لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (20%)

يوم الزفاف هو يوم تحلم به كل فتاة، نظرت زينة إلى نفسها في المرأة وإلى الفستان الجميل الذي ترتديه، وقالت في نفسها : "يا إلهي كم أبدو جميلة اليوم !" وتابعت النظر في المرأة، فهذا هو دور الأصدقاء : يقولون لك ما تود سماعه، أما ريما فكانت سمراء ممتلئة الجسم، فقدرات زينة واهتماماتها لم تتناسب بتاتا مع كلية الإدارة. وبدأ خطيبها المستقبلي تامر يسلم على أهلها. جواد هو حبيب زينة الأول، مد جواد يده من تحت الغطاء، حاول جواد النهوض، نظر إلى الوسادة وهو يقول في نفسه: وداعًا وسادتي الجميلة. قام جواد إلى الحمام، ثم نظر إلى عينيه البنيتين اللتين يعلوهما حاجبان ثخينان. تستقبله سعاد موظفة الاستقبال الجميلة مبتسمةً، ثم نظر مرة أخرى إلى نفسه في المرآة وبدأ يقول في نفسه : يا ربّ، وكيف أنه سيعود إلى المنزل ليتابع قراءاته الممتعة. عندما وصل إلى عيادته، تحسر جواد في نفسه : "يا لخسارة هذا الاسم السعيد فيك! الأولى أن يكون اسمك «تعاس». | رسم على وجهه ابتسامة مصطنعةً وهو يقترب من سعاد، ألن تغير طبعك هذا في عدم التزام الوقت ؟ حاول جواد أن يُبقي على ابتسامته المزيفة، ثم قال : - أنا ثابت دومًا على مواقفي يا سعاد ألا تعرفين لماذا أسماني والدي «جواد»؟ تحولت سعاد بنظرها بعيدًا عن جواد ، لم يمض على جواد إلا سنتين وهو يعمل في تلك العيادة. وتحولت العيادة إلى سجن وكابوس أبديّ. ثم قال في نفسه: يا إلهي! تبدو هذه الغرفة أشبه بغرفة تعذيب للمرضى، نظر إلى المريض وسحب نفسًا عميقًا من أنفه، بعدها قال في نفسه: "على ما يبدو أن كتاب «كيف تحب عملك في ثلاثة عشر يوما لن ينجح بتاتا!". وعندها قال في نفسه : بدأ العمل التعيس، في الساعة الثامنة والنصف مساء خرجَ جواد من العيادة مُسرعًا قبل نهاية الدوام بنصف ساعة، إحساسه مشابه تماما لسجين حكم عليه بالسجن مدة عام، لكن مع فارق بسيط : أن جواد يُسجن في كل يوم مرتين : من الساعة التاسعة صباحًا حتى الثانية عشرة ظهرًا، يتداولها ثلاث مرَّاتٍ بعد الانتهاء من العمل . وألقى نظرة سريعة على نفسه في المرآة، كان قد أنهى قراءة الكتاب قبل شهر تقريبًا، فهذه المهنة لا تتناسب البتّة مع قدراته وميوله. أما مهنة طب الأسنان فهي مهنة لا تحتاج إلى الكثير من التفكير؛ مع مهام أخرى مشابهة تحتاج إلى القليل من التفكير. أمسك جواد الكتاب، وسقط على كومة من كتب أخرى كانت ملقاةً هناك. وصلت رسالة إلى هاتفه النقال . أمسك الهاتف ليقرأ الرسالة: أين أنت؟ لقد تأخرت نظر إلى ساعة هاتفه النقال، وانطلق إلى منزل زينة الذي لا يبعد كثيرًا عن منزله؛ وهذا ما قرر جواد أن يفعله . وبعد أن هدأ قليلا، وبدأ يبحث عن منزل زينة: "ما هذا الحظ التعيس! إِنَّ منزلها على بعد شارعين فقط ! أضعتُ لفّة واحدة، ويرشدك إلى الطريق المناسب لك، والتف بسيارته ليجد منزل زينة. وقالت في نفسها : "كنتُ موقنة أنه سيأتي". وهناك قالت الأم : زينة انتظري هنا، صرخت زينة : جواد رد عليها : - كم أنت جميلة اليوم يا زينة! ردت بخجل : - شكرا لك، مع أني لم أكن أتوقع أنك في النهاية ستوافقين على الزواج بتامر ! قالت له : - لقد أخبرتك بأن تامر تقدم لخطبتي، فقال جواد - هل تقصدين أني أتكلم كثيرًا ؟ على كل حال، فهنَّ يفضلن الشاب الهادئ الذي لا يتكلم بتاتا، ونظرت فإذا بزينة مع جواد. ثم قال بلهجة هزلية : - إني أحاول إقناع ابنتك أن تتراجع عن تامر؛ وهنا لكمت ضحى جواد على كتفه وقالت له : - أنت أسوأ خال في الكون . تقول هذا بدل أن تبارك خطبتها وتحمسها للمستقبل الآتي ! قال لها : - أتقصدين المستقبل المظلم؟ كما أن زينة ما زالت في الجامعة، فكان يمكنها أن تنتظر قليلا . أما جواد فهو هزلي يحبُّ القراءة، كان يحلم دومًا بأن يكون مؤثرًا في هذا العالم، اتّجه جواد إلى الحديقة حيث يجلس الضيوف، رد تامر بحماسة : - أهلا بعزيزي د. جواد زينة تتحدث بشأنك دومًا، ثم رفع الهاتف أمام وجه تامر،


