Online English Summarizer tool, free and accurate!
يمكن في هذا السياق تحديد عدة مميزات لا بد من التركيز عليها لعلاقتها الوثيقة بموضوع دراستنا، وهي كما يلي : فلم يحظ إلا بقدر محدود من الأهمية السياسية والأخلاقية والقانونية، ففي مثل هذه الكيانات القديمة، وجرت حمايتها بكل حماسة ويقظة وفي مقابل ذلك نجد أن الحدود الإقليمية للدولة الحديثة تتمتع بأهمية غير مسبوقة تاريخياً، من الدول الأخرى ٢ - استخدام الإكراه كانت قوة المركز تعتمد بشكل شبه مباشر على التهديد باستخدام العنف تجاه الأطراف، ولم يكن المركز عادة يملك الوسيلة لفرض الطاعة على رعاياه في القطاعات النائية عند الأطراف إلا عن طريق استعراض القوة، وفي مقابل ذلك، حازت الدولة - الأمة سلطات ذات سيادة وذلك نتيجة عوامل عدة، وتضافر فيها العامل الديني - المذهبي مع عامل الوعي القومي، - التجانس السياسي والثقافي بعكس الدولة الحديثة التي بمقدورها أن تتحمل كافة التباينات، وأن تتساهل مع كل الأمور الأخرى ما عدا هذا الأمر، فهي تلجأ إلى استخدام كل ما أوتيت من وسائل تعليمية وثقافية وأدوات قسرية وغيرها من أجل ضمان التجانس السياسي والثقافي لمواطنيها. فإنها تنظر بعين الشك إلى الجماعات الإثنية والدينية المنظمة، وتشعر بأنها مصدر تهديد لها يتمثل في مقدرتها على التدخل والولوج في العلاقات القائمة بين الدولة ومواطنيها، فإن الدول القديمة، وتحديداً القبلية والإثنية والدليل على ذلك مسمياتها بذاتها، ولربما لم تنتهج سياسة خاصة بالتعامل مع مكوناتها الاجتماعية عدا سياسة التهديد باستخدام القوة لضمان ولائها للمركز. أما الدولة - الأمة، إذ إن المركز كان أمام المشكلة الآتية: كيف يمكن الإفلات من قبضة المؤسسة الكنسية. ولا سيما اللغوية والعرقية منها كي تكون سبيلاً إلى ضمان ولاء الأطراف، حتى يغدو هذا السبيل بذاته عائقاً أمام تدخل الكنيسة في هذه العملية، وذلك لكون الكنيسة ذات طبيعة دينية شمولية أو بحكم كون المركز والأطراف على مذهب ديني آخر. أي التعامل مع مواطنيها على أنهم وحدة سياسية وثقافية واحدة مع تحييد العامل الديني ضمن نطاق هذا التعامل. إلا أن الدولة - الأمة قد استمرت في انتهاج المركزية في الإدارة والحكم. Richmond) إلى ذلك بقوله : لقد احتفظت الدولة العلمانية بالكثير من الخصال المميزة ذات الصلة بالدولة الثيوقراطية، فالذي حدث هو أن إجماعاً عاماً قد تولد بشأن نظام القيم السائدة وتجسد ذلك في القومية التي غدت بمثابة المبدأ الموحد والمركزي لهذا النظام (٥٤). قوة استيعابية (Assimilating Agency) فالجماعة المهيمنة في المركز لم تكن متسامحة عموماً مع التباين الإثني ضمن نطاق حدود الدولة، بحيث إن التماسك الداخلي، من أجل خلق الولاء للوحدة الإقليمية للأكبر التي تقع تحت سيطرة هذه الدولة العلمانية، والتساؤل الذي سيتبادر إلى الذهن في هذا السياق هو: لماذا استمرت الدولة - الأمة بعد تكونها بفعل الهوية القومية في انتهاج المركزية والاستيعاب في تعاملها مع أطرافها؟ وهل حققت هذه الدولة عملياً فكرة التجانس والتطابق بين وحدتها السياسية ووحدتها الثقافية؟ فما سقط هو المطلقية السياسية للملكية، وليس المطلقية المعرفية والأخلاقية والسياسية للدولة، وبقيت الدولة مطلقاً وحيداً ومرجعية أخلاقية وفلسفية وسياسية جديدة للإنسان الغربي، بعبارة أكثر وضوحاً، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاحتفاظ بخاصية المركزية المطلقة التي تحكم الدولة عموماً، ويرى كاتب السطور أن القومية بعد اكتمال تبلورها في القرن التاسع عشر أصبحت متصفة بالنزعة الاستيعابية، مما ساعد أيضاً في استمرارية إطلاقية الدولة، لأن القومية أصلاً قد تأثرت بالإطار الفكري ذاته، ومن هنا تأتي ضرورة خضوع كافة مكونات الدولة إلى مرجعية أحادية مادية، وهذا ما حاولت الملكيات الإطلاقية في أوروبا تحقيقه من خلال التغلغل في جميع قطاعات المجتمع (٥٨). فلا يبقى سوى 1 بالمئة فقط من النسبة الإجمالية (٥٩). فلربما يكون في طبيعة تكون الدولة - الأمة ومسار تطورها التاريخي والفكري ما يوحي بالإجابة: فهل هذه الواقعة هي مجرد نتاج عرضي أم أنها نتاج خلل هيكلي في تكون هذه الدولة بذاته؟ وإذا كانت مجرد نتاج عرضي، وذلك بحكم كونهما الأساس الذي يقوم عليه التنظيم الاجتماعي، أي أرض الآباء والأجداد لدى اليونان أو الموطن (Patria) لدى الرومان، أي بمعنى الانتماء إلى كيان يتجاوز التكوينات الاجتماعية والدينية. أخذت تلك التباينات تزداد عمقاً عبر اكتسابها عنصري اللغة والعرق، ومدن محصنة ومستقلة، بحيث تتمتع جميعاً بقدر من الاستقلالية والإدارة الذاتية،
ثانياً : مميزات الدولة الحديثة مقارنة بالدولة القديمة
يمكن في هذا السياق تحديد عدة مميزات لا بد من التركيز عليها لعلاقتها الوثيقة بموضوع دراستنا، وهي كما يلي :
1 - الهوية
كانت الدولة قديماً بصفتها كياناً سياسياً تتميز بأسلوب حياة مجتمعها المنظم، حيث جسد أسلوب الحياة، وليس الإقليم، محور الهوية والهدف الرئيسي للولاء. وعلى سبيل المثال، نجد أن الدولة - المدينة اليونانية قد عرفت ذاتها وميزتها باعتبارها تضم مواطنين يتقاسمون أسلوباً مشتركاً في الحياة، أما الإقليم الذي تشغله الدولة، فلم يحظ إلا بقدر محدود من الأهمية السياسية والأخلاقية والقانونية، ففي مثل هذه الكيانات القديمة، كانت الحدود مقسمة بالنفاذية نسبياً (Relatively Porous)، بينما افتقرت الحدود الاجتماعية إلى عامل المرونة، وجرت حمايتها بكل حماسة ويقظة وفي مقابل ذلك نجد أن الحدود الإقليمية للدولة الحديثة تتمتع بأهمية غير مسبوقة تاريخياً، فهي تشكل الأساس المادي أو جسد الدولة الذي جرى بموجبه تمييزها بصورة لا لبس فيها، من الدول الأخرى
حيث إن حدودها الإقليمية تحيط بالمنتمين إليها، وتكسبهم هوية جغرافية وسياسية مميزة، بما في ذلك تسميتهم الجماعية (Collective Name).
