Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

معسكر الجيش الإسلامي
وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اختار لمعسكره منزلاً، فقال: يا رسول
الله، أرأيت هذا المنزل أنزلكه الله، وسهامهم تصل إلينا، وأيضًا هذا بين النخلات، وأرض وخيمة، قال صلى الله عليه
وسلم : ( الرأي ما أشرت ) ، ثم تحول إلى مكان آخر .التهيؤ للقتال وبشارة الفتح
لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كلهم يرجو أن يعطيه، فقال : ( أين علي بن أبي طالب؟ ) فقالو ا:
ودعا له، فبرئ، كأن لم يكن به وجع، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق
لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم) .بدء المعركة وفتح حصن ناعم
أما اليهود فإنهم لما رأوا الجيش وفروا إلى مدينتهم تحصنوا في حصونهم،للقتال .وأول حصن هاجمه المسلمون من حصونهم الثمانية هو حصن ناعم.الذي كان يعد بالألف.خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالمسلمين إلى هذا الحصن، ودعا اليهود إلى الإسلام، فرفضوا
هذه الدعوة، وبرزوا إلى المسلمين ومعهم ملكهم مرحب، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة،قد عَلِمتْ خيبر أني مَرْحَب ** شَاكِي السلاح بطل مُجَرَّب
إذا الحروب أقبلتْ تَلَهَّب **
قد علمت خيبر أني عامر ** شاكي السلاح بطل مُغَامِر
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عمي عامر،فتناول به ساق اليهودي ليضربه، فيرجع ذُبَاب سيفه فأصاب عين ركبته فمات منه، وقال فيه النبي صلى
قَلَّ عربي مَشَي بها مِثْلَه ) .ويبدو أن مرحبًا دعا بعد ذلك إلى البراز مرة أخري وجعل يرتجز بقوله :
. . إلخ، فبرز له علي بن أبي طالب . قال سلمة ابن الأكوع: فقال علي :
أُوفِيهم بالصَّاع كَيْل السَّنْدَرَهْ **
ثم كان الفتح على يديه. وقال : من أنت ؟ فقال : أنا علي
ثم خرج ياسر أخو مرحب، فقالت صفية أم ه: يا رسول الله، يقتل
فقتله الزبير . قتل فيه عدة سراة من اليهود، ويؤخذ من المصادر أن هذا القتال دام أيامًا لاقى المسلمون فيها مقاومة
شديدة،المسلمون حصن ناعم . قام المسلمون بالهجوم عليه
تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، وفرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام، دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم لفتح هذا الحصن دعوة خاصة. فقالوا : لقد جهدنا، وما
فقال : ( اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة،إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غَنَاء، فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن
ولما ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بعد دعائه لمهاجمة هذا الحصن كان بنو أسلم هم
المقاديم في المهاجمة، ووجد فيه المسلمون بعض المنجنيقات والدبابات .ولأجل هذه المجاعة الشديدة التي ورد ذكرها في رواية ابن إسحاق، ونصبوا القدور على النيران، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك نهي عن لحوم الحمر
الإنسية .فتح قلعة الزبير
وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من كل حصون النَّطَاة إلى قلعة الزبير، ففرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحصار، وقال : يا أبا القاسم، إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فقطع ماءهم عليهم، قتل فيه
نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود،فتح قلعة أبي
وقام
بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة،الثاني هو البطل المشهور أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء . وقد أسرع أبو
واقتحم معه الجيش الإسلامي،ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول .كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون
ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري
وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، أما اليهود فلم يجترئ للخروج من الحصن، ولكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة .وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصب آلات
ويبدو أن المسلمين قذفوا به القذائف، واقتحموا، و دار
قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا
الحصن كما تسللوا من الحصون الأخري،وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر، وكانت في هذه
الناحية حصون صغيرة أخري إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون،فتح الشطر الثاني من خيبر
تحول إلى أهل الكتيبة التي بها حصن
القَمُوص : حصن بني أبي الحُقَيْق من بني النضير،النطاة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن . بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط
أما الواقدي، في صرح تمام التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاث إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن أن
تكون المفاوضة قد جرت لاستلام حصن القموص بعد إدارة القتال، وأما الحصنان الآخران فقد سلما إلى
المسلمين دونما قتال .ومهما كان، واليهود لا يخرجون من حصونهم، حتى همّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح .المفاوضة
فنزل، وصالح
على حقن دماء مَنْ في حصونهم من المقاتلة،الحصون إلى المسلمين،قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد
وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالا كثيرا، وكان عنده كنز بني النضير،عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتي رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل
غداة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة : ( أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك ؟ ) قال : نعم، فدفعه إلى الزبير، وقال:
فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، فضرب عنقه بمحمود بن مسلمة وكان محمود قتل تحت
جدار حصن ناعم، وهو يستظل بالجدار فمات . وكان الذي اعترف عليهما
بإخفاء المال هو ابن عم كنان ة. فقالوا : يا محمد، دعنا نكون في هذه
ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر
ومن كل ثمر، وكان عبد الله بن رواحة
وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهمًا، جمع كل سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم، وعزل النصف الآخر،وما يتنزل به من أمور المسلمين، وكانوا ألفا وأربعمائة،فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم،ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر قال : ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن
عائشة قالت : لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر ،المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال
قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين
وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم الأشعريون أبو موسى وأصحابه .قال أبو موسى : بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن،وأخوان لي في بضع وخمسين رجلاً من قومي، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة،جعفرًا وأصحابه عنده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة،معه حتى قدمنا فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، وما قسم لأحد غاب
عن فتح خيبر شيئا إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه،بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ) . فأرسل النجاشي على مركبين،وبقيتها جاءوا إلى المدينة قبل ذلك.ذكرنا أن صفية جعلت في السبايا حين قتل زوجها كِ نَانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية
حيي، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقا ل: يا نبي الله، قال : ( ادعوه به ا) . وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت، وجعل عتقها صداقها، في جهزتها له أم سليم، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسَّوِيق،ورأى بوجهها خضرة،مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئا، فلطم وجهي .ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن
مِ شْكَم،عليه وسلم تناول الذراع، فَلاَكَ منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال : ( إن هذا العظم ليخبرني أنه
وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز عنها.وكان معه بِشْر بن البراء بن مَعْرُور، فلما مات بشر قتلها
قصاصا.قتلى الفريقين في معارك خيبر
وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشْجَع، وواحد من أهل خيبر والباقون من الأنصار .ويقال : إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 81 رجلا . وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة، وواحد اختلفوا هل قتل
في بدر أو خيبر،أما قتلى اليهود وعددهم ثلاثة وتسعون قتيلا .ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر،الإسلام، فأبطأ عليه، فلما فتح الله خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فقبل ذلك منهم،لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة؛وادي القُرَي
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر،فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي، فقتل مِدْعَم عَبْدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم
والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَة التي
أخذها يوم خيبر من المغانم، لتشتعل عليه نارًا ) ، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بشِرَاك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسل م: ( شراك من نار أو شراكان
ثم عَبَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وراية إلى
رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب
رضي الله عنه فقتله، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام . ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله،وغَنَّمَهُ اللهُ أموالهم، وترك
لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين،بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم،بأموالهم . وكتب لهم بذلك كتابا وهاك نصه : هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، أن لهم الذمة،وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد،العودة إلى المدينة
