لخّصلي

خدمة تلخيص النصوص العربية أونلاين،قم بتلخيص نصوصك بضغطة واحدة من خلال هذه الخدمة

نتيجة التلخيص (50%)

عنوان المداخلة: ترجمة الأدب العربي: التماهي مع الصور النمطية لا شك أن الترجمة الأدبية قد لعبت دورًا كبيرًا في التعريف بالثقافة والهوية المحليتين، مما خلق تفاعلًا ثقافيًا وحضاريًا. ومن ثم أسهمت في تشكيل صورة متبادلة عنهم وعن أنفسنا. غير أن هذه الصورة قد لا تكون دائمًا دقيقة أو صادقة، من هذا المنظور ، بل تخضع لتأثيرات متعددة، مثل العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، التي تؤثر في إنتاجها وتلقيها ولا تقتصر، كما يوضح لورانس فينوتي، على نقل الكلمات والجمل بل تلعب دورًا كبيراً في تشكيل صورة عن "الآخر" وثقافته في فترة تاريخية معينة وتساهم في عرض طريقة حياة تعتبر غريبة عن الجمهور المتلقي، لذا يسعى بعض المترجمين إلى توجيه الترجمة نحو ملائمة النص الأجنبي مع الثقافة المستهدفة، و إلى جعل النص المترجم سلسًا وشفافًا خاليًا من الفروق اللغوية والثقافية بين اللغتين والثقافتين. وهذا غالبًا ما يتم عن طريق استبدال بعض التفاصيل بما يتناسب مع "ذوق" الجمهور. 1-الاستشراق وتأثيره في تشكيل الصور النمطية عن العرب إنّ تاريخ العلاقة بين الغرب والعالم العربي طويل ومعقد، خصوصًا في السياق الفرنسي الذي تأثر بشكل كبير بالحروب الصليبية، حيث ارتبطت صورة العربي في الأدب الفرنسي بالهمجية والشهوانية، على ترسيخ هذه الصورة النمطية المشينة وانعكس ذلك على الترجمات التي تمت للأدب العربي إلى اللغات الغربية حيث تقدم صورة غير دقيقة، مثقلة بالغموض والغريزية، كما في "ألف ليلة وليلة" التي أسهمت في رسم صورة رومانسية ومثالية عن العالم العربي. فالغرب يفضل ترجمة الأدب العربي الذي يؤكد صورة محددة عن العرب ترتبط بالعنف والتطرف مثلا والذي يبرز صورة المرأة العربية "المقهورة وقد أشار محمد داود (Daoud, كما قدمت العديد من الروايات الغربية الشرق كمكان للحكم الاستبدادي، والعنف، والخرافات. واستمرت هذه الصورة في بعض الأدب الذي جعل الشرق يبدو كمكان أقل شأناً وأكثر غرابة مقارنة بالغرب فالصورة التي خلقتها الترجمات التي تمَّت خلال قرون عديدة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية كثيرًا في إنتاج العديد من الصور النمطية عن العرب والمسلمين وتقول ندى توميش بخصوص تلك الترجمات أنّها (TOMICHE, 1978) تعكس صورةً غير سارة وغير إيجابية للعالم العربي وتُظهر صورةً موسومة بالعجائبية exotisme والشهوانية والسذاجة التي تزخر بها حكايات ألف ليلة وليلة وحتى النصوص الأدبية الحديثة التي يتم اختيارها للترجمة لم تسلم من ذلك فهي نصوص تقدم في الغالب مجتمعًا مُتخلفًا تمامًا وعالمًا فلكلوريًا لم يعُد يمثل العالم العربي حاليًا وذلك من أجل أن تستجيب لطلبات وانتظارات جمهورٍ متلقي يبحث في الأدب عن عالمٍ مُتخيلٍ من شأنه أنْ يُعارض الحقيقة التي يعيشها، وقد بيَّن البروفيسور جون لويس موم في المؤتمر الدولي الأول للأدب المقارن في البلدان العربية سنة 1983 بمدينة عنابة أنَّ الصورة التي ينقلها الأدب العربي المترجم والأدب الغربي الذي يتناول الشرق الأوسط والمغرب العربي هي صورة ذلك العربي"الحقير" و"القذر" و"اللص والصموت" و"الغامض" والـمُحيّر وأسوء من ذلك–الفضُّ-المتوحش-الغير إنساني وهي في الحقيقة صفات ليست جديدة ومستحدثة بل متجذرة في مخيال الإنسان الأوروبي ويتم استرجاعها عبر طريق الترجمة وتأكيدها فقط، 1993 p. 1) 2008 الصفحات 28-29) : « إنتاج الآخر( أي آخر) وفق صور متخيلة تعتريها تشوهات الإحالة والفصل والمعايير الميتافيزيقية التي وسمت مجمل تاريخ الفلسفة الميتافيزيقية الغربية وهكذا تظهر ميتافيزيقا الاستشراق الذات الغربية في زهوة تفوقها وقوتها وسطوتها، بينما تُزيّف ثقافة الأخر الشرقي (خصوصًا الإسلامي) وتحتقر ثقافته ولغته وديانته ووجوده وتضعه خارج التاريخ وخارج الفضاء الكوني المشترك». فالنصوص، سواء أكانت أصلية أم مترجمة، لا تُكتب في فراغ ايديولوجي وحيادية تامة، بل تخضع لخطاب ثقافي سائد يفرض قيودًا على إنتاجها ويصبح الخطاب بهذا المعنى مدخلًا سياقيًا يحدد الإطار اللغوي المناسب لكل ثقافة، حيث يلعب المترجم دورًا في التعبير عن هذا الإطار بما يناسب المؤسسات التي يخدمها النص. وتؤثر هذه الأفكار النمطية عن "الآخر" على قرارات الناشرين في اختيار النصوص المترجمة، حيث تفضل الأعمال التي تلبي هذه الأفكار
و يرى فائق أن الخوف من "الآخر" قد يؤدي إلى اعتماد استراتيجيات لغوية تعزز التراتبية والهيمنة، على الرغم من أنه "غالباً ما يُساء فهمه ويُساء تفسيره، يُنظر إليه على أنَّه أجنبي ومختلف ولكن في نفس الوقت جذاب بشكل غريب" والجاذبية في هذا المقام هي مرادفة لعالم مليء بالإثارة، أي لعالمٍ من العجائبية، فمنظور"الذات" فيما يتعلق"بالآخر"هو ما خلق أساسا"الشخصيات النمطية" أيْ أنّ الثقافة الـمُترجـِمة تُحدّد، حسب قوتها، خصائص معينة للشخصية الـمُترجَمة ويتم إنشاؤها بشكل أساسي من قبل الدول الأكثر قوة لأغراض عرقية فعلى سبيل المثال، ليس هناك شك في أنَّ " ألف ليلة وليلة" و«علي بابا"، أو "رباعيات عمر الخيام" هي بعض الأعمال الأكثر جاذبية للغربيين لأنها تُقدم الصورة التي يتوقعونها، وقد لاحظ إدوارد سعيد في كتابه "سياسات السلب والتجريد: كفاح الفلسطينيين في سبيل تأكيد المصير" (SAID, 1994)قلَّة اهتمام الغرب بترجمة الأدب العربي وإنْ اهتم فهو لا يهتم سوى بالأدب العربي الذي يُنتج ويُؤكد الصورة التي لديه عن العالم العربي أو التي يريدوها كما أنّ تلقي هذا الأدب مرتبط ارتباطًا طرديًا بإنتاج بعض الصور النمطية والكليشيهات وكأنَّ ستارًا حديديًا من اللامبالاة والتحيز يستبعد أيّ اهتمام بالنصوص التي لا تكرر الكليشيهات المعتادة حول "الإسلام"، العنف، الشهوانية، وهكذا دواليك، فالظاهر أنَّ سياسة متعمدة تحافظ على نوع من الاختزال المتجانس عندما يتعلق الأمر بالعرب والإسلام كما أنّ معظم ما تم نشره في التعليقات الصحفية وتعليقات الخبراء في وسائل الإعلام الأمريكية مجرد تكرار لصور نمطية فظيعة، وينبع كلّ ذلك بشكل واضح لا لبس فيه من سياسة حكومة الولايات المتحدة التي طالما اعتبرت العرب إمَّا إرهابيين أو خدم بُلهاء يجب أن يُحلبوا أموالهم أو نفطهم الغزير والرخيص. كما لاحظ الشاعر والمترجم رفعت سلام أيضا (رجب، أنّ أعمال الكاتبة المصرية أليفة رفعت تلقى اهتماما كبيرًا وقد تُرجمت ونوقشت كثيرًا لأنها تتحدث عن وضع المرأة المقهورة أو المهمشة، وهي أعمال تكرّس وجهه النظر النمطية في الغرب عن الشرق المتخلف. 1-1- تأثير السياق السياسي على اختيار الأعمال المترجمة تعد الترجمة أداة أساسية للتواصل بين الثقافات، حيث تتيح نقل الأفكار والمعارف بين الشعوب المختلفة. لا يتم هذا النقل دائمًا بشكل حيادي أو موضوعي، بل يخضع في العديد من الأحيان لتأثيرات متعددة، من أبرزها السياق السياسي الذي يؤثر بشكل كبير في اختيار الأعمال المترجمة. إنَّ السياقات السياسية تتداخل مع عمليات الترجمة من خلال تأثيرها على أولويات النقل الثقافي، قد تساهم الهيمنة السياسية أو الأيديولوجية في تحديد نوعية النصوص التي يتم اختيارها للترجمة، سواء كانت هذه الترجمات تسهم في تعزيز صورة معينة أو تنقل مفاهيم ومعلومات تحافظ على الهيمنة السياسية والثقافية، فإن تأثير السياق السياسي لا يمكن تجاهله في فهم كيفية انتقال الأدب والفكر عبر الحدود. 2016) في دراسة لها على رواية "عمارة يعقوبيان" حيث أدركت أن طبيعة الموضوع الذي تتناوله الرواية لعب دورًا أساسيًا ومركزيًا حتى تلاقي ترجمتها النجاح في الغرب حيث تتعامل رواية "عمارة يعقوبيان" مثلاً مع قضايا مثيرة للجدل تتعلق بالسخط السياسي ورُهاب المثلية الجنسية والتمييز على أساس الجنس والأصولية الإسلامية والإرهاب وهي مواضيع جذابة للقارئ الغربي خاصةً وأنَّ نشرها كان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عندما كان اهتمام الغرب هناك يتزايد بسياسات الشرق الأوسط وثقافته. however, coupled with a good understanding by translators and publishers of the contemporary reader’s expectations at a given time and place, 2016 p. ‘There are three things wrong with the idea. He’s male. 2- انتقائية نصوص "الآخر"، انصياعٌ لمعايير ثقافية مهيمنة من المسلم به حاليًا أنّ أيّ منتوج أدبي يُعدّ سلعة كباقي السلع الأخرى ويخضع لمتطلبات ومقتضيات عالم المبيعات من عرض وطلب وذوق الزبون أو المستهلك(القارئ) وتطلعاته وهو عالم يفرض منطقه بقسوة وبلا شفقة على جميع المنتجات وعلى جميع الفاعلين فيه(أدباء، ناشرون، إلخ )، لذا فإنّ أهم ما يتحكم في عملية اختيار النّص الأصلي الموجه للترجمة هو مدى قدرته على تحقيق مردودٍ مادي وذلك بغض النظر عن قيمته الأدبية والجمالية والقيم الإنسانية التي يحتويها. صحيحٌ أنّ المترجم هو من يقرر تبني إستراتيجية شاملة من بين الاستراتيجيات المتاحة له حال نقله للنص المُختار