Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (100%)

الاستنتاج العام (أهم النتائج)
يمكن القول أن التصوف تجربة دينية متأصلة في الإنسان بحكم طبيعته و حمله الأمانة منذ بدء الخليقة فقد قال الله تعـالى : ﴿ و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ﴾. و جاء في كثير من كتب التفسير ليعبدون بمعنى "ليعرفون" و بذلك كانت المعرفة و هي غاية التصوف هذفا للإنسان بفطرته و إن إختلف أفق المعرفـة ونوعـها باختلاف مستويات الأفراد. و من ثم فسعي الإنسان نحو المعرفة إنما هو تطلع للحقيقة التي خلق من أجلها. و هي تجربة أساسها الأخلاق. فكلما تخلى المتصوف عن صفاته المذمومة و فرغ قلبه من الاهتمام بالأكوان و تحلى بالصفات المحمودة و امتلأ قلبه بالأنوار التي يقذفها الله في قلبه، كلما تحققت له المعرفة التي يطلق عليها الصوفية "التجلي". و قد اتضح من الدراسة دور التصوف الفعال في التأثير على المريد بتغيير اهتمامه و من ثم تغيير قيمه و بذلك يجمع التصوف في المجتمع الجزائري بين "الدين الحركي الديناميكي و الدين السكوني الإستاتيكي". و الاختلاف في الطرق إنما هو في المقام الأول اختلاف في المناهج و السبل مع الاتفاق في الهدف. و أسفرت الدراسة عن أن اختلاف المناهج ناتج عن اختلاف المشايخ و ذاتية التجربة الصوفية بما يتفـق و شخصية المريـد و حاله و طبيعته و اتجاهاته فالتصوف كوجود و حقيقة وجدانية يسمو عن أن يكون صدى للبيئة التي تعيش فيها فيكون كنمط و شكل و تنظيم حسب كل مجتمع و طبيعته. و قد أظهرت نتائج الدراسة الميدانية اتجاه الطريقة نحو الاهتمام بالجانب الأخلاقي لتخليص النفس من الصفات المذمومة و تحليها بالصفات المحمودة و ما يترتب على ذلك من تغير في شخصية الفرد و انعكاس هذا التغير على تفكيره و قيمه و عاداته و اتجاهاته و أنماط سلوكه المختلفة مع أفراد مجتمعه سواء الصغير أو الكبير. و إن كانت النتائج قد أظهرت أن التغير محدود بالنسبة لانعكاس سلوك الفرد على زوجته و أبنائه فإن ذلك يرجع إلى أن غالبية من تناولهم البحث يتراوحون بين النفس اللوامة و النفس الملهمة. و أساؤوا الظن بهم مطلقا، و الحكم، و تعطلت معالمها. و صفاء قلوبهم، و نقصانها، فسحبوا عليها ذيل المحاسن، و أجروا عليها حكم القبــول و الانتصار لها و استظهروا بها في سلوكهم، و هؤلاء أيضا مفرطون في نظرتهم. و الطائفة الثالثة: و هم أهل العدل و الإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه، و ردوا ما يرد. 1)، ومهما قل و اختفى رجال الصوفية فهذا لا يدل على انقطاعهم، فالعدد معلوم لا ينقطع حتى ينقطع الدين(2). فالتصوف كظاهرة له وجود في المجتمع الجزائري بوجود المشايخ الذين لا ينقطع وجودهم إلا بانقطاع الدين. أما ظاهرة "الطرق" فقد اختفت باختفاء الكثير من المقومات الضرورية لوجودها. كانت الطريقة الشيخية أفضل نموذج للدور الذي يمكن أن تقوم به مثل هذه المؤسسات الثقافية الدينية في المجتمع الإسلامي، بعيدة عن مشاغل المجتمع من حولها، بل كانت حية تعيش حياة الناس، تتدبر شؤونهم وتتدخل لحل مشاكلهم، وأفضل مثل لذلك هو المقاومة المسلحة الثانية أعلنها الشيخ بوعمامة البوشيخي سنة 1881. والشيخ بوعمامة هو النموذج الذي عمل لدنياه كما عمل لأخراه ضمن هذه المؤسسة، وزرع فيهم الحب والأخوة، فخلدته الذاكرة الشعبية، لأنه مرتبط أشد الارتباط بالتاريخ، لكن تاريخيته ودنيويته لم تمنعه من أن يكون مقدسا، وقدسيته هذه يستمدها من المهمة الملقاة على عاتقه، وهي الجهاد في سبيل الله، ولارتباط نسبه بالولي الصالح سيدي الشيخ وبجده البعيد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ونحن لا نعني هنا تقديس الطريقة الشيخية وإبعاد كل خطأ عنها، بل هي طريقة صوفية تشارك بقية أخواتها في كثير من أمور الدنيا والآخرة سلبا وإيجابا، ولكننا نعني قيامها بدور فعال في القرن التاسع عشر عندما تعرضت البلاد لأبشع احتلال في العصر الحاضر وبخاصة في عهد الشيخ بوعمامة الذي كرس حياته لخدمة البلاد والعباد، ولهذا وجب التذكير بذلك والتنويه به، أي أن دور الأفراد هام في كل فترة من فترات التاريخ. ولما كانت الجماعة الصوفية جماعات دينية تهتم بالشعائر باعتبارها العامل الوحيد الذي يؤدي إلى التماسك الاجتماعي داخل الجماعة وباعتبار أن هذا العامل من العوامل التي يمكن إدراكه فكان لا بد من أن يكون هذا الفرض أساس الدراسة الميدانية. والمواكب، والاحتفالات، والعهد هو إلزام بين المريد وشيخة بالقرابة الروحية وقد يكون فردياً أو جماعياً، وهو رمز يفرض على الجماعة تقديسه لأنه يفرض درجة عالية من الاحترام لاحتوائه على قيم الجماعة ومن الرموز الموجودة في العهد أن يد الشيخ المصافحة أثناء العهد تعتبر بمثابة رمز ليد الله لدرجة يصبح معها من الصعب على المريد مخالفة أوامره وتعاليمه، وقد إتضح قوة الدور الذي يلعبه الشيخ في المحافظة على تماسك الجماعة وشعيرة "الذكر" قد تكون فردية أو جماعية وهذه الشعيرة تؤدي إلى الالتزام بالطاعة داخل الجماعة وتطلق عليه إصطلاح "الحضرة" وتنظم الجماعة طريقة تأدية الحضرات وتحديد مواعيدها وأما إقامتها وكيفية تنظيمها، وتعتبر تأدية الحضرات من أهم الأنشطة الشعائرية للجماعة ودليل قوي على أنتماء الأعضاء. وقد اتضح في ضوء الاتجاه البنائي الوظيفي وجود علاقات متبادلة بين كل الظواهر والنظم السائدة في الجماعة وإن قيام التداخل والتفاعل والتساند بين هذه الظواهر والنظم