Online English Summarizer tool, free and accurate!
"الساعة 08:30 مساءً
قسم العمليات المركزية
في تلك الغرفة الواسعة والشبّه مظلمة التي تستمد نورها من إضاءات شاشات المراقبة الكبيرة المثبّتة على أحد جدرانها، والموزّعة على الطاولة المستديرة في منتصف تلك الغرفة، وبينما يمارسون وظيفتهم الاعتيادية، كان مدير ذلك القسم يتفقد سير العمل ويُجري حديثًا مع أحد أفراده، وعلى ما يبدو أن خطبًا ما قد حدث. - ماذا عن الحادث المروري الذي وقع في منطقة المعمورة؟
- لقد قمت بإبلاغ قسم الدوريات»
- هل ثمَّة إصاباتٍ قد حدثت؟
"- لا
أردف الموظف قائلًا:
ثم ردّ قائلًا:
انتظرْ زميلك المناوب حتى يستلم منك التقرير
هكذا انتهى الحوار بينهما، الدقة والتركيز والمتابعة المستمرة من أهم ركائز العمل في هذا القسم، وليس هناك مجال للانشِغال بأمور آخرى تُؤثر على سيرِ العمل. - العمليات المركزية، تفضل:"
- أريد أن أتقدم ببلاغ حول اختفاء طفلة الجيران. من يتحدث معي؟
- اسمي (أسامة هاشم). - كانت في منزلها في منطقة (دفان الخور)، تغيَّبت منذ نصف ساعة. - نحن جيران، وأم الطفلة طلبت المساعدة. دوّن الموظف كل المعلومات الأساسية اللازمة، ونبّه على المتصل أن يتوجّه بصحبة ذوي الطفلة إلى أقرب مركز للشرطة للتقدّم ببلاغ رسمي عن الحادثة. نهض بعدها مباشرةً إلى مديره ليُعلمه عن مضمون ذلك البلاغ، ودار بينهما حوارٌ سريعٌ:
استقبلت بلاغًا يفيد باختفاء طفلةٍ من منزل ذويها. - إنه بلاغٌ حسّاسٌ جدًا. - سجّلتُ كلَّ المعلومات اللازمة، وطلبت من المتصل أن يتقدّم ببلاغ رسمي في أقرب مركزٍ للشرطة. الساعة 11:00 ليلًا
بعد ثلاث ساعات من الاختفاء
لا أحب أفلام الرعب كثيرًا، خصوصًا تلك القصص المرتبطة بالمشاهد الدمويّة، فأنا أحبّذ قصص النفس البشريّة وحكايات ما وراء الطبيعة، تلك التي يحفّها كثيرٌ من الغموض والتشويق. في هذه الليلة بالذات عكفتُ على مشاهدة فيلم الرعب الكندي (لقاءات القبور)*1 الذي يجعلُك تقاوم النعاس، وتحوم في دائرة الترقب، ففي الدقيقة الخمسين تمامًا من شريط الفيلم، اكتشف أبطاله أنهم حُبسوا في مستشفى مهجور للأمراض النفسية بعد أن قرّروا المبيت فيه ليلًا، وأنا أراقب ما سيحدث لهم بفضولٍ كبير. رنّ هاتفي، ضغطتُ على زر إيقاف الفيلم، - معك الرقيب عبيد، وردنا بلاغٌ رسميٌ يفيد باختفاء طفلةٍ من منزل ذويها. - ومتى حدث ذلك؟
- حسب المعلومات الأوليّة، كان وقت اختفاءها حوالي الساعة الثامنة مساءً. - في أي مكان بالضبط؟
- منطقة (دفان الخور) رقم المنزل (D٧٠)
انتابني شيءٌ من القلق، رغم أنني في معظم الأحيان أصافِحُ الاطمئنان وأفكّر بسكينة عندما أستقبل أي بلاغ مزعج كهذا، لكن يبدو أن حادثة من هذا النوع جعلت هاجسًا ما يسيطرُ علي. قمت بالاتصال بمسؤول فريق التمشيط، ذكر لي أنها في الرابعة من عمرها. حنطية الملامح. كانت ترتدي ملابس وردية قبل أن تختفي عن أنظار أمها. عرّجت على غرفة الأطفال، ألقيت عليهم نظرة الأمان وشيءٍ من الخوف، كان يجول في خاطري أنهم مثل ملايين الأطفال في العالم ينامون بهناءٍ في رعاية آبائهم، تمنّيتُ حينها أن أكون سببًا في رجوع الطمأنينة إلى قلب من ينتظر عودة طفلته بسلام. كانت زوجتي تنتظرني في غرفة المعيشة، يبدو أنها استيقظت على ضجيج دخولي وخروجي، هي تعلم جيدًا طبيعة عملي وما أمر به