Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

تَضارَبَتِ الآراء حينَ أَعْلَنَ خادِمُ بن زاهِرٍ استياءَهُ مِن حُسَينِ صاحِبِ (البومِ ) قائِلًا: «إِما أَن تُعطينا حقوقنا كامِلَةً، ». مُنذُ تِلكَ اللّحظَةِ كانَ عَلَيهِ أَن يُؤَمِّن لُقَمَتَهُ وَلُقمَةَ عَيَّالِهِ مِن صَيْدِ السَّمَكِ. يَتَباعَدونَ عَنهُ كَمَن أَصابَهُ الحَرَبُ ، يَحمِلُ شِباكَهُ عَلَى ظَهْرِهِ مُتَظَاهِرًا باللامبالاةِ، كانَت ثَنِيَةُ تَوَدُّ أُحَتَهَا مِيرَةً زَوجَةَ ابن زاهِرِ، وَتَحرِصُ عَلى زيارتها، في كُلِّ مَسَاءٍ بَعدَ صَلاةِ المَعْرِبِ، وكانَت تَصطَحِبُ مَعَها ابنَها عَبدَ اللهِ ذا الأعوام الثمانية ليلعَبَ مَعَ وَلَدي حالتهِ سَليمَةَ التي تَكبُرُهُ بِأَربَعَةِ أَعوامٍ، رَيثَمَا تَذهَبُ الأُختانِ إِلَى بَيتِ عَمَّتِهِما عوشَةَ؛ حَيثُ يَتَسامَرُ الثلاثُ حَتَّى بَعدَ صَلاةِ العِشَاءِ، ثُمَّ تَعودانِ لِتُحَرحِرَ أُمَّ عَبدِ اللهِ وَلَدَها وَهو في حالَةٍ أَقرَبَ إِلى النّومِ مِنها إلى اليَقَظَةِ. هَكَذا كانت تمضي أُمسياتُ عَبدِ اللَّهِ الصَّغير، كما كانَ يُناديه ابْنُ زَاهِرٍ، عَدا الأَمسَيَاتِ القليلَةِ التي يَكونُ فيها والده قد عادَ مِن السَّفَرِ، فَهو يأْتي وَحدَهُ إِلَى بَيتِ حَالتهِ مِيرَةَ، يقضي الأطفالُ لَيْلَتَهُم يَلْعَبُونَ مَلِكٌ أو وَزِيرٌ بِأن يَقذِفَ أحَدُهُم عُلبَةَ كبريت في الهَواءِ، فإن سَقَطَتْ عَلى رأسها كانَ القاذِفُ مَلكا، فيحكمُ عَلَيه المَلِكُ بِالضّربِ، وَيَقومُ الوَزِيرُ بِتَنفيذ العُقوبَةِ. تَدورُ العُلبَةُ عَلَى الثَّلاثَةِ فَيَنتَقِلُونَ بِبَساطةٍ شَدِيدَةٍ مِن مِلك إلى وزيرٍ إِلى لِص. - تَهَدهدُهُم - أَتَمَنِّى لَكُم نوما هانا. بِسَلامِ اقْتَرَبَت الشَّمسُ مِن البَحرِ تأهّبتْ ميرَةُ لِإنجاز أعمالِها كَعادَةِ أَهلِ البَلَدِ، وَقَبلَ الرّحيلِ إِلى مَنازِلِ الصِّيفِ. لِتَفتَرِشَ الحَصيرَ في صَحنِ البَيتِ، وَتَرَتِّبَ عَلى أَحَدٍ أَطرافِهِ طَيّاتِ فِراشِ النومِ، لِذَلِكَ. وَبِالقُربِ مِنهُ تَغرِزُ عُلبَةَ الصفيح في الرمل، وهو يُهمهم سأصنعُ واحِدَةً مِثلَها بِهَذِهِ الحِبال، قم واصطَدْ لَنا بَعضًا مِن السَّمَكِ. - اتَّفَقَت مَعَ يوسُفَ عَلَى ذَلِكَ، يَهِيمُ في الطُّرُقاتِ، يَقولُ كَلامًا غَيْرَ مَفهوم، - نَحْنُ نَفَهَمُهُ - . وَظَلَّ يُتابعُ ما بَداهُ في تِلكَ اللَّيلَةِ، كانَ يَتأَمِّلُ عَودَةَ والِدِهِ مِن السَّفَرِ، وَكانَ مُبارَكٌ قَد رافَقَ أُختَهُ لِعِيادَةِ صَديقَتِها هِدايَةَ، غادَرَت المَرأَتَانِ إِلَى عَمَّتِهِما ، تُطرّزُ نَفْسَها بِنُجومٍ فِضَّيَّةٍ، وهي تَلحَفُ الأرضَ بِصَبرٍ جَميل ، وَقَد خَضَعَ ( الفريجُ ) لِصَمتتٍ مُتعِبٍ، تَغَلَّبَ عَلَيهِ حِوارُ الرَّجُلِ والطفل. وَيَصدُرُ مِن عاداتِ ابنِ زاهِرٍ عِندَما يَسْرَحُ بِفكرِهِ، صَوتًا يُشبِهُ
زَهْزَقَةَ العَصافيرِ. تَعَلَّمَهُ مِن أَحَدِهِم في البَحْرَينِ: «المَجدُ لِلْفُقَراءِ». واسْتَمَرَّ يُصدرُ زَقزَقَةَ العَصافيرِ وَهو يَشفِطُ ما تَبَقّى مِن سَمَكِ العِشَاءِ بَيْنَ أَسنانِهِ، فَعَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الحرِّ
