـابق الثـاني هو الطـابق الرئيس ـي حيـث تعقـد محكمة الس ـيد الإقطاعي في القاعة الرئيس ـة، ويلحق بهـذه القـاعـة غرفـة واحـدة لجلوس الأس ـرة ونومهـا عنـدمـا يحين وقـت النوم،


Original text

نشأة الإقطاع:
بعـد انهيـار الإمبّاطوريـة الرومـانيـة في غرب أوروبا واجتيـاح البّابرة الجرمـان غرب أوروبا تغير المجتمع الأوروبي تغيرا أس ـاس ـيا، وإن كان بطيئا، كان له أثره الكبير على الحياة الاجتماعية والاقتص ـادية والعس ـكرية والس ـياس ـية. ومن جراء الهجرات الجرمانية إلى جوف أوروبا أص ـبحت مدن أوروبا غير آمنة على نفس ـها، ولذلك انتقل أعيان المدن إلى قص ـورهم في الريف وأحـاطوا أنفس ـهم بأتبـاعهم وأعوانهم، وكـان على رأس هؤلاء الأعوان الفلاحين والعسكريين، ومن هنا قامت وحدات اقتصادية دفاعية شبه مستقلة في الريف، يضاف إلى ذلك تواجد بعض الأديرة التي كان رهبانها يزرعون الأرض ويش ـتغلون ببعض الص ـناعات اليدوية.
 
 ومن جراء الغارات الجرمانية أيض ـا أن الطرق لم تعد ص ـالحة لما أص ـابها من التخريب أو الإهمال، فتوقف تبادل الس ـلع بين المدن فوس ـدت التجارة واض ـمحلت الص ـناعة، وقلت إيرادات الـدولـة، وعجزت الحكومـة المركزيـة عن الوفـاء بالتزامـاتهـا تجـاه الش ـعـب. ومع عـدم إمكان الاتص ـال بين المدن والقری س ـع  الأعيان إلى الاكتفاء الذاتي داخل القرية وبدأت الض ـياع تص ـنع العديد من البض ـائع التي كانت تشـتريها من المدينة، وأص ـبح أعيان الريف يعيشـون عيشـة الترف، وكونوا أرسـتقراطية إقطاعية، وتطور الحال وأصـبح للأعيان محا مهم الخاصة وجيوشهم للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم.
 وبعـدمـا أقـام الجرمـان دولا في غرب أوروبا مثـل الـدولـة الميروفنجيـة التي أس ـس ـهـا الملـك كلوفيسClovis   )482- 511م(، ودولة القوط الش ـرقيون في إيطاليا بقيادة ملكها ثيودريكTheuderic   )493-526م( على س ـبيل المثال نجد أن الملوك الميروفنجيين ومن بعدهم الملوك الكارولنجيين أخذوا يؤجرون أو يمنحون قوادهم وموظفيهم مس ـاحات من الأرض أصـبحت شـبه مسـتقلة، ووراثية لهؤلاء القواد أو الموظفين بسـبب ضـعف هؤلاء الملوك، وأيض ـا بس ـبب غارات المس ـلمين والنورمان، وعجز الحكومات المركزية عن حماية بعض الأراضي خاصة النائية منها.
ومن هنا أقام هؤلاء الأعيان الذين يطلق عليهم البارونات بالإضافة إلى الأساقفة أو رؤساء الأديرة نظاما محليا في المناطقة الخاصـة بهم، كما أقاموا محاكم خاصـة للفصـل في المنازعات، هذا بالإض ـافة إلى نظام عس ـكري للدفاع عن أراض ـيهم . واحتاجت القرية إلى الفرس ـان لمواجهة الفرس ـان الذين يهاجمونها، ولذلك تش ـول جهاز المدافعين عن القرية من كل من يملك حصـانا، وأصـبح هؤلاء الفرسـان طبقة وسـطى بين الفلاحين والبارونات. وقد تقبل الأهال هذا النظام عن طيب خاطر طالما أصـبح هذا النظام هو الكفيل بحمايتهم مما يحيط بهم من أخطـار. وقـد واكـب هـذه العمليـة قيـام الفلاحين ببنـاء منـازلهم بالقرب من قص ـر البارون الحصـين أو الدير المنيع، وقدموا ولاءهم وخدماتهم إلى الإقطاعي الذي بسـط حمايتهعليهم. ويجب ألا يغيب عنا أن هؤلاء الناس الذين خضعوا للسادة الإقطاعيين كانوا رجالاأحرارا لم يعودوا قادرين على حماية أنفسهم، فعرضوا جهودهم على رجل قوي نظير حمايتهموإطعامهم. وكان من عادة الس ـادة الإقطاعيين أن يمنحوا أتباعهم قطعة من الأرض بعقد لفلاحتها ولهؤلاء السـادة حق اسـترداد هذه الأرض متى شـاءوا . وهكذا كان الإقطاع هو خضـوع الفرد اقتصـاديا وعسـكريا إلى رجل أرفع منه منزلة مقابل الحماية العسـكرية، داخل تنظيم اقتصادي عماده القرية.
 
