Online English Summarizer tool, free and accurate!
يرتبط هذا التعليق البسيط بالالتزامات التي يرتبها عقد الكراء المنصب على عقار بالنسبة للطرف المكتري واساسا بدفع الوجيبة الكرائية تطبيقا لمقتضيات الفصل663 من قانون الالتزامات والعقود (1). كما انه نظم بكيفية صريحة مسالة مكان دفع تلك الوجيبة، وخاصة بالنسبة للمكان الذي يجب ان تدفع فيه الوجيبة الكرائية بالنسبة للعقارات المكرية، لم يضع حدا للمشاكل التي يمكن ان تثار أمام القضاء بهذا الخصوص. انه يمس عن قرب مفهوم التماطل الذي قد يجعل ـ في حالة ثبوته ـ المكتري فاقدا للحق في البقاء بالعين المؤجرة، فالقاعدة العامة ان المكتري الذي يتقاعس عن ادء الوجيبة الكرائية في وقتها المحدد يعد متماطلا من الناحية القانونية، غير ان تطبيق هذه القاعدة على اطلاقها قد ينتج عنه أحيانا ظلم يمتد إلى المكتري يصعب، فان المشرع قد احاط المسالة ببعض التنظيم، وانما عمل على تطويره بكيفية غير منظمة، أولا : احكام التماطل في قانون الالتزامات والعقود وقد قسم المشرع الباب أعلاه إلى اربعة فروع يهمنا الأول منها الذي خصص لمطل المدين. وفيما يتعلق بهذا الموضوع الأخير بالذات، فقد نص المشرع في الفصل254 ق أ ع على ما يلي: " يكون المدين في حالة مطل اذا تاخر عن تنفيذ التزاماه كليا أو جزئيا من غير سبب" ونص في الفصل255 من نفس القانون على انه: " يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الاجل المقرر في السند المنشئ للالتزام. الا بعد ان يوجه إليه او إلى نائبه القانوني إنذار بوفاء الدين، 2. تصريحا بأنه اذا انقضى هذا الاجل، فان الدائن يكون حرا في ان يتخذ ما يراه مناسبا ازاء المدين. ويستفاد من كل ما سبق بيانه من احكام، ان المدين يصير متماطلا كلما تاخر عن تنفيذ الالتزام الذي يقع عليه والذي حل اجله كليا أو جزئيا من غير التمسك بسبب مشروع ومقبول (3). لا يعد المدين في حالة مطل الا بعد إنذاره بالكيفية المنصوص عليها ضمن مقتضيات الفصل 255 أعلاه. ومتى كان الالتزام عبارة عن مبلغ من النقود، وهذا المكان لا يخرج حاليا عن صندوق المحكمة الابتدائية (4). وانما اضاف إليها اخرى ضمن الأحكام المتواجدة في قانون الالتزامات والعقود نفسه والمخصصة لعقد كراء الاشياء باعتباره من ابرز العقود المسماة فهكذا، وبعدما قرر الفصل 664 من نفس القانون ان المكتري يلتزم قانونا بدفع الوجيبة الكرائية المتخلفة في ذمته في الاجل الذي يحدده العقد أو العرف المحلي أو عند نهاية الانتفاع بالعين المؤجرة. نص الفصل692 على انه : " للمكري فسخ الكراء مع حفظ حقه في التعويض ان اقتضى الامر: ثانيا : احكام التماطل في الأنظمة الخاصة وفي نفس الاتجاه، والملاحظ كذلك ان الفصل12 من ظهير25 دجنبر1980 لا يختلف في جوهره مطلقا عن الفصل11 من ظهير24 ماي1955 الا من حيث المجال الذي يحكم كلا منها (6). أ- هناك موقف قديم نسبيا يقضي بانه يحق للمكري إذا ما أراد ان يقاضي المكتري من اجل التماطل في اداء الوجيبة الكرائية ان يختار بين المسطرة التي يتضمنها قانون الالتزامات والعقود أو تلك التي تتضمنه النصوص الخاصة الموجودة اما بظهير 24 ماي1955 واما في ظهير25 دجنبر1980، ب- وهناك موقف حديث نسبيا يتمسك بقوة بالقاعدة الاصولية التي تقضي بان الحكم الخاص يقيد الحكم العام عند التعارض، ولعل من غرائب الامور في هذا الصدد ان تجتمع غرفتان للمجلس الأعلى ـ وهما الغرفة الإدارية والغرفة المدنية ـ لحل هذا الاشكال فيتمخض هذا الاجتماع عن قرار مبدئي يجنح إلى الموقف الثاني الذي يقضي بان النص الخاص يقيد النص العام، وبالتالي استبعاد تطبيق قانون الالتزامات والعقود بكيفية مطلقة بهذا الخصوص(9). ومنها ما يتمسك بقاعدة ان الخاص يقيد العام عند التعارض. يتمسك احيانا بقاعدة ان الكراء مطلوب لا محمول وخاصة متى اثارها المكتري كشرط أولي للبت في وجود التماطل من عدمه، اذ المسالة اصلا لا علاقة لها بالنظام العام. فما المقصود اذن بهذه القاعدة، وما هو سندها القانوني، ثالثا : قاعدة الكراء مطلوب لا محمول وسندها القانوني هذه القاعدة غير منصوص عليها بكيفية صريحة في القانون وانما قد استنتجها القضاء من مقتضيات الفصل666 من قانون الالتزامات والعقود والتي تقضي بما يلي : " يدفع الكراء بالنسبة إلى العقارات في المكان الذي توجد فيه العين المكتراة" وبالنسبة إلى المنقولات في مكان ابرام العقد، انما يجب ان تدفع حيث توجد العين المكتراة ـ وهو غالبا موطن المكتري ـ مع العلم بان هذه القاعدة وكما سبق بيانه، وبالتالي فيمكن دائما تقييدها عن طريق الاتفاق بين المكري والمكتري. وقد استنبط القضاء المغربي عموما والمجلس الأعلى على وجه الخصوص من مقتضيات الفصل666 أعلاه قاعدة عامة قريبة شيئا ما من محتوى ذلك الفصل، وهذه القاعدة هي ما يعبر عنها عادة بان الكراء يطلب من المكري ولا يحمل إليه، فالمكري هو المكلف دائما بالتوجه إلى حيث المكتري ومطالبته بالوجيبة الكرائية التي حل اجلها، ولا تثريب على المكتري ان هو لم يحملها إليه ولو حل اجلها، ما لم يلزمه عقد الكراء أو عقد