الله أكبر،أنفسكم، إنكم تدعون سميعا قريبا ) .وفي مرجعه ذلك سار النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، اكلأ لنا الليل ) ، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، حتى ضربتهم الشمس، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلي
الفجر بالناس، وقيل : إن هذه القصة في غير هذا السفر .وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر، يبدو أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم كان في أواخر صفر أو في
ربيع الأول سنة 7 ه .كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أكثر من كل قائد عسكري أن إخلاء المدينة تماما بعد انقضاء
الأشهر الحرم ليس من الحزم قطعًا، بينما الأعراب ضاربة حولها،والسلب وأعمال القرصنة ؛ ولذلك أرسل سرية إلى نجد لإرهاب الأعراب تحت قيادة أبان بن سعيد،كان هو إلى خيبر، فوافي النبي صلى الله عليه وسلم
بخيبر، وقد افتتحها. قال ابن حجر : لم أعرف
غزوة ذات الرِّقَاع
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر جناحين قويين من أجنحة الأحزاب الثلاثة تفرغ تمامًا
بأعمال النهب والسلب بين آونة وأخري . كانت الصعوبة في
فرض السيطرة عليهم وإخماد نار شرهم تمامًا تزداد بكثير عما كانت بالنسبة إلى أهل مكة وخيبر ؛ ولذلك
وقام المسلمون بمثل هذه الحملات مرة بعد أخري .الله عليه وسلم بحملة تأديبية عرفت بغزوة ذات الرقاع .وعامة أهل المغازي يذكرون هذه الغزوة في السنة الرابعة،رضي الله عنهما في هذه الغزوة يدل على وقوعها بعد خيبر، والأغلب أنها وقعت في شهر ربيع الأول سنة
7 ه .وملخص ما ذكره أهل السير حول هذه الغزوة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع باجتماع بني أنمار أو
بني ثعلبة وبني مُحَارِب من غطفان، واستعمل
على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وسار فتوغل في بلادهم حتى وصل إلى موضع
يقال له : نخل، ولقي جمعاً من غطفان، فتقربوا وأخاف بعضهم بعضاً ولم
يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى بهم يومئذ صلاة الخوف . وفي رواية البخاري : وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة
ركعتين، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع،وفي البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فنقبت أقدامنا، وسقطت أظفاري،وفيه عن جابر : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي
يستظلون بالشجر، قال جابر : فنمنا نومة،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صَلْتًا.فقال لي : من يمنعك مني ؟ قلت : الله، فها هو ذا جالس) ، ثم لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم .مني ؟ ) قال : كن خير آخذ، قال : فخلى سبيله، قال ابن
وأنه أسلم، لكن ظاهر كلامه
والله أعلم .وفي مرجعهم من هذه الغزوة سبوا امرأة من المشركين، فنذر زوجها ألا يرجع حتى يهريق دماً في أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أرصد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين رَبِيئة للمسلمين
من العدو، وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر، بسهم فنزعه، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فقال : سبحان الله ! هلا
نبهتني، فقال : إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها.استسلمت، بل وأسلمت،حُنَيْناً، وتأخذ من غنائمها،كسر الأجنحة الثلاثة التي كانت ممثلة في الأحزاب، وساد المنطقة الأمن والسلام، بل بعد هذه الغزوة
بدأت التمهيدات لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ؛وبعد الرجوع من هذه الغزوة أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شوال سنة 7 ه .وبعث في خلال ذلك عدة سراي ا. وهاك بعض تفصيلها:
فبعثت هذه السرية لأخذ الثأر، وساقوا النعم، وطاردهم جيش كبير من العدو، حتى إذا قرب من المسلمين نزل مطر، فجاء سيل
عظيم حال بين الفريقين . ونجح المسلمون في بقية الانسحاب.3 سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة، ومعه ثلاثون رجلا . كانوا يسيرون الليل
فأتى الخبر إلى هوازن فهربوا، فانصرف
راجعاً إلى المدينة . خرج
إليهم واستاق الشاء والنعم، فرماهم بالنبل حتى فني نبل بشير
وأصحابه، فقتلوا جميعاً إلا بشير، فإنه ارْتُثَّ إلى فدك، فأقام عند يهود حتى برأت جراحه، فرجع إلى
سرية غالب بن عبد الله الليثي، في مائة وثلاثين رجلاً، وقتلوا من أشرف لهم، وفي هذه السرية قتل أسامةُ بن زيد نَهِيكَ بن مِرْدَاس بعد أن قال: لا إله إلا الله، فلما
كبر عليه وقال: ( أقتلته بعد ما قا ل: لا إله إلا الله ؟ ) فقال : إنما
فأخرجوا أسيرًا في ثلاثين من أصحابه، وأطيعوه أن الرسول صلى
ذكر الواقدي هذه السرية في شوال سنة ست قبل خيبر بأشهر. وقيل : لفَزَارَة وعُذْرَة ] ،إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما .8 سرية أبي حَدْرَد الأسلمي إلى الغابة،وملخصه ا: أن رجلا من جُشَم بن معاوية أقبل في عدد كبير إلى الغابة، يريد أن يجمع قيسًا على محاربة
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين ليأتوا منه بخبر وعلم،القوم مع غروب الشمس، فكان أبو حدرد في ناحية، وأبطأ على القوم راعوهم
حتى ذهبت فحمة العشاء، فلما مر بأبي حدرد رماه بسهم في فؤاده فسقط ولم
يتكلم، وشد في ناحية العسكر، وكبر صاحبة وشدا، فما كان من القوم إلا
الفرار،قال الحاكم : تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هَلَّ ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء
عمرتهم، وألا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد،فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان . ا ه .واستخلف على المدينة عُوَيف بن الأضْبَط الدِّيلي، أو أبا رُهْم الغفاري، وجعل عليها
ناجية بن جُنْدُب الأسلمي، ولبي،بالسلاح والمقاتلة،وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الدخول راكباً على ناقته القَصْواء، والمسلمون متوشحين
السيوف، محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يلبون .وخرج المشركون إلى جبل قُعَيْقِعَان الجبل الذي في شمال الكعبة ليروا المسلمين، وقد قالوا فيما
بينهم : إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب، وإنما أمرهم بذلك ليري المشركين قوته كما أمرهم بالاضطباع،ويضعوا طرفي الرداء على اليسري .ينظرون إليه فلم يزل يلبي حتى استلم الركن بمِحْجَنِه،وفي حديث أنس فقال عمر : يا ابن رواحة، وفي حرم الله تقول
فلما رآهم المشركون قالوا : هؤلاء الذين
ولما فرغ من الطواف سعي بين الصفا والمروة، هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر) ، فنحر عند المروة، وحلق هناك،ناساً إلى يَأْجُج، ليقيموا على السلاح، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا علياً فقالوا: قل
يا عم يا عم، فتناولها علي،وزيد، وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبل الدخول في مكة بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة، فجعلت أمرها إلى
وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجها إياه، فلما خرج من مكة خلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه
وسميت هذه العمرة بعمرة القضاء ؛ إما لأنها كانت قضاء عن عمرة الحُدَيْبِيَة، أو لأنها وقعت حسب
المقاضاة أي المصالحة التي وقعت في الحديبية،بأربعة أسماء : القضاء، والقَضِيَّة، والقصاص،وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرجوع من هذه العمرة عدة سرايا، في ذي الحجة سنة 7 ه في خمسين رجلا . بعثه رسول الله صلى الله عليه
يدعوهم إلى الإسلام، فقالوا : لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا،جرح فيه أبو العوجاء، وأسر رجلان من العدو.2 سرية غالب بن عبد الله إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفَدَك، بعث في
فأصابوا من العدو نعما، وقتلوا منهم قتلى .3 سرية ذات أصلح في ربيع الأول سنة 8 ه . كانت بنو قُضَاعَة قد حشدت جموعاً كبيرة للإغارة على
فلقوا العدو، فاستقوا نَعَما من العدو، ولم يلقوا
كيد اً. وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وهي مقدمة وتمهيد الفتوح بلدان النصارى، وقعت في جمادى الأولى سنة 8 ه،سبتمبر سنة 926 م .وسبب هذه المعركة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم
بُصْرَي . فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر
فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فاشتد ذلك على
وهو
أمراء الجيش ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال : ( إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل
جعفر فعبد الله بن رواحة ) ، ودفعه إلى زيد بن حارثة .عليهم، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة،توديع الجيش الإسلامي وبكاء عبد الله بن رواحة
ولما تهيأ الجيش الإسلامي للخروج حضر الناس، وودعوا أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم،عليهم، وحينئذ بكي أحد أمراء الجيش عبد الله بن رواحة فقالوا : ما يبكي ك؟ فقال : أما والله ما بي حب
ولا صبابة بكم،بعد الورود ؟ فقال المسلمون : صحبكم الله بالسلامة، ودفع عنكم،الله بن رواحة :
أو طعنة بيدي حران مجهزة ** بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي ** أرشده الله من غاز وقد رشدا
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع،تحرك الجيش الإسلامي، و مباغتته حالة رهيبة
من أرض الشام، مما يلي الحجاز الشمالي،وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن هرقل نازل بمآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم،المجلس الاستشاري بمَعَان
لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم الذي بوغتوا به في هذه الأرض
قوامه ثلاثة آلاف مقاتل فحسب، على جيش كبير عرمرم مثل البحر
وأقاموا في مَعَان ليلتين يفكرون في أمرهم، نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا
وشجع الناس، قائلا : يا قوم،تطلبون : الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به،فانطلقوا، فإنما هي إحدي الحسنيين،بقرية من قرى البلقاء يقال له ا: [ شَ ارِف ] ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى مؤتة، فجعلوا على ميمنة قُطْبَة بن قتادة العُذْرِي،