من صعوبات يومية، لذا لم تسألْني عن أي شيء، ووقفت بجانبي، تفاجأتْ هي من الأمر، قبّلتُها بهدوء ثم طلبتُ منها أن ترفع يديها إلى السماء وتدعو من أجل تلك الطفلة. خرجتُ من منزلي الكائن في منطقة (الظيت الشمالي)، فتحتُ باب السيارة، أدرتُ المحرك، أجزم بأن درجة الحرارة الآن تقترب من الصفر، فنحن نعيش أجواء شهر يناير الباردة ليلًا. ضغطتُ على دواسة البنزين وانطلقت كالريح قاصدًا موقع الحادثة، المسافة بين منزلي ومنطقة (دفان الخور) قريبة لا تتعدى سبعَ دقائق. رنّ صوت هاتفي، ماذا لديه يا ترى؟
هل من جديد؟
- وصلتُ إلى موقع الحادثة وعمليات التمشيط بدأتْ حول المنزل. - هل دخلتَ إلى المنزل؟
- نعم، أنا هناك، - أنا في الطريق إليكم. شكرت وليد على حرصه واستعداده الدائم في إدارة القضايا الميدانية التي نواجهها، ثم أغلقتُ الهاتف، تمعّنت في ساعة السيارة والتي تشير إلى الحادية عشرة وواحد وعشرين دقيقة، قبل أن أصل لمفترق طريق دوّار الساعة، أحد هذه الطرق يقودني إلى شارع «كورنيش القواسم» المطلِّ على الخور؛ أما الطريق الآخر فيدخلني في بعض الشوارع الضيقة وغير المعبّدة، لذا قرّرت أن أسلكه، لربّما أجِد أثرًا للطفلة على طريقي وسط الظلام، أو أشاهد أشخاصًا قد يشتبه بهم. دخلت في ذلك الشارع غير الممهّد، وسط اهتزازات السيارة المتكرر، أو بالغين يتسكّعون، مجرد مرور عادي لبعض السيارات العابرة، شاهدت بعض العمالة الآسيوية هنا وهناك، والبعض الآخر ترمق في ملامحهم نوايا المكر والخديعة، أصبحتُ قريبًا من منزل الطفلة، ثم ترجلّتُ منها، هذا الأمر كثيرًا ما أستخدمه كي أستطيع قراءة بعض الدلالات أو الشواهد القريبة من موقع الحادثة. أرى على مقربة منّي مبنى قاعة الكورنيش للأفراح، الذي لا يبعدُ سوى أربعمائة متر من منزل الطفلة، نظرتُ إلى عدد كبير من السيارات تقف بجانب القاعة، صوت أغاني الفرقة الشعبية تصدح في المكان، وعدد غفير من المدعوين الرجال والأطفال يشاركون مراسم العرس في ساحة الاحتفال. يا تُرى هل دخلت الطفلة تلك القاعة؟ هل كانت تلهو بالقرب منها مستمتعةً بالأغاني والرقص الشعبي الجميل؟ هل شاهدها أحدهم واصطحبها معه ؟! كل شيء وارد. أجريت اتصالًا بالمساعد الميداني في فريق التحري الوكيل (ناصر) المتواجد في منزل الطفلة، طلبت منه أن يتوجه برفقة أحد زملائه ليتفقدوا قاعة الأفراح ويبحثوا فيها جيدًا، وأمرته أن يخاطب قسم الأمن في قاعة النساء ليبحثوا عن الطفلة حسب المواصفات المتوفرة لدينا. بدأت أمشي باتجاه منزل الطفلة، بعضها مُهْترئ، وأخرى "قد جرى ترميمها منذ فترة طويلة، لاحظت عددًا كبيرًا من السيارات في المكان، قد يدل هذا على وجود عدد كبير من المستأجرين، أقلقني هذا الأمر كثيرًا لاسيما وجود فرص حقيقة للتحرش الجنسي قد تمارسها هذه الفئة مع الأطفال أو المراهقين. ألقيتُ بعضاً من مخاوفي خلف ظهري، أكملت طريقي، شاهدت الممرات الضيّقة والكثيرة بين المنازل، إنّه أمر يصعّب مَهمّة التمشيط أحيانًا، وصلتُ بالقرب من باب منزل الطفلة؛ وبينما عيناي ترصد المكان بدقة، وجدت مساحة لابأس بها في فناء المنزل تغري أيّ طفلٍ باللهو واللعب، ويستطيع أي مراهق تسلقه والقفز فوقه، - ما هو انطباعك الأولي؟
- يشوب القضية الكثير من الغموض. - لم أفهم. - هناك ثلاثة أفراد فقط يسكنون المنزل، الأب والأم والطفلة!
