Lakhasly

Online English Summarizer tool, free and accurate!

Summarize result (50%)

ومن المقدمات ننتقل إلى كتاب الأدلة (الجزء الثالث حسب تقسيم الطبعات)، حيث نجده يضع القواعد العامة للنظر في الأدلة الشرعية. ومن ذلك ما قرره في المسألة الثامنة بقوله: {إذا رأيت في الذنيات أصلاً كلياً فاقبله تجده جزئيًا بالنسبة إلى ما هو أعم منه، وبيان ذلك أن الأصول الكلية التي جاءت الشريعة بحفظها خمسة وهي: الدين، ومراده من هذا الكلام أن التشريعات التي جاءت بالمدينة، فإنها تعتبر فروعًا للكليات العليا، جنيًا إلى جنب مع أصول العقيدة وأسسها. ثم بين ذلك - يكمله - بإرجاع الأصول الخمسة إلى أدلتها من القرآن المكي. وتصحيح الإيمان وتثبيته في القرآن المكي، فمسألة أشهر وأوضح من أن تحتاج إلى دليل أو مثال. حتى لقد شاع - خطأ - أن القرآن المكي لا يحتوي إلا على هذا. وهي الفكرة التي يصححها الإمام الشاطبي من خلال بيان ما اشتمل عليه القرآن المكي من قواعد وكليات تشريعية من قبل ما يلي. فقد نص عليه في كثير من الآيات المكية كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وقوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8-9] وغيرها. وحفظ النفس يتضمن حفظ العقل. فقد جاء في المدينة بتحريم المسكرات، ومن هذا الباب أيضًا: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما ضروريتان لحفظ الأصول المتقدمة، كما في الآية: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} [لقمان: 17]. وما الجهاد الذي شرع بالمدينة إلا فرع من فروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعندما انتقل إمامنا أبو إسحاق، إلى موضوع "النسخ"، استصحب معه مقاصده وكلياته: فأعاد التذكير - في المسألة الأولى من مسائل النسخ - بأن القواعد الكلية هي الموضوعة أولاً، والتي نزل بها القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة. ثم تبعها أشياء بالمدينة، كملت بها القواعد التي وضع أصلها بمكة. وليس هذا من الشاطبي مجرد تكرار لفكرته عن التشريع بين المكي والمدني، بل إعادة تأكيد لأهميتها وربطها بمسائل النسخ وفلسفته. فنجده يعيد القول في المسألة الثانية بأن "ما تقرر من نزول القرآن بمكة من أحكام الشريعة هو ما كان من الأحكام الكلية والقواعد الأصلية في الدين. ثم كملها بالمدينة بما يقتضيه النسخ فيها قليل لا كثير (11) . لأن النسخ لا يكون في الكليات وقوعاً وإن أمكن عقلاً. ويدل على ذلك الاستقراء التام، وأن الشريعة مبنية على حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينات، بل إنما أتى بالبدلية ما يقوم بها ويكملها ويعضدها. وإذا كان كذلك لم يبق نسخ للكليّ البتة. ومن استقرأ كتب الناسخ والمنسوخ تحقق هذا المعنى، فإنما يكون النسخ في الجزئيات منها، والجزئيات المكتة قليلة (12). وعند تطرقه إلى الحديث عن السنة - بعد الحديث عن القرآن - وقف وقفة أخرى، في الربط بين أدلة الشريعة، وفي الربط بين مناحي البناء الشرعي بكلياته وجزئياته. فكما أنه يكمله - لاحظ أن القرآن المدني بتفصيلاته، قد بني على القرآن المكي وكلياته لاحظ أيضًا - وبين أن السنة قد بنيت بشكل تام - على القرآن الكريم، فإني الآن لا أجد بدًا من نقل هذا النص الطويل الرائع المفصل، وهو كتاب المقاصد! ومبنية عليه، ففي سياق تعداد هذه الأوجه وبيانها، قال: وأنه موجود في السنة على الكمال، والتحسينيات، ويلحق مكملاتها، وإذا نظرت إلى السنة وجدتها لا