Original text

معسكر الجيش الإسلامي


وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اختار لمعسكره منزلاً، فأتاه حُبَاب بن المنذر، فقال: يا رسول
الله، أرأيت هذا المنزل أنزلكه الله، أم هو الرأي في الحرب ؟ قال : ( بل هو الرأي ) فقال : يا رسول الله، إن
هذا المنزل قريب جدًا من حصن نَطَاة، وجميع مقاتلي خيبر فيها، وهم يدرون أحوالنا، ونحن لا ندري
أحوالهم، وسهامهم تصل إلينا، وسهامنا لا تصل إليهم، ولا نأمن من بياتهم، وأيضًا هذا بين النخلات،
و مكان غائر، وأرض وخيمة، لو أمرت بمكان خال عن هذه المفاسد نتخذه معسكرًا، قال صلى الله عليه
وسلم : ( الرأي ما أشرت ) ، ثم تحول إلى مكان آخر .
التهيؤ للقتال وبشارة الفتح


ولما كانت ليلة الدخول وقي ل: بل بعد عدة محاولات ومحاربات قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( لأعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، [ يفتح الله على يديه ] ) فلما أصبح الناس
غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يرجو أن يعطيه، فقال : ( أين علي بن أبي طالب؟ ) فقالو ا:
يا رسول الله، هو يشتكي عينيه، قال : ( فأرسلوا إليه ) ، فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في
عينيه، ودعا له، فبرئ، كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال : يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا،
قال : ( انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق
الله فيه، فوالله، لأن يهدي الله بك رجلا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم) .


بدء المعركة وفتح حصن ناعم


أما اليهود فإنهم لما رأوا الجيش وفروا إلى مدينتهم تحصنوا في حصونهم، وكان من الطبيعي أن يستعدوا
للقتال .


وأول حصن هاجمه المسلمون من حصونهم الثمانية هو حصن ناعم.


وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الاستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي
الذي كان يعد بالألف.


خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالمسلمين إلى هذا الحصن، ودعا اليهود إلى الإسلام، فرفضوا
هذه الدعوة، وبرزوا إلى المسلمين ومعهم ملكهم مرحب، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة،
قال سلمة بن الأكوع : فلما أتينا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول :


قد عَلِمتْ خيبر أني مَرْحَب ** شَاكِي السلاح بطل مُجَرَّب
إذا الحروب أقبلتْ تَلَهَّب **


فبرز له عمي عامر فقال :
قد علمت خيبر أني عامر ** شاكي السلاح بطل مُغَامِر


فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عمي عامر، وذهب عامر يسفل له، وكان سيفه قصي را،
فتناول به ساق اليهودي ليضربه، فيرجع ذُبَاب سيفه فأصاب عين ركبته فمات منه، وقال فيه النبي صلى
الله عليه وسلم : ( إن له لأجرين وجمع بين إصبعيه إنه لجَاهِدٌ مُجَاهِد، قَلَّ عربي مَشَي بها مِثْلَه ) .


ويبدو أن مرحبًا دعا بعد ذلك إلى البراز مرة أخري وجعل يرتجز بقوله :


قد علمت خيبر أني مرحب . . . إلخ، فبرز له علي بن أبي طالب . قال سلمة ابن الأكوع: فقال علي :


أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَهْ ** كلَيْثِ غابات كَرِيه المَنْظَرَهْ
أُوفِيهم بالصَّاع كَيْل السَّنْدَرَهْ **


فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.


ولما دنا علي رضي الله عنه من حصونهم اطلع يهودي من رأس الحصن، وقال : من أنت ؟ فقال : أنا علي
بن أبي طالب، فقال اليهودي : علوتم وما أنزل على موسى .


ثم خرج ياسر أخو مرحب، وهو يقول : من يبارز ؟ فبرز إليه الزبير، فقالت صفية أم ه: يا رسول الله، يقتل
ابني، قال : ( بل ابنك يقتله ) ، فقتله الزبير .


ودار القتال المرير حول حصن ناعم، قتل فيه عدة سراة من اليهود، انهارت لأجله مقاومة اليهود، وعجزوا
عن صد هجوم المسلمين، ويؤخذ من المصادر أن هذا القتال دام أيامًا لاقى المسلمون فيها مقاومة
شديدة، إلا أن اليهود يئسوا من مقاومة المسلمين، فتسللوا من هذا الحصن إلى حصن الصَّعْب، واقتحم
المسلمون حصن ناعم .


فتح حصن الصعب بن معاذ


وكان حصن الصعب الحصن الثاني من حيث القوة والمناعة بعد حصن ناعم، قام المسلمون بالهجوم عليه
تحت قيادة الحباب بن المنذر الأنصاري، وفرضوا عليه الحصار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث، دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم لفتح هذا الحصن دعوة خاصة.


روى ابن إسحاق أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا : لقد جهدنا، وما
بأيدينا من شيء، فقال : ( اللهم إنك قد عرفت حالهم، وأن ليست بهم قوة، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم
إياه، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غَنَاء، وأكثرها طعامًا ووَدَكًا ) . فغدا الناس ففتح الله عز وجل حصن
الصعب بن معاذ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعامًا وودكًا منه .


