Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الدولية
في الفصل السابق تحدثنا عن مفهوم حقوق الإنسان، في هذا الفصل سوف نقارن ـ إن شاء الله ـ بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الوضعية الدولية، وسوف نكتفي فيما يتعلق بالوثائق الدولية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأن هذا الإعلان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م، يمثل قمة ما وصل إليه العقل البشري فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وجميع الوثائق الدولية أو الإقليمية الأخرى التي تتعلق بحقوق الإنسان اتخذت من هذا الإعلان مرجعاً لها، كما أننا - وخشية الإطالة - سنقتصر في هذه المقارنة على ثلاثة مواضيع وهي:
أولاً: من جهة الأقدمية في تحديد حقوق الإنسان والزاميتها. ثانياً: من حيث العمق والشمول. ثالثا : من حيث الحماية والضمانات. أولا: حقوق الإنسان من حيث الاسبقية والإلزامية في الإسلام والوثائق الوضعية:
وقد أعلن رسول الله ﷺ، أول وثيقه لحقوق الإنسان في التاريخ في حجة الوداع، بينما نجد أن أقدم وثيقة بشرية لحقوق الإنسان كانت في القرن الثالث عشر الميلادي (١٢١٥م) كما أشرنا إلى ذلك عند الحديث عن تطور حقوق الإنسان. لقد كان للشريعة الإسلامية الغراء فضل السبق على كافة المواثيق والإعلانات والإتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق الإنسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وأن ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية اللاحقة ومن قبلها ميثاق هيئة الأمم المتحدة ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنته الشريعة الإسلامية الغراء. ومن تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان النهي عن إهانة الإنسان أو تحقيره أو السخرية منه، أو وصفه بوصف ممقوت قال الله تعالى ((يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يسخر قوم من قومٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَنِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَيكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)). ومن تكريم الله جل وعلا للإنسان - أنه سبحانه ـ أحسن خلقة الإنسان وصورته كما قال تعالى: ((وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُم وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ))، تكريم الله جل وعلا للإنسان - أنه أعزه ووجهه بأن يكون مرفوع الرأس لا ينحني لأحد غير الله ولا يعبد غيره ولا يشرك به أحدا كما قال تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المسامِينَ)). ومن تكريم الله للإنسان جعل العبادة مقصورة عليه وحده فلا عبودية إلا لله الواحد القهار قال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَنًا))، وقال تعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)). ومن تكريم الله للإنسان بيان الغاية من خلقه وأنه ما خلق إلا لعبادة الله قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)). ومن تكريم الله للإنسان أنه حرم كل قول أو عمل يمس كرامة الإنسان مثل الغيبة والنميمة والتجسس وما إلى ذلك مما يمس عرض الإنسان أو كرامته، وحقر مقترفي هذه الآثام قال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يغتب بعضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمُ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) ، وقال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لمَزَةٍ ))، وقال تعالى : مخاطباً رسوله صلى الله عليه و سلم (( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَافٍ مَّهِينٍ هَمَّاز مشاء بنميم مَنَاعِ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)) ، وقال تعالى : (( وَلَا تقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِن السمع والبصرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَيكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئولا)) . 2- المساواة وعدم التمييز:
تحدث الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة عام ٩١٤٨م، عن المساواة حيث نصت المادة الثالثة منه على أن (لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز كالتمييز بسبب العنصر، .
وقد قررت الشريعة الإسلامية المساواة بين الناس جميعاً في أروع صورها قبل الإعلان العالمي بأربعة عشر قرناً. واجب التنفيذ، وسلالاتهم العرقية وقيمهم الإنسانية، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، قال الله تعالى : (( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتقَاكُمْ )) ، وقال تعالى : (( يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء )) وقوله تعالى مخاطباً الناس بلفظ بني آدم : (( يَابَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَرِى سَوْءَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءايَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )) ، وقوله تعالى : ( يَابَنِى ءَادَمَ لَا يَفْتنَنَّكُمُ الشَّيْطَنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَتِهِمَا ) (٢١) ، وقوله تعالى ( يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كل مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تَسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) وقوله تعالى :((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يُبَنِى ءَادَمَ أَن لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مبين)). إن الخطاب في هذه الآيات الكريمات لبني آدم دليل على عمومية الخطاب الإلهي للناس جميعاً على قدم المساواة. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى مبدأ المساواة في الإسلام ((يا أيها الناس إن ربكم واحد كلكم لأدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وقوله صلى الله عليه وسلم ، في مجال المساواة في توقيع الحدود بين الناس (( إنما أهلك الذين من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) . ولقد سار الخلفاء الراشدون على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحقيق المساواة يقول أبو بكر رضي الله عنه عندما ولي الخلافة في أول خطبة بعد البيعة (أيها الناس انه والله ما فيكم أحد أقوي عندى من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف من القوي حتى آخذ الحق منه) . أبو
هذه هي مكانة المساواة في الإسلام وإذا كانت المساواة تقررت بين عموم الناس في الإسلام وطبقت على امتداد العصور منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفيما اعقب تلك المرحلة من مراحل زاهرة للدولة الإسلامية، فإننا نجد أن المساواة في الوثائق والقوانين الوضعية لم تكن على هذا الحال فلقد تنكرت لها الشرائع الإنسانية قديماً وحديثاً في أمور كثيرة. 3- حق الإنسان في أملاكه وأمواله:
إذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أكد في النصف الأول من القرن العشرين على حق الإنسان في أملاكه وأمواله، فإن الإسلام قبل أربعة عشر قرناً حرم العدوان على أملاك الإنسان وأمواله ووضع الضمانات لحماية هذه الحقوق.
قال تعالى: ((يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ))، كما انه جل وعلا توعد الكافرين بالعذاب الأليم، بسبب أكلهم أموال الناس بالباطل حين قال عز وجل: ((وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوْا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَا كَلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَطِل وَأَعْتَدْنَا لِلكَفِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيما)). والأموال هنا تؤخذ بالمفهوم الواسع الذي يشمل كل ما يملكه الإنسان ويخصه، سواء أموالاً نقدية أو عينية منقولة أو عقارية. ولقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة المال بحرمة النفس في قوله صلى الله عليه وسلم ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم)). وتأييداً لقاعدة الملك بني الفقهاء القاعدتين الكليتين التاليتين:
-لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي. ما سبق من استعراض لكرامة الإنسان والمساواة وحق التملك وحرمة المال يدل على عمق والزامية حقوق الإنسان في الإسلام مقارنة هذه الحقوق بما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أما عن شمولية ونوعية الحقوق فنحب أن نشير إلى وجود حقوق للإنسان في الإسلام وردت في كتاب الله وسنة رسوله ، لم يذكرها وينص عليها ا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لقد أغفل أو تغافل مشرعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بيان تلك الحقوق وفيما يلي عرض موجز لأهم تلك الحقوق:
۱) حقوق اليتامى:
أشار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م إلى حق رعاية الطفل، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة والعشرون على حق الطفولة في المساعدة والرعاية، بينما نجد الإسلام قد تميز باعطاء عناية خاصة لليتامى؛ حيث حرص في آيات كثيرة على ضرورة الإهتمام بهم ورعايتهم وحفظ حقوقهم وعدم الإعتداء على أموالهم والإحسان إليهم بكل وسائل الإحسان وحذر من غضب الله على من يسئ إليهم. قال تعالى: ﴿وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الْيَتَمَى قُلْ إِصْلَاح لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيز حكيمُ)) ، وقال تعالى: ﴿وَءَاتُواْ الْيَتَمَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)) ، وقال تعالى: (وَاسْلُوا اليَتَمَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النكاح فَإِن انستُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَاهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافَا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا )) ، وقال تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَلَ الْيَتَمَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرا ))، وقال تعالى : ((وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشدَه)) وقال تعالى: ((وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرِ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا)) . ۲) حق ضعاف العقول في الرعاية:
أولى القرآن الكريم عناية كبيرة للمتخلفين عقلياً وكفل لهم نوعاً خاصاً من الرعاية والإهتمام، وحث الناس على حسن معاملتهم وعدم السخرية منهم أو الإساءة إليهم، ۳) حق الميراث:
من بين الحقوق التي أغفلتها أو تغافلت عنها الوثائق البشرية لحقوق الإنسان وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الامم المتحدة عام ١٩٤٨ م حق الميراث، لقد قرر الإسلام حق الميراث للإنسان من التركة التي تركها له مورثه لسبب من أسباب الأرث بعد موت هذا المورث وتجهيزه، وتكفينه وقضاء دينه، وتنفيذ وصاياه، فان بقي له ملك بعد ذلك آل إلى ورثته، يوزع عليهم طبقاً للأنصبة التي حددها الله في كتابه الكريم وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لقد وضع الإسلام تشريعاً للميراث، يقوم على أسس عادلة، وأبطل ما اعتاد عليه الناس قبل الإسلام من توريث الرجال دون النساء والأطفال، وذلك في قوله جل وعلا: ((للرِّجَالِ نَصِيبُ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَ مِنْهُ أَوْكَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)). وقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أنصبة المواريث، قال تعالى: في سورة النساء(( يُوصِيكُم الله في أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْن فَإِن كُنَّ نِسَاءُ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وإن كانت وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبْوَاهُ فَلِأُمهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بها أَوْ دَينِ )) ، وقوله تعالى : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة إن أمْرُ وَاهَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لها وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مَا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) وقوله تعالى ( وَلِكُلِّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَنُكُمْ فَأْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) ) . وكما أكد القرآن الكريم على حق الأرث، وقوله صلى الله عليه وسلم ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)). والخلاصة أن الإسلام أوجب حق الإنسان في الميراث ونظمه تنظيما دقيقاً كاملاً، وحدد الله سبحانه وتعالى نصيب كل وارث وهو ما أغفله أو تغافل عنه واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية اللاحقة وكل قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان. 4) حق الدفاع عن النفس
من بين الحقوق التي أغفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م، حق الدفاع عن النفس، بينما أقر الإسلام هذا الحق قبل أربعة عشر قرناً. وقد ورد العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي تقر شرعية الدفاع ضد المعتدين عموماً وتبين كيفية رد اعتدائهم ومنزلة المدافعين عن حقوقهم. قال الله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَأَعْتَدُ وأَعَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا أَعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْى همْ يَنتَصِرُونَ وَجَزؤا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّلِمِينَ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَيْكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيل) وقوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) . أدلة ومن حق الدفاع عن النفس في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم : «من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد، والخلاصة أن الإسلام أقر حق الدفاع عن النفس عند تعرض الإنسان لخطر محقق يقع عليه، وهو حق أغفله واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ٥) حق العفو:
حق الإنسان في العفو من أهم الحقوق التي أقرها الإسلام، وأهملها أو تغافل عنها واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لقد دعا الإسلام إلى العفو والتسامح بين الأفراد والجماعات من غير استسلام للشر، أو تمكين للأشرار. وقد ذكر الله تعالى ضرورة دفع العداوة بالتي هي أحسن والصفح الجميل مهما علو من غير استسلام للشر، وقد حثت آيات متعددة من القرآن الكريم على العفو والصفح، قال الله تعالى في محكم كتابه ((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمُ ) ، وقال تعالى : ( فَأَصْفَح الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) ، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءَا بجَهَلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمُ )) ، وقال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجهلين ) ، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَبِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرُ للصَّبِرِينَ )، وقوله تعالى ﴿وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم ). وكما حث القرآن الكريم على العفو حثت السنة النبوية الشريفة عليه، فقد روى الترمذي من حديث أبى كبشة الأنماري وأبي داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ثلاثة والذي نفسي بيده لو كنت حلافاً لحلفت عليهن: «ما نقص من مال صدقة فتصدقوا، ولا عفا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزاً يوم القيامة، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)). وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((قال موسى عليه السلام يا رب أي عبادك أعز عليك قال: الذي إذا قدر عفاء)). والخلاصة أن الإسلام منح الإنسان حق العفو وهو حق أغفلته أو تغافلت عنه قوانين البشر ووثائقها بدءا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات اللاحقة له. ثالثا: حماية حقوق الإنسان وضماناتها فى الإسلام وفي الوثائق الدولية:
النقطة الثالثة للمقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام والوثائق الدولية ممثلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م تتعلق بحماية وضمانات حقوق الإنسان. ويجب أن نشير قبل الحديث عن حماية وضمانات حقوق الإنسان في الإسلام بأن حقوق الإنسان في القوانين الوضعية لم توضع لها الضمانات اللازمة لحمايتها من الإنتهاك. ان العالم اليوم يعيش في عصر يمكن تسميته بعصر كونية حقوق الإنسان، واصبحت حقوق الإنسان ذات انتشار واسع وتلقى اهتماماً متزايداً من كافة الأجهزة الرسمية وغير الرسمية، إن الاجابة الصحيحة على هذا السؤال تتطلب أن نرجع إلى بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومن ثم نتحدث عن حق التدخل من قبل دولة ما في شئون دولة أخرى باسم حماية حقوق الإنسان. وبالرجوع إلى مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م لم يحدد الوسائل والضمانات لمنع أي اعتداء على حقوق الإنسان وبخاصة ما يكون من هذه الوسائل والضمانات على المستوى العالمي، واكتفي بايراد نص عام مبهم يقرر لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحقيقاً تاماً كما تضمن الإعلان تحذيراً من التحايل على نصوصه أو إساءة تأويلها دون تحديد جزاء للمخالفة إذ ورد النص كما يلي (ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة وجماعة أو فرد أى حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه )وبعد أن وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الإتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية سنة ١٩٦٦م والتي الحقت بها بروتوكول اختياري بشأن الشكوى التي يتقدم بها الفرد عند المساس بحقوقه المقررة في تلك الإتفاقية، كما تضمنت الإتفاقية في القسم الرابع منها (م۲۸) وما بعدها تشكيل لجنة لحقوق الإنسان من ثمانية عشر عضواً تقوم بدراسة تقارير الدول الأطراف في الإتفاقية عن إجراءاتها لتأمين الحقوق المقررة منها ـ كما تتسلم التبليغات المقدمة من إحدى الدول الأطراف ضد أخرى بشأن أدائها لأحد التزاماتها المقررة بمقتضى الإتفاقية وذلك بشروط معينة، وتبذل اللجنة مساعيها الحميدة لدى الدول الأطراف المعنية للتوصل إلى حل ودي أو تقدم تقرير يبلغ للدول المعنية. ويجوز أن تحيل الأمر إلى لجنة خاصة للتوفيق بناء على موافقة مسبقة من الدول المعنية ـ وتقوم تلك اللجنة بتقديم تقرير عن نشاطاتها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بواسطة المجلس الإقتصادي والاجتماعي. أما البروتوكول الإختياري الملحق بالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، فإن الدولة التي تختار أن تكون طرفاً فيه تقر بإختصاص لجنة حقوق الإنسان في تسلم تبليغات الخاضعين لولايتها الذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك تلك الدولة لأى من الحقوق المقررة في تلك الإتفاقية ودراسة تلك التبليغات وتعقد اللجنة اجتماعاتها بطريقة سرية وتبعث بوجهات نظرها إلى كل من الدولة والأطراف المعنية، ومع هذا كله فأننا نرى الآن بعض الدول تحاول التدخل في شئون الدول الأخرى باسم حماية حقوق الإنسان، وإذا كانت لا تستطيع التدخل عسكريا، فانها تعمل على إثارة الرأي العام العالمي ضد الدولة التي انتهكت فيها حقوق الانسان عن طريق إصدار البيانات والإدانات، وفي الواقع أن مثل هذا التدخل لا يؤدي إلى وقف أعمال انتهاك حقوق الإنسان، إذ أن مثل هذه الاعلانات والبيانات تصطدم دائما اما بتكذيب رسمي من الدولة المتهمة، وأما بدفع هذه الاخيرة، بعدم جواز التدخل في شئونها الداخلية. كما أن هذا الإسلوب للدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها، يرتبط ارتباطاً قوياً بحالة العلاقات بين الدول. فقد تبين من الممارسات العملية أنه لا يستخدم إلا حينما تسوء العلاقات بين الدول المعنية، فيستخدم من باب التشهير والتنديد بالدولة التي تنتهك فيها حقوق الإنسان. ويبدو أن الدول تستخدم مثل هذا الإسلوب لا لحماية حقوق الإنسان في ذاتها، فهي لا تمثل الغاية المنشودة، ولكن بقصد الضغط على الدولة الأخرى. حتى لا تعكر صفو العلاقات الطيبة والقائمة بينهما ولو كان ثمن ذلك هو التغاضي عن انتهاك حقوق الإنسان. والخلاصة إننا إذا نظرنا إلى الحماية الدولية لحقوق الإنسان نجدها محاولات لم تصل إلى حد التنفيذ وهذه المحاولات تقوم على أمرين:
۱ - محاولة الاتفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعاً. ۲ - محاولة وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان. إن حقوق الإنسان ذات المصدر البشري تنقصها الحماية والضمانات فكل ما صدر عن الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص حقوق الإنسان يحمل طابع التوصيات ولا يعدو كونه حبراً على ورق يتلاعب به واضعوه حسبما تمليه عليهم الأهواء والشهوات. أما الحماية الحقيقية والضمانات الحقيقية لحقوق الإنسان فهي موجودة في الإسلام. حماية حقوق الإنسان وضماناتها في الإسلام