وظيفته تماسك الجماعة فقط أثبتت النتائج أن الشعائر ليست العامل الوحيد الذي يعمل على تماسك الجماعة، فمن العوامل الأخرى التي تؤدي إلى تماسك الجماعة علاقات القرابة الشعائرية Ritual Kinship التي لعبت دوراً هاماً وتعتبر أهم من القرابة الطبيعية وتتدرج تلك القرابة الشعائرية في بناء سلمي روحي إلى أن تصل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي تربط بين الشيخ وبين وكيله ونوابه وخلفائه ومريديه وقد استخدمت الجماعة القيم التي تؤكد القرابة الشعائرية فالعهد يقوم بدور كبير في تدعيم القرابة الشعائرية وتأكيدها بحيث إذا نقض المريد عهد شيخه انفصمت عرى القرابة الشعائرية، وقد تمثلت القرابة الشعائرية في الأبوة الروحية التي لها السلطة والسيطرة على جميع المريدين ويجب إطاعتها طاعة مطلقة، والأخوة الشعائرية اخوة اجتماعية لا تقوم على روابط الدم وتفرض على أعضائها كثيراً من الالتزامات والواجبات المشتركة شبيهة بالالتزامات المفروضة على الأخوة الدموية وقد تفوقها، وتقوم القرابة الشعائرية داخل الجماعة بدورها في تماسك الجماعة ولتأكيد التماسك وزيادة درجته تسعى الجماعة إلى تكوين علاقات قرابية طبيعية بين أعضائها مستخدمة في ذلك نظام الزواج والمصاهرة بهدف العمل على انتشار مبادئ الجماعة وزيادة عدد أعضائها. والعامل الثالث هو وجود نظام خاص للتهادي ولا يعتبر نظام تبادل الهدايا نظاما اقتصادياً، ويربط جميع أعضاء الجماعة بهذا النظام الذي يطلق عليه مصطلح "الزيارة" والتي يتم توزيعها بالتساوي على جميع الأعضاء في الاحتفالات والاجتماعات الدينية ويعطي هذا شعوراً بالمساواة داخل الجماعة رغم اختلاف درجاتهم في السلم التنظيمي، وهذا النظام يعتبر رمزاً يدل على ترابط الجماعة وتماسكها ومشاركة أعضائه في تقديم العون والمساعدة للأعضاء المحتاجين والمرضى وفي الاحتفال بالمولد. وهذا النظام يؤدي أيضاً إلى زيادة شعور الجماعة بالتضامن المتبادل وتشيع لدى أعضائها شعورهم بالذات عن طريق التفاخر بانتمائهم للجماعة وهذا العامل هام في إيجاد التماسك ولا يمكن إنكاره. والعامل الرابع: ولكي تحافظ الجماعة على استمرار بقائها وضعت نظاماً قائماً على علاقات الضبط الاجتماعي تمثل في سلطة الشيخ أو نوابه أو خلفائه على مريديه وردود الفعل داخل الجماعة نفسها من أعضائها تتمثل في عقلها الجمعي، وضبط خارجي تمثل في تأثير الشيخ على أعضاء الجماعة في مجتمعاتهم المحلية بالإضافة إلى أن شعورهم بالانتماء إلى الجماعة يجعلهم دائما لا يأتون بسلوك قد يضر بسمعة الجماعة. وقد وضعت الجماعة قانونا ينظم أعمالها إشتمل على مواد لمعاقبة كل من يخرج على هذا القانون بالإضافة إلى العرف الصوفي الذي يمثل في احترام كبار السن والمركز في السلم التنظيمي داخل الجماعة، وتندرج الجزاءات في هذا القانون من اللوم والتوبيخ والاستهزاء و "المناصفة" (الانصاف)، وقد يصل إلى الإيقاف والطرد الذي يعتبر أقسى وأشد أنواع الجزاءات ونادراً ما تمارسه الجماعة إلا في حالة قيام العضو بمخالفة خطيرة تؤدي إلى تصدع الجماعة وفقدان تماسكها والإساءة إلى سمعتها، وقد ظهر من النتائج إن أعضاء الجماعة قد تشترك في تحمل الجزاء الذي يفرض على أعضائها تخفيفاً عنهم، وإحساساً منم بالمسؤولية الجماعية، ويلتزم أعضاء الجماعة بقانونها التزاماً أخلاقياً مبعثه طلب رضا الجماعة وخشية استنكارها لتصرف العضو المسيء ونبذه ولاكتساب رضا الشيخ لأن مخالفته إنما هي مخالفة الله وانقطاع لمدد الشيخ، وعليه فلا يمكن إنكار علاقات الضبط الاجتماعي داخل الجماعة كعامل من عوامل التمسك. والعامل الخامس اتضح في أن الجماعات عملت على تماسكها نتيجة انضمام أعضاء جدد لعضويتها من المهنيين والأطباء والمحاسبين والمدرسين والضباط والجنود وغيرهم من المتعلمين، وقد عملت على مسايرة العصر الحديث فهي لا تسعتمل زيا خاصا غير لباس للرأس "عمامة" توضع على رؤوس كبار السن من أعضاء الجماعة في حلقات الذكر ولا يلتزم بلبسها المريدون الشبان، وتوضع أوسمة خاصة في الاحتفالات كرمز على تماسك الجماعة وتمييزاً لها عن الجماعات الأخرى، وقد تغير شكل ومضمون بعض حلقات الذكر التي كانت تعقدها الجماعة أسبوعياً إلى ندوات تناقش فيها مشاكل أعضاء الجماعة كما تغيرت النظرة إلى شيخ الطريقة، فلم تعد "الكرامات" هي مقياس الحكم عليه، وإنما أصبحت محبة المريدين أعضاء الجماعة والتفافهم حوله وسهره على راحتهم هي الأساس الذي ينظر به الأعضاء إلى شيخهم. ولقد شمل التغير أيضاً حياة الشيخ من حيث أثاث بيته المجهز بأحدث الوسائل العصرية، وتنفي الجماعة صفة التزمت عن الدين، فالتزمت في نظرها يؤدي إلى الشك، والدين يسر لا حرج فيه ولا مشقة، ويساير أعضاء الجماعة ركب التغير ويزاولون أعمالا مختلفة ويشتركون في كل جوانب الحياة تأكيداً للمبدأ الإسلامي "لا رهبانية في الإسلام" ويحدث اختلاط في القيم داخل الجماعة بين القديم الممثل في كبار السن وأعضائها والحديث الممثل في المريدين الشبان بحيث يتعرف القديم على الأفكار الحديثه كما يستفيد الجديد من خبرات وتراث القديم، ويتعاون الاتجاهان معا بدون تنافس لتطوير الجماعة وبدون غلبة أحد العنصرين على الآخر وبحيث لا تستغني القيم الجديدة عن التراث القديم كله ويتم تعديل المراكز والأدوار بصفة مستمرة لمواجهة التغير الكمي والكيفي في حجم العضوية ولكن لم يؤدي ذلك إلى زوال البناء الاجتماعي التقليدي للجماعة كما يتميز به من قدرة على