النص الأصلي

يوم الزفاف هو يوم تحلم به كل فتاة، لتلتقي فارس أحلامها الذي كانت تنتظره، وحتما لم تكن زينة مختلفة عنهن . نظرت زينة إلى نفسها في المرأة وإلى الفستان الجميل الذي ترتديه، وقالت في نفسها : "يا إلهي كم أبدو جميلة اليوم !" وتابعت النظر في المرأة، متأملةً في فستانها ناصع البياض. هكذا كانت تراه في المرأة، رغم أن لونه الحقيقي كان مختلفًا؛ إذ كان ورديا! الوردي" هو اللون الشائع لفساتين حفلات الخطبة. ومع أن زينة كانت غاية في السعادة في يوم خطبتها، فقد كانت تحلم بليلة الزفاف التي لم يحن أوانها بعد. نظرت إلى صديقاتها اللاتي ملأن الغرفة، وسألتهنَّ : - كيف أبدو اليوم ؟ فرددن بصوت واحد : - أنت اليوم فاتنة. ابتسمت زينة وهي تعلم مسبقًا أن هذه الإجابة هي التي ستسمعها منهنَّ، حتَّى لو بدتْ قبيحة؛ فهذا هو دور الأصدقاء : يقولون لك ما تود سماعه، لا سيما في مثل هذه مواقف . دخلت ريما مسرعة إلى الغرفة وصاحت: وصل العريس. ريما هي الصديقة المقربة لزينة.