ولما ندب النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بعد دعائه لمهاجمة هذا الحصن كان بنو أسلم هم
المقاديم في المهاجمة، ودار البراز والقتال أمام الحصن، ثم فتح الحصن في ذلك اليوم قبل أن تغرب
الشمس، ووجد فيه المسلمون بعض المنجنيقات والدبابات .


ولأجل هذه المجاعة الشديدة التي ورد ذكرها في رواية ابن إسحاق، كان رجال من الجيش قد ذبحوا
الحمير، ونصبوا القدور على النيران، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك نهي عن لحوم الحمر
الإنسية .


فتح قلعة الزبير


وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحول اليهود من كل حصون النَّطَاة إلى قلعة الزبير، وهو حصن منيع في
رأس قُلَّةٍ ، لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه، ففرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحصار، وأقام محاصرًا ثلاثة أيام، فجاء رجل من اليهود، وقال : يا أبا القاسم، إنك لو أقمت شهرًا ما
بالوا، إن لهم شرابًا وعيونًا تحت الأرض، يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت مشربهم عليهم أصدروا لك . فقطع ماءهم عليهم، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال، قتل فيه
نفر من المسلمين، وأصيب نحو العشرة من اليهود، وافتتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم .


فتح قلعة أبي


وبعد فتح قلعة الزبير انتقل اليهود إلى قلعة أبي وتحصنوا فيه، وفرض المسلمون عليهم الحصار، وقام
بطلان من اليهود واحد بعد الآخر بطلب المبارزة، وقد قتلهما أبطال المسلمين، وكان الذي قتل المبارز
الثاني هو البطل المشهور أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشَة الأنصاري صاحب العصابة الحمراء . وقد أسرع أبو
دجانة بعد قتله إلى اقتحام القلعة، واقتحم معه الجيش الإسلامي، وجرى قتال مرير ساعة داخل الحصن،
ثم تسلل اليهود من القلعة، وتحولوا إلى حصن النزار آخر حصن في الشطر الأول .


فتح حصن النَّزَار


كان هذا الحصن أمنع حصون هذا الشطر، وكان اليهود على شبه اليقين بأن المسلمين لا يستطيعون
اقتحام هذه القلعة، وإن بذلوا قصاري جهدهم في هذا السبيل، ولذلك أقاموا في هذه القلعة مع الذراري
والنساء، بينما كانوا قد أخلوا منها القلاع الأربعة السابقة .


وفرض المسلمون على هذا الحصن أشد الحصار، وصاروا يضغطون عليهم بعنف، ولكون الحصن يقع
على جبل مرتفع منيع لم يكونوا يجدون سبيلا للاقتحام فيه . أما اليهود فلم يجترئ للخروج من الحصن،
والاشتباك مع قوات المسلمين، ولكنهم قاوموا المسلمين مقاومة عنيدة برشق النبال، وبإلقاء الحجارة .


وعندما استعصى حصن النزار على قوات المسلمين، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بنصب آلات
المنجنيق، ويبدو أن المسلمين قذفوا به القذائف، فأوجعوا الخلل في جدران الحصن، واقتحموا، و دار
قتال مرير في داخل الحصن انهزم أمامه اليهود هزيمة منكرة، وذلك لأنهم لم يتمكنوا من التسلل من هذا
الحصن كما تسللوا من الحصون الأخري، بل فروا من هذا الحصن تاركين للمسلمين نساءهم وذراريهم .


وبعد فتح هذا الحصن المنيع تم فتح الشطر الأول من خيبر، وهي ناحية النَّطَاة والشَّقِّ، وكانت في هذه
الناحية حصون صغيرة أخري إلا أن اليهود بمجرد فتح هذا الحصن المنيع أخلوا هذه الحصون، وهربوا
إلى الشطر الثاني من بلدة خيبر .


فتح الشطر الثاني من خيبر


ولما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح ناحية النطاة والشق، تحول إلى أهل الكتيبة التي بها حصن
القَمُوص : حصن بني أبي الحُقَيْق من بني النضير، وحصن الوَطِيح والسُّلالم، وجاءهم كل فَلِّ كان انهزم من
النطاة والشق، وتحصن هؤلاء أشد التحصن .


واختلف أهل المغازي هل جرى هناك قتال في أي حصن من حصونها الثلاثة أم لا؟ في سياق ابن إسحاق
صريح في جريان القتال لفتح حصن القموص، بل يؤخذ من سياقه أن هذا الحصن تم فتحه بالقتال فقط
من غير أن يجري هناك مفاوضة للاستسلام .


أما الواقدي، في صرح تمام التصريح أن قلاع هذا الشطر الثلاث إنما أخذت بعد المفاوضة، ويمكن أن
تكون المفاوضة قد جرت لاستلام حصن القموص بعد إدارة القتال، وأما الحصنان الآخران فقد سلما إلى
المسلمين دونما قتال .


ومهما كان، فلما أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذه الناحية الكتيبة فرض على أهلها أشد
الحصار، ودام الحصار أربعة عشر يومًا، واليهود لا يخرجون من حصونهم، حتى همّ رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن ينصب عليهم المنجنيق، فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح .


المفاوضة


وأرسل ابن أبي الحُقَيْق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنزل أكلمك ؟ قال : ( نعم ) ، فنزل، وصالح
على حقن دماء مَنْ في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها وذراريهم،
ويخلون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء أي
الذهب والفضة والكُرَاع والْحَلْقَة إلا ثوبًا على ظهر إنسان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وبرئت
منكم ذمة الله وذمة رسوله إن قتلتموني شيئا ) ، فصالحه على ذلك ، وبعد هذه المصالحة تم تسليم
الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر.


قتل ابني أبي الحقيق لنقض العهد


وعلى رغم هذه المعاهدة غيب ابنا أبي الحقيق مالا كثيرا، غيبا مَسْكًا فيه مال وحُلُي لحيي بن أخطب،
كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير .


قال ابن إسحاق : وأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكِنَانة الربيع، وكان عنده كنز بني النضير، فسأله
عنه، فجحد أن يكون يعرف مكانه، فأتي رجل من اليهود فقال: إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل
غداة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة : ( أرأيت إن وجدناه عندك أقتلك ؟ ) قال : نعم، فأمر
بالخربة، فحفرت، فأخرج منها بعض كنزهم، ثم سأله عما بقي، فأبي أن يؤديه . فدفعه إلى الزبير، وقال:
عذبه حتى نستأصل ما عنده، فكان الزبير يقدح بزند في صدره حتى أشرف على نفسه، ثم دفعه رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة، فضرب عنقه بمحمود بن مسلمة وكان محمود قتل تحت
جدار حصن ناعم، ألقي عليه الرحي، وهو يستظل بالجدار فمات .


وذكر ابن القيم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ابني أبي الحقيق، وكان الذي اعترف عليهما
بإخفاء المال هو ابن عم كنان ة.
وسبي رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق،
وكانت عروسًا حديثة عهد بالدخول.


قسمة الغنائم


وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلي اليهود من خيبر، فقالوا : يا محمد، دعنا نكون في هذه
الأرض، نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم، ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا
لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون حتى يقوموا عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر
من كل زرع، ومن كل ثمر، ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم، وكان عبد الله بن رواحة
يخرصه عليهم .