البقاء والاستمرار في الوجود، وهذا عامل هام آخر مهم من عوامل التماسك. القرابة الشعائرية، علاقات التهادي، علاقات الضبط الاجتماعي، ومسايرة التغير ومعايشة العصر وكلها عوامل تتشابك وتتفاعل وتتساند وتؤلف حياة الجماعة ككل وتعمل في اتساق للمحافظة على استمرار وحدة الجماعة كما أن للجماعة بناءها الاجتماعي القائم على مبدأين أساسين متكاملين ، الأول هو مبدأ الاستمرار في الزمن ويصدق ذلك على الجماعة وعلى العلاقات الاجتماعية الموجودة داخل بنائها ، والمبدأ الثاني هو أن العلاقات الثابتة المستمرة التي تقوم بالضرورة بين الجماعة المتماسكة – تتخذ شكل مجموعة من النظم الاجتماعية التي تؤدي إلى تماسك الجماعة. وهي تحافظ على بنائها وتعمل دائما إلى التوفيق بين الظروف الطارئة ونظمها بحيث تعمل هذه النظم والعلاقات الاجتماعية على تماسك الجماعة وتضامنها ويظل بنائها الاجتماعي محتفظا بخصائصه الأساسية من حيث القدرة والاستمرار والبناء لمدة طويلة. و إدا أمكن هذه النتائج على الجماعات الشيخية المختلفة حسب المناطق لوجود تشابه بينها وبين بعض الجماعات الصوفية الأخرى لاتفاقها في المبادئ الأساسية التي وضعها "سيدي الشيخ " إلا أنه لا يمكن أن تعميم هذه النتائج على الطرق الصوفية بالرغم من التشابه القائم بينها في بعض النظم الاجتماعية بالإضافة إلى كونها جماعات دينية صوفية لأن لكل جماعة أوضاعها المختلفة وظروفها الخاصة بها ويجب دراستها كل على حده.
كذلك أسفرت الدراسة أن الذكر و الإنشاد احتل المكانة الأولى في جذب أفراد الطريقة الشيخية للطريق ويليه شخصية الشيخ و مكانته ثم محبة الأخوان لبعضهم البعض . وللطريقة الشيخية دور واضح في التربية و التنشئة الاجتماعية للفرد، إلا أن امتداد هذا الدور بالتأثير على أفراد الأسرة والمجتمع قد انحصر في أقلية من ذوي المراتب العالية في الطريق الصوفية و بذلك فالطريقة ذات تأثير على الفرد بتغيير شخصيته وفكره و معتقداته شاملا صفاته وسلوكه دون تعدي هذا الأثر ليشمل الأسرة . أما عن الأدوار الاجتماعية التي تقدمها الطريقة إلى جانب الدور الديني فيمكن أن نجملها - بما توصل إليه البحث – في الأدوار التربوية والتعليمية و النفسية و العلاجية كدور التصوف في الضبط الاجتماعي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي من حيث تأثير قدرته على الفرد للكيف والتأقلم مع الوسط الاجتماعي أو البيئة التي تفرض عليه فالتصرف قوة دافعة للفرد و المجتمع.
و أظهرت الدراسة أن مريدي الطريقة الشيخية أكثر اهتماما و تركيزا على التخلي عن الأمور الباطنية المنهي عنها و التحلي بالأمور الباطنية المأمور بها، و ليس التصوف مجرد رداء خارجي يرتديه العابد أو مجرد مظهر سلوكي يمكن ملاحظته أو مجموعة مصطلحات و عبارات تجري على ألسنتهم، و إنما التصوف مجاهدة النفس للتخلي عن الصفات المذمومة و التحلي بالمحمودة التي أمرنا الله عز وجل بها سواء في العقيدة أو الأخلاق، لذلك يدعو التصوف إلى إيجاد إنسان جديد في أخلاقه و مثله و معتقداته و معاملاته و اجتماعياته. و أظهرت الدراسة الميدانية الأثر الاجتماعي الواضح لدور الطريقة في الضبط الاجتماعي من خلال لجوء المريدين و أهليهم و جيرانهم و أصدقائهم للشيخ بما له من تأثير عليهم لبركته و مكانته المرموقة في كافة المشاكـل و أكثرها تعقيدا بهدف بحثها و إزالة أسبابها، و فض المنازعات و التوفيق بينهم، باعتباره أفضل من يتدخل في هذه المسائل و كان هذا اتجاه غالبية من تناولهم البحث. و أظهرت الدراسة قوة و تأثير الضبط الخفي على المريدين و هو القائم على الضبط الذاتي من داخل المريـد و المتوقف على مراقبته لنفسه و الالتزام بقواعد الطريقة و آدابها باطنا و ظاهرا، فهو بذلك يتضمن نوعي الضبط معا إذ يمثل الضبط الظاهر جزءا منه: فطريق المريد قائم أساسا على علاقته بالله و كل ما دون ذلك ما هو إلا وسائل للوصول للغاية المنشودة، بذلك كان نمط الضبط الخفي أكثر ملاءمة لهذه العلاقة التي ليست في حاجة إلى نمط الضبط الظاهري الذي يحكم باقي العلاقات الدنيوية. فمن استطاع أن يحقق الضبط الذاتي حقق معه الضبط الاجتماعي ( الخارجي ). و توصلنا من خلال الدراسة الميدانية إلى الإجابة عن التساؤلات التي طرحناها في الإشكالية و خاصة الفرضية القائلة بإمكانية مساهمة الطرق الصوفية و الزوايا في التمركز السكاني و الامتداد المجالي و الجغرافي حيث بتتبعنا للزوايا و الطرق الصوفية من خلال الواقع وجدنا بأنه ازداد نفوذها و عظم شأنها فازدهرت حتى تحولت إلى مدن و ممالك ، و تماسين و طولقة ، و الأبيض سيدي الشيخ . و يضاف إليها أضرحة العلماء و الصلحاء مثل : " عريان الرأس و أبي الفضل و النبي خالد "كما ذكر العياشي ، فلا تكاد تحصى ، و هكذا عرفت جميع مدن الصحراء استقراراً كبيرا و توافقا و تماسكا ، و أصبحت الطرق الصوفية تتعدى و تتجاوز الحدود الجغرافية و المجاليـة للمـدن و الدول و الأقطار ، و نحن نعرف تاريخيا مدى تأثير التصوف و الطرق الصوفية في نشر الإسلام في كامل إفريقيا الغربية و السودان ، و هكذا بقيت محافظة على كيانها ببقاء الإسلام على مر العصور ، و نحن اليوم في القرن الواحد و العشرين ، و مازلنا نلاحظها تزداد تماسكا و ترابطا وازدهارا ، و يزداد نشاطها الفكــري ، الديـني الروحي و الحضاري بصفة عامة ، فامتد الإرث الثقافي بين كامل القبائل و الزوايـا إلى أن شمل أقطاراً عديـدة و دولا و قارات مازالت شاهدة على ذلك .