- في لحظة وصولي إلى المنزل وما إن بدأتُ تحقيقي مع الأم، بدتْ منهارة وبرفقتها جارتها (سعاد)، لم تستطع التحدث معي ثم فقدت وعيها، وها نحن ننتظر سيارة الإسعاف، أما الأب فلم يكن موجودًا هنا آنذاك. - أين هو؟
- حاول الفريق الاتصال به ولكنه لا يرد على الهاتف. - أمر غريب، قرّرت أن أدخل إلى صالة المنزل برفقة وليد، رأيتها مستلقية على الأرض، طويلة القامة، جميلة الوجه، طلبت التحدث إلى سعاد على انفراد، تقدّمت باتجاهي وقد بدا عليها بعضٌ من الارتباك. سألتها بشيء من الحزم:
- هل أنتِ جارةُ أمِّ لمياء
صمتت قليلًا، ثم أجابت:
- نعم، وأنا قلقة كثيرًا. هل لكِ أن تخبرينا ماذا حدث؟
- ماذا قالت لك بالتحديد؟
- قالت أنها كانت مشغولة في إعداد الطعام، وعندما خرجت إلى الصالة لم تجد ابنتها، - وماذا قالت أيضًا؟
لم أفهم منها ماذا جرى بالتحديد؟ عندها قمت بإبلاغ زوجي (أسامة) الذي قام بالاتصال برقم الطوارئ، ثم طلبوا منا أن نتوجه لأقرب مركز للشرطة، ونتقدم ببلاغٍ رسمي هناك. صوت سيارة الإسعاف مُدَوٍّ في الخارج، خلال دقائق دخل طاقم التمريض وبدأوا عملية الإسعاف، وطلبتُ من أحد المساعدين مرافقتي مع المصور الجنائي، تعمّدت النظر داخلها، ثمَّ عرّجت على بعض الأدوات التي تستخدم للطبخ، بدأت أتفحّص ما بداخله، ثم توجّهت إلى غرفة النوم، وأمرته بتسجيل كافة بياناتهم وإرسالها إلى قسم البحث الجنائي ليقوموا بعمل اللازم، عدتُ من جديد إلى الصالة وأنا أراقب عملية نقل الأم إلى الخارج. دخل إلي الضابط المسؤول عن عملية التمشيط، وأكّد لي سلبية نتيجة البحث، أدركت صعوبة الموقف بحق، وعلينا العمل بحذر وتركيز، فجميع من يعمل هنا يدركون خطورة الأمر، كلٌ في تخصصه، فريق التمشيط، فريق مسح البصمات، الفريق الجنائي وفريق التحري. تحدّثت إلى وليد قائلًا:
- ما رأيك أن نقوم بزيارة منازل الجيران القريبة لنجري بعض التحقيقات اللازمة؟
ردّ علي مترددًا:- من الصعب جدًا في هذا الوقت، - نذهب إلى المستشفى لنستمع إلى أقوال الأم. - إذًا أريدك احتياطًا أن تذهب في جولة تفقدية لكل الدكاكين والمحلات المنتشرة في المنطقة، طلبتُ التحدث مع زوجها، ولكنه لم يكن في المنزل، فذكرت أنه ربما خرج ليبحث عن الطفلة. وردني اتصال من المساعد ناصر، الأب غائب عن المنزل ولا يجيب على المكالمات، ظللت أتأمل في البيوت المجاورة وأنا في حيرة من أمري، نظرت إلى ساعتي،
"الساعة 08:30 مساءً
قسم العمليات المركزية
في تلك الغرفة الواسعة والشبّه مظلمة التي تستمد نورها من إضاءات شاشات المراقبة الكبيرة المثبّتة على أحد جدرانها، يجلس عددٌ من أفراد قسم العمليات المركزية المكلّفين بالرد على شتى البلاغات الأمنيَّة مقابل عدد كبير من أجهزة الحاسوب، والموزّعة على الطاولة المستديرة في منتصف تلك الغرفة، وبينما يمارسون وظيفتهم الاعتيادية، كان مدير ذلك القسم يتفقد سير العمل ويُجري حديثًا مع أحد أفراده، وعلى ما يبدو أن خطبًا ما قد حدث.