تزيد على تقرير هذه الأمور. فالكتاب آتي بأصول يرجع إليها، والسنة أتت بها تفريعًا على الكتاب وبيانًا لما فيه منها. فأصله في الكتاب، وبيانه في السنة، وهي: الدعاء إلى الله بالترغيب والترهيب، وتلافي النقصان الطارئ في أصله، وأصل هذه في الكتاب وبيانه في السنة على الكمال. وحفظ النفس: حاصله في ثلاثة معانٍ، وحفظ بقائه بعد خروجه من العدم إلى الوجود. من جهة المآكل والمشرب (وذلك ما يَحفَظه من داخل)، والملبس والمسكن (وذلك ما يَحفظه من خارج). وجميع هذا مذكور أصله في القرآن ومبين في السنة، ومكمله ثلاثة أشياء: وذلك حفظه عن وضعه في حرام كالزنى، وقد دخل حفظ النسل في هذا القسم، ومكمله: دفع العوارض، وحفظ العقل بتناوله ما لا يفسده، وهو في القرآن، ومكمله: شرعية الحد أو الزجر، وإن ألحق بالضروريات حفظ العرض، فله في الكتاب أصل، وإذا نظرت إلى الحاجيات: اطرد النظر أيضًا فيها على ذلك الترتيب أو نحوه، وكذلك التحسينيات. وقد كملت قواعد الشريعة في القرآن وفي السنة، ولما كان السلف الصالح كذلك قالوا به، فإن دوران الحاجيات: على التوسعة، والصلاة قاعدًا، وفي الصوم بالفطر في السفر والمرض. وكذلك سائر العبادات، وإلا فالنصوص على رفع الحرج فيه كافية. يظهر في مواضع الرخص: كإباحة الميتة للمضطر، وشرعية المواساة بالزكاة وغيرها. وما يأتي بالذكاة الأصلية. وجعل الطلاق ثلاثًا دون ما هو أكثر، والقرض، والشُّفعة، والمساقاة ونحوها. والتمتع بالطيبات من الحلال على جهة القصد، من غير إسراف ولا إقتار. وعن المضطر، على قول من قال به في الخوف على النفس عند الجوع والعطش والبرد وما أشبه ذلك. وكل ذلك داخل تحت قاعدة رفع الحرج، لأن أكثره اجتهادي، فُرجع إلى تفسير ما أُجمل من الكتاب. فجميع هذا له أصل في القرآن، وإنما المقصود هنا التنبيه، والعاقل يهتدي منه لما لم يُذكر، مما أُشير إليه، وبالله التوفيق (١٧). وعندما تناول مباحث الأمر والنهي، ورجّح بها آراءه الأصولية في الموضوع. ليست ذات درجة واحدة، بل الأمور الضرورية ليست في الطلب على وزن واحد(١٨)" ومثل لهذا بما هو معلوم من تقديم الدين على النفس، وتقديم النفس على العقل. وهذا التفاوت في فهم الأوامر والنواهي الشرعية، قصد إنزال كل شيء منزلته، وتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير، وأما إذا أهملنا هذا النظر - وقد اعتبره الشارع - فإننا سنقع في أغلاط جسيمة وحرج كبير، والمحرمات كذلك. وقد استصحب "الشاطبي" هذه الفكرة وهو يعالج موضوع البدع في كتابه "الاعتصام"، حيث قال: "إن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر". فإذا كانت في الضروريات فهي أعظم الكبائر، ثم إن كل رتبة من هذه الرتب لها مكمل، ولا تبلغ الوسيلة رتبة المقصد. فقد ظهر تفاوت رتب المعاصي والمخالفات. وأيضًا، فإن الضروريات إذا تُؤمّلت، وجدت على مراتب في التأكيد وعدمه. أو ليست تستعمر حرمة النفس في جنب حرمة الدين. ثم ينتقل من هذا التمهيد "المقاصدي" إلى موضوعه الأصل - وهو البدع - ليطبق عليه ما تقرره مقاصد الشريعة فيقول: "وإذا كان كذلك، فكذلك يتصور مثله في البدع. وما يقع في رتبة الضروريات: منه ما يقع في الدين أو النفس أو النسل، أو العقل، ٣٢). وفي الأوامر والنواهي الشرعية تبعًا لذلك - يقرر أن: "الفعل يعتبر شرعًا بما يكون عنه من المصالح أو المفاسد". وميّز بين ما يعظم من الأفعال مصلحته فجعلته ركنًا، وبهذه الطريقة يتميز ما هو من أركان الدين وأصوله، وما عظّم أمره في المنهيات،