Original text

الاستنتاج العام (أهم النتائج)
يمكن القول أن التصوف تجربة دينية متأصلة في الإنسان بحكم طبيعته و حمله الأمانة منذ بدء الخليقة فقد قال الله تعـالى : ﴿ و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ﴾. و جاء في كثير من كتب التفسير ليعبدون بمعنى "ليعرفون" و بذلك كانت المعرفة و هي غاية التصوف هذفا للإنسان بفطرته و إن إختلف أفق المعرفـة ونوعـها باختلاف مستويات الأفراد. و من ثم فسعي الإنسان نحو المعرفة إنما هو تطلع للحقيقة التي خلق من أجلها. والمعرفة ليست علما يدرك بالدراسة و التعلم و الاطلاع فحسب و إنما يتم الوصول إليها بالذوق عن طريق خوض التجربة الصوفية ذاتيا، و هي تجربة أساسها الأخلاق. فكلما تخلى المتصوف عن صفاته المذمومة و فرغ قلبه من الاهتمام بالأكوان و تحلى بالصفات المحمودة و امتلأ قلبه بالأنوار التي يقذفها الله في قلبه، كلما تحققت له المعرفة التي يطلق عليها الصوفية "التجلي".
و قد اتضح من الدراسة دور التصوف الفعال في التأثير على المريد بتغيير اهتمامه و من ثم تغيير قيمه و بذلك يجمع التصوف في المجتمع الجزائري بين "الدين الحركي الديناميكي و الدين السكوني الإستاتيكي".
و الاختلاف في الطرق إنما هو في المقام الأول اختلاف في المناهج و السبل مع الاتفاق في الهدف. و أسفرت الدراسة عن أن اختلاف المناهج ناتج عن اختلاف المشايخ و ذاتية التجربة الصوفية بما يتفـق و شخصية المريـد و حاله و طبيعته و اتجاهاته فالتصوف كوجود و حقيقة وجدانية يسمو عن أن يكون صدى للبيئة التي تعيش فيها فيكون كنمط و شكل و تنظيم حسب كل مجتمع و طبيعته.
و قد أظهرت نتائج الدراسة الميدانية اتجاه الطريقة نحو الاهتمام بالجانب الأخلاقي لتخليص النفس من الصفات المذمومة و تحليها بالصفات المحمودة و ما يترتب على ذلك من تغير في شخصية الفرد و انعكاس هذا التغير على تفكيره و قيمه و عاداته و اتجاهاته و أنماط سلوكه المختلفة مع أفراد مجتمعه سواء الصغير أو الكبير.
و إن كانت النتائج قد أظهرت أن التغير محدود بالنسبة لانعكاس سلوك الفرد على زوجته و أبنائه فإن ذلك يرجع إلى أن غالبية من تناولهم البحث يتراوحون بين النفس اللوامة و النفس الملهمة.
كما أظهرت الدراسة أيضا أن التصوف وقع بين مادحين و قادحين فاختلفت الاتجاهات و الأراء حول حقيقته كادت أن توجب الفتنة بين هاتين الطائفتين من الناس فإحداهما:
حجبت بالشطحات عن محاسن هذه الطائفـة، و لطف نفوسهم، و صدق معاملتهم، فأهدروها لأجل هذه الشطحات، و أنكروها غاية الإنكار، و أساؤوا الظن بهم مطلقا، و هذا عدوان و إسراف. فلو كان كل من أخطأ أو غلط ترك جملة، و أهدرت محاسنه، لفسدت العلوم و الصناعات، و الحكم، و تعطلت معالمها.
و الطائفة الثانية: حجبوا بما رأوه من محاسن القوم، و صفاء قلوبهم، و صحة عزائمهم، و حسن معاملاتهم عن رؤية عيوب شطحاتهم، و نقصانها، فسحبوا عليها ذيل المحاسن، و أجروا عليها حكم القبــول و الانتصار لها و استظهروا بها في سلوكهم، و هؤلاء أيضا مفرطون في نظرتهم.
و الطائفة الثالثة: و هم أهل العدل و الإنصاف الذين أعطوا كل ذي حق حقه، و أنزلوا كل ذي منزلة منزلته فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول، و لا للمعلول السقيم بحكم الصحيح، بل قبلوا ما يقبل، و ردوا ما يرد.(1)، ومهما قل و اختفى رجال الصوفية فهذا لا يدل على انقطاعهم، فالعدد معلوم لا ينقطع حتى ينقطع الدين(2). فالتصوف كظاهرة له وجود في المجتمع الجزائري بوجود المشايخ الذين لا ينقطع وجودهم إلا بانقطاع الدين. أما ظاهرة "الطرق" فقد اختفت باختفاء الكثير من المقومات الضرورية لوجودها.
كانت الطريقة الشيخية أفضل نموذج للدور الذي يمكن أن تقوم به مثل هذه المؤسسات الثقافية الدينية في المجتمع الإسلامي، فهي لم تكن طريقة متقوقعة على نفسها مهتمة فقط بأتباعها حاضنة لأدوارها، بعيدة عن مشاغل المجتمع من حولها، بل كانت حية تعيش حياة الناس، تتدبر شؤونهم وتتدخل لحل مشاكلهم، وأفضل مثل لذلك هو المقاومة المسلحة الثانية أعلنها الشيخ بوعمامة البوشيخي سنة 1881.
