Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

سياسة يوسف القرمانلي الداخلية
بين أفراد من الناحية الزمنية يتوافق حكم الممثل قبل الأخير والأكثر ألقاً الأسرة القرمانلية، يوسف (1795) - (1830 مع مرحلة هبوط القوة السياسية والعسكرية للامبراطورية العثمانية وقد هيأ ذلك الشروط الملائمة لترسيخ سلطة الأسرة القرمانلية وغرس النظم الاستبدادية المطلقة في إيالة طرابلس الغرب . وقد أصبحت مملوكة لهم من الناحية العملية. أو فراراً من الطاعون. فهاجرت إلى تونس أو مصر ووضع حكام طرابلس الغرب أيديهم على أراضيها. وهو ما يعادل من الناحية الشكلية عشر المحصول. أما من الناحية العملية فإن الضريبة كانت تتجاوز العشر عدة أضعاف ذلك أن الفلاحين كانوا يدفعون علاوة على العشر ضرائب أخرى ويقدمون خدمات مختلفة النوع، وخلال حكم القرمانلية ونظراً لازدياد دور رجال الدين في حكم الإيالة توسعت أراضي الأوقاف بصورة ملموسة. وكانت هذه الأراضي تؤجّر أيضاً للفلاحين. وكانت عملية توسيع العلاقات الإقطاعية تجري في القبائل الرحل ونصف الرحل على الرغم من أنالتوزع الطبقي على أساس الملكية كان يجري بين البدو بصورة أشد إبطاء. أما تحول شيوخ القبائل إلى كبار مالكين للأرض فكان يجري بصورة أسرع وتيرة في تلك القبائل التي تمر طرق التجارة الرئيسة عبرها وحيث توجد القطع الخصيبة من
الأرض وينابيع المياه. كان رخاء الإيالة يرتبط إلى حد بعيد بتساقط الأمطار. ففي موسم الأمطار الغزيرة تجني الإيالة محاصيل كبيرة إلى حد ما، وتقوم بتصدير الحبوب إلى المناطق الأخرى وتحصل على مداخيل كبيرة لقاء ذلك. حالة
وكانت أسعار القمح في تزايد ففي فترات الجفاف تعاني الإيالة من . الفقر ويهلك الناس جوعاً، وكان عليهم أن يهجروا المناطق المأهولة. وبهدف
الحيلولة دون وقوع الاضطرابات بين السكان يلجأ الحكام إلى اتخاذ التدابير
السريعة كما حدث سنة 1784 عندما طلب علي القرمانلي
الدولتين
الصديقتين - مراكش وتونس. المساعدة
من
كان حراثة الأرض وجمع المحصول يجريان بطرق بدائية بالمحراث والنورج (وهو أداة زراعية لدرس (الحبوب ويسيَّران بالقوة العضلية. كما أن الطقس الجاف وعدم انتظام الأمطار وشحها الشديد بالإضافة إلى الوسائل البدائية للزراعة كانت تحول دون تطوير القوى الانتاجية. وكان نظام المقايضة سائداً في البلاد وبنتيجة ذلك كانت العلاقات الاقتصادية واهية بين مدن الإيالة القليلة
مختلف كان الاقتصاد الحرفي متطوّراً في مدن طرابلس، بنغازي مصراتة ومرزق ويقوم على العمل اليدوي بصورة مطلقة. وقد انتشر بصورة واسعة . صنع أنواع الجرود والأغطية من صوف الغنم والذي كانوا يستخدمون لتصنيعه في الغزل اليدوي الثقيل والخشن أما الغزل الناعم فكان يستورد من تونس ومن
جزيرة جربة التي يصل إليها من إنجلترا. ومن هذا الغزل يتم إعداد الجرودهناك
للوجهاء والأثرياء. وكان المركز المشهور لصناعته - نالوت في منطقة جبل نفوسة . كما اشتهرت طرابلس الغرب بمنتوجاتها الجلدية فقد كان في مدن الأيالة
مدابغ ومصابغ لتصنيع الجلود وأحياناً كان يتم استيراد الجلود غير المدبوغة من
بعد ذلك على هيئة جلد مدبوغ مزخرف بمختلف الألوان. وفي نهاية القرن الثامن
عشر سادت موضة اللون الذهبي للجلد والذي يسمى الـ «سامانتو» وكانت النساء
يقمن بتقطيع هذا الجلد شرائط صغيرة ويستخدمنها زينة أو يعشقنها بجدائل
شعورهن [73 ، ص 159] . وكان الحرفيون يعدون من الجلود الصنادل والحقائب
والمحافظ والسروح وغيرها من المصنوعات . كانوا في طرابلس ومرزق يصنعون الرماح والسيوف من مختلف الأحجام، ومن قطع الغيار المستوردة من الدول الأوروبية تجمع الأسلحة كما تُعَدُّ القطع الخشبية الضرورية لها وهذه الأسلحة التي تباع في السوق المحلي كانت
كانت مدن إيالة طرابلس الغرب تمثل مراكز تجارية ضخمة على الرغم من أن التجارة تعرضت المصاعب جادة : ما كان يفرض على البضائع من رسوم كثيرة العدد أثناء استيرادها فعبر طرابلس كانت تتجه إلى بورنو وودان مختلف أنواع الخرز الزجاجية والمرجان والإبر والتوابل والأقمشة الحريرية والقطنية والمرايا والسيوف الطويلة وبعض أنواع السجاد بما في ذلك المحلي (في طرابلس ومصراتة والبرانس المصنوعة من الأقمشة الحريرية والقطنية ذات الخيوط والشرائط الذهبية والزجاج الأسود والأزرق من البندقية والبارود والقماش الناعم لخياطة قمصان الشيوخ ورؤساء القبائل بالإضافة إلى المبارد والمطارق وبعض أنواع العطور ومن السودان إلى طرابلس كان يصل العبيد، وعلى الخصوص الجواري، إذ أن ثمن العبد الرجل كان يصل من ثلث إلى نصفثمن الجارية. وهو أحد المواد العطرة التي تستخرج من بعض القطط المتوحشة الأفريقية أو الآسيوية ويعادل ثمن مثل هذا الحيوان في العادة ثمن ثلاثة إلى أربعة من العبيد [73، ص 153 154]. وبالإضافة إلى ذلك فإن التجارة مع أفريقيا الوسطى كانت تجري بمثل هذه البضائع كالقطن والجلد وريش النعام وعاج الفيل. ويوجه إلى مصر العبيد والذهب والفلفل الأسود وجلود الفهود والأسود والتنباك عبر أفريقيا الوسطى. .. أما الأحمال التجارية التي تشحن من أوروبا إلى طرابلس فكانت تكمل بالبضائع التي يتم الاستيلاء عليها خلال الهجوم على الشحن التجارية للدول التي
تكون على علاقة عدائية مع حاكم الإيالة . وتزامن العهد الأول لحكم يوسف باشا القرمانلي مع مرحلة تطور تجارة إيالة طرابلس الغرب وغيرها من دول الشمال الإفريقي، فكانت التجارة المصدر الأساسي لموارد خزينة الحاكم. ولم تُثر فقط أعضاء الأسرة القرمانلية على حسابها بل وكانوا أنفسهم يشتغلون بالتجارة أو كانوا يستثمرون أموالهم في الأعمال التجارية وهو ما تشير إليه الوثائق المحفوظة في أرشيفات المتحف التاريخي في طرابلس. كما أن تنامي تصدير البضائع إلى أفريقيا وتصدير المواد الأولية منها إلى أوروبا كان نتيجة للثورة الصناعية في إنجلترا وفرنسا ولانتصار العلاقات الإنتاجية الرأسمالية في هاتين الدولتين وقد تحول حوض البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة حركة بحرية تجارية متعاظمة. ما مكن حكام دول الشمال الإفريقي من أن يجبوا من السفن إتاوة كبرى كانت بالنسبة لهم أيضاً واحداً من أكبر مصادر الدخل. كما أن الحصائل الواردة من التجارة الإفريقية عبر الصحراء والتي تطورت بفضل المتطلبات المتنامية لأوروبا في تصريف منتوجها كانت مصدراً للدخل لا يقل أهمية . وهو
لما وصل يوسف القرمانلي إلى السلطة حاول أن يضفي عليها الصفة الشرعية وأن يكسب عطف السلطان فبذل كثيراً من الجهود ليحصل منه على فرمان بتعيينه نائباً له في أيالة طرابلس الغرب. وكان مفروضاً أن يعزز الفرمان
من لم يوفر يوسف القرمانلي أية وسيلة للحصول على لقب باشا. فخلال أنصاره، من بين المقربين إلى باي ، تونس، طلب من هذا الأخير أن يكون شفيعه إلى السلطان بل واتجه هذا إلى القنصل الفرنسي لكي يطلب هذا السفير