لاحق اخر بذلك بكيفية صريحة. نذكر منها على سبيل المثال: جاء في قرار للمجلس الأعلى : عندما تصرح المحكمة بفسخ عقد الكراء وبالافراغ بعلة ان المكتري يعترف بعمارة ذمته ولم يدل ما يثبت انه كان يعرض الكراء على المكري فانها تكون قد خرقت هذه المقتضيات" (12). وجاء في قرار اخر لنفس المجلس: " يؤدى الكراء بالنسبة للعقارات في المكان الذي توجد به العين ما لم يوجد شرط يقضي بخلاف ذلك (الفصل666 من ظ أ ع) وعلى المكري ان يتقدم إلى المكتري بطلب أداء كرائه واذا امتنع وجه إليه إنذارا بذلك ليصبح في حالة مطل. فان اعتباره في حالة مطل لمجرد انه لم يؤد الكراء لعدة شهور يعد خرقا للقانون. " (13). انطلاقا من مقتضيات الفصل666 من قانون الالتزامات والعقود السالف ذكره، انما يكون قد قام بدوره الابداعي الرامي في بعض الحالات إلى سد الثغرات العالقة بالتشريع النافذ، فخلق القاعدة القانونية في مثل هذه الظروف يشكل اجتهادا قضائيا بكل ما في الكلمة من معنى، مكملا لعمل المشرع، وهو عمل إيجابي يندرج في اطار التعاون بين القضاء والسلطة المكلفة داخل الدولة بوضع التشريع(14). ان قاعدة الكراء مطلوب لا محمول التي ابتكرها القضاء المغربي تساير إلى حد بعيد المنطق القانوني الذي يقض بان النصوص والاتفاقات يجب ان تفسر لصالح الطرف المدين، وان عقد الكراء يجب ان يفسر لفائدة المكتري اذ من المفروض ـ علما ان هذا الفرض ليس صحيحا دائما ـ انه الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية. (15) ويضاف إلى كل ذلك ان حماية المكتري من تسليط سيف الافراغ عليه قد تستدعيها أسباب اقتصادية أو اسباب اجتماعية أو أسباب يختلط فيها ما هو اجتماعي بما هو اقتصادي (16). ويبقى ان نشير في اخر هذه الفقرة إلى ان هذه القاعدة ـ ورغم بساطتها، فهي تطرح للمكري صعوبة اثبات الواقعة التي تترجمها أمام المحاكم. رابعا : الإنذار بالوفاء يقوم مقام طلب الكراء من جانب المكري الأصل ان سعي المكري حيث توجد العين المكتراة ثم مطالبة المكتري بحقه المتمثل في الحصول على الوجيبة الكرائية يمثل في ذاته واقعة مادية يجب على الملتزم بقاعدة ان الكراء يطلب ولا يحمل ـ وهو المكري ـ بان يثبتها أمام القضاء (18) والوقائع المادية تثبت بكافة وسائل الاثبات بما في ذلك شهادة الشهود والكتابة واليمين الحاسمة. وهذا ما يستفاد من قرار المجلس الأعلى الذي يقرر : فان اعتباره في حالة مطل لمجرد انه لم يؤد الكراء لعدة شهور يعد خرقا للقانون. (19) واقتناعا بصعوبة الاثبات في هذا المجال، وعمليا، ذلك ان سعي المكري إلى حيث يتواجد المكتري لكي يطالب بالوجيبة الكرائية يتساوى والبعث بانذار في شكل رسالة أو برقية تعبر عن نفس الموقف ـ أي المطالبة بالكراء ـ غاية الامر ان الاثبات يسهل بوجود الإنذار وبالاداء. (23) ومما تجب ملاحظته أخيرا ان القضاء المغربي لم يكن دائما وفيا للمبادئ أعلاه لا في شقها المتعلق بان الكراء مطلوب لا محمول ولا في شقها المتعلق بالانذار بالأداء. على انه، لا بد من الإشارة إلى ان نقطة جوهرية مفادها انه متى طالب المكري بالوجيبة الكرائية المتخلفة في ذمة المكتري وجب على محكمة الموضوع ان تقصر حكمها على هذه النقطة بالذات لا ان تتعدها إلى الحكم بالافراغ وإلا خرقت المبدأ العام الذي يقرر انه لا يمكن للقاضي ان يحكم باكثر مما طلب منه. ومن ضمن القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى بهذا الصدد نذكر: " . " (24) مسالة مكان وزمان اداء الكراء تخص المكري والمكتري، ولا تمس النظام العام لا من قريب ولا من بعيد. وفيما يخص قاعدة الكراء مطلوب لا محمول، وفي هذا الصدد، جاء في القرار للمجلس الأعلى : " . حيث ان اعتبار حالة المطل المؤدية إلى فسخ عقد الكراء وإفراغ المكتري مسالة موضوعية يرجع تقديرها لسلطة محكمة الموضوع ولا رقابة عليها في ذلك من المجلس الاعلى طالما انها قد أبانت عن السبب القانوني الذي اعتمدته في اثبات حصولها وهو التوقف عن اداء الكراء بمكتب المكرية طبقا لما ورد عليه اتفاق الطرفين في عقد الكراء الرابط بينهما سيما وان الإنذار الذي وجهه الطاعن نفسه للمكرية لا يتضمن ما يفيد ان هذه الأخيرة تمتنع من قبض الكراء في مكتبها وانما يعبر فيه عن استعداده لاداء الكراء عندما يطلب منه في مسكنه وهو ما خالف به الاتفاق المبرم بين الطرفين وبذلك فان استنتاج القرار المطعون فيه وجود المطل بسبب عدم اداء مقابل الكراء الذي حل اجله في المكان المعين من قبل الطرفين المؤدي إلى فسخ عقد الكراء وافراغ المحل المكتري ينسجم مع ما تضمنته مقتضيات الفصلين 666 و692 من قانون الالتزامات والعقود. " (25) على انه، إذا كنا نتفق مع هذا القرار في ان قاعدة الكراء مطلوب لا محمول لا تتصل أبدا بالنظام العام، لان الامر يتعلق بتكييف معين رتب عليه المشرع آثارا قانونية محددة، خامسا : تنكر المجلس الأعلى لقاعدة الكراء مطلوب لا محمول. فان احكام القضاء المغربي عموما، وقرارات المجلس الأعلى على وجه الخصوص، غير منضبطة في هذا الصدد، فالراجع " في اجتهادات المجلس الأعلى هو ان المكري ملزم