كانتا مختلفتين في كل شيء تقريبًا. في الحقيقة، لا أحد يدري كيف صارتا صديقتين ! فزينة نحيلة الجسم، بيضاء الوجه، مع شعر بني فاتح ، وعيون بنية، أما ريما فكانت سمراء ممتلئة الجسم، ذات شعر أسود، وعيون سوداء داكنة. اختلافهما في الشكل هو مجرد الاختلاف الأول ضمن قائمة الاختلافات الكثيرة في الذوق والشخصية، بل حتى في السلوك؛ فطبيعة زينة تتسم بالجدية والهدوء، على العكس من ريما التي كانت دائمة الحركة والمزاح . كان جميع صديقاتها يعلمن تمامًا أنَّ الشيء الوحيد الذي من شأنه أن يخرب كل الحفل هو ذِكرُ كلمة «الجامعة»؛ فجميعهنَّ يدرس في كلية إدارة الأعمال، وزينة كانت أتعسهُنَّ ؛ إذ إنها لم تستطع أن تحب تخصصها، وصارت الجامعة عندها أشبه بكابوس مزعج لا يريدُ أن ينتهي ؛ فقدرات زينة واهتماماتها لم تتناسب بتاتا مع كلية الإدارة. إقامة حفل الخطبة في عطلة الصيف كان حلا مناسبًا كي لا تختلط هذه المناسبة السعيدة بكآبة الدراسة. لذا اتفقن جميعًا على عدم ذكر أي شيء له علاقة بالجامعة؛ لأنهنَّ أدركن أن شخصية زينة القلقة ستضطرب بمجرد أن تتذكر ما تكرهه . ركضت زينة إلى النافذة لتنظر نحو ساحة المنزل حيث يجتمع الرجال، وبدأ خطيبها المستقبلي تامر يسلم على أهلها. بحثت جيدًا بين الضيوف، وعندما لم تجد «جواد» بينهم، انقبض قلبها. أين أنت يا جواد ؟. جواد هو حبيب زينة الأول، الذي لم تتوقع يومًا أن يخرج من قلبها. فبدأت زينة تقلق : هل يُعقل أن يكون جواد قد تعرَّض لحادث ما، أو ربما هو مستاء بسبب خطبتي، وقرّر ألا يأتي ؟". ۱۲ ساعة قبل الخطبة .... خرج صوت مزعج من غرفة النوم، وملأ سكون الصباح الباكر بالضجيج. يكاد هذا الصوت أن يكون أسوأ أصوات العالم. مد جواد يده من تحت الغطاء، وضغط زر الغفوة Snooze» ليطفئ المنبه مدةً مؤقتة. توقف الصوت المزعج ثم عاد جواد إلى النوم، لكن صوتًا بجانبه في السرير قال له : - هيا استيقظ ! إنها المرة العاشرة التي تضغط فيها على هذا الزر، ستتأخر عن عملك . حاول جواد النهوض، لكن السرير كان يضمه إليه بقوة، وكأنه مغناطيس كبير يشد إليه مسمارًا من الحديد. شد نفسه بصعوبة من السرير عدة مرات حتى نجح في نهاية المطاف . نظر إلى الوسادة وهو يقول في نفسه: وداعًا وسادتي الجميلة. سأعود إليك بعد ساعات نظر إلى سحر زوجته النائمة بجانبه، وقال بصوت خافت: - صباح الخير حبيبتي، ما زال أمامي ١٥ دقيقة ليبدأ عملي. قام جواد إلى الحمام، وأغلق الباب على نفسه. وبدأ روتينه اليومي. وكانت بداية الروتين هي في الوقوف أمام المرآة، ثم النظر إلى نفسه والحديث معها. نظر إلى جسمه القصير النحيل، ثم تأمل أنفه الكبير الذي يتوسط وجهه المستدير، ثم نظر إلى عينيه البنيتين اللتين يعلوهما حاجبان ثخينان. وأخيرًا نظر إلى شعره الأجعد بني اللون وكان منفوشا بسبب استيقاظه من النوم، مما جعل رأسه يبدو كالشمس المشرقة بأشعتها المنتشرة. في أثناء تأمله لنفسه في المرأة، كان يردّد قائلا: "أنا قوي ... أنا نشيط ... أنا أحب عملي... أنا طبيب ناجح . بدأ جواد يردّد تلك العبارات منذ أن قرأ آخر كتاب في التنمية البشرية كيف تحبُّ عملك في ثلاثة عشر يوما. كان هذا الكتاب هو الخامس بين ما قرأه في التنمية البشرية بحثًا عن طريقة يحبُّ بها عمله. بعد أن كرّر تلك العبارة 10 مرات على الريق، جلس على كرسي الحمام، وأغمض عينيه، وراح يتخيل يومه السعيد . بدأ يتخيل نفسه ذاهبًا في طريقه إلى العيادة، حيث يدخل عيادته سعيدا