لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (46%)

أقسم لكم يا من ستقرءون قصتي أنني كنت أكثر براءةً مما تتصورون، وربما كنت أكثر براءةً من كثريين منكم، وقد تأكدت من براءتي بعد أن مت (أنا ميت الآن وفي إمكاني أن أعبر عن نفسي بغري خوف منكم). كنت براءة طفل صغري، ومع ذلك كنت — ولا زلت ً — أعتبر نفسي في براءة طفل صغري. وأنا أيضا كنت مثلكم حني كنت فوق الأرض، وأقيم ً بني كل مرحلة ومرحلة جدار ً ا سميكا. َحْمِلَق ُ فيه ملدة دقيقة كاملة، وأصبحت ً قادرا ُ وأستطيع أن أ َ على أن أحملق في وجه أبي ملدة دقيقة كاملة، وجه أبي كان كوجوه كل الآباء، ووجوه كل الآباء تبدو لي الآن كتلك الوجوه الكرتونية التي كنا نشتريها في يوم العيد، ويلبس كل منا الوجه الذي اشتراه ً بقرش، عيناه حني حملقت فيهما ً عرفت — على الفور — أنه هو الذي قتل أمي، كنت أتصور أنني سأستطيع أن أصفَ ها الآن بعد أن ارتفعت فوق الأرض، كان جسدها وجسدي شيئً ٍّ يكن ظن إن هذه املسافة املعدومة بيني وبني أمي لا تزال حتى الآن كما كانت وأنا طفل؛ والناس كالأشباح أو كامللائكة، وألتصق بها بقدر ما أستطيع، وجسمي كله يهتز بهذه الرغبة كالحمى. وأنها لم تكن رغبة في الابتعاد عن املوت، ولم أكن في تلك الحالة أدرك شيئًا، وصامتًا صمت الرحم من الداخل والعالم بكل ما فيه من بحر وسماء وبيوت وأشجار وقطار وقضبان تلاشت، ً ولم يكن بوسعي في تلك الحالة أن أدرك وجود أبي الذي كان راقدا إلى جوار أمي بجسده الضخم، ورغم أنني لم أكن أراه (بسبب تكوري الجنيني) فقد ملحت تلك النظرة التي كست عينيه ً بسرعة البرق، ورغم أنني لم أكن لأستطيع أن أرفع عيني في عينيه، ِ وعادت إلى عينيه نظرة الأب املحب، ككل هؤلاء استطاع أبي أن يخفي رغبته الحقيقية في أن يقبض بأصابعه الكبرية ً الضخمة على عنقي، والحقيقة أنني لم أكن قد ارتجفت بعد، فإذا بها قبل أن يحدث، كنت أندهش وأتساءل بيني وبني نفسي عن ذلك السر؛ وكانت دهشتي تزيد حني أسمع أبي يتهمها َ بأن نوم ُّ ها ثقيل. وكان أبي يتهمها أيض َ ا بأن سْمَعها ثقيل، وذات مرة من هذه املرات سمعته يقول لها إن قلبها بارد لا يحس، وهمست في أذنها بكلمات متقطعة مكسرة (ولم أكن أجيد الكلام بعد) وقلت لها: «انتي بتحسي أكتر من أبي يا أمي. ورآني وأنا بني ذراعيها؛ لكن أبي لم يكن يطمئنني أبدا، وسرَ 28 الجريمة العظمى َ لم أكن أعرف ملاذا لا أستطيع أن أجلس بجوار أبي بحيث لا تكون هناك مسافة بيننا. كانت حني تجلس إلى جواري ألتصق بها، ولكنه تلك الرغبة امللح ً ة العنيفة في أن تنعدم املسافة بيننا انعدام ً ا كاملا ً وأصبح أنا وهي جسد ً ا واحدا. كنت أخفيها كما أخفي مشاعري الحقيقية، ويطلب مني املعلم أن أقول وراءه كلمة: «أحب أبي مثل ِّ أمي»، لم يكن تكوين وجهه يصلح للابتسام. ولم أكن رأيت من قبل جملا ِ ا يبتسم، كنت أستطيع بقدرة عجيبة أن أخفي مشاعري الحقيقية، حتى وجدتني أصرخ كاملستغيث وأنا أبكي: أحب أبي مثل أمي! . ِب ُ ت على كتفي، ليس معلوما فحسب ولكنه محسوس عن يقني بكل أحاسيس الجسد وأعصاب النفس. ومع ذلك فليس هناك ما هو غري محتمل في حياة الإنسان قدر الشك، ً لكني كنت في ذلك الوقت طفلا صغريًا، ولم يكن في إمكاني أن أزيل عنه هذا الشك َ أو ذلك اليقني، كنت قد فعلت كل ما في وسعي لأحفظ وأتلو ٍ بصوت عال واجب املدرسة، وكنت قد فعلت كل ما في وسعي لأجعل صوتي وأنا أتلو الواجب كأنه صوتي الحقيقي. ولم يكن في إمكاني أن أفعل أكثر من ذلك، لم أكن أراه لأن رأسي كان مطرقًا وعيني كانتا في الأرض، ولم أكن لأجرؤ ً أبدا على أن أرفع رأسي وأنظر في عينيه، كنت أعرف أنني في اللحظة التي ستلتقي عيناه بعيني سيكتشف الحقيقة املفزعة، وكنت أعلم أنها ليست إلا غمضة عني وتنعدم املسافة بيننا، وضغطت بظهري على الحائط وبكل قوتي، وبعنف التشبث بالحياة. فلم أكن ً بعيد تعلمت من الأرقام إلا عشرة، لم يكن املعلم في املدرسة قد علَّمنا أكثر من هذا حتى ذلك الوقت، ولم تكن أية حركة من حركات أبي بسيطة. لكني أحسست َ ذراع ْي أمي حولي تضغط عليَّ َّ بكل قوتها وتحتويني بجسدها، ً وإلى هنا وأصبح أبي عاجزا عن الاحتفاظ بالوجه غري الحقيقي؛ ولم أعد خائفً ا كما كنت خائفً ا من قبل، وهكذا استمر بي ً الحال، وقفز فوقي كالنمر املفترس، لم أكن أرى وجهها لأني كنت أقف خلفها، كنت أظن أنها نائمة كعادتها حني َ تنام في الصيف على الأرض، وقبل أن تنفرج شفتي عن الكلمة تفتح عينيها وتصحو، بل قبل أن تفتح عينيها كنت أحس جسدها َّ يتحرك قبل أن تتحرك شفتي، وقبل أن أسمع أنا صوتي تكون هي قد سمعته. وانتقل أبي إلى بيت آخر وأخذني معه، بعد أن ارتفعت فوق الأرض، إن الجريمة الأولى في الحياة البشرية لم تكن أن قابيل قتل هابيل،