باثبات تماطل المكتري وان تخلف هذا الأخير عن الوفاء بالاجرة لا وبالتالي معرضا للنقض، وان الفصل692 من نفس القانون يعطي الحق للمكري في طلب فسخ الكراء اذا لم يؤد عند حلول اجل ادائه من دون حاجة لتوجيه أي إنذار، وان مطل الدائن لا يكفي لابراء ذمة الدائن، فاذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود، على نزاع يتصل باداء الوجيبة الكرائية، ومن ذلك مثلا : وحيث ان الطاعنة في هذه الحالة تعتبر متماطلة عن الاداء بمجرد حلول الاجل طبقا للفصل 255 من قانون الالتزامات والعقود، وكان عليها ان تقوم بالايداع الفعلي طبقا للفصل 280 من نفس القانون لتتحاشى المطل في الاداء من دون حاجة إلى توجيه إنذار من طرف المكترية لعدم لزومه قانونا. "(29) وفي نفس الاتجاه، جاء في قرار اخر : " . فان التماطل يثبت بمجرد حلول الاجل دون تنفيذ الالتزام كليا أو جزئيا للفصلين254 و255 من ق ا ع . " (30) " ويبدو ان المجلس الأعلى يعتمد السير في هذا الاتجاه وانه يسعى فعلا لان تتكرس القاعدة بان الكراء محمول لا مطلوب عن إرادة ووعي تامين. فقد تمسك احد الطاعنين في العريضة المرفوعة إلى المجلس الأعلى لطلب نقض حكم ضده بالافراغ بناء على التماطل، بان محكمة الاستئناف لم تساير قضاء المجلس الأعلى مع ان اجتهاد هذا الأخير يعتبر بمثابة قاعدة قانونية اصلية ومن ذلك اجتهاده المتكرر بان المماطلة في الكراء لا تثبت الا بالانذار بالاداء وان الكراء مطلوب لا محمول. وبالتالي تكون الوسيلة غير مجدية. " (31). والمعبر عنه صراحة في تعليق الأستاذ بلحساني لا يمكن الا ان يندرج في محاولة التنكر لبعض مواقف المجلس الأعلى السابقة والمستقرة والتي لا تخدم وظيفة المجلس الأعلى في شيء، (32) سادسا : العودة مرة اخرى إلى التمسك بقاعدة ان الكراء مطلوب لا محمول في قضية عرضت على المحكمة الابتدائية بالخميسات تمسكت الجهة المدعية بانه سبق لها ان استصدرت عدة احكام قضائية تقضي على المكتري باداء ما تخلف في ذمته من واجبات الكراء وانها تطلب للسبب ذاته الحكم عليه بالافراغ. استجابت المحكمة لطلب الافراغ، وان الادلاء باحكام قضائية سابقة بالأداء لا تبرر الفسخ الكرائي. وقد اقتنع المجلس الأعلى بما جاء في هذه الوسيلة فقرر ما يلي: وان المحكمة باعتمادها فقط على احكام قضائية سابقة لاثبات التماطل تكون قد خالفت القاعدة القانونية المشار إليها أعلاه وعرضت قرارها للنقض. خاتمة انما ينم عن ظاهرة صحية جوهرها الفكر القانوني لارساء نظام قانوني يكون اكثر انسجاما وتلاؤما مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي فرض سن قواعد قانونية معينة تكرس في الواقع نظريات واتجاهات فلسفية لتنظيم التعامل داخل المجتمع وتضمن حدا ادنى من التوازن بين مصالح الافراد من خلال ما يبرمونه من عقود وتضع اطارا تتقيد ضمنه حرية التعاقد حسبما تفرضه ضرورة حماية النظام العام للجماعة والمحافظة عليه. واذا كان المشرع عند وضع القاعدة القانونية لا يمكنه ان يتصور جميع الحالات والفرضيات التي يمكن ان تخضع للقاعدة وللحل الذي تقرره مما يحتم اضفاء قدر معين من المرونة عليها ـ يتقلص " (34). نرى انفسنا ملزمين بتسجيل بعض الملاحظات على هامشه:
يرتبط هذا التعليق البسيط بالالتزامات التي يرتبها عقد الكراء المنصب على عقار بالنسبة للطرف المكتري واساسا بدفع الوجيبة الكرائية تطبيقا لمقتضيات الفصل663 من قانون الالتزامات والعقود (1).
وننطلق في البداية من ملاحظة أساسية مفادها ان المشرع قد نظم بكيفية صريحة مسالة دفع الوجيبة الكرائية، من خلال مقتضيات الفصل664من قانون الالتزامات والعقود، كما انه نظم بكيفية صريحة مسالة مكان دفع تلك الوجيبة، من خلال مقتضيات الفصل666 من نفس القانون.
غير ان هذا التنظيم، وخاصة بالنسبة للمكان الذي يجب ان تدفع فيه الوجيبة الكرائية بالنسبة للعقارات المكرية، لم يضع حدا للمشاكل التي يمكن ان تثار أمام القضاء بهذا الخصوص.
ولعل ما يزيد الموضوع اهمية قصوى، انه يمس عن قرب مفهوم التماطل الذي قد يجعل ـ في حالة ثبوته ـ المكتري فاقدا للحق في البقاء بالعين المؤجرة، على ما يستفاد من عدة مقتضيات تشريعية منها ما ضمن بقانون الالتزامات والعقود، ومنها ما ضمن بظهير24 ماي 1955، ومنها ما ضمن اخيرا بظهير25 دجنبر1980.
فالقاعدة العامة ان المكتري الذي يتقاعس عن ادء الوجيبة الكرائية في وقتها المحدد يعد متماطلا من الناحية القانونية، غير ان تطبيق هذه القاعدة على اطلاقها قد ينتج عنه أحيانا ظلم يمتد إلى المكتري يصعب، بل ويستحيل أحيانا تداركه، لذلك، فان المشرع قد احاط المسالة ببعض التنظيم، وهو تنظيم لم يبق القضاء بعيدا عنه، وانما عمل على تطويره بكيفية غير منظمة، على ما سوف نوضحه لاحقا.
أولا : احكام التماطل في قانون الالتزامات والعقود
نظم المشرع المغربي احكاما التماطل (2) عموما ضمن الباب المخصص لعدم تنفيذ الالتزامات واثاره، من خلال مقتضيات الفصول من 254 الى287 من قانون الالتزامات والعقود.
وقد قسم المشرع الباب أعلاه إلى اربعة فروع يهمنا الأول منها الذي خصص لمطل المدين.