وقسم أرض خيبر على ستة وثلاثين سهمًا، جمع كل سهم مائة سهم، فكانت ثلاثة آلاف وستمائة سهم،
فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك وهو ألف وثمانمائة سهم، لرسول الله
صلى الله عليه وسلم سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر، وهو ألف وثمانمائة سهم، نوائبه
وما يتنزل به من أمور المسلمين، وإنما قسمت على ألف وثمانمائة سهم لأنها كانت طعمة من الله لأهل
الحديبية من شهد منهم ومن غاب، وكانوا ألفا وأربعمائة، وكان معهم مائتا فرس، لكل فرس سهمان،
فقسمت على ألف وثمانمائة سهم، فصار للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم واحد.


ويدل على كثرة مغانم خيبر ما رواه البخاري عن ابن عمر قال : ما شبعنا حتى فتحنا خيبر، وما رواه عن
عائشة قالت : لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر ، ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المدينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم إياها من النخيل حين صار لهم بخيبر مال
ونخيل .


قدوم جعفر بن أبي طالب والأشعريين


وفي هذه الغزوة قدم عليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وأصحابه، ومعهم الأشعريون أبو موسى وأصحابه .


قال أبو موسى : بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فخرجنا مهاجرين إليه أنا
وأخوان لي في بضع وخمسين رجلاً من قومي، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، ووافقنا
جعفرًا وأصحابه عنده، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، فأقمنا
معه حتى قدمنا فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب
عن فتح خيبر شيئا إلا لمن شهد معه، إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه، قسم لهم معهم .
ولما قدم جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم تلقاه وقَبَّلَ ما بين عينيه وقال : ( والله ما أدري بأيهما أفرح ؟
بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ) .


وكان قدوم هؤلاء على أثر بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري يطلب
توجيههم إليه، فأرسل النجاشي على مركبين، وكانوا ستة عشر رجلاً، معهم من بقي من نسائهم وأولادهم،
وبقيتها جاءوا إلى المدينة قبل ذلك.
الزواج بصفية


ذكرنا أن صفية جعلت في السبايا حين قتل زوجها كِ نَانة بن أبي الحقيق لغدره، ولما جمع السبي جاء دحية
بن خليفة الكلبي، فقال : يا نبي الله، أعطني جارية من السبي، فقال : اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية بنت
حيي، فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقا ل: يا نبي الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة
قريظة وبني النضير، لا تصلح إلا لك، قال : ( ادعوه به ا) . فجاء بها، فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه
وسلم قال : ( خذ جارية من السبي غيرها ) ، وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت،
فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، حتى إذا كان بسد الصهباء راجعًا إلى المدينة حلت، في جهزتها له أم سليم، فأهدتها له من الليل، فأصبح عروسًا بها، وأولم عليها بحيس من التمر والسمن والسَّوِيق، وأقام
عليها ثلاثة أيام في الطريق يبني بها.


ورأى بوجهها خضرة، فقال : ( ما هذا؟ ) قالت : يا رسول الله، رأيت قبل قدومك علينا كأن القمر زال من
مكانه، وسقط في حجري، ولا والله ما أذكر من شأنك شيئا، فقصتها على زوجي، فلطم وجهي . فقال :
تمنين هذا الملك الذي بالمدينة .


أمر الشاة المسمومة


ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن
مِ شْكَم، شاة مَصْلِيَّةً، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل له ا: الذراع،
فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم تناول الذراع، فَلاَكَ منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال : ( إن هذا العظم ليخبرني أنه
مسموم ) ، ثم دعا بها فاعترفت، فقال: ( ما حملك على ذلك ؟ ) قالت : قلت : إن كان ملكًا استرحت منه،
وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز عنها.


وكان معه بِشْر بن البراء بن مَعْرُور، اخذ منها أكلة فصاغها، فمات منها .


واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولا، فلما مات بشر قتلها
قصاصا.


قتلى الفريقين في معارك خيبر


وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشْجَع،
وواحد من أسْلَم، وواحد من أهل خيبر والباقون من الأنصار .
ويقال : إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 81 رجلا .


وذكر العلامة المنصورفوري 91 رجلاً، ثم قال : إني وجدت بعد التفحص 32 اسما، واحد منها في
الطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة، وواحد اختلفوا هل قتل
في بدر أو خيبر، والصحيح أنه قتل في بدر .


أما قتلى اليهود وعددهم ثلاثة وتسعون قتيلا .
فَدَك


ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، بعث مُحَيِّصَة بن مسعود إلى يهود فَدَك، ليدعوهم إلى
الإسلام، فأبطأ عليه، فلما فتح الله خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلحونه على النصف من فدك بمثل ما عامل عليه أهل خيبر، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك
لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة؛ لأنه لم يُوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب .


وادي القُرَي


ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القرى، وكان بها جماعة من اليهود،
وانضاف إليهم جماعة من العرب .


فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي، وهم على تعبئة، فقتل مِدْعَم عَبْدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال الناس : هنيئا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( كلا، والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَة التي
أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا ) ، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم بشِرَاك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسل م: ( شراك من نار أو شراكان
من نار ) .


ثم عَبَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصَفَّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى
الحُبَاب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حُنَيْف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز
رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب
رضي الله عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام .
وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله،
فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة،
وغَنَّمَهُ اللهُ أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعًا كثيرًا .


وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام . وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك
الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها كما عامل أهل خيبر .


تَيْمَاء


ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فَدَك ووادي القُرَي، لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين،
بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا
بأموالهم . وكتب لهم بذلك كتابا وهاك نصه : هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، أن لهم الذمة،
وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد.


العودة إلى المدينة
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العودة إلى المدينة، وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا
أصواتهم بالتكبير : ( الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أربعوا على
أنفسكم، إنكم لا تدعون أصَمَّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا ) .
وفي مرجعه ذلك سار النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال :
( اكلأ لنا الليل ) ، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس،
وأول من استيقظ بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلي
الفجر بالناس، وقيل : إن هذه القصة في غير هذا السفر .
وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر، يبدو أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم كان في أواخر صفر أو في
ربيع الأول سنة 7 ه .


سرية أبَان بن سعيد


كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أكثر من كل قائد عسكري أن إخلاء المدينة تماما بعد انقضاء
الأشهر الحرم ليس من الحزم قطعًا، بينما الأعراب ضاربة حولها، تطلب غرة المسلمين للقيام بالنهب
والسلب وأعمال القرصنة ؛ ولذلك أرسل سرية إلى نجد لإرهاب الأعراب تحت قيادة أبان بن سعيد، بينما
كان هو إلى خيبر، وقد رجع أبان بن سعيد بعد قضاء ما كان واجبًا عليه، فوافي النبي صلى الله عليه وسلم
بخيبر، وقد افتتحها.


والأغلب أن هذه السرية كانت في صفر سنة 7ه، وقد ورد ذكرها في البخاري . قال ابن حجر : لم أعرف
حال هذه السرية.


بقية السرايا والغزوات في السنة السابعة


غزوة ذات الرِّقَاع


ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر جناحين قويين من أجنحة الأحزاب الثلاثة تفرغ تمامًا
للالتفات إلى الجناح الثالث، أي إلى الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد، والذين ما زالوا يقومون
بأعمال النهب والسلب بين آونة وأخري .