وعلى ذلـك يمكن القول أن الإقطـاع هو مرحلـة واقعيـة فرض ـتهـا الحوادث على المجتمع الأوروبي في العص ـور الوس ـطى، وكان الدافع إلى قيام هذا النظام هو الاس ـتعاض ـة عن الحكومـات المركزيـة البعيـدة عن مجتمع القريـة، بالإض ـافـة إلى حـاجـة القريـة إلى الأمن والاس ـتقرار التي عجزت عن تقديمه الحكومات المركزية لض ـعفها. ومن الملاحظ أن هذا النظـام لم ينش ـأ في جميع بلاد أوروبا في وقـت واحـد، ومن هنـا جـاء اختلاف النظـام الإقطاعي بين بلدان أوروبا وإن كان بينهما جميعا تشابه عام.
وكـان المجتمع الإقطـاعي يتكون من العبيـد، ورقيق الأرض والأحرار. والأحرار هم البـارونات ورجال الدين والجنود النظاميين ومعظم التجار والصـناع وأصـحاب المهن، وأخيرا الفلاحين الذين يملكون أرضأ ولا يرتبطون بأي سيد إقطاعي إلا قليلا. وكان هؤلاء الأحرار من القلة بحيث لم يتجاوز عددهم ربع الأهال في غرب أوروبا.
 
 
 



  • العبيد:
    كـانـت كلمـةServus  اللاتينيـة تطلق على رقيق الأرض والعبيـد ولكن هـذا اللفظ تطورمع مض ـي الزمن وتحول إلى كلمةSerf  لتقابل رقيق الأرض وكلمةSlave  أي العبد.
    وكان معظم العبيد في أوروبا يتكونون من أس ـرى المس ـلمين أو الص ـقالبة، أو من الص ـبيان الصـغار وكذلك البنات الذين يتم خطتهم من البلاد الإسـلامية أو اليونان أو البلاد الممتدة على س ـواحل آس ـيا الغربية والبحر الأس ـود وشمال إفريقيا. وكان يتم بيع هؤلاء للعمل في الزراعة أو الخدمة المنزلية أو غير ذلك.
    ولقد راجت تجارة العبيد في إيطاليا بصـفة خاصـة، وكان هؤلاء التجار يقومون بهذا العمل في البـدايـة باعتبـار أن هـذا العمـل يعتبّ انتقـامـا عـادلا لغـارات المس ـلمين على الأراض ـي المسيحية. ثم دفع الجشع هؤلاء التجار إلى بيع آلاف الأطفال المسيحيين الذين كونوا حملة الأطفال في عام ۱۲۱۲ م إلى البلاد الإس ـلامية في الش ـام ومص ـر وشمال إفريقيا. وراجت هذه التجارة في الشرق كثيرا واشتهر أصحابها بتجار المماليك.
    والحقيقة إن نظام التعامل مع العبيد هو نظام قديم وليس وليد العصـور الوسـطى. وفي ظل نظام العصور الوسطى ساعدت نظم الكنيسة على إباحة استرقاق المسلمين والوثنيين، وإن كـانـت قـد حرمـت بيع الأس ـرى المس ـيحيين إلى المس ـلمين. وإذا كـان البـابا جريجوري الأولGregory1   )590-604م( قـد أعتق إثنين من عبيـده وقـال أن للنـاس جميعـا الحق الطبيعي في الحرية، إلا أنه ظل يسـتخدم المئات من العبيد في ضـياع البابوية، كما أنه حرم على العبيد أن يص ـبحوا رجال دين أو يتزوجوا من نس ـاء مس ـيحيات أحرار. وكان الأرقاء الذين يعملون في الض ـياع البايوية يحرمون من تو ريث ما يملكونه لأحد، بل كان ما يملكونه يصـبح ملكا للكنيسـة. . ولكن اسـترقاق الكنيسـة للعبيد قد انتهى تقريبا مع نهاية القرن الحادي عشر الميلادي.
    ومما شجع على الاسترقاق داخل أوروبا أن بعض الفلاسفة أمثال توماس الأكويني قد فسرالاسـترقاق بأنه نتيجة لخطيئة آدم، وأنه وسـيلة اقتصـادية في محيط يكد فيه البعض ليمكنواالآخرين من الـدفـاع عنهم. ورغم هـذا كلـه فقـد تطورت عمليـة الاس ـترقـاق وأخـذت فيالاضـمحلال بسـبب التطورات الاقتصـادية، فقد اتضـح للجميع أن الإنسـان الذي يعمل تحت العبودية أقل إنتاجا من الإنسـان الذي يعمل في ظل الحرية. ومن هنا اضـمحل نظام الاسترقاق وأن احتفظ السادة بعبيدهم بعد أن حرروهم للعمل في ضياعهم.