النص الأصلي


أقسم لكم يا من ستقرءون قصتي أنني كنت أكثر براءةً مما تتصورون، وربما كنت أكثر براءةً من كثريين منكم، وقد تأكدت من براءتي بعد أن مت (أنا ميت الآن وفي إمكاني أن أعبر عن نفسي بغري خوف منكم). كنت براءة طفل صغري، ومعنى ذلك (لو كانت لكم ذاكرة قوية) أنني لم أكن بريئًا على الإطلاق، على الأقل في نظركم، ومع ذلك كنت — ولا زلت ً — أعتبر نفسي في براءة طفل صغري. وأنا أيضا كنت مثلكم حني كنت فوق الأرض، إننا ننسى طفولتنا حني نكبر، وننسى أحلامنا حني نصحو من النوم. وقد أكسبتني تجربة املوت شجاعة غري آدمية؛ فأصبحت في غري َ لكن لم أ َ حاجة إلى أن أفصل َ بني مراحل عمري، وأقيم ً بني كل مرحلة ومرحلة جدار ً ا سميكا. إن هذه الرؤية ملراحل حياتكم املمزقة املنفصلة بعضها عن بعض لم أتمكن منها إلا بعد أن ُ ارتفعت عن الأرض. وقد د ٍّ هشت ملنظر حياتكم تحت عيني، ولا أنسى حتى الآن منظر الجسد بعد أن أخرجوه من تحت العجلات بغري رأس وبغري ساقني. بل إنه يكاد يكون املنظر الوحيد في ً حياتي الذي نسيته تماما، من شدة بشاعته نسيته نسيانً ً ا كاملا، ا موت معالي الوزير سابقً ُ لكني على أية حال لم أع ْد أخاف من هذا املنظر، َحْمِلَق ُ فيه ملدة دقيقة كاملة، وأصبحت ً قادرا ُ وأستطيع أن أ َ على أن أحملق في وجه أبي ملدة دقيقة كاملة، وجه أبي كان كوجوه كل الآباء، ووجوه كل الآباء تبدو لي الآن كتلك الوجوه الكرتونية التي كنا نشتريها في يوم العيد، ويلبس كل منا الوجه الذي اشتراه ً بقرش، كنت أظن أنَّ َّ ني لا أحب أبي بسبب ذلك الشارب الخشن املخيف، لكني أدركت الآن — ُ حني حملقت لأول مرة في وجهه — أنني لم أحبَّه بسبب عينيه. عيناه حني حملقت فيهما ً عرفت — على الفور — أنه هو الذي قتل أمي، وكنت وأنا طفل أحب أمي، لأنكم لم تكونوا أطفالا ً أبدا (النسيان يجعل الشيء ً الذي حدث كالذي لم يحدث تماما)، كنت أحب أمي لدرجة أنني عاجز عن وصفها الآن كما عجزت عن وصفها في أي وقت مضى. كنت أتصور أنني سأستطيع أن أصفَ ها الآن بعد أن ارتفعت فوق الأرض، وكان حبي لأمي حقيقيٍّا لدرجة أنني كنت أظن أن أمي هي أنا، ولكنه كان إحساسا يبلغ حد اليقني، كان جسدها وجسدي شيئً ٍّ يكن ظن إن هذه املسافة املعدومة بيني وبني أمي لا تزال حتى الآن كما كانت وأنا طفل؛ والناس كالأشباح أو كامللائكة، والقطار يجري فوق َ قضبان سحرية، وصفَّ ارة القطار لها رنني أجراس مسحورة، وألتصق بها بقدر ما أستطيع، وجسمي كله يهتز بهذه الرغبة كالحمى. وأنها لم تكن رغبة في الابتعاد عن املوت، الاقتراب الشديد إلى درجة الالتصاق بها وذوبان جسدي في ً ا واحدا. كنت أحبها