وَظَلَّ الصَّغِيرُ يُصغي لِتُغاءِ الماعِزِ والخرفانِ في طَرَفِ الحوش. أَرادَ أَن يَنسى، لم يكترث الصَّبِيُّ لِما حَدَثَ، وَظَلَّ يُتابعُ ابْنَ زاهِرٍ في صَمتٍ عَميقٍ، وَقَد أَسَنَدَ ذَقَنَهُ الصَّغِيرَ إِلى رُكِبَتِهِ وَكأَنه أَسلَمَ نَفْسَهُ لِلتَّخَيُّلات. أَخَذَتِ النِّشْوَةُ ابْنَ زَاهِرٍ، فَانقَلَبَ مُنكَبًا عَلى بَطَنِهِ، أَو نَائِمًا عَلَى جَنبِهِ، رافِعًا رَأسَهُ عَلَى رَاحَتِهِ، حَتَّى أَخَذَتْهُ سِنَةٌ مِنَ النّومِ. وَتَذَرّعَ الصغيرُ بِالصِّبرِ، وَقَد اكتفى بِأَنْ يَنظُرَ إِلى النَّائِمِ، كَانَ
كل شَيءٍ فيها كما كانَ إلى أنْ قَفَزَ خادِمُ فَجأةً، وَسَألَ الصَّغير الواحِمَ : « ألم يأتيا بَعدُ؟! رَدَّ عَليه عَبدُ اللَّهِ بِتَناقُلِ: لَيسَ بَعدُ يَا أَبَتاهُ عاودتهُ نَوبَةُ الزَّهْزَقَةِ، وَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ سَأَلَ عَبدَ اللهِ مُشيرًا بيدِهِ إِلى المِدْياعِ ألم تَنتَهِ هَذِهِ ( اللغايَةُ ) وَرَدَّ الصغيرُ فِي شِبه
لا تَخلُص بِسُرعَةٍ. لا تَعرِفُ شَيئًا». - كانت غَلطَةٌ مِن الصّغيرِ لا يَعرِفُ كَيفَ فَلَتَتْ مِنهُ فَصَرَخَ ابْنُ زاهِرٍ في وَجهِهِ: «ما تَقولُ يا جاهِلُ؟». اعتَدَلَ الرّجُلُ فِي جِلسَتِهِ، وَأَخَذَ نَفَسًا عميقًا إلى أن هدأت حالتُهُ
ونسي، فَأَخَذَ يَتَلَفْتُ ذَاتَ اليَمِينِ وَذاتَ اليَسارِ، ضَحِكَ الرّجُلُ وَقالَ: «أَعْطِنِي اليَحلَةَ لِأَشْرَبَ. لَم يُحاوِلِ الصغيرُ. «هَهُ. قُل أَجيرٌ عِندَ حُسَينِ في بومِهِ المَبني عَلى السُّحَتِ. تَرَكَني الكلبُ أَكابِدُ الحُزنَ بَعدَ أَن غَمَرَنِي بِالدِّيونِ». صاحَت أُمَّ كُلثوم في غَفَوَةٍ
الكَلامِ أَعطني حُرِّيتي أطلقْ يَدي . لَكِنَّهُ لَيسَ لَيسَ كَوَجَعِ الدّاءِ، إِنَّهُ أَشَدَّ». بِالطَّبع لَم يفهم الصغيرُ، لَكِنَّهُ أَحَسٌ بوخزاتٍ مِن الألمِ وَظَلَّ الاثنانِ في صَمتٍ وَخُشوعٍ حَتَّى أَنهَى اللَّغَايَةُ أُغنيَتَها! ! وَقالَ المُذيع: تُصبحونَ عَلى خَيرٍ»، فتأوهَ ابْنُ زاهِرٍ وَقالَ: « آهِ مِن القَيدِ أَيُّها الرّجالُ»، وَتَضارَبَت الإذاعاتُ، مَد حَادِمُ يَدَهُ فَأَسكَتَ الخَشحَشَةَ، ما يدري اقتَرَبَ الطِّفلُ. فأجاب الطِفلُ «أَسْمَعُ عَنهُ، ما الظُّلمُ يا أَبَتِ؟ »، فَقالَ الرّجُلُ وَهو يُحاوِلُ أَن يُخَفِّفَ مِن تَجاعِيدِ وَجهِهِ: «الظلمُ هوَ أَن يوجَدَ فينا واحِدٌ مِثلُ حُسَينٍ، هوَ يَملِكُ كُلّ شَيءٍ وَنَحْنُ لا نَمِلِكُ مَا نَسُدُ بِهِ الرَّمَقَ. وأردَفَ وَهو يُشيرُ إلى الصبي بسبابَتِهِ: اسمَع مِنِّي يا ولدي ها هوَ أبوكَ يَدورُ كالثّورِ المَربوط في ( المَنيورِ ( مِنْ الهِندِ
إلى إفريقيا إِلى المَمْلَكَةِ، يَصُبُّ الخَيرَ في جُعِبَةِ حُسَيْنٍ وَيَزدادُ أبوكَ فَقَرًا عَلَى فَقرِهِ، وَدَيْنًا عَلَى دِينِهِ وَعِندَما يَمَلُّ مِنهُ، سَيَقذِفُ بِهِ في البَحرِ ، وَلَكِن لا تَكُن ثَورًا يَدُورُ لِصالِحِ أَحَدٍ فالقيرانُ يَحِبُ
أن تَتَّحِدَ لِصالِحِها المُشْتَرَكِ». كانت الثواني تَحيكُ حَبائِلَها، فَها هوَ النُّورُ المَجدورُ يَتَفَجَّرُ كالحِمَمِ ، أَحَسٌ بدَوَارٍ شَديد. مادَت بِهِ الأَرضُ. سَقَطَت السَّماءُ بِفِضّيّاتِها عَلى الأَرضِ. ارتَفَعَ ثَعَاءُ الجِداءِ يَدُقُّ في رأسِهِ المَعطوبِ كَناقوسٍ ضَحْمٍ تصَدَعَ رأسُهُ، صَرَخَ بأعلى صوتِهِ: «آخ الصُّداع . وَلَم يَحضُر حُسَينُ صاحِبُ اليَومِ،