وضع يوسف وأن يرفع من مكانته في عيون السكان. ولهذا جمع أبرز وجهاء البلاد وطالبهم بكتابة عريضة يثنون فيها على وصوله إلى السلطة ويطلبون من السلطان تثبيته والياً على إيالة طرابلس الغرب وأمر بأن ترفق الرسالة بكثير من الهدايا النفيسة [133، ص 161]. وبالإضافة إلى ذلك وجه رسالة شخصية إلى السلطان أوضح فيها بصورة تفصيلية الأحداث التي وقعت في الإيالة في الآونة الأخيرة كما تحدث عن الفوضى والاضطرابات النبيلة والتي تسببت مجموعها في كثير من المآسي للأهالي وختم رسالته بالتوكيد على الوفاء للسلطان وبرجاء تلبية
رغائب سكان طرابلس الغرب وتعيينه نائباً له في الإيالة . الفرنسي في استامبول للتوسط في تحقيق مخططاته . وتوجت جهود يوسف القرمانلي بالنجاح. ففي سنة 1796 صدر فرمان عينه
السلطان سليم الثالث (1789) - (1807 بموجبه نائباً في إيالة طرابلس الغرب. وأشير في الفرمان إلى أن السلطان يعبر بتعيينه يوسف القرمانلي في منصب أمير الأمراء ومنحه لقب باشا عن أمله في إصلاح أمور الرعية في الإيالة». كما وضعت أمام نائب السلطان المعين مهمة زيادة حجم المراكب ورفع قدراتها القتالية وأشير عليه أن يتعرف بناء على التعليمات الدقيقة للسلطان أن لا يخرق بصفة خاصة بنود معاهدة ياس وعدم مهاجمة السفن الروسية [101، ص 388 33389 ، ص 161 - 162] . ولتوكيد تعيين يوسف القرمانلي وتدعيم العلاقات الودية مع النائب الجديد للسلطان أهداه الباب العالي
سفينة مجهزة بـ 18 مدفعاً وبالذخيرة واللوازم. وقد وعد يوسف القرمانلي في ردّه على الفرمان السلطاني بأن ينفذ كلطلب منه . وكان الحاكم قد أبدى مثل هذا الاستعداد لخدمة السلطان حتى قبل استلام الفرمان فاعترف بالسلطان خليفة جميع المسلمين. وكان في جميع الأمور الدينية يسير دون خروج على أوامره أما في الأمور الدنيوية فكان يعد
نفسه وإيالته مستقلين عن استامبول . طاقة وحزم أما الخطوة التالية باتجاه تعزيز سلطة يوسف القرمانلي فكانت إقرار السلام والأمن في إيالة طرابلس الغرب. ولهذا أخذ يعمل بكل ما لديه من على إقرار النظام في البلاد ومن أجل القضاء على أحداث النهب فرض، منذ أول أيام وصوله إلى السلطة عقوبة الإعدام على أقل سرقة. وكرس الكثير من الجهود والوقت لإقرار وتسوية أعمال الجهاز الإداري الذي تحول في عهده إلى
آلية قوية للضغط على الفلاحين والبدو. أما الشخص الثاني في الإيالة فكان ولي العهد ولقبه البيك. وكان يتولاه في العادة الابن الأكبر للحاكم. وكان البك يقود جيوش الإيالة وهو المسؤول عن الأمن والاستقرار في البلاد بالإضافة إلى جمع الضرائب. ويليه في الأهمية قائد الأسطول - رئيس البحرية أو قبودان المينا. وبالإضافة إلى قيادة الأسطول وتمويله بكل ما يلزم كان يدخل في مهامه أيضاً تحديد قوانين الإبحار عند سواحل الإيالة وجمع الضرائب، وفي العادة كان يشغل هذا المنصب الرفيع المسؤول في عهد الأسرة القرناملية المستجدون على الإسلام والمرتبطون بصلات الرحم مع حكام الإيالة وذلك كتوكيد على وفائهم للأسرة الحاكمة فرئيس البحرية في عهد يوسف
القرمانلي كان متزوجاً من واحدة من بناته الكثيرات العدد. وفي عهد يوسف القرمانلي استبدل لقب الخزندار (الخازن) بلقب وزير المال الذي تعهد إليه الأمور المالية التي تشمل دائرة كبيرة من القضايا. وعلى اتساع علاقات طرابلس الغرب بالدول الأوروبية وغيرها أدخل يوسف في جهاز الإدارة منصبيـن جـديـديـن - كبير الوزراء على غرار الصدر الأعظم في الامبراطورية العثمانية ووزير الشؤون الخارجية. وقد لعب هذان الوزيران دوراًويحسب هاماً في إدارة الإيالة فكان يوسف القرامانلي يشاورهما في جميع الأمور تقريباً حساباً لما يريانه . وكان يبعث بهما إلى الدول الأوروبية لتسوية القضايا المعلقة. وتترك للوزيرين الحرية المطلقة في التفاوض والحق في أن يتخذوا في عين المكان القرار الذي يصدق الباشا عليه دون أي اعتراض . وكان المستشار الأكبر والمستشار الأصغر - الكيخيا الكبير والكيخيا الصغير يلعبان دوراً هاماً في إدارة القرمانلي. وكان المستشار الكبير في الوقت نفسه رئيس التشريفات في القصر ومربي الابن الأكبر للحاكم، ويشرف، بالإضافة إلى ذلك، 6
وفضلاً ذلك كان الكاهية الصغير مسؤولاً عن الحرس الخاص بالحاكم ونظراً لأهمية هذين المنصبين لم يكن يعين فيهما سوى ممثلي الأسرة القرمانلية . عن
وبالإضافة إلى المناصب المذكورة كان منصب شيخ المدينة (شيخ البلد) واحداً. من المناصب الأساسية في جهاز إيالة طرابلس وكان يعتمد في إنجاز مهامه على شيوخ طوائف المدينة ورؤساء الاتحادات القائمة على أسس قومية أو
دينية أو حرفية . كما كان القضاة الشرعيون يلعبون دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية للإيالة . فالمحاكمة تجري في العادة عن طريق قاضيين يمثل أحدهما الفقه الحنفي الذي
يسير عليه الأتراك. ويتم تعيين هذا القاضي على مدار سنوات طويلة في عاصمة
ومن استامبول أيضاً يتلقى فرمان الإعفاء. وقد توصل علي القرمانلي إلى أن صار القضاة الأحناف يعينون ويعفون من ذلك المنصب عن طريق حاكم الإيالة . وكان القاضي الثاني يعين من طرف سكان الإيالة ويمثل الفقه المالكي الذي تسير عليه غالبية سكان البلاد. ولذلك لم يكن لهم قاضيهم الرسمي. ويمكننا الجزم، بناء على الوثائق الموجودة في أرشيف المتحفوالمسؤول عن جميع المركزي بطرابلس أن القاضي الحنفي كان يُعَدّ القاضي الأول في المدينة القضاة في المدينة فقد كان من حقه تعيينهم وعزلهم . وكان المفسري الشريعة - المفتين مركز رفيع بين الشخصيات الدينية. فكان من حقهم إعادة النظر في قرارات القضاة المتعلقة بالزواج والطلاق والإرث وسوى ذلك بما في ذلك قضايا عقود البيع. ولهذه الغاية نظم مجلس يتكون من مفتيين - أحدهما حنفي والآخر مالكي يعينان مباشرة من قبل الباشا. وكان لهما الحق في تصديق الحكم أو نقضه. فإذا ما اختلفا أحيلت القضية إلى مجلس العلماء المكون من عدد متساو من ممثلي الشرع الحنفي والمالكي. وكان الحاكم إيالة طرابلس الغرب المالك المطلق للبلاد - ديوان يدخل فيه قائد الأسطول وزير المالية وشيخ البلد، وقاضي طرابلس - الحنفي ورئيس الانكشارية وأربعة موظفين للقيام بالأعمال الكتابية ومترجمان ـ أحدهما للترجمة