Original text

ومن المقدمات ننتقل إلى كتاب الأدلة (الجزء الثالث حسب تقسيم الطبعات)، حيث نجده يضع القواعد العامة للنظر في الأدلة الشرعية. ومن ذلك ما قرره في المسألة الثامنة بقوله: {إذا رأيت في الذنيات أصلاً كلياً فاقبله تجده جزئيًا بالنسبة إلى ما هو أعم منه، أو تكميلاً لأصل كلي}، وبيان ذلك أن الأصول الكلية التي جاءت الشريعة بحفظها خمسة وهي: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال... (8).


ومراده من هذا الكلام أن التشريعات التي جاءت بالمدينة، وإن وجد فيها ما يعتبر أصلاً كليًا، وقاعدة عامة، فإنها تعتبر فروعًا للكليات العليا، والأهم - وهي التي نزلت بمكة - لأنها تأسست بمكة، وأسست الكبرى. ثم أرسخها في القرآن المكي، جنيًا إلى جنب مع أصول العقيدة وأسسها.


ثم بين ذلك - يكمله - بإرجاع الأصول الخمسة إلى أدلتها من القرآن المكي.


أما حفظ الدين، وتصحيح الإيمان وتثبيته في القرآن المكي، فمسألة أشهر وأوضح من أن تحتاج إلى دليل أو مثال. حتى لقد شاع - خطأ - أن القرآن المكي لا يحتوي إلا على هذا. وهي الفكرة التي يصححها الإمام الشاطبي من خلال بيان ما اشتمل عليه القرآن المكي من قواعد وكليات تشريعية من قبل ما يلي.


وأما حفظ النفس، فقد نص عليه في كثير من الآيات المكية كقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وقوله: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8-9] وغيرها.


وحفظ النفس يتضمن حفظ العقل. وأما "تكمل العقل، فقد جاء في المدينة بتحريم المسكرات، وإقامة الحد عليها. فالحفظ الأول أساس الحفظ الثاني، وهذا هو المراد بيانه في هذا السياق.


وحفظ النسل أيضًا، جاء بمكة، بتحريم الزنى، والأمر بحفظ الفروج عن الحرام.
وكذلك حفظ المال، حققه ما جاء في المكي من تحريم الظلم، وأكل مال اليتيم، والإسراف، والربى، ونقص الكيل والميزان، والفساد في الأرض...


ومن هذا الباب أيضًا: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما ضروريتان لحفظ الأصول المتقدمة، قد جاء النص عليهما بمكة، كما في الآية: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} [لقمان: 17]. وما الجهاد الذي شرع بالمدينة إلا فرع من فروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...
وعندما انتقل إمامنا أبو إسحاق، إلى موضوع "النسخ"، استصحب معه مقاصده وكلياته: فأعاد التذكير - في المسألة الأولى من مسائل النسخ - بأن القواعد الكلية هي الموضوعة أولاً، والتي نزل بها القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة. ثم تبعها أشياء بالمدينة، كملت بها القواعد التي وضع أصلها بمكة...


وليس هذا من الشاطبي مجرد تكرار لفكرته عن التشريع بين المكي والمدني، بل إعادة تأكيد لأهميتها وربطها بمسائل النسخ وفلسفته. فنجده يعيد القول في المسألة الثانية بأن "ما تقرر من نزول القرآن بمكة من أحكام الشريعة هو ما كان من الأحكام الكلية والقواعد الأصلية في الدين. ثم كملها بالمدينة بما يقتضيه النسخ فيها قليل لا كثير (11) . لأن النسخ لا يكون في الكليات وقوعاً وإن أمكن عقلاً.


ويدل على ذلك الاستقراء التام، وأن الشريعة مبنية على حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينات، وجميع ذلك لم ينسخ منه شيء، بل إنما أتى بالبدلية ما يقوم بها ويكملها ويعضدها. وإذا كان كذلك لم يبق نسخ للكليّ البتة. ومن استقرأ كتب الناسخ والمنسوخ تحقق هذا المعنى، فإنما يكون النسخ في الجزئيات منها، والجزئيات المكتة قليلة (12).


وعند تطرقه إلى الحديث عن السنة - بعد الحديث عن القرآن - وقف وقفة أخرى، استخدام فيها النظرة "المقاصدية" (13)، في الربط بين أدلة الشريعة، قرآنًا وسنة، وفي الربط بين مناحي البناء الشرعي بكلياته وجزئياته.


فكما أنه يكمله - لاحظ أن القرآن المدني بتفصيلاته، قد بني على القرآن المكي وكلياته لاحظ أيضًا - وبين أن السنة قد بنيت بشكل تام - على القرآن الكريم، لأن مدارها واحد، هو مقاصد الشريعة في إقامة المصالح الضرورية والحاجية والتحسينية.