وفيما يتعلق بهذا الموضوع الأخير بالذات، فقد نص المشرع في الفصل254 ق أ ع على ما يلي:
" يكون المدين في حالة مطل اذا تاخر عن تنفيذ التزاماه كليا أو جزئيا من غير سبب"
ونص في الفصل255 من نفس القانون على انه:
" يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الاجل المقرر في السند المنشئ للالتزام.
فان لم يعين للالتزام اجل، لم يعتبر المدين في حالة مطل، الا بعد ان يوجه إليه او إلى نائبه القانوني إنذار بوفاء الدين، ويجب ان يتضمن هذا الإنذار.
وحتى تكتمل هذه الأحكام أمامنا، نرى انه من المفيد كذلك استحضار مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل275 من ذات القانون وهي تنص على ما يلي:
" إذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود وجب على المدين ان يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا فاذا رفض الدائن قبضه كان له ان يبرئ ذمته بإيداعه في مستودع الامانات الذي تعينه المحكمة..."
ويستفاد من كل ما سبق بيانه من احكام، ان المدين يصير متماطلا كلما تاخر عن تنفيذ الالتزام الذي يقع عليه والذي حل اجله كليا أو جزئيا من غير التمسك بسبب مشروع ومقبول (3).
فان لم يكن الالتزام مربوطا باجل، لا يعد المدين في حالة مطل الا بعد إنذاره بالكيفية المنصوص عليها ضمن مقتضيات الفصل 255 أعلاه.
ومتى كان الالتزام عبارة عن مبلغ من النقود، فانه يتحتم على المدين ان يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا غير انه اذا حدث ان رفض الدائن قبضه امكن للمدين انذاك ان يراجع المحكمة التي تعين له مكان للايداع، وهذا المكان لا يخرج حاليا عن صندوق المحكمة الابتدائية (4).
وما يجب ملاحظته ان المشرع لم يكتف بالمقتضيات أعلاه، وانما اضاف إليها اخرى ضمن الأحكام المتواجدة في قانون الالتزامات والعقود نفسه والمخصصة لعقد كراء الاشياء باعتباره من ابرز العقود المسماة فهكذا، وبعدما اعتبر الفصل663 ان اداء الوجيبة الكرائية يمثل اهم التزام يقع على المكتري، وبعدما قرر الفصل 664 من نفس القانون ان المكتري يلتزم قانونا بدفع الوجيبة الكرائية المتخلفة في ذمته في الاجل الذي يحدده العقد أو العرف المحلي أو عند نهاية الانتفاع بالعين المؤجرة. نص الفصل692 على انه :
" للمكري فسخ الكراء مع حفظ حقه في التعويض ان اقتضى الامر:
أولا : إذا استعمل المكتري الشيء المكترى في غير ما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى الاتفاق.
ثانيا : إذا اهمل الشيء المكترى على نحو سبب له ضررا كبيرا.
ثالثا : إذا لم يؤد الكراء الذي حل اجل ادائه (5).
والى جانب هذا التنظيم، هنالك تنظيم خاص ضمن بكل من ظهير24 ماي1955 بشان اكرية المحلات المخصصة للصناعة أو للتجارة أو للاستغلال الحرفي، وظهير 25 دجنبر1980 بشان اكرية المحلات المخصصة للسكنى أو للاستعمال المهني، نقف عنده بكل ايجاز فيما سياتي.
ثانيا : احكام التماطل في الأنظمة الخاصة
ينص الفصل11 من ظهير24 ماي1955 على ما يلي:
" للمكري ان يرفض تجديد العقدة دون الزامه باداء أي تعويض وذلك في:
أولا : ان اتى بحجة تشهد ضد المكتري المطالب بالافراغ بان هناك سببا خطيرا أو مشروعا..."
وفي نفس الاتجاه، ينص الفصل12 من ظهير25 دجنبر1980 على انه :
" يمكن للقاضي وبصفة خاصة تصحيح الاشعار في الأحوال المشار إليها في الفصل692 من الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331( موافق 12 غشت 1913) المتعلق بقانون الالتزامات والعقود وكذا إذا ادخل المكتري تغييرات على المحل أو تخلى عنه أو أولاه للغير، والكل دون موافقة المكري..."
وقد اجمع الفقه والقضاء وهو اما بصدد تطبيق واما بصدد تحليل الفصل11 من ظهير24 ماي 1955 ان عدم اداء الوجيبة الكرائية يشكل صورة من صور تماطل المكتري والتي تسمح بطلب فسخ عقد الكراء الذي يربط هذا الأخير بالمكري.
والملاحظ كذلك ان الفصل12 من ظهير25 دجنبر1980 لا يختلف في جوهره مطلقا عن الفصل11 من ظهير24 ماي1955 الا من حيث المجال الذي يحكم كلا منها (6).
بقي ان نشير هنا إلى ملاحظتين هامتين تقتضيهما ظروف هذا البحث المتواضع.
ب- وهناك موقف حديث نسبيا يتمسك بقوة بالقاعدة الاصولية التي تقضي بان الحكم الخاص يقيد الحكم العام عند التعارض، وبالتالي فهو لا يسمح مطلقا باللجوء إلى قانون الالتزامات والعقود في هذا المجال وانما إلى ظهير 24 ماي1955 إذا كان محل العقد مخصصا للصناعة أو للتجارة أو للاستغلال الحرفي أو إلى ظهير25 دجنبر1980 متى كان ذلك المحل مخصصا للسكنى أو للاستغلال المهني (8).
ولعل من غرائب الامور في هذا الصدد ان تجتمع غرفتان للمجلس الأعلى ـ وهما الغرفة الإدارية والغرفة المدنية ـ لحل هذا الاشكال فيتمخض هذا الاجتماع عن قرار مبدئي يجنح إلى الموقف الثاني الذي يقضي بان النص الخاص يقيد النص العام، وبالتالي استبعاد تطبيق قانون الالتزامات والعقود بكيفية مطلقة بهذا الخصوص(9).. ولكنه قرار لم يحسم الموقف نهائيا، اذ سرعان ما عاد المجلس الأعلى ليتنكر له من جديد عندما اصدر قرارات اخرى منها ما يلتزم بالخيرة بالشكل السابق بيانه(10)، ومنها ما يتمسك بقاعدة ان الخاص يقيد العام عند التعارض.