للترجمة وأنّه حقيقة وفعلاً من أهم الفاعلين في الفعل الترجمي غير أنّه بالرغم من تلك المكانة التي يتمتع بها يخضع كغيره علاوة على المعايير المجتمعية والثقافية التي سينقل إليها النص المترجم إلى رغبات العديد من الأطراف ولعلّ أهم طرف يخضع له في نظرنا هو صاحب التكليف بالترجمة( الذي قد يكون شخصا أو مؤسسة، لذا فإنّ لتكرار اختيار نفس النصوص بنفس المضامين والأشكال أثرٌ كبير على تشكيل الهويات الثقافية وتمثيلها وإنتاج القوالب النمطية وتأكيدها، and the way knowledge from a different cultural setting is relocated and reinterpreted according to the conditions in which knowledge is produced. They are deeply inscribed within the politics, 1996 p. 2-1- من حيث مضمون النصوص إن الخطاب السائد في ثقافة من الثقافات يفرض قيوده على جميع الفاعلين في المجال الإبداعي على المستوى الماكروي( السياق العام ) وهو ما يجعل "الأنا" و"الآخر" متموقعين في طرق التمثيل الموروثة والمخزنة في الخبرة الجماعية ويصبح كلّ "أنا" خائفا من "الآخر" ويرى فائق في هذا الإطار أنّه عندما يخاف "الأنا" من الآخر فإن الاستراتيجيات المعجمية(الخيارات اللغوية) المتوقعة هي تلك التي تحقق التسلسل الهرمي والتبعية والهيمنة وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى إنشاء صور نمطية مصحوبة عادةً بتمثيلات متواجدة أصلاً في المخيال الجمعي والتي تعزز الأفكار التي تكمن وراءها، The presentation of others through translation is a powerful strategy of exclusion used by a self as normal and moral (Said, 1995). Not surprising, acceptors. خاصةً عندما تكون مواقفهم فيما يتعلق بالخطاب السائد مختلفة أو لا تتوافق مع المعايير السائدة في الثقافة الهدف أو مع المعايير المحددة لأنظمة اختيار النص الموجه للترجمة وإستراتيجية نقله وتمثيل الآخر واستهلاك وتلقي الأعمال الأجنبية كما أنَّ الهدف من هذه الترجمة هو إرجاع "الآخر المختلف ثقافيًا" كالأنا حتى يُمكن التعرف عليه وحتى يكون مألوفًا غير أنَّ الخطر من توطين النَّص الأجنبي يكمن في أنَّه غالبًا ما يتم عبر مشاريع واعية تخدم الترجمة الإمبريالية الاستيلائية والإلحاقية على الثقافات الأجنبية من أجل أجندات محلية وثقافية واقتصادية وسياسية. وهو ما خلص إليه الطعمة (Altoma، إميلي نصر الله (1987)، أليفة رفعت (1983)، 1985، 1987، المستكينة والمغلوبة على أمرها، ولا أدلّ على ذلك الكاتبة نوال سعداوي التي تبقى، حسب ذات الدراسة، من دون أدنى شك الكاتبة الأكثر قبولاً وتلقيًا واستحسانًا في المجتمع الغربي ليس بسبب القيمة الحقيقية لأعمالها الأدبية بل بسبب مقاربتها الراديكالية والصريحة في تصوير أوضاع المرأة في مصر والمجتمعات العربية، ففي الوقت الذي تمَّ فيه حظر وحجب كتاباتها في مصر وأماكن أخرى من المنطقة العربية، لاقت أعمالها، تؤكد ريم بسيوني، متماهية مع صورة نمطية سلبية سائدة هناك عن العرب، هناك أفكار وصور صارت متجذرة عنا كعرب مفرداتها الإرهاب، إلى آخر تلك الصفات السلبية السائدة عن العرب يبحث عنها الناشر الأوروبي لتسويقها”. « Novels which are translated are often imagined to reconfirm accepted notions about two dominant subjects: Arab women and Islamic resurgency or what is called Islamic fundamentalism» (ABBOUSHI-DALLAL, 2-2-من حيث شكل النصوص . . insufficiently Westernized to produce a narrative that feels much like what we call a novel. still current stereotypical ideology based on universalism, unitarism, and the homogeneity of human nature. » (FAIQ, ويرى شحيد في هذا السياق أنّ الفرنسيين مثلاً يتعاملون مع النّص الأصلي العربي بفوقية تجعلهم يجيزون لأنفسهم تشذيب النّص و"تمتينه كونهم يعتبرون أنّ إحاطة الكاتب العربي بنصه غير منضبطة؛ فيسلطون عليه أحكامهم "الديكارتية" البتارة، ويظنون أنهم إن أبقوا على النّص كما خرج من يدي الكاتب فسيفقد من رونقه وبهائه وسيخسر بالتالي عددا من القراء المتطلبين، وكأن هناك كتابة معيارية واحدة، فإمام أن تكون الرواية العربية صنوًا للكتابة الأوروبية أو نسخة عنها، وإما أن لا تكون. (شحيد، 2007) لم يسلم من تبني الاستراتيجيات التي تُعزز هذه الصور النمطية السائدة في الخطاب الغربي حتى بعض الكتاب العرب والمسلمين في العالم الغربي لاسيما أولئك الذين تمكنوا من جذب انتباه الأكاديميين والنقاد والقرّاء وحصلوا على جوائز مرموقة فقد كانت كتاباتهم تتطابق مع التمثيلات والصور النمطية الراسخة للثقافات والمجتمعات العربية والإسلامية والتي تتوافق مع الإيديولوجيات والأخلاق والقيم الراسخة للثقافة المترجم إليها. بالإضافة إلى أعماله الأخرى، على هوسه بالجنس لأنَّه يعرض فيه عالمًا من الهذيان و"الأوهام ويُقدِّم قصصًا متنوعة عن اللاعقلانية والأمراض العقلية وهي ذات المفاهيم التي يمكن اكتشافها في أعمال المستشرقين عند وصفهم العرب والإسلام وهو بفعله هذا يقوم بإنشاء نص يسهل قبوله في الخطاب والثقافة السائدتين في المجتمع الفرنسي ويتوافق مع الصور النمطية التي لديهم عن العرب والإسلام، والصور التي تمنحها الثقافة الفرنسية لنفسها (حديثة وديمقراطية. لاسيما إذا صدرت تلك "التأكيدات" من الآخر نفسه. (Faiq, ويقول سكماكجي في هذا السياق أنّ هذه النماذج الروائية استعادت المتخيّل الاستشراقي، ليتكشّف سرابا، وضربا من التّوهم. وبناء صورة غرائبيّة للشّرق، قصد بها إبهار المتلقّي الغربي ويخلق هويّة ملتبسة لا تنفصل عن الآخر وتتموضع بالنّسبة إليه لم يقتصر هذا التّماهي على الرّؤية المستلبة التي تذعن للغرب بتفوقه ومركزيّته، وتتمثّل مقولاته عن الشّرق وإنّما يصبح الشّرق ضرورة غربيّة للمتعة، (سكماكجي، 2018) فالكتابة من أجل الترجمة أيْ رغبة الكتاب في رؤية أعمالهم تترجم إلى إحدى لغات الثقافة المهيمنة كاللغة الإنجليزية والفرنسية يدفعهم إلى الاطلاع بشكل واسع وبتعمق على الثقافة الأدبية الإنجليزية والفرنسية لاسيما التعرف على الصور النمطية الاستشراقية أو المركزية الأوروبية وإدراجها ضمن كتاباتهم، وعلى هذا الأساس، وجد المنتجون المصريون للأدب الحديث أنفسهم مجبرين ولو ضمنيًا على مجاراة القيم الإيديولوجية والجمالية الفرنسية السائدة نزولاً عند ذوق المتلقي. Translation and Cultural Hegemony: The Case of French-Arabic Translation ، هذا من حيث مضمون النص الأصلي أمّا من ناحية نقل وترجمة هذا الأدب إلى اللغة والثقافة الفرنسيتين فهو يتم حسب جاكمون وفق إستراتيجيتين شاملتين إمّا "العجائبية" Exotisation أو التجنيس Naturalisation أو ما يسميه فينوتي إستراتيجيتي التوطين والتغريب، فالمترجمون والناشرين لا يُقدمون على ترجمة أو نشر الأدب العربي حتى المكتوب بغير اللغة العربية إلاَّ وهم آخذين بعين الاعتبار توقعات الجمهور الغربي الذي يبحث عمومًا على تلك الكليشيهات المتجذرة في مخياله والتي تستند إلى نظم التمثيل وإلى بعض "القوالب النمطية" التي تملي الميزات الخطابية الخاصة بالثقافة العربية والإسلامية المستخدمة في الترجمات أو النصوص الأصلية وبغية توضيح هذه النقطة أكثر ضرب جاكمون مثالين مأخوذين من قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في فرنسا في السنوات القليلة الماضية الأول يخص كتاب بيتي محمودي المعنون " أبدًا دون ابنتي" و يُعدُّ الكتاب الأكثر مبيعًا في جميع أصناف الكتب لسنة 1990 (1. 910. فلا يسع المرء في هكذا حالة، إلاَّ أن يتساءل عن العلاقة بين هذا النجاح الرائع ونوع تمثيل الشرق الذي يؤكدونه ويعززونه، إلا أنّها ذات أهمية حاسمة في فهم الرهانات الحقيقية والتفاعل المستمر بين التقاليد والتتمثيلات الغربية «there is a continuous interaction between western and specifically French representations of Arabic culture and linguistic, cultural, and political economy of translation from Arabic into French» (JACQUEMOND, 1992 p. 148) لاسيما الفرنسية منها للثقافة العربية وهو ما ينعكس لا محالة على الترجمة من العربية إلى الفرنسية. خاتمــــة: ما يمكن قوله في الأخير أنه كان للصور النمطية الراسخة في مخيال الإنسان الأوروبي التي رسمها المستشرقون، الأدباء، الرحالة، والمبشرون، سواء من خلال كتاباتهم المباشرة أو عبر الترجمة من مثل قصص "ألف ليلة وليلة" الأثر الكبير في تكوين صورة رومانسية مبالغ فيها عن الشرق، وسعى بعض الكتاب الغربيين من خلال حكايات شهرزاد وعلي بابا والسندباد البحري إلى بلورة رؤية غير موضوعية وغير حقيقية عن الشرق. كما أن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الغربية ساعدت في تشكيل وتشويه صورة العرب والمسلمين، مما حول الترجمة من وسيلة للتبادل الثقافي إلى آلية لتشجيع الغزو الثقافي والهيمنة الفكرية. وقد تبين أن النصوص المترجمة تخضع لانتقاء دقيق، حيث تُختار فقط تلك التي تتوافق مع معايير وقيم الثقافة المستقبلة،