ورغم أني أخشى التطول الطويل، فإني الآن لا أجد بدًا من نقل هذا النص الطويل الرائع المفصل، وهو تفصيل لا نجده حتى في موضعه الطبيعي، وهو كتاب المقاصد!


ومنطلق النص: بيان أوجه الربط والتكامل بين القرآن والسنة، وكيف أن القرآن هو أصل السنة، وأن السنة تابعة منه، ومبنية عليه، ففي سياق تعداد هذه الأوجه وبيانها، قال:


"ومنها: النظر إلى ما دل عليه الكتاب في الجملة، وأنه موجود في السنة على الكمال، زيادة لما فيها من البيان والشرح. وذلك أن القرآن الكريم أتى بالتعريف بمصالح الدين جملة لها، والتعريف بمفاسدها دفعًا لها. وقد أتى أن المصالح الثلاثة الأقسام، وهي: الضروريات، ويلحق بها مكملاتها، والحاجيات، ويضاف إليها مكملاتها، والتحسينيات، ويلحق مكملاتها، ولا زائد على هذه الثلاثة المقررة في كتاب المقاصد.


وإذا نظرت إلى السنة وجدتها لا تزيد على تقرير هذه الأمور. فالكتاب آتي بأصول يرجع إليها، والسنة أتت بها تفريعًا على الكتاب وبيانًا لما فيه منها. فلا نجد في السنة إلا ما هو راجع إلى تلك الأقسام.


فالضروريات الخمس كما تأصلت في القرآن تفصلت في السنة:


فإن حفظ الدين: حاصله في ثلاثة معانٍ، وهي: الإسلام والإيمان والإحسان، فأصله في الكتاب، وبيانه في السنة، ومكمله ثلاثة أشياء، وهي: الدعاء إلى الله بالترغيب والترهيب، وجهاد من عانده أو رام إفساده، وتلافي النقصان الطارئ في أصله، وأصل هذه في الكتاب وبيانه في السنة على الكمال.


وحفظ النفس: حاصله في ثلاثة معانٍ، وهي: إقامة أصله بشرعية التناسل، وحفظ بقائه بعد خروجه من العدم إلى الوجود. من جهة المآكل والمشرب (وذلك ما يَحفَظه من داخل)، والملبس والمسكن (وذلك ما يَحفظه من خارج). وجميع هذا مذكور أصله في القرآن ومبين في السنة، ومكمله ثلاثة أشياء: وذلك حفظه عن وضعه في حرام كالزنى، وذلك بأن يكون على النكاح الصحيح. ويلحق به كل ما هو من متعلقاته كالطلاق والخُلع واللعان وغيرها. وحفظ ما يتغذى به أن يكون مما لا يضر أو يقل أو يفسد، وإقامة ما لا تقوم هذه الأمور إلا به، من الذبائح والصيد، وشرعية الحد والقصاص، ومراعاة العوارض اللاحقة، وأشباه ذلك.


وقد دخل حفظ النسل في هذا القسم، وأصوله في القرآن، والسنة بيَّنَتها.


وحفظ المال راجع إلى مراعاة دخوله في الأملاك وتنميته أن لا يضيع. ومكمله: دفع العوارض، وتلافي الأصل بالزجر والحد والضمان، وهو في القرآن والسنة.


وحفظ العقل بتناوله ما لا يفسده، وهو في القرآن، ومكمله: شرعية الحد أو الزجر، وليس في القرآن له أصل على الخصوص، فلم يكن له في السنة حكم على الخصوص أيضًا. ففي الحكم فيه إلى اجتهاد الأمة.


وإن ألحق بالضروريات حفظ العرض، فله في الكتاب أصل، شرعته السنة في اللعان والقذف...


وإذا نظرت إلى الحاجيات: اطرد النظر أيضًا فيها على ذلك الترتيب أو نحوه، فإن الحاجيات دائرة على الضروريات، وكذلك التحسينيات.


وقد كملت قواعد الشريعة في القرآن وفي السنة، فلم يتخلف عنها شيء، والاستقراء يبين ذلك ويسهل على من هو عالم بالكتاب والسنة. ولما كان السلف الصالح كذلك قالوا به، ونصوا عليه حسبما تقدم عن بعضهم فيه.