تنبثق الحقوق في الإسلام من العقيدة الإسلامية فهي الكيان الروحي لنظام الإسلام وتتقابل في كافة مبادئه وتعاليمه. والإنسان في عقيدة الإسلام من أفضل خلق الله وأكرمهم على الله قال جل وعلا: (وَلَقَدْكَر مَنَابَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَهُم مِّنَ الطَّيِّبَتِ وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا). وبناء على هذا التفضيل منحهم حقوقاً معينة ثابتة، يتحقق بها التفضيل فعلا على بقية المخلوقات من جهة، ويمكنهم من عبادته تعالى بالمعنى الواسع التي غاية الخلق أصلاً قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) . وهكذا يتضح أن الحقوق في الإسلام منحة إلهية ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله، يمن بها عليه ان شاء أو يسلبها منه متى شاء، بل هي حقوق قررها الله له بمقتضى فطرته الإنسانية، فهي حقوق ثابتة دائمة ويترتب على كون حقوق الإنسان منح الهية عدة نتائج من أهمها:
۱ - إنها تتمتع بقدر كاف من الهيبة والاحترام والقدسية تشكل ضمانه لعدم السطو عليها من قبل الحكام اذ أن مصادرة هذه الحقوق من قبل الحاكم أو الافراد يعد خروجا على شرع الله يفقد الحاكم الأساس الشرعي لاستمراره في السلطة. ۲ - إن تكييف الحقوق على أنها منح الهية يكسبها صبغة وبنية يجعل احترامها اختيارياً نابعاً من داخل النفس ، يقوم على الإيمان بالله الذي شرع هذه الحقوق، الأمر الذي يتحقق معه ضمان الالتزام بها وعدم الخروج عليها حتى مع القدرة على هذا الخروج. لان نسخ أو الغاء حق من هذه الحقوق يحتاج إلى وحي ينزل بالنسخ ولا وحي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم . ٤ - إنها تكون خالية من الافراط والتفريط الافراط في حقوق الافراد على حساب مصلحة الجماعة أو التفريط في حقوقهم لمصلحة السلطة اذ أن المانح لهذه الحقوق هو الله تعالى بتشريع منه لا الافراد حتى يغالوا فيها ولا الدولة حتى تزيد من سلطانها على حساب الافراد. والواقع أن العصر الإسلامي يعتبر من أزهى عصور التاريخ وأكثرها عدالة وحكمة وحرصاً على حقوق الأفراد وحرياتهم وقد شهد العصر الإسلامي منذ أربعة عشر قرنا نظاماً متكاملاً ودقيقاً وعادلا لحماية الأفراد وحرياتهم الأساسية لم يعرفه أي عصر آخر من العصور التي سبقته أو لحقت به حتى اليوم، لقد اعتمد المسلمون في مجال حماية حقوق الإنسان على أمرين أساسيين هما:
(۱) إقامة الحدود الشرعية: ولأننا سوف نتحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل في الفصل الخاص بالرد على الشبهات التي تثار حول حقوق الإنسان في الإسلام فسوف نكتفي هنا بالإشارة فقط إلى أنه من أهم أهداف إقامة الحدود الشرعية في الإسلام المحافظة على حقوق الأفراد. (۲) تحقيق العدالة المطلقة التي أمر بها الله ورسوله وحثا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. لقد عمل الإسلام على إقامة المجتمع على العدالة المطلقة المجردة من القيود العدالة التي تتسع للأصدقاء والأعداء، العدالة التي لا تعرف الميل والمحاباة، العدالة التي أمر الله بها ووصفها في قوله سبحانه ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ ) فهو يأمر جل شأنه بالعدل وبالإحسان في العدل، فلا يكفي أن يكون المرء عادلاً، وإنما عليه أن يحسن ما استطاع في عدله، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم
حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يئس ضعيف في عدلك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، ثم اعمد لاحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. اجعل لمن ادعى حقاً غائبا أمدا ينتهي إليه، فان احضر بينة أخذ بحقه والا استحللت عليه القضاء، والمسلمون عدول في الشهادة، الا مجلودا في حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو قرابة. وأعانكم بالبيانات، واياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله لها الأجر ويحسن الرضى، فانه من صلحت سريرته فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للدنيا بغير ما يعلم الله شانه الله والسلام. في هذه الرسالة العظيـمـة يتـحـدث عـمـر بن الخطاب رضی الله عنه، وإذا كان الحق هو غاية الشريعة وهدف القضاء، فلا حرمة للباطل حتى وإن جاء ثمرة لاجتهاد خاطئ. ولا شرعية لهذا الباطل. كما بين الخليفة الراشد في هذه الرسالة العظيمة أن المؤمنين سواسية في العدالة كشهود . ما لم يثبت ما يقدح في عدالة المؤمن الشاهد أو يسقط شهادته. ۲ - نظام ولاية المظالم
إلى جانب القضاء العادي في الإسلام، وجد نظام ولاية المظالم ويهدف هذا النظام إلى تلقي شكاوى الناس من أي ظلم يكون قد لحق بهم سواء من جانب الأفراد أو جانب الحكام، وفحصها وابداء الرأي فيها ورد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها. وكان يشترط فيمن يتولى ولاية المظالم في الإسلام أن يكون عظيم القدر نافذ الأمر عظيم الهيبة ظاهر الفقه، كثير الورع. وقد حددت اختصاصات والى المظالم فيما يلي:
(أ) تظلم المرتزقة من نقص أرزاقهم أو تأخرها. ب) رد الأموال المغتصبة لأصحابها ممن اغتصبها. ج) النظر في المنازعات المتعلقة بالأوقاف الخاصة. د) تنفيذ الأحكام التي يعجز القضاء العادي عن تنفيذها. (هـ) النظر فيما يعجز المحتسب عن النظر فيه من أمور المصلحة العامة. ز) فض المنازعات بين المتشاجرين والحكم بينهم. ٣ - نظام الحسبة:
الحسبة وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووظيفتها الأساسية العمل على سيادة شرع الله في أرضه، واحقاق الحق وإبطال الباطل ويمكن أن نقسم ما ذكره العلماء في أعمال ولاية الحسبة بصفتها مؤسسة ذات طابع قضائي تعمل على إقامة العدل ومحاربة الظلم إلى ثلاثة أقسام:
أ) اصلاح الامة الديني والخلقي نحو إلزام الناس بإقامة الصلاة وتفقد الائمة والمؤذنين ألا يفرطوا ولا يتهاونوا في أداء واجبهم، ومنع غير الاكفاء عن ادلاء رأيهم في مسائل الشريعة، وتفقد الناس ألا يأتوا بما يعارض الاخلاق أو الشريعة. ب) مراقبة الشئون التي لا تدخل في نطاق القضاء أو يصعب رفعها إلى المحكمة نحو التجسس أو التطفيف في الكيل أو الوزن، والتدليس في المبيع أو الثمن والغش في المطاعم والمشارب، وبيع الاشياء المحظورة، والعـقـود المحرمة والاحتكار وغير ذلك. ج) مراقبة المرافق العامة، وأخذ الناس على الالتزام بها، ويتضح مما سبق أن من أهم وظائف الحسبة في الإسلام المحافظة على حقوق الإنسان المسلم وحمايتها بالوسائل الشرعية. والخلاصة أن المؤسسات ذات الطابع القضائي عملت على حفظ حقوق الناس وحرياتهم ضمانا للوصول إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة والحق بين الناس. ولإلقاء المزيد من الضوء على مدى ما تتفوق به الشريعة الإسلامية على المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان نورد هنا جزءا من المقارنة التي عقدها فريق من كبار علماء المملكة العربية السعودية حول الحقوق الثقافية في الإسلام والمواثيق الدولية. لقد عقدت عدة ندوات علمية في كل من الرياض وباريس والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف، والمجلس الأوربي في ستراسبورج (حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام) وفيما بين فريق من كبار علماء المملكة العربية السعودية وبين آخرين من كبار رجال الفكر والقانون في أوربا. وكان من أهم أهدافها ابراز ما تتميز به حقوق الإنسان الثقافية في الإسلام عنها في المواثيق الدولية، ونكتفي هنا بذكر خصائص الحقوق الثقافية في كل من الإسلام والمواثيق الدولية كما ذكرها أصحاب الفضيلة العلماء. أ) خصائص الحقوق الثقافية في المواثيق الدولية:
يمكن تلخيص هذه الخصائص فيما يلي:
1) أن لكل انسان الحق في التعليم ولا يجوز أن يرفض له هذا الحق. ۲) أن للآباء في المقام الأول، الحق في اختيار التربية الدينية لأولادهم حسب عقائدهم. ۳) أن التربية تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان وللشعور بكرامته وإلى دعم الاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. ونلاحظ على هذه الخصائص للحقوق الثقافية الدولية ما يلي:
أ) أنها (حق خاص) وليست (فريضة عامة). ب) كما نلاحظ على هذا الحق الخاص التعبير عنه في البروتوكول الأول للاتفاقية (المجلس الأوروبي) بصيغة ( سلبية) لا بصيغة (إيجابية) ، حيث قال ( ولا يجوز أن يرفض حق أحد في التعلم) ونتيجة لذلك فإن تنازله عن حقه الخاص (لا يشكل جرماً )لأنه لا يمس غيره. وفي ذلك كله إضعاف لهذا الحق في التعليم الذي هو ضرورة أساسية لحياة الإنسان، وهبوط به إلى مستوى الوصايا من غير أي ضامن من ضمانات التنفيذ لهذه الوصايا، وخاصة إذا لاحظنا الهدف لهذا الحق الثقافي كما نصت عليه المواثيق الدولية، فهو يهدف تبعاً لهذا الحق الخاص إلى أنه (تفتح شخصي) لشخص الإنسان ولكرامته، ومن دون أية إشارة إلى أنواع علوم الحياة وشمولها وضرورتها لحياة الفرد والمجتمع وخاصة (الإيمان بالحقيقة العلمية الأولى)، مصدر هذا الوجود وخالق السموات والأرض، ومبدع الإنسان، ونحن نجزم بأن فقدان هذا الإيمان بالله كهدف أساسي، من أهداف الحقوق الثقافية الدولية لدى الأمم المؤمنة بالله، والذي جاء في فقرة (۱۸) قوله: ( وإذا كانت الاكتشافات العلمية وتطورات التكنولوجيا قد فتحت لنا حديثاً الآمال الواسعة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، غير أن هذا التقدم يمكن أن يضع حقوق الفرد وحرياته في خطر. ب) خصائص حقوق الإنسان الثقافية في الإسلام
يمكن تلخيص أهم مميزات وخصائص حقوق الإنسان الثقافية في الإسلام فيما يلي
۱ - الحقوق الثقافية للإنسان في الإسلام، ورد التعبير عنها بأنها (فريضة) إجبارية، وبالنتيجة لا يجوز لتنازل عنها وبناء على ذلك فهي ليست مجرد حقوق للإنسان، كما أعلنته مواثيق حقوق الإنسان في الوثائق البشرية. - إن هذه الفريضة تقع في آن واحد على (عاتق الفرد والجماعة) وكلاهما مسئول عن تنفيذ هذه الفريضة، وهي فريضة حيوية عامة وليست حقوقاً خاصة. - إن هذه الفريضة تتمتع في الإسلام بضمانات جزائية، وبالنتيجة، فإن للسلطة العامة في الإسلام حق الإجبار على تنفيذ هذه الفريضة، وذلك خلافاً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية، تعتبرها حقاً شخصياً مما لا يمكن الإجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه.