مبتهجا. تستقبله سعاد موظفة الاستقبال الجميلة مبتسمةً، وتخبره بأن جدول أعماله فارغ اليوم، وبأن جميع المرضى اعتذروا عن عدم التمكن من الحضور . ثم يعود إلى المنزل ليتابع قراءاته، أو حتى نومه . ضغط زر السيفون، ثم نظر مرة أخرى إلى نفسه في المرآة وبدأ يقول في نفسه : يا ربّ، أتضرع أن تمطر اليوم لتلغى كل مواعيد العيادة. وبدأ يتصور ما سيفعله إن لم يجد أي مريض في العيادة، وكيف أنه سيعود إلى المنزل ليتابع قراءاته الممتعة. لم يكن هذا الجزء الأخير موجودًا في كتاب التنمية البشرية، لكنه كان يمارسه على أية حال . فجأة، ظهر صوت عال مزعج من غرفة النوم وملأ المنزل ضجيجًا . ثم تبعه صوت آخر يصيح : - جواد، تعال أطفئ منبّهك الغبي ! استعد جواد للخروج من المنزل، واتجه إلى العيادة. عندما وصل إلى عيادته، استقبلته سعاد موظفة الاستقبال بوجهها العبوس القبيح الذي لا يبتسم بتاتا. ولشدة عبوسها انحفرت أخاديد على جبهتها لتعطيها المنظر العابس طوال الوقت. تحسر جواد في نفسه : "يا لخسارة هذا الاسم السعيد فيك! الأولى أن يكون اسمك «تعاس». | رسم على وجهه ابتسامة مصطنعةً وهو يقترب من سعاد، وقال لها : "صباح الخير يا سعاد". فعبست في وجهه، وأشارت إليه ليلحق بها إلى غرفة الأطباء خلف الاستقبال مباشرة، فلحق بها . دخلا الغرفة وأغلق الباب خلفه، فهو يعرف تماما ما سيحصل له في الدقائق التالية. بمجرد إغلاق الباب، قالت له بصوتها الأجش المرتفع : - من أين سيأتي الخير ؟ الساعة الآن التاسعة والنصف. لقد تأخرت نصف ساعة كعادتك . لم أعرف ما علي أن أقوله للمرضى الذين ينتظرونك . أنت تحرجني دومًا. ألن تغير طبعك هذا في عدم التزام الوقت ؟ حاول جواد أن يُبقي على ابتسامته المزيفة، ثم قال : - أنا ثابت دومًا على مواقفي يا سعاد ألا تعرفين لماذا أسماني والدي «جواد»؟ تحولت سعاد بنظرها بعيدًا عن جواد ، ثم نظرت إلى السقف، وكأنها تريد أن تعبر له عن 21 10 من تململها. لكنه تابع : لقد أسماني «جواد»؛ لأنَّه يُشبه كلمة «جماد». لقد أراد مني أن أكون جامدا كالصخر، فلا أتغير مهما كانت الضغوط. لم تعره بالا؛ فقد حفظت مقولاته عن ظهر قلب. ثم أخبرته باسم أول مريض ينتظره في العيادة، وأكدت أنه ينتظر منذ نصف ساعة. لم يمض على جواد إلا سنتين وهو يعمل في تلك العيادة. حيث بدأ عمله فيها فور تخرجه في كلية طب الأسنان. كان نشيطا متحمّسًا في بداية العمل، أو - على الأقل - في أوَّلِ أشهر منه . لكن بعد ذلك بدأ يشعر بالملل والكآبة، وتحولت العيادة إلى سجن وكابوس أبديّ. بمرور الوقت، صارَ التأخر عن العمل صفة ملازمة له، مع أنه دقيق جدا في مواعيده الأخرى، مما تسبب في استياء مدير المركز د. أشرف منه. أما جواد فكان يعرف تمامًا أنَّ المركز لن يستغني عنه؛ فعمله كان متقنا وجعله يكسب الكثير | من المراجعين. دخل عيادته بسرعة، ونظر إلى كرسي الاعتراف الذي يستلقي عليه أحد المرضى. ونظر إلى الأدوات الكثيرة المنتشرة في الغرفة، ثم قال في نفسه: يا إلهي! تبدو هذه الغرفة أشبه بغرفة تعذيب للمرضى، لكنها في الحقيقة غرفة تعذيب لي أيضًا. جلس على كرسيه بجانب المريض، واعتذر عن عدم حضوره في الموعد المحدد لأسباب خارجة عن إرادته. نظر نظرة خاطفة إلى ملفّ المريض على شاشة الكمبيوتر، وهو يلبس قفازات المعالجة البيضاء، وأمسك حفارة الأسنان بيده اليمنى، ومرآة الأسنان باليد اليسرى. نظر إلى المريض وسحب نفسًا عميقًا من أنفه، ثمَّ أخرجه بسرعة