لدرجة أن فناء جسدي في جسدها لم يكن جسدها؛ لأصبح أنا وهي شيئً فناءً ولم يكن موتً ً ا ولم يكن مؤملا ولا مخيفً ا، بل كان قمة حياتي وذروة لذتي والطمأنينة والراحة الكاملة. ولم أكن في تلك الحالة أدرك شيئًا، وصامتًا صمت الرحم من الداخل والعالم بكل ما فيه من بحر وسماء وبيوت وأشجار وقطار وقضبان تلاشت، ولم يَ ُع ْد لي أذنان وعينان ولا شفتان، وإنما هي حواس جنينية خام لا تحس إلا الدفء ولا تشم إلا اللبن. ً ولم يكن بوسعي في تلك الحالة أن أدرك وجود أبي الذي كان راقدا إلى جوار أمي بجسده الضخم، وخيط طويل من اللعاب الأبيض ينساب ببطء من زاوية ً فمه فوق ذقنه رغم نومه العميق الذي بدا لي وقتها أنه لن يصحو منه أبدا. ورغم أنني لم أكن أراه (بسبب تكوري الجنيني) فقد ملحت تلك النظرة التي كست عينيه ً بسرعة البرق، ورغم أنني لم أكن لأستطيع أن أرفع عيني في عينيه، فإن هذه النَّظرة كانت قادرة على أن تخترق رأسي كالسهم، ِ وعادت إلى عينيه نظرة الأب املحب، ككل هؤلاء استطاع أبي أن يخفي رغبته الحقيقية في أن يقبض بأصابعه الكبرية ً الضخمة على عنقي، ويقذف بي بعيد ً ا، وبحركة وأصبحت حركته بعد املقاومة كحركة يد الأب املتحضر حني يَ بطيئة هادئة فصل بني جسدي وجسد أمي، والغطاء الصوفي لا يصل إلى طرف السرير حيث كنت، إلا بمقدار ما يغطي نصف جسمي ويظل ظهري عاريًا. والحقيقة أنني لم أكن قد ارتجفت بعد، لكنها كانت تفتح عينيها لأقل حركة. قد لا تكون إلا حركة الغطاء وهو ينزلق فوق ظهري، فإذا بها قبل أن يحدث، إذا بها َ تفتح عينيها فجأة من عز النوم، بل إنها قبل أن تفتح عينيها وقبل أن تصحو ً تماما تمتد ذراعيها وتغطيني. كنت أندهش وأتساءل بيني وبني نفسي عن ذلك السر؛ سر تلك القدرة الرادارية العجيبة لجسدها النائم على الإحساس بجسدي، رغم تلك املساحة الكبرية التي تفصل بيننا، والتي كان يشغلها جسد أبي الضخم. وكانت دهشتي تزيد حني أسمع أبي يتهمها َ بأن نوم ُّ ها ثقيل. وكان أبي يتهمها أيض َ ا بأن سْمَعها ثقيل، وذات مرة من هذه املرات سمعته يقول لها إن قلبها بارد لا يحس، ورأيت أمي في ذلك َ اليوم تبكي وحد َ ها في املطبخ؛ وهمست في أذنها بكلمات متقطعة مكسرة (ولم أكن أجيد الكلام بعد) وقلت لها: «انتي بتحسي أكتر من أبي يا أمي. كأنما د ٍّ هشت كيف يمكن لطفل صغري جدا مثلي أن يدرك حقيقة كبرية كهذه الحقيقة، كان أبي واقفً ا على باب املطبخ، ورآني وأنا بني ذراعيها؛ فاكتست عيناه بتلك النظرة الخاطفة التي ما إن تظهر حتى تختفي، كالرعدة التي تصيب جسد الإنسان حني يرى نفسه وجها لوجه أمام املوت. لو أنه فعل ما يفعله الإنسان الطبيعي حني يكره، لكن