Original text

مقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الدولية
في الفصل السابق تحدثنا عن مفهوم حقوق الإنسان، وتطور هذه الحقوق، ومضمونها في الإسلام والوثائق الوضعية. في هذا الفصل سوف نقارن ـ إن شاء الله ـ بين حقوق الإنسان في الإسلام وفي الوثائق الوضعية الدولية، وسوف نكتفي فيما يتعلق بالوثائق الدولية بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأن هذا الإعلان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م، يمثل قمة ما وصل إليه العقل البشري فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وجميع الوثائق الدولية أو الإقليمية الأخرى التي تتعلق بحقوق الإنسان اتخذت من هذا الإعلان مرجعاً لها، كما أننا - وخشية الإطالة - سنقتصر في هذه المقارنة على ثلاثة مواضيع وهي:
أولاً: من جهة الأقدمية في تحديد حقوق الإنسان والزاميتها.
ثانياً: من حيث العمق والشمول.
ثالثا : من حيث الحماية والضمانات.
أولا: حقوق الإنسان من حيث الاسبقية والإلزامية في الإسلام والوثائق الوضعية:
سبق أن أوضحنا أن حقوق الإنسان في الإسلام برزت إلى الوجود بظهور الإسلام قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، وقد أعلن رسول الله ﷺ، أول وثيقه لحقوق الإنسان في التاريخ في حجة الوداع، بينما نجد أن أقدم وثيقة بشرية لحقوق الإنسان كانت في القرن الثالث عشر الميلادي (١٢١٥م) كما أشرنا إلى ذلك عند الحديث عن تطور حقوق الإنسان.
لقد كان للشريعة الإسلامية الغراء فضل السبق على كافة المواثيق والإعلانات والإتفاقيات الدولية في تناولها لحقوق الإنسان وتأصيلها لتلك الحقوق منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، وأن ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية اللاحقة ومن قبلها ميثاق هيئة الأمم المتحدة ما هو إلا ترديد لبعض ما تضمنته الشريعة الإسلامية الغراء.
ومن تكريم الله سبحانه وتعالى للإنسان النهي عن إهانة الإنسان أو تحقيره أو السخرية منه، أو وصفه بوصف ممقوت قال الله تعالى ((يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يسخر قوم من قومٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَنِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَيكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)).
ومن تكريم الله جل وعلا للإنسان - أنه سبحانه ـ أحسن خلقة الإنسان وصورته كما قال تعالى: ((وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُم وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ))، تكريم الله جل وعلا للإنسان - أنه أعزه ووجهه بأن يكون مرفوع الرأس لا ينحني لأحد غير الله ولا يعبد غيره ولا يشرك به أحدا كما قال تعالى: ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المسامِينَ)).
ومن تكريم الله للإنسان جعل العبادة مقصورة عليه وحده فلا عبودية إلا لله الواحد القهار قال تعالى: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَنًا))، وقال تعالى: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)).
ومن تكريم الله للإنسان بيان الغاية من خلقه وأنه ما خلق إلا لعبادة الله قال تعالى: ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون)). ومن تكريم الله للإنسان أنه حرم كل قول أو عمل يمس كرامة الإنسان مثل الغيبة والنميمة والتجسس وما إلى ذلك مما يمس عرض الإنسان أو كرامته، وحقر مقترفي هذه الآثام قال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يغتب بعضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمُ يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) ، وقال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لمَزَةٍ ))، وقال تعالى : مخاطباً رسوله صلى الله عليه و سلم (( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَافٍ مَّهِينٍ هَمَّاز مشاء بنميم مَنَاعِ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)) ، وقال تعالى : (( وَلَا تقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِن السمع والبصرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَيكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئولا)) .
هذه كرامة الإنسان في القرآن الكريم التي قررها الله جل وعلا قبل أربعة عشر قرناً من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يؤكد في مادته الأولى (أن جميع الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق).
2- المساواة وعدم التمييز:
تحدث الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة عام ٩١٤٨م، عن المساواة حيث نصت المادة الثالثة منه على أن (لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز كالتمييز بسبب العنصر، أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين ...).
وقد قررت الشريعة الإسلامية المساواة بين الناس جميعاً في أروع صورها قبل الإعلان العالمي بأربعة عشر قرناً. وإذا كان الإعلان العالمي تحدث عن المساواة كتوصية فإن الشريعة الإسلامية تحدثت عن المساواة كواجب شرعي، واجب التنفيذ، لقد قررت الشرعية الإسلامية المساواة للناس جميعاً بالنسبة لاصولهم، وسلالاتهم العرقية وقيمهم الإنسانية، فلا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، قال الله تعالى : (( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتقَاكُمْ )) ، وقال تعالى : (( يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء )) وقوله تعالى مخاطباً الناس بلفظ بني آدم : (( يَابَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَرِى سَوْءَتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءايَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ )) ، وقوله تعالى : ( يَابَنِى ءَادَمَ لَا يَفْتنَنَّكُمُ الشَّيْطَنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَتِهِمَا ) (٢١) ، وقوله تعالى ( يَابَنِي ءَادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كل مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تَسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) وقوله تعالى :((أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يُبَنِى ءَادَمَ أَن لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مبين)).
إن الخطاب في هذه الآيات الكريمات لبني آدم دليل على عمومية الخطاب الإلهي للناس جميعاً على قدم المساواة.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مشيراً إلى مبدأ المساواة في الإسلام ((يا أيها الناس إن ربكم واحد كلكم لأدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعـربـي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى ألا هل بلغت اللهم فأشهد فليبلغ الشاهد منكم الغائب)) ، وقوله صلى الله عليه وسلم ، في مجال المساواة في توقيع الحدود بين الناس (( إنما أهلك الذين من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) .
ولقد سار الخلفاء الراشدون على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحقيق المساواة يقول أبو بكر رضي الله عنه عندما ولي الخلافة في أول خطبة بعد البيعة (أيها الناس انه والله ما فيكم أحد أقوي عندى من الضعيف حتى آخذ الحق له، ولا أضعف من القوي حتى آخذ الحق منه) .
أبو
هذه هي مكانة المساواة في الإسلام وإذا كانت المساواة تقررت بين عموم الناس في الإسلام وطبقت على امتداد العصور منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفيما اعقب تلك المرحلة من مراحل زاهرة للدولة الإسلامية، فإننا نجد أن المساواة في الوثائق والقوانين الوضعية لم تكن على هذا الحال فلقد تنكرت لها الشرائع الإنسانية قديماً وحديثاً في أمور كثيرة.
3- حق الإنسان في أملاكه وأمواله:
إذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أكد في النصف الأول من القرن العشرين على حق الإنسان في أملاكه وأمواله، فإن الإسلام قبل أربعة عشر قرناً حرم العدوان على أملاك الإنسان وأمواله ووضع الضمانات لحماية هذه الحقوق.