النص الأصلي

عنوان المداخلة: ترجمة الأدب العربي: التماهي مع الصور النمطية
مقدمة
لا شك أن الترجمة الأدبية قد لعبت دورًا كبيرًا في التعريف بالثقافة والهوية المحليتين، وساهمت في تعزيز الفهم والتواصل مع "الآخر"، مما خلق تفاعلًا ثقافيًا وحضاريًا. كما ساعدت في الكشف عن أوجه التشابه والاختلاف بيننا وبين الآخرين، ومن ثم أسهمت في تشكيل صورة متبادلة عنهم وعن أنفسنا. غير أن هذه الصورة قد لا تكون دائمًا دقيقة أو صادقة، إذ أن "الأنا" غالبًا ما يرى نفسه في أفضل صورة ويعتقد أن "الآخر" هو الناقص أو الخطأ ، فالترجمة الأدبية، من هذا المنظور ،لا تتم في فراغ إيديولوجي أو في حياد تام؛ بل تخضع لتأثيرات متعددة، مثل العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، التي تؤثر في إنتاجها وتلقيها ولا تقتصر، كما يوضح لورانس فينوتي، على نقل الكلمات والجمل بل تلعب دورًا كبيراً في تشكيل صورة عن "الآخر" وثقافته في فترة تاريخية معينة وتساهم في عرض طريقة حياة تعتبر غريبة عن الجمهور المتلقي، لذا يسعى بعض المترجمين إلى توجيه الترجمة نحو ملائمة النص الأجنبي مع الثقافة المستهدفة، و إلى جعل النص المترجم سلسًا وشفافًا خاليًا من الفروق اللغوية والثقافية بين اللغتين والثقافتين. وهذا غالبًا ما يتم عن طريق استبدال بعض التفاصيل بما يتناسب مع "ذوق" الجمهور.
1-الاستشراق وتأثيره في تشكيل الصور النمطية عن العرب
إنّ تاريخ العلاقة بين الغرب والعالم العربي طويل ومعقد، خصوصًا في السياق الفرنسي الذي تأثر بشكل كبير بالحروب الصليبية، حيث ارتبطت صورة العربي في الأدب الفرنسي بالهمجية والشهوانية، وقد ساعد التفوق الغربي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، على ترسيخ هذه الصورة النمطية المشينة وانعكس ذلك على الترجمات التي تمت للأدب العربي إلى اللغات الغربية حيث تقدم صورة غير دقيقة، مثقلة بالغموض والغريزية، كما في "ألف ليلة وليلة" التي أسهمت في رسم صورة رومانسية ومثالية عن العالم العربي.
فالغرب يفضل ترجمة الأدب العربي الذي يؤكد صورة محددة عن العرب ترتبط بالعنف والتطرف مثلا والذي يبرز صورة المرأة العربية "المقهورة
وقد أشار محمد داود (Daoud, 2006) في مقالٍ له بعنوان" العالم العربي في المخيال الغربي: الترجمة والتبادل الثقافي" إلى عملية تشكيل الصورة الثقافية للعرب من طرف المستشرقين وعبر طريق الترجمة وكيف تمَّ تكرار هذه الصورة والمحافظة عليها في العديد من الكتابات سواء المترجمة من اللغة العربية أو المكتوبة مباشرة بإحدى اللغات الأوروبية حيث يرى أنَّ ما يُكتب حول الحضارة الشرقية هو نتاج المستشرقين ورجال الأدب والرحالة والمبشرين ...إلخ وأنّه يتم تشكيلها عبر الرؤية "العجائبية"التي يحملها سحر روايات ألف ليلة وليلة وهو العمل الذي تُرجم إلى اللغة الفرنسية سنة (1704) من قبل غالان ليُترجم بعد ذلك إلى لغات أوروبية أخرى والذي نقل رؤية مثالية محمّلة برموز أسطورية طبعت الخيال الأوروبي.
كما قدمت العديد من الروايات الغربية الشرق كمكان للحكم الاستبدادي، والعنف، والخرافات. واستمرت هذه الصورة في بعض الأدب الذي جعل الشرق يبدو كمكان أقل شأناً وأكثر غرابة مقارنة بالغرب فالصورة التي خلقتها الترجمات التي تمَّت خلال قرون عديدة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية كثيرًا في إنتاج العديد من الصور النمطية عن العرب والمسلمين وتقول ندى توميش بخصوص تلك الترجمات أنّها (TOMICHE, 1978) تعكس صورةً غير سارة وغير إيجابية للعالم العربي وتُظهر صورةً موسومة بالعجائبية exotisme والشهوانية والسذاجة التي تزخر بها حكايات ألف ليلة وليلة وحتى النصوص الأدبية الحديثة التي يتم اختيارها للترجمة لم تسلم من ذلك فهي نصوص تقدم في الغالب مجتمعًا مُتخلفًا تمامًا وعالمًا فلكلوريًا لم يعُد يمثل العالم العربي حاليًا وذلك من أجل أن تستجيب لطلبات وانتظارات جمهورٍ متلقي يبحث في الأدب عن عالمٍ مُتخيلٍ من شأنه أنْ يُعارض الحقيقة التي يعيشها، وقد بيَّن البروفيسور جون لويس موم في المؤتمر الدولي الأول للأدب المقارن في البلدان العربية سنة 1983 بمدينة عنابة أنَّ الصورة التي ينقلها الأدب العربي المترجم والأدب الغربي الذي يتناول الشرق الأوسط والمغرب العربي هي صورة ذلك العربي"الحقير" و"القذر" و"اللص والصموت" و"الغامض" والـمُحيّر وأسوء من ذلك–الفضُّ-المتوحش-الغير إنساني وهي في الحقيقة صفات ليست جديدة ومستحدثة بل متجذرة في مخيال الإنسان الأوروبي ويتم استرجاعها عبر طريق الترجمة وتأكيدها فقط، فهي ترجع إلى العصور الوسطى لاسيما إلى الكيفية التي نظر بها المستشرقون والأدباء والرحالة والمبشرين إلى "الآخر الشرقي" والعربي المسلم على وجه الخصوص، فعند التقاء ثقافتين وحضارتين مختلفتين فإنّ استرجاع صور الماضي كما يرى إدوارد سعيد تُعتبر من بين الاستراتيجيات الأكثر شيوعا في تفسير الحاضر، فالماضي لم ينتهي فعلاً بل يستمر ولكن تحت أشكال مختلفة.
«appeals to the past are among the commonest of strategies in interpretations of the present. What animates such appeals is not only disagreement about what happened in the past and what the past was, but uncertainty about whether the past really is past, over and concluded, or whether it continues, albeit in different forms » (Said, 1993 p. 1)
وكما يقول شحاتة:
(شحاتة، 2008 الصفحات 28-29) : « إنتاج الآخر( أي آخر) وفق صور متخيلة تعتريها تشوهات الإحالة والفصل والمعايير الميتافيزيقية التي وسمت مجمل تاريخ الفلسفة الميتافيزيقية الغربية وهكذا تظهر ميتافيزيقا الاستشراق الذات الغربية في زهوة تفوقها وقوتها وسطوتها، بينما تُزيّف ثقافة الأخر الشرقي (خصوصًا الإسلامي) وتحتقر ثقافته ولغته وديانته ووجوده وتضعه خارج التاريخ وخارج الفضاء الكوني المشترك».
فالنصوص، سواء أكانت أصلية أم مترجمة، لا تُكتب في فراغ ايديولوجي وحيادية تامة، بل تخضع لخطاب ثقافي سائد يفرض قيودًا على إنتاجها ويصبح الخطاب بهذا المعنى مدخلًا سياقيًا يحدد الإطار اللغوي المناسب لكل ثقافة، حيث يلعب المترجم دورًا في التعبير عن هذا الإطار بما يناسب المؤسسات التي يخدمها النص. وتؤثر هذه الأفكار النمطية عن "الآخر" على قرارات الناشرين في اختيار النصوص المترجمة، حيث تفضل الأعمال التي تلبي هذه الأفكار