أبي لم يكن يطمئنني أبدا، والحركة الهادئة أو الحانية تفزعني أكثر من الحركة العنيفة أو ِربت القاسية. وحني أكون قريبًا منه وأرى يده تتحرك، ربما هو لن يفعل شيئًا سوى أن يَ ِّ على كتفي، أو هو يحرك يده لهش ذبابة من فوق عينه أو ليهرش أذنه، وسرَ 28 الجريمة العظمى َ لم أكن أعرف ملاذا لا أستطيع أن أجلس بجوار أبي بحيث لا تكون هناك مسافة بيننا. ولم أستطع بحال من الأحوال الاقتراب من أبي إلى حد الالتصاق بجسده، كانت حني تجلس إلى جواري ألتصق بها، ولكنه تلك الرغبة امللح ً ة العنيفة في أن تنعدم املسافة بيننا انعدام ً ا كاملا ً وأصبح أنا وهي جسد ً ا واحدا. ولم يكن أحد يعرف هذه الرغبة غريي، كنت أخفيها كما أخفي مشاعري الحقيقية، ويطلب مني املعلم أن أقول وراءه كلمة: «أحب أبي مثل ِّ أمي»، وفي اليوم التالي طلب املعلم من الفصل كله أن يردد وراءه: «أحب أبي مثل أمي»، ورددت مع الفصل كله: «أحب أبي مثل أمي»، وكان الواجب في البيت أيضا أن نكتبها خمس مرات، حتى وجدت نفسي أردد وأنا نائم: أحب أبي نُ مثل أمي . لم يكن تكوين وجهه يصلح للابتسام. ولا يمكن ملثل هذين الفكني مهما انفرجت الشفتان أن يعبرا عن الابتسام. ولم أكن رأيت من قبل جملا ِ ا يبتسم، ملاذا لا يستطيع الجمل أو الحصان أن يبتسم؟ طرحت هذا السؤال على ِ أو حصانً املعلم في املدرسة فقال لي: إن الإنسان فقط هو الذي يمكن أن يبتسم يا سمري. َ ولم يعرف أبي ما الذي كان يدور في ذهني، كنت أستطيع بقدرة عجيبة أن أخفي مشاعري الحقيقية، ولأنني كنت أعرف أنني أكذب فقد خفْ ِّ أن يكتشف أبي كذبي، ولكي أخدع أبي أصبحت أرفع صوتي أكثر وأكثر، حتى وجدتني أصرخ كاملستغيث وأنا أبكي: أحب أبي مثل أمي! . أحب أبي مثل أمي! . ً ولم يكتشف أبي حقيقتي أبدا، وحني رأى دموعي تجري فوق خدي اقترب مني، لكني كعادتي تراجعت إلى الوراء خطوة؛ ِب ُ ت على كتفي، وارتفعت يده إلى أعلى قليلا َ ، وأظن كان سريْ ً ستهبط على وجهي في صفعة قوية؛ ولكنه ً التساؤل غري الطبيعي حني لا يكون السبب مجهولا ً ، ليس معلوما فحسب ولكنه محسوس عن يقني بكل أحاسيس الجسد وأعصاب النفس. فالإنسان بطبيعته لا يميل إلى مثل هذه الأحاسيس اليقينية، ومع ذلك فليس هناك ما هو غري محتمل في حياة الإنسان قدر الشك، فأنتم تريدون ً اليقني وتريدون الشك معا. ً لكني كنت في ذلك الوقت طفلا صغريًا، ولم يكن في إمكاني أن أزيل عنه هذا الشك َ أو ذلك اليقني، كنت قد فعلت كل ما في وسعي لأحفظ وأتلو ٍ بصوت عال واجب املدرسة، وكنت قد فعلت كل ما في وسعي لأجعل صوتي وأنا أتلو الواجب كأنه صوتي الحقيقي. ولم يكن في إمكاني أن أفعل أكثر من