قال تعالى: ((يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ))، كما انه جل وعلا توعد الكافرين بالعذاب الأليم، بسبب أكلهم أموال الناس بالباطل حين قال عز وجل: ((وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوْا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَا كَلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَطِل وَأَعْتَدْنَا لِلكَفِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيما)). والأموال هنا تؤخذ بالمفهوم الواسع الذي يشمل كل ما يملكه الإنسان ويخصه، سواء أموالاً نقدية أو عينية منقولة أو عقارية.
ولقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمة المال بحرمة النفس في قوله صلى الله عليه وسلم ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم)). وتأييداً لقاعدة الملك بني الفقهاء القاعدتين الكليتين التاليتين:
-لا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي.
-ولا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير بلا اذنه.
ما سبق من استعراض لكرامة الإنسان والمساواة وحق التملك وحرمة المال يدل على عمق والزامية حقوق الإنسان في الإسلام مقارنة هذه الحقوق بما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أما عن شمولية ونوعية الحقوق فنحب أن نشير إلى وجود حقوق للإنسان في الإسلام وردت في كتاب الله وسنة رسوله ، لم يذكرها وينص عليها ا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لقد أغفل أو تغافل مشرعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بيان تلك الحقوق وفيما يلي عرض موجز لأهم تلك الحقوق:
(۱) حقوق اليتامى:
أشار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م إلى حق رعاية الطفل، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة الخامسة والعشرون على حق الطفولة في المساعدة والرعاية، بينما نجد الإسلام قد تميز باعطاء عناية خاصة لليتامى؛ حيث حرص في آيات كثيرة على ضرورة الإهتمام بهم ورعايتهم وحفظ حقوقهم وعدم الإعتداء على أموالهم والإحسان إليهم بكل وسائل الإحسان وحذر من غضب الله على من يسئ إليهم.
قال تعالى: ﴿وَيَسْتَلُونَكَ عَنِ الْيَتَمَى قُلْ إِصْلَاح لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيز حكيمُ)) ، وقال تعالى: ﴿وَءَاتُواْ الْيَتَمَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)) ، وقال تعالى: (وَاسْلُوا اليَتَمَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النكاح فَإِن انستُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَاهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافَا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا )) ، وقال تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَلَ الْيَتَمَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرا ))، وقال تعالى : ((وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشدَه)) وقال تعالى: ((وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرِ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا)) .
(۲) حق ضعاف العقول في الرعاية:
أولى القرآن الكريم عناية كبيرة للمتخلفين عقلياً وكفل لهم نوعاً خاصاً من الرعاية والإهتمام، وحث الناس على حسن معاملتهم وعدم السخرية منهم أو الإساءة إليهم، والاهتمام برزقهم وكسوتهم قال تعالي : (( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قيمَا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)).


(۳) حق الميراث:


من بين الحقوق التي أغفلتها أو تغافلت عنها الوثائق البشرية لحقوق الإنسان وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الامم المتحدة عام ١٩٤٨ م حق الميراث، فقد أغفل هذا الإعلان اغفالا تاما، بينما نجد ان الإسلام أقر هذا الحق في أروع صوره، لقد قرر الإسلام حق الميراث للإنسان من التركة التي تركها له مورثه لسبب من أسباب الأرث بعد موت هذا المورث وتجهيزه، وتكفينه وقضاء دينه، وتنفيذ وصاياه، فان بقي له ملك بعد ذلك آل إلى ورثته، يوزع عليهم طبقاً للأنصبة التي حددها الله في كتابه الكريم وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لقد وضع الإسلام تشريعاً للميراث، يقوم على أسس عادلة، وأبطل ما اعتاد عليه الناس قبل الإسلام من توريث الرجال دون النساء والأطفال، وذلك في قوله جل وعلا: ((للرِّجَالِ نَصِيبُ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَ مِنْهُ أَوْكَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)). وقد بين الله تعالى في كتابه العزيز أنصبة المواريث، قال تعالى: في سورة النساء(( يُوصِيكُم الله في أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْن فَإِن كُنَّ نِسَاءُ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وإن كانت وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبْوَاهُ فَلِأُمهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بها أَوْ دَينِ )) ، وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ ما ترك أزواجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنِ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا ترَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم من بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنِ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَلَةٌ أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخَ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنِ غَيْرَ مُضَارٍ وَصِيَّةً مِنَ الله وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ)) ، وقوله تعالى : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة إن أمْرُ وَاهَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لها وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مَا تَرَكَ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) وقوله تعالى ( وَلِكُلِّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَنُكُمْ فَأْتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ) ) .


وكما أكد القرآن الكريم على حق الأرث، أكدت عليه السنة النبوية الشريفة في أحاديث كثيرة منها : قوله صلى االله عليه وسلم (( الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلاولي رجل ذكر))، وقوله صلى الله عليه وسلم ((إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)).
والخلاصة أن الإسلام أوجب حق الإنسان في الميراث ونظمه تنظيما دقيقاً كاملاً، وحدد الله سبحانه وتعالى نصيب كل وارث وهو ما أغفله أو تغافل عنه واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإتفاقيات الدولية اللاحقة وكل قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
(4) حق الدفاع عن النفس
من بين الحقوق التي أغفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م، حق الدفاع عن النفس، بينما أقر الإسلام هذا الحق قبل أربعة عشر قرناً.
وقد ورد العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي تقر شرعية الدفاع ضد المعتدين عموماً وتبين كيفية رد اعتدائهم ومنزلة المدافعين عن حقوقهم. قال الله تعالى: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَأَعْتَدُ وأَعَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا أَعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْى همْ يَنتَصِرُونَ وَجَزؤا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّلِمِينَ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَيْكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيل) وقوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) .
أدلة ومن حق الدفاع عن النفس في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم : «من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد» .
والخلاصة أن الإسلام أقر حق الدفاع عن النفس عند تعرض الإنسان لخطر محقق يقع عليه، وهو حق أغفله واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.