٢ - استخدام الإكراه
لم يكن المركز في الدولة القديمة قادراً قط على استدامة احتكار كامل الوسائل العنف. فقد احتفظ كبار القادة العسكريين في غالبية هذه الدول بقدر كبير من السلطة، فضلاً على ذلك، كانت قوة المركز تعتمد بشكل شبه مباشر على التهديد باستخدام العنف تجاه الأطراف، ومن ثم تميز طابع هذه الدولة بكونه طابعاً مركباً من قطاعات، ولم يكن المركز عادة يملك الوسيلة لفرض الطاعة على رعاياه في القطاعات النائية عند الأطراف إلا عن طريق استعراض القوة، ويعني ذلك، أن مستوى سلطانها على العلاقات الاجتماعية كان منخفضاً نسبياً بخلاف ما هو شائع عنها. وفي مقابل ذلك، حازت الدولة - الأمة سلطات ذات سيادة وذلك نتيجة عوامل عدة، وخصوصاً تقدم سبل الاتصالات وآليات الإشراف والمراقبة المكثفة. وبذلك استطاع جهاز الحكم فيها أن يحقق سيطرة إدارية على رعاياه تفوق كثيراً مثيلتها في الدول القديمة (٥٢)، لأن عملية سيطرة المركز فيها على الأطراف كانت عملية قائمة على التخطيط الهادف والإدارة الواعية بالنتائج المترتبة على ذلك، وتضافر فيها العامل الديني - المذهبي مع عامل الوعي القومي، إلى جانب توفر القوة اللازمة من أجل تحقيق النتائج المرجوة.
خلافاً لواقع حال الدول القديمة، نجد أن تركيز الدولة الحديثة على التجانس السياسي والثقافي هو تركيز راسخ في صميم الطريقة التي جرى بموجبها تعريف هذه الدولة وتكوينها خلال القرون الثلاثة الماضية، إذ كانت الدولة تتوقع من كافة مواطنيها الاشتراك في طريقة واحدة لتعريف أنفسهم وتحديد صلاتهم بها ويبعضهم البعض. وكان هذا الفهم الذاتي المشترك هو مبدأها التأسيسي والفرضية الرئيسية التي تستند إليها، بعكس الدولة الحديثة التي بمقدورها أن تتحمل كافة التباينات، وأن تتساهل مع كل الأمور الأخرى ما عدا هذا الأمر، فهي تلجأ إلى استخدام كل ما أوتيت من وسائل تعليمية وثقافية وأدوات قسرية وغيرها من أجل ضمان التجانس السياسي والثقافي لمواطنيها. وبذلك تعد الدولة الحديثة مؤسسة منخرطة على نحو عميق في مهمة إضفاء خاصية التجانس والتطابق على مواطنيها، ونظراً إلى ذلك، فإنها تنظر بعين الشك إلى الجماعات الإثنية والدينية المنظمة، وتشعر بأنها مصدر تهديد لها يتمثل في مقدرتها على التدخل والولوج في العلاقات القائمة بين الدولة ومواطنيها، ومن ثم إنشاء مراكز قوة تنافس الدولة على استقطاب ولاتهم (٥٣).
اتساقاً مع ما تقدم ذكره، فإن الدول القديمة، مثل دولتي بلاد الرافدين ووادي النيل كانت في حقيقتها تعبيراً عن واقع حال التباينات الثقافية فيها، وتحديداً القبلية والإثنية والدليل على ذلك مسمياتها بذاتها، كالسومرية والآشورية والفرعونية، فهي إنما تعكس هوية إحدى الجماعات المهيمنة فيها التي تمكنت من حيازة السلطة وإنشاء الدولة أو السيطرة عليها، وهذه الدولة لا تختلف في ذلك عن الدولة الحديثة، غير أن محل الاختلاف الجذري يتجد في كونها لم تسع إلى تحقيق التجانس الثقافي لسكان الدولة، بل تركت التباينات الثقافية على حالها، ولربما لم تنتهج سياسة خاصة بالتعامل مع مكوناتها الاجتماعية عدا سياسة التهديد باستخدام القوة لضمان ولائها للمركز. وهذا ما يفسر بالتالي فكرة أن سيطرة المركز فيها لم تكن سيطرة مطلقة على مكوناتها الاجتماعية والثقافية في أطرافها، أما الدولة - الأمة، فالحال فيها مختلف تماماً في هذا الشأن، إذ إن المركز كان أمام المشكلة الآتية: كيف يمكن الإفلات من قبضة المؤسسة الكنسية. ثم ضمان ولاء الأطراف في الوقت ذاته؟ فكان الحل الأمثل أمام الجماعة المهيمنة في المركز يتجسد في انتهاج الوعي بالتباينات الثقافية، ولا سيما اللغوية والعرقية منها كي تكون سبيلاً إلى ضمان ولاء الأطراف، حتى يغدو هذا السبيل بذاته عائقاً أمام تدخل الكنيسة في هذه العملية، رفضاً أكان ذلك أم تأييداً، وذلك لكون الكنيسة ذات طبيعة دينية شمولية أو بحكم كون المركز والأطراف على مذهب ديني آخر. وبناء على ذلك، فقد عمل المركز على تبني فكرة التجانس السياسي والثقافي، أي التعامل مع مواطنيها على أنهم وحدة سياسية وثقافية واحدة مع تحييد العامل الديني ضمن نطاق هذا التعامل.