ولما كان هؤلاء البدو لا تجمعهم بلدة أو مدينة، ولم يكونوا يقطنون الحصون والقلاع، كانت الصعوبة في
فرض السيطرة عليهم وإخماد نار شرهم تمامًا تزداد بكثير عما كانت بالنسبة إلى أهل مكة وخيبر ؛ ولذلك
لم تكن تجدي فيهم إلا حملات التأديب والإرهاب، وقام المسلمون بمثل هذه الحملات مرة بعد أخري .
والفرض الشوكة أو لاجتماع البدو الذين كانوا يحتشدون للإغارة على أطراف المدينة قام رسول الله صلى
الله عليه وسلم بحملة تأديبية عرفت بغزوة ذات الرقاع .
وعامة أهل المغازي يذكرون هذه الغزوة في السنة الرابعة، ولكن حضور أبي موسى الأشعري وأبي هريرة
رضي الله عنهما في هذه الغزوة يدل على وقوعها بعد خيبر، والأغلب أنها وقعت في شهر ربيع الأول سنة
7 ه .


وملخص ما ذكره أهل السير حول هذه الغزوة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع باجتماع بني أنمار أو
بني ثعلبة وبني مُحَارِب من غطفان، فأسرع بالخروج إليهم في أربعمائة أو سبعمائة من أصحابه، واستعمل
على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وسار فتوغل في بلادهم حتى وصل إلى موضع
يقال له : نخل، على بعد يومين من المدينة، ولقي جمعاً من غطفان، فتقربوا وأخاف بعضهم بعضاً ولم


يكن بينهم قتال، إلا أنه صلى بهم يومئذ صلاة الخوف . وفي رواية البخاري : وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة
ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان .


وفي البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا
الخرق، فسميت ذات الرقاع، لما كنا نعصب الخرق على أرجلنا .


وفيه عن جابر : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي
صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرق الناس في العضاة، يستظلون بالشجر،
ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه . قال جابر : فنمنا نومة، فجاء رجل من
المشركين : فاخترط سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقا ل: أتخافين ؟ قال : ( لا ) ، قال : فمن يمنعك
مني ؟ قال : ( الله ) . قال جابر : فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئنا، فإذا عنده أعرابي جالس .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صَلْتًا.


فقال لي : من يمنعك مني ؟ قلت : الله، فها هو ذا جالس) ، ثم لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية أبي عوانة: فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقا ل: ( من يمنعك
مني ؟ ) قال : كن خير آخذ، قال : ( تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ ) قال الأعرابي : أعاهدك على
ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال : فخلى سبيله، فجاء إلى قومه، فقال: جئتكم من عند خير
الناس .
وفي رواية البخاري: قال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر : اسم الرجل غَوْرَث ابن الحارث . قال ابن
حجر : ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة : أن اسم الأعرابي دُعْثُور، وأنه أسلم، لكن ظاهر كلامه
أنهما قصتان في غزوتين. والله أعلم .


وفي مرجعهم من هذه الغزوة سبوا امرأة من المشركين، فنذر زوجها ألا يرجع حتى يهريق دماً في أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء ليلاً، وقد أرصد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين رَبِيئة للمسلمين
من العدو، وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر، فضرب عباداً، وهو قائم يصلي، بسهم فنزعه، ولم يبطل
صلاته، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلم، فأيقظ صاحبه، فقال : سبحان الله ! هلا
نبهتني، فقال : إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها.


كان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، وإذا نظرنا إلى تفاصيل السرايا بعد الغزوة
نرى أن هذه القبائل من غطفان لم تجترئ أن ترفع رأسها بعد هذه الغزوة، بل استكانت شيئاً فشيئاً حتى
استسلمت، بل وأسلمت، حتى نري عدة قبائل من هذه الأعراب تقوم مع المسلمين في فتح مكة، وتغزو
حُنَيْناً، وتأخذ من غنائمها، ويبعث إليها المصدقون فتعطي صديقاتها بعد الرجوع من غزوة الفتح، فبهذا تم
كسر الأجنحة الثلاثة التي كانت ممثلة في الأحزاب، وساد المنطقة الأمن والسلام، واستطاع المسلمون
بعد ذلك أن يسدوا بسهولة كل خلل وثلمة حدثت في بعض المناطق من بعض القبائل، بل بعد هذه الغزوة
بدأت التمهيدات لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ؛ لأن الظروف في داخل البلاد كانت قد تطورت لصالح
الإسلام والمسلمين .
وبعد الرجوع من هذه الغزوة أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شوال سنة 7 ه .


وبعث في خلال ذلك عدة سراي ا. وهاك بعض تفصيلها:


1 سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى بني المُلَوَّح بُقدَيْد، في صفر أو ربيع الأول سنة 7 ه . كان بنو
الملوح قد قتلوا أصحاب بشير بن سُوَيْد، فبعثت هذه السرية لأخذ الثأر، فشنوا الغارة في الليل فقتل وا من
قتلوا، وساقوا النعم، وطاردهم جيش كبير من العدو، حتى إذا قرب من المسلمين نزل مطر، فجاء سيل
عظيم حال بين الفريقين . ونجح المسلمون في بقية الانسحاب.
2 سرية حِسْمَي، في جمادي الثانية سنة 7 ه، وقد مضى ذكرها في مكاتبة الملوك .
3 سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة، في شعبان سنة 7 ه، ومعه ثلاثون رجلا . كانوا يسيرون الليل
يستخفون في النهار، فأتى الخبر إلى هوازن فهربوا، وجاء عمر إلى محالهم فلم يلق أحداً، فانصرف
راجعاً إلى المدينة .
4 سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى بني مرة بناحية فَدَك، في شعبان سنة 7 ه في ثلاثين رجلا . خرج
إليهم واستاق الشاء والنعم، ثم رجع فأدركه الطلب عند الليل، فرماهم بالنبل حتى فني نبل بشير
وأصحابه، فقتلوا جميعاً إلا بشير، فإنه ارْتُثَّ إلى فدك، فأقام عند يهود حتى برأت جراحه، فرجع إلى
المدينة .
سرية غالب بن عبد الله الليثي، في رمضان سنة 7 ه إلى بني عُوَال وبني عبد بن ثعلبة بالمَيْفَعَة،
وقيل إلى الحُرَقَات من جُهَيْنَة، في مائة وثلاثين رجلاً، فهجموا عليهم جميعاً، وقتلوا من أشرف لهم،
واستاقوا نعما وشاء، وفي هذه السرية قتل أسامةُ بن زيد نَهِيكَ بن مِرْدَاس بعد أن قال: لا إله إلا الله، فلما
قدموا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كبر عليه وقال: ( أقتلته بعد ما قا ل: لا إله إلا الله ؟ ) فقال : إنما
قالها متعوذاً قال : ( فهلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب؟ ) .
6 سرية عبد الله بن رواحة إلى خيبر، في شوال سنة 7 ه في ثلاثين راكبًا . وذلك أن أسِير أو بشير بن
زارم كان يجمع غطفان لغزو المسلمين، فأخرجوا أسيرًا في ثلاثين من أصحابه، وأطيعوه أن الرسول صلى
الله عليه وسلم يستعمله على خيبر، فلما كانوا بقَرْقَرَة نِيَار وقع بين الفريقين سوء ظن أفضى إلى قتل أسير
وأصحابه الثلاثين . ذكر الواقدي هذه السرية في شوال سنة ست قبل خيبر بأشهر.
7 سرية بشير بن سعد الأنصاري إلى يمن وجَبار [ بالفتح، أرض لغطفان، وقيل : لفَزَارَة وعُذْرَة ] ، في شوال
سنة 7 ه في ثلاثمائة من المسلمين، للقاء جمع كبير تجمعوا للإغارة على أطراف المدينة، فساروا الليل
وكمن النهار، فلما بلغهم مسير بشير هربوا، وأصاب بشير نعما كثيرة، وأسر رجلين، فقدم بهما المدينة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلما .
8 سرية أبي حَدْرَد الأسلمي إلى الغابة، ذكرها ابن القيم في سرايا السنة السابعة قبل عمرة القضاء،
وملخصه ا: أن رجلا من جُشَم بن معاوية أقبل في عدد كبير إلى الغابة، يريد أن يجمع قيسًا على محاربة
المسلمين . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا حدرد مع رجلين ليأتوا منه بخبر وعلم، فوصلوا إلى
القوم مع غروب الشمس، فكان أبو حدرد في ناحية، وصاحباه في ناحية أخرى، وأبطأ على القوم راعوهم
حتى ذهبت فحمة العشاء، فقام رئيس القوم وحده، فلما مر بأبي حدرد رماه بسهم في فؤاده فسقط ولم
يتكلم، فاهتز أبو حدرد رأسه، وشد في ناحية العسكر، وكبرت، وكبر صاحبة وشدا، فما كان من القوم إلا
الفرار، واشتاق المسلمين الثلاثة الكثير من الإبل والغنم .