والشيخ بوعمامة هو النموذج الذي عمل لدنياه كما عمل لأخراه ضمن هذه المؤسسة، فلما رأى الاستعمار يميل بكلكله على البلاد قام يذود عن الحمى، فقاد أتباعه وبقية خلق الله ممن آثر المصلحة العامة على مصالحه الآنية من أجل جهاد الكفار الغزاة في الوقت الذي كان يقودهم كشيخ لطريقة صوفية متجذرة، يمارسها الناس في طقوس ومعتقدات، وزرع فيهم الحب والأخوة، فخلدته الذاكرة الشعبية، لأنه مرتبط أشد الارتباط بالتاريخ، لكن تاريخيته ودنيويته لم تمنعه من أن يكون مقدسا، وقدسيته هذه يستمدها من المهمة الملقاة على عاتقه، وهي الجهاد في سبيل الله، ولارتباط نسبه بالولي الصالح سيدي الشيخ وبجده البعيد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ونحن لا نعني هنا تقديس الطريقة الشيخية وإبعاد كل خطأ عنها، بل هي طريقة صوفية تشارك بقية أخواتها في كثير من أمور الدنيا والآخرة سلبا وإيجابا، ولكننا نعني قيامها بدور فعال في القرن التاسع عشر عندما تعرضت البلاد لأبشع احتلال في العصر الحاضر وبخاصة في عهد الشيخ بوعمامة الذي كرس حياته لخدمة البلاد والعباد، ولهذا وجب التذكير بذلك والتنويه به، أي أن دور الأفراد هام في كل فترة من فترات التاريخ.
ولما كانت الجماعة الصوفية جماعات دينية تهتم بالشعائر باعتبارها العامل الوحيد الذي يؤدي إلى التماسك الاجتماعي داخل الجماعة وباعتبار أن هذا العامل من العوامل التي يمكن إدراكه فكان لا بد من أن يكون هذا الفرض أساس الدراسة الميدانية.
وفي ضوء النتائج التي توصلنا إليها وجدنا أن الشعائر من الممارسات التي تتمسك بها الجماعة وهي جزء من نسقها الإيديولوجي، والشعائر في الجماعة الشيخية تشتمل على العهد، والذكر، والمواكب، والاحتفالات، والعهد هو إلزام بين المريد وشيخة بالقرابة الروحية وقد يكون فردياً أو جماعياً، وهو رمز يفرض على الجماعة تقديسه لأنه يفرض درجة عالية من الاحترام لاحتوائه على قيم الجماعة ومن الرموز الموجودة في العهد أن يد الشيخ المصافحة أثناء العهد تعتبر بمثابة رمز ليد الله لدرجة يصبح معها من الصعب على المريد مخالفة أوامره وتعاليمه، وقد إتضح قوة الدور الذي يلعبه الشيخ في المحافظة على تماسك الجماعة وشعيرة "الذكر" قد تكون فردية أو جماعية وهذه الشعيرة تؤدي إلى الالتزام بالطاعة داخل الجماعة وتطلق عليه إصطلاح "الحضرة" وتنظم الجماعة طريقة تأدية الحضرات وتحديد مواعيدها وأما إقامتها وكيفية تنظيمها، وتعتبر تأدية الحضرات من أهم الأنشطة الشعائرية للجماعة ودليل قوي على أنتماء الأعضاء.
وقد اتضح في ضوء الاتجاه البنائي الوظيفي وجود علاقات متبادلة بين كل الظواهر والنظم السائدة في الجماعة وإن قيام التداخل والتفاعل والتساند بين هذه الظواهر والنظم وظيفته تماسك الجماعة فقط أثبتت النتائج أن الشعائر ليست العامل الوحيد الذي يعمل على تماسك الجماعة، فمن العوامل الأخرى التي تؤدي إلى تماسك الجماعة علاقات القرابة الشعائرية Ritual Kinship التي لعبت دوراً هاماً وتعتبر أهم من القرابة الطبيعية وتتدرج تلك القرابة الشعائرية في بناء سلمي روحي إلى أن تصل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي تربط بين الشيخ وبين وكيله ونوابه وخلفائه ومريديه وقد استخدمت الجماعة القيم التي تؤكد القرابة الشعائرية فالعهد يقوم بدور كبير في تدعيم القرابة الشعائرية وتأكيدها بحيث إذا نقض المريد عهد شيخه انفصمت عرى القرابة الشعائرية، وقد تمثلت القرابة الشعائرية في الأبوة الروحية التي لها السلطة والسيطرة على جميع المريدين ويجب إطاعتها طاعة مطلقة، والأخوة الشعائرية اخوة اجتماعية لا تقوم على روابط الدم وتفرض على أعضائها كثيراً من الالتزامات والواجبات المشتركة شبيهة بالالتزامات المفروضة على الأخوة الدموية وقد تفوقها، وتقوم القرابة الشعائرية داخل الجماعة بدورها في تماسك الجماعة ولتأكيد التماسك وزيادة درجته تسعى الجماعة إلى تكوين علاقات قرابية طبيعية بين أعضائها مستخدمة في ذلك نظام الزواج والمصاهرة بهدف العمل على انتشار مبادئ الجماعة وزيادة عدد أعضائها.
والعامل الثالث هو وجود نظام خاص للتهادي ولا يعتبر نظام تبادل الهدايا نظاما اقتصادياً، ويربط جميع أعضاء الجماعة بهذا النظام الذي يطلق عليه مصطلح "الزيارة" والتي يتم توزيعها بالتساوي على جميع الأعضاء في الاحتفالات والاجتماعات الدينية ويعطي هذا شعوراً بالمساواة داخل الجماعة رغم اختلاف درجاتهم في السلم التنظيمي، وهذا النظام يعتبر رمزاً يدل على ترابط الجماعة وتماسكها ومشاركة أعضائه في تقديم العون والمساعدة للأعضاء المحتاجين والمرضى وفي الاحتفال بالمولد.
وهذا النظام يؤدي أيضاً إلى زيادة شعور الجماعة بالتضامن المتبادل وتشيع لدى أعضائها شعورهم بالذات عن طريق التفاخر بانتمائهم للجماعة وهذا العامل هام في إيجاد التماسك ولا يمكن إنكاره.
والعامل الرابع: ولكي تحافظ الجماعة على استمرار بقائها وضعت نظاماً قائماً على علاقات الضبط الاجتماعي تمثل في سلطة الشيخ أو نوابه أو خلفائه على مريديه وردود الفعل داخل الجماعة نفسها من أعضائها تتمثل في عقلها الجمعي، وضبط خارجي تمثل في تأثير الشيخ على أعضاء الجماعة في مجتمعاتهم المحلية بالإضافة إلى أن شعورهم بالانتماء إلى الجماعة يجعلهم دائما لا يأتون بسلوك قد يضر بسمعة الجماعة.