ماذا عن الحادث المروري الذي وقع في منطقة المعمورة؟
لقد قمت بإبلاغ قسم الدوريات»
هل ثمَّة إصاباتٍ قد حدثت؟
"- لا
الحمد لله
أردف الموظف قائلًا:
نظر المدير إلى ساعته، ثم ردّ قائلًا:
هكذا انتهى الحوار بينهما، الدقة والتركيز والمتابعة المستمرة من أهم ركائز العمل في هذا القسم، وليس هناك مجال للانشِغال بأمور آخرى تُؤثر على سيرِ العمل.
مرّت عدة دقائق، قبل أن يتلقّى ذات الموظف بلاغًا جديدًا.
العمليات المركزية، تفضل:"
أريد أن أتقدم ببلاغ حول اختفاء طفلة الجيران.
عفوًا، من يتحدث معي؟
اسمي (أسامة هاشم).
هل لك أن تحدد أين اختفت ومتى حدث ذلك؟
كانت في منزلها في منطقة (دفان الخور)، تغيَّبت منذ نصف ساعة.
ما هي صلتك بها؟
نحن جيران، وأم الطفلة طلبت المساعدة.
دوّن الموظف كل المعلومات الأساسية اللازمة، ونبّه على المتصل أن يتوجّه بصحبة ذوي الطفلة إلى أقرب مركز للشرطة للتقدّم ببلاغ رسمي عن الحادثة. نهض بعدها مباشرةً إلى مديره ليُعلمه عن مضمون ذلك البلاغ، ودار بينهما حوارٌ سريعٌ:
"- سيدي.. استقبلت بلاغًا يفيد باختفاء طفلةٍ من منزل ذويها.
إنه بلاغٌ حسّاسٌ جدًا.
سجّلتُ كلَّ المعلومات اللازمة، وطلبت من المتصل أن يتقدّم ببلاغ رسمي في أقرب مركزٍ للشرطة.
يبدو أنك في عجلةٍ من أمرك، تستطيع الانصراف الآن، سأقوم بتسليم تقريرك لزميلك في المناوبة التالية.
الساعة 11:00 ليلًا
بعد ثلاث ساعات من الاختفاء
الرائد/ سالم
لا أحب أفلام الرعب كثيرًا، خصوصًا تلك القصص المرتبطة بالمشاهد الدمويّة، فأنا أحبّذ قصص النفس البشريّة وحكايات ما وراء الطبيعة، تلك التي يحفّها كثيرٌ من الغموض والتشويق. في هذه الليلة بالذات عكفتُ على مشاهدة فيلم الرعب الكندي (لقاءات القبور)*1 الذي يجعلُك تقاوم النعاس، وتحوم في دائرة الترقب، ففي الدقيقة الخمسين تمامًا من شريط الفيلم، اكتشف أبطاله أنهم حُبسوا في مستشفى مهجور للأمراض النفسية بعد أن قرّروا المبيت فيه ليلًا، من أجل معرفة حقيقة وجود الأشباحِ فيه من عدمه، بدأ مستوى (الأدرينالين)*2 في دمائهم يرتفع شيئًا فشيئًا، وأنا أراقب ما سيحدث لهم بفضولٍ كبير.
رنّ هاتفي، تمعّنتُ في عنوان المتصل، المكالمة تَرِدُ من العمل وبالتحديد من قسم التحريات. ضغطتُ على زر إيقاف الفيلم، ثم أجبت:- الرائد سالم معك.
معك الرقيب عبيد، وردنا بلاغٌ رسميٌ يفيد باختفاء طفلةٍ من منزل ذويها.