وعلى الرغم من تحول معظم الدول الأوروبية من الملكية المطلقة إلى الديمقراطية وتبني العلمانية، ولا سيما بعد قيام الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩، إلا أن الدولة - الأمة قد استمرت في انتهاج المركزية في الإدارة والحكم. ويشير أنتوني ريتشموند (Anthony H. Richmond) إلى ذلك بقوله : لقد احتفظت الدولة العلمانية بالكثير من الخصال المميزة ذات الصلة بالدولة الثيوقراطية، عدا أن القوة الفاعلة فيها قد تحولت من أيدي الملوك المستبدين إلى مؤسسات برلمانية أكثر ديمقراطية ونظام قضائي مستقل بصورة عامة، وفي الوقت ذاته، فإن السيطرة على نظام التعليم انتقلت من الكنيسة إلى الدولة، فضلا على قيام عملية التخصص الوظيفي في مختلف المؤسسات الشرعية. فالذي حدث هو أن إجماعاً عاماً قد تولد بشأن نظام القيم السائدة وتجسد ذلك في القومية التي غدت بمثابة المبدأ الموحد والمركزي لهذا النظام (٥٤).
هذا الأمر يؤكد أن الدولة - الأمة، كانت منذ أولى مراحلها، قوة استيعابية (Assimilating Agency) فالجماعة المهيمنة في المركز لم تكن متسامحة عموماً مع التباين الإثني ضمن نطاق حدود الدولة، بحيث إن التماسك الداخلي، أي الاندماج الاجتماعي والثقافي للدولة - الأمة اعتمد أصلاً على فكرة التخلص من الانتماءات والصلات الفرعية كالقبلية والدينية والمناطقية مثلاً، من أجل خلق الولاء للوحدة الإقليمية للأكبر التي تقع تحت سيطرة هذه الدولة العلمانية، ومن ثم أصبحت القومية منذ القرن التاسع عشر هي الأيديولوجيا المهيمنة، فأضفت على الدولة مكانة مثالية في مقابل رفضها الإبقاء على أية اتجاهات لغوية ودينية أو أية ميول أخرى قد تتناقض مع الولاء للدولة . (٥٥)
والتساؤل الذي سيتبادر إلى الذهن في هذا السياق هو: لماذا استمرت الدولة - الأمة بعد تكونها بفعل الهوية القومية في انتهاج المركزية والاستيعاب في تعاملها مع أطرافها؟ وهل حققت هذه الدولة عملياً فكرة التجانس والتطابق بين
وحدتها السياسية ووحدتها الثقافية؟
ربما من التفسيرات المميزة لاستمرارية نهج الدولة - الأمة هو ذلك الذي بينه أ. عبد الوهاب المسيري فهو يرى أنه بعد سقوط الملكيات المطلقة، أبقت الدولة العلمانية القومية المركزية على صفتها المطلقية، فما سقط هو المطلقية السياسية للملكية، وليس المطلقية المعرفية والأخلاقية والسياسية للدولة، ومن ثم أصبحت الدولة هي الإله، أو على الأقل المبدأ الواحد والمطلق الواجب الوجود الذي يفسر كل شيء ويشكل المرجعية النهائية للنسق المعرفي والأخلاقي، وبقيت الدولة مطلقاً وحيداً ومرجعية أخلاقية وفلسفية وسياسية جديدة للإنسان الغربي، يحظى بالإجماع القومي ويوظف البشر في خدمته (٥٦).