(٥) حق العفو:
حق الإنسان في العفو من أهم الحقوق التي أقرها الإسلام، وأهملها أو تغافل عنها واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لقد دعا الإسلام إلى العفو والتسامح بين الأفراد والجماعات من غير استسلام للشر، أو تمكين للأشرار.
وقد ذكر الله تعالى ضرورة دفع العداوة بالتي هي أحسن والصفح الجميل مهما علو من غير استسلام للشر، وقد حثت آيات متعددة من القرآن الكريم على العفو والصفح، قال الله تعالى في محكم كتابه ((وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمُ ) ، وقال تعالى : ( فَأَصْفَح الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) ، وقال تعالى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءَا بجَهَلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمُ )) ، وقال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجهلين ) ، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَبِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرُ للصَّبِرِينَ )، وقوله تعالى ﴿وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم ).
وكما حث القرآن الكريم على العفو حثت السنة النبوية الشريفة عليه، فقد روى الترمذي من حديث أبى كبشة الأنماري وأبي داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ثلاثة والذي نفسي بيده لو كنت حلافاً لحلفت عليهن: «ما نقص من مال صدقة فتصدقوا، ولا عفا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزاً يوم القيامة، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)).
وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((قال موسى عليه السلام يا رب أي عبادك أعز عليك قال: الذي إذا قدر عفاء)).
والخلاصة أن الإسلام منح الإنسان حق العفو وهو حق أغفلته أو تغافلت عنه قوانين البشر ووثائقها بدءا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات اللاحقة له.
ثالثا: حماية حقوق الإنسان وضماناتها فى الإسلام وفي الوثائق الدولية:
النقطة الثالثة للمقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام والوثائق الدولية ممثلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م تتعلق بحماية وضمانات حقوق الإنسان.
ويجب أن نشير قبل الحديث عن حماية وضمانات حقوق الإنسان في الإسلام بأن حقوق الإنسان في القوانين الوضعية لم توضع لها الضمانات اللازمة لحمايتها من الإنتهاك.
ان العالم اليوم يعيش في عصر يمكن تسميته بعصر كونية حقوق الإنسان، واصبحت حقوق الإنسان ذات انتشار واسع وتلقى اهتماماً متزايداً من كافة الأجهزة الرسمية وغير الرسمية، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو هل يوجد ضمانات موضوعة من أي جهة كانت تفرض احترام حقوق الإنسان وتحفظها من الانتهاك ؟ .
إن الاجابة الصحيحة على هذا السؤال تتطلب أن نرجع إلى بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومن ثم نتحدث عن حق التدخل من قبل دولة ما في شئون دولة أخرى باسم حماية حقوق الإنسان.
وبالرجوع إلى مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٨م لم يحدد الوسائل والضمانات لمنع أي اعتداء على حقوق الإنسان وبخاصة ما يكون من هذه الوسائل والضمانات على المستوى العالمي، واكتفي بايراد نص عام مبهم يقرر لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحقيقاً تاماً كما تضمن الإعلان تحذيراً من التحايل على نصوصه أو إساءة تأويلها دون تحديد جزاء للمخالفة إذ ورد النص كما يلي (ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة وجماعة أو فرد أى حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه )وبعد أن وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الإتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية سنة ١٩٦٦م والتي الحقت بها بروتوكول اختياري بشأن الشكوى التي يتقدم بها الفرد عند المساس بحقوقه المقررة في تلك الإتفاقية، كما تضمنت الإتفاقية في القسم الرابع منها (م۲۸) وما بعدها تشكيل لجنة لحقوق الإنسان من ثمانية عشر عضواً تقوم بدراسة تقارير الدول الأطراف في الإتفاقية عن إجراءاتها لتأمين الحقوق المقررة منها ـ كما تتسلم التبليغات المقدمة من إحدى الدول الأطراف ضد أخرى بشأن أدائها لأحد التزاماتها المقررة بمقتضى الإتفاقية وذلك بشروط معينة، وتبذل اللجنة مساعيها الحميدة لدى الدول الأطراف المعنية للتوصل إلى حل ودي أو تقدم تقرير يبلغ للدول المعنية. عند تعذر الحل، ويجوز أن تحيل الأمر إلى لجنة خاصة للتوفيق بناء على موافقة مسبقة من الدول المعنية ـ وتقوم تلك اللجنة بتقديم تقرير عن نشاطاتها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بواسطة المجلس الإقتصادي والاجتماعي.
أما البروتوكول الإختياري الملحق بالاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، فإن الدولة التي تختار أن تكون طرفاً فيه تقر بإختصاص لجنة حقوق الإنسان في تسلم تبليغات الخاضعين لولايتها الذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك تلك الدولة لأى من الحقوق المقررة في تلك الإتفاقية ودراسة تلك التبليغات وتعقد اللجنة اجتماعاتها بطريقة سرية وتبعث بوجهات نظرها إلى كل من الدولة والأطراف المعنية، وكذلك إلى الشخص المعني.
مما سبق يتضح أن الوثائق الدولية الممثلة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية اللاحقة له لم تضع الضمانات اللازمة الملزمة لحماية حقوق الإنسان كما أنها لم تعط الحق لدولة من الدول التدخل في شئون دولة أخرى باسم حماية حقوق الإنسان. ومع هذا كله فأننا نرى الآن بعض الدول تحاول التدخل في شئون الدول الأخرى باسم حماية حقوق الإنسان، وإذا كانت لا تستطيع التدخل عسكريا، فانها تعمل على إثارة الرأي العام العالمي ضد الدولة التي انتهكت فيها حقوق الانسان عن طريق إصدار البيانات والإدانات، وفي الواقع أن مثل هذا التدخل لا يؤدي إلى وقف أعمال انتهاك حقوق الإنسان، إذ أن مثل هذه الاعلانات والبيانات تصطدم دائما اما بتكذيب رسمي من الدولة المتهمة، وأما بدفع هذه الاخيرة، في إعلان مضاد، بعدم جواز التدخل في شئونها الداخلية.
كما أن هذا الإسلوب للدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها، يرتبط ارتباطاً قوياً بحالة العلاقات بين الدول. فقد تبين من الممارسات العملية أنه لا يستخدم إلا حينما تسوء العلاقات بين الدول المعنية، فيستخدم من باب التشهير والتنديد بالدولة التي تنتهك فيها حقوق الإنسان. ويبدو أن الدول تستخدم مثل هذا الإسلوب لا لحماية حقوق الإنسان في ذاتها، فهي لا تمثل الغاية المنشودة، ولكن بقصد الضغط على الدولة الأخرى.
ولذا حينما تكون العلاقات طيبة بين الدول المعنية فإن كلا منها تتلافي التشهير بالأخرى، حتى لا تعكر صفو العلاقات الطيبة والقائمة بينهما ولو كان ثمن ذلك هو التغاضي عن انتهاك حقوق الإنسان.
والخلاصة إننا إذا نظرنا إلى الحماية الدولية لحقوق الإنسان نجدها محاولات لم تصل إلى حد التنفيذ وهذه المحاولات تقوم على أمرين:
۱ - محاولة الاتفاق على أساس عام معترف به بين الدول جميعاً.
۲ - محاولة وضع جزاءات ملزمة تدين الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان.