ثالثا : قاعدة الكراء مطلوب لا محمول وسندها القانوني
هذه القاعدة غير منصوص عليها بكيفية صريحة في القانون وانما قد استنتجها القضاء من مقتضيات الفصل666 من قانون الالتزامات والعقود والتي تقضي بما يلي :
" يدفع الكراء بالنسبة إلى العقارات في المكان الذي توجد فيه العين المكتراة" وبالنسبة إلى المنقولات في مكان ابرام العقد، وذلك كله ما لم يشترط خلافه (11).
فحسب مضمون هذه القاعدة، فان اجرة كراء العقارات وسواء خصصت لغرض تجاري أو صناعي أو حرفي أو فلاحي، انما يجب ان تدفع حيث توجد العين المكتراة ـ وهو غالبا موطن المكتري ـ مع العلم بان هذه القاعدة وكما سبق بيانه، لا صلة لها بالنظام مطلقا، وبالتالي فيمكن دائما تقييدها عن طريق الاتفاق بين المكري والمكتري.
وقد استنبط القضاء المغربي عموما والمجلس الأعلى على وجه الخصوص من مقتضيات الفصل666 أعلاه قاعدة عامة قريبة شيئا ما من محتوى ذلك الفصل، مفادها ان المكري يجب عليه ان يسعى حيث يتواجد المكتري للمطالبة بحقه. ومن المفروض ان المكتري يتواجد عادة بالعقار المؤجر، وهذه القاعدة هي ما يعبر عنها عادة بان الكراء يطلب من المكري ولا يحمل إليه، أو بعبارة اكثر اختصارا " الكراء مطلوب لا محمول".
فتطبيقا لهذه القاعدة، فالمكري هو المكلف دائما بالتوجه إلى حيث المكتري ومطالبته بالوجيبة الكرائية التي حل اجلها، ولا تثريب على المكتري ان هو لم يحملها إليه ولو حل اجلها، ما لم يلزمه عقد الكراء أو عقد لاحق اخر بذلك بكيفية صريحة.
والاحكام والقرارات التي صدرت تكريسا لهذه القاعدة عديدة جدا، نذكر منها على سبيل المثال:
جاء في قرار للمجلس الأعلى :
" مبلغ الكراء يطلب ولا يعرض وبالتالي فلا يمكن التصريح بفسخ عقد الكراء وبالافراغ طبقا للفصل692 من ظ ـ أ- ع الا إذا ثبت ان المكري قد طالب المكتري بالأداء فرفض.
عندما تصرح المحكمة بفسخ عقد الكراء وبالافراغ بعلة ان المكتري يعترف بعمارة ذمته ولم يدل ما يثبت انه كان يعرض الكراء على المكري فانها تكون قد خرقت هذه المقتضيات" (12).
وجاء في قرار اخر لنفس المجلس:
" يؤدى الكراء بالنسبة للعقارات في المكان الذي توجد به العين ما لم يوجد شرط يقضي بخلاف ذلك (الفصل666 من ظ أ ع) وعلى المكري ان يتقدم إلى المكتري بطلب أداء كرائه واذا امتنع وجه إليه إنذارا بذلك ليصبح في حالة مطل.
لما لم يثبت ان المكري سبق ان طلب المكتري بصفة قانونية ولا انه انذره بذلك، فان اعتباره في حالة مطل لمجرد انه لم يؤد الكراء لعدة شهور يعد خرقا للقانون...." (13).
واعتقد ان القضاء المغربي في عموميته وهو يجتهد لاستنباط القاعدة أعلاه، انطلاقا من مقتضيات الفصل666 من قانون الالتزامات والعقود السالف ذكره، انما يكون قد قام بدوره الابداعي الرامي في بعض الحالات إلى سد الثغرات العالقة بالتشريع النافذ، حينما يتطلب الواقع العملي القيام بمثل ذلك الاجتهاد.
فخلق القاعدة القانونية في مثل هذه الظروف يشكل اجتهادا قضائيا بكل ما في الكلمة من معنى، مكملا لعمل المشرع، وهو عمل إيجابي يندرج في اطار التعاون بين القضاء والسلطة المكلفة داخل الدولة بوضع التشريع(14).
ان قاعدة الكراء مطلوب لا محمول التي ابتكرها القضاء المغربي تساير إلى حد بعيد المنطق القانوني الذي يقض بان النصوص والاتفاقات يجب ان تفسر لصالح الطرف المدين، وان عقد الكراء يجب ان يفسر لفائدة المكتري اذ من المفروض ـ علما ان هذا الفرض ليس صحيحا دائما ـ انه الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية. (15) ويضاف إلى كل ذلك ان حماية المكتري من تسليط سيف الافراغ عليه قد تستدعيها أسباب اقتصادية أو اسباب اجتماعية أو أسباب يختلط فيها ما هو اجتماعي بما هو اقتصادي (16).
وعلى مستوى الطعن بالنقض، فان المجلس الأعلى قد انزل قاعدة ان الكراء مطلوب لا محمول منزلة النص القانوني الذي استنبطت منه تلك القاعدة ـ واقصد الفصل666 من ق أ ع حيث يسمح ببناء الطعن بالنقض تأسيسا على خرقها تطبيقا لمقتضيات الفصل359 من قانون المسطرة المدنية (17).
ويبقى ان نشير في اخر هذه الفقرة إلى ان هذه القاعدة ـ ورغم بساطتها، فهي تطرح للمكري صعوبة اثبات الواقعة التي تترجمها أمام المحاكم.
رابعا : الإنذار بالوفاء يقوم مقام طلب الكراء من جانب المكري
الأصل ان سعي المكري حيث توجد العين المكتراة ثم مطالبة المكتري بحقه المتمثل في الحصول على الوجيبة الكرائية يمثل في ذاته واقعة مادية يجب على الملتزم بقاعدة ان الكراء يطلب ولا يحمل ـ وهو المكري ـ بان يثبتها أمام القضاء (18) والوقائع المادية تثبت بكافة وسائل الاثبات بما في ذلك شهادة الشهود والكتابة واليمين الحاسمة. وهذا ما يستفاد من قرار المجلس الأعلى الذي يقرر :
"... على المكري ان يتقدم إلى المكتري بطلب اداء الكراء...
لما لم يثبت ان المكري سبق ان طلب المكتري بصفة قانونية... فان اعتباره في حالة مطل لمجرد انه لم يؤد الكراء لعدة شهور يعد خرقا للقانون... (19)
واقتناعا بصعوبة الاثبات في هذا المجال، فان الممارسة القضائية العملية قد انزلت الإنذار بالأداء منزلة المطالبة بالوجيبة الكرائية، بل ان القضاء كثيرا ما يعبر عن قاعدة ان الكراء مطلوب لا محمول بقاعدة اخرى تنوب عنها وهي ان التماطل لا يثبت الا بانذار بالوفاء لا يستجيب له المكتري.