ومتى حدث ذلك؟
حسب المعلومات الأوليّة، كان وقت اختفاءها حوالي الساعة الثامنة مساءً.
في أي مكان بالضبط؟
منطقة (دفان الخور) رقم المنزل (D٧٠)
انتابني شيءٌ من القلق، رغم أنني في معظم الأحيان أصافِحُ الاطمئنان وأفكّر بسكينة عندما أستقبل أي بلاغ مزعج كهذا، لكن يبدو أن حادثة من هذا النوع جعلت هاجسًا ما يسيطرُ علي. تأمّلتُ أن ترجع الطفلة إلى منزلها بأسرع وقت ممكن، وأن لا يكون قد حدث لها أي مكروه.
بأسرع وقت ممكن، قمت بالاتصال بمسؤول فريق التمشيط، أخبرني أنهم يقتربون من المنزل وسيبدؤون عمليات البحث عن الطفلة فور وصولهم حسب المواصفات المتوفرة لديهم، ذكر لي أنها في الرابعة من عمرها.. حنطية الملامح.. كانت ترتدي ملابس وردية قبل أن تختفي عن أنظار أمها.
أنهيتُ المكالمة، ثم انسحبتُ من غرفة المعيشة متّجهًا إلى غرفة النوم، غيّرتُ ملابسي بسرعة بينما تيّار الهواء البارد القادم من النافذة يلفح جسدي النحيل، عرّجت على غرفة الأطفال، ألقيت عليهم نظرة الأمان وشيءٍ من الخوف، كان يجول في خاطري أنهم مثل ملايين الأطفال في العالم ينامون بهناءٍ في رعاية آبائهم، تمنّيتُ حينها أن أكون سببًا في رجوع الطمأنينة إلى قلب من ينتظر عودة طفلته بسلام. أغلقْتُ باب غرفتهم بإحكام ثم مضيت في الممر المؤدي إلى الخارج. كانت زوجتي تنتظرني في غرفة المعيشة، يبدو أنها استيقظت على ضجيج دخولي وخروجي، هي تعلم جيدًا طبيعة عملي وما أمر به من صعوبات يومية، لذا لم تسألْني عن أي شيء، سوى أنها اقتربت مني بكل هدوء، ووقفت بجانبي، أخبرتها بموضوع الاتصال قبل أن تودّعني، تفاجأتْ هي من الأمر، شهقتْ ثمَّ جحظتْ عيناها من صدمة الخبر، قبّلتُها بهدوء ثم طلبتُ منها أن ترفع يديها إلى السماء وتدعو من أجل تلك الطفلة.
خرجتُ من منزلي الكائن في منطقة (الظيت الشمالي)، فتحتُ باب السيارة،أدرتُ المحرك، وأسرعتُ بتشغيل المدفأة، أجزم بأن درجة الحرارة الآن تقترب من الصفر، فنحن نعيش أجواء شهر يناير الباردة ليلًا. ضغطتُ على دواسة البنزين وانطلقت كالريح قاصدًا موقع الحادثة، المسافة بين منزلي ومنطقة (دفان الخور) قريبة لا تتعدى سبعَ دقائق.
رنّ صوت هاتفي، إنه النقيب (وليد) المحقق المساعد في فريق التحري، ماذا لديه يا ترى؟
وليد، هل من جديد؟
وصلتُ إلى موقع الحادثة وعمليات التمشيط بدأتْ حول المنزل.
هل دخلتَ إلى المنزل؟
نعم، أنا هناك، سأقوم بعمل اللازم ريثما تصل.
أنا في الطريق إليكم.
شكرت وليد على حرصه واستعداده الدائم في إدارة القضايا الميدانية التي نواجهها، ثم أغلقتُ الهاتف، تمعّنت في ساعة السيارة والتي تشير إلى الحادية عشرة وواحد وعشرين دقيقة، قبل أن أصل لمفترق طريق دوّار الساعة، أحد هذه الطرق يقودني إلى شارع «كورنيش القواسم» المطلِّ على الخور؛ أما الطريق الآخر فيدخلني في بعض الشوارع الضيقة وغير المعبّدة، لذا قرّرت أن أسلكه، لربّما أجِد أثرًا للطفلة على طريقي وسط الظلام، أو أشاهد أشخاصًا قد يشتبه بهم.