و يرى فائق أن الخوف من "الآخر" قد يؤدي إلى اعتماد استراتيجيات لغوية تعزز التراتبية والهيمنة، مما يخلق صورًا نمطية تعزز الأفكار السائدة عن "الآخر و تؤدي معها عملية الترجمة إلى تطويع النصوص الأجنبية وفق القيم والمعايير الغربية و أنَّ عملية المحافظة على هذه الصورة وديموموتها يتم من خلال عملية التلاعب واختيار بعض الأعمال للترجمة حيث (FAIQ، 2007) يتم توطين النصوص المترجمة لتتناغم مع النظام القائم لتمثيل العرب وثقافتهم، فاستراتيجيات الترجمة" العجائبية" والتلاعبية والتخريبية والتملكية لا تزال تحكم اللقاءات الفكرية عن طريق الترجمة من العربية وتمثيلات مرتبطة بمتكلميها ويؤكد أنَّ "الآخر"، على الرغم من أنه "غالباً ما يُساء فهمه ويُساء تفسيره، يُنظر إليه على أنَّه أجنبي ومختلف ولكن في نفس الوقت جذاب بشكل غريب" والجاذبية في هذا المقام هي مرادفة لعالم مليء بالإثارة، أي لعالمٍ من العجائبية، فمنظور"الذات" فيما يتعلق"بالآخر"هو ما خلق أساسا"الشخصيات النمطية" أيْ أنّ الثقافة الـمُترجـِمة تُحدّد، حسب قوتها، خصائص معينة للشخصية الـمُترجَمة ويتم إنشاؤها بشكل أساسي من قبل الدول الأكثر قوة لأغراض عرقية فعلى سبيل المثال، ليس هناك شك في أنَّ " ألف ليلة وليلة" و«علي بابا"، أو "رباعيات عمر الخيام" هي بعض الأعمال الأكثر جاذبية للغربيين لأنها تُقدم الصورة التي يتوقعونها، ويريدون رؤيتها في "الآخر" الأجنبي، أيْ العالم الشرقي الذي يغمس القرّاء بصورة كبيرة في العوالم الغريبة والرائعة التي تستحضر صورةً مبتذلة وربما غير موجودة أصلاً للحياة في الصحراء وأسرارها عن الخلفاء والحرم والثروة، لذا فإن خطر القوالب النمطية هي أنها تضع حدودًا لما هو طبيعي ومقبول ومن ثم تصبح هذه الخصائص جزءاً مجرداً لكيفية إدراك القراء المستهدفين لاختلاف "الآخر" سواء كان تاريخياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً.
وقد لاحظ إدوارد سعيد في كتابه "سياسات السلب والتجريد: كفاح الفلسطينيين في سبيل تأكيد المصير" (SAID, 1994)قلَّة اهتمام الغرب بترجمة الأدب العربي وإنْ اهتم فهو لا يهتم سوى بالأدب العربي الذي يُنتج ويُؤكد الصورة التي لديه عن العالم العربي أو التي يريدوها كما أنّ تلقي هذا الأدب مرتبط ارتباطًا طرديًا بإنتاج بعض الصور النمطية والكليشيهات وكأنَّ ستارًا حديديًا من اللامبالاة والتحيز يستبعد أيّ اهتمام بالنصوص التي لا تكرر الكليشيهات المعتادة حول "الإسلام"، العنف، الشهوانية، وهكذا دواليك، فالظاهر أنَّ سياسة متعمدة تحافظ على نوع من الاختزال المتجانس عندما يتعلق الأمر بالعرب والإسلام كما أنّ معظم ما تم نشره في التعليقات الصحفية وتعليقات الخبراء في وسائل الإعلام الأمريكية مجرد تكرار لصور نمطية فظيعة، وينبع كلّ ذلك بشكل واضح لا لبس فيه من سياسة حكومة الولايات المتحدة التي طالما اعتبرت العرب إمَّا إرهابيين أو خدم بُلهاء يجب أن يُحلبوا أموالهم أو نفطهم الغزير والرخيص.
كما لاحظ الشاعر والمترجم رفعت سلام أيضا (رجب، 2018) من خلال رحلاته إلى عدد من العواصم الأوروبية، أنّ أعمال الكاتبة المصرية أليفة رفعت تلقى اهتماما كبيرًا وقد تُرجمت ونوقشت كثيرًا لأنها تتحدث عن وضع المرأة المقهورة أو المهمشة، وهي أعمال تكرّس وجهه النظر النمطية في الغرب عن الشرق المتخلف.
1-1- تأثير السياق السياسي على اختيار الأعمال المترجمة
تعد الترجمة أداة أساسية للتواصل بين الثقافات، حيث تتيح نقل الأفكار والمعارف بين الشعوب المختلفة. ومع ذلك، لا يتم هذا النقل دائمًا بشكل حيادي أو موضوعي، بل يخضع في العديد من الأحيان لتأثيرات متعددة، من أبرزها السياق السياسي الذي يؤثر بشكل كبير في اختيار الأعمال المترجمة. إنَّ السياقات السياسية تتداخل مع عمليات الترجمة من خلال تأثيرها على أولويات النقل الثقافي، سواء عبر دعم ترجمة أعمال تتماشى مع توجهات سياسية معينة أو تقليص نشر أعمال قد تتعارض مع المصالح السياسية.
في هذا السياق، قد تساهم الهيمنة السياسية أو الأيديولوجية في تحديد نوعية النصوص التي يتم اختيارها للترجمة، مما يؤدي إلى تشكيل صور مشوهة أو منحازة عن الثقافات الأخرى. سواء كانت هذه الترجمات تسهم في تعزيز صورة معينة أو تنقل مفاهيم ومعلومات تحافظ على الهيمنة السياسية والثقافية، فإن تأثير السياق السياسي لا يمكن تجاهله في فهم كيفية انتقال الأدب والفكر عبر الحدود.
توصل بوشلر وغوثري (Büchler Alexandra, Guthrie Alice، 2011) إلى أنَّ الكتب الصادرة عن العالم العربي والموجهة للترجمة يتم تحديدها عمومًا انطلاقًا من العوامل الاجتماعية-السياسية بدلاً من الرغبة في استكشاف الثقافة الأدبية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمزاياها وخصائصها الأدبية فالكتب الواردة من هذه المنطقة غالباً ما يتم تناولها في المقام الأول كمصدر لوثائق اجتماعية وسياسية بدلاً من كونها أعمالاً أدبية في حدّ ذاتها.
وهي نفس الملاحظة التي توصلت إليها نورة الخراشي (ALKHARASHI, 2016) في دراسة لها على رواية "عمارة يعقوبيان" حيث أدركت أن طبيعة الموضوع الذي تتناوله الرواية لعب دورًا أساسيًا ومركزيًا حتى تلاقي ترجمتها النجاح في الغرب حيث تتعامل رواية "عمارة يعقوبيان" مثلاً مع قضايا مثيرة للجدل تتعلق بالسخط السياسي ورُهاب المثلية الجنسية والتمييز على أساس الجنس والأصولية الإسلامية والإرهاب وهي مواضيع جذابة للقارئ الغربي خاصةً وأنَّ نشرها كان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عندما كان اهتمام الغرب هناك يتزايد بسياسات الشرق الأوسط وثقافته.
لتضيف أنَّ نجاح رواية" عمارة يعقوبيان" ليس دليلاً بحد ذاته على الانفتاح على الأدب العربي المعاصر في سوق الأدب الإنجليزي بل هو دليلٌ على أنَّ السياق السياسي والثقافي الذي نُشر خلاله العمل ونزول المترجمين والناشرين عند توقعات وانتظارات القارئ المعاصر في الوقت والمكان المعينين يؤدي إلى تلقي نقدي وتجاري إيجابي للأدب العربي في السوق الانجليزي.
«The success of The Yacoubian Building is not in itself evidence of openness to contemporary Arabic literature in the English literary market. It is, however, evidence that the political and cultural context of a work’s release, coupled with a good understanding by translators and publishers of the contemporary reader’s expectations at a given time and place, can result in the critically and commercially favourable reception of Arabic literature in the English market» (ALKHARASHI, 2016 p. 57).