Original text

تَضارَبَتِ الآراء حينَ أَعْلَنَ خادِمُ بن زاهِرٍ استياءَهُ مِن حُسَينِ صاحِبِ (البومِ ) قائِلًا: «إِما أَن تُعطينا حقوقنا كامِلَةً، وإما أن نَترُكَ لَكَ بومَكَ ». وانقَسَمَ أَهلُ المُعيريض في ذَلِكَ، فَمِنهُم مِن الْهَمَهُ بِالجُنونِ؛
لأَنَّهُ قَطعَ رِزْقَهُ وَرِزْقَ عيالِهِ بيدِهِ، وَمِنهُم مِن كَنْ لَهُ حُبًّا عَظيمًا، وَمِنهُم مَن قالَ: «مَن تَدخل فيما لا يعنيه نال ما لا يُرضيهِ .». مُنذُ تِلكَ اللّحظَةِ كانَ عَلَيهِ أَن يُؤَمِّن لُقَمَتَهُ وَلُقمَةَ عَيَّالِهِ مِن صَيْدِ السَّمَكِ. كانَ
يَكظِمُ آلامَهُ في نَفْسِهِ، حينَ يَرى زُمَلاءَ الماضي، يَتَباعَدونَ عَنهُ كَمَن أَصابَهُ الحَرَبُ ، وهو يَمُرُّ بِهِم، يَحمِلُ شِباكَهُ عَلَى ظَهْرِهِ مُتَظَاهِرًا باللامبالاةِ، وَكَم مَرَّةً شَحْعَتْهُ زَوجَتُهُ لِلهَرَبِ بعيدًا، لِكَسرِ حَلَقَةِ الفَقرِ التي اشتَدَّ ضيقُها عَلى أَعناقهم؛ إِلَّا أَنَّهُ كانَ يَرفُضُ الفِكرةَ. كانَت ثَنِيَةُ تَوَدُّ أُحَتَهَا مِيرَةً زَوجَةَ ابن زاهِرِ، وَتَحرِصُ عَلى زيارتها، في كُلِّ مَسَاءٍ بَعدَ صَلاةِ المَعْرِبِ،
وكانَت تَصطَحِبُ مَعَها ابنَها عَبدَ اللهِ ذا الأعوام الثمانية ليلعَبَ مَعَ وَلَدي حالتهِ سَليمَةَ التي تَكبُرُهُ بِأَربَعَةِ أَعوامٍ، وَمُبارَك الذي يصغَرُهُ بِعَامَينِ، رَيثَمَا تَذهَبُ الأُختانِ إِلَى بَيتِ عَمَّتِهِما عوشَةَ؛ حَيثُ يَتَسامَرُ الثلاثُ حَتَّى بَعدَ صَلاةِ العِشَاءِ، ثُمَّ تَعودانِ لِتُحَرحِرَ أُمَّ عَبدِ اللهِ وَلَدَها وَهو في حالَةٍ أَقرَبَ إِلى النّومِ مِنها إلى اليَقَظَةِ. هَكَذا كانت تمضي أُمسياتُ عَبدِ اللَّهِ الصَّغير، كما كانَ يُناديه ابْنُ زَاهِرٍ، عَدا الأَمسَيَاتِ القليلَةِ التي يَكونُ فيها والده قد عادَ مِن السَّفَرِ، فَهو يأْتي وَحدَهُ إِلَى بَيتِ حَالتهِ مِيرَةَ، وَغالِبًا مَا يَنامُ عندهم.
يقضي الأطفالُ لَيْلَتَهُم يَلْعَبُونَ مَلِكٌ أو وَزِيرٌ بِأن يَقذِفَ أحَدُهُم عُلبَةَ كبريت في الهَواءِ، فإن سَقَطَتْ عَلى رأسها كانَ القاذِفُ مَلكا، وإن سَقَطَت عَلى جَنبِها كانَ وَزيرًا، وإن سَقَطَتْ عَلى ظهرها كانَ لِصَّا، فيحكمُ عَلَيه المَلِكُ بِالضّربِ، وَيَقومُ الوَزِيرُ بِتَنفيذ العُقوبَةِ. تَدورُ العُلبَةُ عَلَى الثَّلاثَةِ فَيَنتَقِلُونَ بِبَساطةٍ شَدِيدَةٍ مِن مِلك إلى وزيرٍ إِلى لِص.. وَهُم يَضحَكُونَ.