من العربية إلى التركية والآخر من التركية إلى العربية . وبين الفينة والفينة كان يوسف القرمانلي يجمع الديوان في صورته الموسعة لمناقشة القضايا الملحة ويدعو إليه الوجهاء من المواطنين وزعماء القبائل وكان الديوان يعقد جلساته كل يوم باستثناء الجمعة فتناقش في النصف الأول من النهار الشكاوى الواردة من الأهالي ثم تناقش بعد ذلك أمور الإيالة التي يطرحها الحاكم. وفي يوم الثلاثاء تعقد جلسة خاصة يحضرها حاكم الولاية والوزير الأكبر ووزير الشؤون الخارجية وتسمع فيه تقارير أعضاء الديوان حول الأمور المطروحة للمناقشة والمتعلقة بالإيالة ويسمع في الوقت نفسه رأي الوالي في المسائل الأكثر تعقيداً كما تنسق القرارات في الموضوعات التي تدخل في صلاحيات حاكم الولاية . فمثلاً يترك للديوان تحديد الإجراءات الأكثر صرامة في معاقبة المجرمين. وقد أشار الرحالة الإنجليزي الكابتن ليون الذي زار طرابلس خلال حكم يوسف باشا إلى أن تدابير العقوبة كانت تختلف هناك عن تلك التي تطبق في أوروبا. فمثلاً إذا أقدم اللص على سرقة ثانية تقطع يده الأخرى أو قدم رجله. وتتم هذه العملية بواسطة السكين وبعد إجرائها يغطس أصل العضو المقطوع في السمن المغلي وبعد ذلك يسمح للجاني بالذهاب إلى البيت [88، ص 167]. وبالإضافة إلى ذلك كانت تطبق الأحكام بالسجن لفترات مختلفة في سجون القلعة الموحشة وفضلاً عن ذلك كان ثمة سجن خاص بالأتراك وسجنان آخران لبقية سكان الإيالة وكان طعام السجناء على حسابهم الخاص، فكان
الطعام يحمله أهل المساجين أو أصدقاؤهم إليهم . وانتشرت على نطاق واسع عقوبة الجلد بالعصا أو بالسوط على الظهر أو القدمين. وكانت هذه العقوبة بالغة القسوة لأنها كثيراً ما انتهت إلى الموت وفقاً
لعدد الجلدات. وكانت العادة أن يحكم بخمسين جلدة لكن العدد كان يرتفع في بعض الأحيان إلى 400 - 500 وكان من مهمات الديوان تعيين موظف مختص للسهر على دقة التنفيذ وكانوا يضربون المتهم من الأوساط الدنيا بالعصا أو بالسوط لكن الحاكم القاسي كان يعمد من أجل تسلية نفسه، إلى تطبيق هذه العقوبة أيضاً على الوزراء وموظفي المناصب العليا بل وحتى على أنسبائه
الأقرباء . أما أقسى العقوبات فكانت قطع الرأس أو الشنق أو الخنق . وعلى نحو ما كان الأمر بالنسبة للسابقين فإن عماد نظام القرمانلي كان الجيش والأسطول. وكان الجيش ينظم من بين المرتزقة لمدة العمليات الحربية . ا سبب الامتناع عن الجيش النظامي فهو نقص الأموال اللازمة للاتفاق عليه في هذا الجيش بالدرجة الأولى من القولوغلية وأيضاً من الانكشارية المقيمين في طرابلس ومن الكتائب المسلحة من بين القبائل الصديقة أما أوقات السلم. ويجمع
كان القولوغلية يشكلون الركيزة الأساسية للجيش. ويقدم رؤساء تجمعات القولوغلية العدد المطلوب من الجند لقاء الإعفاء من الضرائب وبدلاً لامتيازات أخرى. ونتيجة لذلك كان بوسع يوسف القرمانلي أن يجمع جيشاً يضم 10 آلاف
خيال و 40 ألفاً . المشاة. من
أما بالنسبة للكتائب المقاتلة من القبائل فكانت تستخدم بصورة ناجحة في الحملات التأديبية ضد القبائل التي تكون في حالة عداء . مع القبيلة الموالية لحاكم الإيالة. وبالإضافة إلى ذلك كان يوسف القرمانلي يدفع لشيخ القبيلة الموالية مقادير معينة المال مضافة إلى مختلف الامتيازات وذلك سعياً لضمان ولاء الطبقة العليا لنظامه. أما الانكشارية فيثبتون أركان الجيش من خلال كونهم المقاتلين المتخصصين، وما كانوا يقاتلون ببراعة إلا عند التعويض المادي الجيد من
على خدماتهم . مثل هذا الجيش المشكل من فرق مختلفة الألوان ما كان ليمثل قوة منظمة، منضبطة ومركزة حول أهداف موحدة، فالفرقة في الجيش لا تأتمر إلا بأمر صاحبها والتنسيق مع الفرق الأخرى ضعيف . وقد قدم باولو ديلاتشيلا وصفاً لجيش يوسف القرمانلي وكان هذا طبيباً من سردينية رافق ذلك الجيش في إحدى حملاته التأديبية إلى برقة : . لم يكن ثمة أي نظام في الحركة، ولا شيء مشترك في نماذج الأسلحة. فقد كان الجنود مسلحين بمختلف البنادق والمسدسات من أردأ الأصناف. وكانوا في غالبيتهم يرتدون أسمالاً ممزقة من الصوف وبدلاً من الأحذية كان هناك قطع من جلود الجمال المجففة تحت الشمس، تشد إلى الأقدام بحبل. وكان لكل محارب باروده ورصاصه وحشواته وكان عليه أن يتدبر تزويد نفسه بنفسه عند دخول
جيش الحاكم. أما الاحتياجات فكان يتم الحصول عليها خلال الحملة وذلك على حساب السكان الذين ينتزع منهم كل شيء يقع تحت اليد [54، 10-9وعلى الرغم من كثرة وجوه النقص في الإعداد الحربي للجيش ولتنظيمه وتزويده فإنه كان مطواعاً ليوسف القرمانلي ينفذ أوامره دون تردد. ويعود الفضل في ذلك إلى أنه كان يختار للجيش أولئك الأوفياء للأسرة القرمانلية، أما الحملات العسكرية فكان يقودها في العادة أبناء الحاكم وأقرباؤه. كما أن إمكانية الإثراء على حساب نهب السكان وعطايا الحاكم لعبت دوراً لا يقل أهمية في جعل الجيش سلاحاً طيعاً في يدي يوسف القرمانلي. ويمثل هذا واحداً من الأسباب الرئيسة التي جعلت يوسف يمتنع عن إعادة تنظيم الجيش وفقاً للنموذج
الأجنبي ورغم كل أوامر الباب العالي. فبدءاً من عهد السلطان مصطفى الثالث [1757 - 1774] بدأت الامبراطورية العثمانية بتطبيق نظام كان موجهاً بالدرجة الأولى ضد الانكشارية وهو إعادة تنظيم الجيش التركي. وردّاً على ذلك هبطت الروح القتالية هبوطاً حاداً . وذلك من خلال حرصها على التمسك بامتيازاتها، فقرر السلطان محمود الثاني (1808 - 1839) إنجاز عملية إعادة تنظيم الجيش في الامبراطورية العثمانية والتخلص نهائياً من الملابس أنحاء
الانكشارية ولم يطل الوقت حتى تم التخلص منها . وعلى الرغم من أوامر محمود الثاني الصارمة إلى يوسف باشا بتطبيق النظام
وإلى جانب الجيش كان ليوسف القرمانلي فرق نظامية خاصة (الشاويشية)من كانت تولى أهمية كبرى لبناء السفن على الرغم من المصاعب الجادة التي يلزم تخطيها للحصول على خشب السفن من الدول الأخرى. غفير من الشعب يضم في مجموعه المقربين من السلطان وممثلي القنصليات الأجنبية. ووفقاً للتقاليد الدارجة يتواكب إنزال السفينة إلى الماء بشد عبد أسود إلى مقدمتها وهو ما يجسد المغانم الكبيرة التي تحققها تجارة العبيد وكانت تساق إلى الشاطيء خراف ناصعة البياض تزين بالزهور ثم تنزل في السفينة. وفي لحظة بداية حركـ ركة السفينة من مزلق الترسانة إلى البحر كانوا ينحرون الخراف وهو ما يعني طالع سعد يمنى بالتوفيق بالنسبة للطاقم وعندما تدخل السفينة الميناء كانت تتعالى طلقات جمع
بالإضافة إلى ذلك، مهام الشرطة، بالإضافة إلى الزنوج الذين أعتقوا من العبودية . ولذلك كان الأسطول يمثل المهمة الأولية
الدرجة بالنسبة للحاكم . البطارية الساحلية ومدافع السفن. ولهذا كان الأسطول يتضخم بالدرجة الأولى على حساب ما ينتزعه القراصنة من أيادي الأعداء. كما تلقى حاكم طرابلس الغرب عدداً غير قليل من المراكب في صورة هدايا من الامبراطوريةتحديد مكن تدعيم الجيش والأسطول يوسف القرمانلي من بسط سيطرته على کامل رقعة طرابلس الغرب ومد نفوذه إلى مسافات بعيدة جنوباً حتى بوركو . وكانت تجري في البلاد عملية تكون الملكية الاستبدادية المطلقة مع
يضاف إلى هذا أن شراء السفن من الدول الأخرى كان مصدراً هاماً لزيادة عددها في
الأسطول . سلطة الإقطاعيين المحليين وتصفية آثار التفتت الاقطاعي . مصراتة وبنغازي وكانت الألوية تقسم إلى أقضية والأقضية إلى نواح وبواسطة الجهاز الإداري المحلي كانت تجري عمليات تطويع السكان فترسل قوات من طرابلس إلى المناطق التي تحتاج إلى
المساعدة في تحقيق ذلك .