وقد وضعت الجماعة قانونا ينظم أعمالها إشتمل على مواد لمعاقبة كل من يخرج على هذا القانون بالإضافة إلى العرف الصوفي الذي يمثل في احترام كبار السن والمركز في السلم التنظيمي داخل الجماعة، وتندرج الجزاءات في هذا القانون من اللوم والتوبيخ والاستهزاء و "المناصفة" (الانصاف)، وقد يصل إلى الإيقاف والطرد الذي يعتبر أقسى وأشد أنواع الجزاءات ونادراً ما تمارسه الجماعة إلا في حالة قيام العضو بمخالفة خطيرة تؤدي إلى تصدع الجماعة وفقدان تماسكها والإساءة إلى سمعتها، وقد ظهر من النتائج إن أعضاء الجماعة قد تشترك في تحمل الجزاء الذي يفرض على أعضائها تخفيفاً عنهم، وإحساساً منم بالمسؤولية الجماعية، ويلتزم أعضاء الجماعة بقانونها التزاماً أخلاقياً مبعثه طلب رضا الجماعة وخشية استنكارها لتصرف العضو المسيء ونبذه ولاكتساب رضا الشيخ لأن مخالفته إنما هي مخالفة الله وانقطاع لمدد الشيخ، وعليه فلا يمكن إنكار علاقات الضبط الاجتماعي داخل الجماعة كعامل من عوامل التمسك.
والعامل الخامس اتضح في أن الجماعات عملت على تماسكها نتيجة انضمام أعضاء جدد لعضويتها من المهنيين والأطباء والمحاسبين والمدرسين والضباط والجنود وغيرهم من المتعلمين، وقد عملت على مسايرة العصر الحديث فهي لا تسعتمل زيا خاصا غير لباس للرأس "عمامة" توضع على رؤوس كبار السن من أعضاء الجماعة في حلقات الذكر ولا يلتزم بلبسها المريدون الشبان، وتوضع أوسمة خاصة في الاحتفالات كرمز على تماسك الجماعة وتمييزاً لها عن الجماعات الأخرى، وقد تغير شكل ومضمون بعض حلقات الذكر التي كانت تعقدها الجماعة أسبوعياً إلى ندوات تناقش فيها مشاكل أعضاء الجماعة كما تغيرت النظرة إلى شيخ الطريقة، فلم تعد "الكرامات" هي مقياس الحكم عليه، وإنما أصبحت محبة المريدين أعضاء الجماعة والتفافهم حوله وسهره على راحتهم هي الأساس الذي ينظر به الأعضاء إلى شيخهم.
ولقد شمل التغير أيضاً حياة الشيخ من حيث أثاث بيته المجهز بأحدث الوسائل العصرية، وتنفي الجماعة صفة التزمت عن الدين، فالتزمت في نظرها يؤدي إلى الشك، والدين يسر لا حرج فيه ولا مشقة، ويساير أعضاء الجماعة ركب التغير ويزاولون أعمالا مختلفة ويشتركون في كل جوانب الحياة تأكيداً للمبدأ الإسلامي "لا رهبانية في الإسلام" ويحدث اختلاط في القيم داخل الجماعة بين القديم الممثل في كبار السن وأعضائها والحديث الممثل في المريدين الشبان بحيث يتعرف القديم على الأفكار الحديثه كما يستفيد الجديد من خبرات وتراث القديم، ويتعاون الاتجاهان معا بدون تنافس لتطوير الجماعة وبدون غلبة أحد العنصرين على الآخر وبحيث لا تستغني القيم الجديدة عن التراث القديم كله ويتم تعديل المراكز والأدوار بصفة مستمرة لمواجهة التغير الكمي والكيفي في حجم العضوية ولكن لم يؤدي ذلك إلى زوال البناء الاجتماعي التقليدي للجماعة كما يتميز به من قدرة على البقاء والاستمرار في الوجود، وهذا عامل هام آخر مهم من عوامل التماسك.
وعليه لا يمكن قبول الفرض القائل بأن "الشعائر وما يصاحبها من احتفالات تعتبر العامل الوحيد في تماسك الجماعة، لأنه في ضوء المادة الاثنوجرافية والتحليل البنائي الوظيفي اتضح أن هناك أكثر من عامل يؤدي إلى تماسك الجماعة: الشعائر، القرابة الشعائرية، علاقات التهادي، علاقات الضبط الاجتماعي، ومسايرة التغير ومعايشة العصر وكلها عوامل تتشابك وتتفاعل وتتساند وتؤلف حياة الجماعة ككل وتعمل في اتساق للمحافظة على استمرار وحدة الجماعة كما أن للجماعة بناءها الاجتماعي القائم على مبدأين أساسين متكاملين ، الأول هو مبدأ الاستمرار في الزمن ويصدق ذلك على الجماعة وعلى العلاقات الاجتماعية الموجودة داخل بنائها ، والمبدأ الثاني هو أن العلاقات الثابتة المستمرة التي تقوم بالضرورة بين الجماعة المتماسكة – تتخذ شكل مجموعة من النظم الاجتماعية التي تؤدي إلى تماسك الجماعة. وهي تحافظ على بنائها وتعمل دائما إلى التوفيق بين الظروف الطارئة ونظمها بحيث تعمل هذه النظم والعلاقات الاجتماعية على تماسك الجماعة وتضامنها ويظل بنائها الاجتماعي محتفظا بخصائصه الأساسية من حيث القدرة والاستمرار والبناء لمدة طويلة.
و إدا أمكن هذه النتائج على الجماعات الشيخية المختلفة حسب المناطق لوجود تشابه بينها وبين بعض الجماعات الصوفية الأخرى لاتفاقها في المبادئ الأساسية التي وضعها "سيدي الشيخ " إلا أنه لا يمكن أن تعميم هذه النتائج على الطرق الصوفية بالرغم من التشابه القائم بينها في بعض النظم الاجتماعية بالإضافة إلى كونها جماعات دينية صوفية لأن لكل جماعة أوضاعها المختلفة وظروفها الخاصة بها ويجب دراستها كل على حده.