ويروي بيتر كلارك استنادًا إلى تجربته الشخصية لترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإنجليزية ما يلي: « أردت . . . ترجمة مجلَّد من الأدب السوري المعاصر واعتقدت أنَّ عمل عبد السلام العجيلي كان جيدًا جدًا وجديرٌ بترجمة أعماله إلى الإنجليزية فالعجيلي طبيب في السبعينيات من عمره كتب الشعر والنقد والروايات والقصص القصيرة وقصصه القصيرة على وجه الخصوص رائعة جدًا حيث تقع أحداث العديد منها في وادي الفرات وتُصور أشخاصًا تتعامل مع السياسة ومع الدولة المطلقة فاقترحت على ناشرٍ إنجليزيٍ مجلدًا من القصص القصيرة للعجيلي فقال لي: "هناك ثلاثة أشياء خاطئة في الفكرة. إنه "ذكر" وكبير في السن ويكتب قصصا قصيرة. ألا يمكنك العثور على روائية شابة؟ "
«I wanted . . . to translate a volume of contemporary Syrian literature. I . . . thought the work of ‘Abd al-Salam al-’Ujaili was very good and well worth putting into English. ‘Ujaili is a doctor in his seventies who has written poetry, criticism, novels and short stories. In particular his short stories are outstanding. Many are located in the Euphrates valley and depict the tensions of individuals coping with politicisation and the omnipotent state. . . . I proposed tomy British publisher a volume of ‘Ujaili’s short stories. The editor said, ‘There are three things wrong with the idea. He’s male. He’s old and he writes short stories. Can you find a young female novelist?’ » (FAIQ, 2004 p. 4)
2- انتقائية نصوص "الآخر"، انصياعٌ لمعايير ثقافية مهيمنة
من المسلم به حاليًا أنّ أيّ منتوج أدبي يُعدّ سلعة كباقي السلع الأخرى ويخضع لمتطلبات ومقتضيات عالم المبيعات من عرض وطلب وذوق الزبون أو المستهلك(القارئ) وتطلعاته وهو عالم يفرض منطقه بقسوة وبلا شفقة على جميع المنتجات وعلى جميع الفاعلين فيه(أدباء، مترجمون، ناشرون، دور نشر،....إلخ )، لذا فإنّ أهم ما يتحكم في عملية اختيار النّص الأصلي الموجه للترجمة هو مدى قدرته على تحقيق مردودٍ مادي وذلك بغض النظر عن قيمته الأدبية والجمالية والقيم الإنسانية التي يحتويها.
صحيحٌ أنّ المترجم هو من يقرر تبني إستراتيجية شاملة من بين الاستراتيجيات المتاحة له حال نقله للنص المُختار للترجمة وأنّه حقيقة وفعلاً من أهم الفاعلين في الفعل الترجمي غير أنّه بالرغم من تلك المكانة التي يتمتع بها يخضع كغيره علاوة على المعايير المجتمعية والثقافية التي سينقل إليها النص المترجم إلى رغبات العديد من الأطراف ولعلّ أهم طرف يخضع له في نظرنا هو صاحب التكليف بالترجمة( الذي قد يكون شخصا أو مؤسسة، دار نشر مثلا) لأنّ الأخير هو من سيدفع للمترجم أجرته والمقابل المادي المتفق عليه مسبقًا وهو الحال مع ترجمة الأدب العربي فالذي يحكم ترجمة الأدب العربي إلى الغرب بصورة عامة هو ضمان النجاح التجاري للترجمة لأن دور النشر مؤسساتٌ تجارية تعمل وفق قانون العرض والطلب.
و"القاعدة هنا: من يدفع هو من يختار، ولا بد من التذكير والإشارة إلى أن ترجمة أوائل روايات نجيب محفوظ أو إميل حبيبي على سبيل المثال لم تتم إلا بفضل الدعم المادي للناشر الذي قدمه معهد العالم العربي بباريس". (عرودكي، 2016)
فالنصوص المترجمة تخضع إلى انتقاء شديد بحيثُ لا تُختار إلاّ النصوص التي تستجيب لمجموعةٍ من المعايير والقيم السائدة في الثقافة المنقول إليها والتي غالبًا ما تكون ثقافةً مهيمنةً كما يذهب إلى ذلك العديد من دارسي الترجمة خاصة الما بعد كولونيالية، لذا فإنّ لتكرار اختيار نفس النصوص بنفس المضامين والأشكال أثرٌ كبير على تشكيل الهويات الثقافية وتمثيلها وإنتاج القوالب النمطية وتأكيدها، ذلك أنّ عملية نقل النصوص وترجمتها وتأويل مضامينها يندرج غالبًا في ميدان السياسة والأيديولوجية وعلاقات القوة.
«Contemporary cultural theory, therefore, deals with the relationship between the conditions of knowledge production in one given culture, and the way knowledge from a different cultural setting is relocated and reinterpreted according to the conditions in which knowledge is produced. They are deeply inscribed within the politics, the strategies of power, and the mythology of stereotyping and representation of other cultures.» (CARBONELL, 1996 p. 80)
2-1- من حيث مضمون النصوص
إن الخطاب السائد في ثقافة من الثقافات يفرض قيوده على جميع الفاعلين في المجال الإبداعي على المستوى الماكروي( السياق العام ) وهو ما يجعل "الأنا" و"الآخر" متموقعين في طرق التمثيل الموروثة والمخزنة في الخبرة الجماعية ويصبح كلّ "أنا" خائفا من "الآخر" ويرى فائق في هذا الإطار أنّه عندما يخاف "الأنا" من الآخر فإن الاستراتيجيات المعجمية(الخيارات اللغوية) المتوقعة هي تلك التي تحقق التسلسل الهرمي والتبعية والهيمنة وغالبًا ما يؤدي ذلك إلى إنشاء صور نمطية مصحوبة عادةً بتمثيلات متواجدة أصلاً في المخيال الجمعي والتي تعزز الأفكار التي تكمن وراءها، فتقديم "الآخر" من خلال الترجمة هي إستراتيجية قوية للإقصاء ينظر إليها "الأنا" على أساس أنّه أمرٌ طبيعي بل وأخلاقي وليس من المستغرب أن يكون هذا الاستبعاد مصحوبًا بعملية إدراج بعض من الأعضاء "المقبولين" للآخر"، شريطة أن يعتمدوا ويتكيفوا مع الخطاب ونظام التمثيل السائد عن "الآخر"
When the other is feared, the lexical strategies (language choices) one expects are those that realize hierarchy, subordination and dominance. Otherness can and often does lead to the establishment of stereotypes, which usually come accompanied by existing representations that reinforce the ideas behind them. The presentation of others through translation is a powerful strategy of exclusion used by a self as normal and moral (Said, 1995). Not surprising, this exclusion is also accompanied by an inclusion process of some accepted members from the other as long as the acceptees adopt and adapt to the underlying master discourse and its associated representational system and ideology of the accepting self, acceptors. (Faiq, 2008 p. 30)
وعند النظر إلى الخطاب من الجانب الترجمي، فإن أنماط الكلام أو الكتابة المؤسسية التي تعكس المواقف تجاه هذا النشاط الاجتماعي –الثقافي ستفرض نوعًا آخر من القيود على المترجمين، خاصةً عندما تكون مواقفهم فيما يتعلق بالخطاب السائد مختلفة أو لا تتوافق مع المعايير السائدة في الثقافة الهدف أو مع المعايير المحددة لأنظمة اختيار النص الموجه للترجمة وإستراتيجية نقله وتمثيل الآخر واستهلاك وتلقي الأعمال الأجنبية