Original text

سياسة يوسف القرمانلي الداخلية


بين أفراد من الناحية الزمنية يتوافق حكم الممثل قبل الأخير والأكثر ألقاً الأسرة القرمانلية، يوسف (1795) - (1830 مع مرحلة هبوط القوة السياسية والعسكرية للامبراطورية العثمانية وقد هيأ ذلك الشروط الملائمة لترسيخ سلطة الأسرة القرمانلية وغرس النظم الاستبدادية المطلقة في إيالة طرابلس الغرب .


قام الممثلون الكثيرون للأسرة القرمانلية والمقربون منهم باستخدام الأراضي الزراعية الواسعة لمصلحتهم، وقد أصبحت مملوكة لهم من الناحية العملية. وكانت هذه الأراضي أملاك دولة للامبراطورية العثمانية أو ملكاً للقبائل التي اضطرت إلى مغادرة حدود الإيالة نتيجة للنزاعات القبلية خلال سنوات المجاعة، أو فراراً من الطاعون. فهاجرت إلى تونس أو مصر ووضع حكام طرابلس الغرب أيديهم على أراضيها. وكان أعضاء الأسرة القرمانلية يؤجرون هذه الأراضي للفلاحين الذين يدفعون عليها الضريبة العينية - العشر، وهو ما يعادل من الناحية الشكلية عشر المحصول. أما من الناحية العملية فإن الضريبة كانت تتجاوز العشر عدة أضعاف ذلك أن الفلاحين كانوا يدفعون علاوة على العشر ضرائب أخرى ويقدمون خدمات مختلفة النوع، وخلال حكم القرمانلية ونظراً لازدياد دور رجال الدين في حكم الإيالة توسعت أراضي الأوقاف بصورة ملموسة. وكانت هذه الأراضي تؤجّر أيضاً للفلاحين. وكانت عملية توسيع العلاقات الإقطاعية تجري في القبائل الرحل ونصف الرحل على الرغم من أنالتوزع الطبقي على أساس الملكية كان يجري بين البدو بصورة أشد إبطاء. أما تحول شيوخ القبائل إلى كبار مالكين للأرض فكان يجري بصورة أسرع وتيرة في تلك القبائل التي تمر طرق التجارة الرئيسة عبرها وحيث توجد القطع الخصيبة من


الأرض وينابيع المياه.


كان رخاء الإيالة يرتبط إلى حد بعيد بتساقط الأمطار. ففي موسم الأمطار الغزيرة تجني الإيالة محاصيل كبيرة إلى حد ما، وتقوم بتصدير الحبوب إلى المناطق الأخرى وتحصل على مداخيل كبيرة لقاء ذلك. ولكن عندما يتناقص


هطول الأمطار تقل المحاصيل ويغدو السكان عرضة للمجاعة .


حالة


وكانت أسعار القمح في تزايد ففي فترات الجفاف تعاني الإيالة من .


الفقر ويهلك الناس جوعاً، وكان عليهم أن يهجروا المناطق المأهولة. وبهدف


الحيلولة دون وقوع الاضطرابات بين السكان يلجأ الحكام إلى اتخاذ التدابير


السريعة كما حدث سنة 1784 عندما طلب علي القرمانلي


الدولتين


الصديقتين - مراكش وتونس.


المساعدة


من


كان حراثة الأرض وجمع المحصول يجريان بطرق بدائية بالمحراث والنورج (وهو أداة زراعية لدرس (الحبوب ويسيَّران بالقوة العضلية. كما أن الطقس الجاف وعدم انتظام الأمطار وشحها الشديد بالإضافة إلى الوسائل البدائية للزراعة كانت تحول دون تطوير القوى الانتاجية. وكان نظام المقايضة سائداً في البلاد وبنتيجة ذلك كانت العلاقات الاقتصادية واهية بين مدن الإيالة القليلة


العدد وبين دواخلها .


مختلف كان الاقتصاد الحرفي متطوّراً في مدن طرابلس، بنغازي مصراتة ومرزق ويقوم على العمل اليدوي بصورة مطلقة. وقد انتشر بصورة واسعة . صنع أنواع الجرود والأغطية من صوف الغنم والذي كانوا يستخدمون لتصنيعه في الغزل اليدوي الثقيل والخشن أما الغزل الناعم فكان يستورد من تونس ومن


جزيرة جربة التي يصل إليها من إنجلترا. ومن هذا الغزل يتم إعداد الجرودهناك


للوجهاء والأثرياء. وكان المركز المشهور لصناعته - نالوت في منطقة جبل نفوسة . كما تطور انتاج المصنوعات الذهبية والفضية فقد كان تجار فزان يجيئون بالذهب من السودان على هيئة تبر أو سبائك صغيرة ويبيعونه في أسواق طرابلس .


كما اشتهرت طرابلس الغرب بمنتوجاتها الجلدية فقد كان في مدن الأيالة


مدابغ ومصابغ لتصنيع الجلود وأحياناً كان يتم استيراد الجلود غير المدبوغة من


السودان وفي أحيان كثيرة كانت هذه الجلود التي تصدر إلى مصر تعود من .


بعد ذلك على هيئة جلد مدبوغ مزخرف بمختلف الألوان. وفي نهاية القرن الثامن


عشر سادت موضة اللون الذهبي للجلد والذي يسمى الـ «سامانتو» وكانت النساء


يقمن بتقطيع هذا الجلد شرائط صغيرة ويستخدمنها زينة أو يعشقنها بجدائل


شعورهن [73 ، ص 159] . وكان الحرفيون يعدون من الجلود الصنادل والحقائب


والمحافظ والسروح وغيرها من المصنوعات .


كانوا في طرابلس ومرزق يصنعون الرماح والسيوف من مختلف الأحجام، ومن قطع الغيار المستوردة من الدول الأوروبية تجمع الأسلحة كما تُعَدُّ القطع الخشبية الضرورية لها وهذه الأسلحة التي تباع في السوق المحلي كانت


أرخص من المستوردة إلى حد ما.


كانت مدن إيالة طرابلس الغرب تمثل مراكز تجارية ضخمة على الرغم من أن التجارة تعرضت المصاعب جادة : ما كان يفرض على البضائع من رسوم كثيرة العدد أثناء استيرادها فعبر طرابلس كانت تتجه إلى بورنو وودان مختلف أنواع الخرز الزجاجية والمرجان والإبر والتوابل والأقمشة الحريرية والقطنية والمرايا والسيوف الطويلة وبعض أنواع السجاد بما في ذلك المحلي (في طرابلس ومصراتة والبرانس المصنوعة من الأقمشة الحريرية والقطنية ذات الخيوط والشرائط الذهبية والزجاج الأسود والأزرق من البندقية والبارود والقماش الناعم لخياطة قمصان الشيوخ ورؤساء القبائل بالإضافة إلى المبارد والمطارق وبعض أنواع العطور ومن السودان إلى طرابلس كان يصل العبيد، وعلى الخصوص الجواري، إذ أن ثمن العبد الرجل كان يصل من ثلث إلى نصفثمن الجارية. أما البضاعة الثمينة فكان الـ سيبيت موسكوس، وهو أحد المواد العطرة التي تستخرج من بعض القطط المتوحشة الأفريقية أو الآسيوية ويعادل ثمن مثل هذا الحيوان في العادة ثمن ثلاثة إلى أربعة من العبيد [73، ص 153 154]. وبالإضافة إلى ذلك فإن التجارة مع أفريقيا الوسطى كانت تجري بمثل هذه البضائع كالقطن والجلد وريش النعام وعاج الفيل. ويوجه إلى مصر العبيد والذهب والفلفل الأسود وجلود الفهود والأسود والتنباك عبر أفريقيا الوسطى. .. أما الأحمال التجارية التي تشحن من أوروبا إلى طرابلس فكانت تكمل بالبضائع التي يتم الاستيلاء عليها خلال الهجوم على الشحن التجارية للدول التي


تكون على علاقة عدائية مع حاكم الإيالة .