والانذار بالوفاء أو بالأداء في حقيقته تصرف قانوني انفرادي (20) يتم تبليغه إلى المكتري طبقا لقواعد التبليغ المنصوص عليها اما في قانون الالتزامات والعقود (21) أو في قانون المسطرة المدنية (22) وهو يعبر عن إرادة المكري في التوصل بمبلغ الوجيبة الكرائية التي حل اجلها وهو الذي يثبت عمليا أمام القضاء ان هذا الأخير قد احترم قاعدة ان الكراء مطلوب لا محمول . وعمليا، فان الواقع الذي يفرض حلا ثبوتيا مقنعا يسهل حل النزاعات أمام القضاء هو الذي فرض انزال الإنذار منزلة قاعدة ان الكراء يطلب ولا يحمل. ذلك ان سعي المكري إلى حيث يتواجد المكتري لكي يطالب بالوجيبة الكرائية يتساوى والبعث بانذار في شكل رسالة أو برقية تعبر عن نفس الموقف ـ أي المطالبة بالكراء ـ غاية الامر ان الاثبات يسهل بوجود الإنذار وبالاداء.
ولا نوافق بعض المهتمين الذي يذهب إلى حد القول بان بعث انذار بالأداء يقلب قاعدة ان الكراء مطلوب لا محمول حيث على المكتري الذي توصل بالانذار ان يحمل الكراء إلى المكري وإلا اصبح متماطلا. (23)
ومما تجب ملاحظته أخيرا ان القضاء المغربي لم يكن دائما وفيا للمبادئ أعلاه لا في شقها المتعلق بان الكراء مطلوب لا محمول ولا في شقها المتعلق بالانذار بالأداء.
على انه، وقبل الانتقال إلى بحث مسالة تنكر القضاء المغربي لقاعدة ان الكراء يطلب ولا يحمل، لا بد من الإشارة إلى ان نقطة جوهرية مفادها انه متى طالب المكري بالوجيبة الكرائية المتخلفة في ذمة المكتري وجب على محكمة الموضوع ان تقصر حكمها على هذه النقطة بالذات لا ان تتعدها إلى الحكم بالافراغ وإلا خرقت المبدأ العام الذي يقرر انه لا يمكن للقاضي ان يحكم باكثر مما طلب منه. ومن ضمن القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى بهذا الصدد نذكر:
" .... ان المكري لم يسبق له ان قدم أي طلب بإفراغ المكتري واكتفى فقط بالدفاع ضد طلبات هذا الأخير الرامية إلى المنازعة في صحة الإنذار وان المحكمة لما صرحت رغم ذلك بافراغ المكتري كنتيجة للبت في دعواه تكون قد خرقت المقتضيات المذكورة أعلاه...." (24)
قاعدة الكراء مطلوب لا محمول لا صلة لها بالنظام العام.
مسالة مكان وزمان اداء الكراء تخص المكري والمكتري، ولا تمس النظام العام لا من قريب ولا من بعيد. وهذا مبدأ نص عليه المشرع بكيفية صريحة في الفصلين 666 و667 من قانون الالتزامات والعقود، وان كان الامر في نظرنا بديهيا لا يحتاج لكي ينص عليه بكيفية صريحة.
وفيما يخص قاعدة الكراء مطلوب لا محمول، والتي استنبطها القضاء المغربي من مقتضيات الفصل666 من قانون الالتزامات والعقود كما أسلفنا فقد تقرر في هذا الصدد ان هذه القاعدة يمكن تعطيلها دائما عن طريق الاتفاق، وفي هذا الصدد، جاء في القرار للمجلس الأعلى :
" ... حيث ان اعتبار حالة المطل المؤدية إلى فسخ عقد الكراء وإفراغ المكتري مسالة موضوعية يرجع تقديرها لسلطة محكمة الموضوع ولا رقابة عليها في ذلك من المجلس الاعلى طالما انها قد أبانت عن السبب القانوني الذي اعتمدته في اثبات حصولها وهو التوقف عن اداء الكراء بمكتب المكرية طبقا لما ورد عليه اتفاق الطرفين في عقد الكراء الرابط بينهما سيما وان الإنذار الذي وجهه الطاعن نفسه للمكرية لا يتضمن ما يفيد ان هذه الأخيرة تمتنع من قبض الكراء في مكتبها وانما يعبر فيه عن استعداده لاداء الكراء عندما يطلب منه في مسكنه وهو ما خالف به الاتفاق المبرم بين الطرفين وبذلك فان استنتاج القرار المطعون فيه وجود المطل بسبب عدم اداء مقابل الكراء الذي حل اجله في المكان المعين من قبل الطرفين المؤدي إلى فسخ عقد الكراء وافراغ المحل المكتري ينسجم مع ما تضمنته مقتضيات الفصلين 666 و692 من قانون الالتزامات والعقود...." (25)
على انه، إذا كنا نتفق مع هذا القرار في ان قاعدة الكراء مطلوب لا محمول لا تتصل أبدا بالنظام العام، فاننا نختلف معه اختلافا جوهريا فيما يخص اعتبار المطل المؤدي إلى فسخ عقدة الكراء مسالة واقع لا مسالة قانون، لان الامر يتعلق بتكييف معين رتب عليه المشرع آثارا قانونية محددة، ومن المجمع عليه فقها وقضاء ان التكييف يندرج في مجال القانون الذي يخضع لرقابة المجلس الأعلى (26)، لا في مجال الواقع الذي يستقل بتقديره قاضي الموضوع.
خامسا : تنكر المجلس الأعلى لقاعدة الكراء مطلوب لا محمول.
على الرغم من كل سبق بيانه، فان احكام القضاء المغربي عموما، وقرارات المجلس الأعلى على وجه الخصوص، غير منضبطة في هذا الصدد، أي انها لا تسير دائما في خط واحد يلتزم دائما بقاعدة الكراء مطلوب لا محمول. فالراجع " في اجتهادات المجلس الأعلى هو ان المكري ملزم باثبات تماطل المكتري وان تخلف هذا الأخير عن الوفاء بالاجرة لا
يفترض فيكون القرار الذي يحمل المكتري باثبات عدم تماطل غير مستند إلى أساس صحيح، وبالتالي معرضا للنقض، ولكي تثبت تماطل المكتري ينبغي لزوما ان يكون المكتري قد وجه اليه إنذارا بالوفاء دون جدوى تحت طائلة عدم سماع الدعوى (27).