وَفي الأُمسِياتِ التي تزورُهُم فيها الحَدَّةُ الطَّيِّبَةُ أُمُّ عَبدِ الرَّحْمَنِ «الكفيفةُ» يَتَحَلَّقُونَ حَولَها، وهي تحكي لَهُم حِكاياتِها المُسَلَّيَةَ الطُّويلَةَ، حَتَّى يَغلِبَهُم النّعاسُ، فَتَقومُ بِفُرُشٍ مناماتهم، وهي تُحَدِّثُهُم هَل أَعجَبَتْكُم (خَروفَةُ) اللَّيلَةِ؟ يا الله يا أولادي.. هو وا.. هو وا.. - تَهَدهدُهُم - أَتَمَنِّى لَكُم نوما هانا.. ثُمَّ تُغادِرُهُم
بِسَلامِ اقْتَرَبَت الشَّمسُ مِن البَحرِ تأهّبتْ ميرَةُ لِإنجاز أعمالِها كَعادَةِ أَهلِ البَلَدِ، في أَيَّامِ الرّبيعِ، وَقَبلَ الرّحيلِ إِلى مَنازِلِ الصِّيفِ. تَنتَظِرُ دُنو الأصيل، لِتَفتَرِشَ الحَصيرَ في صَحنِ البَيتِ، وَتَرَتِّبَ عَلى أَحَدٍ أَطرافِهِ طَيّاتِ فِراشِ النومِ، وَتُنَطَّفَ شَيشَةَ ( الفتَر ، ثُمَّ تُشعِلُ فَتِيلَتَهُ، وَتَضَعُهُ فَوقَ الصَّندوقِ الحَشَيّ المُخَصّص
لِذَلِكَ. وَبِالقُربِ مِنهُ تَغرِزُ عُلبَةَ الصفيح في الرمل، كَقاعِدَةٍ تُنْبِتُ فَوقَها ( يَحلَةُ ) الماء البارِدِ والمُعَطّر
إِلَيه بِالبُحُورِ. وَمَا تُنسى أَن تَضَعَ أَجسادُ الصّبيةِ وَهُم يَتَعارَكـ يَتَعارَكونَ في أثناء غيابها. أَحْضَرَ حَادِمُ حِبالًا اسْتَراها مِن مُرادَ البَقَالِ. فَكَّ جَدائِلَ فَتيلَةٍ احتياطية لِلفَنَرِ، وانكَبْ عَلَيْها يَتَفَحْصُها، وهو يُهمهم سأصنعُ واحِدَةً مِثلَها بِهَذِهِ الحِبال، سأَعْمِسُها في الشَّحمِ وسأضعها في شُروحِ البومِ وَتَشَقَّقاتِهِ سَيَندَمُ.. رَمَقَتَهُ زَوجَتُهُ أَنتَ تَضيّعُ وَقتَكَ. قم واصطَدْ لَنا بَعضًا مِن السَّمَكِ. - اتَّفَقَت مَعَ يوسُفَ عَلَى ذَلِكَ، سَتَرِيْنَ حِينَ تَستَعِرُ النَّارُ، ُيوسُفُ مُتَبَرِّئُ مِن أَهلِهِ، يَهِيمُ في الطُّرُقاتِ، يَقولُ كَلامًا غَيْرَ مَفهوم، - نَحْنُ نَفَهَمُهُ - . لا تخافي عَلى وَلَدَيْكِ سَيَكبُرانِ يَومًا ما . - ما أَبَرَدَكَ». - «هَه .....». نَظَرَ إِلَيْها شَرَرًا، وَظَلَّ يُتابعُ ما بَداهُ في تِلكَ اللَّيلَةِ، وَصَلَ عَبدُ اللَّهِ مَعَ والِدَتِهِ متأخرًا، كانَ يَتأَمِّلُ عَودَةَ والِدِهِ مِن