وتزامن العهد الأول لحكم يوسف باشا القرمانلي مع مرحلة تطور تجارة إيالة طرابلس الغرب وغيرها من دول الشمال الإفريقي، فكانت التجارة المصدر الأساسي لموارد خزينة الحاكم. ولم تُثر فقط أعضاء الأسرة القرمانلية على حسابها بل وكانوا أنفسهم يشتغلون بالتجارة أو كانوا يستثمرون أموالهم في الأعمال التجارية وهو ما تشير إليه الوثائق المحفوظة في أرشيفات المتحف التاريخي في طرابلس. كما أن تنامي تصدير البضائع إلى أفريقيا وتصدير المواد الأولية منها إلى أوروبا كان نتيجة للثورة الصناعية في إنجلترا وفرنسا ولانتصار العلاقات الإنتاجية الرأسمالية في هاتين الدولتين وقد تحول حوض البحر الأبيض المتوسط إلى منطقة حركة بحرية تجارية متعاظمة. ما مكن حكام دول الشمال الإفريقي من أن يجبوا من السفن إتاوة كبرى كانت بالنسبة لهم أيضاً واحداً من أكبر مصادر الدخل. كما أن الحصائل الواردة من التجارة الإفريقية عبر الصحراء والتي تطورت بفضل المتطلبات المتنامية لأوروبا في تصريف منتوجها كانت مصدراً للدخل لا يقل أهمية . وهو


لما وصل يوسف القرمانلي إلى السلطة حاول أن يضفي عليها الصفة الشرعية وأن يكسب عطف السلطان فبذل كثيراً من الجهود ليحصل منه على فرمان بتعيينه نائباً له في أيالة طرابلس الغرب. وكان مفروضاً أن يعزز الفرمان
من لم يوفر يوسف القرمانلي أية وسيلة للحصول على لقب باشا. فخلال أنصاره، من بين المقربين إلى باي ،تونس، طلب من هذا الأخير أن يكون شفيعه إلى السلطان بل واتجه هذا إلى القنصل الفرنسي لكي يطلب هذا السفير


وضع يوسف وأن يرفع من مكانته في عيون السكان. ولهذا جمع أبرز وجهاء البلاد وطالبهم بكتابة عريضة يثنون فيها على وصوله إلى السلطة ويطلبون من السلطان تثبيته والياً على إيالة طرابلس الغرب وأمر بأن ترفق الرسالة بكثير من الهدايا النفيسة [133، ص 161]. وبالإضافة إلى ذلك وجه رسالة شخصية إلى السلطان أوضح فيها بصورة تفصيلية الأحداث التي وقعت في الإيالة في الآونة الأخيرة كما تحدث عن الفوضى والاضطرابات النبيلة والتي تسببت مجموعها في كثير من المآسي للأهالي وختم رسالته بالتوكيد على الوفاء للسلطان وبرجاء تلبية


رغائب سكان طرابلس الغرب وتعيينه نائباً له في الإيالة .


الفرنسي في استامبول للتوسط في تحقيق مخططاته .


وتوجت جهود يوسف القرمانلي بالنجاح. ففي سنة 1796 صدر فرمان عينه


السلطان سليم الثالث (1789) - (1807 بموجبه نائباً في إيالة طرابلس الغرب. وأشير في الفرمان إلى أن السلطان يعبر بتعيينه يوسف القرمانلي في منصب أمير الأمراء ومنحه لقب باشا عن أمله في إصلاح أمور الرعية في الإيالة». وكان على الباشا أن يولي اهتماماً قبل كل شيء للقلعة وغيرها من التحصينات وأن يعيد التحصينات بالإضافة إلى تقوية الجيش وإعادة تنظيمه ورفع مستوى انضباطه وقدراته القتالية. كما وضعت أمام نائب السلطان المعين مهمة زيادة حجم المراكب ورفع قدراتها القتالية وأشير عليه أن يتعرف بناء على التعليمات الدقيقة للسلطان أن لا يخرق بصفة خاصة بنود معاهدة ياس وعدم مهاجمة السفن الروسية [101، ص 388 33389 ، ص 161 - 162] . ولتوكيد تعيين يوسف القرمانلي وتدعيم العلاقات الودية مع النائب الجديد للسلطان أهداه الباب العالي


سفينة مجهزة بـ 18 مدفعاً وبالذخيرة واللوازم.


وقد وعد يوسف القرمانلي في ردّه على الفرمان السلطاني بأن ينفذ كلطلب منه . وكان الحاكم قد أبدى مثل هذا الاستعداد لخدمة السلطان حتى قبل استلام الفرمان فاعترف بالسلطان خليفة جميع المسلمين. وكان في جميع الأمور الدينية يسير دون خروج على أوامره أما في الأمور الدنيوية فكان يعد


نفسه وإيالته مستقلين عن استامبول .


طاقة وحزم أما الخطوة التالية باتجاه تعزيز سلطة يوسف القرمانلي فكانت إقرار السلام والأمن في إيالة طرابلس الغرب. ولهذا أخذ يعمل بكل ما لديه من على إقرار النظام في البلاد ومن أجل القضاء على أحداث النهب فرض، منذ أول أيام وصوله إلى السلطة عقوبة الإعدام على أقل سرقة. وكرس الكثير من الجهود والوقت لإقرار وتسوية أعمال الجهاز الإداري الذي تحول في عهده إلى


آلية قوية للضغط على الفلاحين والبدو.


على رأس جهاز الدولة كان يقف الحاكم ومعاونوه الأقربون. أما الشخص الثاني في الإيالة فكان ولي العهد ولقبه البيك. وكان يتولاه في العادة الابن الأكبر للحاكم. وكان البك يقود جيوش الإيالة وهو المسؤول عن الأمن والاستقرار في البلاد بالإضافة إلى جمع الضرائب. ويليه في الأهمية قائد الأسطول - رئيس البحرية أو قبودان المينا. وبالإضافة إلى قيادة الأسطول وتمويله بكل ما يلزم كان يدخل في مهامه أيضاً تحديد قوانين الإبحار عند سواحل الإيالة وجمع الضرائب، وفي العادة كان يشغل هذا المنصب الرفيع المسؤول في عهد الأسرة القرناملية المستجدون على الإسلام والمرتبطون بصلات الرحم مع حكام الإيالة وذلك كتوكيد على وفائهم للأسرة الحاكمة فرئيس البحرية في عهد يوسف


القرمانلي كان متزوجاً من واحدة من بناته الكثيرات العدد.


وفي عهد يوسف القرمانلي استبدل لقب الخزندار (الخازن) بلقب وزير المال الذي تعهد إليه الأمور المالية التي تشمل دائرة كبيرة من القضايا. وعلى اتساع علاقات طرابلس الغرب بالدول الأوروبية وغيرها أدخل يوسف في جهاز الإدارة منصبيـن جـديـديـن - كبير الوزراء على غرار الصدر الأعظم في الامبراطورية العثمانية ووزير الشؤون الخارجية. وقد لعب هذان الوزيران دوراًويحسب هاماً في إدارة الإيالة فكان يوسف القرامانلي يشاورهما في جميع الأمور تقريباً حساباً لما يريانه . وكان يبعث بهما إلى الدول الأوروبية لتسوية القضايا المعلقة. وتترك للوزيرين الحرية المطلقة في التفاوض والحق في أن يتخذوا في عين المكان القرار الذي يصدق الباشا عليه دون أي اعتراض .


وكان المستشار الأكبر والمستشار الأصغر - الكيخيا الكبير والكيخيا الصغير يلعبان دوراً هاماً في إدارة القرمانلي. وكان المستشار الكبير في الوقت نفسه رئيس التشريفات في القصر ومربي الابن الأكبر للحاكم، ويشرف، بالإضافة إلى ذلك، على القبائل ويسهر على تنفيذ القوانين والمراسيم التي يصدرها الحاكم. 6


وفضلاً ذلك كان الكاهية الصغير مسؤولاً عن الحرس الخاص بالحاكم ونظراً لأهمية هذين المنصبين لم يكن يعين فيهما سوى ممثلي الأسرة القرمانلية . عن


وبالإضافة إلى المناصب المذكورة كان منصب شيخ المدينة (شيخ البلد) واحداً. من المناصب الأساسية في جهاز إيالة طرابلس وكان يعتمد في إنجاز مهامه على شيوخ طوائف المدينة ورؤساء الاتحادات القائمة على أسس قومية أو


دينية أو حرفية .


كما كان القضاة الشرعيون يلعبون دوراً هاماً في الحياة الاجتماعية للإيالة .