ذلك، لم أكن أراه لأن رأسي كان مطرقًا وعيني كانتا في الأرض، ولم أكن لأجرؤ ً أبدا على أن أرفع رأسي وأنظر في عينيه، كنت أعرف أنني في اللحظة التي ستلتقي عيناه بعيني سيكتشف الحقيقة املفزعة، لكني رغم إطراقي أحسست بتلك النظرة التي اخترقت رأسي ونفذت َّ منه، ولم تكن تفصلني عنه وهكذا أصبحت واقفً إلا خطوة واحدة، وكنت أعلم أنها ليست إلا غمضة عني وتنعدم املسافة بيننا، وضغطت بظهري على الحائط وبكل قوتي، ولم أعرف ً تمام َ ا ما الذي حدث لي حني رأيتها، إن جسدي وحده هو الذي اندفع — بلا وعي — َ نحوها بتلك السرعة وبذلك العنف. وبعنف التشبث بالحياة. َّ وكان جسدي حينئذ يتصرف على نحو طبيعي حني تشبَّث بها والتصق، الالتصاق والتشبث هو وجسدها شيئً ً حني أذكر ذلك اليوم أقول لنفسي: ليتني لم أفعل ما فعلت، لكني لم أكن أعرف ما في الحائط إلى الأبد، وإني أراكم الآن تسريون أمامي بغري عيون. كمنظر ذلك الجسد بغري رأس وبغري ساقني الذي ما نسيته قط. إن ذاكرتي تحتفظ بكل ما حدث في ذلك اليوم، فلم أكن ً بعيد تعلمت من الأرقام إلا عشرة، بعدد أصابع اليد. لم يكن املعلم في املدرسة قد علَّمنا أكثر من هذا حتى ذلك الوقت، ولم تكن أية حركة من حركات أبي بسيطة. ورأيت سواد عينيه يستقر فوق أمي. وكنت لا أزال بني ذراعيها فأخفيت رأسي في صدرها، لكني أحسست َ ذراع ْي أمي حولي تضغط عليَّ َّ بكل قوتها وتحتويني بجسدها، ً وإلى هنا وأصبح أبي عاجزا عن الاحتفاظ بالوجه غري الحقيقي؛ ولأول مرة يصبح وجه أبي أمامي طبيعيٍّا. ولم أعد خائفً ا كما كنت خائفً ا من قبل، وهكذا استمر بي ً الحال، وقفز فوقي كالنمر املفترس، وفي غمضة عني أصبحت أمي بجسدها الكبري بيني وبينه. لم أكن أرى وجهها لأني كنت أقف خلفها، فقد كفت الأصوات عن أن تكون آدمية، بل عجزت عن التعرف على نفسي وحقيقة وجودي ٍّا أو ميتً ُ ا، كأنما سقط جسدي في قاع دوامة تدور بسرعة رهيبة، وفتحت عيني فرأيت جسد أمي فوق الأرض، كنت أظن أنها نائمة كعادتها حني َ تنام في الصيف على الأرض، وقبل أن تنفرج شفتي عن الكلمة تفتح عينيها وتصحو، بل قبل أن تفتح عينيها كنت أحس جسدها َّ يتحرك قبل أن تتحرك شفتي، وقبل أن أسمع أنا صوتي تكون هي قد سمعته. وحينما جاء أبي ومعه عمي وخالي وحملوها بعيدا عني، وأصبح البيت ُ بغريها دهشت، حني تبدو له كل الأشياء غري حقيقية، وانتقل أبي إلى بيت آخر وأخذني معه، وكبرت وش ْخ ُت ِوم وأنه لم يكن إلا الآن فقط، بعد أن ارتفعت فوق الأرض، الآن فقط أدركت الجريمة العظمى التي ارتُ 32 الجريمة العظمى يعلم بها أحد. إن الجريمة الأولى في الحياة البشرية لم تكن أن قابيل قتل هابيل،