السَّفَرِ، وَلَكِنَّ بومَ حُسَين لَم يَصِلْ بَعدُ، وَكانَ مُبارَكٌ قَد رافَقَ أُختَهُ لِعِيادَةِ صَديقَتِها هِدايَةَ، غادَرَت المَرأَتَانِ إِلَى عَمَّتِهِما ، وَمَكَثَ الصَّغيرُ مَعَ أَبيهِ ،خادِمٍ، كانت العَبَاءَةُ الأَزَليَّةُ، تُطرّزُ نَفْسَها بِنُجومٍ فِضَّيَّةٍ، وهي تَلحَفُ الأرضَ بِصَبرٍ جَميل ، والفَنَرُ عَلى عَرشِهِ الخَشَبي، يُجهِدُ نَفْسَهُ ليشَكَلَ بُقعَةً صَفراءَ، في قلب الحوش الواسع، وَقَد خَضَعَ ( الفريجُ ) لِصَمتتٍ مُتعِبٍ، تَغَلَّبَ عَلَيهِ حِوارُ الرَّجُلِ والطفل. وَيَصدُرُ مِن عاداتِ ابنِ زاهِرٍ عِندَما يَسْرَحُ بِفكرِهِ، أَن يَدخُلَ عودًا مِن الثَّقَابِ بَينَ أَسنانِهِ، صَوتًا يُشبِهُ
نَ طَيّاتِ الفِراشِ المذياعَ الذي ابتاعَهُ زَوجُها مِن الكوَيتِ حَتَّى لا تَصِلَ
زَهْزَقَةَ العَصافيرِ. نَظَرَ إِلَى النّجومِ المُتَلالِئَةِ، وَقَالَ كَلامًا في سِرِّهِ، تَعَلَّمَهُ مِن أَحَدِهِم في البَحْرَينِ: «المَجدُ لِلْفُقَراءِ». واسْتَمَرَّ يُصدرُ زَقزَقَةَ العَصافيرِ وَهو يَشفِطُ ما تَبَقّى مِن سَمَكِ العِشَاءِ بَيْنَ أَسنانِهِ، ثُمَّ يَقذِفُها إِلى الأَرضِ البَراحِ مَدْ ساقَيهِ وأَخَذَ يَفْرِشُ ما تَعْضُنَ مِن إِزارِهِ داخِلَ حِصْنِهِ عَلَيهما. كانا كسيخيْنِ مِنَ الحَديدِ يكسوهما شعرٌ مُجَعَّدٌ كَثيفٌ، ثُمَّ عراهما بَعدَ هُنَيْهَةٍ. فَعَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الحرِّ
الخفيف الذي بدا يُعَلِّفُ الحَوِّ، وَظَلَّ الصَّغِيرُ يُصغي لِتُغاءِ الماعِزِ والخرفانِ في طَرَفِ الحوش. كانت بقيّةٌ مِن نُعاس تُداعِبُ الصغيرَ وَبَقِيَّةٌ مِن هُمومٍ طَفَحَت عَلى صَدرِ الكَبيرِ، وَبَقيَّةٌ مِن ضَجَرِ تَلُفْهُما مَعًا، أَرادَ أَن يَنسى، فأخرَجَ المِدْياعٌ مِن مَحْبَتِهِ وأدارَهُ كَانَتْ أُمّ كُلثوم تُعَنِّي أَخَذَ يَسعُلُ تَحتَ الضّياءِ الوَاهِنِ بَيْنَمَا ظَلَّ الصِّغِيرُ يُراقِبُ تَصَرُّفَاتِهِ اسْتَلقى عَلى ظَهِرِهِ، وَتَحِمًّا بِصُوتٍ مَسموع، ثُمَّ قَالَ:
تأخّرَ الوَلدانِ».
لم يكترث الصَّبِيُّ لِما حَدَثَ، وَظَلَّ يُتابعُ ابْنَ زاهِرٍ في صَمتٍ عَميقٍ، وَقَد أَسَنَدَ ذَقَنَهُ الصَّغِيرَ إِلى رُكِبَتِهِ وَكأَنه أَسلَمَ نَفْسَهُ لِلتَّخَيُّلات.