ومعنى ذلك، بعبارة أكثر وضوحاً، أن المركز أثناء عملية سيطرته على الأطراف وما بعدها، بالرغم من استناده إلى التباينات الثقافية في تحقيق ذلك وعلى الرغم من تلاشى الصفة الدينية والأخلاقية لسلطة المركز السياسية، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاحتفاظ بخاصية المركزية المطلقة التي تحكم الدولة عموماً، وذلك لأن المركز ذاته أخذ باستمداد هذه الصفة من مصدر فكري جديد، وهي العلمانية بدلاً من الحق الإلهى المقدس فالعلمانية غدت نهجاً للحياة وأسلوباً للتعامل مع المكونات الدينية، وبغية استمرار الدولة ورسوخها، لا بد من أن تكون هناك أداة تساعدها في تحقيق ذلك، وفي الوقت ذاته تكسب هذه الأداة إطاراً فكرياً يساعدها على الاستمرار في نهجها المركزي تجاه الوحدة الاجتماعية، ومن ثم تكييفها مع هذا الإطار الفكري الجديد. ويرى كاتب السطور أن القومية بعد اكتمال تبلورها في القرن التاسع عشر أصبحت متصفة بالنزعة الاستيعابية، مما ساعد أيضاً في استمرارية إطلاقية الدولة، أي استمرارية مركزيتها السياسية والأخلاقية والثقافية، لأن القومية أصلاً قد تأثرت بالإطار الفكري ذاته، وبانت ذات طبيعة علمانية، بدليل أن محور اهتمامها يتمثل في إعلاء مقام الأمة والدولة معاً ودفعهما باتجاه التطابق.
وبما أن المركزية تتطلب أن يصبح الواقع متجانساً نمطياً يشبه الآلة. فالدولة المركزية لا يمكنها أن تتعامل إلا مع وحدات داخلية متماثلة وقياسية. ومن هنا تأتي ضرورة خضوع كافة مكونات الدولة إلى مرجعية أحادية مادية، وذلك لأنه مع تزايد هيمنة هذه المرجعية يزداد ارتباط الأطراف
بالمركز، وهذا ما حاولت الملكيات الإطلاقية في أوروبا تحقيقه من خلال التغلغل في جميع قطاعات المجتمع (٥٨).
إلا أن هذه المركزية والنزعة الاستيعابية للدولة - الأمة لم تصلا بعد إلى غايتهما النهائية، أي تحول الأطراف صورة مطابقة عن المركز، فالدولة - الأمة في يومنا الراهن تعد في حكم المعدومة فعلياً، إذ لا يقطن في مثل هذا الكيان السياسي سوى ما يناهز 4 بالمئة من سكان العالم، وإذا ما استثنينا اليابان، فلا يبقى سوى 1 بالمئة فقط من النسبة الإجمالية (٥٩).
وهنا لا بد من التساؤل عن أسباب ذلك، فلربما يكون في طبيعة تكون الدولة - الأمة ومسار تطورها التاريخي والفكري ما يوحي بالإجابة: فهل هذه الواقعة هي مجرد نتاج عرضي أم أنها نتاج خلل هيكلي في تكون هذه الدولة بذاته؟ وإذا كانت مجرد نتاج عرضي، فكيف يمكن تفسير حقيقة أن 1 بالمئة فقط من سكان العالم يعيشون في ظل نموذج الدولة - الأمة؟ وإذا كانت نتاج خلل هيكلي، فإن من الأهمية بمكان تسليط الضوء على بواعث هذا الخلل وأصوله وهل أنه ذو صلة بانبعاث الهويات الإثنية والقومية في الدول - الأمم المعاصرة؟ وهذا ما ستحاول الإجابة عنه في المباحث التالية.
على أية حال، يمكن أن نخلص مما تقدم إلى أن فكرة فاعلية تأثير التباينات الثقافية في نشوء الدولة عموماً كانت في حال من التطور التدريجي تاريخياً، إذ ابتدأت بالقبيلة والدين في الدول القديمة، وذلك بحكم كونهما الأساس الذي يقوم عليه التنظيم الاجتماعي، بحيث إنه رغم ظهور الدولة، إلا أن المركز لم يعمل بدوره على التخلص من هذه التباينات الثقافية، لأنها ببساطة كانت تجسد الأساس المادي الذي يقوم عليه نموذج الدولة القديمة. ثم اكتسبت الفكرة عنصراً جديداً، وهو الطابع الإقليمي - العاطفي المتمثل في الوطن (Patris)، أي أرض الآباء والأجداد لدى اليونان أو الموطن (Patria) لدى الرومان، وقد نجم ذلك بفعل تطور الظاهرة السياسية من حيث استمرارية الكيانات السياسية في الوجود واحتكاك الإنسان بصورة مباشرة مع السلطة السياسية، واكتسابه صفة المواطنة، أي بمعنى الانتماء إلى كيان يتجاوز التكوينات الاجتماعية والدينية. ومع بلوغ القرن الثالث عشر، أخذت تلك التباينات تزداد عمقاً عبر اكتسابها عنصري اللغة والعرق، فكانت ولادة أول إرهاصات فكرة الأمة (Nation) في العصور الوسطى.