كذلك أسفرت الدراسة أن الذكر و الإنشاد احتل المكانة الأولى في جذب أفراد الطريقة الشيخية للطريق ويليه شخصية الشيخ و مكانته ثم محبة الأخوان لبعضهم البعض .
وللطريقة الشيخية دور واضح في التربية و التنشئة الاجتماعية للفرد، إلا أن امتداد هذا الدور بالتأثير على أفراد الأسرة والمجتمع قد انحصر في أقلية من ذوي المراتب العالية في الطريق الصوفية و بذلك فالطريقة ذات تأثير على الفرد بتغيير شخصيته وفكره و معتقداته شاملا صفاته وسلوكه دون تعدي هذا الأثر ليشمل الأسرة .
أما عن الأدوار الاجتماعية التي تقدمها الطريقة إلى جانب الدور الديني فيمكن أن نجملها - بما توصل إليه البحث – في الأدوار التربوية والتعليمية و النفسية و العلاجية كدور التصوف في الضبط الاجتماعي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي من حيث تأثير قدرته على الفرد للكيف والتأقلم مع الوسط الاجتماعي أو البيئة التي تفرض عليه فالتصرف قوة دافعة للفرد و المجتمع.

و أظهرت الدراسة أن مريدي الطريقة الشيخية أكثر اهتماما و تركيزا على التخلي عن الأمور الباطنية المنهي عنها و التحلي بالأمور الباطنية المأمور بها، و ليس التصوف مجرد رداء خارجي يرتديه العابد أو مجرد مظهر سلوكي يمكن ملاحظته أو مجموعة مصطلحات و عبارات تجري على ألسنتهم، و إنما التصوف مجاهدة النفس للتخلي عن الصفات المذمومة و التحلي بالمحمودة التي أمرنا الله عز وجل بها سواء في العقيدة أو الأخلاق، لذلك يدعو التصوف إلى إيجاد إنسان جديد في أخلاقه و مثله و معتقداته و معاملاته و اجتماعياته.
و أظهرت الدراسة الميدانية الأثر الاجتماعي الواضح لدور الطريقة في الضبط الاجتماعي من خلال لجوء المريدين و أهليهم و جيرانهم و أصدقائهم للشيخ بما له من تأثير عليهم لبركته و مكانته المرموقة في كافة المشاكـل و أكثرها تعقيدا بهدف بحثها و إزالة أسبابها، و فض المنازعات و التوفيق بينهم، باعتباره أفضل من يتدخل في هذه المسائل و كان هذا اتجاه غالبية من تناولهم البحث.
و أظهرت الدراسة قوة و تأثير الضبط الخفي على المريدين و هو القائم على الضبط الذاتي من داخل المريـد و المتوقف على مراقبته لنفسه و الالتزام بقواعد الطريقة و آدابها باطنا و ظاهرا، فهو بذلك يتضمن نوعي الضبط معا إذ يمثل الضبط الظاهر جزءا منه: فطريق المريد قائم أساسا على علاقته بالله و كل ما دون ذلك ما هو إلا وسائل للوصول للغاية المنشودة، بذلك كان نمط الضبط الخفي أكثر ملاءمة لهذه العلاقة التي ليست في حاجة إلى نمط الضبط الظاهري الذي يحكم باقي العلاقات الدنيوية. فمن استطاع أن يحقق الضبط الذاتي حقق معه الضبط الاجتماعي ( الخارجي ).
وبذلك فمن أسمى أدوار التصوف – كما أظهرت الدراسة – دوره الروحي الذي يتسع ليشمل كافة الأفـراد و المجتمعات. و حتى بالنظر إلى احتمال اختلاف أدوار الطرق الصوفية في المجتمعات باختلاف الظروف الأيكولوجية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية إلا أنها جميعا تؤدي إلى ظهور إنسان مختلف من حيث القيم السلوكية و النظرة الاجتماعية في ارتباطه بربه و في هدف حياته و علاقاته بمجتمعه الصغير و الكبير.
أما عن الأدوار الاجتماعية التي تقدمها الطريقة الشيخية إلى جانب الدور الديني فيمكن أن نجملها – بما توصل إليه البحث – في الأدوار التربوية و التعليمية و النفسية و العلاجية و غيرها من الأدوار كدور التصوف في الضبط الاجتماعي و تحقيق الثبات و الاستقرار الاجتماعي من حيث قدرته على التأثير على الفرد للتكيف و التأقلم مع الوسط الاجتماعي أو البيئة التي تفرض عليه فالتصوف قوة دافعة للفرد و المجتمع.
و توصلنا من خلال الدراسة الميدانية إلى الإجابة عن التساؤلات التي طرحناها في الإشكالية و خاصة الفرضية القائلة بإمكانية مساهمة الطرق الصوفية و الزوايا في التمركز السكاني و الامتداد المجالي و الجغرافي حيث بتتبعنا للزوايا و الطرق الصوفية من خلال الواقع وجدنا بأنه ازداد نفوذها و عظم شأنها فازدهرت حتى تحولت إلى مدن و ممالك ، مثل عين ماضي ، و تماسين و طولقة ، و سيدي خالد ، و الأبيض سيدي الشيخ ...و غيرها كثير ، و يضاف إليها أضرحة العلماء و الصلحاء مثل : " عريان الرأس و أبي الفضل و النبي خالد "كما ذكر العياشي ، فلا تكاد تحصى ، و هكذا عرفت جميع مدن الصحراء استقراراً كبيرا و توافقا و تماسكا ، حتى ساهمت في التوطين السكاني ، و أصبحت الطرق الصوفية تتعدى و تتجاوز الحدود الجغرافية و المجاليـة للمـدن و الدول و الأقطار ، و نحن نعرف تاريخيا مدى تأثير التصوف و الطرق الصوفية في نشر الإسلام في كامل إفريقيا الغربية و السودان ، و هكذا بقيت محافظة على كيانها ببقاء الإسلام على مر العصور ، و نحن اليوم في القرن الواحد و العشرين ، و مازلنا نلاحظها تزداد تماسكا و ترابطا وازدهارا ، و يزداد نشاطها الفكــري ، الديـني الروحي و الحضاري بصفة عامة ، فامتد الإرث الثقافي بين كامل القبائل و الزوايـا إلى أن شمل أقطاراً عديـدة و دولا و قارات مازالت شاهدة على ذلك .
و أما فيما يخص السر في التوافق و التماسك الذي عرفته مدن الجنوب الصحراوي خلال العشريـة السـوداء(كما تسمى ) أو خلال كامل مرحلة الفوضى العارمة التي مرت بها الجزائر ، فيعود إلى التفـــاف الأهـالي و السكان من الأتباع و المريدين حول شيخ الزاوية وفق ما تنص عليه آداب التصـوف ، و ما تحويه من وسائل الضبط الإجتماعي و طرق التنشئة الاجتماعية التي تشمل كامل الحياة الاجتماعية من أثر التصوف على العمل و الأسرة و دور القدوة فيه ، فلم تقع بلابل أو فتن مثل الحجم الذي عرفته المدن الأخرى في الجهات الأخرى من الوطن .