دخلت في ذلك الشارع غير الممهّد، وسط اهتزازات السيارة المتكرر، لا أثر لأطفال تائهين، أو بالغين يتسكّعون، مجرد مرور عادي لبعض السيارات العابرة، شاهدت بعض العمالة الآسيوية هنا وهناك، البعض ترى في وجوهِهم تجاعيد التعب والهموم المثقلة، والبعض الآخر ترمق في ملامحهم نوايا المكر والخديعة، من الصعب أن تكشف عما تكنّه قلوبهم من براءةٍ أو لؤم. أصبحتُ قريبًا من منزل الطفلة، تعمّدتُ إيقاف سيارتي بعيدًا بعض الشيء، ثم ترجلّتُ منها، هذا الأمر كثيرًا ما أستخدمه كي أستطيع قراءة بعض الدلالات أو الشواهد القريبة من موقع الحادثة. أرى على مقربة منّي مبنى قاعة الكورنيش للأفراح، الذي لا يبعدُ سوى أربعمائة متر من منزل الطفلة، نظرتُ إلى عدد كبير من السيارات تقف بجانب القاعة، صوت أغاني الفرقة الشعبية تصدح في المكان، وعدد غفير من المدعوين الرجال والأطفال يشاركون مراسم العرس في ساحة الاحتفال.
يا تُرى هل دخلت الطفلة تلك القاعة؟ هل كانت تلهو بالقرب منها مستمتعةً بالأغاني والرقص الشعبي الجميل؟ هل شاهدها أحدهم واصطحبها معه ؟! كل شيء وارد. أجريت اتصالًا بالمساعد الميداني في فريق التحري الوكيل (ناصر) المتواجد في منزل الطفلة، طلبت منه أن يتوجه برفقة أحد زملائه ليتفقدوا قاعة الأفراح ويبحثوا فيها جيدًا، وأمرته أن يخاطب قسم الأمن في قاعة النساء ليبحثوا عن الطفلة حسب المواصفات المتوفرة لدينا.
بدأت أمشي باتجاه منزل الطفلة، أرى عدة منازل متجاورة صغيرة الحجم وجميعها ذات دور أرضي فقط، بعضها مُهْترئ، وأخرى "قد جرى ترميمها منذ فترة طويلة، لاحظت عددًا كبيرًا من السيارات في المكان، قد يدل هذا على وجود عدد كبير من المستأجرين، ولربما كان هناك قاطنون عزّاب، أقلقني هذا الأمر كثيرًا لاسيما وجود فرص حقيقة للتحرش الجنسي قد تمارسها هذه الفئة مع الأطفال أو المراهقين. ألقيتُ بعضاً من مخاوفي خلف ظهري، ركّزت على الحادثة بعيدًا عن الاستنتاجات غير الملموسة حتى الآن، أكملت طريقي، شاهدت الممرات الضيّقة والكثيرة بين المنازل، إنّه أمر يصعّب مَهمّة التمشيط أحيانًا، وصلتُ بالقرب من باب منزل الطفلة؛ ذلك المنزل الذي يبدو متوسطًا في حجمه، رأيت أفراد التحريات والبحث الجنائي منتشرين في المكان.
وبينما عيناي ترصد المكان بدقة، وجدت مساحة لابأس بها في فناء المنزل تغري أيّ طفلٍ باللهو واللعب، سور المنزل منخفضٌ نوعًا ما، ويستطيع أي مراهق تسلقه والقفز فوقه، شاهدت النقيب وليد وهو يتحدث إلى بعضٍ من أفراد التحري في أحد زوايا ساحة المنزل الداخلية، رمقني هو الآخر واتجه نحوي، بادرتُهُ بالسؤال:
ما هو انطباعك الأولي؟
يشوب القضية الكثير من الغموض.
لم أفهم.
هناك ثلاثة أفراد فقط يسكنون المنزل، الأب والأم والطفلة!
أين هم؟
في لحظة وصولي إلى المنزل وما إن بدأتُ تحقيقي مع الأم، بدتْ منهارة وبرفقتها جارتها (سعاد)، لم تستطع التحدث معي ثم فقدت وعيها، وها نحن ننتظر سيارة الإسعاف، أما الأب فلم يكن موجودًا هنا آنذاك.
أين هو؟
حاول الفريق الاتصال به ولكنه لا يرد على الهاتف.
أمر غريب، قد تكون الطفلة معه ونحن نبحث هنا.