  • الأقنان:
    الأقنـان أو عبيـد الأرض، ومفرد الأقنـان )قن( وهو الرجـل الفلاح الـذي يعيش على قطعـة من الأرض يمنحها إياه أو يملكها له الس ـيد الإقطاعي، وكان هذا القن يمتلك هذه الأرض أو تؤجر له مدى الحياة مقابل أن يمنحه السـيد الإقطاعي حمايته العسـكرية، وفي نظير ذلك يؤدي لـه القن أج را س ـنويا من الغلال أو العمـل أو المـال. والقن مربوط بهـذه الأرض ولا يملـك حريـة الانتقـال منهـا، وللمـالـك أن يطرده منهـا متى ش ـاء، وإذا مـات هـذا القن فلا تنتقل قطعة الأرض إلى ورثته إلا بموافقة السيد الإقطاعي.
    وإذا كانت هذه الأسـس الرئيسـية التي تقام عليها العلاقة بين السـيد الإقطاعي والقن فهناك روابط أخرى تربط القن بالس ـيد الإقطاعي وبالأرض الممنوحة له . فمن المعروف أيض ـا أنه إذا تزوج القن أو رزق بمولود فعليه أن يؤدي مبلغا معينا رمزا لتبعيته للسـيد الإقطاعي. كما أن القن كان مثل السلعة يباع ويشتري حسبما يري السيد الإقطاعي.
    والحقيقة أنه رغم هذه الروابط التي تبدو قاسـية، فإن القن نفسـه لم يفضـل ترك الأرض لأنها المورد الوحيد لكس ـب عيش ـه، وإذا انتقل إلى إقطاعي آخر فالحال كما هو، لذلك فض ـل القن البقاء في وسـ ط مجموعة وأرض مولد وترب  فيها وعمل بها. كما لم يكن من السـ هل أيض ـا على الس ـيد الإقطاعي أن يطرد أقنانه من الأرض؛ لأن هذه الأرض س ـوف تص ـبحعـديمـة الفـائـدة إذا لم يوجـد من يفلحهـا، والأرض هي التي تُـد الس ـيـد الإقطـاعي بالغلالوالمال، والأقنان هم الذين يفلحون أرضه الخاصة ويقدمون له الخدمات الأخرى.
    ولما كانت المنافع متبادلة بين الس ـيد الإقطاعي والقن، فإن جماعات الأقنان عاش ـت فيالأرض الممنوحـة لهم أجيـالا بعـد أخرى دون طرد أو حرمـان. وهنـاك نقطـة أخرى تحتـاج إلى مزيد من الإيضاح، وهي أن القن كان يمباع ويمشترى مع الأرض نفسها. بمعنَ أن الإقطاعي إذا أراد بيع أرضـه فإن الأرض تباع بمن عليها من الأقنان، وتشـبه هذه الحالة حال الشـركة التي تباع، فإن ملكية الشـركة وما بها من عمال تنتقل إلى المشـتري الجديد. وليس في ذلك دفاعا عن الإقطاع ولكنه تشبيه على سبيل المثال. والواقع إنه من الأفضل للسيد الإقطاعي الجديد أن يش ـتري الأرض وما عليها من الأقنان الذين أص ـلحوها وأفلحوها وبإمكانهم التعامل معها بكل سهولة.
     ويمكن القول على ض ـوء ما س ـبق أن علاقة القن بالس ـيد الإقطاعي كانت ذات ش ـقين: فهي تبعية اقتص ـادية، وعبودية ش ـخص ـية. ولكن هذا المفهوم تغير مع الزمن حيث أص ـبح من الجائز أن يكون هناك إرتباط شـخصـي فقط بين القن والسـيد الإقطاعي دون أن يكون لـدى القن أي قطعـة من أرض الس ـيـد الإقطـاعي. وأص ـبح القن الـذي يرتبط بالأرض منفصـلا عن القن الذي يؤدي واجبات معينة للسـيد الإقطاعي مثل الحراسـة أو العمل في مخبز السيد الإقطاعي أو طاحونته أو غير ذلك من الأعمال المرتبطة بالزراعة. 
    ولقـد اس ـتمر حـال الأقنـان على هـذه الحـالـة حتى القرنين الحـادي عش ـر والثـاني عش ـر الميلاديين، ثم تطورت الأحوال - وإن كـان تطورا بطيئـا- فقـد أص ـبح بالإمكـان أن يحرر القن نفسـه مقابل دفع مبلغ من المال، أو إذا أطلق السـيد الإقطاعي سـبيله. وقد وجدت عوامل س ـاعدت على تحرير الأقنان، فقد جدت أراض ـي كثيرة ص ـالحة للزراعة بعد ردم المس ـتنقعات أو إزالة بعض الغابات. وكان الس ـادة الذين تولوا أمر هذه الأرض الجديدةيقـدمون مغرياتكثيرة للأقنـان الراغبين في الانتقـال إلى الأرض الجـديـدة، ومن هنـا انحلـتالتبعية الجامدة بين الأقنان والس ـيد الإقطاعي، مع الأخذ في الاعتبار أن الحالة الجديدة لم تشـمل كل الأقنان بل ظلت جهات كثيرة تسـير طبقا للأوضـاع القديمة من الجمود والظلم حتى بداية التاريخ الحديث.
    وحتى نتفهم الحـالـة الواقعيـة للأقنـان فيجـدر بنـا أن نعـدد الواجبـات الإقطـاعيـة التي كـان على الأقنان أن يؤدوها للسيد الإقطاعي ومن أهم هذه الواجبات: 
    كان القن يؤدي بعض الض ـرائب النقدية كل عام هي ض ـريبة الرأس، وهي ض ـريبة ص ـغيرة تدفع للسـيد الإقطاعي ويؤديها بدورة إلى الحكومة، وضـريبة أخرى هي نفقة يقررها السـيد الإقطـاعي مرة أو أكثر في العـام وتـدفع في الوقـت الـذي يحـدده، وعلى القن أن يـدفع كـل عام جزءأ من غلاته وماش ـيته تص ـل إلى حدود العش ـر، كما يفرض على القن أن يعمل لدى السـيد الإقطاعي بعض أيام السـنة مسـخرا بدون أجر، وكانت هذه الأيام تصـل إلى حوال ثلاثة أيام في الأسـبوع في معظم أيام العام، وكان القن في هذه الأيام يقوم بالأعمال العامة مثل إقامة الجس ـور أو تقطيع أش ـجار الغابات أو تجفيف المس ـتنقعات، وكان عدد هذه الأيام يزيد أيام مواس ـم الحرث أو الحص ـاد، ويلاحظ أن هذه الس ـخرة كانت تفرض على رجل واحد في الأس ـرة الواحدة، ومن المس ـلم به إن على القن أن يطحن حبوبه ويخبز خبزه ويعصـر نبيذه عند السـيد الإقطاعي مقابل مبلغ محدد، وإذا اقتضـى الأمر وكان للقن قضـية فعليه أن يرفعها أمام محكمة السـيد الإقطاعي مقابل رسـوم معينة تختلف حسـب نوع القض ـية . وعلى القن أن ينض ـم فورا إلى جنود الس ـيد الإقطاعي إذا ما طلب منه ذلك. وكان القن يجامل السـيد الإقطاعي بالهدايا القيمة إذا أصـبح ابن السـيد الإقطاعي فارسـا، وإذا قام القن ببيع بعض ما يزيد عنده، فعليه أن يقدم للس ـيد الإقطاعي ض ـريبة مقابل ذلك، ويلاحظ أنه لم يسمح للأقنان ببيع ما يفيض منهم إلا بعد ما يفرغ السيد الإقطاعيمن بيع ما عنده بأس ـبوعين، وعلى القن أن يدفع غرامة معينة إذا أرس ـل ابنه للمدرس ـة أوليلتحق بالكنيسة لأن الضيعة سوف تخسر هذه القوة البشرية.
    واختلفت الواجبات التي فرض ـت على الأقنان من مكان إلى آخر . ويمكن القول إن رقيق الأرض في هـذه العص ـور قـد عـانوا الكثير من البؤس والحرمـان. ورغم هـذا كلـه فقـد ظـل الأقنان حتى القرن الثالث عش ـر الميلادي ينظرون إلى الس ـيد الإقطاعي نظرة إعجاب وربما نظرة الحب في بعض الأحيان باعتباره المدافع الأول عنهم ضد أخطار الزمان.
    ومن أشـهر ما عاناه الأقنان حرب الوراثة التي تقع على الأرض إذا مات صـاحبها دون ابن أو إبنة، لذلك كان الأقنان يلحون على سـيدهم بالزواج إذا ماتت زوجته حتى لا يتعرضـون لمثل هذه الحروب.
    وإذا ألقينا نظرة على الحياة العامة للفلاح نكون قد أوضـحنا صـورة كافية عن حياة الأقنان في تلك المرحلة، وبداية نقول أن الفلاح كان يسـكن كوخا من الخشـب يعلوه سـقف كان من الخش ـب غالبأ، ولذلك إذا اش ـتعلت النار في أحد الأكواخ أتت عليه تُاما. وكان هذا الكوخ يتكون من غرفة واحدة وربما كان من إثنين ليس أكثر. وبداخل هذا الكوخ وجدت حشـية كبيرة على الأرض لينام عليها القن وأسـرته. وبعض الأدوات المنزلية التي تفي بغرض الحيـاة . وكـانـت الخنـازير والـدواجن تعيش في الفنـاء الممتـد أمـام المنزل، وبالقرب من هـذا الكوخ كان يوجد فناء مسور للأبقار والخيول.
    أما عن ملابس القن أو الفلاح فقد كان قميص ـا من القماش أو جلد الحيوان وعليه س ـترة من الص ـوف أو من الجلد وس ـروالا، ويض ـع في قدميه حذاء عاليا أو نص ـف عاليا. وكان القن وزوجته يكدحان من بزوغ الشمس حتى غروبها. ورغم هذا كله فقد كان هذا القن لا يعتبّ نفسه مظلوما مغلوبا على أمره، بل تصور نفسه بطلا يفلح الأرض، قويا صبورا، وإنه يتحمل كل هذا من أجل حياته وحياة أس ـرته وحياة الس ـيد الإقطاعي والآخرين الذينيعيشون حوله.
    وعاش الفلاح على طعام كان يتكون من البيض ومنتجات الألبان والخضـر وبعض اللحوم والخبّ الأس ـود، وعاش مع أقرانه في القرية حياتهم البس ـيطة يجتمعون في المناس ـبات وأيام الأعياد والأحاد في س ـاحة القرية أو الكنيس ـة. وعلينا أيض ـا أن نعرف أنه كان أميا غير مثقف ليس لديه معرفة عن ش ـيء س ـوى الزراعة وأعمال القرية التي تكفل له الحياة التي اقتنع بها. لذلك س ـيطرت عليه الخرافات، ولكنه كان مقتنعا بأن الموت آت لا ريب فيه. وكـان مهـددا إمـا بحريق أو قحط أو مجـاعـة تأتي على كوخـه أو حيواناتـه أو مزروعـاتـه مثلا تعرضـت فرنسـا لقحط أهلك الزرع والنسـل، كما تعرضـت إنجلترا في الفترة من ۱۰۸6 - ۱۱۲۰ م حتى اض ـطر الأهـال إلى أكـل الخيول. لـذلـك كـان هـذا الفلاح أو القن عنيفـا قاسيا.
     