عمرة القضاء


قال الحاكم : تواترت الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم لما هَلَّ ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء
عمرتهم، وألا يتخلف منهم أحد شهد الحديبية، فخرجوا إلا من استشهد، وخرج معه آخرون معتمرين،
فكانت عدتهم ألفين سوى النساء والصبيان . ا ه .
واستخلف على المدينة عُوَيف بن الأضْبَط الدِّيلي، أو أبا رُهْم الغفاري، وساق ستين بدنة، وجعل عليها
ناجية بن جُنْدُب الأسلمي، وأحرم بالعمرة من ذي الحُلَيْفَة، ولبي، ولبي المسلمون معه، وخرج مستعداً
بالسلاح والمقاتلة، خشية أن يقع من قريش غدر، فلما بلغ يَأجُج وضع الأداة كله ا: الحَجَف والمِجَانّ
والنَّبْل والرِّماح، وخلف عليها أوس بن خَوْلِي الأنصاري في مائتي رجل، ودخل بسلاح الراكب : السيوف
في القُرُب .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الدخول راكباً على ناقته القَصْواء، والمسلمون متوشحين
السيوف، محدقون برسول الله صلى الله عليه وسلم يلبون .
وخرج المشركون إلى جبل قُعَيْقِعَان الجبل الذي في شمال الكعبة ليروا المسلمين، وقد قالوا فيما
بينهم : إنه يقدم عليكم وفد وهنتهم حمى يثرب، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يرملوا
الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين. ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء
عليهم، وإنما أمرهم بذلك ليري المشركين قوته كما أمرهم بالاضطباع، أي أن يكشفوا المناكب اليمني،
ويضعوا طرفي الرداء على اليسري .
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية التي تطلعه على الحَجُون وقد صف المشركين
ينظرون إليه فلم يزل يلبي حتى استلم الركن بمِحْجَنِه، ثم طاف، وطاف المسلمون، وعبد الله بن رواحة
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتجز متوشحاً بالسيف :
وفي حديث أنس فقال عمر : يا ابن رواحة، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله تقول
الشعر ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( خَلِّ عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل ) .


ورَمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ثلاثة أشواط، فلما رآهم المشركون قالوا : هؤلاء الذين
زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا .
ولما فرغ من الطواف سعي بين الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي، وقد وقف الهدي عند المروة، قال :
( هذا المنحر، وكل فجاج مكة منحر) ، فنحر عند المروة، وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون، ثم بعث
ناساً إلى يَأْجُج، ليقيموا على السلاح، ويأتي الآخرون في غضون نسكهم ففعلوا .
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا علياً فقالوا: قل
لصاحبك : اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل بسَرِف فأقام بها .
ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة، تنادي، يا عم يا عم، فتناولها علي، واختصم فيها علي وجعفر
وزيد، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر ؛ لأن خالتها كانت تحت ه.
وفي هذه العمرة تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث العامرية، وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قبل الدخول في مكة بعث جعفر بن أبي طالب بين يديه إلى ميمونة، فجعلت أمرها إلى
العباس، وكانت أختها أم الفضل تحته، فزوجها إياه، فلما خرج من مكة خلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه
حين يمشي، فبنى بها بسرف .
وسميت هذه العمرة بعمرة القضاء ؛ إما لأنها كانت قضاء عن عمرة الحُدَيْبِيَة، أو لأنها وقعت حسب
المقاضاة أي المصالحة التي وقعت في الحديبية، والوجه الثاني رجحه المحققون، وهذه العمرة تسمى
بأربعة أسماء : القضاء، والقَضِيَّة، والقصاص، والصُّلح .
وقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الرجوع من هذه العمرة عدة سرايا، وهي كما يلي :


1 سرية ابن أبي العوجاء، في ذي الحجة سنة 7 ه في خمسين رجلا . بعثه رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى بني سُلَيْم ؛ يدعوهم إلى الإسلام، فقالوا : لا حاجة لنا إلى ما دعوتنا، ثم قاتلوا قتالاً شديد ا .
جرح فيه أبو العوجاء، وأسر رجلان من العدو.


2 سرية غالب بن عبد الله إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد بفَدَك، في صفر سنة 8 ه . بعث في
مائتي رجل، فأصابوا من العدو نعما، وقتلوا منهم قتلى .
3 سرية ذات أصلح في ربيع الأول سنة 8 ه . كانت بنو قُضَاعَة قد حشدت جموعاً كبيرة للإغارة على
المسلمين، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الأنصاري في خمسة عشر رجلاً،
فلقوا العدو، فدعوهم إلى الإسلام، فلم يستجيبوا لهم، وأرشقوهم بالنبل حتى استشهد كلهم إلا رجل
واحد، فقد ارْتُثَّ من بين القتل ي.
4 سرية ذات عِرْق إلى بني هوازن، في ربيع الأول سنة 8 ه . كانت بنو هوازن قد أمدت الأعداء مرة بعد
أخري فأرسل إليها شُجَاع بن وهب الأسدي في خمسة وعشرين رجلاً، فاستقوا نَعَما من العدو، ولم يلقوا
كيد اً.


معركة مؤتة


وهذه المعركة أكبر لقاء مُثْخِن، وأعظم حرب دامية خاضها المسلمون في حياة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وهي مقدمة وتمهيد الفتوح بلدان النصارى، وقعت في جمادى الأولى سنة 8 ه، وفق أغسطس أو
سبتمبر سنة 926 م .
ومؤتة ( بالضم فالسكو ن) هي قرية بأدني بلقاء الشام، بينها وبين بيت المقدس مرحلتا ن.
سبب المعركة


وسبب هذه المعركة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى عظيم
بُصْرَي . فعرض له شُرَحْبِيل بن عمرو الغساني وكان عاملاً على البلقاء من أرض الشام من قبل قيصر
فأوثقه رباطاً، ثم قدمه، فضرب عنقه .
وكان قتل السفراء والرسل من أشنع الجرائم، يساوي بل يزيد على إعلان حالة الحرب، فاشتد ذلك على
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نقلت إليه الأخبار، فجهز إليهم جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، وهو
أكبر جيش إسلامي لم يجتمع قبل ذلك إلا في غزوة الأحزاب .