قرّرت أن أدخل إلى صالة المنزل برفقة وليد، توجّهنا بالتحديد إلى موقع وجود الأم في صالة المعيشة، رأيتها مستلقية على الأرض، طويلة القامة، جميلة الوجه، تجلس بجانبها جارتها سعاد، طلبت التحدث إلى سعاد على انفراد، تقدّمت باتجاهي وقد بدا عليها بعضٌ من الارتباك. سألتها بشيء من الحزم:
هل أنتِ جارةُ أمِّ لمياء
صمتت قليلًا، ثم أجابت:
نعم، وأنا قلقة كثيرًا.
معك الرائد سالم، هل لكِ أن تخبرينا ماذا حدث؟
جاءت أم لمياء إلى منزلنا تطلب المساعدة، بعد أن فقدت ابنتها.
ماذا قالت لك بالتحديد؟
قالت أنها كانت مشغولة في إعداد الطعام، وعندما خرجت إلى الصالة لم تجد ابنتها، فلجأت إلينا تطلب النجدة.
وماذا قالت أيضًا؟
كانت تصرخ وتبكي، لم أفهم منها ماذا جرى بالتحديد؟ عندها قمت بإبلاغ زوجي (أسامة) الذي قام بالاتصال برقم الطوارئ، ثم طلبوا منا أن نتوجه لأقرب مركز للشرطة، ونتقدم ببلاغٍ رسمي هناك.
صوت سيارة الإسعاف مُدَوٍّ في الخارج، خلال دقائق دخل طاقم التمريض وبدأوا عملية الإسعاف، في هذه الأثناء دخلتُ أنا إلى المطبخ، وطلبتُ من أحد المساعدين مرافقتي مع المصور الجنائي، بدأت أدوّن بعض الملحوظات، لفت انتباهي بعض الأكواب الملقاة على الطاولة، وبعض القدور على الفرن، تعمّدت النظر داخلها، ثمَّ عرّجت على بعض الأدوات التي تستخدم للطبخ، وفتحت صندوق الإسعافات الأولية المعلّق على الجدار، بدأت أتفحّص ما بداخله، ثم توجّهت إلى غرفة النوم، طلبت من مساعدي التفتيش وجلب أية هويات أو مستندات تخص الأم والأب، وأمرته بتسجيل كافة بياناتهم وإرسالها إلى قسم البحث الجنائي ليقوموا بعمل اللازم، عدتُ من جديد إلى الصالة وأنا أراقب عملية نقل الأم إلى الخارج.
دخل إلي الضابط المسؤول عن عملية التمشيط، وأكّد لي سلبية نتيجة البحث، فلا أثر يذكر للطفلة حسب قوله، أدركت صعوبة الموقف بحق، وعلينا العمل بحذر وتركيز، فجميع من يعمل هنا يدركون خطورة الأمر، كلٌ في تخصصه، فريق التمشيط، فريق مسح البصمات، الفريق الجنائي وفريق التحري.
تحدّثت إلى وليد قائلًا:
ردّ علي مترددًا:- من الصعب جدًا في هذا الوقت، قد نسبب إزعاجًا لهم.
إذًا ماذا تقترح؟
نذهب إلى المستشفى لنستمع إلى أقوال الأم.
قبل ذلك، أريد منك معرفة مكان وجود الأب، فربما يساعد هذا الأمر في معرفة مكان الطفلة.
فريق البحث الجنائي بدأوا مهمة البحث عنه.
إذًا أريدك احتياطًا أن تذهب في جولة تفقدية لكل الدكاكين والمحلات المنتشرة في المنطقة، وأريدك أن تتفحص كل البيوت المهجورة أو المنازل قيد الإنشاء القريبة من منزل الطفلة.
انطلق وليد في مهمة التقصي، بينما توّجهت أنا برفقة سعاد إلى منزلها، طلبتُ التحدث مع زوجها، ولكنه لم يكن في المنزل، سألتها عن سبب غيابه، فذكرت أنه ربما خرج ليبحث عن الطفلة.