  • القرية الإقطاعية:
    تكونت القرية الإقطاعية من مجموعة من الفلاحين بعض ـها من الأقنان والبعض الآخر من أنص ـاف الأحرار والأحرار. وكان هؤلاء الفلاحين يبنون أكواخهم حول قص ـر أو قلعة السـيد الإقطاعي للاحتماء به، لذلك كانت هذه الأكواخ متقاربة من بعضـها داخل أسـوار القريـة من أجـل الأمـان. وكـان يس ـكن هـذه القريـة أيض ـا بعض العـاملين لـدى الس ـيـد الإقطاعي، وكانت ش ـخص ـية العمدة من الأهمية داخل القرية فهو الذي ينس ـق نش ـاط الفلاحين الزراعي، ويتم اختياره بمعرفة الفلاحين، وهو الذي يتوسـط بين الفلاحين والسـيد الإقطاعي إذا لزم الأمر.
    وكـان هؤلاء الفلاحين يلتقون في س ـوق القريـة في فترات محـددة لتبـادل مـا فـاض منهم منالس ـلع، وبـذلـك عملـت القريـة على الاكتفـاء الـذاتي بين النـاس . فقـد كـان الفلاح ينتج بنفسـه ما يحتاجه من الخضـر واللحم، وكان يغزل صـوفه أو  تانه بنفسـه أو بمسـاعده أفراد أسـرته . كما تخصـص البعض في الأعمال اليدوية فنجد الحداد ودابغ الجلود والنجار الذي يصـنع أثاث المنزل والأكواخ وصـانع العربات والقصـار والصـباغ والبناء والسـروجي وصـانع الأحذية وغير ذلك من الأشياء التي يحتاجها المنزل القروي على فترات متباعدة. 
     
