Lakhasly

تُشكّل الأخلاق منظومة قيمية راسخة عبر التاريخ، تُنظّم السلوك وتحدد الحدود عبر التربية والنماذج الحسنة، مستمدة من الخبرة الاجتماعية، مع أساليب ردعية وعقابية. ساهمت الأديان في صقل السلوك الفردي والجماعي عبر الوعظ والإرشاد، معززة القيم الحسنة. تُعتبر الأخلاق أساس العلاقات الأسرية والاجتماعية، مبنية على النصيحة والتوجيه، رغم عرفيتها. تُطرح الأخلاق في ثنائية صعبة بين الحلال والحرام، مما يجعل الفرد حريصاً على عدم تجاوز الخطوط الحمراء. يُعدّ المجتمع "الحكم" الذي لا يقبل التجاوزات، مع رقابة اجتماعية تُقنّن السلوك. الطبيعة البشرية تتضمن الخير والشر، مما يتطلب قوانين لضبط الأخلاق، وتحديد ضوابط لتوجيه الفرد نحو السلوك المرغوب. تحوّلت الأعراف إلى قوانين وقيم، وساهمت الفلسفات والشرائع السماوية والأديان الوضعية في تنظيم العلاقات، مدعومةً بعلوم النفس لفهم دوافع السلوك. يبقى الإنسان لغزاً يُحاول تنظيم مساره نحو الخير عبر الشرائع والقوانين والعلوم.

أخلاقيات المهنة
يتبادر الى الذهن أن الأخلاق ظلت ومازالت تشكل عربون المعاملة عبر العصور. فهي
منظومة قيمية تم الاتفاق عليها عرفا. شكلت الرابطة الوجدانية وصقلت السلوك عبر التربية
و النموذج الحسن. نظمت الأدوار وحددت الأيطار ورسمت الخطوط والحدود التي يجب
عدم تجاوزها. تنهل من الخبرة الاجتماعية، تصحح وتعدل التجاوزات والانحرافات بأساليب
ردعية وعقابية. كما تعمل على التأنيب للضمير والنبذ أحيانا والتهميش الاجتماعي كعبرة
لمن يعتبر. فكان أسلوب الملاحظة و الترقب و الترصد و التصنت طريقة اجتماعية لتهذيب
السلوك و بالمقابل يتعلم الأفراد كذلك بملاحظة ما هو مرغوب و ما هو منبوذ.
ساهمت الأديان بشكل واسع في صقل السلوك والتصرف الفردي والجماعي عبر الوعظ
والإرشاد لترقية النموذج الحسن كقدوة يقتدى بها. عملت بأساليب التعزيز والمكافئة
والاستحسان لأثارة الخصال. فظلت الأخلاق رمزا للاستقامة وبها يرقى الأشخاص الى
مراتب القدوة والأسوة في السلم الاجتماعي. إذ يساهم الاحترام بإضفاء الوقار لكل من صد
العار. كما يساهم الاستهجان في رسم الحدود الاجتماعية لمن تجاوز الحدود المرسومة بين
الفضيلة والرذيلة.
شكلت الأخلاق عربون المعاملة في العلاقات الأسرية والاجتماعية على أساس القبول
والرفض. فهي تنظيم عقلي ونفسي في بناء الشخصية الاجتماعية. غالبا ما تكون النصيحة
والتوجيه والاسترشاد من ذوي العلم والمعرفة أساسا لبناء الهيكل الاجتماعي. رغم عرفية
الأخلاق وعدم تدوين أسلوب المعاملات والأحوال الشخصية، فإنها تنهل من الخبرة الفردية
والاجتماعية لكل من تفادي الجناح وتمادى في الانحراف.
تعمل الأخلاق ضمن ثنائية حرجة غير واضحة المعالم بين الحلال و الحرام بين المقدس
و المدنس بين الحق و الباطل بين الحق و الواجب. بمعنى أنها تطرح ضمن حدود ضيقة
تجعل الفرد حريصا على عدم تجاوز خط النار. المواقف فيها حرجة، تستثير الضمير و
تستهوي الكثير. فالمراقبة الذاتية هي الرمزية للضمير الحي.و إطلاق العنان لجموح النفس
و مطاردة الهوى و الرغبة رمزية للضمير الميت.بين الحياة و الموت هنيهة من الزمن غير
معلومة، يطاردها الأمل و يوضع لها حدا بالأجل.