رجعت من جديد وبالقرب من منزل الطفلة، وردني اتصال من المساعد ناصر، أفاد فيه عدمَ وجودِ أي أثر للطفلة في قاعة الأفراح، وذكر بأن أغلب الضيوف غادروا المكان، وقفت في حيرةٍ من أمري، حتى الآن لا يوجد لدينا أي دليل يرشدنا إلى المكان المحتمل الذي يمكن أن تتواجد فيه الطفلة، الأب غائب عن المنزل ولا يجيب على المكالمات، الأم في وضع نفسي وصحي لا تحسد عليه، ظللت أتأمل في البيوت المجاورة وأنا في حيرة من أمري، نظرت إلى ساعتي، كانت تشير إلى الثانية عشرة والربع بعد منتصف الليل، في هذا الوقت يقلُّ عدد الناس الذين يمكن أن يزوّدونا ببعض المعلومات حول علاقتهم بأسرة الطفلة المفقودة، ويقلُّ أيضًا عدد الشهود المحتملين وربما ينعدم، أنا على يقين بأن فريق العمل على قدر كبير من الثقة ويملكون الخبرة الكافية ويمتازون باليقظة والحس الأمني العالي.
انتهى فريق مسح البصمات من عملهم وغادروا المكان، كلّفت بعض أفراد فريق التحري أن يمكثوا بجانب المنزل، وأمرتهم بالتواصل معي بشكل مباشر في حال وجود أي مستجدات. انطلقت بعدها إلى قاعة الأفراح.
أوقفت سيارتي في مواجهة المكتب الإداري للقاعة، ترجّلت منها وأنا أراقب كاميرات المراقبة العلوية، طرقت باب المكتب، ثم دخلت، استغرب المدير المناوب وجودي في هذا الوقت، عرفّت بنفسي، وبدأتُ حديثي معه مباشرةً.
أعلم أن الوقت غير مناسب، ويبدو أنك تتأهب للمغادرة، لكن نحن نبحث عن طفلة مفقودة ومنزلها قريب من هنا، وأريد مساعدتك.
لم أفهم، كيف سأساعدكم؟!
سيمر عليك أحد عناصري بعد قليل، وأريد منك كامل التعاون والسماح له بمراجعة تسجيل كافة كاميرات المراقبة الداخلية والخارجية للقاعة، منذ صباح اليوم وحتى هذه اللحظة.
علي أن أتصل بالمسؤول الفني لكي يفعل ذلك.
لا عليك، يملك أفرادي الخبرة اللازمة وسيقومون بهذا الأمر، فقط عليك تسهيل مهمتهم.
هممتُ بالخروج، ركبت سيارتي، ثم اتصلت بالفريق الفني، طلبت منهم الاستعجال والمجيء لمعاينة كافة تسجيلات كاميرات المراقبة. ما جعلني أركّز في هذا الأمر، هي إحدى الكاميرات المثبته في أحد زوايا القاعة والتي قد تلتقط جانبًا قريبًا من الشارع الرملي القريب من منزل الطفلة، لعلها تساعدنا في مشاهدة ما حدث للطفلة وقت خروجها من المنزل.
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
في سالف الزمان كانت هناك مملكة كبيرة جدًا يقع على طرفها قرية صغيرة جدًا وكان أهل هذه القرية يتمتعون ...
يعد التعامل مع تحديات التحول الرقمي في دول مجلس التعاون الخليجي مسعى معقدًا يشمل جوانب مختلفة من الت...
Ethnic group. Phenomena associated with the diversity of folk cultures are usually referred to as th...
قال تعالى: أُولَكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةٍ ءَادَمَ و...
الأول حقوق الانسان في الشرائع والأديان السماوية أن الإنسان محور جميع الأديان والشرائع السماوية، بل ا...
تشمل مرحلة معالجة الموضوع الجديد على عدد غير محدد من العمليات التدريسية المترابطة فيما بينها ، بدء ب...
1-Skin rash or burn Prolonged use of hot packs and heating pads, or application of a heat source th...
أحمد طالب نجيب في مدرسته، وتعلّم أن يكون دومًا متسامحًا مع الآخرين، فقد غرس والديه في قلبه حب التسام...
يشهد العالم اليوم تطوراً سريعاً بشكل غير مسبوق في مختلف مجالات الحياة المعاصرة، فكل يوم نشهد مزيداً ...
The hand is one of the essential parts of the human body, and it is useful for performing various fu...
Technology offers us wonderful opportunities like the ability to learn from home, but it also may le...
أولا، توفر الرعاية الرياضية للرياضيين والفرق الرياضية الموارد المالية اللازمة للتدريب والتأهيل، وشرا...