أمراء الجيش ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم


أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا البعث زيد بن حارثة، وقال : ( إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل
جعفر فعبد الله بن رواحة ) ، وعقد لهم لواء أبيض، ودفعه إلى زيد بن حارثة .
وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا مَنْ هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله
عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم : ( اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا
وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء ) .


توديع الجيش الإسلامي وبكاء عبد الله بن رواحة


ولما تهيأ الجيش الإسلامي للخروج حضر الناس، وودعوا أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلموا
عليهم، وحينئذ بكي أحد أمراء الجيش عبد الله بن رواحة فقالوا : ما يبكي ك؟ فقال : أما والله ما بي حب
الدنيا، ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها
النار : { وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّ ا} [ مريم : 71 ] ، فلست أدري كيف لي بالصدور
بعد الورود ؟ فقال المسلمون : صحبكم الله بالسلامة، ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين غانمين، فقال عبد
الله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة ** وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة ** بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي ** أرشده الله من غاز وقد رشدا


ثم خرج القوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودّعهم .


تحرك الجيش الإسلامي، و مباغتته حالة رهيبة
وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال حتى نزل مَعَان، من أرض الشام، مما يلي الحجاز الشمالي،
وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن هرقل نازل بمآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم
إليهم من لَخْم وجُذَام وبَلْقَيْن وبَهْرَاء وبَلِي مائة ألف .


المجلس الاستشاري بمَعَان


لم يكن المسلمون أدخلوا في حسابهم لقاء مثل هذا الجيش العرمرم الذي بوغتوا به في هذه الأرض
البعيدة وهل يهجم جيش صغير، قوامه ثلاثة آلاف مقاتل فحسب، على جيش كبير عرمرم مثل البحر
الخضم، قوامه مائتا ألف مقاتل ؟ حار المسلمون، وأقاموا في مَعَان ليلتين يفكرون في أمرهم، وينظرون
ويتشاورون، ثم قالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نخبره بعدد عدونا، فإما أن يمدنا
بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له .
ولكن عبد الله بن رواحة عارض هذا الرأي، وشجع الناس، قائلا : يا قوم، والله إن التي تكرهون لَلَّتِي خرجتم
تطلبون : الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به،
فانطلقوا، فإنما هي إحدي الحسنيين، إما ظهور وإما شهادة . وأخيراً استقر الرأي على ما دعا إليه عبد الله
بن رواحة .


الجيش الإسلامي يتحرك نحو العدو


وحينئذ بعد أن قضى الجيش الإسلامي ليلتين في معان، تحركوا إلى أرض العدو، حتى لقيتهم جموع هرقل
بقرية من قرى البلقاء يقال له ا: [ شَ ارِف ] ثم دنا العدو، وانحاز المسلمون إلى مؤتة، وعسكروا هناك،
وتعبوا للقتال، فجعلوا على ميمنة قُطْبَة بن قتادة العُذْرِي، وعلى الميسرة عبادة بن مالك الأنصاري .
بداية القتال، وتناوب القواد
وهناك في مؤتة التقي الفريقان، وبدأ القتال المرير، ثلاثة آلاف رجل يواجهون هجمات مائتي ألف مقاتل .
معركة عجيبة تشاهدها الدنيا بالدهشة والحيرة، ولكن إذا هبت ريح الإيمان جاءت بالعجائب.
أخذ الراية زيد بن حارثة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقاتل بضراوة بالغة، وبسالة لا يوجد
لها نظير إلا في أمثاله من أبطال الإسلام، فلم يزل يقاتل ويقاتل حتى شاط في رماح القوم، وخر صريعا .
وحينئذ أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وطفق يقاتل قتالاً منقطع النظير، حتى إذا أرهقه القتال اقتحم عن
فرسه الشقراء فعقرها، ثم قاتل حتى قطعت يمينه، فأخذ الراية بشماله، ولم يزل بها حتى قطعت شماله،
فاحتضنها بعضديه، فلم يزل رافعاً إياها حتى قت ل. يقال : إن رومياً ضرب ضربةً قطعته نصفين، و أثابه الله
بجناحيه جناحين في الجنة، يطير بهما حيث يشاء ؛ ولذلك سمي بجعفر الطيار، جعفر ذي الجناحين .
روى البخاري عن نافع؛ أن ابن عمر أخبره : أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل، فعددت به خمسين بين
طعنة وضربة، ليس منها شيء في دبره، يعني ظهره .
وفي رواية أخرى قال ابن عمر : كنت فيهم في تلك الغزوة، فالتمسوا جعفر بن أبي طالب فوجدناه في
القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمي ة. وفي رواية العمري عن نافع زيادة : [ فوجدنا
ذلك فيما أقبل من جسده ] .
ولما قتل جعفر بعد أن قاتل بمثل هذه الضراوة والبسالة، أخذ الراية عبد الله بن رواحة، وتقدم بها، وهو
على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد، حتى حاد حيدة ثم قال:
ثم نزل، فأتاه ابن عم له بعَرْق من لحم فقال : شد بهذا صلبك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت،
فأخذه من يده فانتهز منه نَهْسَة، ثم ألقاه من يده، ثم أخذ سيفه فتقدم، فقاتل حتى قتل .


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

There are many ...

There are many reasons for doing things, but most motivation belongs to one of four main categories....

إصطاد “لوك أوكو...

إصطاد “لوك أوكونر”الأمريكي لأول مرة لبؤة بثلاث طلقات فقط وكان متفاخراً بذلك ، صوره إبراهيم عدة صور ب...

ولنبدأ باستعراض...

ولنبدأ باستعراض كل منصب من مناصب الحكم في العصر الجمهوري في إيجاز : ۱ - منصب القنصلية Consul : بع...

To successfully...

To successfully implement a recycling program, the school can start by conducting a waste audit to a...

الحياة الثقافية...

الحياة الثقافية اهتم الإسلام بالعلم، وكان الهدف من أول حركة تعليمية ظهرت في جزيرة العرب هو فهم الدين...

يعد مبدأ سياادة...

يعد مبدأ سياادة القانون عنصرا من عناصر الدولة القانونية و هو مظهر من مظاهر األساسية للدولة احلديثة و...

النجاح هو تحقيق...

النجاح هو تحقيق الأهداف والطموحات التي تحددها لنفسك، والشعور بالرضا الداخلي والسعادة بالإنجازات التي...

Here's how it w...

Here's how it works: The chilled water, which is really cold, flows through the cooling coil. As the...

كان رمزاً للكرا...

كان رمزاً للكرامة والسلام والرؤية الثاقبة، تاركاً وراءه إرثاً من المعاني السامية المتمثلة في التسامح...

ن قيام اإلاداية...

ن قيام اإلاداية بوظائفها يف سبيل حتقيق املصلحة العامة ميكن أن تضر أو تقصر يف بعض احلقوق واحلرايت الف...

ذكر ما يقابلهم ...

ذكر ما يقابلهم على الضدية, ثانيًا على الترتيب، والطيف في هذا حقيقةً هو أنَّ عباد الله الأتقياء الصلح...

وقد كان أبو جهل...

وقد كان أبو جهل لقي حكيم بن خويلد معه غلام يحمل قمحاً،يريد به عمته خديجه بنت خويلد ،وهي عند رسول الل...