    وقامت القرية الإقطاعية أسـاسـا على الزراعة، وكانت أرض قرية العصـور الوسـطى الصـالحة للزراعة تقس ـم إلى ثلاثة أقس ـام، يترك أحدها للراحة ولا يزرع أما القس ـمان الآخران فقد كان أحدهما يزرع شـعيرا أو شـوفانا والآخر يزرع قمحا. ثم يتم تقسـيم كل قسـم من الذي سـيزرع إلى مسـاحات صـغيرة يفصـل بينهما شـريط غير مزروع. وتولى موظفو القرية تسـليم كـل قطعـة أو أكثر إلى أحـد الفلاحين لزراعتهـا طبقـا للخطـة الموض ـوعـة، وكـان الفلاحون جميعا يتولون العملية الزراعية من حرث وبذر ورعاية وحصـاد متعاونين قانعين بهذه الحياة.  وبالإض ـافة إلى ذلك، فإذا ما فرغ الفلاحون من هذه الأعمال أو ربما أثناءها كان عليهم أن يقوموا بقطع الأشـجار ورعي الماشـية، وجمع الكلأ. وكان تسـميد الأرض يتم بحرق بقايا النبات والأعشاب الضارة.
    وكان عدد من الفلاحين يسـاهمون في شـراء محراث واحد أو زحافة لاسـتخدامها في أغراض الزراعة؛ وذلك لعدم وجود قدرة ش ـرائية لدى كل فلاح لش ـراء ما يحتاجه من مثل هذه الأدوات. واس ـتخدموا الثور لجر هذه الأدوات باعتباره أقل نفقة من الحص ـان، ثم تطور الأمر واس ـتخدموا الحص ـان بعد ما ص ـنعت الأطواق الجلدية التي س ـاعدته على الجر دون مش ـقة حتى أنه كان يحرث في اليوم أض ـعاف ما يحرثه الثور. وقد اس ـتفاد الأوروبيون منالمسلمين وأدخلوا السواقي في العمليات الزراعية.
     