أَخَذَتِ النِّشْوَةُ ابْنَ زَاهِرٍ، فَانقَلَبَ مُنكَبًا عَلى بَطَنِهِ، وأَخَذَ يُدَندِنُ مَعَ الأُغنيةِ كَيفَ ذاكَ الحُبُّ أَمسى حَبَرًا ... ». كانَ الصَّغيرُ يَقلِبُ لِسانَهُ في بُطءٍ شَدِيدٍ، مُحاوِلا ترديدَ بَعضِ الكَلِماتِ، إِلَّا أَنْ خادِمَ لَم يَحْلُ لَهُ الوَضعُ ، فَظَلَّ يَتلوّنُ إِمّا جالِسًا ، أَو مُنبَطِحًا عَلى بَطَنِهِ، أَو مُستَلَقيًا عَلَى ظَهْرِهِ، أَو نَائِمًا عَلَى جَنبِهِ، رافِعًا رَأسَهُ عَلَى رَاحَتِهِ، وَمُستَنِدًا بِمِرفَقِهِ إِلى الأَرْضِ، حَتَّى أَخَذَتْهُ سِنَةٌ مِنَ النّومِ. وَتَذَرّعَ الصغيرُ بِالصِّبرِ، وَقَد اكتفى بِأَنْ يَنظُرَ إِلى النَّائِمِ، مِنَ الفَراغِ الذي يَفْصِلُ بَينَ رُكْبَتَيْهِ. مَرَّت فَتَرَةٌ مِنَ الزَّمَنِ، كَانَ
كل شَيءٍ فيها كما كانَ إلى أنْ قَفَزَ خادِمُ فَجأةً، وَسَألَ الصَّغير الواحِمَ : « ألم يأتيا بَعدُ؟! رَدَّ عَليه عَبدُ اللَّهِ بِتَناقُلِ: لَيسَ بَعدُ يَا أَبَتاهُ عاودتهُ نَوبَةُ الزَّهْزَقَةِ، دونَ أَن يُدخِلَ عودَ ثِقَابِ بَيْنَ أَسنانِهِ هَذِهِ المَرْةِ، وَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ سَأَلَ عَبدَ اللهِ مُشيرًا بيدِهِ إِلى المِدْياعِ ألم تَنتَهِ هَذِهِ ( اللغايَةُ ) وَرَدَّ الصغيرُ فِي شِبه
استنكارِ «لَيسَ بَعدُ ».
«أَنَا أَعرِفُها، لا تَخلُص بِسُرعَةٍ. - وَما عَلَيكَ يا أَبَتاهُ أَبي يَقولُ عَنها مُمتازَةٌ». - أَعرِفُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي أَفَضْلُ حَمدانَ الوَطَني. - اسمَحْ لي، لا تَعرِفُ شَيئًا». - كانت غَلطَةٌ مِن الصّغيرِ لا يَعرِفُ كَيفَ فَلَتَتْ مِنهُ فَصَرَخَ ابْنُ زاهِرٍ في وَجهِهِ: «ما تَقولُ يا جاهِلُ؟». لا شَيْءَ يا أبي خادِم كانَت غَلطَةٌ». اعتَدَلَ الرّجُلُ فِي جِلسَتِهِ، وَأَخَذَ نَفَسًا عميقًا إلى أن هدأت حالتُهُ
ونسي، وَكأَنّ شَيْئًا لَم يَكُن إِلَّا أَنّ الصغيرَ، لَم يَطب لَهُ الحالُ بَعدَ ذَلِكَ، فَأَخَذَ يَتَلَفْتُ ذَاتَ اليَمِينِ وَذاتَ اليَسارِ، كَمَن فَقَدَ شَيْئًا، وَقالَ: لَقَد تأخرا كَثِيرًا لَم نَلْعَبِ اللَّيلَةَ مَلِكٌ أَو وَزِيرٌ» . ضَحِكَ الرّجُلُ وَقالَ: «أَعْطِنِي اليَحلَةَ لِأَشْرَبَ.. مَلِكٌ أَو وَزِيرٌ، قُل شَحّادٌ أو ابن بحارٍ، هَذا يَكفي، لَم يُحاوِلِ الصغيرُ..
فَهمَ أَي شَيءٍ مِمّا قالَهُ. سَلَّمَهُ اليَحلَةَ وَجَلَسَ وَعادَ خادِمُ يُكمِل طَريقَ السُّخريَةِ في صمتٍ .«هَهُ. . مَلِكٌ أَو وَزِيرٌ، قُل أَجيرٌ عِندَ حُسَينِ في بومِهِ المَبني عَلى السُّحَتِ.. أندُبُ حَظي عَلى الشّاطِئِ وَما زِلْتَ بِصُحبَتِي.. تَرَكَني الكلبُ أَكابِدُ الحُزنَ بَعدَ أَن غَمَرَنِي بِالدِّيونِ». صاحَت أُمَّ كُلثوم في غَفَوَةٍ