فالمحاكمة تجري في العادة عن طريق قاضيين يمثل أحدهما الفقه الحنفي الذي


يسير عليه الأتراك. ويتم تعيين هذا القاضي على مدار سنوات طويلة في عاصمة


الامبراطورية العثمانية في قصر السلطان - خليفة جميع المسلمين. ومن استامبول أيضاً يتلقى فرمان الإعفاء. وقد توصل علي القرمانلي إلى أن صار القضاة الأحناف يعينون ويعفون من ذلك المنصب عن طريق حاكم الإيالة . وكان القاضي الثاني يعين من طرف سكان الإيالة ويمثل الفقه المالكي الذي تسير عليه غالبية سكان البلاد. أما ممثلو الإباضية الذين يعيشون في المناطق الجبلية من الإيالة - غريان نالوت وجادو فلم يكن معترفاً بهم من الناحية الرسمية، ولذلك لم يكن لهم قاضيهم الرسمي. فكان يفصل في دعاواهم القاضي الحنفي أو القاضي المالكي. ويمكننا الجزم، بناء على الوثائق الموجودة في أرشيف المتحفوالمسؤول عن جميع المركزي بطرابلس أن القاضي الحنفي كان يُعَدّ القاضي الأول في المدينة القضاة في المدينة فقد كان من حقه تعيينهم وعزلهم .


وكان المفسري الشريعة - المفتين مركز رفيع بين الشخصيات الدينية. فكان من حقهم إعادة النظر في قرارات القضاة المتعلقة بالزواج والطلاق والإرث وسوى ذلك بما في ذلك قضايا عقود البيع. ولهذه الغاية نظم مجلس يتكون من مفتيين - أحدهما حنفي والآخر مالكي يعينان مباشرة من قبل الباشا. وكان لهما الحق في تصديق الحكم أو نقضه. فإذا ما اختلفا أحيلت القضية إلى مجلس العلماء المكون من عدد متساو من ممثلي الشرع الحنفي والمالكي. وينعقد المجلس في الجامع الكبير وقرارته قطعية وأحياناً كان حاكم الإيالة يشارك شخصياً في إجراء المحاكم يساعده في ذلك قاضي الحنفية أو الكيخيا الكبير .


وكان الحاكم إيالة طرابلس الغرب المالك المطلق للبلاد - ديوان يدخل فيه قائد الأسطول وزير المالية وشيخ البلد، وقاضي طرابلس - الحنفي ورئيس الانكشارية وأربعة موظفين للقيام بالأعمال الكتابية ومترجمان ـ أحدهما للترجمة


من العربية إلى التركية والآخر من التركية إلى العربية .


وبين الفينة والفينة كان يوسف القرمانلي يجمع الديوان في صورته الموسعة لمناقشة القضايا الملحة ويدعو إليه الوجهاء من المواطنين وزعماء القبائل وكان الديوان يعقد جلساته كل يوم باستثناء الجمعة فتناقش في النصف الأول من النهار الشكاوى الواردة من الأهالي ثم تناقش بعد ذلك أمور الإيالة التي يطرحها الحاكم. وفي يوم الثلاثاء تعقد جلسة خاصة يحضرها حاكم الولاية والوزير الأكبر ووزير الشؤون الخارجية وتسمع فيه تقارير أعضاء الديوان حول الأمور المطروحة للمناقشة والمتعلقة بالإيالة ويسمع في الوقت نفسه رأي الوالي في المسائل الأكثر تعقيداً كما تنسق القرارات في الموضوعات التي تدخل في صلاحيات حاكم الولاية .


فمثلاً يترك للديوان تحديد الإجراءات الأكثر صرامة في معاقبة المجرمين.فمن حق الديوان الحكم على المجرم بقطع اليد أو القدم أو بالإعدام لكن ما كان له أن يقطع في هذه القضايا بشكل نهائي دون موافقة الباشا. وقد أشار الرحالة الإنجليزي الكابتن ليون الذي زار طرابلس خلال حكم يوسف باشا إلى أن تدابير العقوبة كانت تختلف هناك عن تلك التي تطبق في أوروبا. فمثلاً إذا أقدم اللص على سرقة ثانية تقطع يده الأخرى أو قدم رجله. وتتم هذه العملية بواسطة السكين وبعد إجرائها يغطس أصل العضو المقطوع في السمن المغلي وبعد ذلك يسمح للجاني بالذهاب إلى البيت [88، ص 167].


وبالإضافة إلى ذلك كانت تطبق الأحكام بالسجن لفترات مختلفة في سجون القلعة الموحشة وفضلاً عن ذلك كان ثمة سجن خاص بالأتراك وسجنان آخران لبقية سكان الإيالة وكان طعام السجناء على حسابهم الخاص، فكان


الطعام يحمله أهل المساجين أو أصدقاؤهم إليهم .


وانتشرت على نطاق واسع عقوبة الجلد بالعصا أو بالسوط على الظهر أو القدمين. وكانت هذه العقوبة بالغة القسوة لأنها كثيراً ما انتهت إلى الموت وفقاً


لعدد الجلدات. وكانت العادة أن يحكم بخمسين جلدة لكن العدد كان يرتفع في بعض الأحيان إلى 400 - 500 وكان من مهمات الديوان تعيين موظف مختص للسهر على دقة التنفيذ وكانوا يضربون المتهم من الأوساط الدنيا بالعصا أو بالسوط لكن الحاكم القاسي كان يعمد من أجل تسلية نفسه، إلى تطبيق هذه العقوبة أيضاً على الوزراء وموظفي المناصب العليا بل وحتى على أنسبائه


الأقرباء . أما أقسى العقوبات فكانت قطع الرأس أو الشنق أو الخنق .


وعلى نحو ما كان الأمر بالنسبة للسابقين فإن عماد نظام القرمانلي كان الجيش والأسطول. وكان الجيش ينظم من بين المرتزقة لمدة العمليات الحربية .


ا سبب الامتناع عن الجيش النظامي فهو نقص الأموال اللازمة للاتفاق عليه في هذا الجيش بالدرجة الأولى من القولوغلية وأيضاً من الانكشارية المقيمين في طرابلس ومن الكتائب المسلحة من بين القبائل الصديقة أما أوقات السلم. ويجمع


للحاكم .كان القولوغلية يشكلون الركيزة الأساسية للجيش. ويقدم رؤساء تجمعات القولوغلية العدد المطلوب من الجند لقاء الإعفاء من الضرائب وبدلاً لامتيازات أخرى. ونتيجة لذلك كان بوسع يوسف القرمانلي أن يجمع جيشاً يضم 10 آلاف


خيال و 40 ألفاً . المشاة. من


أما بالنسبة للكتائب المقاتلة من القبائل فكانت تستخدم بصورة ناجحة في الحملات التأديبية ضد القبائل التي تكون في حالة عداء . مع القبيلة الموالية لحاكم الإيالة. وبالإضافة إلى ذلك كان يوسف القرمانلي يدفع لشيخ القبيلة الموالية مقادير معينة المال مضافة إلى مختلف الامتيازات وذلك سعياً لضمان ولاء الطبقة العليا لنظامه. أما الانكشارية فيثبتون أركان الجيش من خلال كونهم المقاتلين المتخصصين، وما كانوا يقاتلون ببراعة إلا عند التعويض المادي الجيد من


على خدماتهم .


مثل هذا الجيش المشكل من فرق مختلفة الألوان ما كان ليمثل قوة منظمة، منضبطة ومركزة حول أهداف موحدة، فالفرقة في الجيش لا تأتمر إلا بأمر صاحبها والتنسيق مع الفرق الأخرى ضعيف .


وقد قدم باولو ديلاتشيلا وصفاً لجيش يوسف القرمانلي وكان هذا طبيباً من سردينية رافق ذلك الجيش في إحدى حملاته التأديبية إلى برقة : ... لم يكن ثمة أي نظام في الحركة، ولا شيء مشترك في نماذج الأسلحة. فقد كان الجنود مسلحين بمختلف البنادق والمسدسات من أردأ الأصناف. وكانوا في غالبيتهم يرتدون أسمالاً ممزقة من الصوف وبدلاً من الأحذية كان هناك قطع من جلود الجمال المجففة تحت الشمس، تشد إلى الأقدام بحبل. وكان لكل محارب باروده ورصاصه وحشواته وكان عليه أن يتدبر تزويد نفسه بنفسه عند دخول


جيش الحاكم. أما الاحتياجات فكان يتم الحصول عليها خلال الحملة وذلك على حساب السكان الذين ينتزع منهم كل شيء يقع تحت اليد [54، ص


.[10-9وعلى الرغم من كثرة وجوه النقص في الإعداد الحربي للجيش ولتنظيمه وتزويده فإنه كان مطواعاً ليوسف القرمانلي ينفذ أوامره دون تردد. ويعود الفضل في ذلك إلى أنه كان يختار للجيش أولئك الأوفياء للأسرة القرمانلية، أما الحملات العسكرية فكان يقودها في العادة أبناء الحاكم وأقرباؤه. كما أن إمكانية الإثراء على حساب نهب السكان وعطايا الحاكم لعبت دوراً لا يقل أهمية في جعل الجيش سلاحاً طيعاً في يدي يوسف القرمانلي. ويمثل هذا واحداً من الأسباب الرئيسة التي جعلت يوسف يمتنع عن إعادة تنظيم الجيش وفقاً للنموذج


الأجنبي ورغم كل أوامر الباب العالي.