كما أنَّ الهدف من هذه الترجمة هو إرجاع "الآخر المختلف ثقافيًا" كالأنا حتى يُمكن التعرف عليه وحتى يكون مألوفًا غير أنَّ الخطر من توطين النَّص الأجنبي يكمن في أنَّه غالبًا ما يتم عبر مشاريع واعية تخدم الترجمة الإمبريالية الاستيلائية والإلحاقية على الثقافات الأجنبية من أجل أجندات محلية وثقافية واقتصادية وسياسية.
وهو ما خلص إليه الطعمة (Altoma، 2005) إذ أرجع النزعة الإيجابية لترجمة أعمال كاتبات عربيات من أمثال سحر خليفة (1985)، إميلي نصر الله (1987)، أليفة رفعت (1983)، نوال السعداوي (1983، 1985، 1987، 1988) وحنان الشيخ (1986) إلى الاتجاه العام للحركة النسوية في العالم الغربي الذي ركَّز على قضية الحركة النسوية في العالم الثالث ووجهات نظر النساء حول أهم القضايا السياسية والاجتماعية الرئيسية في بلدانهم ما يشي أنَّ من بين أهم دوافع اختيار ترجمة مؤلفات بعض الكاتبات العربيات هو الدافع السياسي الأيديولوجي كالاطلاع على وضعية المرأة في المجتمعات العربية الإسلامية لاسيما النصوص التي تؤكد صورة المرأة العربية المتجذرة في مخيال القارئ الأوروبي أي المرأة الخاضعة، المستكينة والمغلوبة على أمرها،ولا أدلّ على ذلك الكاتبة نوال سعداوي التي تبقى، حسب ذات الدراسة، من دون أدنى شك الكاتبة الأكثر قبولاً وتلقيًا واستحسانًا في المجتمع الغربي ليس بسبب القيمة الحقيقية لأعمالها الأدبية بل بسبب مقاربتها الراديكالية والصريحة في تصوير أوضاع المرأة في مصر والمجتمعات العربية، ففي الوقت الذي تمَّ فيه حظر وحجب كتاباتها في مصر وأماكن أخرى من المنطقة العربية، لاقت أعمالها، سواء كانت روائية أو غير روائية، انتشارًا واسعًا في الغرب ووصلت إلى جمهور أوسع بكثير من الجمهور الذي كان يصل إليه الأدب العربي حتى عام 1988 في حين أنَّ مواطنتها لطيفة الزيات (1923-1996) وهي من الروائيات والمفكرات البارزات قد تم تجاهلها أو إغفالها إلى غاية منتصف سنوات التسعينات.
تؤكد ريم بسيوني، الروائية والأستاذة بالجامعة الأميركية بالقاهرة، أنّ أغلب الروايات التي تتم ترجمتها من اللغة العربية إلى لغات أوروبية تتعمد كسر طابوهات الجنس والدين والسياسة، متماهية مع صورة نمطية سلبية سائدة هناك عن العرب، وتقول إنها عرضت لذلك فنيا في روايتها “مرشد سياحي”، وعندما حاولت ترجمة روايتها فشلت لأنها تخالف شروطا يضعها الناشر والمترجم وهي تقديم الصورة النمطية والسلبية عنا كعرب، هناك أفكار وصور صارت متجذرة عنا كعرب مفرداتها الإرهاب، التوترات السياسية، التخلف.. إلى آخر تلك الصفات السلبية السائدة عن العرب يبحث عنها الناشر الأوروبي لتسويقها”. (رجب، 2018)
و قد أشارت عبوشي دلال إلى تكرار صور معينة في عملية ترجمة الروايات العربية في بريطانيا فغالبًا ما يتم تخيُّل وكتابة الروايات التي تتم ترجمتها لإعادة تأكيد الأفكار المقبولة حول موضوعين مهيمنين: المرأة العربية والنهضة الإسلامية أو ما يسمى بالأصولية الإسلامية.
« Novels which are translated are often imagined to reconfirm accepted notions about two dominant subjects: Arab women and Islamic resurgency or what is called Islamic fundamentalism» (ABBOUSHI-DALLAL, 1998)
وتكشف "المفاهيم المقبولة في العالم الغربي عن القضايا المتعلقة بصورة العربي في هذه الترجمة وعن الأذواق الضمنية التي ينجذب نحوها القارئ الغربي أي نوعٌ محددٌ من المحتوى.
2-2-من حيث شكل النصوص
لاحظت عبوشي دلال (ABBOUSHI-DALLAL، 1998) فيما يتعلق بترجمة الشعر العربي مثلا إلى اللغة الإنجليزية الميل إلى إعادة إنتاج صور مماثلة للثقافة الأصل تحترم المعايير الشعرية للغة الهدف وترى أنَّ هذا المسار سيكون مسارًا مضللاً ولا يُمثل حقيقة الأدب العربي وثقافة العرب وتُفضل تسليط الضوء على الاختلافات الثقافية والتجارب الخاصة للشعراء العرب المعاصرين ولهجاتهم الخاصة ورؤاهم وهوياتهم العاطفية والروحية ذلك أنَّ إرضاء أذواق قراء الثقافة الهدف من حيث المحتوى أو الشكل سيؤدي إلى عدم تمثيل الشعر العربي أو تمثيل "مضلل" لذا يجب أن تأتي معايير الاختيار من خصوصية ثقافة المصدر وخبرات وهويات منتجيها.
« to bring out the cultural differences and the varied interests of contemporary Arab poets : their particular kinds of experience, their special emphases, their visions, and their emotional and spiritual identities » (JAYYUSI, 2005 pp. xxi-xxii)
كما يورد الفائق في كتابه اقتباس دلال الجيوسي لملاحظة جون أبدايك الذي يرى أنَّه من المؤسف أن السيد منيف لا يبدوا " ذو ميول غربية "مغرَّبًاOccidentalisé " بما فيه الكفاية لإنتاج رواية تشبه إلى حد كبير ما نُسميه رواية وهو الموقف الذي ينبع من الإيديولوجية النمطية الحالية الأحادية الجانب القائمة على الكونية والوحدة وتجانس الطبيعة البشرية.
«It is unfortunate . . . that Mr Munif . . .appears to be . . . insufficiently Westernized to produce a narrative that feels much like what we call a novel.’ Such an attitude stems from the one-sided, still current stereotypical ideology based on universalism, unitarism, and the homogeneity of human nature.» (FAIQ, 2004 p. 5)
هذه الإيديولوجية التي تهمش وتستبعد الخصائص المميزة والفريدة للمجتمعات العربية وتقاليدها الخطابية وترى أنَّ على "الآخر" أن يتكيف مع معاييرها حتى يُقبل كعضو في الثقافة الكونية وفي عالم الأدب وتؤدي الخيارات المتكررة إلى إنتاج "الصور النمطية" وإلى "سوء فهم" للثقافة الأصل حيث أنَّها تحجب "الحقائق" حول هذه الثقافة ولا تنقل وقائع حياة "الآخر" إلاَّ بقدر ما يُنظر إليه على أنَّه شفاف ولا تعتبر الأعمال الأدبية إلاَّ وثائق علمية (تاريخية أو اجتماعية أو أنثروبولوجية أو إثنولوجية أو غيرها).
ويرى شحيد في هذا السياق أنّ الفرنسيين مثلاً يتعاملون مع النّص الأصلي العربي بفوقية تجعلهم يجيزون لأنفسهم تشذيب النّص و"تمتينه كونهم يعتبرون أنّ إحاطة الكاتب العربي بنصه غير منضبطة؛ فيسلطون عليه أحكامهم "الديكارتية" البتارة، ويظنون أنهم إن أبقوا على النّص كما خرج من يدي الكاتب فسيفقد من رونقه وبهائه وسيخسر بالتالي عددا من القراء المتطلبين، فيعمدوا إلى إعادة كتابة النص ويجردونه من بعض التفاصيل ويقدمون ويؤخرون حتى "يستقيم" النص فكأن الكاتب العربي مازال في نظرهم طفلا يحبو ولم يشتد عوده وكأنّ الكتابة يجب أن تتبع "نموذجا أوروبيا بحتا" هو الفيصل والقسطاس؛ وكأن هناك كتابة معيارية واحدة، فإمام أن تكون الرواية العربية صنوًا للكتابة الأوروبية أو نسخة عنها، وإما أن لا تكون. (شحيد، 2007)
3-التماهي مع الصور النمطية