الكَلامِ أَعطني حُرِّيتي أطلقْ يَدي ..... فَقالَ ابنُ زاهِرٍ وَقَد ظَهَرَ الغَضَبُ عَلَى وَجهِهِ: أَعطني حُرّيتي، أطلق يَدي هَذا الكَلامُ الزِّينُ» ... « آه مِن قَيدِكَ أدمى مِعصَمي ... ». لا شَيء... لا شَيء. لا مجرّد وجَعٍ. - «وَجَع! ». - أي بُنَي، - أَي بُنَي، لَكِنَّهُ لَيسَ لَيسَ كَوَجَعِ الدّاءِ، إِنَّهُ أَشَدَّ». بِالطَّبع لَم يفهم الصغيرُ، لَكِنَّهُ أَحَسٌ بوخزاتٍ مِن الألمِ وَظَلَّ الاثنانِ في صَمتٍ وَخُشوعٍ حَتَّى أَنهَى اللَّغَايَةُ أُغنيَتَها! ! وَقالَ المُذيع: تُصبحونَ عَلى خَيرٍ»، بعد أن أفرَغَ هُموم العالم في آذانِهِما . فتأوهَ ابْنُ زاهِرٍ وَقالَ: « آهِ مِن القَيدِ أَيُّها الرّجالُ»، وَكانَ الصّبيُّ يُنصِتُ فِي غَرَابَةٍ، ثُمَّ نَطَقَ مَا بِكَ يَا أبوي خادم؟ ! » خشخش المِدْياعُ، وَتَضارَبَت الإذاعاتُ، لِاحْتِلالِ مَكَانِ الإِدَاعَةِ التي انتهت مُبَكِّرًا، مَد حَادِمُ يَدَهُ فَأَسكَتَ الخَشحَشَةَ، فَصَفَنَ الوُجودُ كُلَّهُ، أَو هَكَذَا تَراءى لِلصَّغير، ثُمّ نَطَقَ الوُجودُ كُلُّهُ..
ما يدري اقتَرَبَ الطِّفلُ. كانَ اللّيلُ يَتَوَغَلُ بِخُطواتِهِ الصَّامِتَةِ، قالَ ابنُ زاهِرٍ أُدنُ مِنّي يا صغيري». ثمّ قالَ: أَتَعرِفُ الظُّلمَ يا وَلَدي؟»، فأجاب الطِفلُ «أَسْمَعُ عَنهُ، ما الظُّلمُ يا أَبَتِ؟ »، فَقالَ الرّجُلُ وَهو يُحاوِلُ أَن يُخَفِّفَ مِن تَجاعِيدِ وَجهِهِ: «الظلمُ هوَ أَن يوجَدَ فينا واحِدٌ مِثلُ حُسَينٍ، هوَ يَملِكُ كُلّ شَيءٍ وَنَحْنُ لا نَمِلِكُ مَا نَسُدُ بِهِ الرَّمَقَ. تصاعدَ الدَّمُ في رأسِ ابنِ زاهِرٍ فأصبَحَ كالمرجَلِ، وأردَفَ وَهو يُشيرُ إلى الصبي بسبابَتِهِ: اسمَع مِنِّي يا ولدي ها هوَ أبوكَ يَدورُ كالثّورِ المَربوط في ( المَنيورِ ( مِنْ الهِندِ
إلى إفريقيا إِلى المَمْلَكَةِ، يَصُبُّ الخَيرَ في جُعِبَةِ حُسَيْنٍ وَيَزدادُ أبوكَ فَقَرًا عَلَى فَقرِهِ، وَدَيْنًا عَلَى دِينِهِ وَعِندَما يَمَلُّ مِنهُ، سَيَقذِفُ بِهِ في البَحرِ ، كَما فَعَلَ مَعي ها أَنتَ تَراني كالآلة المعطوبة.. كُن بحارًا - يا وَلَدي – فَنَحنُ كالسَمَكِ يُمِيتُنا البعد عن البَحرِ، وَلَكِن لا تَكُن ثَورًا يَدُورُ لِصالِحِ أَحَدٍ فالقيرانُ يَحِبُ
.
أن تَتَّحِدَ لِصالِحِها المُشْتَرَكِ». كانت الثواني تَحيكُ حَبائِلَها، فَها هوَ النُّورُ المَجدورُ يَتَفَجَّرُ كالحِمَمِ ، عَصَرَ رَأسَهُ بِكِلتا يَدَيه.. أَحَسٌ بدَوَارٍ شَديد... مادَت بِهِ الأَرضُ.. ارتَفَعَ الفَنَرُ إِلى السَّماءِ، سَقَطَت السَّماءُ بِفِضّيّاتِها عَلى الأَرضِ.. ارتَفَعَ ثَعَاءُ الجِداءِ يَدُقُّ في رأسِهِ المَعطوبِ كَناقوسٍ ضَحْمٍ تصَدَعَ رأسُهُ، واحتَقَنَ وَجهُهُ تَوَرّمَت شَفَتاهُ وتَهَدِّلَت الشَّفَةُ السُّفلى.. صَرَخَ بأعلى صوتِهِ: «آخ الصُّداع ... لَم يَفعَل الصَّبِيُّ شَيئًا ساعَتَها؛ لِأَنَّ مَدَّ الحَياةِ انحَسَرَ عَن أَبيهِ خادِم. حَضَرَ الحِنازَةَ حَمَّاسُ الأَعوَرُ، وعيسى الأَعرَجُ ، وَمُرادُ البَقَالُ، وَسَيفُ (المُطَوّعُ)، وَلَم يَحضُر حُسَينُ صاحِبُ اليَومِ، وَكَذَلِكَ عَبْدُ اللهِ الصَّغيرِ، فَقَد كانَ واقفًا عَلى الشَّاطِئِ يَرْقُبُ عَودَةَ أَبِيهِ، وَيُفَكِّرُ في قضية.
مقتل ابنِ زاهِرٍ .
.1984