فبدءاً من عهد السلطان مصطفى الثالث [1757 - 1774] بدأت الامبراطورية العثمانية بتطبيق نظام كان موجهاً بالدرجة الأولى ضد الانكشارية وهو إعادة تنظيم الجيش التركي. وردّاً على ذلك هبطت الروح القتالية هبوطاً حاداً . في أوساط الانكشارية وتفاقم العصيان وكثرت حوادث التمرد فكان السلطان سليم الثالث أول من انتقل إلى العمليات الحاسمة فاستحدث قطع مشاة جديدة والبسها الأوروبية وأعطى للانكشارية فرصة الانخراط فيها وأصدر في الوقت نفسه أمراً إلى حكام إيالات الامبراطورية العثمانية ومن بينهم يوسف القرمانلي يطالبهم فيه بتشكيل قطعات عسكرية مماثلة وعلى نحو ما حدث في جميع الامبراطورية العثمانية رفضت الإنكشارية في إيالة طرابلس الانصياع للنظام الجديد لتشكيل الجيش ووقفت بكل قواها ضد تحقيقه ؛ وذلك من خلال حرصها على التمسك بامتيازاتها، فقرر السلطان محمود الثاني (1808 - 1839) إنجاز عملية إعادة تنظيم الجيش في الامبراطورية العثمانية والتخلص نهائياً من الملابس أنحاء


الانكشارية ولم يطل الوقت حتى تم التخلص منها .


وعلى الرغم من أوامر محمود الثاني الصارمة إلى يوسف باشا بتطبيق النظام


الجديد في الجيش بهدف التخلص من سلطة الانكشارية فإنها بقيت دون تطبيق .


وإلى جانب الجيش كان ليوسف القرمانلي فرق نظامية خاصة (الشاويشية)من كانت تولى أهمية كبرى لبناء السفن على الرغم من المصاعب الجادة التي يلزم تخطيها للحصول على خشب السفن من الدول الأخرى. وكان هذا الخشب يشحن في الأساس من المقاطعات الوسطى في الامبراطورية العثمانية وخاصة الأناضول ومن جمهورية البندقية. أما الأهمية التي كان يلعبها الأسطول بالنسبة لطرابلس الغرب فتشهد عليها الحقيقة التالية وهي أن إنزال سفينة جديدة إلى الماء كان يتحول إلى عيد كبير إذ يحضر الاحتفال . غفير من الشعب يضم في مجموعه المقربين من السلطان وممثلي القنصليات الأجنبية. ووفقاً للتقاليد الدارجة يتواكب إنزال السفينة إلى الماء بشد عبد أسود إلى مقدمتها وهو ما يجسد المغانم الكبيرة التي تحققها تجارة العبيد وكانت تساق إلى الشاطيء خراف ناصعة البياض تزين بالزهور ثم تنزل في السفينة. وفي لحظة بداية حركـ ركة السفينة من مزلق الترسانة إلى البحر كانوا ينحرون الخراف وهو ما يعني طالع سعد يمنى بالتوفيق بالنسبة للطاقم وعندما تدخل السفينة الميناء كانت تتعالى طلقات جمع


لمهمة الحفاظ على القصر والمدينة ونيطت بها، بالإضافة إلى ذلك، مهام الشرطة، وكان يخدم فيها الإنكشارية والمسيحيون الذين اعتنقوا الإسلام،


بالإضافة إلى الزنوج الذين أعتقوا من العبودية .


أما أسطول الإيالة فلم يكن القوة المطلوب منها حماية البلاد من العدوان الخارجي بقدر ما كان القوة التي تؤكد هيبة الإيالة والمنبع الهام لتحصيل الأموال التي كانت ضرورية جداً من أجل إثراء الصفوة الحاكمة العليا والإنفاق على الجيش وكل النظام الحاكم بمجموعه. ولذلك كان الأسطول يمثل المهمة الأولية


الدرجة بالنسبة للحاكم .


البطارية الساحلية ومدافع السفن.


إلا أن إمكانات بناء السفن في الإيالة لم تكن كبيرة بسبب نقص المواد والمتخصصين المهرة في بناء السفن. ولهذا كان الأسطول يتضخم بالدرجة الأولى على حساب ما ينتزعه القراصنة من أيادي الأعداء. كما تلقى حاكم طرابلس الغرب عدداً غير قليل من المراكب في صورة هدايا من الامبراطوريةتحديد مكن تدعيم الجيش والأسطول يوسف القرمانلي من بسط سيطرته على کامل رقعة طرابلس الغرب ومد نفوذه إلى مسافات بعيدة جنوباً حتى بوركو . وكانت تجري في البلاد عملية تكون الملكية الاستبدادية المطلقة مع


العثمانية والدول الأوروبية التي كانت لها علاقات طبيعية مع الإيالة، يضاف إلى هذا أن شراء السفن من الدول الأخرى كان مصدراً هاماً لزيادة عددها في


الأسطول .


سلطة الإقطاعيين المحليين وتصفية آثار التفتت الاقطاعي .


وفي عهد الأسرة القرمانلية كانت إيالة طرابلس الغرب مقسمة إلى ثلاثة ألوية (مقاطعات) طرابلس، مصراتة وبنغازي وكانت الألوية تقسم إلى أقضية والأقضية إلى نواح وبواسطة الجهاز الإداري المحلي كانت تجري عمليات تطويع السكان فترسل قوات من طرابلس إلى المناطق التي تحتاج إلى


المساعدة في تحقيق ذلك .


وفي سنة 1810 جري ضم غدامس إلى الإيالة على يدي علي بن يوسف الذي عين قائداً للجيش. وفي سنة 1815 انتقلت فزان أيضاً إلى الإدارة المباشرة لحاكم الإيالة. ففي بداية عهد يوسف كانت هذه المنطقة تدار من قبل الشيخ الجهيم الذي التزم بأن يدفع لآل القرمانلي 5 آلاف ريال سنوياً لقاء استقلاله عنهم. وأمام المصاريف المتنامية لشيخ فزان بدا أن هذه الكمية شديدة الإرهاق بالنسبة له فامتنعت فزان عن الدفع سنة 1812 وكان يوسف باشا يبحث بدوره عن ذريعة للتدخل في شؤون الشيخ ولإقرار الإشراف المباشر على أسواق فزان الثرية بهدف جمع الضرائب العالية عن التجارة عبر الصحراء والحصول على تبر الذهب


الذي تأتي به القوافل إلى فزان .


وضع على رأس القوات الموجهة إلى فزان محمد المكني الماكر المحب للسلطة. ولما وصل بجيشه إلى فزان سنة 1813 أعلن أن هدفه الأول هو إنزال العقوبة بحاكم بوركو وأنه يود قبل ذلك أن يستريح بضعة أيام في مرزق. وأحسنالشيخ استقباله في فزان وسرعان ما نظم محمد المكني لقاء سرياً مع أحد الطامحين من أقرباء الشيخ وحرضه على قتل عمه ووعد الفتى بتنصيبه حاكماً. وبعد قتل الشيخ أطلق جيشه في المدينة. وأمام المجلس المنعقد للتشاور والذي ضم وجهاء فزان وعلماءها تمكن قائد الجيش من إجبار الفتى على الإقرار بالقتل ثم أقنعهم بالحكم على القاتل بالإعدام فلما تم ذلك أعلن محمد المكني نفسه حاكماً على فزان وبهذه الطريقة أنهى استقلالها فأصبحت تحت الإدارة المباشرة


لطرابلس.


ظلت من من وحدث الأمر نفسه بالنسبة لمنطقة الجبل الغربي من إيالة طرابلس الغرب وكان يحكمه شيوخ قبيلة المحاميد التي خلال حكم الأسرة القرمانلية محافظة على وضعها المتميّز. وكان شيخ الجبل الغربي بلقاسم بن خليفة، يدفع مبلغاً معيناً . المال سنوياً وهذا المبلغ المسمى لحاكم طرابلس الغرب يجري توزيعه بين المناطق المأهولة والقبائل، فكان شيوخ القبائل يجمعون الإتاوات من رعاياهم في نهاية كل عام ويقدمونها إلى حاكم الجبل الغربي الذي يدفعها بدوره


لأسرة القرمانلي .