      واعتبّت الكنيسة أن العمل يوم الأحد يعتبّ إثما كبيرا، لذلك انتظر الفلاحون يوم الأحد للترفيه عن أنفسـهم . وكان هؤلاء الفلاحين يبدأون هذا اليوم بالصـلاة في كنيسـة القرية ثم ينطلقون للغنـاء والرقص، والألعـاب الرياض ـيـة مثـل كرة القـدم والمص ـارعـة والهوكي أو رفع الأثقال  .كما تس ـلي الفلاحون بمش ـاهدة مص ـارعة الديوك أو الثيران . وتزاور الفلاحون لبعض الوقت في الأمس ـيات تناولوا فيها الخمر والحديث عن متاعبهم أو مس ـراتهم، وبهذا الصـراع والكد المتواصـل أطعم هؤلاء الفلاحين أنفسـهم وأوروبا كلها بما عليها من السـادة الإقطاعيين والجنود العاملين ورجال الدين، ووس ـعوا نطاق الحض ـارة بما اكتس ـبوه من معرفة أتـت إليهم من المس ـلمين، وإن مـا نراه الآن في أوروبا الحـديثـة هو من جهـدهم وكـدهم وعرقهم بل ومن دمائهم. فكانت معركة طويلة احتاجت إلى صبّ وأناة، شارك فيها الفلاح وزوجتـه وأولاده . ويض ـاف إلى هؤلاء الفلاحين جمـاعـات الرهبـان الـذين أقـاموا أديرتهم في أراض نائيـة ثم مـا لبثوا أن زرعوا مـا حولهـا ودافعوا عنهـا بالحرب في بعض الأوقـات، وأقـاموا المدارس داخل هذه الأديرة، ونسـخوا المخطوطات، فأضـافوا إلى ما قام به الفلاحون عملا حضاريا خدم البشرية كلها في المراحل اللاحقة.
     

  • النمو والنضج الإقطاعي:
    اس ـتغرقت عملية النمو الإقطاعي حوال قرنين من الزمان هما القرنين التاس ـع والعاش ـر الميلادي وذلك وسط اضطرابات اجتماعية واسعة وأحداث سياسية صاخبة، والمعروف أن هـذا النظـام نتج عن عوامـلكثيرة أهمهـا حركـة التطور العـام نحو اللامركزيـة، وإن هـذه الحركـةص ـاحبت مرحلة انهيار الإمبّاطور الرومانية في غرب أوروبا وتدفق العناص ـر الجرمانية علىأوروبا وسيطرتهم على بعض الأقاليم والاستقرار بها.
    وفي ختام هذه الحركة التي يمكن الإشـارة إليها بسـقوط دولة اللمبارديون في إيطاليا على يد ش ـارلمان عام774م، نجد أن شـ ارلمان هذا نمصـ ب في بداية الدولة الكارولنجية ما سـ اعد على نمو العملية الإقطاعية، وبمعنَ آخر أن الدولة الكارولنجية لم تتمكن من القض ـاء على فكرة المحليـة وإنمـا مـا أمكنهـا القيـام بـه هو وقف بنـاء التطور نحو المحليـة في مرحلـة قص ـيرة ولعله في البداية. ولكن ما قام به شارلمان من تفويض للسلطة المركزية لنوابه في الأقاليم كان مما مهد السـبيل إلى المحلية مرة أخرى. وليس ذلك فحسـب بل أن نظام الوراثة الذي سـار عليه الملوك الكارولنجيين والذي ينص على تقسـيم الدولة بين أولادهم من بعدهم، كما أن براءات الإعفاء التي جعلت بعض الأراض ـي بعيدة عن التدخل المركزي في الأعمال المالية والقضـائية، يضـاف إلى ذلك أنه بعد وفاة شـارلمان عجزت الدولة المركزية عن اتخاذ سـياسـة مركزية ضد غارات أهل الشمال على أراضي الإمبّاطورية الكارولنجية.
     