ويكمن موطن الخلل بهذا الخصوص في ان المكري غير ملزم دائما ـ وحسب بعض القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى ـ بانذار المكتري بالأداء. ومن امثلة ذلك :
" حيث ان الفصل664 من قانون الالتزامات والعقود ينص على ما يلي : يلتزم المكتري بدفع الكراء في الاجل الذي يحدده العقد فان لم يحدد العقد اجلا التزم المكتري بدفع الكراء في الاجل الذي يحدده العرف المحلي... وان الفصل692 من نفس القانون يعطي الحق للمكري في طلب فسخ الكراء اذا لم يؤد عند حلول اجل ادائه من دون حاجة لتوجيه أي إنذار، بل يجب على المكتري ان يتقدم بعرضه حقيقيا ويودعه بصندوق المحكمة ليتفادى التماطل، الشيء الذي لم يفعله المكتري الا بعد مضي اكثر من تسعة اشهر من تاريخ الطلب، وان مطل الدائن لا يكفي لابراء ذمة الدائن، فاذا كان محل الالتزام مبلغا من النقود، وجب على المدين ان يقوم بعرضه على الدائن عرضا حقيقيا واذا رفض الدائن قبضه، كان له ليبرئ ذمته ان يقوم بايداعه بصندوق المحكمة وان العرض الذي لا يعقبه الايداع الفعلي للشيء لا يبرئ ذمة المدين...." (28).
ويتضح جليا من القراءة المتأنية لهذا القرار الذي طبق مقتضيات الفصل275 من ق ا ع.
على نزاع يتصل باداء الوجيبة الكرائية، دون مراعاة مقتضيات الفصل666 من ق أ ع كما أولها القضاء المغربي، قد توصل عمليا إلى اقرار الوجه المعاكس لقاعدة ان الكراء مطلوب لا محمول وهي ان الكراء محمول لا مطلوب.
واذا كان هذا القرار قد اعتمد لتقرير الحكم الذي طبقه على مقتضيات الفصل275 ق أ ع فهناك قرارات اخرى استندت على مقتضيات الفصل255 من نفس القانون، ومن ذلك مثلا :
"... العرف المحلي مستقر على ان كراء محلات السكنى يعتبر اجل دفعه محددا شهريا، اللهم الا اذا اتفق على خلاف ذلك، وحيث ان الطاعنة في هذه الحالة تعتبر متماطلة عن الاداء بمجرد حلول الاجل طبقا للفصل 255 من قانون الالتزامات والعقود، وكان عليها ان تقوم بالايداع الفعلي طبقا للفصل 280 من نفس القانون لتتحاشى المطل في الاداء من دون حاجة إلى توجيه إنذار من طرف المكترية لعدم لزومه قانونا...."(29)
وفي نفس الاتجاه، جاء في قرار اخر :
" .. ان الإنذار يجب توجيهه لاثبات التماطل إذا كان الالتزام غير محدد باجل. اما إذا كان محدد الاجل كأداء سومة الكراء، فان التماطل يثبت بمجرد حلول الاجل دون تنفيذ الالتزام كليا أو جزئيا للفصلين254 و255 من ق ا ع ..." (30)
ويعلق الاستاذ بلحساني الحسين في اطروحته الرائعة حول الحماية القانونية لمكتري المحلات السكنية على الموقف أعلاه بقوله :
" ويبدو ان المجلس الأعلى يعتمد السير في هذا الاتجاه وانه يسعى فعلا لان تتكرس القاعدة بان الكراء محمول لا مطلوب عن إرادة ووعي تامين. فقد تمسك احد الطاعنين في العريضة المرفوعة إلى المجلس الأعلى لطلب نقض حكم ضده بالافراغ بناء على التماطل، بان محكمة الاستئناف لم تساير قضاء المجلس الأعلى مع ان اجتهاد هذا الأخير
وإقراره لمبدأ ما، يعتبر بمثابة قاعدة قانونية اصلية ومن ذلك اجتهاده المتكرر بان المماطلة في الكراء لا تثبت الا بالانذار بالاداء وان الكراء مطلوب لا محمول. غير ان المجلس الأعلى اجاب عن هذه الوسيلة بانه خرق اجتهاد المجلس الأعلى من احدى المحاكمة لا يعد سببا من الأسباب القانونية لطلب النقض وانما الذي يعد كذلك هو خرق القانون، وبالتالي تكون الوسيلة غير مجدية...." (31).
والواقع ان موقف المجلس الأعلى الأخير، والمعبر عنه صراحة في تعليق الأستاذ بلحساني لا يمكن الا ان يندرج في محاولة التنكر لبعض مواقف المجلس الأعلى السابقة والمستقرة والتي لا تخدم وظيفة المجلس الأعلى في شيء، وفي هذا الاطار دائما، ذهب المجلس الأعلى مؤخرا إلى ان قاعدة الكراء مطلوب لا محمول لا اصل لها في التشريع المغربي. (32)
سادسا : العودة مرة اخرى إلى التمسك بقاعدة ان الكراء مطلوب لا محمول
في قضية عرضت على المحكمة الابتدائية بالخميسات تمسكت الجهة المدعية بانه سبق لها ان استصدرت عدة احكام قضائية تقضي على المكتري باداء ما تخلف في ذمته من واجبات الكراء وانها تطلب للسبب ذاته الحكم عليه بالافراغ.
استجابت المحكمة لطلب الافراغ، وقد ايد هذا الحكم من طرف محكمة الاستئناف بالقنيطرة ومما اخذ على القرار أعلاه أمام المجلس الأعلى ان الطاعن بالنقض أعاب عليه كونه لم يتوصل باي إنذار من طرف المطلوب في النقض وان الكراء يطلب ولا يحمل، وان الادلاء باحكام قضائية سابقة بالأداء لا تبرر الفسخ الكرائي.
وقد اقتنع المجلس الأعلى بما جاء في هذه الوسيلة فقرر ما يلي:
" وحقا فقد تبين صحة ما نعته الوسيلة، ذلك انه بالرجوع إلى القرار المطعون فيه وسائر وثائق الملف يتضح ان الطالب
لم يتوصل باي إنذار بالاداء، وان المحكمة باعتمادها فقط على احكام قضائية سابقة لاثبات التماطل تكون قد خالفت القاعدة القانونية المشار إليها أعلاه وعرضت قرارها للنقض..." (33).