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

القوة كمصدر للت...

القوة كمصدر للتغيير: - يعرف الإنسان أن التغيرات تحدث منذ اللحظة التي يفكر فيها في العالم من حوله. ا...

مقدمة: لقد أثب...

مقدمة: لقد أثبت تحليل القوى المختلفة المؤثرة على كفاءة المنظمة حقيقة هامة ، وهي أن أهم تلك القوى وأ...

أتوقع أن حياة ا...

أتوقع أن حياة الشيخ كصياد مثل البحر، متقلب الأحوال, مرة يكون هادئا ومرة عاصفا هائجا، فلا بد أن يكون ...

المقدمة في عال...

المقدمة في عالم يتجه بخطى سريعة نحو الاستدامة والطاقة النظيفة، تحتل الطاقة الشمسية مكانة بارزة كواح...

O Chapter (2) M...

O Chapter (2) Marketing, market, Production Marketing • Marketing is the activity, and processes fo...

1. It gives mem...

1. It gives members an organizational identity sense of togetherness that helps promotes a feeling o...

ويتصل بالأمر ال...

ويتصل بالأمر السابق ضرورة البعد عن الوقوع في حالة اليأس أو التشاؤم أو الإحباط أو أن يركن المسلم إلى ...

قال ابن القيم: ...

قال ابن القيم: قد وردت السنة على استبراء الحامل بوضع الحمل، وعلى استبراء الحائض بحيضة، فكيف سكت عن ا...

المخالفة السلطو...

المخالفة السلطوية العامة: وتعني خرق القانون أو مخالفة القانون من قبل شخص يعمل في وظيفة حكومية او في ...

تتباين اراء الب...

تتباين اراء الباحثين في التعبير عن مفهوم الاداء المنظمي بين الاهتمام الضيق بتحقيق اهداف محددة لجانب ...

في البداية قبل ...

في البداية قبل الحديث عن التغيرات المناخيه يجب أن نلقي نظرة سريعة علي غازات الاحتباس الحراري الستة ا...

في تعريف اللعن ...

في تعريف اللعن وما يتعلق به من ألفاظ لغة وشرعاً اللعن كلمة ورد ذكرها في الشرع واللغة لمعان، فقد تح...