لم يسلم من تبني الاستراتيجيات التي تُعزز هذه الصور النمطية السائدة في الخطاب الغربي حتى بعض الكتاب العرب والمسلمين في العالم الغربي لاسيما أولئك الذين تمكنوا من جذب انتباه الأكاديميين والنقاد والقرّاء وحصلوا على جوائز مرموقة فقد كانت كتاباتهم تتطابق مع التمثيلات والصور النمطية الراسخة للثقافات والمجتمعات العربية والإسلامية والتي تتوافق مع الإيديولوجيات والأخلاق والقيم الراسخة للثقافة المترجم إليها.
ولعلَّ من الأمثلة اللافتة للنظر أحد أشهر الكتاب العرب باللغة الفرنسية، الطاهر بن جلون فعمله الذي أكسبه جائزة Goncourt عام 1987 أيْ رواية "ليلة القدر" مثلاً التي بيع منها ملايين النسخ وتمَّ ترجمتها إلى العديد من اللغات يتوافق تماما مع الخطاب السائد في العالم الغربي.
فعمله هذا يتأسس، بالإضافة إلى أعماله الأخرى، على هوسه بالجنس لأنَّه يعرض فيه عالمًا من الهذيان و"الأوهام ويُقدِّم قصصًا متنوعة عن اللاعقلانية والأمراض العقلية وهي ذات المفاهيم التي يمكن اكتشافها في أعمال المستشرقين عند وصفهم العرب والإسلام وهو بفعله هذا يقوم بإنشاء نص يسهل قبوله في الخطاب والثقافة السائدتين في المجتمع الفرنسي ويتوافق مع الصور النمطية التي لديهم عن العرب والإسلام، فبدلاً من أن يعرض العلاقات الموجودة بين عالمين مختلفين من الناحية العرقية والدينية والاجتماعية واللغوية ،تؤكد روايته "ليلة القدر" على أنَّها نص غربي كتبه كاتب "غير غربي"، كاتب "شرقي" وهذا بحد ذاته حالة مُرضِية جدًا للفرنسيين حسب جاكمون الذي يرى أنَّه يتمَّ استقبال وتلقي جميع "الوثائق" التي تُؤكد على غيرية الآخر وثقافته (المتخلف، السلطوي ...) والصور التي تمنحها الثقافة الفرنسية لنفسها (حديثة وديمقراطية...) لاسيما إذا صدرت تلك "التأكيدات" من الآخر نفسه. (Faiq, 2004).
ويقول سكماكجي في هذا السياق أنّ هذه النماذج الروائية استعادت المتخيّل الاستشراقي، فتحت الأفق رحبا للمخيّلة الغربيّة حتّى تستعيد هي أيضا "فردوسها المفقود"- فبواسطة السّرديّة العربيّة- الذي راود أحلام يقظتها حينا من الدّهر، ليتكشّف سرابا، وضربا من التّوهم. هي استعادة المتخيّل الاستشراقي، وبناء صورة غرائبيّة للشّرق، قصد بها إبهار المتلقّي الغربي ويخلق هويّة ملتبسة لا تنفصل عن الآخر وتتموضع بالنّسبة إليه لم يقتصر هذا التّماهي على الرّؤية المستلبة التي تذعن للغرب بتفوقه ومركزيّته، وتتمثّل مقولاته عن الشّرق وإنّما يصبح الشّرق ضرورة غربيّة للمتعة، وتسلية تُكسر بها رتابة الحياة عند الآخر؛ (سكماكجي، 2018)
فالكتابة من أجل الترجمة أيْ رغبة الكتاب في رؤية أعمالهم تترجم إلى إحدى لغات الثقافة المهيمنة كاللغة الإنجليزية والفرنسية يدفعهم إلى الاطلاع بشكل واسع وبتعمق على الثقافة الأدبية الإنجليزية والفرنسية لاسيما التعرف على الصور النمطية الاستشراقية أو المركزية الأوروبية وإدراجها ضمن كتاباتهم، وعلى هذا الأساس، وجد المنتجون المصريون للأدب الحديث أنفسهم مجبرين ولو ضمنيًا على مجاراة القيم الإيديولوجية والجمالية الفرنسية السائدة نزولاً عند ذوق المتلقي.
ويضرب جاكمون (JACQUEMOND R.، Translation and Cultural Hegemony: The Case of French-Arabic Translation ، 1992) مثالاً على ذلك بكتاب "الأيام" لطه حسين ويوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم وهي من أوائل الأعمال المصرية التي تُرجمت إلى الفرنسية وقد تأسس هذا الاختيار على ملمحيْن هامين أولاً لأنّ الكاتبيْن ينتميان إلى الطبقة البورجوازية وثانيا لأنهما يحملان نفس قيم الثقافة الغربية فهما بذلك أقرب إلى الغرب منه إلى المجتمع المصري من حيث نمط الحياة وقيمهما الأخلاقية كما أنَّ أعمالهما تؤكد وتُبرز الهوة الكبيرة بين المثل والقيم العصرية للكاتبيْن والمجتمع التقليدي "المتخلف" حسب وصفهما ففي الوقت الذي كانا يهدفان من خلال كتابيهما إلى نقد الوضع الاجتماعي للمجتمع المصري وجد فيها القرّاء الغربيون وصفًا مستفيضًا لعيوب المجتمع المصري وهو ما يؤكد لهم "غيرية الآخر" المختلف جذريًا وتمثيلات "الأنا" الفرنسي وهو ما يرضي الأنا الطاغي للقارئ الفرنسي لاسيما وأنَّ ذلك التصوير صدر عبر صوت "الآخر"، هذا من حيث مضمون النص الأصلي أمّا من ناحية نقل وترجمة هذا الأدب إلى اللغة والثقافة الفرنسيتين فهو يتم حسب جاكمون وفق إستراتيجيتين شاملتين إمّا "العجائبية" Exotisation أو التجنيس Naturalisation أو ما يسميه فينوتي إستراتيجيتي التوطين والتغريب، فالمترجمون والناشرين لا يُقدمون على ترجمة أو نشر الأدب العربي حتى المكتوب بغير اللغة العربية إلاَّ وهم آخذين بعين الاعتبار توقعات الجمهور الغربي الذي يبحث عمومًا على تلك الكليشيهات المتجذرة في مخياله والتي تستند إلى نظم التمثيل وإلى بعض "القوالب النمطية" التي تملي الميزات الخطابية الخاصة بالثقافة العربية والإسلامية المستخدمة في الترجمات أو النصوص الأصلية وبغية توضيح هذه النقطة أكثر ضرب جاكمون مثالين مأخوذين من قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في فرنسا في السنوات القليلة الماضية الأول يخص كتاب بيتي محمودي المعنون " أبدًا دون ابنتي" و يُعدُّ الكتاب الأكثر مبيعًا في جميع أصناف الكتب لسنة 1990 (1.910.000 نسخة) ويتناول شهادة امرأة أمريكية التي بعد أنْ تزوجت برجل إيراني وانتقلت معه إلى إيران ما بعد الثورة أدركت أنَّه ليس بإمكانها أن تتأقلم وتتعايش مع تغير ثقافي جذري، عندئذ وجدت نفسها مجبرة على خوض معركة مؤلمة للسماح لها بمغادرة البلاد مع ابنتها أمَّا المثال الثاني فهو كتاب جيل بيرو تحت عنوان "صديقنا الملك" (حوالي 300.000 نسخة في ستة أشهر فقط) وهو عبارة عن هجوم شرس على الملك الحسن الثاني، ملك المغرب مركّزًا على سجله الفقير في مجال حقوق الإنسان، فلا يسع المرء في هكذا حالة، دون أدنى تشكيك في صدق هؤلاء المؤلفين والصدق الأخلاقي لقضاياهم، إلاَّ أن يتساءل عن العلاقة بين هذا النجاح الرائع ونوع تمثيل الشرق الذي يؤكدونه ويعززونه، ففي كلتا الحالتين، نشهد الشرق البربري والاستبدادي:استبداد الرجل كزوج ورب عائلة في كتاب محمودي واستبداد الحاكم على رعاياه الذين يعيشون وفق مشيئته في كتاب بيرو.
صحيح أن هذه الملاحظات لا تتعلق بالترجمة على ما يبدو، إلا أنّها ذات أهمية حاسمة في فهم الرهانات الحقيقية والتفاعل المستمر بين التقاليد والتتمثيلات الغربية
«there is a continuous interaction between western and specifically French representations of Arabic culture and linguistic, cultural, and political economy of translation from Arabic into French» (JACQUEMOND, 1992 p. 148)
لاسيما الفرنسية منها للثقافة العربية وهو ما ينعكس لا محالة على الترجمة من العربية إلى الفرنسية.
خاتمــــة:
ما يمكن قوله في الأخير أنه كان للصور النمطية الراسخة في مخيال الإنسان الأوروبي التي رسمها المستشرقون، الأدباء، الرحالة، والمبشرون، سواء من خلال كتاباتهم المباشرة أو عبر الترجمة من مثل قصص "ألف ليلة وليلة" الأثر الكبير في تكوين صورة رومانسية مبالغ فيها عن الشرق، وسعى بعض الكتاب الغربيين من خلال حكايات شهرزاد وعلي بابا والسندباد البحري إلى بلورة رؤية غير موضوعية وغير حقيقية عن الشرق. كما أن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الغربية ساعدت في تشكيل وتشويه صورة العرب والمسلمين، وساهمت في تعزيز القوالب النمطية عنهم من خلال التشكيك في أسسهم التشريعية والطعن في مصادر تشريعاتهم، مما حول الترجمة من وسيلة للتبادل الثقافي إلى آلية لتشجيع الغزو الثقافي والهيمنة الفكرية.
وقد تبين أن النصوص المترجمة تخضع لانتقاء دقيق، حيث تُختار فقط تلك التي تتوافق مع معايير وقيم الثقافة المستقبلة، وهي معايير غالبًا ما تؤثر بشكل كبير في تشكيل الهويات الثقافية وطرق تمثيلها. فالاعتبارات التي تحكم اختيار الأعمال لترجمتها غالبًا ما تكون مرتبطة بالأفكار النمطية السائدة في مجتمع لغة وثقافة الوصول. ولا يقتصر الأمر على الغرب وحده، بل إن بعض الكتاب العرب والمسلمين في العالم الغربي، الذين تمكنوا من جذب انتباه الأكاديميين والنقاد والقراء وحصلوا على جوائز مرموقة، قد تبنوا أيضًا هذه الصور النمطية الراسخة عن الثقافات العربية والإسلامية، مما يتماشى مع القيم والأيديولوجيات المهيمنة في الثقافة المترجم إليها.
المترجمون والناشرون لا يقدمون على ترجمة أو نشر الأدب العربي – حتى وإن كان مكتوبًا بلغة غير العربية – دون أن يأخذوا بعين الاعتبار توقعات الجمهور الغربي، الذي غالبًا ما يبحث عن الصور والكليشيهات الراسخة في مخياله. كما أن السياق السياسي والثقافي الذي يتم فيه نشر العمل، وتكيف المترجمين والناشرين مع توقعات القارئ المعاصر في وقت ومكان معينين، يؤدي إلى تلقي نقدي وتجاري إيجابي للأدب العربي.