في 1815 قررت قبائل نالوت أن تخرج عن طاعة الشيخ بلقاسم بن خليفة . ورفضت دفع المقدار المفروض ليوسف القرمانلي. فحاول بلقاسم بن خليفة أن يخمد العصيان بقواه الخاصة، حتى إذا عجز اتجه إلى الباشا بطلب توجيه قوات للقيام بذلك. واستغل حاكم الإيالة هذه الفرصة فسارع بإرسال حملة إلى هناك بقيادة ولديه أحمد وعلي ودارت معركة ضارية عند مشارف نالوت حارب البدو خلالها بضراوة مستميتة وسددت ضربات شديدة إلى خصمهم. لكن طلقات المدفعية الطرابلسية حسمت المعركة - فرضخت قبائل نالوت بالنتيجة وألزمت بدفع الحصة المفروضة عليها بالإضافة إلى تعويض الباشا عن المصاريف التي أنفقها لتجهيز الحملة العسكرية وتزويدها إلا أنه لم يكن بالمقدور جمعها أحمد بن يوسف القرمانلي عن المتبقي بانتزاع العبيد الذين كانوا في قبائل نالوت . فعوض
عززت ثورة قبائل نالوت رغبة يوسف في نقل هذه المنطقة إلى إشرافه المباشر ودفعه إلى ذلك أيضاً الاستقلالية المتعاظمة لحاكم الجبل الغربي والرغبة في تحصيل أكبر كمية من الضرائب من السكان بيد أن الباشا لم يحقق أغراضه على الفور ولم يقرر الانتقال إلى ذلك إلا سنة 1821 فدعا بلقاسم بن خليفة إليه كضيف رفيع الشأن ودس له من قتله. وعلى الرغم من قتل الحاكم فإن يوسف باشا لم يتمكن من تحطيم الروح الاستقلالية لقبائل هذه المنطقة فاحتكم إلى القوة ووجه جيوشه إلى المنطقة بقيادة ابنه علي . فلما اقتربت نبذت قبائل الجبل الغربي خلافاتها جانباً وبدأت استعدادتها للتصدي واستخدمت فرق القبائل المسلحة أساليب حرب العصابات ضد جيش يوسف باشا وقد كان هذا التكتيك ناجحاً إلى حد بعيد واضطر جيش الباشا إلى الانسحاب نحو المناطق الجبلية. وفي أثناء المباحثات بين الجانبين كانت كتائب القبائل المسلحة تطوق بصورة دائمة جيش يوسف باشا العديم الحيلة وخاف يوسف باشا على جيشه وولده فاستنجد بالمساعدة المباشرة لقبيلة أولاد سيف التي تنحدر من المرابطين وتتمتع بهيبة خاصة بين قبائل الجبل الغربي وتم بواسطتها حل النزاع فالتزمت قبائل الجبل الغربي كسابق عهدها بدفع الإتاوة المضروبة واعترف يوسف باشا بغومة بن خليفة


المحمودي . حاكماً على هذه الأراضي.


كما أولى يوسف باشا اهتماماً كبيراً للقضاء على انفصالية قبائل برقة التي


كانت تقوم بين الفينة والفينة بالثورة ضد الظلم الضرائبي ومختلف ضروب القهر. وقد تميز محمد، الابن الأكبر للباشا، بقسوة خاصة في إخماده لتحركات قبائل برقة. وفي العادة كان على أفراد القبيلة المتمردة في عهده أن يختاروا بين أمرين : إما أن ينصاعوا لحاكم طرابلس الغرب أو أن يفنوا وفي معرض وصفه لمحمد أشار المؤرخ الفرنسي ش. فيرو إلى أن إفريقيا التي سماها الأقدمون ببلد الوحوش لم تعرف وحشاً يكافىء الابن الأكبر ليوسف القرمانلي في شراسته وتعطشه للدماء ،[61، ص 331] ومرة بينما كان عائداً حملة تأديبية قام بمحاولة لقتل أبيه من أجل أن يستلم العرش. وبدلاً أن ينزل من من يوسف باشا
من حاكماً على برقة، مع العقوبة بابنه عينه بصفة رسمية حاكماً على برقة ومنحه لقب بيك مدفوعاً في ذلك بالرغبة في ابعاده عن طرابلس. لكن محمد بك، بدلاً أن ينفذ أوامر والده بإخماد القبائل المنتفضة ترأسها بنفسه ضد والده ومن منطلق تأييد الانفصالية الاقطاعية أخذ محمد والقبائل الموالية له بنهب القبائل الموالية ليوسف باشا وإبادتها. ورداً على هذه التحركات وجهت في فبراير سنة 1817 حملة تأديبية إلى برقة برئاسة أحمد الابن الثاني ليوسف باشا، والذي سمي يحمل لقب البيك بدلاً من أخيه المتمرد وبسبب هذه النزاعات الاقطاعية تضاعفت معاناة سكان برقة البدو الذين كانوا في وضع اقتصادي واجتماعي خانق [54، ص 103]، وخوفاً من المجابهة المباشرة الجيش الذي وجهه يوسف باشا تراجع محمد إلى حدود مصر، وبمقدار انسحابه وتقلص أعداد جيشه كان یزداد ارتياباً ويقتل كل من يشك فيه. ومن أجل تجريد محمد من إمكانية استخدام الفرق المسلحة للقبائل أو الإفادة من قطعانها في تحقيق أهدافه كان أحمد القرمانلي بدوره يجبر تلك القبائل على أن تتحرك بمعية جيشه . وكان ذلك يذكر، حسب تعبير ديلاتشيلا بحركة الشعوب القديمة كتل من البشر، بما فيهم النساء والأطفال وأعداد كبيرة من الإبل ومن الحيوانات الكبيرة ذات القرون ومن الأغنام تتحرك صحبة أحمد بك. فلم تكن تنفق الحيوانات فقط في الطريق بل والبشر أيضاً لم يكونوا يتحملون الظروف القاسية التي هم فيها [55 فلما كف محمد بصفة نهائية عن المعارك وقطع الحدود المصرية وتحصن في الأراضي المجاورة أنزل أحمد بك انتقامه الفظيع بالبدو الذي مالوا في يوم ما إلى [90 ص


محمد [43، ص .[32


لقد


دعم يوسف باشا حكمه الاستبدادي بالنار والسيف وحارب بكل قسوة انفصالية الإقطاعيين المحليين. وقد تركت العوامل الخارجية ميسمها على سياسته الداخلية وخاصة من ذلك التوسع الحربي التجاري للولايات المتحدة الأمريكية،


إنجلترا وفرنسا .


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

الحق الغزو التت...

الحق الغزو التتري الشنيع على بلاد المسلمين دماراً وخرابا لما راسل الوزير ابن العلقمي الرافضي لعنه ال...

قسم الاستقبال: ...

قسم الاستقبال: في هذا الفناء الرائع، يستقبل الفنانون والمعاملات وكل ما يلزم من استفسارات أو طلبات، ح...

Breach of Contr...

Breach of Contract – It means one party fails to fulfill her contractual obligations. A breach occur...

لا أظن أن ثقتي ...

لا أظن أن ثقتي به كانت لكونه عربياً ولا لكونه مسلماً، فأنا لم أعلق قط أهمية على الانتماء الديني أو ا...

ابتلى سليمان في...

ابتلى سليمان في السنوات الأولى فى عهده بأربعة تمردات شغلته عن حركة الجهاد حيث ظن الولاة الطموحون أن ...

اعتماد مؤسسات ا...

اعتماد مؤسسات التعليم قبل الجامعى الجزء األول: التقييم الذاتى وإجراءات االعتماد: التقويم واالعتماد ف...

### الشكل: من ...

### الشكل: من ناحية الشكل، يستخدم نص "أخي الإنسان" لغة مباشرة وقوية تعتمد على مفردات تدعو إلى التآخ...

صدر بالجريدة ال...

صدر بالجريدة الرسمية عدد 7007 الظهير الشريف رقم 89.21.1 بتاريخ 26 يوليو 2021 بتنفيذ القانون-الإطار ر...

تعمل الخريطة ال...

تعمل الخريطة التنظيمية الصحيحة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على توضيح ما يلي: ١- تقسيم العمل على الإ...

آلة صغيرة، يشبه...

آلة صغيرة، يشبه شكلها جهازَ المذياع، إلّا أنّها أكبر منه قليلاً، وتحتوي على قبضتين دوارتين كما في جه...

وعلم التاريخ عل...

وعلم التاريخ علم يتضمن ذكر الوقائع وأوقاتها وما جرى فيها من أحداث، وتاريخ علم من العلوم أيا كان نوعه...

١- الاقرار: وهو...

١- الاقرار: وهو اعترافه الصريح بذلك ، ولا يرجع عن إقراراه قبل إقامة الحد عليه فإن رجع ان إقراره قبل ...