خاتمة
يقول احد المستشارين بالمجلس الأعلى، محاولا تبرير التناقض القضائي الذي يحصل بين الفينة والاخرى في مجال الاكرية بالخصوص:
" لا ريب ان تنوع العمل القضائي من حين لاخر، وتعدد اتجاهاته بشان بعض النوازل المعروضة على المحاكم، انما ينم عن ظاهرة صحية جوهرها الفكر القانوني لارساء نظام قانوني يكون اكثر انسجاما وتلاؤما مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي فرض سن قواعد قانونية معينة تكرس في الواقع نظريات واتجاهات فلسفية لتنظيم التعامل داخل المجتمع وتضمن حدا ادنى من التوازن بين مصالح الافراد من خلال ما يبرمونه من عقود وتضع اطارا تتقيد ضمنه حرية التعاقد حسبما تفرضه ضرورة حماية النظام العام للجماعة والمحافظة عليه.
واذا كان المشرع عند وضع القاعدة القانونية لا يمكنه ان يتصور جميع الحالات والفرضيات التي يمكن ان تخضع للقاعدة وللحل الذي تقرره مما يحتم اضفاء قدر معين من المرونة عليها ـ يتقلص
أو يتمدد حسبما يكون مناسبا ـ يمسح بامكانية تطبيقها على حالات متعددة ومختلفة في نطاق سلطة تقديرية مخولة للقاضي فان الامر ـ أحيانا ـ يتعدى حدود هذه السلطة التقديرية ليشكل خروجا عن القصد الذي توخاه المشرع وتجاوزا للفرضية التي تصورها عند وضع الحل الذي تقرره القاعدة القانونية..." (34).
ومع تقديرنا واحترامنا لهذا الراي، نرى انفسنا ملزمين بتسجيل بعض الملاحظات على هامشه:
ان الرأي أعلاه يظل صحيحا عندما نطبقه في المجال القضائي على وجه العموم غير انه يصبح رايا غير مقبول على اطلاقه على مستوى نظام الطعن بالنقض الذي يستقل ببعض الخصوصيات التابعة من وظيفته.
ان الطعن بالنقض يجنح كقاعدة نحو توحيد الاجتهاد القضائي واستقراره، وهو من هذه الناحية يتنافى مع ظاهرة التناقض والتضارب في الاجتهادات القضائية بكيفية تشوش على الدارس والممارس والمتقاضي بخصوص المسالة التي تتعدد بشانها مواقف المجلس الأعلى.
صحيح ان النصوص القانونية ـ ومن اية طبيعة كانت أو من أي مصدر كان ـ تخضع كقاعدة لسنة التطور داخل المجتمع، وان القضاء كثيرا ما يضطر تطبيق لتلك السنة وسيرا على مبادئها ان يغير موقفا سبق له ان استقر عليه لمدة طويلة وهذه مسالة قد تطرح حتى على مستوى المحاكم العليا، غير ان ذلك لا يسمح بتعايش موقفين متناقضين للمجلس الأعلى، فيقرر اليوم ان الكراء مطلوب لا محمول ويقرر غدا ان الكراء محمول لا مطلوب وهكذا، بحيث يصبح مصير الدعوى موقوفا على محض الصدفة ليس الا (35).
ويضاف إلى كل ما سبق بيانه ان التضارب في الاجتهادات القضائية كثيرا ما يؤدي إلى الصاق بعض التهم بالقائمين على شؤون القضاء بالمجلس الأعلى، وخاصة من طرف الاشخاص الذين يجهلون الكثير من النشاط القضائي عموما وعن نشاط ذلك المجلس على وجه الخصوص وعن العوائق التي تعترض مسيرته(36).
وعلى الرغم من كل ما سبق بيانه، فنحن نحي العمل الجبار الذي يقوم به المجلس الأعلى، خاصة انه قد بدا في الاونة الأخيرة ـ وبإيعاز وتدخل من رئيسه الأول الأستاذ محمد ميكو ـ يحاول ان يجد حلولا لمثل التناقضات التي كانت موضوعا لهذا البحث المتواضع من خلال الاجتماعات الدورية التي يعقدها رؤساء الغرف بالمجلس.
ويجب ان نعترف كذلك ان الظروف التي يعمل مستشارو المجلس الأعلى في اطارها ـ وبالاضافة إلى عدم نشر الاجتهادات القضائية الصادرة عن ذلك المجلس بكيفية منتظمة ـ لا تساعد على بلورة اجتهاد قضائي موحد ومتناسق
وفي نهاية المطاف : ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو اخطانا.
الدار البيضاء في 17 يوليوز1996.
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
تهدف شركة الرصاصي إلى أن تكون في صدارة السوق عالميًا في مجالات محددة من خلال تحسين عمليات التصنيع وع...
حاول نتنياهو معالجة الصراع عن طريق إدارته فقد هدف إلى كسب الوقت للتمكّن من فرض ومراكمة وقائع جديدة ع...
الثقة بالنفس والرقي هما صفتان متلازمتان، فالشخص الواثق من نفسه يظهر بمظهر راقٍ في تعامله وتصرفاته. ا...
مادة 119 أسهم التمتع يجوز للشركة إذا أجاز النظام الأساسي ذلك أن تصدر أسهم تمتع في مقابل الأسهم الت...
Gossip can hurt people, even if it seems like harmless talk. It can spread lies, ruin someone's repu...
? I am going to go to Abha to visit my grandmother. I am going to go with my family. We are going t...
ان دراسة علاقات الترابط والتلاقح بين الآداب المختلفة، قائمة على عوامل رئيسة تلعب دور الوسيط في هذا ا...
أظهرت نتائج الدراسة أن منصة موودل Moodle تُستخدم من طرف غالبية الطلبة بنسبة معتبرة (74%)، خاصةً لدى ...
المرأة ركن ركين من أركان المجتمع، فهى الأم والأخت والابنة، والزوجة التى لها الحق على زوجها من حسن ال...
تتناول هذه المقالة كيف تستخدم الأساطير والخرافات كوسيلة لتنظيم المجتمعات وتجميع الأشخاص. تعبر الفكرة...
المرحلة الأولى: العصور القديمة الرأي العام كظاهرة اجتماعية لم يحظَ بالاهتمام والتحليل من قبل الباح...
أهمية دراسة الطرز التاريخية : الطرز لم تخترع اختراعا ولم توضع قصرا وافتعالا ، و إنما هي جاءت لتتبع خ...