إن حقوق الإنسان ذات المصدر البشري تنقصها الحماية والضمانات فكل ما صدر عن الأمم المتحدة والمنظمات والهيئات بخصوص حقوق الإنسان يحمل طابع التوصيات ولا يعدو كونه حبراً على ورق يتلاعب به واضعوه حسبما تمليه عليهم الأهواء والشهوات. أما الحماية الحقيقية والضمانات الحقيقية لحقوق الإنسان فهي موجودة في الإسلام.
حماية حقوق الإنسان وضماناتها في الإسلام
تنبثق الحقوق في الإسلام من العقيدة الإسلامية فهي الكيان الروحي لنظام الإسلام وتتقابل في كافة مبادئه وتعاليمه.
والإنسان في عقيدة الإسلام من أفضل خلق الله وأكرمهم على الله قال جل وعلا: (وَلَقَدْكَر مَنَابَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَهُم مِّنَ الطَّيِّبَتِ وَفَضَّلْنَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا).
وبناء على هذا التفضيل منحهم حقوقاً معينة ثابتة، يتحقق بها التفضيل فعلا على بقية المخلوقات من جهة، ويمكنهم من عبادته تعالى بالمعنى الواسع التي غاية الخلق أصلاً قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
وهكذا يتضح أن الحقوق في الإسلام منحة إلهية ليست منحة من مخلوق لمخلوق مثله، يمن بها عليه ان شاء أو يسلبها منه متى شاء، بل هي حقوق قررها الله له بمقتضى فطرته الإنسانية، فهي حقوق ثابتة دائمة ويترتب على كون حقوق الإنسان منح الهية عدة نتائج من أهمها:
۱ - إنها تتمتع بقدر كاف من الهيبة والاحترام والقدسية تشكل ضمانه لعدم السطو عليها من قبل الحكام اذ أن مصادرة هذه الحقوق من قبل الحاكم أو الافراد يعد خروجا على شرع الله يفقد الحاكم الأساس الشرعي لاستمراره في السلطة.
۲ - إن تكييف الحقوق على أنها منح الهية يكسبها صبغة وبنية يجعل احترامها اختيارياً نابعاً من داخل النفس ، يقوم على الإيمان بالله الذي شرع هذه الحقوق، الأمر الذي يتحقق معه ضمان الالتزام بها وعدم الخروج عليها حتى مع القدرة على هذا الخروج.
٣ - إن حقوق الإنسان بصفتها منح إلهية غير قابلة للإلغاء أو النسخ، لان نسخ أو الغاء حق من هذه الحقوق يحتاج إلى وحي ينزل بالنسخ ولا وحي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم .
٤ - إنها تكون خالية من الافراط والتفريط الافراط في حقوق الافراد على حساب مصلحة الجماعة أو التفريط في حقوقهم لمصلحة السلطة اذ أن المانح لهذه الحقوق هو الله تعالى بتشريع منه لا الافراد حتى يغالوا فيها ولا الدولة حتى تزيد من سلطانها على حساب الافراد.
والواقع أن العصر الإسلامي يعتبر من أزهى عصور التاريخ وأكثرها عدالة وحكمة وحرصاً على حقوق الأفراد وحرياتهم وقد شهد العصر الإسلامي منذ أربعة عشر قرنا نظاماً متكاملاً ودقيقاً وعادلا لحماية الأفراد وحرياتهم الأساسية لم يعرفه أي عصر آخر من العصور التي سبقته أو لحقت به حتى اليوم، لقد اعتمد المسلمون في مجال حماية حقوق الإنسان على أمرين أساسيين هما:
(۱) إقامة الحدود الشرعية: ولأننا سوف نتحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل في الفصل الخاص بالرد على الشبهات التي تثار حول حقوق الإنسان في الإسلام فسوف نكتفي هنا بالإشارة فقط إلى أنه من أهم أهداف إقامة الحدود الشرعية في الإسلام المحافظة على حقوق الأفراد.
(۲) تحقيق العدالة المطلقة التي أمر بها الله ورسوله وحثا عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. لقد عمل الإسلام على إقامة المجتمع على العدالة المطلقة المجردة من القيود العدالة التي تتسع للأصدقاء والأعداء، ولا تفرق بين الأقرباء والغرباء، العدالة التي لا تعرف الميل والمحاباة، ولا تنكمش على ذوي النفوذ والجاه، العدالة التي تعطي الحق لصاحبه لأنه حق، وتأخذ الحق من المبطل لأنه مبطل، العدالة التي تعتبر الضعيف صاحب الحق قوياً بحقه حتى ترد له حقه، وتعتبر القوي غاصب الحق ضعيفاً حتى تسترد منه حق غيره، العدالة التي أمر الله بها ووصفها في قوله سبحانه ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَنِ ) فهو يأمر جل شأنه بالعدل وبالإحسان في العدل، فلا يكفي أن يكون المرء عادلاً، وإنما عليه أن يحسن ما استطاع في عدله، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم
ووجهك، حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا يئس ضعيف في عدلك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين الناس إلا صلحا أحل حراماً أو حرم حلالا ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت لرشدك أن ترجع إلى الحق، فان الحق لا يبطله شيء، واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس فيه قرآن ولا سنة، واعرف الاشباه والأمثال، ثم قس الأمور بعد ذلك، ثم اعمد لاحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. اجعل لمن ادعى حقاً غائبا أمدا ينتهي إليه، فان احضر بينة أخذ بحقه والا استحللت عليه القضاء، والمسلمون عدول في الشهادة، الا مجلودا في حد، أو مجربا عليه شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو قرابة. ان الله تولى منكم السرائر، وأعانكم بالبيانات، واياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله لها الأجر ويحسن الرضى، فانه من صلحت سريرته فيما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للدنيا بغير ما يعلم الله شانه الله والسلام.
في هذه الرسالة العظيـمـة يتـحـدث عـمـر بن الخطاب رضی الله عنه، عن القضاء كضرورة واجبة لانه السبيل لوضع الحق موضع التطبيق. وإذا كان الحق هو غاية الشريعة وهدف القضاء، فلا حرمة للباطل حتى وإن جاء ثمرة لاجتهاد خاطئ... ولا شرعية لهذا الباطل.
كما يبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ أن الحق هو المعيار ووحدة القياس عند الصلح، كما هو عند النزاع جائز بين الناس إلا صلحاً أحل حراما أو حرم حلالا. كما بين الخليفة الراشد في هذه الرسالة العظيمة أن المؤمنين سواسية في العدالة كشهود ... ما لم يثبت ما يقدح في عدالة المؤمن الشاهد أو يسقط شهادته..
۲ - نظام ولاية المظالم
إلى جانب القضاء العادي في الإسلام، وجد نظام ولاية المظالم ويهدف هذا النظام إلى تلقي شكاوى الناس من أي ظلم يكون قد لحق بهم سواء من جانب الأفراد أو جانب الحكام، وفحصها وابداء الرأي فيها ورد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها.
وكان يشترط فيمن يتولى ولاية المظالم في الإسلام أن يكون عظيم القدر نافذ الأمر عظيم الهيبة ظاهر الفقه، قليل الطمع، كثير الورع.
وقد حددت اختصاصات والى المظالم فيما يلي:
(أ) تظلم المرتزقة من نقص أرزاقهم أو تأخرها.
(ب) رد الأموال المغتصبة لأصحابها ممن اغتصبها.
(ج) النظر في المنازعات المتعلقة بالأوقاف الخاصة.
(د) تنفيذ الأحكام التي يعجز القضاء العادي عن تنفيذها.
(هـ) النظر فيما يعجز المحتسب عن النظر فيه من أمور المصلحة العامة.
(و) مراعاة أداء المسلمين للعبادات الظاهرة.
(ز) فض المنازعات بين المتشاجرين والحكم بينهم.
٣ - نظام الحسبة:
الحسبة وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووظيفتها الأساسية العمل على سيادة شرع الله في أرضه، واحقاق الحق وإبطال الباطل ويمكن أن نقسم ما ذكره العلماء في أعمال ولاية الحسبة بصفتها مؤسسة ذات طابع قضائي تعمل على إقامة العدل ومحاربة الظلم إلى ثلاثة أقسام:
(أ) اصلاح الامة الديني والخلقي نحو إلزام الناس بإقامة الصلاة وتفقد الائمة والمؤذنين ألا يفرطوا ولا يتهاونوا في أداء واجبهم، ومنع غير الاكفاء عن ادلاء رأيهم في مسائل الشريعة، وتفقد الناس ألا يأتوا بما يعارض الاخلاق أو الشريعة.
(ب) مراقبة الشئون التي لا تدخل في نطاق القضاء أو يصعب رفعها إلى المحكمة نحو التجسس أو التطفيف في الكيل أو الوزن، والتدليس في المبيع أو الثمن والغش في المطاعم والمشارب، وبيع الاشياء المحظورة، والعـقـود المحرمة والاحتكار وغير ذلك.
(ج) مراقبة المرافق العامة، نحو إصلاح مشربهم وبناء سورهم ومعونة أبناء السبيل وتوفير التسهيلات لهم وتقرير قوانين المرور، وأخذ الناس على الالتزام بها، وهدم البنايات المشرفة على السقوط بحيث لا تضر بنفس ولا مال ولا غير ذلك.
ويتضح مما سبق أن من أهم وظائف الحسبة في الإسلام المحافظة على حقوق الإنسان المسلم وحمايتها بالوسائل الشرعية.
والخلاصة أن المؤسسات ذات الطابع القضائي عملت على حفظ حقوق الناس وحرياتهم ضمانا للوصول إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة والحق بين الناس.
ولإلقاء المزيد من الضوء على مدى ما تتفوق به الشريعة الإسلامية على المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان نورد هنا جزءا من المقارنة التي عقدها فريق من كبار علماء المملكة العربية السعودية حول الحقوق الثقافية في الإسلام والمواثيق الدولية.
لقد عقدت عدة ندوات علمية في كل من الرياض وباريس والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي في جنيف، والمجلس الأوربي في ستراسبورج (حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام) وفيما بين فريق من كبار علماء المملكة العربية السعودية وبين آخرين من كبار رجال الفكر والقانون في أوربا.