    وإذا كـان ش ـارلمـان قـد حـاول جـاهـدا فرض الس ـلطـة المركزيـة على البلاد، فـإنـه بعـد وفـاة شـارلمان وما أعقبه من إهمال مسـتمر في الإدارة المركزية بالإضـافة إلى اشـتداد غارات أهل الشـمال في الشـمال والمسـلمين في الجنوب على جزيرة صـقلية وجنوب إيطاليا كان كافيا بل دافعا لتثبيت دعائم الحكم الإقطاعي في مراحل لاحقة وهي مراحل النضج الإقطاعي.
    وتُت عملية النض ـج الإقطاعي في القرنين الحادي عش ـر والثاني عش ـر الميلادي، حيث نلاحظ أن الحكومـة المركزيـة أص ـبحـت ش ـبـه معـدومـة، وأن ولاء النـاس قـد تحول من الحكومـات المركزيـة إلى بعض النبلاء المحليين، بعـد فش ـل قيـام الحكومـات المركزيـة بـدور ملحوظ في الـدفـاع أو لخـدمـة المواطنين. وهؤلاء النبلاء المحليين هم الـذين تحملوا عـبءالمس ـؤولية في الأراض ـي التي كانت - تحت أيديهم، ومن ذلك قيام أودوOdo  ونتباريس بالـدفـاع عن المـدينـة عنـدمـا هـاجمهـا الش ـمـاليون في عـامي ۸۸۹- ۸۸۷ م، وعجزالملك شارل السمين) ۸۸۸ - ۸۸۷ م( عن الدفاع عن المدينة.
    وفي هذه المرحلة أيض ـا نجد امتلاك الأرض أص ـبح مصـاحبا لحق امتلاك الحكم والس ـلطان فاندمجت الأرض بالسـلطان، وقامت العلاقات بين صـاحب الأرض ومن يعيش على هذه الأرض، وارتبطت العلاقات بتعهدات مشـتركة والتزامات متبادلة بين الطرفين، حتى صـارت هذه التعهدات هي القاعدة التي س ـارت عليها أمور الحكم ومتطلبات الأمن والحياة. ومن ذلـك يتض ـح أن النظـام الإقطـاعي قـد قـام بين الحكومـة المركزيـة واللامركزيـة، لأن النظـام الملكي ظل في وضع هزيل لا يمكنه مواجهة الأحداث.
    وفي عصـر اكتمال النظام الإقطاعي أصـبح المجتمع كله على شـكل هرم قمته الإمبّاطور أو الملك ويليه إلى أسـفل كبار البارونات أو الأفصـال، ثم يلي هؤلاء جماعة أقل نفوذا وهكذا حتى نصـل إلى أسـفل القاعدة حيث العبيد والأقنان . ويلاحظ أن هذا التنظيم لم يبدا من أعلى إلى أسـفل أو من أسـفل إلى أعلى بل تكون جميعه معا حتى أصـبح الجسـد الإقطاعي مس ـتقيم الأجزاء، ونش ـأ عص ـر من الأرس ـتقراطية مالكة الأرض دام إلى عص ـر الانقلاب الصناعي وإلى ما بعده في بعض المناطق الأوروبية.

  • الدومين والبارون:
     يرى البعض أن ـه ليس هن ـاك ف ـارق بين ال ـدومين والب ـارون، لأن الكلم ـة اللاتيني ـة Dominuis تعني السـيد المالك، ولما كان هذا السـيد المالك قد أطلق عليه أسماء مختلفة في أنحاء أوروبا منها السـيدLord  والإيرلEarl  وتعني المسـتشـار في إنجلترا، والنبيل أو البـارونBaron  أو الـدوجDoge.   فمعنَ ذلـك أن كـل هـذه الألقـاب لا تبعـد كثيرا عنكلمـة الس ـيـد المـالـك في درجـات مختلفـة . ولكن مـا تم التعـارف عليـه هو أنكلمـةالدومين أصـبحت تعني ما تحت يد السـيد الإقطاعي من أراضـي، وقد تكون قطعة واحدةأو عدد من القطع مبعثرة هنا وهناك في مس ـافات يتمكن الس ـيد الإقطاعي من الس ـيطرةعليها.
    والمهم هنا أن البارون أو مالك الأرض كان يتحمل ثلاث مهام رئيسـة، أولا، أن يوفر كافة وسـائل الدفاع العسـكري عن الأراضـي التي يملكها وما عليها من الأهال. ثانيا، أن ينظم ويهتم بكافة الشـؤون الزراعية والصـناعية والتجارية في المنطقة التي يمتلكها. ثالثا، أن يكون في خدمة سـيده الأعلى منه مرتبة في درجات السـلم الإقطاعي. وإذا كانت هناك واجبات تجاه الفلاحين للس ـيد الإقطاعي وهي ما س ـبق أن ذكرناها مثل اس ـتخدام معاص ـر وافران الس ـيد المالك وغير ذلك فإن بعض الملاك كان رحيما وعامل رجاله معاملة طيبة ولم يثقل عليهم في الواجبـات الملقـاة على كـاهلهم، بـل أن البعض أيض ـا كـان يفتح أبواب قلعتـه أو قص ـره للفقراء أيام الأعياد لإطعامهم، كما اهتم كثيرا بكافة الأمور التي من ش ـأنها زيادة منتجات الأرض بما يحقق ذلك فائضا للمالك وأهل القرية.
     