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

لا شك أن الهوات...

لا شك أن الهواتف الذكية قد أصبحت جزءا من حياتنا ، فلا يمكن لأي إنسان يعيش في هذا العصر أن يستغني عنه...

نبذه عن المؤثرا...

نبذه عن المؤثرات البصرية في مسلسل Fallout المؤثرات البصرية في مسلسل Fallout مقدمة: لعبت المؤثرا...

If two forces a...

If two forces are acting on a body in opposite directions, the net force is the difference between t...

كانوا يطلقونها ...

كانوا يطلقونها في ذعر، فتوزع نيرانها في كل اتجاه، ما كاد يدخل عتبة باب البيت حتى احتضنته أمه، هرع إل...

Both perspectiv...

Both perspectives on this matter have their merits. Let's examine them: On one hand, dedicating all...

تعتبر العرضة ال...

تعتبر العرضة السعودية من التعبيرات الفنية الشعبية التي تحمل في طياتها تراثاً عريقاً وثقافة غنية تعبر...

ان التحسن في ال...

ان التحسن في الصحة وتدخلات نظم الرعاية الصحية لا يتم تقاسمها بشكل متساوٍ بين جميع فئات المجتمع . هذا...

سنذكر بعض الأنا...

سنذكر بعض الأناجيل غير المعتمدة لأهميتها البالغة في الديانة النصرانية وهي: ١. إنجيل متى غير المعتم...

Robustness of t...

Robustness of the method was evaluated in three different experiments. For the first experiment samp...

يركز الاقتصاد ا...

يركز الاقتصاد الكينزي على دور التدخل الحكومي في تثبيت الاقتصاد خلال فترات الركود وتؤكد على استخدام ...

المبحث الأول: ت...

المبحث الأول: تعريف الأملاك الوقفية المطلب الأول: تعريف الوقف لتحديد معني الوقف لابد من ال...

تكمن إشكالية ال...

تكمن إشكالية الدراسة في استيضاح كيفية معالجة قانون البيئة للمشكلات البيئية ، وبيان الآليات التي وضعه...