ومن تشوف إلى مزيد، فإن دوران الحاجيات: على التوسعة، والتيسير، ورفع الحرج، والرفق:


فبالنسبة إلى الدين: يظهر في مواضع شرعية الرخص في الطهارة: كالتيمم، ورفع حكم النجاسة فيما عسر إزالتها. وفي الصلاة بالقصر، ورفع القضاء في الأعضاء، والصلاة قاعدًا، وعلى جنب. وفي الصوم بالفطر في السفر والمرض. وكذلك سائر العبادات، فالقرآن إن نص على بعض التفاصيل كالتيمم والفطر والقصر، فذلك، وإلا فالنصوص على رفع الحرج فيه كافية. وللمجتهد إجراء القاعدة، والترخص بحسبها، والسنة أولى قائم بذلك.


وبالنسبة إلى النفس أيضًا، يظهر في مواضع الرخص: كإباحة الميتة للمضطر، وشرعية المواساة بالزكاة وغيرها. وإباحة الصيد وإن لم يتأت فيه من إراقة الدم المحرم، وما يأتي بالذكاة الأصلية.


وفي التناسل: من العقد على البضع من غير تسمية صداق، وإجازة بعض الجهالات فيه بناءً على ترك المشاحة كما في البيوع. وجعل الطلاق ثلاثًا دون ما هو أكثر، وإباحة الطلاق من أصله، والخُلع، وأشباه ذلك.


وبالنسبة إلى المال أيضًا: في الترخيص في الغرر اليسير، والجهالة التي لا انفكاك عنها في الغالب، ورخصة السَّلَم، والعرايا، والقرض، والشُّفعة، والقراض، والمساقاة ونحوها. ومنه التوسعة في ادخار الأموال وإمساك ما هو فوق الحاجة منها، والتمتع بالطيبات من الحلال على جهة القصد، من غير إسراف ولا إقتار.


وبالنسبة إلى العقل: في رفع الحرج عن المكره، وعن المضطر، على قول من قال به في الخوف على النفس عند الجوع والعطش والبرد وما أشبه ذلك.
وكل ذلك داخل تحت قاعدة رفع الحرج، لأن أكثره اجتهادي، وبيّنت السنة ما يُحتذى حذوه، فُرجع إلى تفسير ما أُجمل من الكتاب. وما فسر من ذلك في الكتاب فالسنة لا تعدوه ولا تخرج عنه. وقسم التحسينيات جارٍ أيضًا كجريان الحاجيات...


فجميع هذا له أصل في القرآن، بينه الكتاب على إجمال، أو تفصيل، أو على الوجهين معًا، وجاءت السنة قاضية على ذلك بما هو أوضح في الفهم، وأشفى في الشرح.


وإنما المقصود هنا التنبيه، والعاقل يهتدي منه لما لم يُذكر، مما أُشير إليه، وبالله التوفيق (١٧).


وعندما تناول مباحث الأمر والنهي، اعتمد كثيرًا - كعادته - على المقاصد، ورجّح بها آراءه الأصولية في الموضوع. من ذلك اعتماده على ما هو مُسَلَّم عند العلماء، من تقسيم المصالح والأحكام الشرعية إلى: ضروريات وحاجيات وتحسينيات للقول بأن الأوامر والنواهي الشرعية، ليست ذات درجة واحدة، وليست في الأهمية سواء: "فإن الأوامر المتعلقة بالأمور الضرورية ليست كالأوامر المتعلقة بالأمور الحاجية ولا التحسينية، ولا الأمور المكملة للضروريات كالضروريات نفسها، بل بينهما تفاوت معلوم. بل الأمور الضرورية ليست في الطلب على وزن واحد(١٨)" ومثل لهذا بما هو معلوم من تقديم الدين على النفس، وتقديم النفس على العقل.


ونتيجة هذا، أن على المكلّف في نفسه، وعلى المجتهد في اجتهاده أن يراعي هذا الترتيب، وهذا التفاوت في فهم الأوامر والنواهي الشرعية، قصد إنزال كل شيء منزلته، وتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير، وإعطاء الأولوية لما يستحقها. وأما إذا أهملنا هذا النظر - وقد اعتبره الشارع - فإننا سنقع في أغلاط جسيمة وحرج كبير، فضلًا عن مخالفة هدي الشارع بإهمال مفاضلته وترتيبه. فليست الأوامر الشرعية بنفس الدرجة وتعطي نفس الحكم، وكذلك الشأن في النواهي. وحتى بالنسبة للأوامر التي تقيد الوجوب، والنواهي التي تقيد التحريم، ليست على درجة واحدة. فالواجبات الشرعية درجات، والمحرمات كذلك.