كما لو كان ينفخ بالونا بالهواء. بعدها قال في نفسه: "على ما يبدو أن كتاب «كيف تحب عملك في ثلاثة عشر يوما لن ينجح بتاتا!". ثم قال للمريض الجملة التي يكررها ألف مرة في اليوم : "افتح فمك. وعندها قال في نفسه : بدأ العمل التعيس، سيكون يوما طويلا كالعادة نصف ساعة قبل حفل الخطبة .... في الساعة الثامنة والنصف مساء خرجَ جواد من العيادة مُسرعًا قبل نهاية الدوام بنصف ساعة، ليتمكن من حضور حفل خطبة حبيبة قلبه زينة. ومع أن جواد تزوّج بسحر قبل سنتين، فإن زينة ستبقى هي الساكنة الأولى في قلبه مهما حدث، وحضور هذا الحفل مهم جدا لهما . ركب سيارته الرياضية الحمراء، وانطلق مسرعًا إلى المنزل . كان سعيدا جدا - كعادته - عندما يخرج من العيادة. إحساسه مشابه تماما لسجين حكم عليه بالسجن مدة عام، ثمَّ أُطلق سراحه بعد انقضاء المدة، لكن مع فارق بسيط : أن جواد يُسجن في كل يوم مرتين : من الساعة التاسعة صباحًا حتى الثانية عشرة ظهرًا، ومن الرابعة عصرا حتى التاسعة مساءً. بدأ يردد: "كان يوما جميلا ... كان يومًا سعيدًا ... أحب مهنتي، وهي عبارة أخرى تعلمها من ذاك الكتاب، يتداولها ثلاث مرَّاتٍ بعد الانتهاء من العمل . سكت، ثم راح يفكر : متى سأحب مهنتي ؟". دخل المنزل مسرعًا ليرتدي ملابس الحفل، ولم تكن زوجته في المنزل وقتها، وكان يعلم ذلك . أخرج بدلته الكحلية وقميصه الأزرق السماوي ، ثم بدأ يجرب ربطات عنق مختلفة، واختار في النهاية الربطة الزرقاء لبس البدلة، وألقى نظرة سريعة على نفسه في المرآة، ثم اتجه نحو باب المنزل . وفي طريقه للخروج، لمح كتاب كيف تحب عملك في ثلاثة عشر يومًا مرميًا على الطاولة بجانب الباب . توقف قليلا، ثم أمسك الكتاب وعاد إلى مكتبه. كان قد أنهى قراءة الكتاب قبل شهر تقريبًا، وقرأ قبله كتبًا أخرى مشابهة، وما زالت مشاعر الكره تجاه مهنته هي ذاتها دون تغيير؛ فهذه المهنة لا تتناسب البتّة مع قدراته وميوله. فهو شديد الذكاء ويحبُّ الرياضيات وحل المشكلات، ويحبُّ الانعزال والتفكير، كما أنه لا يحب ممارسة الأعمال الجسدية. أما مهنة طب الأسنان فهي مهنة لا تحتاج إلى الكثير من التفكير؛ فليس أمام الطبيب بعد معاينة المريض سوى أن يفكر لدقائق في المشكلة، ويقرّر كيفية حلها - كان هذا الجزء الوحيد الذي يعجب جواد - ثم يعمل نحو ساعة أخرى عملا يدويًا حرفيًا يحفر فيه الأسنان ويحشوها ، مع مهام أخرى مشابهة تحتاج إلى القليل من التفكير. قلب الكتاب بسرعة، وقال بصوت مسموع : "لقد نفذتُ كلّ ما فيه، وبحذافيره! لكنَّ كراهيتي لمهنتي كانت تزداد يومًا بعد يوم. وضع يديه على وجهه متسائلا : "هل سأمضي بقية حياتي هكذا؟“. ثم تابع الحديث لكن بصوت أعلى : هل سأبقى في حلقة الكابة هذه إلى الأبد؟ لماذا يحبُّ زملائي في العمل عملهم، أما أنا فأكرهه، بل أكرهه جدًّا ؟. أمسك جواد الكتاب، ثم رماه بقوة نحو الحائط المقابل من الغرفة، وهو يخاطب الكتاب : لن أحبها بتاتا أيها الكاذب". ارتطم كتاب كيف تحب عملك في ثلاثة عشر يوما بالحائط، وسقط على كومة من كتب أخرى كانت ملقاةً هناك. كان على سطح تلك الكومة كتاب أطلق طبيب الأسنان الذي في داخلك. وصلت رسالة إلى هاتفه النقال . أمسك الهاتف ليقرأ الرسالة: أين أنت؟ لقد تأخرت نظر إلى ساعة هاتفه النقال، وكانت تشير إلى التاسعة والنصف . "تبا، لقد تأخرت عن الحفل". ركب سيارته، وانطلق إلى منزل زينة الذي لا يبعد كثيرًا عن منزله؛ إذ يستغرق الطريق عشر دقائق بالسيارة، كما يمكن اختصار الوقت بالسير في الطرق الفرعية الداخلية الضيقة، وهذا ما قرر جواد أن يفعله . كان ذهنه مشغولاً بالتفكير في الحياة المزرية التي بات يعيشها، حيث لم يعد يشعر بأي طعم للحياة، وبات ينتظر الأسبوع لينقضي بأسرع طريقة ممكنة. بينما هو يفكّر في مستقبله، انعطف في شارع خاطئ، استغرق بعض الوقت ليكتشف أنه ضل طريقه . "تبا! أين كانت تلك اللفة التي علي أن أدخلها؟ لقد تأخرت كثيرًا عن الحفل، والآن أضعت الطريق، ويعني هذا مزيدًا من التأخير. بدأ يلتفت يمينا وشمالا بحثًا عن الطريق الصحيح، ثم بدأ يجرب طرقًا ولفات أخرى . الطرق هنا متشعبة ومتشابهة، ولا أدري أيُّها هو الطريق الصحيح. ثم بدأ يشعر بإحساس غريب جدا . " يا إلهي ! كم تشبه هذه الطرق المتشعبة حياتي البائسة. إنها كالمتاهة لا تعرف طريقك فيها، وتسعى بكل جهدك أن تجد الطريق الصحيح من ..... وقبل أن يُنهي جملته، طارت سيارته في الهواء، ثم ارتطمت هابطة بقوة، فارتطم رأسه بدوره في سقف السيارة. تبا لهذه المطبات التي تظهر فجأةً دون سابق إنذار. وبعد أن هدأ قليلا، عاود التفكير قائلا : "كذلك المطبات كثيرة جدا في حياتي؛ فلا يكفي أني تائه في حياتي، بل ما يزيد الطين بلّةً هو أنها حافلة بالعراقيل والمصاعب التي تجعل البحث عن الطريق الصحيح أمرا أصعب. بعد أن فقد الأمل في إيجاد الطريق، توقف بسيارته عند طرف الشارع، ثم فتح برنامج خرائط غوغل (Google Maps)، وبدأ يبحث عن منزل زينة: "ما هذا الحظ التعيس! إِنَّ منزلها على بعد شارعين فقط ! أضعتُ لفّة واحدة، وعلقت في المتاهة. ثم بدأ يفكر : كم سيكون جميلًا لو أن لدى «غوغل» برنامجا يريك مكانك في الحياة، ويرشدك إلى الطريق المناسب لك، كأن يكون اسمه «غوغل الحياة» أو «Google Life». ثم ضحك لثوان، والتف بسيارته ليجد منزل زينة. كانت زينة تنظر بترقب من نافذة غرفتها؛ فصديقاتها سبقنها إلى غرفة الضيوف. "؟ تساءلت في نفسها : "لماذا لم يأتِ بعد ؟ هل وقع له مكروه ؟ . دخلت ضُحى - والدة زينة - غرفة ابنتها لتسألها عن سبب تأخرها في النزول إلى الضيوف. حاولت زينة أن تخفي ارتباكها، وقالت: "سأنزل حالا. لكن ارتباكها كان واضحًا. - زينة! الضيوف بانتظارك، لا بد أن تنزلي الآن. حاولت الأم أن تستعجلها، وحاولت زينة أن تماطل قليلًا، فجلست أمام المرآة وكأنها تعدل مكياجها. لمحت من النافذة سيارة رياضية حمراء تقترب من المنزل . فقالت في نفسها : "أهو جواد يا ترى ؟ . ثم اقتربت من النافذة. ولمحت جواد يخرج منها، فتغيَّرت ملامح وجهها، وقالت في نفسها : "كنتُ موقنة أنه سيأتي". وضعت اللمسات الأخيرة، وأمسكت بيد أمّها التي كانت مشغولة بهاتفها، ونزلتا من الغرفة إلى الطابق الأرضي حيث صالة الضيوف التي كانت ممتلئة بالنساء اللاتي أتين لتهنئة زينة. كانت تلك الصالة خاصة بالنساء، أما الرجال فقد جهزت حديقة المنزل بالكراسي والطاولات لاستضافتهم . توقفتا أمام باب صالة الضيوف، وهناك قالت الأم : زينة انتظري هنا، ولا تدخلي الغرفة حتَّى أذن لكِ . انتظرت في الممر المجاور لصالة الضيوف بانتظار اللحظة المناسبة لتدخل إليهم . فجأة، فتح أحد الأبواب الجانبية للممر وخرجت منه يد سحبت زينة نحو الخارج . صرخت زينة : جواد رد عليها : - كم أنت جميلة اليوم يا زينة! ردت بخجل : - شكرا لك، كنتُ قلقةً ألا تأتي اليوم. رد عليها : - يستحيل أن أضيع مناسبةً كهذه لحبيبتي زينة، مع أني لم أكن أتوقع أنك في النهاية ستوافقين على الزواج بتامر ! قالت له : - لقد أخبرتك بأن تامر تقدم لخطبتي، وأنت لم تحرك ساكنا. كما أني أحب الشخص الهادي الرزين الذي يفكر كثيرا، ويتكلم قليلا. فقال جواد - هل تقصدين أني أتكلم كثيرًا ؟ على كل حال، هذا ليس مستغربًا؛ لأن الصفات التي ذكرتها هي صفات فارس أحلام جميع الفتيات؛ فهنَّ يفضلن الشاب الهادئ الذي لا يتكلم بتاتا، لتسنح لهنَّ فرصة الكلام طوال الأربع والعشرين ساعة دون أية مقاطعة . وأما عن سكوتي عن خطبتك، فهو خوفا من أن أتسبب في إصابة والدك بالجلطة ردت بغضب: 21 18 من - جواد، لا داعي لهذا المزاح اليوم. فجأة فتحت أم زينة الباب الجانبي للممر، ونظرت فإذا بزينة مع جواد. صاحت: - جواد ؟ رد بأعصاب باردة : - يا أهلا بشقيقتي ضحى. ثم قال بلهجة هزلية : - إني أحاول إقناع ابنتك أن تتراجع عن تامر؛ لأنه ليس مناسبًا لها. وهنا لكمت ضحى جواد على كتفه وقالت له : - أنت أسوأ خال في الكون . تقول هذا بدل أن تبارك خطبتها وتحمسها للمستقبل الآتي ! قال لها : - أتقصدين المستقبل المظلم؟ كما أن زينة ما زالت في الجامعة، لم تنه إلا سنتين من دراستها، وبقيت أمامها سنتان لتتخرّج، فكان يمكنها أن تنتظر قليلا . رغم أن ضحى وجواد أخوان شقيقان، فإنَّهما شخصيتان متعاكستان تمامًا؛ فضحى جدية وتقليدية، همومها منحصرة في المشكلات اليومية أو الصراعات مع الأقارب والجيران. أما جواد فهو هزلي يحبُّ القراءة، ويفكّر دوما بطرق مختلفة وخارج الصندوق، كما يفكر في المستقبل ويخطط له. لهذا فهو لا يشغل نفسه كثيرا بالأمور البسيطة التي تشغل بعض الآخرين. كان يحلم دومًا بأن يكون مؤثرًا في هذا العالم، لكن هذه الفكرة اندثرت تقريبا بمجرد تخرجه في كلية طب الأسنان، عندما وجد أن 19 من 21 حلمه وواقعه يستحيل أن يلتقيا. اتّجه جواد إلى الحديقة حيث يجلس الضيوف، وجلس بجانب تامر وسلم عليه، وبارك بالخطبة. رد تامر بحماسة : - أهلا بعزيزي د. جواد زينة تتحدث بشأنك دومًا، وأنا أحببتك رغم أننا لم نلتق من قبل . ابتسم جواد، ثم أخرج هاتفه النقال وقلب بعض الصور ، ثم رفع الهاتف أمام وجه تامر، وسأله: برأيك، ما هذه الصورة؟ تأمّل تامر في الصورة، والتي كانت صورة قديمة بالأبيض والأسود، ويظهر فيها رجل يجلس على كرسي، يثبته أربعة رجال من يديه ورجليه. ويقف أمامه شخص خامس بيده كماشة ويضعها داخل فمه. كانت هذه الطريقة هي التي يستخدمها أطباء الأسنان في الماضي عند قلع الأسنان قبل اكتشاف المخدّر. بعد لحظات من التأمل في الصورة، رد تامر قائلا : - أظن أن هذه الصورة هي صورة أطباء الأسنان في الماضي، وكيف كانوا يقتلعون الأسنان دون مخدر. أليس كذلك ؟ رد جواد إجابتك خاطئة! هذه الصورة توضح ما سأفعله بك، إن أزعجت زينة في يوم من الأيام. تغيرت ملامح وجه تامر، واختفت الابتسامة من وجهه تماما . وقال في نفسه : لقد تورطت" في صالة النساء، كانت الفتيات يرقصن على وقع أغنيات صاخبة، بينما كانت زينة ترقص معهن تارةً، وتحيي النساء الموجودات تارةً، وتجلس مع صديقاتها تارةً أخرى. كانت سعيدة جدا؛ فارتداؤها لفستان أحلامها الأبيض بات قريبًا لتكمل باقي حياتها مع حبيبها تامر. اقتربت منها إحدى السيدات وسلمت عليها قائلة : - مبارك يا زينة تبدين رائعة الجمال . ردت زينة دون أن تعرف حتَّى من هي تلك المرأة : - شكرا لك يا خالة. فسألتها السيدة : - كم بقي على تخرجك في الجامعة ؟ ردت زينة : - بقيت سنتان بإذن الله . فقالت لها السيدة :