تلخيص النصوص العربية والإنجليزية أونلاين

تلخيص النصوص آلياً

تلخيص النصوص العربية والإنجليزية اليا باستخدام الخوارزميات الإحصائية وترتيب وأهمية الجمل في النص

تحميل التلخيص

يمكنك تحميل ناتج التلخيص بأكثر من صيغة متوفرة مثل PDF أو ملفات Word أو حتي نصوص عادية

رابط دائم

يمكنك مشاركة رابط التلخيص بسهولة حيث يحتفظ الموقع بالتلخيص لإمكانية الإطلاع عليه في أي وقت ومن أي جهاز ماعدا الملخصات الخاصة

مميزات أخري

نعمل علي العديد من الإضافات والمميزات لتسهيل عملية التلخيص وتحسينها


آخر التلخيصات

حيث تم التركيز ...

حيث تم التركيز على أهمية الموازنة بين المساءلة وإعادة التأهيل. من المتوقع أن تسفر نتائج البحث عن فهم...

تُعتبر المملكة ...

تُعتبر المملكة العربية السعودية واحدة من أهم الدول في العالم العربي والإسلامي، حيث تحتل موقعًا جغراف...

This study expl...

This study explores university students' experiences and perceptions of using artificial intelligenc...

1 تجارب تهدف ال...

1 تجارب تهدف الى اكتشاف الظواهر الجديدة 2 تجارب التحقق تهدف لاثبات او دحض الفرضيات وتقدير دقتها 3 ال...

طالبت الولايات ...

طالبت الولايات المتحدة الأميركية، يوم الأربعاء، مجلس الأمن الدولي بإنهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة لدع...

تعاني المدرسة م...

تعاني المدرسة من مجموعة واسعة من المخاطر التي تهدد سلامة الطلاب والطاقم التعليمي وتعوق العملية التعل...

يهدف إلى دراسة ...

يهدف إلى دراسة الأديان كظاهرة اجتماعية وثقافية وتاريخية، دون الانحياز إلى أي دين أو تبني وجهة نظر مع...

‏تعريف الرعاية ...

‏تعريف الرعاية التلطيفية‏ ‏وفقا للمجلس الوطني للصحة والرفاهية ، يتم تعريف الرعاية التلطيفية على النح...

Risky Settings ...

Risky Settings Risky settings found in the Kiteworks Admin Console are identified by this alert symb...

الممهلات في الت...

الممهلات في التشريع الجزائري: بين التنظيم القانوني وفوضى الواقع يخضع وضع الممهلات (مخففات السرعة) عل...

Lakhasly. (2024...

Lakhasly. (2024). وتكمن أهمية جودة الخدمة بالنسبة للمؤسسات التي تهدف إلى تحقيق النجاح والاستقرار. Re...

‏ Management Te...

‏ Management Team: A workshop supervisor, knowledgeable carpenters, finishers, an administrative ass...