هلامية و زئبقية المجال الفاصل بين الجد و اللعب بين الصواب و الخطأ تجعل الفرد
محترسا لتفادي منطقة التسلل.صافرة الحكم هو المجتمع الذي لا يقبل مثل هذه التجاوزات.
الخطأ غير مسموح و التشهير بالمنحرف وارد على مدار الزمن و لو بسوابق عدلية لما
يتمادى و يكشف أمره.
فالرقابة و الحرص على حسن التصرف من اليوميات التي يتفاعل معها الفرد في السياق
الاجتماعي. تلك هي الحكامة، لما يخضع تصرف وفعل وسلوك الفرد الى معيارية اجتماعية
تقنن له ما يجب فعله و ما لا يجب فعله.
9
يعمل الضمير الجماعي عل ترشيد وتصويب و تعديل السلوك غير المخل بالقواعد
الاجتماعية. و عليه، كان من الضروري الاحتكام الى مرجعية أخلاقية حيث ما كان تجمعا
بشريا.
الطبيعة البشرية ليست خيرة على مدار الزمن، فالزيغ والزور والجشع والطمع والخير و
الشر و الحق و الباطل، ثنائيات حددت معالم التصرف و السلوك و الفعل. إذ يجد الأنسان
نفسه في مواقف حرجة لا يستطيع التنصل من طبيعته الخيرة أو من طبعه الشرير. فيعمل
على تحريف وتزييف الحق الى باطل والاستحواذ على المصالح بالتقادم واعتماد التلفيق
والكذب و شهادة الزور لفك حقوق غير مشروعة. فكانت العدوانية منطلقا للحد من شراستها
و سن روادع تحولت الى قوانين لضبط الأخلاق. تحديد الضوابط هي الخط الفاصل بين
ثنائية حرجة خوفا من تدحرج الفرد نحو الوجهة غير المرغوبة. ثباته في الجهة المرغوبة
اجتماعيا، توسمه بمكانة اجتماعية تحضي بالاحترام والتبجيل الى حد الوقار والقداسة. و
رغبته في تجاوز هذه الوجهة توسمه و تضع له علامة مميزة ميزتها الانحراف.
و نظرا لهذه الثنائية التي تؤرق كاهل الأنسان عبر المعاش و قضاء الحاجة، كان لزاما
تنظيم العلاقات الاجتماعية و التعاملات المهنية على أسس سد الذرائع و احقاق الحق و
تغلق مجالات الحيازة من غير حق.
كما سبق الأشارة اليه، تحولت الأعراف، أي ما هو متعارف عليه اجتماعيا، أنه مجال
التصرف الحسن أو السيء، الى قوانين وقيم ومعايير وأسس أخلاقية يستند اليها الفرد
والمجتمع لأحقاق الحق والمشروعية. فكان ما هو حسن محمودا، وما هو سيئا منبوذا.
ساهم الفكر البشري على مدار الزمن بفلسفات و عقود أخلاقية لتنظيم العلاقات
الاجتماعية. تنوعت الفلسفات بحسب طبيعة المجتمع والبيئة التي ترعرع فيها. تنهل
المجتمعات من التجارب الاجتماعية عبر التفاعل الاجتماعي و طريقة فك النزاعات و حل
المشكلات. شكلت الخبرة الاجتماعية عبر السوابق أرضية ومرجعية و معيار و محك لفك
النزاع، و هو جوهر القانون العرفي. تحولت المرجعيات الى مصادر و مناهل. مرجعيات
يعود اليها القاضي و الحاكم كسوابق تم البت فيها، و يعمل بها ظرفيا لسد الفراغ الى أن
تسن كقوانين نهائية فاصلة تثبت الخبرة الالاجتماعية في نص قانوني يعمل به لآحقا.
شكلت الشرائع السماوية والأديان الوضعية مرجعية لتنظيم العلاقات الاجتماعية والمهنية
على أساس مبدئي الحق والباطل و الحلال و الحرام.نافستها فلسفات و تخصصات مثل علم
النفس في فك شفرات النفس الإنسانية معتمدة و محللة لأساليب الردع الأجتماعية كمصادر
للتصرف و الفعل و السلوك.تعمل على إيجاد المبررات الواهية بين الطبيعة الخيرة و الجبلة
و الفطرة و الطبع الشرير...
هكذا أصبح الأنسان وظل يشكل لغزا غامضا تتهافت علية الشرائع والأديان والقوانين و
العلوم لتوضيب مساره نحو الوجهة المرغوبة لضمان الأمن والآمان و الطمأنينة و السكينة.