وقد استصحب "الشاطبي" هذه الفكرة وهو يعالج موضوع البدع في كتابه "الاعتصام"، حيث قال: "إن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر". ويُعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات. فإذا كانت في الضروريات فهي أعظم الكبائر، وإن وقعت في التحسينيات فهي أدنى رتبة بلا إشكال. وإن وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين.


ثم إن كل رتبة من هذه الرتب لها مكمل، ولا يمكن في المكمل أن يكون في رتبة المكمل، فإن المكمل مع المكمل في نسبة الوسيلة مع القصد. ولا تبلغ الوسيلة رتبة المقصد. فقد ظهر تفاوت رتب المعاصي والمخالفات.


وأيضًا، فإن الضروريات إذا تُؤمّلت، وجدت على مراتب في التأكيد وعدمه. فليست مرتبة النفس كمرتبة الدين، أو ليست تستعمر حرمة النفس في جنب حرمة الدين. فهل يبيح الكفر الدم؟ والمحافظة على الدين مبيحة لتعريض النفس للقتل والإتلاف في الأمر بمجابهة الكفار والمارقين عن الدين.


ومرتبة العقل والمال ليست كمرتبة النفس...(٣٤).


ثم ينتقل من هذا التمهيد "المقاصدي" إلى موضوعه الأصل - وهو البدع - ليطبق عليه ما تقرره مقاصد الشريعة فيقول: "وإذا كان كذلك، فالبدع من جملة المعاصي، وقد ثبت التفاوت في المعاصي، فكذلك يتصور مثله في البدع. فمنها ما يقع في الضروريات (أي إنه إخلال بها)، ومنها ما يقع في رتبة الحاجيات، ومنها ما يقع في رتبة التحسينيات. وما يقع في رتبة الضروريات: منه ما يقع في الدين أو النفس أو النسل، أو العقل، أو المال...(٣٢).


وبناءً على هذا التفاوت في المصالح والمفاسد، وفي الأوامر والنواهي الشرعية تبعًا لذلك - يقرر أن: "الفعل يعتبر شرعًا بما يكون عنه من المصالح أو المفاسد". وقد بيّن الشرع ذلك، وميّز بين ما يعظم من الأفعال مصلحته فجعلته ركنًا، أو مفسدته فجعلته كبيرة، وبين ما ليس كذلك فسمّاه في المصالح إحسانًا، وفي المفاسد صغيرة.


وبهذه الطريقة يتميز ما هو من أركان الدين وأصوله، وما هو من فروعه وفصوله، ويُعرف ما هو من الذنوب كبائر، وما هو منها صغائر. فما عظّمه الشرع في المأمورات فهو من أصول الدين، وما جعله دون ذلك، فمن فروعه وتكملاته. وما عظّم أمره في المنهيات، فهو من الكبائر، وما كان دون ذلك، فهو من الصغائر، وذلك على مقدار المصلحة أو المفسدة.


Summarize English and Arabic text online

Summarize text automatically

Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance

Download Summary

You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT

Permanent URL

ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.

Other Features

We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate


Latest summaries

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...

تسجيل مدخلات ال...

تسجيل مدخلات الزراعة العضوية (اسمدة عضوية ومخصبات حيوية ومبيدات عضوية (حشرية-امراض-حشائش) ومبيدات حي...

My overall expe...

My overall experience was good, but I felt like they discharged me too quickly. One night wasn't eno...

- لموافقة المست...

- لموافقة المستنيرة*: سيتم الحصول على موافقة مستنيرة من جميع المشاركين قبل بدء البحث. - *السرية*: سي...

تعزيز الصورة ال...

تعزيز الصورة الإيجابية للمملكة العربية السعودية بوصفها نموذجًا عالميًا في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر...

وصف الرئيس الأم...

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الثلاثاء، الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بأنها "مأساوية"، متعه...

Mears (2014) A ...

Mears (2014) A system of justice that could both punish and rehabilitate juvenile criminals was the ...

تراجع مكانة الق...

تراجع مكانة القضية الفلسطينية في السياسة الدولية فرض على الجزائر تحديات كبيرة، لكنه لم يغيّر من ثواب...

أيقونة الكوميدي...

أيقونة الكوميديا والدراما بقيمة 100 مليون دولار. قابل عادل إمام ولد عام 1940 في المنصورة، مصر، وبدأ ...

أتقدم إلى سموكم...

أتقدم إلى سموكم الكريم أنا المواطن / أسامة سلطان خلف الله الحارثي، السجل المدني رقم/١٧٣٧٣٨٣ ، بهذا ا...

[1] الحمد لله ...

[1] الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا أخذه ورسوله صلى ...