    وكان للمالك أيضـا سـلطات قضـائية وعسـكرية في أراضـيه، وكانت هذه المحاكم تتكون من قض ـاء كانوا من أرقاء الأرض، ولذلك لم تكن هذه المحاكم ظالمة بالص ـورة التي يمكن أن نتخيلها عن العص ـور الوس ـطى، فإن الوثائق تش ـير إلى لجوء رقيق الأرض لهذه المحاكم لانص ـافهم، حتى يمكن القول أن هذه المحاكم أعطت هؤلاء الأرقاء مزيدا من الحريات وإن كانت بطيئة حتى حررت في النهاية كل رقيق الأرض، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
    ولما كان الس ـيد الإقطاعي يمتلك قطعة من الأرض يمكن أن نطلق عليها الض ـيعة أو القرية أو يمتلك أكثر من قرية، فقد كان يعين وكيلا يشـرف على هذه القرى كلها، وكان يعين في كل قرية ناظر أو مأمور. وكان السـيد الإقطاعي نفسـه يقيم في قصـر أو قلعة، ويحيط بهذاالقص ـر أو القلعة خندق عريض عميق يملأ بالماء إذا لزم الأمر، ويقام جس ـر متحرك لربطالقلعة أو القصـر بالناحية الأخرى. وكان هذا المسـكن محاط بسـور تقع داخله الأسـطبلاتوالمخازن والمخبز ومس ـاكن الخدم وكنيس ـة ص ـغيرة وغير ذلك من لوازم الحياة. وفي حالةالخطر يسرع سكان الق رية إلى داخل هذا السور لطلب الحماية.
    وكان الحص ـن أو البّج الذي يتخذه الس ـيد الإقطاعي س ـكنا له مكونا من ثلاثة طوابق، ولكنه كان مظلما خاصـا في الشـتاء قليل النوافذ، يضـاء بالمشـاعل أو الشـموع. وكان كل طـابق عـادة عبـارة عن غرفـة واحـدة. وكـان الطـابق الثـاني هو الطـابق الرئيس ـي حيـث تعقـد محكمة الس ـيد الإقطاعي في القاعة الرئيس ـة، وبعد أعمال المحكمة تتحول القاعة إلى غرفة طعـام. ويلحق بهـذه القـاعـة غرفـة واحـدة لجلوس الأس ـرة ونومهـا عنـدمـا يحين وقـت النوم، توضع حشيات على الأرض أو على أسرة منخفضة.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

يعتبر فول الصوي...

يعتبر فول الصويا من المحاصيل الغذائية والصناعية الهامة على المستوى العالمي نظراً لاحتواء بذوره على ن...

Traffic Padding...

Traffic Padding: inserting some bogus data into the traffic to thwart the adversary’s attempt to use...

السلام عليكم ور...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اليوم ذهب إلى دورة القرآن وتعلمت القرآن ثم عدت إلى منزلي ومكتبي قلي...

يجمع نظام التكا...

يجمع نظام التكاليف بجوار المحاسبة على الفعليات،التوفيق في ظروف حدوثها وأسبابها ومدى الكفاءة في التنف...

نطاق البحث يركز...

نطاق البحث يركز هذا البحث على تحليل الأطر القانونية والمؤسساتية لعدالة الأحداث، مع دراسة النماذج الد...

نفيد بموجب هذا ...

نفيد بموجب هذا الملخص أنه بتاريخ 30/03/1433هـ، انتقل إلى رحمة الله تعالى المواطن/ صالح أحمد الفقيه، ...

العدل والمساواة...

العدل والمساواة بين الطفل واخواته : الشرح اكدت السنه النبويه المطهرة علي ضروره العدل والمساواة بين...

آملين تحقيق تطل...

آملين تحقيق تطلعاتهم التي يمكن تلخيصها بما يلي: -جإعادة مجدهم الغابر، وإحياء سلطانهم الفارسي المندثر...

Network archite...

Network architects and administrators must be able to show what their networks will look like. They ...

السيد وزير التر...

السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب. قدم السيد مح...

حقق المعمل المر...

حقق المعمل المركزي للمناخ الزراعي إنجازات بارزة ومتنوعة. لقد طوّر المعمل نظامًا متكاملًا للتنبؤ بالظ...

رهف طفلة عمرها ...

رهف طفلة عمرها ١٢ سنة من حمص اصيبت بطلق بالرأس وطلقة في الفك وهي تلعب جانب باب البيت ، الاب عامل بسي...