لخّصلي

‎ الْآنَ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ. السَّمَاءُ مُتَوَهَّجَةٌ، وَالْبَحْرُ صافٍ، وَالْغُيومُ الْقُطْنِيَّةُ تُزَيِّنُ السَّمَاءَ وَالنَّسَمَاتُ الْعَلِيلَةُ تُدَغْدِعُ وَجْنَاتِ الْمُصْطَافِينَ الَّذِينَ نَشَرُوا مِظَلَّاتِهِمْ عَلَى الرِّمَالِ الذَّهَبِيَّةِ وَانْطَلَقُوا يَسْتَحِمُونَ وَيَسْبَحُونَ فِي الْبَحْرِ الْهَادِئِ

‎وَيَتَشَمَّسُونَ تَحْتَ خُيوطِ الشَّمْسِ الدَّافِئَةِ

‎ثَبَّتْنَا مِظَلَّتَنَا الشَّمْسِيَّةَ، وَوَضَعْنَا أَمْتِعَتَنَا. كُنْتُ مُتَحَمِّسَةً لِلْغَوْصِ فِي الْمِيَاهِ الْمُنْعِشَةِ

‎وَاللَّعِب مَعَ أَمْواجِ الْبَحْرِ الْهَادِئَةِ.

‎هَرْوَلْتُ مُسْرِعَةً وَارْتَمَيْتُ في الْمِيَاهِ الرقراقة.

‎لكن سرعان ما تَعَكَّرَ مِزاجي بوجود كيس "بلاستيكي" يطفو بجانبي.

‎أَخَذْتُهُ وَخَرَجْتُ عَلَى مَضَضٍ مِنَ الْمِيَاهِ وَوَضَعْتُهُ فِي سَلَّةِ الْمُهْمَلَاتِ عَلَى الشَّاطِئِ.

‎عُدْتُ مُسْرِعَةَ لِلسَّبَاحَةِ

‎فَقَدْ كَدَّرَ عَلَيَّ هَذَا الْكِيسُ صَفْوَ مُتْعَتِي.

‎ماذا! كيس آخَرُ؟! ما بِهِمْ هَؤلاءِ الْمُصْطَافِينَ ؟؟

‎أَلَمْ يَلْمَحوا سَلَاتِ الْمُهْمَلَاتِ مُوَزِّعَةً عَلَى طُولِ الشَّاطِئِ!

‎يا الْعَجَبِ هَلْ نَسْبَحُ فِي الْبَحْرِ أَمْ فِي مَصَبٌ لِلتَّفايَاتِ؟".

‎عَقَدتُ الْعَزْمَ، واتخذت قراري: سَأَخَلِّصُ الْبَحْرَ مِنْ هَاتِهِ الْقُمَامَةِ. انْطَلَقْتُ ذَهَابًا وَإِيابًا وَأَنَا أَجْمَعُ النُّفَايَاتِ مِنْ قَوارِيرَ وَأَكْياسِ وَأَغْطِيَةٍ "بلاستيكية"...

‎وَسُرْعَانَ مَا بَدَأَ التَّعَبُ يَنالُ مِنِّي. " أَلا يَخْجَلُ هؤلاءِ الْمُصْطَافُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟".

‎وَاصَلْتُ الْعَمَلَ بِجِدٌ

‎حَتَّى تَكَدَّسَتْ كَوْمَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ النَّفَايَاتِ عَلَى الشَّاطِئِ.

‎حَمَلْتُهَا وَرَمَيْتُهَا فِي سَلَّةِ الْمُهْمَلَاتِ.

‎وَبَيْنَمَا كُنْتُ أَهُمُ بِالْعَوْدَةِ تَحْتَ مِظَلَّتِي لِأَنْعَمَ بِقِسْطِ مِنَ الرَّاحَةِ

‎إِذْ بِسِرْبٍ مِنَ النَّوارِسِ تَتَّجِهُ نَحْوِي فَتَحْمِلُنِي

‎وتطير بي في السَّماءِ عاليا.

‎قُلْتُ مَذْعُورَةً: أَيْنَ سَتَأْخُذُنِي هَذِهِ النَّوارِسُ الْمَجْنُونَةُ؟

‎هَلْ سَتُلْقِي بي في جَزِيرَةٍ مَهْجُورَةٍ؟".

‎وَبَيْنَمَا أَنَا فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِي وإِذَا بِالنَّوَارِسِ تُلْقِي بِي مِنَ السَّمَاءِ.

‎وَصِرْتُ أَهْوي... وَأَهْوي... وَأَهْوي.

‎سَقَطْتُ فِي الْماءِ...

‎كدْتُ أَنْ أَغْرَقَ.

‎لكِنْ، إِذْ بِسِرْبٍ مِنَ الدَّلافِينِ تَعْتَرِضُنِي وَتَقْفِرُ نَحْوي.

‎وها أنا ذي راكِبَةٌ عَلَى ظَهْرِ أَحَدِها كَأَنِّي فَارِسٌ فِي سِبَاقِ الْخَيْلِ

‎وَزَادَتِ الدَّلافين في حَماسَتي بِحَرَكاتِها وَسُرْعَتِها.

‎وَفَجْأَةً غَيَّرَتِ الدَّلافِينُ مَسارَها وَبَدَأَتْ بِالْغَوْصِ عَمِيقًا خِفْتُ كَثِيرًا ... ارْتَعَدَتْ فَرائِصِي وَتَجَمَّدَتِ الدِّماءُ في عروقي... وَقُلْتُ في نَفْسي : هَلْ سَأُصْبِحُ خَادِمَةً لِلْحيانِ، أَمْ سَأَسْجَنُ فِي قَفَصٍ مِنَ الْمَرْجَانِ؟".