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

الزيوت العطرية ...

الزيوت العطرية او تعرف ايضا بالزيوت الاثيرية او الزيوت الطيارة، وهي عبارة عن سوائل زيتية عطرية يتم ا...

وقت الفراغ إ...

وقت الفراغ إن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، فالوقت الذي يذهب هباءً دون أن يستفيد منه صاحبه وبالت...

هذا اللون ( لون...

هذا اللون ( لونية ) الخاص بإشعاع الجسم الأسود يعتمد على حرارة هذا الجسم الأسود؛ الـمحل هندسي لهذه ال...

عندما غادر (ليپ...

عندما غادر (ليپل) المدرسة لم يرى الكلب (موك) وضاعت عليه فر صة تقديمه لكلاً من (أرسلان)و(حميدة) واللذ...

3.2 Specimens P...

3.2 Specimens Preparation In this section, method for preparing PMMA specimens, types of solvents u...

من أهمها التي ج...

من أهمها التي جعلتها تنتشر بشكل كبير وتحلّ محل الشبكات السلكية: المرونة: للشبكات اللاسلكية فوائد أكث...

Lateral epicond...

Lateral epicondylitis, also commonly referred to as tennis elbow, describes an overuse injury second...

Clean-up of lea...

Clean-up of lead-contaminated sites: The Ontario urban clean-up experience The sources of lead to h...

يعد الواقع الاف...

يعد الواقع الافتراضي حلا مبتكرًا في صناعة الألعاب، حيث يتيح للاعبين فرصة الانغماس الكامل في عوالم اف...

يلعب المهندسون ...

يلعب المهندسون المعماريون دورًا محوريًا في تصميم البيئة المبنية، ودمج الرؤية الفنية مع البراعة الهيك...

Based on the fi...

Based on the findings, it seems that a significant percentage of respondents stated that weak govern...

التأمين. المطل...

التأمين. المطلب الأول: تاريخ التأمين وأقسامه أولاً: في بيان تاريخ التأمين: التأمين مما شاع بين الن...