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

أهم المراكز الت...

أهم المراكز التجارية في الجزيرة ومن أشهر الأسواق التجارية في تلك الحقبة كانت سوق عكاظ التي كانت تقام...

ويُقال: لليلتين...

ويُقال: لليلتين خلتا منه، وقيل لاثنتي عشرة خلت منه وهو أصح ودفن ليلة الأربعاء وسط الليل وقيل ليلة ال...

ولا يخفى على ال...

ولا يخفى على اللبيب أن «النغمة» تمثِّلُ التحدي الأكبر للمترجِم؛ لأنها قد تعتمد على مصطلح اللغة الأصل...

كل لغة لها عيوب...

كل لغة لها عيوبها وقيودها. بعض الناس يشعرون بالإحباط الشديد من العيوب بأنفسهم! لقد كانت هناك أكثر من...

هي شركة متخصصة ...

هي شركة متخصصة في الأجهزة الكهربائية مثل الثلاجات والغسالات والمواقد من المحتمل أن تشارك Union Air ،...

Kate Chopin's "...

Kate Chopin's "The Story of an Hour" is a powerful and poignant tale that explores the complex emoti...

ولما بلغ ابن ال...

ولما بلغ ابن الدمينة شعر مزاحم ، أتي امرأته فقال لها : قد قال فيك هذا الرجل ماقال ، وقد بلغك ، قالت ...

المبيدات الحشري...

المبيدات الحشرية غير العضوية Inorganic Insecticides تستخدم معظم المبيدات الحشرية غير العضوية في مكاف...

غني عن الذكر أن...

غني عن الذكر أن المملكة العربية السعودية كانت هدفا للإرهاب منذ مرحلة مبكرة، ومن ذلك الاعتداء على الح...

الكترونية المتا...

الكترونية المتاجر: كتابة سياسية المتجر. كتابة سياسية الاستبدال والاسترجاع. ظبط الاعدادت الاسياسية ال...

المجاهد : محمد ...

المجاهد : محمد الزرقطوني ( رحمه الله )....​ ولد بالدار البيضاء سنة1925وترعرع في أحضان الحركة ​ الو...

محاضرات علم الس...

محاضرات علم السكان: محــــــــــــاضرة 1: أولا: مفهوم علم السكان قبل أن نقدم تعريفا دقيقا لعلم الس...