وكان من أهم أهدافها ابراز ما تتميز به حقوق الإنسان الثقافية في الإسلام عنها في المواثيق الدولية، ونكتفي هنا بذكر خصائص الحقوق الثقافية في كل من الإسلام والمواثيق الدولية كما ذكرها أصحاب الفضيلة العلماء.
(أ) خصائص الحقوق الثقافية في المواثيق الدولية:
يمكن تلخيص هذه الخصائص فيما يلي:
(1) أن لكل انسان الحق في التعليم ولا يجوز أن يرفض له هذا الحق.
(۲) أن للآباء في المقام الأول، الحق في اختيار التربية الدينية لأولادهم حسب عقائدهم.
(۳) أن التربية تهدف إلى التفتح الكامل لشخصية الإنسان وللشعور بكرامته وإلى دعم الاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
(٤) أن المصلحة العليا للطفل هي وحدها التي ترشد أولئك المسئولين عن تربية الطفل وتوجيه.
ونلاحظ على هذه الخصائص للحقوق الثقافية الدولية ما يلي:
(أ) أنها (حق خاص) وليست (فريضة عامة).
(ب) كما نلاحظ على هذا الحق الخاص التعبير عنه في البروتوكول الأول للاتفاقية (المجلس الأوروبي) بصيغة ( سلبية) لا بصيغة (إيجابية) ، حيث قال ( ولا يجوز أن يرفض حق أحد في التعلم) ونتيجة لذلك فإن تنازله عن حقه الخاص (لا يشكل جرماً )لأنه لا يمس غيره.
وفي ذلك كله إضعاف لهذا الحق في التعليم الذي هو ضرورة أساسية لحياة الإنسان، وهبوط به إلى مستوى الوصايا من غير أي ضامن من ضمانات التنفيذ لهذه الوصايا، وخاصة إذا لاحظنا الهدف لهذا الحق الثقافي كما نصت عليه المواثيق الدولية، فهو يهدف تبعاً لهذا الحق الخاص إلى أنه (تفتح شخصي) لشخص الإنسان ولكرامته، ومن دون أية إشارة إلى أنواع علوم الحياة وشمولها وضرورتها لحياة الفرد والمجتمع وخاصة (الإيمان بالحقيقة العلمية الأولى)، مصدر هذا الوجود وخالق السموات والأرض، ومبدع الإنسان، مع وجوب الخضوع إلى تعاليمه.
ونحن نجزم بأن فقدان هذا الإيمان بالله كهدف أساسي، من أهداف الحقوق الثقافية الدولية لدى الأمم المؤمنة بالله، هو مصدر المخاوف من (تقدم العلم والتكنولوجيا) الذي أشار إليه تصريح (طهران) في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في ۲۱ إبريل حتي ١٣ مايو ١٩٦٨م، والذي جاء في فقرة (۱۸) قوله: ( وإذا كانت الاكتشافات العلمية وتطورات التكنولوجيا قد فتحت لنا حديثاً الآمال الواسعة للتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، غير أن هذا التقدم يمكن أن يضع حقوق الفرد وحرياته في خطر.
(ب) خصائص حقوق الإنسان الثقافية في الإسلام
يمكن تلخيص أهم مميزات وخصائص حقوق الإنسان الثقافية في الإسلام فيما يلي
۱ - الحقوق الثقافية للإنسان في الإسلام، ورد التعبير عنها بأنها (فريضة) إجبارية، وبالنتيجة لا يجوز لتنازل عنها وبناء على ذلك فهي ليست مجرد حقوق للإنسان، كما أعلنته مواثيق حقوق الإنسان في الوثائق البشرية.



  • إن هذه الفريضة تقع في آن واحد على (عاتق الفرد والجماعة) وكلاهما مسئول عن تنفيذ هذه الفريضة، وهي فريضة حيوية عامة وليست حقوقاً خاصة.

  • إن هذه الفريضة تتمتع في الإسلام بضمانات جزائية، وليست مجرد توصيات أو أحكام أدبية لا ضمان لها كما هو الأمر في المواثيق البشرية، وبالنتيجة، فإن للسلطة العامة في الإسلام حق الإجبار على تنفيذ هذه الفريضة، وذلك خلافاً لمفهوم هذه الحقوق في المواثيق الدولية، تعتبرها حقاً شخصياً مما لا يمكن الإجبار عليه إذا تنازل عنه صاحبه.

  • إن الحقوق الثقافية في الإسلام تعطي لأولياء الطلاب كامل حريتهم في اختيار نوع الثقافة والتربية التي يختارونها لأولادهم حسب عقائدهم، بل تفرض ذلك على المسلمين وذلك خلافاً للأنظمة الديمقراطية التي تفرض نوعاً خاصاً من التربية ضد إرادة الآباء، وكذلك خلافاً للأنظمة الديمقراطية العلمانية، التي تفرض العلمانية وحدها في الثقافة والتربية وفي كلا النظامين مصادرة لعقول الاطفال والشباب وإخضاعهم في العقائد إلى فلسفة النظم الحكومية وحدها، وإبعادهم عن التوجيه الشرعي المعترف به بالدرجة الأولى للآباء وللأولياء في مواثيق حقوق الإنسان الدولية.

  • وأخيراً فهناك الميزة الأساسية لهذه الفريضة الثقافية في الإسلام وهي أنها تفتح أمام الإنسان جميع آفاق السماء والأرض للبحث والعلم بمختلف علوم الحياة وأنواع التكنولوجيا من غير تحديد ولا خوف من أفكار تقدمها كما تخوفت منها الأمم المتحدة في تصريح طهران، وذلك من أجل الاعتراف والإقرار علمياً بخالق الكون ومبدع الإنسان وهذا ما يجنب علوم التكنولوجيا في تقدمها من أن تكون مادية نفعية فقط، لتكون أداة حقيقة في تغذية الروح إلى جانب مصالح الجسد، وذلك بتقريب الإنسان من خالقه، وبدعوته للعمل بوصاياه وأحكامه، كي يجمع الإنسان ما بين مقاصد العلم الروحية العليا، إلى جانب حظوظه الجسدية في الدنيا، وينقذ بذلك نفسه من الضياع ومن أوحال الحيوانية والمادة.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

ارتقى الم ؤذن د...

ارتقى الم ؤذن درجات المئذنة العالية، ثم خرج �إلى �شرفتها الم�ستديرة، و�أخذ ي�شق ب�صوته الرخيم �سكون ...

تعلمنا في مادة ...

تعلمنا في مادة الأسس الفنية للكتابة والتعبير في الفصل السادس كتب المراسلات خصائص كتابة التقرير هي: ...

مفهومة يجب أن ي...

مفهومة يجب أن يكون التنقل في المستشفى سهلاً لأنه يقلل من التوتر والارتباك أثناء الزيارة الأولى. يساع...

انعكاسات التحدي...

انعكاسات التحديات على التعليم من أجل التنمية المستدامة.: ظهور المعايير الدولية وانعكاساتها على نظم ...

احتاج تلخيص للم...

احتاج تلخيص للمعلومات التالية حول القصة الجزائرية : الفصل الأول في القصة الجزائرية يقول القاص الجزا...

النوادي الأدبية...

النوادي الأدبية التي ترعى النشاط الفكري والثقافي في المدن الكبيرة، وتعرف بالأدباء وإنتاجهم وتطوره. و...

. تدقيق الحسابا...

. تدقيق الحسابات (Auditing) : ويبحث هذا الفرع في فحص أنظمة الرقابة الداخلية والبيانات المحاسبية المب...

‎ التربية الإعل...

‎ التربية الإعلامية الرقمية مقدمة: أدي التقدم الهائل في مجال تكنولوجيا الاتصال والإعلام، وما نتج ع...

You are the cli...

You are the clinical preceptor for a nurse resident who needs to debrief about how he communicated ...

بعض العلماء يدر...

بعض العلماء يدرسون الجانب النفسي للمجرمين لفهم السلوك الإجرامي. كما يتحدثون عن مدرسة الخنفسية التي ر...

يرى الحسيون أنه...

يرى الحسيون أنه لابد من استبعاد الفرضية لأنها تقوم على التكهن والظن والعلم اسمى من ذلك، لذا كان نيوت...

بتداول الصكوك: ...

بتداول الصكوك: بيعها (وشراؤها) في السوق الثانوية بعد شرائها لأول مرة من طرف المكتتبين، ولذلك، لا يسم...