فالمجتمع الإقطاعي، ولا سيما بعد انهيار إمبراطورية الرومان الغربية عام ٤٧٦ ، أصبح مكوناً من جماعات دينية وعرقية متباينة، ومدن محصنة ومستقلة، وتجمعات مهنية وتجارية، بحيث تتمتع جميعاً بقدر من الاستقلالية والإدارة الذاتية، فكان الفرد ينتمي إلى هذه المكونات، ويستمد منها قيمه ورؤيته الذاتية. ومما ساعد على ذلك، هو تباعد هذه المكونات جغرافياً، وتلاشي السلطة المباشرة للمركز.
ومن ثم أخذت التباينات الثقافية تزداد في الرسوخ بفعل سكنى الإقليم والاستقرار فيه، وذلك في إثر تفكك الدولة الرومانية وتحولها إلى إقطاعيات وقيام نظام هرمي مكون من أمراء إقطاعيين ذوي امتيازات وصلاحيات تتناسب مع حجم الإمكانات المادية لإقطاعية كل أمير منهم. وضمن إطار مثل هذه الظروف، بدأت عملية جديدة يقوم فيها المركز بإعادة سيطرته تدريجياً على تلك الإقطاعيات التي تنسجم معه ثقافياً، وتوطيد أواصره معها.
Summarize English and Arabic text using the statistical algorithm and sorting sentences based on its importance
You can download the summary result with one of any available formats such as PDF,DOCX and TXT
ٌYou can share the summary link easily, we keep the summary on the website for future reference,except for private summaries.
We are working on adding new features to make summarization more easy and accurate
منذ انتهاء الحرب الأخيرة في ناغورني قره باغ وتعزيز مكانة أذربيجان كلاعب إقليمي بدعم تركي مباشر، يمكن...
عمر بن الخطاب هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين بعد أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-، ولُقّب با...
أولاً: تعريف المعلومات 1. من الناحية اللغوية: أصل الكلمة "معلومات" مشتقة من مادة (علم)، وهي تدل على...
1- يسرد الكاتب الفرنسي جيلبير سينويه فكرة إنشاء العاصمة أبوظبي، وكيف تحوَلت بسرعة شديد من قرية للصّي...
مقبرة باب الساهرة أو مقبرة الساهرة هي إحدى أشهر مقابر المسلمين في القدس، وكان يُطلق عليها سابقًا مقب...
الاعتذاريات الصهيونية: والسمات الخاصة بالجيب الصهيوني ليست أمرا مـتـصـلا بـجـذوره أو بخصائصه اوضوعي...
شكلت التحولات العميقة التي عرفتها دول العالم الرأسمالي خلال القرن 19م في إطار الثورة الصناعية عاملا ...
إن إصالح العدالة و عصرنتها ال يمكن فصلهما عن بعضهما وهما متالزمان هذا الترابط الشديد بين اإلصالح وا...
المقدمة أطلق المغرب إصلاحًا عميقًا لإدارته يتمحور حول أهداف طموحة، تُجسّد من خلال "برنامج دعم إصلاح ...
إدارة مراكز التجميل اعداد:ابرار العتيبي أنظمة وإجراءات العمل :ا3هداف التعرف على مضمون ضوابط-1 .العمل...
. احتوت على قصص سبعة من الرسل أرسلوا إلى أقوامهم وأمروهم بالعبادة لله وحده، مالهم من إله غيره، ثم ك...
إذن يمكن اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي أنها مجموعة من التقنيات والوسائل والأدوات التي أصدرتها التكن...